آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اعراس ارانجورين لصلاح ابوشنب

  1. #1
    مشرف المنتدى الإسباني الصورة الرمزية صلاح م ع ابوشنب
    تاريخ التسجيل
    28/08/2007
    المشاركات
    1,241
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي اعراس ارانجورين لصلاح ابوشنب

    أعـــــــراس ارانجوريــــن

    قصة مترجمة من الأدب الاسبانى بتصرف
    لصلاح ابوشنب

    لم يكن أحد فى ربوع مقاطعة انكارتاثيونس ينعم بالامان قدر ما كان ينعم به مارتن سانتش دى ارانجورين وأفراد عائلته ، الذين عاشوا حوله وقد أحاطهم الخدم والحشم ، كانوا دون غيرهم من القرى يعيشون مسالمين يكرهون الحرب ، ويتألمون لما يرونه من تقاتل وتناحر مستمرفيما بين جيرانهم من اهل القرى الاخرى .
    انكارتاثيونس جزء من اقليم الباسك يقع فى شمال جزيرة ايبريا محصور فيما بين جبال البرانس والسلسلة الكانتبريه ، طقسه رعدى غائم ورطب ، ومعه يضم منطقة الآبا ، وجويبسكوا، وبسكايا ، ووديان متنوعه بين الفسيحة والضيقه ، وجبال قصيرة الارتفاع تشبه التلال ، وانهار ذات مجار قصيرة لكنها وفيره ومياهها غزيرة ، تشق طريقها بين الجبال بقوة ، تغذيها أمطارطوال العام تهطل باستمرار ، أينعت مروجها وأخصبت أرضها وأنضجت محاصيلها ووهبتها ثروة زراعية هائلة .
    يعيش سكانها فى قرى صغيرة ومنازل بين الحقول متناثره ، مستمسكين بعادات اجدادهم ، ولغتهم القديمه ولولا هذا الالتصاق الشديد بالماضى لاندثرت تلك العادات ولماتت اللغة التى ما زالوا يتحدثونها حتى الآن بطلاقه ، ولأصبحت أثرا بعد عين ، ولغة الباسك تعد من اقدم لغات أوروبا ، والاسبانيه أو القشتاليه لغتهم الثانيه .
    الى الغرب من منطقه بثكايا وفيما بين مدينة سانتندر وبرجوس وألآبا نجد مقاطعة انكارتاثيونس التى سبق أن ذكرناها وفيها القرية التى تسمى أرآنجورين ، حازت شهرة واسعة فى اقامة الأعراس منذ اكثر من خمسمائة عام ، حتى ضربت بأعراسها الامثال ، وغدا كل من يقيم حفل عرس كبير يقال انه أقام عرسا من اعراس ارانجورين .
    حروب طاحنة فى العصور الوسطى عاشتها الباسك أتت على اخضرها ويابسها ، قادتها اكبر العائلات فيها ، عائلة الاونياس وعائلة الجامبوا اللتان تنازعتا حكم الاقليم ، فأحالتا وديانه الى حمامات من الدماء وانهالت المصائب على سكان قرآه من كل حدب و صوب ، وعم البلاء كل مكان وهرع الناس الى جانب المنتصر بغير ولاء مندفعين بدافع الخوف من التعذيب والتنكيل والتقتيل حقنا لدمائهم ، وحرصا على ممتلكاتهم وأموالهم .
    رأى مارتن سانتشس ما يدور حوله من حروب ابتلعت كل شىء وأهلكته ، وخربت الديار ونشرت الزعر والدمار .
    اتخذ الرجل لنفسه مكانا منعزلا اقام فيه قريه صغيرة جمع فيها عائلته ورفع فوقها راية الحياد ، وأبى الانضمام الى أى من المتحاربين مهما كانت الاغراءات والاسباب أو حتى التهديدات ، وكرس جهوده لتنمية القرية ، ودفع الجميع الى العمل فى زراعة الارض وتنمية المحاصيل وشيد دارا كبيرة حصينة بناها بالحجارة الصلبة التى تم قطعها من الجبال المجاوره ، وغرس أمام بابها شجرة زيتون تعبيرا عن حياده ورفضه للمشاركه فى الحروب المهلكه التى لا طائل من ورائها سوى الخراب والدمار . وشيد من حولها صوامع للغلال ومنازل للخدم وأحواش للبهائم ، وأقبيه لتخزين النبيذ وتعتيقه ، كما شيد فرنا كبيرا لصهر خام الحديد الذى كان يستخرجه من المناجم المجاورة للقرية .
    الموقع الذى اختاره مارتين سانتشس لقريته موقعا مميزا فقد احتل سهلا استيراتيجيا محصورا فيما بين الجبل والنهر وأنشأ صومعة لاقامة صلوات الشكرلله على النعم الكثيرة والامان والاستقرارالذى حرم منه كثيرممن حولهم من القرى المتناحرة .
    ما كاد يأتى فصل الربيع حتى كان القتال قد اشتعل بين اونياس و جامبوا وكانت الاخبارتأتى الى مارتن سانتشس بما لا يسر عدوا أو حبيبا . لم تكن ساحة الوغى ببعيدة ، وكانت الاخبار تأتى مسرعة الى ديار مارتن ، وكان سكان قريتة يستطيعون سماع أنين الجرحى وصرخات القتلى من ثخونة الطعن والتقتيل .
    انشوا دى سالازار ابرز قادة اونياس امر اتباعه بعبور النهر فى الوقت الذى برز فيه قائد جيش آل جامبوا فوتون سانشس دى صالصيدو من بين احراش الغابة وخلفه رجاله بأسلحتهم . التقى الفريقان وجها لوجه ودارت رحى المعركة ، كان صرير السيوف مرعبا ، والصرخات تشق عنان السماء ، طعن لايتوقف ودماء تنزف صبغت الوادى وملئت الحقول جثثا وجرحى ، انين يسرى بين الحقول كبحيح الافاعى وأصوات كأصوات المردة والشياطين .
    غلب الجامباويون أونياس ودفعوهم للفرار ، فاتجهوا الى النهر هربا الى الضفه الاخرى ، وتبعهم فورتون قائد الجامباويين ، وأمر بقتل كل جريح تصل اليه ايديهم ، كما تعقب كل فار منهم.
