مهدي المخزومي في أنظار الدارسين



الدكتور
رياض السواد












حظيت آراء المخزومي بالاهتمام الواسع في الأوساط الثقافية ، وانتشرت انتشارا واسعا ، لبس في العراق فحسب بل وفي أرجاء أخرى اهتمت بشؤون العربية .وكان من الطبيعي أن تواجه هذه الآراء كما هو حال الآراء التجديدية الأخرى ، ردود فعل الدارسين سلبا وإيجابا ، وان تنبري لداستها أقلام أنصف بعضها وفات بعضها الآخر ذلك . وقد يكون من العسير الإلمام بتلك الآراء التي قيلت بحق هذه النظرية في فصل بعينه ، ولذا ركزنا على ما هو أهم وأكثر خطرا من غيره ، عسى أن يكون في ذلك إظهار للحقيقة ، وإقرار لما يستحق الإقرار واستبعاد لما لم يستحق ذلك .
وقبل البدء في ذلك لابد من التنويه إلى أن أعمال المخزومي عامة تقع في دائرة نقد الفكر النحوي العربي ، وتوجيهه نحو طريق سليم . فهي مفتاح لدراسة جديدة جدية ، ليس لنا أن نطالبه بأكثر من ذلك .
أولا : المنهج الوصفي والدراسة الشمولية :
يرى حلمي خليل (1) وتابعه في ذلك نعمة رحيم العزاوي (2) ، أن سمات المنهج الوصفي غير واضحة عند المخزومي ، فبالرغم من أنّه يذهب إلى كون النحو دراسة وصفية تطبيقية ، وان ليس من وظيفة النحوي ، الذي يريد أن يعالج نحو لغة من اللغات ، أن يفرض على المتكلمين قاعدة أو يخطئ لهم أسلوبا (3) . فإننا نلمح سيطرة المعيارية والهدف التعليمي على فكر المؤلف . أقول : أن المنهج الوصفي الذي تمثله المخزومي ، ليس المقصود به ذلك المنهج الغربي المعروف ، بل هو منهج نابع من التراث العربي الأصيل . فلم تنفصم عرى الارتباط بينه وبين الدراسات اللغوية القديمة ، التي وجد فيها المخزومي ما يكون صالحا لدراسة جديدة . ثم أن المنهج الوصفي العربي ـ إن صح هذا المصطلح ـ لابد أن ينتهي إلى قاعدة عامة ، تبنى عليها نتائج الاستقراء للمادة اللغوية . ولا يمكن إذ ذاك ، إن تحمل النتائج على كونها نتائج معيارية . فمنتهى الدراسة الوصفية العربية ، أذن ، هو وضع قاعدة للمادة المستقرأة . ومن هنا نستطيع القول ، أن المعيارية عند المخزومي نتيجة نهائية للمادة الموصوفة .
أما فيما يخص النظرة الشمولية لفروع الدراسة اللغوية ( صوت ، كلمة ، تركيب ، دلالة ) فلقد رأى حلمي خليل (4) أن المخزومي وقع في التناقض فتارة يقول بالدراسة الشمولية " وان موضوعات العربية مختلفة ، بعضها يعتمد على بعض . فالدراسة الصوتية والدراسة الصرفية والدراسة المعجمية والدراسة النحوية ، كلها موضوعات لغوية تهدف إلى ناحية تطبيقية تفيد منها الأجيال ، فيما تقرأ وفيما تقول وفيما تكتب " (5) وتارة أخرى لا يقبل المفهوم الشامل للنحو ، كما هو عند الخليل والفراء . ويرى " أن الحاجة أصبحـــت ماسة إلى تفريق الموضوعات التي تناولها الخليل والفراء ومن عاصرهما مختلطة متشابكة. وان ينبري لكل موضوع دارسون متخصصون " (6) .ونستطيع القول ، أن ما ذهب إليه حلمي ، ورأى انه تناقض وقع به المخزومي ، لا يمكن حمله على ذلك . فصحيح إن ما ورد في " كتاب سيبويه " ، وفي " معاني الفراء " ليس من النحو الخاص الذي يعنى بالتركيب والدلالة ، بل اشتمل على مواضع صوتية وأخرى صرفية ، اختلطت مع المواضع النحوية ، مما أدى إلى ضياع هذه المادة المهمة . ومن ثم ظهرت العناية بالدراسة النحوية منفصلة عن فروع الدراسة اللغوية الأخرى . فمفهوم الشمولية عند المخزومي ، لا يعني ذلك الخلط المتعسف الذي نراه في كتب الدراسة القديمة ، والذي ذهب إليه الأستاذ حلمي ، بل يعني أن تفرز المواد الخاصة بالصوت والمواد الخاصة بالكلمة والمواد الخاصة بالتركيب ، وان توضع على وفق التسلسل الطبيعي لمواد الدراسة اللغوية عامة ، التي تبدأ بالصوت وتنتهي بالدلالة ، من دون فصل بينهما . فعلينا إذن أن نفرق بين ما يسمى خلطا ، وهو ما وجدناه في " كتاب سيبويه " و" معاني الفراء " ، والدراسة الشمولية التي قصدها علم اللغة الحديث وتبناها المخزومي ، والقائمة على أساس من الموضوعية البحتة .
ثانيا : مستويات التحليل اللغوي :
يرى حلمي خليل ، أن المخزومي في دراسته مستويات التحليل اللغوي ، اقتصر على ثلاثة مستويات فقط ، وهي : المستوى الصوتي والمستوى الصرفي والمستوى النحوي ، وأهمل المستوى الدلالي ، ولم يحدد موضوعه ، وإنما يرى أن علماء المعاني هم الذين استأثروا بالدرس النحوي الحق ، بل هم النحاة الحقيقيون (7). ولابد من القول أن علم اللغة الحديث ، ينظر إلى المستوى النحوي بمعزل عن المستوى الدلالي (8) ، فالمستوى النحوي هو المستوى الذي يظهر مكونات التركيب ، فإذا وصل الموقف إلى بيان المعاني الناتجة عن التركيب ، جعل ذلك من اختصاص المستوى الدلالي . ولعل هذه النظرة هي عين النظرة التي نظر بها النحاة العرب إلى الدراسة النحوية ، حينما فصلوها عن دراسة المعاني ، التي وقف منها المخزومي موقف الرافض . أما ما ذهب إليه حلمي خليل ، ورأى انه إهمال من المخزومي ، فلا أظنه كذلك ، ذلك أن المستوى الدلالي عند المخزومي لم ينفصل عن المستوى النحوي ، فليس من اختصاص النحوي ، أن يدرس أشكالا مجردة من المعنى ـ إذا صح التعبير ـ فالنحو عنده ، هو العلم الذي يهتم بدراسة معاني التركيب ، وليس هو العلم الذي يهتم بدراسة أواخر الكلم ، كما هو حال الدراسات النحوية القديمة (9).
ثالثا : الجملة :
1ـ تعريفها :
يذهب حلمي خليل ، إلى أن المخزومي ، أعطى تعريفات متعددة للجملة (10)، فهي :
أ. الصورة الصغرى للكلام المفيد في أية لغة (11).
ب ـ المركب الذي يبين المتكلم به ، أن صورة ذهنية كانت قد تألفــت أجـــزاؤها في ذهنه (12).
ج ـ الوسيلة التي تنقل ما جال في ذهن المتكلم إلى ذهن السامع (13).
د ـ الوحدة الكلامية الصغرى (14).
والمتتبع لهذه التعريفات ، التي نقلها الأستاذ حلمي ، ورأى أنها مفاهيم متعددة للجملة ، يخرج بنتيجة هي : أن لا فرق بين التعريف الأول والأخير ، وأما الثاني والثالث فلا يعدوان كونهما بيانا لوظائف الجملة . فالتعريف ـ على وفق ذلك ـ واحد لا تعدد فيه ، على ما ذهب إليه حلمي خليل .
2ـ العلاقة الاسنادية :
أنكر إبراهيم السامرائي (15) على المخزومي ، وتابعه في ذلك احمد سليمان ياقوت (16) ، مذهبه في احتمال وجود لفظ الإسناد في بعض من الاستخدامات اللغوية ، وان الضمة علم المسند إليه تعبر عما يعبر عنه لفظ الإسناد (17) . ويؤخذ على الأستاذ السامرائي ومن تابعه ، أن الجملة العربية ، تتكون من ركنين أساسيين : " المسند و المسند أليه " ، وعلاقة رابطة بينهما تدعى الإسناد ، وبها يتعين المعنى المراد ، ولا أظن أن الأستاذين ينكران ذلك . يقي أن هذه العلاقة كيف تؤدى ؟ وما هي الطرق التي تظهر بها ؟ إن حصل اختفاء المعنى المراد ؟ . ففي بعض من الاستخدامات القديمة ، بل حتى في الاستخدامات الآنية للغة ، ما يحتاج إلى إبراز ضمير أو ما يشابهه لإظهار المعنى المقصود ، خوف الالتباس . فقول الشاعرة الذي استشهد به المخزومي : " أنت تكون ماجد نبيل ..." يحتاج إلى لفظ الكينونة لبيان أن المراد ، المجد والنبل في المستقبل من الزمن ، ولو قالت المرأة التي ترقص ولدها :" أنت ماجد نبيل .." لتوهم السامع أن المراد من ذلك ، هو المجد والنبل في الوقت الذي حصل به الرقص وهو أمر لا يمكن حصوله للطفل ، كونه طفلا . ففعل الكينونة هنا ليس زائدا ، كما ادعى قدماء النحاة ، لعدم أعماله بالذي بعده ، وليس هو زائد لإقامة الوزن كما ادعى إبراهيم السامرائي وياقوت ، بل هو لفظ جاء لمعنى ، لا يمكن الاستغناء عنه إذا أريد بيان المعنى المذكور . وكذا في مثل قولنا : محمد هو الشاعر " ، فالضمير " " هو " أفاد الإسناد ، وبيان المقصود من ذلك التعبير ، ولو قيل : محمد الشاعر " لالتبس الأمر بين إرادة الوصف من عدمه ، وبين الاثنين بون شاسع ، فبالأولى تكون الجملة تامة ، ولا تكون كذلك في الثانية ، بل تحتاج إلى ما يكملها ، كـــأن يكــــــون : " محمد الشاعر حريص على أداء عمله " .
فليس مقصد المخزومي من ذلك ، حمل العربية على غيرها من اللغات في طرق التعبير كما ادعى الأستاذان الجليلان ( السامرائي وياقوت ) بل هو أمر يفرضه الواقع الملموس للغة العربية .
3ـ حد الجملتين الاسمية والفعلية :
علمنا سابقا (18) ، أن الجملة الفعلية عند المخزومي ، هي ما أفاد مسندها التجدد والحدوث ، فإذا أفاد الثبوت وعدم التجدد ، كانت ، الجملة اسمية . ويرى إبراهيم السامرائي ، إن التجدد في الجملة الفعلية لا يكون إلا في الأفعال التي تفيد التجدد فعلا ، وأما الأفعال التي تكون منقطعة الأحداث ، كـ ( سافر وذهب ومات ) ، فليس فيها من التجدد شيء . وليس لنا " أن نعلق التجدد بالفعل ، لأنه ليس من منهجنا ، ولان الشواهد لا تؤيد هذا التجدد المزعوم "(19) ويرى أن ذلك التجدد المزعوم ـ على حد تعبيره ـ لا يصلح إلا مادة للنقد البلاغي (20). قال ذلك وكأنما قد نسي قوله الذي رد به على المخزومي في كتابه الذي نقلنا عنه النصوص في أعلاه ، وهو:الفعل زمانه وأبنيته ، وهو أنّ الجملة الاسمية ما أفاد مسندها الثبوت وأن الجملة الفعلية ما أفاد مسندها التجدد (21). ثم أن الأستاذ السامرائي قد فاته أن البحث البلاغي في أحد وجوهه بحث في الدلالة اللغوية ، وإن كان النحاة قد نظروا إلى التراكيب والصيغ من جهة المبنى مما جعلهم يبتعدون عن المنهج اللغوي الصائب ، فإن البحث البلاغي قد نظر إليها من جهة المعنى ، وهو ما تسعى إليه النظريات الحديثة في علم اللغة . ثم أنه بعد ذلك ومن أجل أن يثبت زعمه ، استعمل أفعالا ذات دلالة معجمية أكثر من أن تكون ذات دلالة سياقية كالفعل " مات"
رابعا : الفعل :
1- حركات أخر بناء يفعل :
حركات أخر بناء يفعل عند المخزومي دوال على الزمن . فالصيغة مرفوعة تدل على الحال أو لا تدل على زمان , ولكنها تدل على إن العمل قد بدئ به ,ولم ينته بعد, والصيغة المنصوبة تتضمن حسّا بالدلالة على ما يجيء من الزمان (22) . أما ما بعد أدوات الشرط , فلا تدل على الزمان لان مؤدى الشرط تعليق الجواب على المشروط به , فل دلاله له على زمان بعينه ، ولذا جعل آخر الصيغة ساكنا (23) . ويرى مالك المطلبي أن صيغة "يفعل" تنصرف إلى المستقبل بإلصاق قرائن المستقبل بها نحو : "سأفعل وسوف أفعل " وحركة المضارع معها الرفع , وكان يجب أن يكون على رأي المخزومي منصوبا , ونحو : "لا يفعل " ينصرف زمان الصيغة إلى المستقبل , وهي مجزومة , وكان يجب أن تكون على رأيه منصوبة , فلا تناسب إذن بين زمن الفعل المضارع وحركة الأعراب فيه (24) . ثم أن المخزومي على رأى أستاذنا نعمه رحيم العزاوي ,أهمل تفسير السكون مع المضارع المتصل بنون النسوة , فكان ذلك ثغرة في تطبيقه وجهة النظر في تفسير ما يطرأ على المضارع من حركات (25) . ولعل المتتبع مسائل العربية , يجد أن الكثير منها لم تقصد أليه العرب قصدا , بقدر ما كانت تأتي عفوية على ألسنتهم , ولما كانت كذلك فليس من الصحيح حملها على تعليلات وتأويلات تخرج بها عن واقعها اللغوي الملموس . ومن هذه المسائل , مسالة تعدد الحركات على بناء يفعل . فالنحاة حينما رأوا ذلك وكانوا قد ذهبوا إلى كون الأفعال مبنية , أقول : "لما رأوا ذلك ذهبوا في تفسيره مذاهب شتى , فتارة يحملونه على الاسم , لان الأعراب أصل فيه , وتارة يقولون أنها (الحركات) علائم للأزمنة المتعددة التي تأني عليها هذه الصيغة , وهو مذهب أستاذنا المخزومي . ولو أنهم نظروا إلى اللغة,من الجانب الطبيعي لها ,الخالي من تعسفات التأويل والتقدير , لمل وقعوا في مثل ذلك. فصيغة ( يفعل ) - على ما أظن - حينما نطقت بها العرب , نطقت بها مرفوعة. وأنّ الرفع فيها أصل , فهي على ذلك مبنية على الضم , ألا أن هذا الواقع لو بقي على حاله لالتبس وصيغ أخرى في بعض من الاستعمالات . فكان أن مالت بها الألسن إلى فتح الآخر حينما دخل عليها ما سموه بالأدوات الناصبة . وحينما دخل عليها ماسوه بالأدوات الجازمة مالت بها الألسن إلى التسكين ,ولو أنهم أبقوها حينما أدخلوا عليها ما سمي بالأداوات الناصبة مرفوعة لالتبس ألأمر بين أرادة المفرد وإرادة الجماعة , فقولنا – على سبيل المثال – "لن يضرب" لو جعل الفعل "يضرب" بالضمة , لالتبس والصيغة المتصلة بواو الجماعة , ولا فرق عند النطق بين قولنا "لن يضرب" وبين قولنا : "لن يضربوا" , ذلك أن العرب تحذف نون الجمع عند الاتصال بهذه الأدوات منعا للثقل , وكذا حينما تدخل (لم ولمّا ) على هذه الصيغة , فلو جعلت حركتها الضمة لالتبس أمرها والصيغة المتصلة بواو الجماعة , لان العرب تحذف نون الجمع عند الاتصال بهذه الأدوات منعاً للثقل , ولو جعلت حركتها الفتحة لالتبس أمرها مع ما دخلت عليه (أن ولن وأخوا تهما ) كون الذي يأتي بعدهما منصوباً على ما فسرنا سابقاً , ولو جعلت حركتها كسرة لالتبس أمرها والصيغة المتصلة بياء المخاطبة , ونتيجة لذلك نطقوا بها ساكنة الحرف الأخير , ولم يجر ذلك كله مع الصيغة التي لم تتصل بها ألأدوات المذكورة . لان ألالتباس بينهما وبين الفعال الخمسة , لا يمكن حصوله , فلا شبه بين قولنا :" يضرب " (بضمة على الباء) وبين قولنا : " يضربون " . أما السكون الذي يظهر على المضارع المتصل بنون النسوة , فهو حالة اقتضاها التخلص من الثقل الناتج عن توالي الحركات ,في حالة جعل الحرف الأخير من الفعل المتصل بها محركا بضمة أو كسره أو فتحة . ثم أننا لو جعلنا حركت الحرف الأخير ضمة أو كسره أو فتحة , لكان لا يناسب هذه الصيغة ألا نون التوكيد , وإذا ذاك تضيع دلالة الصيغة على إرادة الجماعة من النساء من دون توكيد بنون. وخلاصة القول , أن هذه الأصوات أو الحركات , ليست ألا أصواتا اقتضاها النطق منعا للالتباس أو الثقل .
2- الفعل الدائم :
يذهب إبراهيم السامرائي إلى أن تسمية المخزومي لبناء " فاعل " بالدائم , متابعة للكوفيين والفراء بصورة خاصة , وكان عليه ألا ينساق فيأخذ بأقوال الفراء ومن تابعوه فلفظ الدائم يعني فيما يعنيه " المستمر " الذي يتطلب فسحة زمنية طويلة وليس الأمر كذلك , فهو ينصرف إلى الحال والاستقبال في حال نصبة للمفعول , والى المضي في حال أضافته (26) . ولعل أقرب رد على ما ذهب إليه الأستاذ السامرائي ,هو أن لفظ الدائم يعني فيها يعنيه , استمرار الحال وثبوتها في شيء , ولا ضير إن كانت تلك الاستمرارية أو الديمومة حاصلة في الماضي من الزمن أو في الحال أو المستقبل . وكما هو واضح أن هذه الصيغة تنصرف إلى أزمنة متعددة بأتباع القرائن الواردة في السياق ,ألا أن هذا الزمن الذي عليه هذه الصيغة , سواء كان ماضيا أم مستقبلا , ليس كالزمن الذي تأتي عليه صيغة " يفعل " على سبيل المثال .فبالأولى ( فاعل ) يكون دالا على الثبوت والديمومة .ويكون في الثانية دالا على التجدد . ومن هنا جاءت التسمية , وإن كانت لا تستحق أن تكو ن تسمية زمنية , تقابل الماضي والحاضر ,لأنها صفة من الصفات الزمنية المذكورة وليست زمنا بعينة . ومن جانب أخر ,يرى الأستاذ فاضل الساقي أن اعتبار المخزومي بناء فاعل من الأفعال لم يكن ناتجا عن تقدير سليم في وضع الأسس الصحيحة لتقسيم الكلمة على واقع لغوي وصفي دقيق يعتمد الظواهر الشكلية وأهمها العلامات أساسا لتميز الفعل من غيره(27).ثم أن اعتداد الكوفيين بالدلالة الظنية في تميزهم لهذه المادة واعتبارهم لها مادة فعليه ليس صحيحا (28).
ولعل ما ذهب إليه الأستاذ الساقي من وجوب اعتماد الدلائل الشكلية لتميز الفعل من سواه أمر به حاجة إلى النظر ذلك أن الاعتماد على ذلك يذهب الدلالة الزمنية للفعل العربي التي تؤخذ من السياق لا من الصيغة الصرفية للفعل ثم أن اعتماد الكوفيين الدلائل الظنية في تميزهم الأفعال وبصورة خاصة بناء فاعل اقرب إلى اللغة واصح منهجا في فهم الزمن النحوي أو الزمن الفعلي¬
3- الأفعال الناقصة
يذهب فاضل مصطفى الساقي في كتابه أقسام الكلام العربي إلى أن المخزومي في ذكره لأقسام الكلام العربي , لم يعرض ل (كان وأخواتها)أو ما يسمى ب ( الأفعال الناقصة) , وأين يمكن أن توضع ( 29 ) .
ولقد فات الأستاذ الساقي أن حكم هذه الأفعال عند المخزومي هو حكم الأفعال التامة , ومنصبوها حال بها , وبناء على ذلك لا يصح أن نطالبه بما في المذهب البصري . وقد علمنا أنه كوفي المذهب في هذه المسالة .
ومن جانب أخر , فقد مر بنا أن المخزومي يدعو إلى فصل"صار" من أفعال الوجود (30) , ذلك أنها تدخل على ما ليس أصله مبتدأ وخبرا , لأنك تقول: "صار الطين أبريقا " و " صار الحق باطلا" ولو حذفت صار من هذين المثالين , لكان الكلام : الطين أبريق والحق باطل ، وليس هذا بالمقبول . وفي الوقت ذاته يرى أن المنصوب بعدها ليس خبرا ولا مفعولا , وإنما هو تميز وظيفته أماطة الإبهام عن نسبة الصيرورة إلى الفاعل .
ويرى احمد سليمان ياقوت , وتابعه في ذلك قاسم عبد الرضا كاصد ,أن ما ذهب إليه المخزومي ليس صحيحا - على حد تعبير الأستاذ ياقوت - فان الفقير والغني في المثال :" صار الفقير غنياً" شخص واحد وصف بالفقر ثم بالغنى . وكذلك الحق والباطل ,قضية واحدة كان يتوهم فيها الباطل ثم اتضح الحق أو العكس. ولا يمكن أن يجتمع الباطل والحق وصفين لقضية واحدة في وقت واحد . أما الطين أبريق , فهو من مادته , وأذن فليس هناك تناقض على الإطلاق , ولا مبرر بالتالي - لفصل هذه الأفعال(كذا) من النواسخ (31 ) . أما في منصوب الفعل المذكور, فيرى ياقوت أن مذهب المخزومي مردود عليه. ذلك أن من القواعد المعروفة والمتبعة في التمييز هي أن تدخل عليه"من " (32 ) وفي المثال الذي أورده المخزومي لا يقبل ( كذا ) هذا الحرف , فلا يقال : " صار الطين من أبريق " وفي رأي الأستاذ ياقوت أن المنصوب بعد الفعل المذكور يعرب حالا (33) .
ولعل الذي أثبته الأستاذ ياقوت في هذه القضية,عليه وليس له , فكون الذي يأتي بعد صار قضية واحدة , لا تشكل جملة بعينها - على ما ذهب إليه- فلا يصح إذ أن هذا الفعل من الأفعال الناسخة التي تدخل على الجمل الاسمية فتنسخ حكمها . ولما كان أمرها كذلك يكون ما ذهب أليه المخزومي صحيحا لأضير فيه .
أما فيما يخص منصوب الفعل " صار " فحري به أن يكون تمييزا, ولا يصح أن يعد حالا ذلك أن الحال مشتق ولا يكون جامدا ألا في حالات قليلة, كأن يدل على سعر نحو: " بعته مدا بدرهم " أو أن يدل على تفاعل, نحو" بعته يدا بيد " أو أن يدل على تشبيه , نحو : "كر زيد أسدا" والنحاة مع ذلك يتأولونه بمشتق , فيقولون في الأولى : " بعته مسعرا كل مد بدرهم " وفي الثانية :" بعته مناجزة يد بيد " وفي الثالثة : كر زيد مشبها الأسد"(34 ) .
4-الأفعال الشاذة
يرى فاضل الساقي , أن المخزومي حينما ذكر أقسام الكلام العربي, أهمل صيغ المدح والذم وأسماء الأفعال والخالفة (35 ) ولقد فات الأستاذ الساقي أن المخزومي جعل صيغ المدح والذم وأسماء الأفعال أفعالا , ولكنها أفعال مختلفة أو شاذة( 36 ) , وتناسى في الوقت ذاته ,أن الخالفة عند الفراء هي اسم الفعل (37 ) ولذا لم يشر إليها المخزومي مكتفيا باصطلاح اسم الفعل.
5- زمن الفعل :
الزمن والصيغة الصرفية :
الفعل عند المخزومي مقترن بالدلالة على الزمن (38). ويرى مالك المطلبي أن الزمن ليس جزءا من مدلول صيغة الفعل . ولذا رد على المخزومي مذهبه في هذه القضية (39) .. ومؤدى هذا أن الصيغة الفعلية عند الأستاذ المطلبي لا تحتمل عنصر الزمن المقابل لعنصر الحدث . أما التفريق بين الفعل والاسم عند المطلبي فيكون من خلال نوع الحدث الذي يبنى على المسند إليه (40). ويؤخذ على الأستاذ المطلبي أن الزمن النحوي يؤخذ من السياق لا من الصيغة الصرفية للفعل . ولكن هذا القول لا يعني تفريغ الصيغة الصرفية للفعل من الدلالة على عنصر الزمن المقابل لعنصر الحدث ، بقدر ما يعني من تخصيص لزمن الصيغة الفعلية ، الذي لا يمكن تخصيصه باعتماد الصيغة ذاتها دون السياق .أما أن تكون الصيغة الفعلية خالية من عنصر الزمن المقابل لعنصر الحدث وأن التمييز بين الفعل ولاسم يكون من خلال نوع الحدث الذي يبنى على المسند إليه ، فذاك أمر يحتاج إلى النظر ، ذلك أن اعتماد هذا الأساس في التمييز بين الصيغتين المذكورتين ( الفعلية والاسمية ) لا يمكن حصوله . فالفعل "ضرب" على سبيل المثال يفيد التقرير إن استعمل في سياق نحوي معين ، وكذا الفعل "يضرب" فالتقرير حاصل بين الصيغتين " فعل ، يفعل " . ولما كان ذلك كذلك لا يمكن اعتماده أساسا للتمييز . ثم ان القول بأن الفعل يبنى على المسند إليه أمر جانب الصواب ، فان كانت العلاقة واضحة في بناء " فعل" وفي بناء "يفعل" فهي غير واضحة في بناء "افعل" فان قيل : أنه هو المطلوب منه ، قلت : أن المطلوب منه ليس مسندا إليه وإذا أمكن وضعه في تصنيف ما فهو أولى بالدخول في باب المفعول منه في باب الإسناد ، لعدم قيامه بالفعل ، وان قام به دخل حيز الماضوية أو الحالية وإذ ذاك يخرج عن كونه أمرا .
ب – الجدول الزمني عند المخزومي :
يرى مالك المطلبي أن المخزومي خلع على أقسام جدوله الزمني تسميات زمنية هي الماضي والحاضر ، غير أنه ألحق بها تسمية الدائم ، وهي تسمية غير زمنية ، لأن قسما من صيغ الدائم ينبغي أن تكون في الماضي ، كما أن جزءا من فروع جدول الماضي ينبغي في ضوء الزمن أن تنقل إلى الحاضر وجزءا من فروع جدول الحاضر ينبغي أن تنقل إلى الماضي (41).
ولعل مرجع ذلك التداخل عند المخزومي يعود إلى أن كتابه " في النحو العربي نقد وتوجيه "كتاب نقدي أكثر من كونه كتابا متخصصا بدراسة معينة من فروع النحو العربي ولذا فهو حينما يتناول مسألة الزمن – على سبيل المثال – يتناولها من جانب التقصير الذي وقع به النحاة في ترسيمهم حدود هذه المسألة ، دون أن يبتعد أكثر من ذلك لأن يضع الحدود النهائية للزمن النحوي في اللغة العربية . وترك أمر ذلك لمن يأتي من بعده ، فكان بمثابة المفتاح لدراسة جديدة جدية .
ج- الزمن في بناء فاعل
يذهب المخزومي إلى أن بناء (فاعل) لا يدل على زمن معين ، إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول (42) . ويرى كمال إبراهيم بدري : " أن الفعل قد يذكر غير موصول بمتعلقاته فلا تنتفى دلالته على الزمان على الزمان المعين ، لأنه يلزم أن يستوفى حينئذ السياق " (43) . ولكي يثبت ما جاء به ينقل بعض الأمثلة وهي :
ـ قال تعالى : " فتربصوا إنا معكم متربصون " .
ـ قال تعالى : " إنا أرسلناك شاهدا ونذيرا " .
ـ قال تعالى : " إنّما توعدون لواقع " .
ـ قال تعالى : " والله يشهد أنّهم لكاذبون " .
ـ قال تعالى : " والحافظين فروجهم والحافظات " ، " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات " . ويرى كمال بدري أن ( فاعل ) في الأمثلة السابقة غير موصول بشيء ، ولكنها تحمل في ثناياها الدلالة الزمنية المطلوبة ( 44) .
أقول : أن بناء ( فاعل ) لا يدل على زمان معين ، إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول . ولكن هذه الصلة لا يشترط بها أن تكون بارزة ، فقد تضمر إذا اقتضت مناسبات القول ذلك . ولذا يكون رأي الأستاذ كمال إبراهيم منصبا على الجانب الشكلي الظاهري – إذا صح التعبير – وعليه ساق من الأمثلة ما رأى أنّه يقوم دليلا على زعمه ، من دون أن يتنبه على أمور المعنى التي طرأت على التعابير المذكورة ، من تقديم وتأخير ومن حذف وذكر ... الخ . فمتعلق المثال الأول موجود وهو ( معكم ) ولكنه مقدم على ( فاعل) اقتضاء لمناسبات القول . أما في المثال الثاني فالدلالة الزمنية الموجودة فيه مأخوذة من الفعل ( أرسل ) المتصل بمكملاته ، لا من ( شاهدا ونذيرا ) ولكنهما جاءا على هذه الصيغة لتثبيت الأمر المراد إعطاؤه صفة الديمومة . وأما المثال الثالث فمتعلقه موجود ، ولكنه مأخوذ من سياق الآية الكريمة . أي : أن الأمر الذي توعدون به واقع لا محالة . ومن هنا نستطيع القول : أن صيغة فاعل وما على مثالها ، لا تدل على زمن معين ، إذا لم تدخل في ثنايا السياق النحوي . وهو أمر تشترك به هذه الصيغة وبقية الصيغ الفعلية ( فعل ، يفعل ) .
خامسا : الاسم :
1ـ معاني علامات الإعراب :
علامات الإعراب عند المخزومي ، الضمة والكسرة والفتحة . وكما مر بنا ، أن الضمة عنده علم كون الكلمة مسندا إليه ، وأما الكسرة فهي علم الإضافة ، والفتحة علم المفعولية ، أو علم كل ما لم يدخل في نطاق الإسناد أو الإضافة (45). ويذهب خليل احمد عمايره ، إلى أن المخزومي تابع إبراهيم مصطفى في معاني هذه العلامات (46)، متناسيا أن الفتحة عند إبراهيم مصطفى ليست علما إعرابيا ، في حين هي عند المخزومي علم إعرابي ، كما بيناه سابقا (47).
ومن جانب آخر ، يرى إبراهيم السامرائي أن المخزومي وقع في خطأ متابعة إبراهيم مصطفى في معاني هذه العلامات ، ويقول :" إذا كانت الضمة علما للإسناد ، فلم كان اسم ان منصوبا وهو باق على حاله طرفا في الإسناد ، وعلى هذا تستطيع القول : لم كان خبر كان منصوبا ، وهو طرف في الإسناد "(48).
ولعل أقرب رد على الأستاذ السامرائي ، هو أن إبراهيم مصطفى ، لم يقل أن الضمة علم للإسناد بصورة عامة ( المسند والمسند إليه ) بل هي علم للمسند إليه لا المسند (49)، ولذا فلا ضير أن يكون خبر كان منصوبا ، لأنه مسند لا مسند إليه . أما فيما يخص اسم إنّ ، فكما علمناه انه عند المخزومي مع أن كالكلمة الواحدة (50) ، في حين كان مذهب الأستاذ إبراهيم مصطفى فيه ، هو أنه منصوب على التوهم حينما لاحظوا أن ضميره إذا جيء به ضمير نصب (51).
أما في علامات الإعراب الفرعية ( الواو و الألف و الياء ) فيذهب إبراهيم السامرائي " إلى أن القول بأنّ الواو ضمة ممطولة ، تخلص من العلامات الفرعية ، التي قال بها النحاة القدماء ، وهذا شيء حسن ، غير أن القول : إن الضمة من الواو ، والكسرة من الياء ، والفتحة من الألف ، ينبغي أن يعبر عنه بشيء آخر ، وهو أن ما ندعوه بالحركات وما ندعوه بالأحرف ، وهي : الواو والألف والياء ، شيء واحد ... والخلاف بينهما يرجع الى القصر والطول " (52). ولقد فات الأستاذ السامرائي ، إن مذهب المخزومي في هذه الحركات ، هو عكس مذهب الخليل بن احمد ، والذي ذهب إلى أن الضمة بعض الواو والكسرة بعض الياء ، والفتحة بعض الألف ( 53) ، وهو ما ذهب إليه الأستاذ السامرائي ونسب إلى المخزومي التبعية فيه . فالواو عند المخزومي ضمة ممطولة ، والياء كسرة ممطولة ، والألف فتحة ممطولة (54)، أي أن ما سمي بالحروف هي فروع للحركات ، أو هي حركات ممطولة ، ومطل الحركة يعني مدها صوتيا ، وهو ما أراده الأستاذ السامرائي .
2ـ الكلمات التي تدرج تحت مفهوم الاسم :
يذهب فاضل مصطفى الساقي ، إلى أن المخزومي في تحديده لأقسام الكلام العربي ، أهمل طوائف من الكلمات ، تدرج تحت مفهوم الاسم ، كالصفات . مرجعا ( الساقي ) ذلك إلى عدّ المخزومي بناء فاعل من الأفعال (55).
ويؤخذ على الأستاذ الساقي ، أن الصفات تختلف ببنائها ودلالتها عن الاسم ، فهي تتميز بطابع اشتقاقي قد يجعلها قريبة من الأفعال ، بدلالتها على الزمن من خلال السياق ، وعدم دلالة الاسم على ذلك وتمييزه بالجمود . ثم أن الصفات لا تختص ببناء " فاعل " حتى يكون المخزومي باستخدامه لهذا البناء قد أهمل طائفة الصفات على حدّ تعبير الساقي .
سادسا : الأداة :
1ـ علامات الأداة :
يأخذ فاضل الساقي على المخزومي ، عدم تعرضه لذكر علامات الأداة (56).ولا أظن أن هناك فائدة ترتجي من وضع علامات تميز بها الأدوات من سواها من أقسام الكلام العربي لاسيما أن هذه القضية ليست خلافية ، اختلف في تحديد علاماتها المحدثون مع قدماء النحاة ، وإنما كان الاختلاف في موضوع كل من الاسم والفعل .
2ـ فاء الشرط :
يذهب المخزومي إلى أن الفاء الواقعة في جواب الشرط ، تفيد الربط بيــن العبارتين ( عبارة الشرط وعبارة الجواب ) لاختلاف دلالتيهما ، كون الأولى غير متحققة بحكم الشرط ، والثانية متحققة إن حصل تحقق عبارة الشرط (57) . ويرى مالك المطلبي :" أن جمل الشرط ، التي تقع بالماضي جمل قطع بتحققها ، كذلك أن هناك جمل شرط ينصرف زمانها إلى المستقبل ، ولكنها تقوم على أفعال مقطوع بتحقق وقوعها ، كقوله تعالى : " أفأن مت فهم الخالدون " فليس لنا أن نقول هنا ، أن الموت يجوز أن يقع ويجوز ألا يقع "(58) وقال : " ثم أن جملة جواب الشرط تتقدم على جملة الشرط ، وكل واحدة تحتفظ بدلالتها ، فكيف يقع هذا إذا أخذنا برأي الدكتور المخزومي "(59). ويؤخذ على المطلبي ، أن عبارة الجواب غير متحققة ، سواء أكانت بلفظ الماضي كقولنا :" إن درس زيد ... " أم بلفظ المضارع كقولنا : " إن تدرس ... " ولكن الاختلاف بين التعبيرين يكمن في أن الأول جاء بلفظ الماضي ، للدلالة على تحقق عبارة الجواب إن حصل أتمام الفعل المشروط به وانتهاؤه ، أما الثاني فجاء بلفظ المضارع للدلالة على تحقق عبارة الجواب ، إذا حصل الابتداء بالفعل المشروط ، ولا يشترط به إتمام الفعل ، وفي كلا الأمرين يكون الشرط غير متحقق . أما ما أستشهد به من قول البارئ" عز وجل " فلا يقوم دليلا على ما أراد ، لأن الدلالة التي يحملها الفعل " مات " دلالة معجمية لا سياقية . ومن ثم فان عبارة الجواب إذا تقدمت لعلة او لأخرى سقطت الفاء المتصلة بها لانتفاء الحاجة إليها ، لأنها من متعلقات عبارة الجواب إن سبقت بعبارة الشرط . ومن جانب آخر فان تقدم عبارة الجواب المتحققة بحكم التأخر عن المشروط ، لا يعني تحققها إن تقدمت بقدر ما يعني من إعطائها الأهمية في الحكم ، ومع ذلك فهي باقية متعلقا للمشروط المتأخر
سابعا : الكناية :
يذهب فاضل مصطفى الساقي ، إلى أن المخزومي في كتابه " مدرسة الكوفة " أسمى الإشارات والموصولات أسماء ، وذلك تحت عنوان " أسماء الإشارة والأسماء الموصولة " ثم عاد فعـــدها من الكنايات في كتابـه " في النحـو العربـي قواعد وتطبيق " (60).
ولقد فات الأستاذ الساقي أن طبيعة المنهج الذي رسمه المخزومي لكتابه " مدرسة الكوفة " ، يختلف عن المنهج الذي سار عليه في كتابيه " في النحو العربي نقد وتوجيه " و " في النحو العربي قواعد وتطبيق " . ففي الأول وضع منهجه لبيان رأي الكوفيين في هذه المسألة ، وكان من الطبيعي أن يعتمد التسمية أو الاصطلاح المألوف لذلك ، وأما في الكتابين الآخرين فقد وضع منهجهما لبيان آرائه التجديدية في النحو العربي . أما كون أسماء الإشارة والأسماء الموصولة من الكنايات ، فلا اختلاف بين الكتابين المذكورين ، فقد ذهب في كتابه " مدرسة الكوفة " إلى أن أسماء الإشارة تؤدي وظيفتها اللغوية كما تؤديها الضمائر ، ألا أنها تختلف عنها غي أنها قد يجمع بينها وبين ما هي كناية عنه (61) . وقال في موقع آخر " أما الأسماء الموصولة ، فهي كالضمائر وأسماء الإشارة ، تؤدي ما تؤديه من وظيفة ، بل هي في الأصل من أسماء الإشارة ، يستغنى بها عن تكـــرار ما هــــي كناية عنه " (62).
ثامنا : المصطلح النحوي :
أما في المصطلح النحوي ، فيرى سعيد الزبيدي ، أن المخزومي في كتابه " مدرسة الكوفة " لم يعرض لمصطلح التفسير ، على الرغم من انه مصطلح شاع في كتب القدماء انه مصطلح كوفي (63). ولعل المتتبع لهذا المصطلح يجد انه لم يختص بالنحو الكوفي دونما سواه ، فقد جاء في الكتاب ما نصه :" هذا باب ما ينتصب من المصادر ، لأنه عذر لوقوع الأمر ، فانتصب لأنه موقوع له ولأنه تفسير لما قبله " (64) وهذا ما يشير إلى أن المصطلح ليس كوفيا ، ولعله يعود إلى الخليل بن أحمد ، استخدمه سيبويه والفراء بحكم تأثرهما به . ولذا يكون المخزومي محقا في عدم ذكره ضمن المصطلحات الكوفية .
أما في الجحد والصفة والكناية ، فيرى الزبيدي أنها مصطلحات الخليل ، وقد أثبتها المخزومي للكوفيين (65).
ولعل مرجع ذلك كله إلى أن ليس هناك دراسة متخصصة للمصطلح النحوي عند الخليل ، وقد يكون المخزومي غير موفق في هذا الجانب ، إذ لم يفرد في كتابه ." الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه " فقرة تخص المصطلح النحوي ، واكتفى بذكر الدراسة اللغوية ( صوت ، كلمة ) والنحو بمعناه الخاص . ومن ثم فان طريقة الخليل في عرض المصطلحات النحوية ، التي سادت عند الذين جاءوا من بعده ( سيبويه ، والفراء ) كانت تقوم على نشر المصطلحات النحوية نشرا في ثنايا الحديث عن المسائل النحوية ، دون أن يقصد إلى المصطلح ذاته ، لان همه إذ ذاك تفسير المسائل النحوية ، لا الصناعية وذكر الحدود ( 66) . ولذا جاءت الدراسات الخاصة بالمصطلح النحوي في هذا العصر تميل إلى الاضطراب ، وعدم ترسيم الحدود النهائية للمصطلح النحوي .
تاسعا : المدارس النحوية :
يأخذ إبراهيم السامرائي على المخزومي مذهبه في وجود المدرسة الكوفية أو المذهب الكوفي . وقد استند الأستاذ السامرائي في إثبات زعمــه هـــذا إلى أمــــور كان أهمها (67):
1. إن الكوفيين كالبصريين في شغفهم بالتعليل ، الذي لا يتصل بالعلم اللغوي .ولعل الذي ذهب إليه الأستاذ السامرائي في هذا المجال ، تأثر بما جــاء فـــــي كتــــــاب " الإنصاف في مسائل " للأنبا ري ، من دون أن يعلم أن الذي ورد في هذا الكتاب من تعليلات وتأويلات ، هي من وضع أبي البركات نفسه ، بدليل عدم إمكانية إرجاعها إلى أصحابها . ثم ألم ينته للأستاذ السامرائي أن السجستاني رأس المتعصبين على الكوفيين ، كان يقول في حقهم : " يتحفظ احدهم مسائل من النحو بلا علل ولا تفسير "(68) ويمثل هذا وصف الكسائي ، وان علمه مختلط بلا حجج(69).
2. إن مصطلحا تهم متذبذبة رجراجة غير مستقرة . ولعل هذا الدليل الذي أثبته الأستاذ السامرائي ، عليه وليس له . فوجود مصطلحات كوفية تقابل المصطلحات البصرية يومئ إلى استقلال الدرس النحوي عندهم ، ولما اصطدم الأستاذ بهذه الحقيقة ، راح يبحث عن مخرج لما تورط به ، فقال بالتذبذب وعدم الاستقرار . ومن ثم فأن التذبذب وعدم الاستقرار ، مزية من مزايا المصطلح النحوي قديما ، وليس عند الكوفيين فحسب ، بل حتى عند البصريين ، ذلك أن المصطلح النحوي لم يكن مقصودا لذاته ، وانه لم يستقر إلا متأخرا .
وأما فيما يخص الدرس النحوي في بغداد ، فقد ذهب الدارسون إلى كونه يشكل مدرسة بعينها تقابل المدرستين الكبيرتين البصرة والكوفة (70) . ولقد صحح المخزومي موقف الدارسين من هذه المسألة في كتابه " الدرس النحوي في بغداد " (71).
وترى خديجة الحديثي في كتابها " المدارس النحوية " أن المخزومي وقع في التناقض ، فهو تارة يقول بالمذهب البغدادي أو المدرسة البغدادية ( والقول في كتابه مدرسة الكوفة ) وتارة أخرى ينكر ذلك ويذهب إلى عدم حصوله في كتابه " الدرس النحوي في بغداد " ، ويقوم هذا الاتجاه على الترخص بالأخذ من آراء أصحاب المدرستين المذكورتين ، ولا يمكن حمل ذلك الترخص بالأخذ من آراء الطرفين على كونه مدرسة بعينها ، تضع من المسائل النحوية ما لم يذكر عند السابقين ، بقدر ما يشكل من اتجاه لا يختلف عما ساد من اتجاهات سابقة ، فالكسائي كان يأخذ عن البصريين ، كموقفه من الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف ، ومع ذلك فلم يقل عنه احد انه بصري الاتجاه .
ففكرة المخزومي إذن ، هي توضيح ذلك الاتجاه الجديد ، الذي حمل على كونه مدرسة بعينها مما لم يمكن توضيحه في كتابه " مدرسة الكوفة ".
عاشرا : ملاحظات أخرى :
1ـ مهدي المخزومي والاتجاه الكوفي .
ساد عند من قرأ للمخزومي أو سمع به ، أنّه كوفي المذهب ، وانه يرى في النحو الكوفي نحوا مثاليا ويجب إتباعه . ولعل الأستاذ إبراهيم السامرائي واحد من هؤلاء الذين ذهبوا هذا المذهب (72).
وفي رأيي ، إن الذي ذهب إليه الأستاذ السامرائي ، لا وجود له في أقوال المخزومي ، بل أن المخزومي كان يرى : إننا " إذا أردنا نحوا مثاليا تتمثل فيه العربية تمثلا صادقا ، فينبغي ألا نقتصر على مذهب بعينه " (73) وان النحو الكوفي عنده ( المخزومي ) لم يسلم من العثرات ، ولم يخل منهجه من الهنات لأنه كان مقيدا بالشوط المحدود الذي قطعه التطور العقلي في تلك الحقبة (74). ا لا أنه وجد في كثير من مسائله اللغوية ما يصح لدراسة جديدة ، إذا ما أحذت بنظر الاعتبار المذاهب النحوية الأخرى ، وما توصل إليه البحث اللغوي الحديث .
2ـ مهدي المخزومي وكتاب " نحو الفعل " للدكتور احمد عبد الستار الجواري .حينما صدر كتاب " نحو الفعل " للدكتور الجواري ، اعترض المخزومي على عنوان هذا الكتاب ، ورجح ( المخزومي ) أن يسمى بـ (مبحث الفعل ) وذلك لعدم صحة دراسة الفعل بمعزل عن فروع الدراسة النحوية الأخرى ،ولأنه كتاب يبحث في أغلب فصوله عن جمود الفعل وتصرفه ، وفي صيغة الفعل ودلالته على معناه ، وبنائه للمجهول ، وغير ذلك من المباحث التي تختص بالفعل دونما سواه (75) .
ويرى الدكتور محمد حسين الصغير ، أن تسمية الجواري لكتابه بـ ( نحو الفعل ) صحيحة لا ضير عليها من وجوه(76) :
أ ـ أن الجواري لم يبحث الفعل مستقلا بذاته ، بل بحثه من خلال الجملة ، والبحث في الجملة هو النحو بعينه .
ب ـ أن الاتجاه ( نحو الفعل ) وقصد السبيل إليه ( بفتحة على واو نحو ) تغني عن الدفاع لإثبات صحة التسمية .
ج ـ أن المؤلف أراد الإتباع لنحو التيسير ونحو القرآن .
وأقول : أن المخزومي أراد عدم صحة تسمية الكتاب بـ " نحو الفعل " ، وان كان ذلك الكتاب يشتمل على دراسة الفعل من خلال الجملة ، فدراسة الفعل عند المخزومي منفصلة عما سواها من مباحث النحو الأخرى ، أمر بعيد عن الدرس النحوي ، الذي يبنى على فكرة الشمول . ثم أن الدكتور الجواري جعل عنوان كتابه " نحو الفعل " بضمه على واو نحو ، ولم يجعل عنوانه بالحركتين ( الضمة والفتحة ) كما هو الحال في كتابه " نحو التيسير " على سبيل المثال ، مما لا يمكن حمله على أن الجواري أراد معنى الاتجاه وقصد السبيل لدراسة الفعل . ويبدو أن أستاذنا الصغير حاول أن يجد مسوغا للعنوان الذي اعترض عليه المخزومي .










الهوامش
1.العربية وعلم اللغة البنيوي ، حلمي خليل : 70. 2.المخزومي النحوي المجدد ، نعمة رحيم العزاوي : كلمة في أربعينية المخزومي . 3. في النحو العربي نقد وتوجيه : 19. 4. العربية وعلم اللغة البنيوي : 69ـ 70. 5.في النحو العربي نقد وتوجيه : 27. 6.المصدر نفسه : 27. 7.العربية وعلم اللغة البنيوي : 71. 8.منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث ، علي زوين : 72 ، 84 . 9.الإعراب في النحو العربي ،مجلة الكاتب العربي ، العدد: 16/ 1986. 10.العربية وعلم اللغة البنيوي : 73ـ74. 11.في النحو العربي نقد وتوجيه : 31. 12.المصدر نفسه : 31 .13.المصدر نفسه : 31. 14.المصدر نفسه : 33. 15.الفعل زمانه وأبنيته ، إبراهيم السامرائي : 68. 16.النواسخ الفعلية والحرفية ، احمد سليمان ياقوت : 46. 17.في النحو العربي نقد وتوجيه : 32. 19.الفعل زمانه وأبنيته : 204. 20.المصدر نفسه : 203. 21.المصدر نفسه : 73. 22.في النحو العربي نقد وتوجيه : 299. 23.المصدر نفسه : 299. 24.التركيب اللغوي للشعر العراقي المعاصر ، مالك المطلبي : 179. 25.المخزومي النحوي المجدد: ورقة رقم ( 30) . 26.الفعل زمانه وأبنيته : 40. 27.أقسام الكلام العربي ، فاضل مصطفى الساقي : 133 28. المصدر نفسه : 133. 29.المصدر نفسه : 135. 31.النواسخ الفعلية والحرفية : 86، محاولات حديثة في تيسير النحو العربي : 286 32.المصدر نفسه : 80. 33.المصدر نفسه : 80. 34.شرح ابن عقيل : 1/628.
35.أقسام الكلام العربي : 135. 36.في النحو العربي نقد وتوجيه : 197 ـ 202. 37.معاني القرآن ، الفراء : 1/260. 38.في النحو العربي نقد وتوجيه : 120. 39.الزمن واللغة ، مالك المطلبي : 120ـ 121. 40.المصدر نفسه : 121. 41.المصدر نفسه : 129. 42.في النحو العربي نقد توجيه : 125 ، 126 ، 139 . 43.الزمن في النحو العربي ، كمال إبراهيم بدري : 287. 44.المصدر نفسه : 287. 46.العامل النحوي بين مؤيديه ومعارضيه ، خليل احمد عمايره : 77. 48.الفعل زمانه وأبنيته : 229. 49.إحياء النحو : 50. 50.ينظر الفصل الثالث من هذا الكتاب: 51.إحياء النحو : 70. 52.الفعل زمانه وأبنيته : 229. 53.الكتاب : 2/315. 54.في النحو العربي نقد وتوجيه : 70. 55.أقسام الكلام العربي : 133. 56.المصدر نفسه : 133. 57.في النحو العربي نقد وتوجيه : 287 ـ 288. 58.التركيب اللغوي للشعر العراقي المعاصر : 253 ـ 254 . 59.المصدر نفسه : 253 ـ 254. 60.أقسام الكلام العربي : 134.
61.مدرسة الكوفة : 200. 62.المصدر نفسه : 201. 63.مصطلحات ليست كوفية : الورقة (7).
64.الكتاب : 1/367. 65.مصطلحات ليست كوفية : ينظر على التوالي : الورقة (20)، الورقة (34) ، الورقة (44) . 66.المصطلح النحوي نشأته وتطوره : 129. 67.المدارس النحوية أسطورة وواقع : 139 ـ 156. 68.مراتب النحويين : 101. 69.المصدر نفسه : 90. 70.شوقي ضيف ، المدارس النحوية : 145، بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي: 2/221 ـ 256. 71.المدارس النحوية ، خديجة الحديثي : 264 وما بعدها . 72.المدارس النحوية أسطورة وواقع : 142. 73.مدرسة الكوفة : 408. 74.المصدر نفسه : 413. 75.ملاحظات على كتاب " نحو الفعل " ، مجلة الرابطة ، العدد الثاني /1975. 76.نحو التجديد في دراسات الدكتور الجواري : 108.