هل تعرف ما فن "الكونداكاري"؟

الكونداكاري (Kündekâri) هي كلمة عثمانية تعني لغة المسك والإمساك، أما في واقع الأمر فهي اليوم تعني "فن الخشب المعشق". ويقوم على إحياء هذا الفن النادر اليوم حفنة صغيرة من فناني تعشيق الخشب الأتراك المهرة. ويعتبر منبر المسجد الأقصى المحترق في القدس، ومنبر جامع علاء الدين كيكوباط في تركيا من أجمل وأهم نماذج الخشب المعشق الفنية التي استطاعت الصمود إلى أيامنا هذه. ومن المعروف تاريخيا أن السلاجقة كانوا هم أول من استخدم التشكيلات الهندسية الفنية في فن الخشب المعشق أو بالمصطلح العثماني (الكونداكاري)، ومن المعروف أيضا أن هذا الوضع استمر في التطور في عهد العثمانيين.

ويعتبر الفنان التركي "مولود تشيلار" (Mevlüt Ciller) النقطة الأخيرة التي وصل إليها هذا الفن النادر في يومنا هذا. وهو يعرف فن تعشيق الخشب بأنه فن تمسيك القطع الخشبية المختلفة، بعضها ببعض، من خلال الزوائن (جمع زوانة)، ووصلات الخلع والنقر النصفي، من دون اللجوء إلى استعمال أي نوع من أنواع الغراء اللاصق. ويقول الكونداكار "مولود تشيلار" أن خشب الأبانوس يعد من أقضل أنواع الخشب المستعمل في هذا الفن، لكنه قليل الاستعمال نظرا لندرته ولغلاء ثمنه، وبدلا منه تستعمل أنواع أخرى من الخشب مثل خشب البلوط والجوز والأجاص والورد.

ويقوم المعلم "مولود تشيلار" بتطبيق الأشكال الهندسية في أعماله الفنية بحيث تعطي معان خاصة، وهو يصف فن التعشيق بأنه عملية عشق ومحبة.

بدأ المعلم "مولود تشيلار" العمل في هذه المهنة عام 1958 وكان حينها في سن السادسة عشرة، حيث عمل كمتدرب مع معلم الحفر على الخشب علي أدي بللي. وفي تلك السنوات، حصل أن دفع أحد المتاحف إليه بقطعة من الخشب المعشق القديم لتصليحها، فنجح في تصليحها، وبدأ منذ ذلك الوقت حبه لفن التعشيق.

لقد اختفى فن تعشيق الخشب (الكوندكاري) منذ القرن السابع عشر، لكنه عاد إلى الحياة من جديد، بفضل الجهود والأبحاث التي قام بها المعلم "مولود تشيلار" بالتعاون مع معلم حفر الخشب المعلم "حسين أي تكين". فقد قام الاثنان معا بالعديد من الأعمال المشتركة في العديد من بلدان العالم. حيث قام المعلم "مولود تشيلار" بأعمال تعشيق الخشب في جامع قوجا تبه في أنقرة، وفي جامع حاجي أويس زاده في قونيا، وفي جامع طوكيو، وفي جامع أحمد ياسوي في قزاخستان، كما قام المعلم "حسين أي تكين" بأعمال المنابر والمحاريب ومنصات الوعظ في تركيا وفي العالم، وقام كذلك بأعمال التعشيق المختلفة بأشكالها السلجوقية والعثمانية.

وقد ولد المعلم "حسين أي تكين" (Hüseyin Aytekin) عام 1966 في دربنت التابعة إلى مدينة قونيا، وباشر مهنته في الحفر على الخشب في اسطنبول عام 1979، وفي عام 1983 عاد من اسطنبول إلى قونيا ليتعرف بمعلم التعشيق "مولود تشيلار"، ويعمل إلى جانبه كمعلم لفن تعشيق الخشب (الكوندكاري). ويقول المعلم "حسين أي تكين" بأن فن التعشيق سيختفي مرة أخرى مع وفاة المعلمين القلائل الباقين على هذه المهنة. وهو يشير إلى أن الحواسيب قد أخذت توثر سلبيا على المهنة، وأنهم أضطروا إلى التوجه لانتاج بعض الهدايا التقليدية من أجل الحصول على ما يغطي نفقاتهم ونفقات أسرهم. وأنه يتمنى لو يكتب الرواج للوحات الفنية اليدوية التي لم تمسسها الالات، وكذلك مناضد الكتب المصنوعة من قطعة واحدة من الخشب.

وكان هذان الفنانان التركيان قد قاما بنقل مشغليهما إلى ورش المعهد الفني في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن، منذ عدة سنوات، حيث عملا وبالتعاون مع عشرة من الفنيين المصريين والاندونيسيين الآخرين في إعادة صنع دقيقة لمنبر صلاح الدين الذي انتهى العمل فيه قبل مدة يسيرة، حيث تم عمل الزخارف الجانبية والدرج والباب الرئيسي للمنبر، و"المقرنصات" التي تم تركيبها أعلى الدرج، وفوق منبر الخطيب، وأضيف دهان خاص للمنبر، من أجل مقاومة العوامل الجوية.

السؤال الأخير: هل حاولت كليات الهندسة والعمارة في جامعة البلقاء التطبيقية أو في الجامعات الأردنية الأخرى، الاستفادة من وجود هاذين الممثلين الأخيرين لفن تعشيق الخشب المهدد بالانقراض، وإنشاء معهد لتعليمه وإدامته، على غرار ما فعلنا بالنسبة لفن الفسيفساء، خدمة للفن، وخدمة للثقافة، وخدمة للحضارة الإنسانية؟

منذر أبو هواش

[Unload]لا إله إلا الله محمد رسول الله[/Unload]