    فرناندو دى أتشورياجا كان من فرسان أونياس نجى بنفسه مع خادم له ، ولم يجد أمامه طريقا للنجاة سوى الفرار طلبا للنجاة بحياته وحياة خادمه استطاع الوصول الى الضفة الاخرى عن طريق قنطرة متهالكه ومتهدمه، كانت قواهما خائرة يسيران تارة ويختبئان أخرى ، وقد اشرفا على الهلاك ولم يجدا ما يقتاتان به ، وأيقنا بالهلاك أما جوعا أو على يد الذين يتعقبونهما ، سارا بين الاحراش ليلا واختبئا نهارا حتى وصلا الى قرية جروستيزا وهى القرية الاقرب اليهما ، فيها اصدقاء قدامى لفرنانندو ، فلما اصبحا على مرمى البصر شاهداها تحترق ولم يجدا فيها حى يرزق عدا جثث القتلى ، حتى المحاصيل اشعلت فيها النيران .
    فى الوقت نفسه سمع الخادم أصوات اقدام خيل وجلبة آتيه من خلفهما فأسرعا بالاختباء حتى هدأت الامور ثم انتظرا حتى دخل الليل ، فسارا باتجاه قرية مارتن سانشس دى أرانجورين .
    كان انتقام رجال جامبوا من قرية جروستيزا وأهلها تقشعر له الابدان ، بسبب ما وصلهم من اخبار عن قيامها بمد يد العون سرا لعدوهم .
    وصل فرنناندو وخادمه الى قرية ارانجورين بعد أن اشرفا على الهلاك وعند بابها سقط الاثنان مغشيا عليهما من شدة الاعياء .
    كان وصولهما ليلا ولم يراهما احد ، فلما اشرقت الشمس وداعبت اشعتها وجهيهما استيقظ الخادم ، فنظر حوله فوجد الدار الحصينه فعرف انهما فى ارانجورين الحياديه فاطمأن قلبه وسكن .
    تقدم الخادم نحو الباب وصاح ينادى : النجده يا أهل ارانجورين ....
    مارينا الابنه الوحيدة لمارتن كانت تقف فى الشرفه تسقى الورود وتنظر الى الوادى وقمم التلال والغمام المخيم فوقها بثوبه الرصاصى القاتم والشمس مازالت تعالج قطرات الندى بصعوبه بالغه والنسمات مازالت باردة كعادتها ، ووجه مارينا بين الغمام كوردة حمراء قانيه فوق ثوب ابيض ناصـــع تهادى الى اذنيها الصغيرتين صوت الخادم آت مــن بعيد فانتبهت اليه ، نادت بصوتها الهادى على رجلين كانا ينظفان فناء الدار وأشارت اليهما بأصبعها الرقيق ، فانطلقا الى حيث يرقد فرناندو وخادمه ، وحملوهما الى داخل الدار ، كانت مارينا قد اسرعت بابلاغ ابيها بالامر فجاء يلملم عبائته السوداء ويرتكز على عصاته البنيه العوجاء التى اهداها له احد اصحابه وهى عبارة عن فرع قوى من فروع الزيتونه المزروعة امام باب الدار .
    نقل الرجلين الى احد الغرف بدار مارتن سانشس وقد انتشرت الجراح فى جسميهما فتولى علاجهما رجل عجوز له خبرة بعلاج جرحى الحروب ، وكانت مارينا تساعده فى اسعافهما وتضميد جراحهما ، رغم علمها بأن والدها لن يروق له أن يراها وهى تعالج هذين الشخصين ، وذلك راجع لعدم رغبته فى رؤيه احد ممن شاركوا فى هذه الحروب لا سيما من عائلتى أونياس و جامبوا ، اللتان تسببا فى كل المآسى التى يعيشها الباسك ، ورغم ذلك اصرت مارينا على البقاء بجوارهما مع العجوز.
    كانت المهمة شاقه على العجوز الكهل لكثرة الجروح الغائرة التى اصيب بها فرناندو وخادمه .
    لما التقت مارينا بأبيها سألها : هل عرفت من يكون الرجلين ؟
    - قالت مارينا : بلى يا ابتاه ، انه فرناندو دى اتشورياجا وخادمه .
    - الاب : وكيف عرفت ذلك ؟
    - مارينا : لما افاق الخادم سألناه فأخبرنا بذلك .
    - الاب : وهل أفاق ابن اتشورياجا ؟
    - مارينا : ليس بعد يا ابتاه .
    - الاب : هل تعرفين من هو فرناندو هذا؟
    - مارينا : لا يا ابى .
    - الاب : يآه .. ومن أين لك أن تعرفى ؟ أن هذا الجريح الفار من عدوه ، انما هو أحد صانعى هذه الحروب التى اكلت الاخضر واليابس ..
    - مارينا : يا ألهى .. ويرقد فى بيتنا ؟
    - الاب : نعم هو بعينه .. يرقد فى بيتنا ..
    - مارينا : ما كنت اعرف انك ستغضب الى هذا الحد يا ابتى ، ولكنى ايضا لم استطع أن اترك شخصا يشرف
    على الهلاك أمام عينى دون أن امد له يد العون .. أرجو ان تسامحنى على ذلك ..
    - الاب : لا يا بنيتى .. لست غاضبا عليك ،
    وانما حزنى على ما سببه هذا الشخص من مآسى عمت القطر كله ثم سكت برهة وقال : ولكن كيف حالهما الآن ؟
    - مارينا : فى تحسن مستمر خاصة بعد ان بذل العجوز بدرو كل ما فى وسعه لعلاج جراحهما ، وقد تحسنت حالتهما.
    - الاب : برغم اننى اكره الحرب وأكره ايضا المشتركين فيها ، الا اننى أؤكد لك أن ما قمت به هو عمل صالح .
    كان الخادم قد تماثل للشفاء قبل سيده بوقت كبير وغادر ارانجورين بعد أن اصر سيده على ذلك من اجل ابلاغ أهله بما حدث .
    لما تأخر فرناندو على العودة الى دياره ظن الجميع انه هلك لاسيما وان البعض أكد على انه شاهده وهو يسقط جريحا بين الصفوف ، وهكذا تأكدت اشاعه قتله .
    ظل فرناندو ضيفا على مارتن سانشس تحت العلاج حتى انقضى فصل الصيف ودخل الخريف وبعد ذلك استطاع أن يستعيد قواه وعافيته ، وفى فترة علاجه كانت مارينا لصيقه به الى جانب بدرو العجوز يسهران على علاجه والعناية به ، وبمرور الايام شعر فرناندو أن الاعجاب بمارينا تحول مع الوقت الى حب حقيقى جارف .
    كان فرناندو يعلم جيدا المبدأ الذى يعيش عليه مارتن وحياديته وكرهه للمشاركين فى الحرب لاسيما من عائلتى أونياس وجامبوا ، وأن قبول مارتن له فى بيته كان اضطراريا ، فهو عادة لايسمح باستقبال احد من افراد تلك العائلتين فى بيته ، وعليه فان عودته الى ارانجورين مرة اخرى أمر مستحيل . . ولكن ماذا يفعل مع قلبه المتعلق بمارينا ؟
    ذات مساء بينما كانت مارينا تقف فى الصومعه تؤدى بعض المناسك ، فى الوقت الذى كان فرناندو يجلس مع ابيها على احد المصاطب الحجرية تحت الزيتونه وجد فرناندو أن تلك اللحظة هى اللحظه المناسبة لمفاتحه مارتن فى امر زواجه من ابنته مارينا . فبادره بقوله :
    - سيد مارتن .. لقد امضيت فى دارك وقتا طويلا حملتكم فيه الكثير من العناء ، وأن بقائى على قيد الحياة انما يرجع الفضل فيه الى وقوفكم الى جانبى ، وانى اعرف ان وقوفكم الى جانبى كان مجازفة منكم فلو
    علم الجامباويون بذلك لحملوا عليكم ولفعلوا بكم ما فعلوه بأهل جروستيزا ، ولقد غمرتمونى بفضلكم وكرمكم وحسن رعايتكم لى ولخادمى ، وانى أستأذنك العودة الى ديارى كى يطمئن أهلى ويفرحوا بعودتى اليهم .
    - مارتــــن : فرناندو انت تعلم بأنى غير متضرر من وجودك ضيفا فى دارى وتستطيع أن تبقى فيها ما
    تشاء وكأنك واحد منا ، وان ما فعلته معك ومع خادمك انما هو واجب يمليه علي ضميرى ودينى ، ودارى مفتوحه لكل محتاج .
    - فرناندو : اعرف جيدا ماتقول يا سيد مارتن ولكن مادامت جراحى قد التأمت وعادت لى عافيتى فلا سبب
    يدعونى الى البقاء ، كما أن طول البقاء ليس فى صالحكم خشية أن يصل الخبر الى آل جامبوا فيحدث
    ما لا يحمد عقباه .
    - مارتن : لك كامل الحرية فى البقاء أو أو الرحيل وفى الوقت الذى تراه مناسبا لك .
    - فرناندو : ولكننى اجد نفسى غير حر فى هذا الخيار يا سيدى ..
    - مارتن : وما الذى يقيد حريتك يا ولدى ؟
    - فرناندو : انها ابنتك يا سيدى ..
    - مارتن : ابنتى .. تقول ابنتى .. هى التى تقييد حريتك فى الرحيل ؟
    - فرناندو : نعم يا سيدى نعم ..
    - مارتن : كيف يكون هذا .. انا لا أفهم ..
    - فرناندو : سيدى .. اقول لك بكل صراحة ان الوقت الذى أمضيته بينكم كان وقتا ممتعا ، عشت فيه مطمئنا هادىء النفس كما لم اشعر بذلك طيلة حياتى ، ووقوف مارينا الى جانبى فى محنتى تلك جعلنى اشعر نحوها بعاطفه جارفه تحولت مع مرور الايام الى اعجاب ثم حب حقيقى واجد نفسى غير قادر على العيش بدونها .
    - مارتن : مع شديد الاسف يا فرناندو أنت تطلب المستحيل .
    - فرناندو: لا شىء فى هذه الدنيا مستحيل يا سيد أمام عزيمة وتصميم الرجال .
    - مارتن :انت مخطىء يا بنى .. ان اختلاف مفاهيمنا ومبادئنا تحول بين تحقيقذلك . فأنت من أسرة تعشق الحربوتعيش من أجلها . بل ذهبت الى أبعد من ذلك فهى تصنعها وقتماتشاء ، واصبحت هوايتها ولعبتها
    المفضلة ، وانا لست مستعدا لتزويج ابنتى لشخص من هذه العائلة .
    - فرناندو : سيد مارتن أن ابنتك تبادلنى نفس المشاعر ، ويمكنك أن تسألها بنفسك.
    - مارتن : اسمع يا بنى أنا لست فى حاجة الى أن اسأل ابنتى ، ومن ناحية اخرى انالست ضد الحب ، وانما انا ضد الكراهية ، أن عائلتك تصنع الكراهية وتنشر الدمار وتنشىء الخراب ، بينما عائلتى تزرع السلام وتنشر الامان ، والمسافه بعيدة بعد السماء والارض بيننا ، فهل فهمت ما اقول .
    - فرناندو : كل شىء له حل ..
    - مارتن : وما هو هذا الحل يا ترى ؟
    - فرناندو : لقد قررت الا اشترك فى حرب أبدا..
    - مارتن : هذا كلام تقوله الان ، وما ان تعودالى ديارك وتصبح بين اهلك حتى تنسى ما قلت وتصبح مثلهم .
    - فرناندو : لا لن يحدث ذلك واستطيع ان اقسم لك على ذلك .
    - مارتن : اسمع يا بنى انا لا اوافق على تزويج ابنتى اليك ، وارجوك الا تتحدث مع ابنتى بعد ذلك طيلة فترة بقاءك لدينا.
    - فرناندو : اتطردنى من دارك يا سيد مارتن ؟
    - مارتن : لا .. انت ماتزال ضيفى ولكنى أحب أن اضع الامور واضحة وفىنصابها . وان ابنتى سوف ازوجها الى رجل صالح مسالم ، من الكادحين فى الارض ، من الذين يكسبون رزقهم بكدهم وعرقهم .
    ما ان سمع فرناندو تلك الكلمات وهى تخرج من فم مارتن حتى اغرورقت عيناه بالدمع مما سمع، وبكلمات موجزة بالكاد خرجت من بين شفتيه كرر شكره لمضيفه ، ودون انتظار لعودة مارينا من الصومعة خرج من الدار يجر قدميه جرا والحزن يعتصر قلبه المنكسر.
    حزنت مارينا حزنا شديدا على مغادرة فرناندو لدارهم ، فقد تعلقت به اكثر مما تعلق بها ، وهجر
    النوم ساحتها وأصبح السهاد ملازما لها ، تجلس فى غرفتها وحيدة تفكر فى حبيبها الى ان اصفر وجهها وتغير حالها . حاول أبوها أن يسليها ففشل حاول ان يفهمها أن مثل هذا الزواج سوف يجر عليهم المصائب فلم تقتنع .
    كانت ارانجورين كلما حل فصل الشتاء استعدت بكل رجالها للعمل الجاد ، وتركت اعمال الزراعه وتوجهت الى الجبال لجلب خام الحديد ، وجهزت الافران للعمل .
    وما ان ينتشر خبر فتح المناجم بين الناس حتى يهرع الناس من كل القرى المجاورة ، وبخاصه الشباب الى ارانجورين للعمل فى المناجم والمصاهر بكثرة ، وكان من عادة مارتن سانشس وابنته وحاشيته زيارة مواقع العمل فى يوم البدء ، وهو أول يوم عمل فى المواقع ، كان العمل فى المصاهر شاقا والعرق يتصبب من جباه العاملين بغزارة من شدة الحرارة المنتشرة فى كل مكان .
    كانت مارينا تسير الى جانب والدها عندما وقع بصرها على شاب يتصبب العرق من جبهته ، وكان طويل القامه ممشوق القوام مفتول العضلات ، فلما تفرست فيه بدا لها وكأن وجهه مألوف لديها ، تأخرت خطوات عن ابيها وراحت تتفرس فيه بامعان ، واخيرا تهلل وجهها ، بعد ان استطاعت معرفته ، انه فرناندو حبيبها ، كانت تراه وقد لمع وجهه وبرقت عيناه كلما اقترب من فرن الصهر ، حيث يسيل خام الحديد المنصهر بشكله الاحمر المتوهج المخيف .
    ارتدت الروح الى جسد مارينا من جديد ودبت فيها الحياة وغمرتها البهجه وعادت الى وجهها نضارته التى افتقدها بغياب فرناندو عنها ، بينما انشغل ابوها بمتابعة العمل فى الاماكن المختلفه دون ان ينتبه لشىء من ذلك .
    ظل فرناندو يعمل فى ذاك العمل الشاق فترة من الزمن وكانت مارينا كلما ذهبت مع والدها رأته منهمكا فى العمل لدرجة انها اشفقت عليه من الاعياء ، وهمت باخبار ابيها بالامر لولا انها خشيت أن يظنها لعبة مدبرة لدفعه على الموافقه على تزويجه اياها فأحجمت . وعلى حين فجأة انقطع الشاب فرناندو عن العمل ولانه ليس من أهل ارانجورين فلم يهتدى اليه احد ، وأبلغ رئيس العمال السيد ارانجورين بغيابه المفاجىء دون اذن مسبق .
    ذات مساء كانت مارينا تجلس مع ابيها فى شرفه برج دارهم البحريه ذات الهواء الطلق المنعش ، وكان حديثها مع ابيها يدور حول فرناندو ، فقال لها والدها : لو كان حقا باق على حبك لاعتزل القتال وترك تلك الديار ، لكنه كان متشوقا للعود اليها تشوق العطشان الى الماء الفرات .
    قالت مارينا وهى تؤكد على ثقتها فى صدق فرناندو : لا يا أبى أنت لم تعرف فرناندو حق المعرفة .. انه شاب صادق ووفى لوعده .
    قال الاب : وكيف عرفت ذلك ؟
    مارينا : ارتبكت واحمرت وجنتيها ولكنها اسرعت بقولها : من خلال الفترة التى كنت اعالجه فيها مع العجوز بدرو يا أبتى ...
    فجأة ظهر شبح آت من بعيد يمتطى صهوة جواد مطهم فلما اقترب من باب الدار تهلل وجه مارينا وقالت على الفور انه فرناندو يا ابى قد جاء على ذكر سيرته !
    الاب : مصادفه عجيبه .. أليس كذلك يا
    مارينا ؟
    مارينا : بلى يا ابى
    فلما كان عند الباب لوح بيده اليهما ،فأشار مارتن دى ارانجورين لخادمه كى يفتح الباب . نزل مارتن لاستقبالضيفه بنفسه ، وصعد به الى الشرفه التى كان يجلس فيها فقال فرناندو:
    سيد مارتن .. منذ اللحظة التى خرجت فيها من دارك وأنا فى عذاب ، ولم تزدنى الايام سوى حبا واشتياقا الى مارينا ، ولقد تذكرت كلماتك عن الحرب ، فأسرعت بالانضمام الى فريق العمل بالمصهر كى اجرب بنفسى ما يقوم به باقى الناس الذين يتكسبون قوتهم بعرق جبينهم فشعرت بلذة ورغبة فى الحياة الهادئه المستقره ، وعرفت بأن من يبنى افضل بكثير ممن يسعى للهدم ، ومارينا تشهد على صدق حديثى .
    نظر مارتن الى ابنته فى استغراب وقال : ومن أين لمارينا ذلك ؟
    قال فرناندو : لقد شاهدتنى اكثر من مرة وأنا فى الفرن دون أن يتنبه الى احد ممن حولى . ثم اخرج سيفه من غمده وكسره نصفين وبعد ذلك وضع يده على صدره ناحية قلبه وأقسم بالا يعود الى القتال بعد ذلك .
    فرح مارتن بما شاهده من فرناندو وغمرته السعادة ولم يسعه الا أن يأخذه بين احضانه ويقبله وهو يقول : الآن استطيع أن اقبلك زوجا لابنتى .
    وعلى الفور نادى مارتن على كبير الخدم وطلب اليه أن يعلن فى ارجاء قرية ارانجورين عن زواج ابنته من فرناندو ، وأن يدعو جميع أهل القرية والقرى المجاورة لحضور العرس ، وأمره ان يجهز لعرس لم تشهد الباسك من قبل وعلقت الزينات والبيارق والاعلام فى كل مكان ودقت الطبول ورقص الناس فى كل زقاق وحارة ومدت الموائد تحمل افخر وأطيب انواع الطعام أياما ودعيت الفرق من كافة انحاء الاقليم للمشاركه فى العرس الذى دام أيام ، وأصبح العرس الذى اقامه مارتن ارانجورين لابنته مارينا حديث كل الناس فى ارانجورين وخارجها بل فى اقليم الباسك بكامله ، واصبح الناس يضربون به المثل فى كل مناسبه منذ لحظة قيامه وحتى وقتنا هذا وأصبحت مارينا وفرناندو دى اتشورياجا اشهر عروسين فى تاريخ ارانجورين على مر العصور.
    تمـــــــــــــــــــت


  2. #2
    مشرف المنتدى الإسباني الصورة الرمزية صلاح م ع ابوشنب
    تاريخ التسجيل
    28/08/2007
    المشاركات
    1,241
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي اعراس ارانجورين لصلاح ابوشنب

    أعـــــــراس ارانجوريــــن

    قصة مترجمة من الأدب الاسبانى بتصرف
    لصلاح ابوشنب

    لم يكن أحد فى ربوع مقاطعة انكارتاثيونس ينعم بالامان قدر ما كان ينعم به مارتن سانتش دى ارانجورين وأفراد عائلته ، الذين عاشوا حوله وقد أحاطهم الخدم والحشم ، كانوا دون غيرهم من القرى يعيشون مسالمين يكرهون الحرب ، ويتألمون لما يرونه من تقاتل وتناحر مستمرفيما بين جيرانهم من اهل القرى الاخرى .
    انكارتاثيونس جزء من اقليم الباسك يقع فى شمال جزيرة ايبريا محصور فيما بين جبال البرانس والسلسلة الكانتبريه ، طقسه رعدى غائم ورطب ، ومعه يضم منطقة الآبا ، وجويبسكوا، وبسكايا ، ووديان متنوعه بين الفسيحة والضيقه ، وجبال قصيرة الارتفاع تشبه التلال ، وانهار ذات مجار قصيرة لكنها وفيره ومياهها غزيرة ، تشق طريقها بين الجبال بقوة ، تغذيها أمطارطوال العام تهطل باستمرار ، أينعت مروجها وأخصبت أرضها وأنضجت محاصيلها ووهبتها ثروة زراعية هائلة .
    يعيش سكانها فى قرى صغيرة ومنازل بين الحقول متناثره ، مستمسكين بعادات اجدادهم ، ولغتهم القديمه ولولا هذا الالتصاق الشديد بالماضى لاندثرت تلك العادات ولماتت اللغة التى ما زالوا يتحدثونها حتى الآن بطلاقه ، ولأصبحت أثرا بعد عين ، ولغة الباسك تعد من اقدم لغات أوروبا ، والاسبانيه أو القشتاليه لغتهم الثانيه .
    الى الغرب من منطقه بثكايا وفيما بين مدينة سانتندر وبرجوس وألآبا نجد مقاطعة انكارتاثيونس التى سبق أن ذكرناها وفيها القرية التى تسمى أرآنجورين ، حازت شهرة واسعة فى اقامة الأعراس منذ اكثر من خمسمائة عام ، حتى ضربت بأعراسها الامثال ، وغدا كل من يقيم حفل عرس كبير يقال انه أقام عرسا من اعراس ارانجورين .
    حروب طاحنة فى العصور الوسطى عاشتها الباسك أتت على اخضرها ويابسها ، قادتها اكبر العائلات فيها ، عائلة الاونياس وعائلة الجامبوا اللتان تنازعتا حكم الاقليم ، فأحالتا وديانه الى حمامات من الدماء وانهالت المصائب على سكان قرآه من كل حدب و صوب ، وعم البلاء كل مكان وهرع الناس الى جانب المنتصر بغير ولاء مندفعين بدافع الخوف من التعذيب والتنكيل والتقتيل حقنا لدمائهم ، وحرصا على ممتلكاتهم وأموالهم .
    رأى مارتن سانتشس ما يدور حوله من حروب ابتلعت كل شىء وأهلكته ، وخربت الديار ونشرت الزعر والدمار .
    اتخذ الرجل لنفسه مكانا منعزلا اقام فيه قريه صغيرة جمع فيها عائلته ورفع فوقها راية الحياد ، وأبى الانضمام الى أى من المتحاربين مهما كانت الاغراءات والاسباب أو حتى التهديدات ، وكرس جهوده لتنمية القرية ، ودفع الجميع الى العمل فى زراعة الارض وتنمية المحاصيل وشيد دارا كبيرة حصينة بناها بالحجارة الصلبة التى تم قطعها من الجبال المجاوره ، وغرس أمام بابها شجرة زيتون تعبيرا عن حياده ورفضه للمشاركه فى الحروب المهلكه التى لا طائل من ورائها سوى الخراب والدمار . وشيد من حولها صوامع للغلال ومنازل للخدم وأحواش للبهائم ، وأقبيه لتخزين النبيذ وتعتيقه ، كما شيد فرنا كبيرا لصهر خام الحديد الذى كان يستخرجه من المناجم المجاورة للقرية .
    الموقع الذى اختاره مارتين سانتشس لقريته موقعا مميزا فقد احتل سهلا استيراتيجيا محصورا فيما بين الجبل والنهر وأنشأ صومعة لاقامة صلوات الشكرلله على النعم الكثيرة والامان والاستقرارالذى حرم منه كثيرممن حولهم من القرى المتناحرة .
    ما كاد يأتى فصل الربيع حتى كان القتال قد اشتعل بين اونياس و جامبوا وكانت الاخبارتأتى الى مارتن سانتشس بما لا يسر عدوا أو حبيبا . لم تكن ساحة الوغى ببعيدة ، وكانت الاخبار تأتى مسرعة الى ديار مارتن ، وكان سكان قريتة يستطيعون سماع أنين الجرحى وصرخات القتلى من ثخونة الطعن والتقتيل .
    انشوا دى سالازار ابرز قادة اونياس امر اتباعه بعبور النهر فى الوقت الذى برز فيه قائد جيش آل جامبوا فوتون سانشس دى صالصيدو من بين احراش الغابة وخلفه رجاله بأسلحتهم . التقى الفريقان وجها لوجه ودارت رحى المعركة ، كان صرير السيوف مرعبا ، والصرخات تشق عنان السماء ، طعن لايتوقف ودماء تنزف صبغت الوادى وملئت الحقول جثثا وجرحى ، انين يسرى بين الحقول كبحيح الافاعى وأصوات كأصوات المردة والشياطين .
    غلب الجامباويون أونياس ودفعوهم للفرار ، فاتجهوا الى النهر هربا الى الضفه الاخرى ، وتبعهم فورتون قائد الجامباويين ، وأمر بقتل كل جريح تصل اليه ايديهم ، كما تعقب كل فار منهم.
    فرناندو دى أتشورياجا كان من فرسان أونياس نجى بنفسه مع خادم له ، ولم يجد أمامه طريقا للنجاة سوى الفرار طلبا للنجاة بحياته وحياة خادمه استطاع الوصول الى الضفة الاخرى عن طريق قنطرة متهالكه ومتهدمه، كانت قواهما خائرة يسيران تارة ويختبئان أخرى ، وقد اشرفا على الهلاك ولم يجدا ما يقتاتان به ، وأيقنا بالهلاك أما جوعا أو على يد الذين يتعقبونهما ، سارا بين الاحراش ليلا واختبئا نهارا حتى وصلا الى قرية جروستيزا وهى القرية الاقرب اليهما ، فيها اصدقاء قدامى لفرنانندو ، فلما اصبحا على مرمى البصر شاهداها تحترق ولم يجدا فيها حى يرزق عدا جثث القتلى ، حتى المحاصيل اشعلت فيها النيران .
    فى الوقت نفسه سمع الخادم أصوات اقدام خيل وجلبة آتيه من خلفهما فأسرعا بالاختباء حتى هدأت الامور ثم انتظرا حتى دخل الليل ، فسارا باتجاه قرية مارتن سانشس دى أرانجورين .
    كان انتقام رجال جامبوا من قرية جروستيزا وأهلها تقشعر له الابدان ، بسبب ما وصلهم من اخبار عن قيامها بمد يد العون سرا لعدوهم .
    وصل فرنناندو وخادمه الى قرية ارانجورين بعد أن اشرفا على الهلاك وعند بابها سقط الاثنان مغشيا عليهما من شدة الاعياء .
    كان وصولهما ليلا ولم يراهما احد ، فلما اشرقت الشمس وداعبت اشعتها وجهيهما استيقظ الخادم ، فنظر حوله فوجد الدار الحصينه فعرف انهما فى ارانجورين الحياديه فاطمأن قلبه وسكن .
    تقدم الخادم نحو الباب وصاح ينادى : النجده يا أهل ارانجورين ....
    مارينا الابنه الوحيدة لمارتن كانت تقف فى الشرفه تسقى الورود وتنظر الى الوادى وقمم التلال والغمام المخيم فوقها بثوبه الرصاصى القاتم والشمس مازالت تعالج قطرات الندى بصعوبه بالغه والنسمات مازالت باردة كعادتها ، ووجه مارينا بين الغمام كوردة حمراء قانيه فوق ثوب ابيض ناصـــع تهادى الى اذنيها الصغيرتين صوت الخادم آت مــن بعيد فانتبهت اليه ، نادت بصوتها الهادى على رجلين كانا ينظفان فناء الدار وأشارت اليهما بأصبعها الرقيق ، فانطلقا الى حيث يرقد فرناندو وخادمه ، وحملوهما الى داخل الدار ، كانت مارينا قد اسرعت بابلاغ ابيها بالامر فجاء يلملم عبائته السوداء ويرتكز على عصاته البنيه العوجاء التى اهداها له احد اصحابه وهى عبارة عن فرع قوى من فروع الزيتونه المزروعة امام باب الدار .
    نقل الرجلين الى احد الغرف بدار مارتن سانشس وقد انتشرت الجراح فى جسميهما فتولى علاجهما رجل عجوز له خبرة بعلاج جرحى الحروب ، وكانت مارينا تساعده فى اسعافهما وتضميد جراحهما ، رغم علمها بأن والدها لن يروق له أن يراها وهى تعالج هذين الشخصين ، وذلك راجع لعدم رغبته فى رؤيه احد ممن شاركوا فى هذه الحروب لا سيما من عائلتى أونياس و جامبوا ، اللتان تسببا فى كل المآسى التى يعيشها الباسك ، ورغم ذلك اصرت مارينا على البقاء بجوارهما مع العجوز.
    كانت المهمة شاقه على العجوز الكهل لكثرة الجروح الغائرة التى اصيب بها فرناندو وخادمه .
    لما التقت مارينا بأبيها سألها : هل عرفت من يكون الرجلين ؟
    - قالت مارينا : بلى يا ابتاه ، انه فرناندو دى اتشورياجا وخادمه .
    - الاب : وكيف عرفت ذلك ؟
    - مارينا : لما افاق الخادم سألناه فأخبرنا بذلك .
    - الاب : وهل أفاق ابن اتشورياجا ؟
    - مارينا : ليس بعد يا ابتاه .
    - الاب : هل تعرفين من هو فرناندو هذا؟
    - مارينا : لا يا ابى .
    - الاب : يآه .. ومن أين لك أن تعرفى ؟ أن هذا الجريح الفار من عدوه ، انما هو أحد صانعى هذه الحروب التى اكلت الاخضر واليابس ..
    - مارينا : يا ألهى .. ويرقد فى بيتنا ؟
    - الاب : نعم هو بعينه .. يرقد فى بيتنا ..
    - مارينا : ما كنت اعرف انك ستغضب الى هذا الحد يا ابتى ، ولكنى ايضا لم استطع أن اترك شخصا يشرف
    على الهلاك أمام عينى دون أن امد له يد العون .. أرجو ان تسامحنى على ذلك ..
    - الاب : لا يا بنيتى .. لست غاضبا عليك ،
    وانما حزنى على ما سببه هذا الشخص من مآسى عمت القطر كله ثم سكت برهة وقال : ولكن كيف حالهما الآن ؟
    - مارينا : فى تحسن مستمر خاصة بعد ان بذل العجوز بدرو كل ما فى وسعه لعلاج جراحهما ، وقد تحسنت حالتهما.
    - الاب : برغم اننى اكره الحرب وأكره ايضا المشتركين فيها ، الا اننى أؤكد لك أن ما قمت به هو عمل صالح .
    كان الخادم قد تماثل للشفاء قبل سيده بوقت كبير وغادر ارانجورين بعد أن اصر سيده على ذلك من اجل ابلاغ أهله بما حدث .
    لما تأخر فرناندو على العودة الى دياره ظن الجميع انه هلك لاسيما وان البعض أكد على انه شاهده وهو يسقط جريحا بين الصفوف ، وهكذا تأكدت اشاعه قتله .
    ظل فرناندو ضيفا على مارتن سانشس تحت العلاج حتى انقضى فصل الصيف ودخل الخريف وبعد ذلك استطاع أن يستعيد قواه وعافيته ، وفى فترة علاجه كانت مارينا لصيقه به الى جانب بدرو العجوز يسهران على علاجه والعناية به ، وبمرور الايام شعر فرناندو أن الاعجاب بمارينا تحول مع الوقت الى حب حقيقى جارف .
    كان فرناندو يعلم جيدا المبدأ الذى يعيش عليه مارتن وحياديته وكرهه للمشاركين فى الحرب لاسيما من عائلتى أونياس وجامبوا ، وأن قبول مارتن له فى بيته كان اضطراريا ، فهو عادة لايسمح باستقبال احد من افراد تلك العائلتين فى بيته ، وعليه فان عودته الى ارانجورين مرة اخرى أمر مستحيل . . ولكن ماذا يفعل مع قلبه المتعلق بمارينا ؟
    ذات مساء بينما كانت مارينا تقف فى الصومعه تؤدى بعض المناسك ، فى الوقت الذى كان فرناندو يجلس مع ابيها على احد المصاطب الحجرية تحت الزيتونه وجد فرناندو أن تلك اللحظة هى اللحظه المناسبة لمفاتحه مارتن فى امر زواجه من ابنته مارينا . فبادره بقوله :
    - سيد مارتن .. لقد امضيت فى دارك وقتا طويلا حملتكم فيه الكثير من العناء ، وأن بقائى على قيد الحياة انما يرجع الفضل فيه الى وقوفكم الى جانبى ، وانى اعرف ان وقوفكم الى جانبى كان مجازفة منكم فلو
    علم الجامباويون بذلك لحملوا عليكم ولفعلوا بكم ما فعلوه بأهل جروستيزا ، ولقد غمرتمونى بفضلكم وكرمكم وحسن رعايتكم لى ولخادمى ، وانى أستأذنك العودة الى ديارى كى يطمئن أهلى ويفرحوا بعودتى اليهم .
    - مارتــــن : فرناندو انت تعلم بأنى غير متضرر من وجودك ضيفا فى دارى وتستطيع أن تبقى فيها ما
    تشاء وكأنك واحد منا ، وان ما فعلته معك ومع خادمك انما هو واجب يمليه علي ضميرى ودينى ، ودارى مفتوحه لكل محتاج .
    - فرناندو : اعرف جيدا ماتقول يا سيد مارتن ولكن مادامت جراحى قد التأمت وعادت لى عافيتى فلا سبب
    يدعونى الى البقاء ، كما أن طول البقاء ليس فى صالحكم خشية أن يصل الخبر الى آل جامبوا فيحدث
    ما لا يحمد عقباه .
    - مارتن : لك كامل الحرية فى البقاء أو أو الرحيل وفى الوقت الذى تراه مناسبا لك .
    - فرناندو : ولكننى اجد نفسى غير حر فى هذا الخيار يا سيدى ..
    - مارتن : وما الذى يقيد حريتك يا ولدى ؟
    - فرناندو : انها ابنتك يا سيدى ..
    - مارتن : ابنتى .. تقول ابنتى .. هى التى تقييد حريتك فى الرحيل ؟
    - فرناندو : نعم يا سيدى نعم ..
    - مارتن : كيف يكون هذا .. انا لا أفهم ..
    - فرناندو : سيدى .. اقول لك بكل صراحة ان الوقت الذى أمضيته بينكم كان وقتا ممتعا ، عشت فيه مطمئنا هادىء النفس كما لم اشعر بذلك طيلة حياتى ، ووقوف مارينا الى جانبى فى محنتى تلك جعلنى اشعر نحوها بعاطفه جارفه تحولت مع مرور الايام الى اعجاب ثم حب حقيقى واجد نفسى غير قادر على العيش بدونها .
    - مارتن : مع شديد الاسف يا فرناندو أنت تطلب المستحيل .
    - فرناندو: لا شىء فى هذه الدنيا مستحيل يا سيد أمام عزيمة وتصميم الرجال .
    - مارتن :انت مخطىء يا بنى .. ان اختلاف مفاهيمنا ومبادئنا تحول بين تحقيقذلك . فأنت من أسرة تعشق الحربوتعيش من أجلها . بل ذهبت الى أبعد من ذلك فهى تصنعها وقتماتشاء ، واصبحت هوايتها ولعبتها
    المفضلة ، وانا لست مستعدا لتزويج ابنتى لشخص من هذه العائلة .
    - فرناندو : سيد مارتن أن ابنتك تبادلنى نفس المشاعر ، ويمكنك أن تسألها بنفسك.
    - مارتن : اسمع يا بنى أنا لست فى حاجة الى أن اسأل ابنتى ، ومن ناحية اخرى انالست ضد الحب ، وانما انا ضد الكراهية ، أن عائلتك تصنع الكراهية وتنشر الدمار وتنشىء الخراب ، بينما عائلتى تزرع السلام وتنشر الامان ، والمسافه بعيدة بعد السماء والارض بيننا ، فهل فهمت ما اقول .
    - فرناندو : كل شىء له حل ..
    - مارتن : وما هو هذا الحل يا ترى ؟
    - فرناندو : لقد قررت الا اشترك فى حرب أبدا..
    - مارتن : هذا كلام تقوله الان ، وما ان تعودالى ديارك وتصبح بين اهلك حتى تنسى ما قلت وتصبح مثلهم .
    - فرناندو : لا لن يحدث ذلك واستطيع ان اقسم لك على ذلك .
    - مارتن : اسمع يا بنى انا لا اوافق على تزويج ابنتى اليك ، وارجوك الا تتحدث مع ابنتى بعد ذلك طيلة فترة بقاءك لدينا.
    - فرناندو : اتطردنى من دارك يا سيد مارتن ؟
    - مارتن : لا .. انت ماتزال ضيفى ولكنى أحب أن اضع الامور واضحة وفىنصابها . وان ابنتى سوف ازوجها الى رجل صالح مسالم ، من الكادحين فى الارض ، من الذين يكسبون رزقهم بكدهم وعرقهم .
    ما ان سمع فرناندو تلك الكلمات وهى تخرج من فم مارتن حتى اغرورقت عيناه بالدمع مما سمع، وبكلمات موجزة بالكاد خرجت من بين شفتيه كرر شكره لمضيفه ، ودون انتظار لعودة مارينا من الصومعة خرج من الدار يجر قدميه جرا والحزن يعتصر قلبه المنكسر.
    حزنت مارينا حزنا شديدا على مغادرة فرناندو لدارهم ، فقد تعلقت به اكثر مما تعلق بها ، وهجر
    النوم ساحتها وأصبح السهاد ملازما لها ، تجلس فى غرفتها وحيدة تفكر فى حبيبها الى ان اصفر وجهها وتغير حالها . حاول أبوها أن يسليها ففشل حاول ان يفهمها أن مثل هذا الزواج سوف يجر عليهم المصائب فلم تقتنع .
    كانت ارانجورين كلما حل فصل الشتاء استعدت بكل رجالها للعمل الجاد ، وتركت اعمال الزراعه وتوجهت الى الجبال لجلب خام الحديد ، وجهزت الافران للعمل .
    وما ان ينتشر خبر فتح المناجم بين الناس حتى يهرع الناس من كل القرى المجاورة ، وبخاصه الشباب الى ارانجورين للعمل فى المناجم والمصاهر بكثرة ، وكان من عادة مارتن سانشس وابنته وحاشيته زيارة مواقع العمل فى يوم البدء ، وهو أول يوم عمل فى المواقع ، كان العمل فى المصاهر شاقا والعرق يتصبب من جباه العاملين بغزارة من شدة الحرارة المنتشرة فى كل مكان .
    كانت مارينا تسير الى جانب والدها عندما وقع بصرها على شاب يتصبب العرق من جبهته ، وكان طويل القامه ممشوق القوام مفتول العضلات ، فلما تفرست فيه بدا لها وكأن وجهه مألوف لديها ، تأخرت خطوات عن ابيها وراحت تتفرس فيه بامعان ، واخيرا تهلل وجهها ، بعد ان استطاعت معرفته ، انه فرناندو حبيبها ، كانت تراه وقد لمع وجهه وبرقت عيناه كلما اقترب من فرن الصهر ، حيث يسيل خام الحديد المنصهر بشكله الاحمر المتوهج المخيف .
    ارتدت الروح الى جسد مارينا من جديد ودبت فيها الحياة وغمرتها البهجه وعادت الى وجهها نضارته التى افتقدها بغياب فرناندو عنها ، بينما انشغل ابوها بمتابعة العمل فى الاماكن المختلفه دون ان ينتبه لشىء من ذلك .
    ظل فرناندو يعمل فى ذاك العمل الشاق فترة من الزمن وكانت مارينا كلما ذهبت مع والدها رأته منهمكا فى العمل لدرجة انها اشفقت عليه من الاعياء ، وهمت باخبار ابيها بالامر لولا انها خشيت أن يظنها لعبة مدبرة لدفعه على الموافقه على تزويجه اياها فأحجمت . وعلى حين فجأة انقطع الشاب فرناندو عن العمل ولانه ليس من أهل ارانجورين فلم يهتدى اليه احد ، وأبلغ رئيس العمال السيد ارانجورين بغيابه المفاجىء دون اذن مسبق .
    ذات مساء كانت مارينا تجلس مع ابيها فى شرفه برج دارهم البحريه ذات الهواء الطلق المنعش ، وكان حديثها مع ابيها يدور حول فرناندو ، فقال لها والدها : لو كان حقا باق على حبك لاعتزل القتال وترك تلك الديار ، لكنه كان متشوقا للعود اليها تشوق العطشان الى الماء الفرات .
    قالت مارينا وهى تؤكد على ثقتها فى صدق فرناندو : لا يا أبى أنت لم تعرف فرناندو حق المعرفة .. انه شاب صادق ووفى لوعده .
    قال الاب : وكيف عرفت ذلك ؟
    مارينا : ارتبكت واحمرت وجنتيها ولكنها اسرعت بقولها : من خلال الفترة التى كنت اعالجه فيها مع العجوز بدرو يا أبتى ...
    فجأة ظهر شبح آت من بعيد يمتطى صهوة جواد مطهم فلما اقترب من باب الدار تهلل وجه مارينا وقالت على الفور انه فرناندو يا ابى قد جاء على ذكر سيرته !
    الاب : مصادفه عجيبه .. أليس كذلك يا
    مارينا ؟
    مارينا : بلى يا ابى
    فلما كان عند الباب لوح بيده اليهما ،فأشار مارتن دى ارانجورين لخادمه كى يفتح الباب . نزل مارتن لاستقبالضيفه بنفسه ، وصعد به الى الشرفه التى كان يجلس فيها فقال فرناندو:
    سيد مارتن .. منذ اللحظة التى خرجت فيها من دارك وأنا فى عذاب ، ولم تزدنى الايام سوى حبا واشتياقا الى مارينا ، ولقد تذكرت كلماتك عن الحرب ، فأسرعت بالانضمام الى فريق العمل بالمصهر كى اجرب بنفسى ما يقوم به باقى الناس الذين يتكسبون قوتهم بعرق جبينهم فشعرت بلذة ورغبة فى الحياة الهادئه المستقره ، وعرفت بأن من يبنى افضل بكثير ممن يسعى للهدم ، ومارينا تشهد على صدق حديثى .
    نظر مارتن الى ابنته فى استغراب وقال : ومن أين لمارينا ذلك ؟
    قال فرناندو : لقد شاهدتنى اكثر من مرة وأنا فى الفرن دون أن يتنبه الى احد ممن حولى . ثم اخرج سيفه من غمده وكسره نصفين وبعد ذلك وضع يده على صدره ناحية قلبه وأقسم بالا يعود الى القتال بعد ذلك .
    فرح مارتن بما شاهده من فرناندو وغمرته السعادة ولم يسعه الا أن يأخذه بين احضانه ويقبله وهو يقول : الآن استطيع أن اقبلك زوجا لابنتى .
    وعلى الفور نادى مارتن على كبير الخدم وطلب اليه أن يعلن فى ارجاء قرية ارانجورين عن زواج ابنته من فرناندو ، وأن يدعو جميع أهل القرية والقرى المجاورة لحضور العرس ، وأمره ان يجهز لعرس لم تشهد الباسك من قبل وعلقت الزينات والبيارق والاعلام فى كل مكان ودقت الطبول ورقص الناس فى كل زقاق وحارة ومدت الموائد تحمل افخر وأطيب انواع الطعام أياما ودعيت الفرق من كافة انحاء الاقليم للمشاركه فى العرس الذى دام أيام ، وأصبح العرس الذى اقامه مارتن ارانجورين لابنته مارينا حديث كل الناس فى ارانجورين وخارجها بل فى اقليم الباسك بكامله ، واصبح الناس يضربون به المثل فى كل مناسبه منذ لحظة قيامه وحتى وقتنا هذا وأصبحت مارينا وفرناندو دى اتشورياجا اشهر عروسين فى تاريخ ارانجورين على مر العصور.
    تمـــــــــــــــــــت


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •