آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تطور الفكر الجغرافي

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    04/01/2007
    المشاركات
    37
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي تطور الفكر الجغرافي

    منذ وُجد الإنسان علي سطح الأرض وهو يحاول معرفة خصائص المكان الذي يعيش فيه00هذا المكان الذي تدرج مداه من مجرد الموطن المباشر وما يعلوه من سماء زاخرة بالأجرام السماوية إلي المناطق المجاورة ، فالكرة الأرضية ككل ثم الكواكب الأخرى والكون الفسيح ، والسبب في ذلك هو "حب الاستطلاع curiosity" الكامن في النفس البشرية التي ترنو دائما إلى معرفة المجهول ، وقد كانت تلك الغريزة هي الأساس الأول لنشأة الفكر الجغرافي ، وذلك عندما أخذ الإنسان في إعمال فكره فيما حوله من ظاهرات طبيعية وكونية ، أو في إدراك اختلاف المظاهر من مكان إلي آخر أثناء تجواله وترحاله فيما حول مكان إقامته من مناطق ، وقد نشأ هذا الفكر عندما حاول الإنسان تفسير هذه الظاهرات والمظاهر في ضوء معرفته المحدودة وقتذاك 0
    وعندما وجد الإنسان نفسه منذ قدر له أن يعيش علي الأرض محصوراً في عالم محدود محاط بفضاء مطلق وبظاهرات طبيعية غير قابلة للتفسير لصعوبة فهمها كان لابد له كي يفسر سر وجوده في الحياة أن يخلق بفكره وشعوره عالما تقترب فيه الأشياء المعلومة من الأشياء المجهولة وتتعانق في وحدة من العلاقات 0
    وكما أدرك الإنسان مبكراً أن هناك علاقة ما تربطه بعناصر بيئته أدرك في الوقت ذاته أن هناك علاقات تربط بين الظاهرات الكائنة في الوسط الذي يعيش فيه00هذه العلاقات relationships والارتباطات correlation شكلت منذ وقت بعيد الأساس النظري لعلم الجغرافيا المعروف بالعلاقات المكانية relationships spatial 0
    وحتى يصل إنسان ذلك الزمان إلي ذلك التكوين التصوري كان عليه أن يمر بمستويات من الإدراك يتصاعد وعيه فيها من الحسي إلي المطلق حيث كان يعايش الطبيعة الجامدة والحية ، الساكنة والمتحركة فيري الظاهرات المحيطة به في أبعاد متناهية ممتدة ما بين السماء وأجرامها وقمم الجبال من ناحية قاع البحر من ناحية أخري0
    ولم يكن الإنسان يعيش بفكره مع المكان في حد ذاته فحسب بل كان يعيش فيه أحداثه التي تأتى من مصادر معلومة أو مجهولة كالمطر والبرق والرعد ، ولم يكن من الضروري أن يفسر الظاهرات علي أساس عقلاني ، بل يكفى أن يقوم هذا التفسير علي أساس ذهني يثير الأفكار التي تهتدي إلى تعليل ما للظواهر الكونية والظاهرات الطبيعية ، ولذلك كانت للشعوب البدائية نظريات عديدة عن طبيعة العالم وكيفية نشأته ، فهذه الشعوب التي عرفت بيئاتها المحيطة بها معرفة جيدة وأضافت إليها بعض المعلومات عن المناطق المجاورة لهذه البيئات كانت لها ملاحظاتها لما يحيط بها من ظاهرات طبيعية وتفسيرات لهذه الملاحظات تتناسب مع مستواها الفكري 0
    وقد بدأ علم الجغرافيا عندما بدأت المشاهدة والملاحظة كوصف للأرض ومظاهرها أو للكون وظواهره0ومن ثم يعتبر علم الجغرافيا أقدم العلوم جميعا لأنه نشأ مع بداية نشأة الإنسان علي سطح الأرض0ولهذا فإن أقدم المدونات عن اهتمام الإنسان بطبيعة العالم الطبيعي من حوله تشمل تأملات وملاحظات جغرافية 0
    ولم يقف طموح الإنسان الفكري ورغبته في المعرفة عند حد التعرف علي مواقع وأشكال الظاهرات المكانية بل تعدى ذلك إلي محاولة التفسير00تفسير النشأة00تفسير الشكل00form ثم تطور الأمر إلى محاولة تفسير كيفية التوزيع distribution ، ولهذا نجد الجغرافيا المعاصرة تهتم بأمور ثلاثة هي :التوزيع والربط والتعليل أو التفسير interpretation فتسأل عن الظاهرة phenomena الجغرافيّة أسئلة ثلاثة هي : أين ؟ وكيف؟ ولماذا ؟0
    وقد اختلفت درجة دقة التفسير حسب المستوى الفكري الذي بلغه الإنسان ، فقد اعتمد هذا التفسير كثيراً علي الاجتهادات الشخصية والحكايات المروية التي حفلت بالعديد من الأساطير والخرافات منذ بدأ الفكر الجغرافي وحتى القرن التاسع عشر الميلادي تقريبا ثم مع اتباع المناهج العلمية والدراسات الميدانية والتحليلات المكانية والثورة الكمية وصولاً إلي استخدام الحاسبات الآلية "الكمبيوتر" وشبكة المعلومات الدولية " الإنترنت" internet ونظم المعلومات الجغرافية geographical information systems ((G.I.S. خلال القرن العشرين 0
    وقد لاحظت هذه الشعوب تقلب الليل والنهار واختلاف الفصول ودوران النجوم في السماء فحاولت تفسير ذلك عن طريق التخيل مما أدى إلي نشأة الخرافات والأساطير التي تمثل جزءاً من الفكر الجغرافي خلال مراحله التطورية المتعاقبة ، ومن أمثلة ذلك نظرية سكان بولينيزيا فيما يختص بخلق الكون ومضمونها أن الأرض والسماء قد انفصلتا بفعل أطفالهما ، وهذه النظرية تشبه اعتقاد "هزيود Hesiod " (700 ق0م) بأن الأرض بنفسها أنتجت السماء والمردة الجبابرة بما في ذلك المحيط ، ثم قام هؤلاء المردة بالتفريق بين أبويهما 0
    وكان للمصريين القدماء نظريتهم الخاصة في خلق الكون ومضمونها أن الوجود كله بما فيه الأرض والسماء قد نشأ من " المحيط الأزلي" الذي يعتبر بداية لكل خلق ، فقد ولد إله الشمس ـ آمون رع ـ من زهرة لوتس كانت طافية فوق مياه ذلك المحيط باعتبار أن الماء هو أساس كل شيء وأصل كل خلق ، وأن هذا الإله ارتفع بارزا من المحيط وقام بخلق إله الهواء ـ شو ، ثم قام إله الهواء هذا بفصل أخته إلهة السماء ـ نوت ـ عن أخيه إله الأرض ـ كب 0
    ويعتبر التحديد الشكلي لمجال الدراسة الجغرافية بجعله مقصوراً علي سطح الأرض تحديد حديث نسبياً0إذ لم يكن هناك فصل عام معروف بين الفلك والجغرافيا منذ أقدم العصور وحتى القرن الثامن عشر0فطوال تلك الفترة كانت الكوزموجرافيا Cosmography تضم كلاً من الجغرافيا والفلك ولم يجر البحث عن تعريف دقيق للجغرافيا
    وقد ظل ميدان الجغرافيا طوال تاريخها وحتى القرن التاسع عشر يقتصر علي النواحي الطبيعية فقط دون التعرض للجوانب البشرية إلي أن ظهرت اتجاهات قوية نحو إدخال الإنسان في ميدان الدراسات الجغرافية ـ الطبيعية وقتئذ ـ باعتباره جزءاُ متمماً لطبيعة الإقليم0ومن ثم يكون الاتجاه الإقليمي في الجغرافيا والذي ظهر في كتابات "فارينيوس Varenuis,B " في القرن السابع عشر هو الذي أعطى الفرصة لظهور الاهتمام الجغرافي بالإنسان ومن ثم ظهور إرهاصات الجغرافيا البشرية 0
    وعندما قال "كارل ريتر Ritter, Karl" (1779ـ1859) أن مفهوم جغرافيا بمعني وصف الأرض مفهوم خاطئ ومضلل وأكد أن الجغرافيا كما يراها هو ـ هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الأرض ككل موحد من حيث كافة المظاهر والظواهر مع إظهار العلاقات التي جعلت من ذلك الكل وحدة متميزة بذاتها0ثم إبراز العلاقة بين هذا الكل الموحد والإنسان فإنه قد وضع قاعدة أساسية للدراسة الجغرافية هي دراسة العلاقة بين كافة الظاهرات الطبيعية والإنسان كما تسبب في إثارة جدل واسع حول ما إذا كانت الجغرافيا تشمل دراسة كوكب الأرض من كافة النواحي أم تقتصر دراستها علي سطح الأرض وحده0وقد انتهى الجدل باعتبار سطح الأرض فقط وليس كوكب الأرض من كافة نواحيه هو مجال الدراسة الجغرافية
    ولما كان أسلوب الدراسة الجغرافية يعتمد أساساً علي ثلاثية : التوزيع والربط والتعليل وأن الوسيلة الفعالة في هذه الدراسة هي الخريطة فإنه يمكن القول أن المرحلة الفكرية التي توافرت فيها هذه المقومات تمثل إحدى مراحل تطور الفكر الجغرافي أيا كان موقعها الزمني من هذا التطور 0
    وترجع الجغرافية العلمية إلي العصور الحديثة ونعني بها الجغرافيا من حيث هي علم له أصوله وقواعده ، فقد بدأت منذ القرن الثامن عشر وازدهرت وتطورت خلال القرن التاسع عشر عبر كتابات عديد من الفلاسفة والعلماء مثل إيمانويل كانت Kant (1724ـ1804) والكسندر فون هَمبولدت Humboldt (1769ـ1859) وكارل رِتر Ritter (1779ـ1859) وأوسكار بشل Peschel ,O. (1826ـ1875) وفردريك راتزل Ratzel ,F. (1844ـ1904) فهم الذين حصروا ميدان دراسة العلم وحددوا محتواه ومضمونه وكيفية جمع مادته العلمية وتنظيمها 0
    وقد تطورت الجغرافيا لتأخذ الصيغة العلمية لأنها كان لابد لها من أن تنتظر ذلك التقدم الملحوظ في العلوم الطبيعية والاجتماعية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، لأن هذا التقدم هو الذي وفر المعارف الأساسية بالأرض ، فالجغرافيا تعتمد في مادتها الخام علي نتائج هذه العلوم ، كما أنها تعتبر حلقة وصل بين العلوم الطبيعية والاجتماعية ومن ثم فهي علم بيني 0
    فالجغرافيا بطبيعتها توحد بين الظاهرات المختلفة ـ طبيعية كانت أم بشرية ـ في المكان من وجهة نظر إنسانية ، وإذا كانت العلوم التي تدرس هذه الظاهرات قد جردتها لتسهيل البحث فيها ودراستها دراسة تخصصية فإن الجغرافيا تنظر إليها ككل وتعيدها إلي وضعها الحقيقي كوحدة طبيعية ـ بشرية ، ولهذا فإن الجغرافيا تلعب دور حلقة الوصل أو الجسر الواصل بين العلوم الطبيعية والبشرية ومن ثم تقوم بإرجاعها إلي أصولها البيئية المختلفة فتربطها بأسسها الطبيعية 0
    والجغرافيا تبحث في العلاقات بين الظاهرات فتحلل الطبيعي منها لتبحث عن علاقته بالنشاط البشري عامة ، وتعود لتؤلف بينهما لتنظر إليهما ككل موحد ، ومن هنا يأتي اعتبارها علم تحليلي ـ تركيبي 0
    إن منهج الجغرافيا الذي يتأرجح ما بين علم وفن وفلسفة ـ علم بمادتها فن بمعالجتها وفلسفة بنظرتها ـ نقلها من مرحلة المعرفة (العلم) إلي مرحلة الفكر (الفلسفة) ، من جغرافية الحقائق المرصوصة إلي جغرافية الأفكار الرصينة ، فهي تستخلص النظام من عدم النظام ، تنظم حقائق المكان في الواقع المشاهَد تنظيماً ـ فكرياً ـ فتمكن الدارس من النظر إليها وهي في صورتها غير المنظمة بمنظور فكري منظم ، فالجغرافي هو الذي يدرك ـ دون غيره من الباحثين ـ أن نسب الأشياء وعلاقاتها وما بينها من ارتباطات هي حقائق كالأشياء ذاتها 0
    تطور مفهوم علم الجغرافيا
    يتسم علم الجغرافيا عن غيره من العلوم الأخرى بتعدد تعريفاته خلال مراحل تطوره عبر عدة آلاف من السنين ، فقد اعتمد الفكر الجغرافي عند نشأته علي يد الإغريق علي الوصف ، ولهذا يأتي تعريف الجغرافيا بأنها علم وصف الأرض اعتماداً علي تعريفها المستمد من المصطلح الإغريقي ge graphia ويعنى وصف الأرض (geo أرض graphs وصف) وربما كان الجغرافي الإغريقي الجغرافي الإغريقي هيكاتيوس Hecateus " أبو الجغرافيا 550ـ485 ق0م" هو أول من استخدم تعبير جغرافيا في القرن السادس قبل الميلاد 0
    وعلى الرغم من قدم المعرفة الجغرافيّة ، والتي يبلغ عمرها الآن نحو الألفيّ سنة أو أكثر ، إلاّ أن الفكر الجغرافيّ الحديث هو وليد جهود فلاسفة الموضوع وخلاصة أبحاثهم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلاديّ ، لأنّ ما حدث من تطوّرات وتغيرّات في مفاهيم ومناهج وأساليب بحث الجغرافيا منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الراهن يفوقُ كل ما حدث من تطوّراتٍ خلال القرون السابقة من عمر العلم 0
    ولا يعنى هذا أن أفكار الجغرافيين الأقدمينَ لم يكن لها دور في التطوّر الفِكْريّ لعلم الجغرافيا ، فقد حددت أفكار كل من "سترابو Strabo "(64ـ20 ق م) و"بطليموس Ptolemey " (75ـ173م ) مفهوم الجغرافيا وهدفها بدرجة كبيرة من الدقة عندما أيقنت بوجوب اهتمام علم الجغرافيا بكل من الموقع location والترابط المتبادل بين مختلف الأماكن على سطح الأرض باعتبارها أجزاءٍ من كلٍ واحد 0
    ولقد كان منتصف القرن التاسع عشر الميلاديّ هو الفترة الحاسمة في تطوّر علم الجغرافيا وذلك عندما أخذ هذا العلم كل معناه بانتقال ميدان دراسته من مرحلة الوصف إلي مرحلة جديدة تتسم باستيعاب الحقائق المكانيّة وفهمها بظهور أفكار كل من هَمبولدت ورِتر ، فقد بدأت الجغرافيا الحديثة بكتاباتهما وأفكارهما ، " حيث لم تكن الجغرافيا قبلهما قد تحددت مفاهيمها أو اتضحت معالمها أو تحددت أهدافها " 0
    ويعود السبب في اعتبار كتابات وأفكار كل من " همبولت " و " رتر " البداية الحقيقية للجغرافيا الحديثة التي أعطت لألمانيا قصب السبق في بلورة الأفكار الجغرافيّة وساعدت على نشوء اتجاهات جغرافيّة واضحة قامت عليها مدارس فكريّة أسهمت في إنماء الفكر الجغرافيّ وإثرائه لا سيّما المدرسة الجغرافيّة الحتميّة Determinism إلى أن جغرافيي القرنين السابقين علي كل من " همبولت " و "رتر " لم يحاولوا وضع مفهوم جغرافيّ يتضح من خلاله هدفُُ يحدد معالم الطريق لكل مشتغلٍ بالحقل الجغرافيّ ، بحيث يحمى هذا المفهوم ذلك المشتغل من الانزلاق إلى حقول تخصصات علميّة أخرى ويمكّنه من التخصّص في زاويةٍ من زوايا العلم فيصبح عمله متميزا على غرار العلوم الأخرى 0
    ولكنّ الحقيقة والإنصاف يوجبان الاعتراف لكل من : " بيرنارد فيرانوس Verenuis , B. " (1622ـ1650) و " إيمانويل كانت بأنهما قد أسهما في التطوّر الفكريّ للجغرافيا ، فقد حاول "فيرانوس" بناء إطار جديد لمفهوم العلم عندما عَرّف الجغرافيا بأنها ذلك القسم من المعرفة الذي يتكوّن من مزيجٍ من الرياضيات التي تمكّننا من وصف الأرض وأقسامها بطريقة كميّة ، وبهذا يكون قد انتقل بالعلم من مرحلة الوصف إلى المرحلة الكميّة ، كما أنه قد وضع الأسس الصحيحة لعناصر الدراسة الجغرافيةّ بالتفرقة بين منهجيّ بحثها : العام أو الأصوليّ systematic والخاص أو الإقليميّ regional ، أي الجغرافيا العامّة الأصوليّة والجغرافيا الإقليميّة 0
    أمّا " كانت " فقد أوضح مركز علم الجغرافيا بوصفها أحد ثلاثة طرق لدراسة الحقيقة هي :
    1. العلاقة بين الأشياء المتشابهة [ العلوم الطبيعية ]
    2. التطوّر عبر الزمن [ علم التاريخ ]
    3. الترتيب في المكان [ علم الجغرافيا ]0
    وبهذا تكون بذور الجغرافيا الحديثة قد وضعت مع ظهور أفكاره ، خاصةً عندما اختلفت الجغرافيا الطبيعية عنده عمّا كانت عليه قبله في أنها قد خلت من الجغرافيا الرياضيّة أو الفلكيّة وفي أنها قد أصبحت أساساً لدراسة الجوانب البشريّة من الجغرافيا ولقد تعرّض علم الجغرافيا لشيءٍ من الانتكاس عندما تعرّضت أفكار كل من " همبولت " و " رِتر " لبعض الانعكاس بظهور فكرة الازدواجية Dualism التي فصلت بين ظاهراته الطبيعية وظاهراته البشرية 0
    تطور الفكر الجغرافي
    رغم أن علم الجغرافيا علم مزدوج أو ثنائي الشخصية ، إلا أن هذا لا يعنى أنه يعانى من "ازدواج الشخصية العلمية" ، فهو بحكم كل من طبيعته ومناهجه وأساليب البحث فيه لابد وأن يكون علماً مزدوجاً أو ثنائيا ، وأول مظاهر هذا الازدواج أو الثنائية أنه كعلم ـ فرد ـ يعتمد على نتائج علوم عدة ، وهى علوم مزدوجة أيضا لكونها علوماً طبيعية وبشرية ، ولهذا فان علم الجغرافيا علم ثنائيّ ؛ طبيعيّ وبشرىّ ، وللهروب من هذه الثنائيّة أو الازدواجيّة اتجه الجغرافيون إلى المنهج الإقليميّ ، وهو اتجاه فيه ازدواجيّة أيضا ، لأنه أنشأ منهجان للدراسة الجغرافية هما المنهج الأصولي systematic أو العام والمنهج الإقليمي regional أو الخاص 0
    والإنسان جغرافي بسليقته ، فمنذ نشأته وهو يبغي المعرفة بكافة صنوفها لاسيما المكانية منها ، وقد دفعت الظاهرات الطبيعية التي توجد بالبيئة الإنسان ساكن هذه البيئة إلى محاولة تفسير هذه الظاهرات بما كان متيسراً له من أفكار في تلك الأزمان السحيقة ، فظاهرات مثل تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول ما يوجد بالأرض من نبات بري وحيوانات ، وتجاور اليابس والماء ، والزلازل والبراكين ، والمد والجزر ، والأمطار وما يصحبها من برق ورعد والرياح والأعاصير ، وغيرها من الظاهرات كل هذا دفع الإنسان إلى الملاحظة فالتأمل فالتفسير00وهنا نشأ علم الجغرافيا 0فعندما أدرك الإنسان في تحركه من مكان إلى آخر اختلاف الظاهرات نشطت لديه غريزة حب الاستطلاع التي تعتبر أساس نشأة هذا العلم 0
    وتعتبر حركة الإنسان وملاحظته لاختلاف الظاهرات من مكان إلى آخر أولي ركائز الفكر الجغرافي في عصوره القديمة ، فهذا الفكر ارتكز علي ثلاثة أسس هي:
    1. الكشف الجغرافي
    2. رسم الخرائط للمناطق المعرفة
    3. التأمل في المادة العلمية
    وقد اهتم أصحاب الحضارات القديمة في العالم القديم بالركيزتين الأولي والثانية ، ومن أهم هذه الحضارات : الحضارة الفرعونية في مصر ، الحضارة البابلية في منطقة ما بين النهرين ، الحضارة الهندية ، والحضارة الصينية ، أما الركيزة الثالثة فقد اقتصرت علي الإغريق أو اليونان القدماء أصحاب النشأة الأولي لعلم الجغرافيا ، فكلمة جغرافيا أصلها إغريقي هو ge وتعني أرض و graphia وتعنى وصف ، وهو التعريف الأوليّ للعلم كوصف للأرض 0
    وقد نشأت الفروع الرئيسة للجغرافيا عند اليونان القدماء ومنها الجغرافيا الرياضية mathematical geography (طاليس ق 6 ق0م) و(إراتوستين ق3 ق0م) الذي أثبت كروية الأرض وقاس محيطها وحسب حجمها وخطوط طولها ودوائر عرضها ، وفي ذلك الوقت بدأ رسم خرائط العالم المعروف والذي يتمثل في البحر المتوسط والمناطق المحيطة به كما تطورت الجغرافيا الطبيعية physical ولكن بدرجة أقل أم الجغرافيا البشرية human فلم تنل عناية كبيرة رغم وجود العديد من الملاحظات الخاصة بتصنيف بعض القبائل تبعا لغذائهم (إثيوبيا) ودراسة بعض الأقاليم 0
    وقد شهد علم الجغرافيا تدهوراً واضحا خلال الفترة الرومانية رغم ظهر جغرافيين كبيرين من أصل إغريقي هما (استرابو وبطليموس) وقد قام الأول بتسجيل معلوماته الجغرافية في 17 مجلداً تضمنت وصفاً جغرافياً ضافياً لأقاليم العالم المعروف في عهده ، أما الثاني فهو صاحب الكتاب الشهير الجغرافيا geographica ، وفي العصور الوسطى أسهم العرب والمسلمون في تطور علم الجغرافيا بالمحافظة علي التراث الجغرافي الإغريقي والإضافة إليه وتسليمه إلى أوربا مع بداية عصر النهضة الأوروبية لتتخذ منه أساساً لعلم الجغرافيا الحديث0
    لم يبلغ القرن التاسع عشر منتصفه حتى كان علم الجغرافيا الحديث قد اكتملت عناصره وتدعمت أركانه ، ليختلف جذرياً عما يعرف بالجغرافيا القديمة أو الكلاسيكية classic ، فقد أخذت الجغرافيا الحديثة صفة العلم بعد أن كانت مجرد أشتاتاً من المعرف والحقائق وأحيانا الخرافات ، وابتعدت عن الوصف والتزمت بالوحدة والتجانس في سبيلها لتصبح علماً يأخذ مكانه بين العلوم 0
    ويعزي الفضل في تطور العلم في القرن التاسع عشر إلى الجغرافيين الألمان وعلي رأسهم همبولت ورتر اللذان وضعا أسس الجغرافيا الحديثة ، ومن ثم يكون لعلم الجغرافيا نشأتان إحداهما قديمة يونانية والثانية حديثة ألمانية لتكون بذلك علماً أوروبيّ النشأة وإن كان عالميّ الاهتمام 0
    غير أنه قبل الاستطراد في التأكيد علي تاريخ ميلاد الجغرافيا الحديثة علي يد الجغرافيين الألمانيين همبولت ورتر في القرن التاسع عشر ينبغي التأكيد علي أهمية جغرافي ألماني آخر هو فارينوس وفيلسوف هو كانت ، فالأول قسّم الجغـرافيا إلى قسمين عام وخاص أو أصولي systematic وإقليمي regional ، والثاني نزل بها من السماء إلى الأرض ، فبعد أن كانت الجغرافيا قبله تهتم بالجوانب الفلكية والرياضية أصبحت عنده تهتم فقط بالظاهرات الموجودة فوق سطح الأرض بل وتعد أساساً لدراسة الجوانب البشرية ، وقد اتجه همبولت نحو الأصولية بينما اتجه رتر نحو الإقليمية مشكلين بذلك منهجاً جغرافياً متكاملاً 0
    ولقد جاء راتزل ليضع أساس المدرسة الجغرافية الحتمية ، أو ما يعرف بالحتمية البيئية Environmental Determinism ويؤسس الجغرافيا البشرية ، وفي المقابل ظهرت المدرسة الجغرافية الإمكانية Possibilism في فرنسا علي يد فيدال دى لابلاش De La Blasch الذي كان يرى أن البيئة ليست مظهراً أرضياً طبيعياً physical landscape بل مظهر أرضى حضاري Cultural ، وهذا المظهر الجغرافي هو في الواقع موضوع علم الجغرافيا 0
    تعريفات علم الجغرافيا

    ينفرد علم الجغرافيا دون العلوم الأخرى بتعدد تعريفاته ، وذلك لعدة أسباب منها :
    1. قدم العلم ورجوع أصوله إلى بداية إدراك الإنسان لما حوله من ظاهرات جغرافية
    2. اختلاف تفسير الإنسان للظاهرات التي توجد علي سطح الأرض من زمن إلى آخر وفقا للتطور الفكري للمجتمعات البشرية 0
    3. التطور المستمر للفكر الجغرافي 0
    4. الطبيعة المعقدة المركبة للعلم 0
    ويمكن إيجاز تعريفات العلم عبر تاريخه الطويل فيما يلي :
    1. الجغرافيا علم وصف الأرض
    أقدم التعريفات ، وهو مستمد من المعنى الحرفي لكلمة جغرافيا ، وقد أخذ به همبولت ورفضه رتر ، ويتمثل النقد الذي وجه إليه فيما يلي :
    • جعل من الجغرافيا مادة وصفية فأفقدها الصفة العلمية
    • الجغرافيا الوصفية تهمل مبدأ السببية causality ولا تهتم بالتحليل والتعليل لأنها تكتفي بتسجيل الحقائق فقط دون ردها إلى أسبابها 0
    • قصر الجغرافيا علي مرحلة واحدة فقط من مراحلها وهى مرحلة جمع المادة العلمية ولم يتطور بها إلى مرحلتي المعالجة والتنظير 0
    • حول الجغرافيا إلى ما يشبه دائرة المعارف Encyclopaedia مما حال دون الوصول إلى القواعد العامة والقوانين العلمية التي تقنن الجغرافيا علميا 0
    2. الجغرافيا علم كوكب الأرض
    كان هدف "جيرلاند Gerland" الذي تحمس له هو إدخال الجغرافيا ضمن العلوم الطبيعية لتأكيد علميتها وإنقاذها من الجوانب الوصفية [التعريف الأول] ، ويقصد بالتعريف أن تكون مهمة الجغرافية هي دراسة كوكب الأرض كأحد أفراد المجموعة الشمسية ودراسة قشرة الأرض فقط فتقتصر الجغرافيا بذلك علي جانبيها الفلكي أو الرياضي mathematical والفزيوجرافي physiographic مرتبطة بذلك بعلوم الفلك والرياضيات والطبيعة الأرضية0
    ويتمثل النقد الذي وجه إليه فيما يلي :
    • أصبحت الجغرافيا طبقاً له علماً طبيعياً خالصا يهمل دراسة الجوانب البشرية وتأثرها بعناصر البيئة الطبيعية 0
    • أصبح من الصعب وضع حدود بين الجغرافيا من ناحية والعلوم الطبيعية الأصولية التي ترتبط بها من ناحية أخرى 0
    وقد اندثر هذا التعريف سريعا لقلة مؤيديه خاصة بعد انسلاخ العلوم الطبيعية كالفلك والطبيعة الأرضية عن الجغرافيا جعلها ـ تبعاً لهذا التعريف ـ علماً خالي الوفاض 0

    3. الجغرافيا علم العلاقات relationships
    ساد هذا التعريف لمدة 50 سنة علي الأقل في المدرسة الجغرافية الأمريكية والإنجليزية حيث تم التركيز علي تفهم العلاقة المركبة بين الطبيعة والإنسان ، وهو تعريف قديم يرجع إلى "سترابو" مع ملاحظة أن دراسة العلاقة بين الظاهرات المختلفة والبيئة لا تقتصر علي الجغرافيين دون غيرهم من العلماء 0
    وتختلف الدراسة الإيكولوجية Ecology في الجغرافيا عن غيرها من العلوم في أنها تشكل جزءا مهماً لا يتجزأ من المنهج الجغرافي وفي أنها تحفظ لعلم الجغرافيا وحدته لأن إغفال دراسة العلاقات بين الظاهرات الجغرافية يؤدى إلى أن تصبح الجغرافيا أشتاتاً غير مترابطة من المعلومات ويجعل الجغرافيين يجورون علي العلوم الأصولية الأخرى0
    وقد ازداد اهتمام الجغرافيين بدراسة العلاقات بين الظاهرات خلال النصف الثاني من ق 19 كرد فعل لاتجاه "جيرلاند" وأتباعه [التعريف الثاني] ولإهمالهم الجانب البشري في الدراسة الجغرافية ومن ثم يعنى الاهتمام بدراسة العلاقات الاهتمام بالجوانب البشرية بحكم أن العلاقات في الجغرافيا يقصد بها أساساً العلاقة بين الإنسان والبيئة 0
    وعندما تمادى الجغرافيون في اعتناق هذا المبدأ العلمي وأسرفوا في اتباعه جاءهم "هتنر Hittner " ذلك الجغرافي الألماني الذي ظهر بعد كل من همبولت ورتر وراتزل ليبدى اعتراضه وذلك علي أساس أن قصر الدراسة الجغرافية علي العلاقات فقط يفقدها تكاملها ، فالعلاقات وغيرها من الموضوعات تشكل المنهج الجغرافي المتكامل 0
    وتتلخص أوجه النقد الذي وجت إلى هذا التعريف في أن :
    • اعتبار البيئة الطبيعية هي العامل الجغرافي يجعل الجغرافيا مجرد دراسة تأثير البيئة علي الإنسان [الحتمية البيئية] فتصبح جغرافيا التأثيرات التي تهتم بدراسة الضوابط الطبيعية والاستجابات البشرية ، جغرافية الفعل (الطبيعي) ورد الفعل (البشريّ) ، جغرافية العلاقات البيئية ـ البشرية التي إذا لم يجدها الباحث فقد يفتعلها اقتصار علم الجغرافيا علي دراسة العلاقات يفقدها وحدتها ويجعلها تتشابه مع العلوم الإيكولوجية الأخرى فتفقد بذلك شخصيتها المتميزة بين العلوم 0

    4. الجغرافيا علم التوزيعات Relationships
    من أقدم التعريفات فقد اقترحه بعض الجغرافيين في النصف الثاني من ق 18 لكنه تعرض للنقد من قبل الجغرافيين بسبب ما يلي :
    • أن لكل شيء توزيعاً علي سطح الأرض فما هي الأشياء التي تدرسها الجغرافيا وما هي الأشياء التي تتركها 0
    • أن تعريف الجغرافيا بعلم التوزيعات يجمع داخل نطاقها ظاهرات متنافرة فتفقد وحدتها والوحدة والتجانس بين الظاهرات التي يدرسها أي علم شرط أساسي لعلمية هذا العلم 0
    • تعريف الجغرافيا بعلم التوزيعات يسلبها كيانها المستقل بين العلوم ، فالتوزيع منهج مستقل تستخدمه العلوم الأخرى ، وهو في الجغرافيا نقطة البداية للدراسة الجغرافية بثلاثيتها المعروفة : أين ؟ كيف ؟ لماذا ؟ 0
    5. الجغرافيا علم الاختلاف المكاني Areal differentiation
    بعد أن استقر رأي معظم الجغرافيين علي أن إبراز الاختلافات الإقليمية هو من صميم اختصاص الجغرافي وأصبحت الجغرافيا هي علم الكورولوجيا أو الكوروجرافيا عرّف بعضهم علمهم بأنه علم الاختلاف أو التباين الأرضي أو الإقليمي فازداد الاهتمام بالجانب الإقليمي من الجغرافيا وأصبحت الجغرافيا الإقليمية أحد وجهي العملة الجغرافية التي تمثل الجغرافيا الأصولية وجهها الآخر 0
    أقسام علم الجغرافيا
    وقبل الاستطراد في شرح هذا المفهوم ينبغي أن نذكر أن علم الجغرافيا ينقسم إلى عدة أقسام هي :

    1. الجغرافيا الطبيعية physical وتهتم بدراسة ما علي سطح الأرض من ظاهرات طبيعية ، وينقسم هذا القسم إلي العديد من الفروع 0
    2. الجغرافيا البشرية human وتهتم بدراسة ما علي سطح الأرض من ظاهرات بشرية وينقسم هذا القسم ـ كسابقه ـ إلى العديد من الفروع 0
    3. الجغرافيا الإقليمية regional وتهتم بدراسة ما علي سطح الأرض من ظاهرات طبيعية وبشرية في مجال مكاني جغرافي محدد هو الإقليم 0
    4. الجغرافيا التاريخية historical وتهتم بدراسة الجغرافيا الطبيعية أو البشرية أو الإقليمية في الزمن الماضي 0
    كما ينقسم العلم ـ من ناحية أخرى ـ إلى جانبين كبيرين هما :
    • الجانب العام أو الأصولي systematic
    • الجانب الخاص أو الإقليمي regional
    ويتمثل الجانب الأول في الدراسة الجغرافية علي مستوى العلم ككل ، بينما يتمثل الثاني في الدراسة الجغرافية علي مستوى أي جزء من هذا العالم ، وإذا كان كل القسم الطبيعي والقسم البشرى من ناحية ، أو الجانب الأصولي و الجانب الإقليمي من ناحية أخري يمثلان وجهي العملة الجغرافية فان النفعية تمثل قيمة هذه العملة بعد أن بدأت المجتمعات البشرية في الإفادة من نتائج علم الجغرافيا فظهر بذلك اتجاه جغرافي حديث هو الجغرافيا التطبيقية Applied geography 0
    ولا يقتصر إبراز الجغرافي للاختلافات الإقليمية علي ظاهرة جغرافية واحدة وإن جاز ذلك وإنما يتعدى ذلك إلى إبرازها بين مجموعة من الظاهرات مجتمعة [أشكال سطح الأرض/عناصر المناخ/صور النبات الطبيعي في الجانب الطبيعي] و [توزيع السكان/أنماط النشاط الاقتصاديّ في الجانب البشريّ] أو في الجانبين الطبيعي والبشرى مجتمعين ، مركزاً علي التأثير المتبادل بين البيئة والإنسان 0
    ويرتبط تعريف الجغرافيا بعلم الاختلاف المكاني بتعريفها كعلم التوزيعات ، فلا يمكن إبراز الاختلافات بدون معرفة توزيع هذه الظاهرات المراد البحث عما بينها من اختلافات ، وهذا الارتباط بين التعريفين يقودنا إلى البحث في طبيعة المنهج الجغرافي 0
    طبيعة علم الجغرافيا
    تبين من التعريفات السابقة أن كل واحد منها علي حدة لا يصلح لأن يعرّف العلـم وذلك ببساطة لأن المنهج الجغرافي يجمع بين العديد منها ولا يقتصر علي أحدها ، هذا المنهج المركب الذي يتألف من المراحل التالية :
    • توزيع الظاهرة الجغرافية [التعريف الرابع]
    • الربط بينها وبين الظاهرات البيئية [التعريف الثالث] بهدف معرفة التفاعل والعلاقات بين البيئة والإنسان [الإيكولوجيا Ecology] 0
    • الأخذ بمبدأ السببية وعدم الاكتفاء بالربط والتحليل والسعيّ إلى تعليل الظاهرات المختلفة لردها إلى أصولها الجغرافية 0
    • إبراز الاختلافات الإقليمية في الظاهرة الجغرافية أو في مجموع الظاهرات الجغرافية [الكورولوجيا Chorology] 0
    خلاصة القول أن المنهج الجغرافي يتمثل في ثلاثية التوزيع والربط والتعليل ، ثلاثية أين ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ بهدف إبراز الاختلافات المكانية [الإقليمية] عن طريق تقسيم العالم إلى أقاليم ، وهو منهج يحقق علمية العلم من ناحية ووحدته من ناحية ثانية ، ويميزه عن سائر العلوم بشخصية متميزة من ناحية ثالثة 0
    فروع علم الجغرافيا
    يختص علم الجغرافيا بدراسة الظاهرات الموجودة علي سطح الأرض ، وهى الظاهرات التي تنقسم إلى ظاهرات طبيعية وأخري بشرية ، والظاهرة الطبيعية هي التي ليس للإنسان دخل في وجودها كالسحب والجبال والغابات والأنهار والبحار وغيرها من الظاهرات المشابهة ، وإن كان له دور في تغيير بعض خصائصها أو تعديلها ، هذه التغييرات أو التعديلات هي الظاهرات الجغرافية البشرية 0
    وعلي هذا الأساس يدرس علم الجغرافيا الأغلفة المكانية التالية :
    1. الغلاف الجوي Atmosphere
    2. الغلاف الصخري Lithosphere
    3. الغلاف المائي Hydrosphere
    4. الغلاف الحيوي Biosphere
    وهذه الأغلفة الأربعة التي تشكل مضمون الجغرافيا الطبيعية إذا أضيف إليها مجموع الظاهرات البشرية التي تدرس الإنسان ذاته وتوزيعه علي سطح الأرض ، ومراكز عمرانه البدوية والريفية والمُدنية ، وأنشطته الاقتصادية الأولية والثانوية والثلاثية والأُطر السياسية التي تنتظمه فإن الناتج يمكن أن يسميّ بالغلاف الجغرافي Geosphere
    الجغرافيا الطبيعية
    ينقسم الجانب الطبيعي من الدراسة الجغرافية إلى الفروع التالية :
     جغرافية التضاريس
    وهي إما موجبة (اليابس) أو سالبة (البحار والمحيطات) والفاصل بينهما هو خط سطح البحر ومنسوبه صفر ، ومن ثم يتناول هذا الفرع من فروع الجغرافية الطبيعية دراسة الغلافين الصخري والمائي ، وترتبط دراسة الغلاف الصخري بعلم الجيولوجيا Geology الذي انسلخ عن علم الجغرافيا في القرن 16 الميلادي ، بينما ترتبط دراسة الغلاف المائي بعلم الأوقيانوجرافيا Oceanography أو علم المحيطات 0
    ويندرج تحت جغرافية التضاريس علم آخر يهتم بدراسة أشكال سطح الأرض هو علم الجيمورفولوجيا Geomorphology الذي يختص بدراسة العوامل والعمليات الجيمورفولوجية التي تشكل سطح الأرض وما ينتج عنها من أشكال أرضية ، وهي العوامل الباطنية (التكتونية Tectonic) كالزلازل والبراكين ، أو عوامل خارجية أو ظاهرية هي ما يعرف بعوامل التعرية Erosion التي تتشعب إلى تعرية جوية ومائية (نهرية/بحرية/جليدية)0
     جغرافية المناخ
    وتختص بدراسة عناصر المناخ من المنظور الجغرافيّ وهي العناصر الموجودة في الغلاف الجويّ كالحرارة والضغط الجويّ والرياح ومظاهر التساقط ، ويرتبط هذا الفرع بعلم الظواهر الجويةّ (المتيورولوجيا Meteorology) 0
     الجغرافية الحيوية
    ويتألف من فرعين هما الجغرافيا النباتية Plant Geo وجغرافية الحيوان Animal Geo وأحيانا يدرج بعض الجغرافيين تحته جغرافية التربة Pedology لارتباطها الشديد بجغرافية النبات 0
    وجدير بالذكر أن هناك فرقاً كبيراً بين الجغرافية الطبيعية من ناحية ، والعلوم الطبيعية والحيوية التي تعتمد عليها وتستمد منها مادتها العلمية ، فالمعروف أن علم الجغرافيا يعتمد علي نتائج العلوم الأخرى ، هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها ، والجغرافي قارئ كل شئ وكاتب جغرافيا فقط ، ويتمثل هذا الفرق في أن كل علم من العلوم الأخرى يدرس ظاهرة طبيعية معينة دراسة منفردة ، أما الجغرافيا الطبيعية فتهتم بالتوزيع المكاني لهذه الظاهرة (أين توجد ؟) وبربط هذه الظاهرة بغيرها من الظاهرات أي تهتم بالتوزيع distribution والتفاعل interaction والترابط integration من أجل لإبراز الاختلافات المكانية لهذه الظاهرة ، وهذا التجميع للظاهرات الجغرافية الطبيعية في مكان واحد (الإقليم) لا يشغل المهتمين بأي علم من العلوم الطبيعية 0
    الجغرافيا البشرية
    ذكرنا من قبل أن الجغرافيا البشرية تتناول بالدراسة تعديلات الإنسان وتحويراته للظاهرات الجغرافية الطبيعية ، والإنسان في حد ذاته أحد هذه الظاهرات الطبيعية لكنه ظاهرة مُغيّرة باستمرار في سطح الأرض وما عليه من ظاهرات ، ظاهرة خرجت من إطار الكوكب الذي تعيش فيه بحثاً عن أسرار الكون ، وقد قسمت الجغرافية البشرية مراراً تكرارا إلى العديد من الأقسام لعل أقربها إلى الإجماع هو تقسيم "روكسبى Roxby" لها إلى أربعة أقسام هي : جغرافية السلالات البشرية Geo. Of human races ، الجغرافيا الاجتماعية Social ، الجغرافيا الاقتصادية Economic والجغرافيا السياسية Political 0
     جغرافية السلالات البشرية
    وتهتم بدراسة أصل الإنسان وسلالاته وخصائصه الجسمانية ومدى تأثرها بعوامل البيئة الطبيعية ، ويرتبط هذا الفرع ارتباطاً وثيقاً بعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا Anthropology) وتتلخص الموضوعات الرئيسة التي تدرسها جغرافية السلالات في محاولة التوصل إلى الموطن الأصلي للإنسان ، والتحركات البشرية التي خرجت من ذلك الموطن وتفرقت في أنحاء الأرض مكونة السلالات الرئيسة (الزنجية والمغولية والألبية) ودراسة الصفات الجسمانية لكل سلالة ، والسلالات الفرعية التي تضمها كل سلالة رئيسة مع العناية بتوزيع كل هذا توزيعاً جغرافياً ولإظهار تأثره بعناصر البيئة المختلفة 0
     الجغرافية الاجتماعية
    وتضم جغرافية السكان geo. of population وجغرافية العمران البشريّ geo. Settlement human Of الذي ينقسم بدوره إلى عمران ريفيّ rural وعمران مٌدنيّ urban ، وتتصل الجغرافيا الاجتماعية بعلم الاجتماع sociology كما هو واضح من اسمها غير أنها ذات صلة وثيقة بعلوم أخري ، فجغرافية السكان مرتبطة تماماً بعلم السكان Demography وجغرافية السكن (ريفيّ ومدني) ذات صلة وثيقة بعلم تخطيط المدن والريف Town & Country Planning 0
    وتتلخص الموضوعات الرئيسة التي تعالجها جغرافية السكان في دراسة :
    • اتجاهات النمو السكاني وعوامل هذا النمو (مواليد/وَفيات/هجرة) 0
    • توزيع السكان وكثافاتهم والعوامل الجغرافية المؤثرة في هذا التوزيع 0
    • الهجرة الداخلية وتياراتها وتحليل عوامل طرد السكان وجذبهم من والي المناطق المختلفة 0
    • تركيب السكان من حيث النوع والعمر والوظائف إذا كان لذلك دلالة أو أهمية جغرافية
    • إبراز المشكلات السكانية المختلفة في مناطق العالم المتعددة 0

    أما الموضوعات الرئيسة التي تعالجها جغرافية السكن فتتمثل في دراسة المراكز العمرانية بدءاً من القرية وحتى المدينة الماموث (الميجالوبولس) من حيث النشأة والنمو والتركيب الداخلي والوظائف ، وفيما يتعلق بجغرافية المدن فإنها تنقسم إلى قسمين : جغرافية مدن داخلية وتدرس التركيب الداخلي للمدينة (استخدام الأرض الحضريّ) وجغرافية مدن خارجية وتدرس توزيع المدن في الإقليم وأحجامها وتباعدها وهيمنتها 0
     الجغرافية الاقتصادية
    تعتبر أهم فروع الجغرافيا البشرية وأكثرها وضوحاً وأوسعها مجالاً وأغناها مادة علمية ولم لا وهي تختص بالنشاط الاقتصادي للإنسان ، وبموارد بيئاته المختلفة ، وتجارته وطرق مواصلاته ، وقد اعتبر "هارتسورن Hartshorne " أن الجغرافيا تتشكل في الأساس من الجغرافية الطبيعية والجغرافيا الاقتصادية 0
    وتتناول الجغرافيا الاقتصادية بالدراسة الموارد الاقتصادية في العالم من حيث الإنتاج production والاستهلاك consumption والتسويق marketing من وجهة النظر الجغرافية الثلاثية التي تتمثل في التوزيع والربط والتعليل ، وهى ترتبط أساساً بعلم الاقتصاد ونظرياته المختلفة ، غير أن الجغرافي يختلف عن عالم الاقتصاد في دراسته لمورد ما ، فالاقتصادي يهتم بالإنتاج والتجارة لمعرفة العوامل المتحكمة في السعر والسوق ، أما الجغرافي فإنه يبدأ بتوزيع مناطق الإنتاج علي خريطة العالم ليحدد مناطق التركز الإنتاجي ، ثم يبدأ في تحليل عوامل توطن إنتاج هذا المورد ، واستنتاج العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية المؤدية لهذا التوطن ، وقد يدرس علاقة الإنتاج بالاستهلاك0
    • الجغرافية السياسية
    أسسها الجغرافي الأماني فردريك راتزل Ratzel وهى تتخذ من الدولة state وحدة للدراسة فتدرس موقعها الجغرافي وحدودها ومقوماتها البشرية وإمكاناتها الاقتصادية وعلاقاتها بالدول الأخرى والمشكلات السياسية التي ترتبت علي هذه الأوضاع الجغرافية وترتبط أساساً بعلمي التاريخ والسياسة 0
    وقبل الانتقال إلى الحديث عن الجغرافيا الإقليمية والجغرافيا التاريخية ينبغي إظهار الصلة بين الجغرافيا والعلوم التي تعتمد عليها ، علما بأن الجغرافيا تأخذ نتائج هذه العلوم كمادة علمية ولا تتبع مناهجها ، فكما يبين شكل رقم (2) ترتبط الجغرافيا الاقتصادية بعلم الاقتصاد ، والجغرافيا النباتية بعلم النبات ، والجغرافيا المناخية بعلم الطبيعة ، وجغرافيا التضاريس بعلم الجيولوجيا ، والجغرافيا السياسية بعلم التاريخ ، والجغرافيا الاجتماعية بعلم الاجتماع ، والجغرافيا الإثنية (الجماعات البشرية) بعلم الأنثروبولوجيا ، وعلم الخرائط (الكارتوجرافيا) بعلم الفلك (فيما يتعلق بالأبعاد الفلكية لكوكب الأرض) 0
    الجغرافيا الإقليمية
    تقابل الجغرافية العامة أو الأصولية أو الموضوعية topical التي تضم كلا من الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية ، ومن ثم فهي فرع ثالث لا ينتمي لأي منهما لأنها تتناول جميع عناصر البيئة الطبيعية من ناحية ، والإنسان ومظاهر نشاطه من ناحية أخري في إطار لإقليمي ، ومن ثم فهي تجميع لكل فروع الجغرافيا في مجال مكاني محدد يعرف بالإقليم region 0
    ويتجلى المنهج الجغرافي في الجغرافيا الإقليمية بوضوح كبير لأنها :
    • تعني بالربط بين الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية لإبراز العلاقة المركبة بين الإنسان والبيئة في المكان الواحد 0
    • تعنى بإبراز الاختلاف الإقليمي في الوحدة المكانية محل الدراسة 0
    الجغرافيا التاريخية

    تقابل الجغرافية التاريخية كل الفروع السابقة الطبيعية والبشرية والإقليمية مجتمعة ، وهى تختص بدراسة الظاهرة الجغرافية في زمن مضى ، ويقسم بعض الجغرافيين جغرافيتهم إلى قسمين كبيرين هما جغرافية الحاضر (الطبيعية والبشرية والإقليمية) وجغرافية الماضي (الجغرافيا التاريخية) ، التي هي في حقيقتها مجموعة من الجغرافيات وليست جغرافيا واحدة ، وهي لا تتصل بعلم التاريخ وإنما يقصد بالتاريخ هنا الماضي 0
    وللجغرافيا التاريخية منهجان أحدهما موضوعي والثاني إقليمي ويتمثل المنهج الأول في دراسة ظاهرة جغرافية ما في الزمن الماضي إما دراسة ثابتة (كدراسة سكان دولة ما في فترة زمنية محددة) أو متحركة (دراسة سكان دولة ما في فترات زمنية متتالية كلها في الماضي) أما المنهج الثاني فيتمثل في دراسة الأوضاع الجغرافية لمنطقة إما دراسة ثابتة (كدراسة دولة ما دراسة عامة في فترة زمنية محددة) أو متحركة (دراسة دولة ما في فترات زمنية متتالية كلها في الماضي) 0
    الخريطة والجغرافيا
    تتبقى لنا كلمة عن الخريطة map والجغرافيا ، وهناك مقولة شهيرة عن أهمية الخريطة لعلم الجغرافيا هي أن الجغرافيا لاشيء بدون الخريطة geography is nothing but maps ، وربما يكون الإنسان الأول قد دون معلوماته الجغرافية علي شكل رسوم قبل أن يدونها كتابة ، والخريطة كما يقولون هي "عصا الجغرافي الذي يتوكأ عليها00وله فيها مآرب أخري" فهي دليل سير ومخزن معلومات ومعرض نتائج ، وإذا كان الصينيون قد قالوا أن الصورة تغنى عن ألف كلمة فإننا نستطيع القول أن الخريطة تغنى عن ألف صورة ومليون كلمة 0


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/09/2007
    العمر
    50
    المشاركات
    7
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    أستاذي

    أنا نجوى عبدالفتاح من شرفتها بحضور مناقشة الماجيستير خاصتها


    كم أستفيد من مقالاتك أنت القدوة والمحتذى علميا (بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم )

    تقبل تحياتي زدني من علمك يا عالم الجغرافيا البشرية

    ابنتك نجوى


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •