Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السادس

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السادس

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السادس

    وراء السراب ... قليلا


    رواية


    ابراهيم درغوثي





    الباب السادس




    في ذكر عودة " العزيز " من صفاقس و دخوله " عتيقة " فاتحا .
    و يحتوي على أسرار طرده من رحمة العائلة و تفاصيل عن العريضة التي تم بمقتضاها الطرد .
    كما يحتوي على الحوادث التي قادته إلى الهجرة القسرية من " عتيقة " إلى " قرط حدشت ".


    ( 1 )


    و أفقنا يوما على ضربات البنائين على باب الماخور . هدم الرجال الحائط و أطل أحدهم من كوة صغيرة و هو ينادي :
    - لقد وفينا بالعهد يا " سيدة " فافتحي للزائرين.
    قالت :
    - هل وصل هلال السنة الجديدة ؟
    فرد :
    - عامك سعيد يا سيدتي ... هات البشارة .
    أعطته قرطين من الذهب الخالص ، فباشر إصلاحاته في الحي الخارج من سبات عام قمري.
    و طلبتني من دار إحدى بناتها ، فوسدتني فخذها و همست :
    - غدا ، عند انبلاج الفجر ، حين يصير بمقدورك أن تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، سيصل حصان له ألف جناح . سيطير الحصان قريبا من سطح بيتنا هذا فلا تخف . إنه حصان أبيك العائد من طوافه بين جنان الخلد.
    سأركب الحصان وراء رجلي .
    و سكتت مدة ثم قالت :
    - غادر هذا الحي يا ولدي عند شروق الشمس و لا تعد إليه أبدا .
    و قامت .
    فقمت وراءها ألملم ذاكرتي المقتولة و أسأل عن طريق محطة القطار .


    ( 2 )


    حين نزلت من العربة الخلفية للقطار في المحطة الخالية ، أطلق صفيره و اندفع غربا . أزت عجلات الحديد على الحديد برهة ثم بدأت في طحن الرمل . كنت أعرف أن هذه المحطة هي الأخيرة و أن لا سكة حديد بعدها لكنني رأيت القطار يبتعد داخل المهمه القفر و يغيب عن ناظري شيئا فشيئا إلى أن ابتلعه الشفق الأحمر .
    مشيت مدة وراءه إلى أن انتهت سكة الحديد و عوضتها آثار أخفاف الجمال على الرمال الطرية فوقفت أستكشف الموقع.
    هل أخطأت محطتي و هبطت في مكان آخر ؟ ربما...
    لكن شجيرات الرتم المقابلة للمحطة مازالت في مكانها.
    و بحثت عن القرية فلم أجد لها أثرا. و قادتني خطاي إلى تلة . صعدت التلة و أمعنت النظر فرأيت في البعيد شكلا يشبه البيت . قصدت البيت ، لكنني كلما أمعنت في الاقتراب منه أمعن في الهرب مني . و مشيت بقية ذلك اليوم و كامل الليلة التالية وراء البيت إلى أن هدني التعب و لم أصل إليه ، فنمت في مكاني.
    أفقت في الصباح على هدير القطار . رأيته يبتلع آثار أخفاف الجمال المرسومة بإتقان على الطل النازف على الأرض ثم يركب سكة الحديد من جديد و يهرب شرقا. و أنا ألوح بمنديلي في كل الاتجاهات لعل راكبا يراني . لكن عربات القطار كانت خالية. كل العربات كانت خالية بدون استثناء . حتى عربة القيادة لم يكن بها سائق . و كنت الوحيد الشاهد على مرور القطار .
    و انتبهت إلى أنني مازلت جالسا في المكان الذي نزلت فيه عشية الأمس ، قريبا من شجيرات الرتم .
    بحث مرة أخرى عن أثر يدلني على طريق القرية فلم أجد غايتي فقلت لأضربن في الأرض كالعميان ، و عصبت عيني بمنديل و هجمت على مسارب الجبل فقطعتها خفيفا أسرع من المبصرين و لم أقف إلى أن شممت رائحة النار.
    هذه الرائحة أعرفها. و أمعنت في الشم فعرفت رائحة حطب النخل الملتهب . ورفعت العصابة عن عيني فرأيت باب السور . باب ضخم واقف أمامي بدفتيه الكبيرتين . دفتان عاليتان مصفحتان بالحديد و النحاس تزينهما رسوم و طلاسم.
    و تلفت في كل الاتجاهات أبحث عن السور فلم أجد له أثرا . فاندهشت و قلت متعجبا : " باب ينغلق على لا شيء ".
    و بقيت مدة أمام الباب أفكر . هل أمر من خلاله أم أجانبه و أدخل القرية ، فلا حائط يعيق تقدمي.
    و عزمت على دخول القرية فاتحا فوضعت يدي على الخشب برفق و قلت : " باسمك اللهم أدخل هذه القرية آمنا "، فانفتح الباب و كأن أيادي خفية تجذبه من الخلف.
    و دخلت القرية من بابها الكبير . بسلمت و أوسعت الخطى فرأيت المباني تخرج من الأرض ثم ترتفع رويدا رويدا إلى أن تستوي على اليابسة . و سمعت الكلاب تعوي و الديكة تصيح . وجرى أمامي الأطفال . و خرجت النساء إلى الغدير يملأن الماء و يغسلن الثياب و يطهرن من الجنابة .
    و ساق الرجال الحمير أمامهم باتجاه الواحة.
    قلت : هو سحر ورب البيت.
    و قصدت دارنا.
    حين قرعت باب السقيفة تجاوب الصدى مع دقاتي . فظللت أدق و أدق إلى أن كل متني.
    و هممت بمغادرة المكان لكن الباب فتح و أطل منه رجل لم أعهده في خدمتنا.
    قال : تفضل . مجلس العائلة في انتظارك
    قلت متعجبا : في انتظاري
    رد لا مباليا بحيرتي : لقد انتهوا الآن إلى قرار بشأنك ، ووافق جميع أعمامك على القرار.
    و سار أمامي ينير لي الطريق بقنديل زيت فمشيت وراءه و أنا أتخبط في الضوء إلى أن صدمني تمثال الجدة الواقف في وسط الساحة . فذهبت أولا للسلام عليها . قبلت يدها الحجرية فأحسست بها حارة تحت شفتي . ثم رأيتها تحط خفيفة على شعر رأسي و تمسح عليه بحنو ورقة.
    و عم الهدوء المكان فسمعت خشخشة ، و رأيت جنود الأرضة منهمكين في أكل العصا التي تتكئ عليها الجدة.
    مسحت شعري نافضا عنه آثار رمال يد الجدة . و ذهبت رأسا إلى قاعة الاجتماعات . وجدت الأعمام جالسين على كراسي واطئة و بين أيديهم أزمة كبيرة وعلى وجوههم غيظ مقيت . سلمت عليهم فلم يردوا على سلامي . وفاحت من أبدانهم رائحة المقت والضغينة فظللت واقفا أنظر في عيونهم إلى أن قام كبيرهم فحمد الله و أثنى على نبيه و على التابعين و تابعي التابعين بإحسان إلى يوم الدين . ورفع في وجهي عريضة و بدأ يقرأ:
    " قرر مجلس العائلة بإجماع أفراده طرد " العزيز " من رحمة العائلة و القرار بات لا عودة فيه و ذلك لما لحقها منه و من أمه من أضرار ستظل ماثلة على الجبين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها . و سيعلق هذا البيان الختامي على جدران المسجد الجامع و سيعلن عنه من على رؤوس المآذن .
    و الله على ما أقول شهيد.
    وانفض المجلس .
    خرج الأعمام و تركوني واقفا في وسط الدار. فعادت أصوات الأجنة الذين دفنتهم زوجة أبي في هذه الدار تملأ رأسي صراخا و احتجاجا. و أجابتها أصوات في الغرف الأخرى . و امتلأت الغرف بالضجيج و النواح إلى أن كدت أفقد صوابي. فقصدت الباب خارجا لكن خادمين شدا وثاقي بحبل و أحضرا حمارا أركباني على ظهره ووجهي إلى الذيل. ثم علقا في يدي ورجلي نواقيس و جلاجل صغيرة ، و خرجا بي من باب الدار.
    اقتربت من السقيفة ، فهوت الجدة على وجهها.
    الآن أنهت الأرضة نخر عصا الجدة فخرت على وجهها بعد أعوام من الوقوف على رجل واحدة . و دقت طبول الحزن من جديد . و ملأ العويل و النواح الكون .
    و نخس الخادمان الحمار بعد أن طليا وجهي و ثيابي بالقطران . و طافا بي في أزقة القرية و دروبها إلى أن أذنت الشمس بالمغيب فرميا بي خارج الأسوار الوهمية و أغلقا ورائي الباب الكبير . بقيت ذاهلا مدة و أنا أستمع إلى دق طبول الحزن معلنا موت الجدة . و هجم الألم علي من الجهات الأربعة . و طوقني بدون رحمة فقمت أدور حول القرية باحثا عن منفذ في السور الذي يطوقها . كنت كلما اقتربت مما توهمته سورا صدتني الحيطان و قذفت بي بعيدا إلى أن سمعت صفير القطار و دمدمته . ورأيت دخانه يأتي من بعيد ، من وراء الأفق. ثم رأيته يقترب وئيدا . يدوس على آثار أخفاف الجمال المرسومة على الرمل الطري ثم يركب سكة الحديد و يعوي فتئز عجلات الحديد على الحديد . كانت عربات القطار ملأى بشرا و حكايات . و كنت حزينا كيوم شتاء بارد فلم ألتفت إلى صخب الركاب و ثرثرتهم إلى أن سمعتهم يذكرون أحاديث عجيبة عن " القرية الحديثة " التي بناها الكفار في المهمه القفر ، قريبا من جبال الثالجة .
    فصحت : " قرط حدشت " على مشارف الصحراء هذه المرة . يا للعجب . "
    التفت الركاب دفعة واحدة إلى ناحيتي فأهملت نظراتهم . و عدت إلى عد عواميد الهاتف الهاربة عكس اتجاه القطار.


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السادس

    وراء السراب ... قليلا


    رواية


    ابراهيم درغوثي





    الباب السادس




    في ذكر عودة " العزيز " من صفاقس و دخوله " عتيقة " فاتحا .
    و يحتوي على أسرار طرده من رحمة العائلة و تفاصيل عن العريضة التي تم بمقتضاها الطرد .
    كما يحتوي على الحوادث التي قادته إلى الهجرة القسرية من " عتيقة " إلى " قرط حدشت ".


    ( 1 )


    و أفقنا يوما على ضربات البنائين على باب الماخور . هدم الرجال الحائط و أطل أحدهم من كوة صغيرة و هو ينادي :
    - لقد وفينا بالعهد يا " سيدة " فافتحي للزائرين.
    قالت :
    - هل وصل هلال السنة الجديدة ؟
    فرد :
    - عامك سعيد يا سيدتي ... هات البشارة .
    أعطته قرطين من الذهب الخالص ، فباشر إصلاحاته في الحي الخارج من سبات عام قمري.
    و طلبتني من دار إحدى بناتها ، فوسدتني فخذها و همست :
    - غدا ، عند انبلاج الفجر ، حين يصير بمقدورك أن تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، سيصل حصان له ألف جناح . سيطير الحصان قريبا من سطح بيتنا هذا فلا تخف . إنه حصان أبيك العائد من طوافه بين جنان الخلد.
    سأركب الحصان وراء رجلي .
    و سكتت مدة ثم قالت :
    - غادر هذا الحي يا ولدي عند شروق الشمس و لا تعد إليه أبدا .
    و قامت .
    فقمت وراءها ألملم ذاكرتي المقتولة و أسأل عن طريق محطة القطار .


    ( 2 )


    حين نزلت من العربة الخلفية للقطار في المحطة الخالية ، أطلق صفيره و اندفع غربا . أزت عجلات الحديد على الحديد برهة ثم بدأت في طحن الرمل . كنت أعرف أن هذه المحطة هي الأخيرة و أن لا سكة حديد بعدها لكنني رأيت القطار يبتعد داخل المهمه القفر و يغيب عن ناظري شيئا فشيئا إلى أن ابتلعه الشفق الأحمر .
    مشيت مدة وراءه إلى أن انتهت سكة الحديد و عوضتها آثار أخفاف الجمال على الرمال الطرية فوقفت أستكشف الموقع.
    هل أخطأت محطتي و هبطت في مكان آخر ؟ ربما...
    لكن شجيرات الرتم المقابلة للمحطة مازالت في مكانها.
    و بحثت عن القرية فلم أجد لها أثرا. و قادتني خطاي إلى تلة . صعدت التلة و أمعنت النظر فرأيت في البعيد شكلا يشبه البيت . قصدت البيت ، لكنني كلما أمعنت في الاقتراب منه أمعن في الهرب مني . و مشيت بقية ذلك اليوم و كامل الليلة التالية وراء البيت إلى أن هدني التعب و لم أصل إليه ، فنمت في مكاني.
    أفقت في الصباح على هدير القطار . رأيته يبتلع آثار أخفاف الجمال المرسومة بإتقان على الطل النازف على الأرض ثم يركب سكة الحديد من جديد و يهرب شرقا. و أنا ألوح بمنديلي في كل الاتجاهات لعل راكبا يراني . لكن عربات القطار كانت خالية. كل العربات كانت خالية بدون استثناء . حتى عربة القيادة لم يكن بها سائق . و كنت الوحيد الشاهد على مرور القطار .
    و انتبهت إلى أنني مازلت جالسا في المكان الذي نزلت فيه عشية الأمس ، قريبا من شجيرات الرتم .
    بحث مرة أخرى عن أثر يدلني على طريق القرية فلم أجد غايتي فقلت لأضربن في الأرض كالعميان ، و عصبت عيني بمنديل و هجمت على مسارب الجبل فقطعتها خفيفا أسرع من المبصرين و لم أقف إلى أن شممت رائحة النار.
    هذه الرائحة أعرفها. و أمعنت في الشم فعرفت رائحة حطب النخل الملتهب . ورفعت العصابة عن عيني فرأيت باب السور . باب ضخم واقف أمامي بدفتيه الكبيرتين . دفتان عاليتان مصفحتان بالحديد و النحاس تزينهما رسوم و طلاسم.
    و تلفت في كل الاتجاهات أبحث عن السور فلم أجد له أثرا . فاندهشت و قلت متعجبا : " باب ينغلق على لا شيء ".
    و بقيت مدة أمام الباب أفكر . هل أمر من خلاله أم أجانبه و أدخل القرية ، فلا حائط يعيق تقدمي.
    و عزمت على دخول القرية فاتحا فوضعت يدي على الخشب برفق و قلت : " باسمك اللهم أدخل هذه القرية آمنا "، فانفتح الباب و كأن أيادي خفية تجذبه من الخلف.
    و دخلت القرية من بابها الكبير . بسلمت و أوسعت الخطى فرأيت المباني تخرج من الأرض ثم ترتفع رويدا رويدا إلى أن تستوي على اليابسة . و سمعت الكلاب تعوي و الديكة تصيح . وجرى أمامي الأطفال . و خرجت النساء إلى الغدير يملأن الماء و يغسلن الثياب و يطهرن من الجنابة .
    و ساق الرجال الحمير أمامهم باتجاه الواحة.
    قلت : هو سحر ورب البيت.
    و قصدت دارنا.
    حين قرعت باب السقيفة تجاوب الصدى مع دقاتي . فظللت أدق و أدق إلى أن كل متني.
    و هممت بمغادرة المكان لكن الباب فتح و أطل منه رجل لم أعهده في خدمتنا.
    قال : تفضل . مجلس العائلة في انتظارك
    قلت متعجبا : في انتظاري
    رد لا مباليا بحيرتي : لقد انتهوا الآن إلى قرار بشأنك ، ووافق جميع أعمامك على القرار.
    و سار أمامي ينير لي الطريق بقنديل زيت فمشيت وراءه و أنا أتخبط في الضوء إلى أن صدمني تمثال الجدة الواقف في وسط الساحة . فذهبت أولا للسلام عليها . قبلت يدها الحجرية فأحسست بها حارة تحت شفتي . ثم رأيتها تحط خفيفة على شعر رأسي و تمسح عليه بحنو ورقة.
    و عم الهدوء المكان فسمعت خشخشة ، و رأيت جنود الأرضة منهمكين في أكل العصا التي تتكئ عليها الجدة.
    مسحت شعري نافضا عنه آثار رمال يد الجدة . و ذهبت رأسا إلى قاعة الاجتماعات . وجدت الأعمام جالسين على كراسي واطئة و بين أيديهم أزمة كبيرة وعلى وجوههم غيظ مقيت . سلمت عليهم فلم يردوا على سلامي . وفاحت من أبدانهم رائحة المقت والضغينة فظللت واقفا أنظر في عيونهم إلى أن قام كبيرهم فحمد الله و أثنى على نبيه و على التابعين و تابعي التابعين بإحسان إلى يوم الدين . ورفع في وجهي عريضة و بدأ يقرأ:
    " قرر مجلس العائلة بإجماع أفراده طرد " العزيز " من رحمة العائلة و القرار بات لا عودة فيه و ذلك لما لحقها منه و من أمه من أضرار ستظل ماثلة على الجبين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها . و سيعلق هذا البيان الختامي على جدران المسجد الجامع و سيعلن عنه من على رؤوس المآذن .
    و الله على ما أقول شهيد.
    وانفض المجلس .
    خرج الأعمام و تركوني واقفا في وسط الدار. فعادت أصوات الأجنة الذين دفنتهم زوجة أبي في هذه الدار تملأ رأسي صراخا و احتجاجا. و أجابتها أصوات في الغرف الأخرى . و امتلأت الغرف بالضجيج و النواح إلى أن كدت أفقد صوابي. فقصدت الباب خارجا لكن خادمين شدا وثاقي بحبل و أحضرا حمارا أركباني على ظهره ووجهي إلى الذيل. ثم علقا في يدي ورجلي نواقيس و جلاجل صغيرة ، و خرجا بي من باب الدار.
    اقتربت من السقيفة ، فهوت الجدة على وجهها.
    الآن أنهت الأرضة نخر عصا الجدة فخرت على وجهها بعد أعوام من الوقوف على رجل واحدة . و دقت طبول الحزن من جديد . و ملأ العويل و النواح الكون .
    و نخس الخادمان الحمار بعد أن طليا وجهي و ثيابي بالقطران . و طافا بي في أزقة القرية و دروبها إلى أن أذنت الشمس بالمغيب فرميا بي خارج الأسوار الوهمية و أغلقا ورائي الباب الكبير . بقيت ذاهلا مدة و أنا أستمع إلى دق طبول الحزن معلنا موت الجدة . و هجم الألم علي من الجهات الأربعة . و طوقني بدون رحمة فقمت أدور حول القرية باحثا عن منفذ في السور الذي يطوقها . كنت كلما اقتربت مما توهمته سورا صدتني الحيطان و قذفت بي بعيدا إلى أن سمعت صفير القطار و دمدمته . ورأيت دخانه يأتي من بعيد ، من وراء الأفق. ثم رأيته يقترب وئيدا . يدوس على آثار أخفاف الجمال المرسومة على الرمل الطري ثم يركب سكة الحديد و يعوي فتئز عجلات الحديد على الحديد . كانت عربات القطار ملأى بشرا و حكايات . و كنت حزينا كيوم شتاء بارد فلم ألتفت إلى صخب الركاب و ثرثرتهم إلى أن سمعتهم يذكرون أحاديث عجيبة عن " القرية الحديثة " التي بناها الكفار في المهمه القفر ، قريبا من جبال الثالجة .
    فصحت : " قرط حدشت " على مشارف الصحراء هذه المرة . يا للعجب . "
    التفت الركاب دفعة واحدة إلى ناحيتي فأهملت نظراتهم . و عدت إلى عد عواميد الهاتف الهاربة عكس اتجاه القطار.


  3. #3
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    [BCOLOR="SeaGreen"]

    انتهينا من الباب السادس ، وهذه القصص تذكرني بمجموعة قصصية بطلها واحدة كتبها هارولد لامب باسم السيف المعقوف ، وفي أحد فصول الرواية تكلم عن طائفة الحشاشين فيما يشبه الأسطورة ، وما كانوا يضعونه في أذهان مريديهم أنهم يعيشون في الجنة .

    السرد هنا له نكهته الخاصة بكاتب العمل .. فقد جمع ما بين الأسطورة والدين وما ينتظرالمؤمن الصالح من الجواري الحسان كالؤلؤ المنثور ، وأن جنان الجنة لا عين رأت ولا خطر علي قلب بشر .
    أيضا هناك الحداثة المتمثلة في القطار .. وهذا التمازج العجيب بين الحقيقة والسرد المغرق في الخيال .. كأنه الحلم الذي يتراءى للنائم .
    فإلي الفصل السابع


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    [/COLOR][/B][/SIZE]

    التعديل الأخير تم بواسطة فايزة شرف الدين ; 31/07/2008 الساعة 11:00 PM

  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أختنا فائزة

    لك الشكر الكبير
    و الاقدير الأجل

    دام لك الألق


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •