الحُلُمُ الكَبيرُ
شعر: د. شاكر مطلق

مَنْ يَطرُقُ البَوّابةَ الكبرى
بأسـوارِ المدينـةِ
مُقلقاً صَمتَ الظَلامْ
بَلْ موقِظـاً حتّى العَناكبَ
في أعالي البُرج تَغفو والنّيامْ ؟!…

مَنْ جاءَنا يعدو على مُهْر الرّياحِ
يَدقُّ أسوارَ المدينةِ غاضباً
ومُدجّجاً حتّى العِظامْ ؟
عيناه من قلَقٍ وجَمْرٍ
قلبُه شَرراً يَطيرُ
وظِلُّهُ العالي على الطُّرُقات يَعلو
مثلَ أعْمِدةَ الدُّخَانْ .
نَشْتمُّ شيئاً في الهَواءِ
ولا نراهُ، ولا نراهْ
وكأنّهُ القَدَرُ الخَطيرْ
أَهُوَ البَشيرُ أمْ النّذيرْ ؟…

ماذا يقولُ لنا الغريبْ
من دونِ هَمْسٍ أو كلامْ
وبدون أن يُلقي التّحيةَ
أو يَردَّ لنـا السّـلامْ؟
اللعنةُ الأولى تَحُطُّ
علـى نوافذِنا العَتيقـةِ
مثـلَ غِربانِ المَسـاءْ
حَلَّ الوَباءُ على المدينةِ
فهـيَ تَهـذي ، تُحْتَضرْ
ونُبوءةُ العـرَّافِ وافَتْنا
فهَلْ يُجدي دعاءٌ أو سُوَرْ ؟ …

هــذا الحَجيـجُ ، أمامَ معبدِنا العَتيقِِ
يَهزُّ أغصَاناً من الّزيتونِ
يَدفعُ باليدين اللّعنةَ الأولى
وقد صارتْ طيوراً جارحاتٍ
فوقَ أسوار المدينَةِ
جاثياتٍ تَنتَظِرْ
زمنَ الأضَاحي والدُّعاءْ …

أرواحُنا كالزَّورقِ المَهْجورِ
في شـَطِّ الهَزيمةِ تَرتمـي
بيـنَ الـرُّكامْ
لَمْ نستَطعْ قَهـرَ العَواصفِ
آنَ داهَمنا الوَباءُ
وآنَ غَطّانا السَّقامْ
الكـلُّ جـدَّفَ حيثُ شـاءَ
بدون سَمْتِ البَوْصَلهْ
والنّجمُ ، نَجمُ الرُّوحِ ، ضاعَ
فلا نرى إلاّ الظّلامْ …

نُوتيُّ هذا المَركَبِ المَعْطوبِ ،
مَعطوبٌ تَرى ؟
أََمْ غابَ في خِدْرِ العذارى اللاَّهياتِ
بخِصْيَتينِ من الذَّهبْ
فوقَ العُروشِ الفارغاتْ ،
إلاَّ من الخَدرِ الجميلْ
إبّان عَربدةِ الرّياحْ ؟
ومغنيّاتُ الشَّرِّ يَسْحَرْنَ الحَواسَ
برِحلةِ التِّيهِ الجديدِ
يَقُدنَ مركَبَ روحِنا للصّخرِ
في الليلِ الضّبابيِّ المَطيرْ
ليلِ انفلاتِ الشَّرِّ والسَّفاحِ
في أرضِ النُّبوءةِ
والصَّليبِ على " الجليلْ "
لنُبـوءَةِ الطَيـرِ اسْـتَكنَّا
فـي الحُضونِ الدَّافئاتْ
والثَّورُ ينزِفُ في الجَليدِ
ولا يَرى شمسَ الصّباحِ
ولا يَرى غيرَ المُدى …
ماذا تبقَّى في مآقينا الحزينةِ
من رُؤانا الهارباتِ
مع الوعول الهاجراتِ
إلى مروج الذّاكرهْ
تغفو على حُلُمٍ بعيدْ
وتهزُّ أغصانَ القصيدةِ
علّها تُعطي ثماراً
للفصولِ القادماتِ
وقَحطِ روحٍ مُنتَظرْ،
ولعلّها تعطي العَزاءْ
والرُّوحُ، في خَدَرٍ، يَنوسُ
أمامَ وحْشِ الفاجعَهْ
وكأنَّه العُصفورُ مشلولاً
أمام الصِّلِّ من هَوْل اللّقاءْ
لا تَجلبُ الرُّقْيا خلاصاً
بلْ مزيداً من هَلاكٍ
كلّما اشتدَّ الدُّعاءْ …

عرّافُنا الأعمى العَجوزْ
لَمْ يستطعْ فكَّ الرُّموزْ
وطَلاسمَ العَهد الجديدْ .
لَمْ يستطعْ حتى الصِّياحَ
أو النِّبـاحَ أو العَويـلْ
إبّـان مَجـزرَةِ " الخليلْ " .
ما زال يَقرأُ سيرةَ " الزّيرِ " الأسيرِ
ولا يرى الجُّبَّ الكبيرَ
مُلغَّماً بيـن الـرّمالْ
وبنو هِلالٍ في الشَّتاتِ
فسِيرةُ الهِجْراتِ فينا لا تَزولْ .
في القاع متَّسَع لأحزانِ السُّكارى
والصّحارى في امتدادْ .
هَلْ تلكَ أسرابُ العذارى
يَعرُبيّاتُ القُدودِ
تَخِبُّ ، تَرزَحُ في القيودِ
وسَبيُ " بابلَ " قد يَعودُ
وقدْ تجيءُ القَارِعهْ
فعَلامَ ينأى الأنبياءُ
فلا نرى إلاّ الظّلالَ
على عُروشٍ من قَصَبْ ؟…

الفارسُ المَجهولُ
في غضَبٍ ينادي الهاربينَ
يدُّق أسوارَ المدينةِ
مُقلقاً حُلُمَ النِّيامِ
على نهودٍ من بَخُورٍ
في جِرارٍ للعسلْ
ومُؤَرِّقاً صمتَ العَناكبِ
والجَواري في القصورْ
وكأنّه القَدرُ الخَطيرُ
فهَلْ نلبِّي أمْ نَطيرُ
إلى فضاءِ الحُلْم نُحيي
_ في المَصائبِ _ " شَهرَيارْ "
ونَخطُّ في الألواحِ
أشعاراً من الصَّبارِ
أحلامَ الغُبارْ ؟
أمْ نفتحُ البّوابةَ الكبرى
بأسـوارِ المـدينـةِ
والعقـولِ النائمـاتِ
ونقتلُ التّنينَ- وحشَ المَرحَلهْ _
ونَخُطُّ تاريخاً جديدْ ؟!…
============================
حمص-سورية 25 /11 /1997 د.شاكر مطلق
*(المنام الكبير) هو عنوان كتاب "الوَهْراني" الذي أنتقد فيه الفسَاد في الدولة الأيوبية وكتبه برضى من "صلاح الدين الأيوبي".
E-Mail:mutlak@scs-net.org