آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: " الفنان بسام جبيلي " - د. شاكر مطلق

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الدكتور شاكر مطلق
    تاريخ التسجيل
    01/04/2007
    العمر
    86
    المشاركات
    259
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي " الفنان بسام جبيلي " - د. شاكر مطلق

    بسام جبيلي

    شيطانٌ أم قدّيسُ أيقونةِ الفوضى الجميلة ؟


    د. شاكر مطلق

    بسام جبيلي ، فنان تشكيليّ ودارس اقتصاد ، لكنه أهمُّ من ذلك بكثير ، فهو واحدٌ من الفنانين التشكيليين _ وما أكثرهم كالشعراء والقاصِّين و " المبدعين " العابرين _ واحد من القلائل الذين تمكنوا من خلال الفكر الشامل الأبعاد والعمل الدؤوب على تهذيب النفس والفن إلى أن يصلوا بأعمالهم الفنية إلى مستويات تليق بأن تسمى وبحق : الفن المبدع ، المتألق ، المخترق للمألوف ، ضمن منظومةٍ فكرية حداثية ومعاصرة تتجذَّر في تاريخ الأمة وموروثها العظيم لتنبت زرعاً مباركاً وتعطي ثماراً يانعة طازجة الألوان والمحتوى .
    تعرفت الفنان جبيلي ، منذ أكثر من ربع قرن ، من خلال أعماله الفنية المعروضة على جدران ساكنة هادئة لتحيلها إلى مشهد درامي من الشكل غير المألوف ومن الألوان المتوازنة أو المتضاربة ، التي تحاول أن تخلق لها فضاءً وسيعاً بعيداً عن رتابة المشهد اليومي ، وعن سطحية الموضوع والحدث والمنظور .
    لقد أثار انتباهي ، من بين الكثيرين من الفنانين الذين تربطني بمعظمهم صداقات عتيقة تعود إلى " زمن الحلم الأول " يوم كنا ، وأضم نفسي إليهم ، نحاول أن نكتب الشعر ونتقرى ملامح المطلق من خلال اللون أو الكلمة أو النغمة الموسيقية ، أيام كانت حمص قريةً كبيرةً وادعة وديعة ، لا يعرف معظم الناس فيها شيئاً عن بيكاسو وسيزان وسلفادور دالي ولا عن كافكا أو أراغون ورامبو وبودلير ، ولم يكن جبيلي من بينهم ، لأنه ببساطة لا ينتمي إلى جيلنا القلق الثائر والمنكسر لاحقاً ، من ناحية العمر بالطبع .
    اقتنيت بعض لوحاته التي كانت تحاول أن تغيِّر المشهد التشريحي المألوف وتحوّر في شكل العضلات والأصابع والعيون ، وفي وضعية الرَّأس والجسد . كان ثمة ما يذكّرني ، منذ أعماله المبكّرة ، بفن المنمنمات الفارسية ، بل والإسلامية الشرقية القصيَّة بشكلٍ عام … وكان أن حازَ الفنان وفنّه على اهتمامي ، فأخذت ألاحق تطوره ، وربما دون أن يدري ، من معرض إلى آخر ومن عمل فني إلى آخر … ورصدتُ عنده نزوعاً نحو نضوجٍ فنيٍّ متصاعدٍ يعطي إلينا باستمرار مزيداً من الدَّهَشِ الإبداعي المتجاوز لما سبقه مطعَّماً بتقنيَّاتٍ جديدةٍ وبأساليب فنية جديدةٍ ، كالعمل بالورقِ الملوَّن وبالحفر على الخشب .
    إنه يرسم الحوَّاريين ، تلامذة السيد المسيح ، ووجه المجدلية بنفس العمق والحبِّ إلى الإتقان المتوازن شكلاً ولوناً ، الذي يرسم فيه سطوح حمص القديمة : تراهُ أحياناً كفنان الأيقونات ، الذين تحدث عنهم "مكسيم غوركي " الذين يرسمون على ضفاف " الفولغا " أيقوناتهم سكارى ، يرسمون المقدَّسَ بريشةِ الخطيئة التي لا نراها إلاَّ وهجاً لونيَّا متألقاً على أفق عالمٍ علويٍّ متعالي ، دون أن ندري عن عالمهم السفلي ، خلف الكواليس ، إلاَّ القليل القليل ، ومع ذلك فهم يلامسون بإبداعهم شَغَافَ القلب فينا_ بالفتحة على الشين وليس بالكسرة كما هو شائع _ والأمَّ الحنونَ وحتى الجافيةَ المحيطة بالدماغ ، لينشروا فيهما نشوة الفرح والانعتاق _ ولو إلى حينٍ _ من ظلمة وسطحية الحياة اليومية الرتيبة.
    ذهب الفنان بسام جبيلي في رحلته الفنية بعيداً ، غاب في الغابة العذراء بحثاً عن " كِلكامش " وعن " إنكيدو " وعشبة الخلود ليعود إلينا بمجموعةٍ من اللَّوحات الموفقةِ ، موضوعاً وشكلاً وإن كان جُلها مرسوماً بالأبيض والأسود ليعيدنا من خلالها إلى زمن الحلم الأول والينابيع البكر الأولى ثم ينقلنا فجأة ومن دون تمهيدٍ أو سابقِ إنذارٍ إلى عالم الإرهاصات المعاصرة ومأساةِ الوجوه المشروخةِ القلقة ، التي تبحث عن الخلاص ، ولا خلاص من سطوة الجحيم الوجودي إلاَّ بتجرُّعِ كأس الإبداعِ المتسامي الأنيق العذب والمر أيضاً .
    هذا الفنان ، جميل الإبداع ، قدم لنا ما أرغب بتسميته: " التشويه الجمالي للكائن البشري " من خلال انزياحاتٍ مدهشةٍ في المنظور والأبعاد الثلاثة المعروفة في تشريح الجسد ، التي كنا قد عرفنا سوابق فنيةٍ لها ، ولو مغايرة قليلة هنا أو هناك ، من خلال أعمال " بيكاسو" والمدرسة السريالية بعامة ، بل وأزعم وأقول من خلال أعمال فنيةٍ طينيةٍ تعود إلى عدة آلاف من السنين وبعضها إلى مرحل أبكر من عصر التأريخ : من نطوفيةٍ وسومرية " ( مرحلة " ميزيليم " على الأختام الأسطوانية " ) وغيرها ولديّ شواهدٌ على ما أقول .
    استطاع بسام أن ينال منا المحبة والتقدير ، ليس من خلال إبداعه الفني فحسب ، وإنما أيضاً من خلال طباعٍ دمثةٍ وسلوكٍ إنساني محببٍّ ، شَغوفٍ بالموسيقى الراقية وبحق وحريةِ الكائن ، أن يكون كما يشاءُ أن يكون .
    تحيةً له _ ابن حمص المعطاءة _ وتحية لعطائه المتألقِ المتنامي الذي يفيضُ حباً ومحبةً على ضفاف اللَّوحة و" ضفاف العاصي " الذي لم نعرف أن نصون له صفاءه ونقاءه ، فنفَر وتمرّد وعصى ، لكنه لم يهجر مجراهُ ولا هجر مواطن " ديك الجن " الذي ينتظر منا جميعاً المزيدَ من المحبة والانعتاق والعطاء .
    ====================
    حمص _ سورية د. شاكر مطلق
    تموز / 2002
    E.-Mail:mutlak@scs-net.org
    - نشرت في صحيفة تشرين السورية - دمشق .[/font][/size]

    حمص – سورية / Homs-Syria
    بغطاسية – شارع ابن زريق 3
    هـ : عيادة (Prax.) 2222655 31 963 +
    ص.ب.( 1484) P.O.B.
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الدكتور شاكر مطلق
    تاريخ التسجيل
    01/04/2007
    العمر
    86
    المشاركات
    259
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي " الفنان بسام جبيلي " - د. شاكر مطلق

    بسام جبيلي

    شيطانٌ أم قدّيسُ أيقونةِ الفوضى الجميلة ؟


    د. شاكر مطلق

    بسام جبيلي ، فنان تشكيليّ ودارس اقتصاد ، لكنه أهمُّ من ذلك بكثير ، فهو واحدٌ من الفنانين التشكيليين _ وما أكثرهم كالشعراء والقاصِّين و " المبدعين " العابرين _ واحد من القلائل الذين تمكنوا من خلال الفكر الشامل الأبعاد والعمل الدؤوب على تهذيب النفس والفن إلى أن يصلوا بأعمالهم الفنية إلى مستويات تليق بأن تسمى وبحق : الفن المبدع ، المتألق ، المخترق للمألوف ، ضمن منظومةٍ فكرية حداثية ومعاصرة تتجذَّر في تاريخ الأمة وموروثها العظيم لتنبت زرعاً مباركاً وتعطي ثماراً يانعة طازجة الألوان والمحتوى .
    تعرفت الفنان جبيلي ، منذ أكثر من ربع قرن ، من خلال أعماله الفنية المعروضة على جدران ساكنة هادئة لتحيلها إلى مشهد درامي من الشكل غير المألوف ومن الألوان المتوازنة أو المتضاربة ، التي تحاول أن تخلق لها فضاءً وسيعاً بعيداً عن رتابة المشهد اليومي ، وعن سطحية الموضوع والحدث والمنظور .
    لقد أثار انتباهي ، من بين الكثيرين من الفنانين الذين تربطني بمعظمهم صداقات عتيقة تعود إلى " زمن الحلم الأول " يوم كنا ، وأضم نفسي إليهم ، نحاول أن نكتب الشعر ونتقرى ملامح المطلق من خلال اللون أو الكلمة أو النغمة الموسيقية ، أيام كانت حمص قريةً كبيرةً وادعة وديعة ، لا يعرف معظم الناس فيها شيئاً عن بيكاسو وسيزان وسلفادور دالي ولا عن كافكا أو أراغون ورامبو وبودلير ، ولم يكن جبيلي من بينهم ، لأنه ببساطة لا ينتمي إلى جيلنا القلق الثائر والمنكسر لاحقاً ، من ناحية العمر بالطبع .
    اقتنيت بعض لوحاته التي كانت تحاول أن تغيِّر المشهد التشريحي المألوف وتحوّر في شكل العضلات والأصابع والعيون ، وفي وضعية الرَّأس والجسد . كان ثمة ما يذكّرني ، منذ أعماله المبكّرة ، بفن المنمنمات الفارسية ، بل والإسلامية الشرقية القصيَّة بشكلٍ عام … وكان أن حازَ الفنان وفنّه على اهتمامي ، فأخذت ألاحق تطوره ، وربما دون أن يدري ، من معرض إلى آخر ومن عمل فني إلى آخر … ورصدتُ عنده نزوعاً نحو نضوجٍ فنيٍّ متصاعدٍ يعطي إلينا باستمرار مزيداً من الدَّهَشِ الإبداعي المتجاوز لما سبقه مطعَّماً بتقنيَّاتٍ جديدةٍ وبأساليب فنية جديدةٍ ، كالعمل بالورقِ الملوَّن وبالحفر على الخشب .
    إنه يرسم الحوَّاريين ، تلامذة السيد المسيح ، ووجه المجدلية بنفس العمق والحبِّ إلى الإتقان المتوازن شكلاً ولوناً ، الذي يرسم فيه سطوح حمص القديمة : تراهُ أحياناً كفنان الأيقونات ، الذين تحدث عنهم "مكسيم غوركي " الذين يرسمون على ضفاف " الفولغا " أيقوناتهم سكارى ، يرسمون المقدَّسَ بريشةِ الخطيئة التي لا نراها إلاَّ وهجاً لونيَّا متألقاً على أفق عالمٍ علويٍّ متعالي ، دون أن ندري عن عالمهم السفلي ، خلف الكواليس ، إلاَّ القليل القليل ، ومع ذلك فهم يلامسون بإبداعهم شَغَافَ القلب فينا_ بالفتحة على الشين وليس بالكسرة كما هو شائع _ والأمَّ الحنونَ وحتى الجافيةَ المحيطة بالدماغ ، لينشروا فيهما نشوة الفرح والانعتاق _ ولو إلى حينٍ _ من ظلمة وسطحية الحياة اليومية الرتيبة.
    ذهب الفنان بسام جبيلي في رحلته الفنية بعيداً ، غاب في الغابة العذراء بحثاً عن " كِلكامش " وعن " إنكيدو " وعشبة الخلود ليعود إلينا بمجموعةٍ من اللَّوحات الموفقةِ ، موضوعاً وشكلاً وإن كان جُلها مرسوماً بالأبيض والأسود ليعيدنا من خلالها إلى زمن الحلم الأول والينابيع البكر الأولى ثم ينقلنا فجأة ومن دون تمهيدٍ أو سابقِ إنذارٍ إلى عالم الإرهاصات المعاصرة ومأساةِ الوجوه المشروخةِ القلقة ، التي تبحث عن الخلاص ، ولا خلاص من سطوة الجحيم الوجودي إلاَّ بتجرُّعِ كأس الإبداعِ المتسامي الأنيق العذب والمر أيضاً .
    هذا الفنان ، جميل الإبداع ، قدم لنا ما أرغب بتسميته: " التشويه الجمالي للكائن البشري " من خلال انزياحاتٍ مدهشةٍ في المنظور والأبعاد الثلاثة المعروفة في تشريح الجسد ، التي كنا قد عرفنا سوابق فنيةٍ لها ، ولو مغايرة قليلة هنا أو هناك ، من خلال أعمال " بيكاسو" والمدرسة السريالية بعامة ، بل وأزعم وأقول من خلال أعمال فنيةٍ طينيةٍ تعود إلى عدة آلاف من السنين وبعضها إلى مرحل أبكر من عصر التأريخ : من نطوفيةٍ وسومرية " ( مرحلة " ميزيليم " على الأختام الأسطوانية " ) وغيرها ولديّ شواهدٌ على ما أقول .
    استطاع بسام أن ينال منا المحبة والتقدير ، ليس من خلال إبداعه الفني فحسب ، وإنما أيضاً من خلال طباعٍ دمثةٍ وسلوكٍ إنساني محببٍّ ، شَغوفٍ بالموسيقى الراقية وبحق وحريةِ الكائن ، أن يكون كما يشاءُ أن يكون .
    تحيةً له _ ابن حمص المعطاءة _ وتحية لعطائه المتألقِ المتنامي الذي يفيضُ حباً ومحبةً على ضفاف اللَّوحة و" ضفاف العاصي " الذي لم نعرف أن نصون له صفاءه ونقاءه ، فنفَر وتمرّد وعصى ، لكنه لم يهجر مجراهُ ولا هجر مواطن " ديك الجن " الذي ينتظر منا جميعاً المزيدَ من المحبة والانعتاق والعطاء .
    ====================
    حمص _ سورية د. شاكر مطلق
    تموز / 2002
    E.-Mail:mutlak@scs-net.org
    - نشرت في صحيفة تشرين السورية - دمشق .[/font][/size]

    حمص – سورية / Homs-Syria
    بغطاسية – شارع ابن زريق 3
    هـ : عيادة (Prax.) 2222655 31 963 +
    ص.ب.( 1484) P.O.B.
    E-Mail:mutlak@scs-net.org

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •