بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الدكتور محمد اسحق الريفي المحترم
السيد الأستاذ عامر العظم العزيز
السادة الكرام, إخوة وأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متى كان طريق الحق سهلا ؟
لقد استوثقتم على أنفسكم ركوب هذا البحر الهائج المتلاطم الأمواج,ومن يركب البحر كما قال الشاعر لا يخشى من الغرق. لا شك انه في بعض الأحيان يشعر المرء بإحباط ونوع من اليأس والحرقة,لكن أهل المعرفة أمثالكم سرعان ما يحولوا هذه المشاعر الى نبض جديد يتألق فتوة وعطاء وأملا, و (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل),فالأمل موجود والمسيرة المثمرة مستمرة بإذن الله تعالى,وكما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (الخير في وفي أمتي الى يوم الدين),وها أنتم إن شاء الله إحدى بوادر هذا الخير.
كلامي هذا ليس تلطيفا وتجميلا لواقع مرير مفزع,فكلنا يعلم ما آلت اليه حالنا,لكن,ماذا سنفعل إذا يئس أهل الثقافة والفكر وقدوة المجتمع في الأمة,كيف سيكون ساعتها وضع البسطاء والعامة؟.ربما أن الله سبحانه قد اختصكم بما لم يقدره لغيركم من الناس,لكي تحملوا الراية وتخوضوا بها معارك التوعية والإرشاد,آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر,وهذه لعمري أخطر معركة وأحمى وطيس,لأن الوعي والإدراك هما السبيل الى التعقل والفطنة,لكي نتخلص من كل آفة وشائبة تعيق تقدمنا واستعادة مكانتنا تحت الشمس,متوجة مكللة بمكارم الأخلاق,وعندما تحددون يا دكتورنا العزيز رسالة واتا,تعلمون أنكم تبنون صرحا تزينه الأخلاق لتكون قاعدته وأعمدته,لأنه من دون الأخلاق كما تفضلتم,يصبح العلم جهلا,والقوة بطشا,والذكاء مكرا خبيثا,والدواء داءا,والقلم خنجرا سفاحا,والدسم سما زعافا,بينما الأخلاق تقلب الأمر وتعيده الى صوابه,فيصبح العلم حكمة ونعمة,والقوة حقا وعدلا,والذكاء دليلا نصوحا,والقلم سيفا فاصلا بين الحق والباطل,والدسم منفعة وترياقا. رحم الله شوقي يوم قال...
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت, فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وضعتكم الأقدرا بين أمرين لا ثالث لهما,وبين خيارين أحلاهما مر,إما الإستمرار رغم المصاعب الجسيمة ومرارتها الدنيوية,التي بفضل الله سبحانه يكتبها لكم أجرا ّاذا شاءت قدرته,وإما الإستسلام ,وهذا ما لا نعرفه عنكم,عهدا ولا سيرة,وما إصراركم على المضي قدما إلا خير دليل على صدقكم وتفاؤلكم.
لا أكتمكم سرا ايها الدكتور المناضل,أنني أشارككم الخيبة واللوعة,عندما أرى بلدا كالبرازيل حيث رست بي مقادير ومراكب الهجرة المبكرة,المصنف عالما ثالثا,يصنع كل ما يحتاجه تقريبا,ذلك البلد الذي إستورد من مصر الخبرات والتقنيات في إستخراج المعادن وصقلها وتصنيعها سنة 1958,زمن دول عدم الإنحياز والتبادل العام بين أعضائها,بينما نرى اليوم مصر والوطن العربي جثة هامدة,نأكل مما لا نزرع,ونلبس مما لا ننسج,وكم تزيد الحسرة وأنا أشاهد هذه الدولة في درجة العالم الثالث,تصدر قانونا يسهل الدراسة والتحصيل العلمي عبر المعاهد والجامعات الإفتراضية أو الأفقية أو الإنترنت,وتصدق حكومتها على مشروع يقضي بتمويل الطلبة الفقراء ليتشرفوا بنور العلم والمعرفة,وتسعى الى إنتشال أكثر من سبعة ملايين مواطن من غياهب الأمية,وايصال عدد قريب منه الى الجامعات خلال عقد من الزمن,فأسأل نفسي,هل نحن وإياهم في نفس الخانة من العالم الثالث,أم اننا صرنا تحت الأنقاض,بسبب سياساتنا الرسمية الفاشلة المقرفة؟.لكنني دائما أجيب نفسي ان الأمل باق,واننا في مخاض عسير,سوف يلد أمة عزيزة كريمة شامخة مهما ازدادت الآلام وتجرحت الزفرات.
والدي رحمه الله كان أستاذا,وكان على يقين ان التعليم هو رسالة وأمانة لا وظيفة,أذكر بعض ما قاله في ذكرى عيد المعلم قبل أيام من اغتياله
يا صديقي الزميل انت إمام,والتلاميذ خلّص أصفياء
كن لهم قائدا يناضل فيهم ,فصلاة المجاهدين اقتداء
فهنيئا لكم على هذا الدور المشرف,وهنيئا لكل من يبث الأمل في ربوع أمتنا,ثابتا متماسكا في وجه الأعاصير والرياح العاتية.
وإلى المتشائمين والهدامين الذين لا يعرفوا سوى جلد الذات العشوائي والتطبير,وعندنا منهم في لبنان ما يكفي العالم لينتكس الف مرة أقول,لا يفصل الليل عن الصبح سوى ساعات قليلات ماضيات,والفجر يتنفس قادما بصبح جليل,ترونه بعيدا ونحن نراه قريبا,والله جل وعلا ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المفضلات