Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السابع

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السابع

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السابع

    وراء السراب قليلا

    رواية

    ابراهيم درغوثي




    الفصل الثاني


    تغريبة السودان في

    " عهد الأمان "


    []

    الباب السابع
    [/size]


    وفيه ذكر لعصي الأجداد التي ناوشت عزرائيل ، و تفاصيل عن حشائش الموت و الحياة في المجدبة القريبة من شط " التاكمرت " ، وما وقع للقافلة الذاهبة إلى ميناء " تكابس " ، و كيف حول ساحر رومي الذهب إلى تراب .
    و أعاجيب أخرى ...







    [][color=#00008B]بات " سعد الشوشان " يحكي لعزيز عما قاسته ملة السودان سنوات التيه في الصحراء .
    قال :
    عشنا في القفر سنين لا يعلم عدها إلا الله . كنا نخرج في الصباحات نصطاد ما يصادفنا من حيوانات الصحراء . وكنا في كثير من الأحيان نعود مرفوقين بالخيبة و الهوان . فإذا صادف أن اصطدنا غزالا أو ذئبا أو ضبعا أو ثعلبا تعم الفرحة مضربنا . تشعل النساء النيران و نشوي الطريدة ثم نلتهمها في لمح البصر. و لكن التجربة علمتنا أن ندخر في مواسم الرخاء لمواسم القحط و الجفاف .صرنا نقدد لحوم الأرانب و اليرابيع و الأورال . و صادف مرة أن اصطاد الأطفال ضبا . لعبوا به حتى تعبوا و حين هم الضب بالموت ذبحه أبي و شواه و فرق لحمه بين الأطفال.واستطاب الأطفال لحم الضب فتفننوا في الاختباء له و نصب الكمائن في طريقه. و كان المسكين لا يقدر على الهرب منهم فيكتفي بخبط أيديهم بذيله الطويل ذي الحراشف المؤذية . و لكنه كان ينتهي دائما فوق نيران الصحراء.
    كنا في هذه الصحراء لا نعاف شيئا . أكلنا بقايا التمر الذي حملناه معنا في الغرائر . و عشنا مدة على ما ادخر الأطفال من هبات أولاد أسيادنا . و أكلنا عدة أشهر من الجراد الذي حط قريبا من عين الشمس التي كانت تغرب وراء ظهورنا . أكلنا الجراد طازجا ، مطبوخا داخل قدورنا الكبيرة . و أكلناه يابسا مجففا بنيران الشمس الحارة . و مرت الأيام و شح الزاد حتى صار لا يكاد يفي بحاجتنا . فكنا نكتفي بتمرة في أول النهار و بتمرة عند مغيب الشمس . ثم صرنا نقسم التمرة نصفين . نأكل النصف في الصباح و النصف الآخر في الليل . و نظل نمص النواة طول النهار . و بدأ اليأس يجتاح القلوب بعد أن عدنا من الصيد طيلة أسبوع بلا طرائد بين أيدينا . و أيقنا بالهلاك . لكن العراف ظل يعدنا برحمة السماء . كان يخلط مواعظه بكلام حكماء غابات إفريقيا و بآيات من الذكر الحكيم . و كان لا يشبع أبدا من ترديد : اصبروا وصابروا و العاقبة للصابرين .
    و بدأ طائر الموت يحوم فوق الرؤوس على شكل بومة تصل مع مغيب الشمس تحط فوق نخلة ميتة و تبدأ في النعيب فتخرج النساء هلعات يقرعن الأواني النحاسية و يقرأن القرآن و لكننا كنا ندفن في الصباح الأطفال الرضع . ثم داهم الموت الفتيان و الشباب بعد أن صارت أيديهم و أرجلهم كصواري السفن وانداحت بطونهم أمامهم . وزاد همنا حين امتنعت القوافل عن ارتياد نبع الماء بعد أن وصلتهم أنباء عن قطعنا الطريق في وجوههم.
    وصار الشيوخ يمتنعون عن أكل نصيبهم من التمر و يكتفون بمص حصيات كامل النهار حتى استطالت أذقانهم و غارت أعينهم و ضار الموت لا يهاب عصيهم التي كانوا ينوشونه بها كلما اقترب منهم فتركوا المخيم و بدأوا في الضرب في الصحراء . كلنوا يخرجون في الصباح و لا يعودون إلا عند مغيب الشمس . و يظلون طائفين في المجدبة الكبرى التي تركهم فيها جند الباي يبحثون بين الحشائش عن شيء معلوم لا نعرف كنهه إلى أن اكتشفنا ذات صباح جثثهم مطروحة جنب بعضها فوق الكثيب المحاذي للنبع . مضغ الأجداد حشيشة الموت كامل ليلتهم و تركوا لنا وصية تقول : " إذا كان من الموت بد فامضغوا هذه الحشيشة و لا تخافوا فسوف يسري الخدر في أجسامكم من الوهلة الأولى ولن تحسوا بخنجر الموت حين يغمد في قلوبكم . و سترون أرواحكم و قد تحولت إلى طيور صغيرة في حجم الفراشات وهي ترفرف فوق جباهكم ثم تدخلون أبواب السماء.
    كانت مصيبتنا في فقد شيوخنا أكبر من احتمالنا في هذا القفر الموحش فقررنا أن نحتفظ بهم . حفر كل واحد منا قبرا قريبا من كوخه . فرشه ملحا ثم أنمنا الجدود و غطيناهم بالملح و التمائم و بكلام الرب.
    واستمر دبيب الأيام بطيئا ، كئيبا كحكاية مملة . ورغم ذلك لم نفكر أبدا في أمر العودة إلى قريتنا فكأن ماضينا مسح من ذاكرتنا مسحا تاما إلى أن كان اليوم الذي ظهر فيه بعيدا وراء الشفق خيال قافلة تخب في اتجاه مضاربنا. قافلة ضخمة بها عدد كبير من الجمال تسير وراء بعضها في خط مستقيم يصحبها عدد قليل من الرجال. تشاورنا فيما بيننا و تدبرنا الأمر و قررنا أن لا نفوت فرصة السطو على القافلة . و بما أن حالنا لا يسر ، فقد اتفقنا على استعمال الحيلة للظفر برجالها و الفتك بهم إن لزم الأمر فابتعدنا عن عين الماء بضع مئات من الأمتار واختبأنا وراء كثيب من الرمال . و بقينا نرقب وصول القافلة فالجمال لا تحتمل العطش كثيرا في هذه الهاجرة.
    عند الظهيرة ، اقترب رغاء الجمال و صخب الرجال . و انجذب الجميع لسطوة البحيرة و سحرها فمدت النوق أعناقها الطويلة نرتوي من نسغ الحياة . وارتمى الرجال بثيابهم يبتردون في الماء. و هزنا الطرب فالقافلة بجمالها الكثر لا يحميها أكثر من عشرة رجال . تركناهم في لهوهم حتى شبعوا من الماء ووضعوا عن النوق أوزارها، و كوموا الغرائر على الأرض و أشعلوا النار لطهي الشاي و الطعام . و عندما اطمأنوا في مجلسهم طلعنا عليهم من تحت الرمال كالمردة من الشياطين . و جرينا باتجاههم تسبقنا صيحات تفوح منها رائحة الموت و الجوع. أطبقت عليهم المفاجأة فلم يتحركوا من أماكنهم . لكن فجأة رأينا رجلا يقف في وجوهنا و يخرج من جرابه مسدسا و يبدأ في إطلاق النار . كانت هيئة الرجل غريبة و لباسه أغرب. ما كان يرتدي الجبة كبقية الرجال و إنما يلبس تبانا يغطي رجليه حد الركبتين و يرتدي قميصا في لون الرمل و يضع على رأسه مظلة من القماش . لم يصب طلق الرجل منا مقتلا لأنه كان مرتبكا . و كانت يداه ورجلاه ترتعش فارتميت عليه وافتككت منه الآلة التي تطلق النار بعد أن قيدت حركاته . وارتمى الرجال على الرجال . و ساعدتنا المفاجأة على الانتصار فقيدنا أيديهم و أرجلهم بحبال وجدناها قريبة من الجمال . كانوا يستسلمون لنا بيسر أربك اندفاعنا . يعطي الرجل منهم الرجل منا يديه ورجليه و قد أغمض عينيه حتى لا يتكشف على عوراتنا . و يستسلم للحبال وهي تدور حول معصميه وقدميه استسلامه لقدر محتوم . الوحيد الذي أبدى بعض المقاومة كان رجل المسدس . نظر نحونا بعينين شبيهتين بعيني حنش مخنوق ورطن بلغة شبيهة بنباح الكلاب . فلم نلتفت لنباحه إلى أن بدأ يعوي و يخبط برجليه في كل الاتجاهات فالتفت إليه وملأت فمه رملا ووضعت حد السكين على رقبته، فهدأ وسال البول بين فخذيه قبل أن تبتلعه رمال الصحراء الحارة.
    والتفتنا إلى القدور فالتهمنا الطعام الذي لم ينضج بعد وشربنا الشاي . ترشفناه سخنا يحرق اللسان و الشفتين . ثم قمنا نتفقد الأسرى و الفيء و نحمد الله على ما من به علينا من غنائم.
    ملأ أكثر من ثلاثمائة جمل الساحة القريبة من عيون الماء . و تكدست غرائر كبيرة قريبا من الجمال.فمنينا الأنفس بفوز كبير و قلنا لا بد أن هذه الغرائر ملأى تمرا و قمحا و خيرات أخرى. و اتجهنا نحو القبلة و بدأنا نصلي . ظللنا نركع و نسجد إلى أن آذنت الشمس بالمغيب فكففنا عن الصلاة ثم اخترنا فحلا من الجمال فنحرناه و قسمناه قطعا زرعناها فوق قبور الأجداد.
    و عدنا إلى الرجال المقيدين . بادرني أحدهم بالكلام . طلب مني أن أفك قيده قائلا إنه مترجم " الرومي " الذي يصاحب القافلة و ألح في طلبه وهو ينظر نحوي بعينين فيهما كثير من الرجاء . رأيت الحبل قد غاص في لحم يديه . ورأيت دما قد تيبس على الزندين فأخذتني بالرجل شفقة. لكنني التفت إلى صحبي أطلب مشورتهم.
    قال كبيرنا :
    - أطلق أسيرك يا رجل ، فماذا بمقدوره أن يفعل لجمعنا ؟
    و بينما أنا أفك وثاق الأسير تقدم بقية الرجال نحو الغرائر يفكون أربطتها . وجاءت الصيحة من كل مكان و في وقت واحد : في الغرائر تراب يا رجال ...
    واكتشفنا أن كل الحمل تراب ، فألجمتنا المفاجأة ثم انفجرنا في ضحك مجنون و بدأنا ننثر التراب باحثتن عن القمح و التمر إلى أن صاح المترجم :
    - كفوا عن هذا الجنون فلن تجدوا في الغرائر سوى التراب.
    وجن جنوجننا فانهلنا عليه ضربا ورفسا و نحن نصرخ :
    - دلنا على الساحر الذي حول حمولة هذه الجمال إلى تراب و إلا قتلناك يا بن الكلب
    واحتمل الرجل الضرب و الرفس بصبر المؤمنين الأوائل ولم يفه بكلمة واحدة . و تذكرنا الرجل الغريب الذي أطلق علينا النار حين فاجأتهم غارتنا فقصدناه. وجدناه ملقى على ظهره و يداه مقلدتان إلى الخلف. كان وجهه أبيض ، شديد البياض . وحمرة جلده تذكر بحب الرمان المفضوخ. جذبتني زرقة عينيه فقلت للرجال :
    - ها هو ذا الساحر، دونكم و إياه.
    وعاد المترجم يصيح :
    - حاذروا يا لصوص السوء ، فهذا الرجل يحمل ترخيصا من فرنسا لعدم التعرض له بالأذى . الويل لكم من جنود فرنسا إن مسستموه بسوء.
    ولم يلتفت أحد لكلامه. تلقف الرجال " الرومي " من كل جانب وهم يتصايحون و يتهابشون :
    - أعد للغرائر قمحها يا بن اللئيمة و إلا أكلنا لحمك الطري في هذه الصحراء.
    وازدادت حيرة الرجل فطلب من مترجمه أن يفسر له حديثنا فتنابحا مدة ثم رأينا الفرنسي ينفجر في ضحك صاخب فكأن كل قردة العالم ترقص أمامه. و انبهرنا بضحكه . و بقينا ساهمين إلى أن قال لنا المترجم وهو يبتسم بخبث :
    - إن الفرنسي يطلب منكم أن تحلوا وثاقه حتى حتى يحول لكم تراب الغرائر ذهبا.
    و امتثلنا لأمره فقطع أحدنا الحبل وقاد " الرومي " إلى كدس من الرمل فأجلسه برفق و أعطاه جرعة ماء يبل بها ريقه . و عاد الفرنسي يطلب المترجم . بدأ حديثه معه بلطف ثم احتد شيئا فشيئا إلى أن صار كلامه صراخا . كان يرغي و يزبد و يشير بإصبعه إلى الغرائر التي أفرغناها ثم يعود فيشير إلى الجهة التي قدموا منها . و المترجم يهدي من ثورته و يربت على كتفيه إلى أن استكان الرجل وقبل القعود على كثيب الرمل فتركه واضعا رأسه بين يديه وجاء إلى حلقتنا . تكلم بوجه عابس و صوت مرتجف فقال إننا اقترفنا إثما لا يغتفر بتعرضنا لقافلة تحميها " فرنسا " و حذرنا من انتقام جند الروم.
    وحين سألناه عن الغرائر الملأى ترابا قال:
    - إنه الفسفاط يا هوام .
    و لم نعرف معنى لكلامه . فهذه أول مرة نسمع فيها هذه الكلمة.
    و عدنا تلح في السؤال :
    - وهل هذا الفسفاط نوع من الذهب ؟
    فابتسم أول مرة بعد عبوسه الطويل وقال وهو يتنهد :
    - هو أخ غير شقيق للذهب.
    و لم يزد.
    ظل المترجم صامتا ، ثابتا في مكانه لا يتزحزح عنه حتى قام الفرنسي فجرى نحوه . و مشيا سويا صوب النبع . بقيا يتجولان قريبا من الضفة حتى سقط القمر وسط الماء فبللهما الرذاذ الخفيف الذي انتشر في المكان فعادا أدراجهما بخطى وئيدة يمشيان كما لو علقت في أرجلهم الأثقال.
    قال المترجم لكبيرنا :
    - أطلقوا سراح بقية الأسرى و تعالوا نتسامر سويا . لقد عفا عنكم الفرنسي وهو يشترط حتى يكون عفوه نافذا أن تقصوا عليه حكايتكم.
    فقال له:
    - هذه حكاية طويلة . دعنا منها الآن وهات حقيقة هذا التراب الذي قطعتم من أجله هذه المفازات.
    فصار المترجم يقسم بأغلظ الأيمان بأنه صدقنا القول و بأن هذه الجمال ملك لقبائل " الهمامة " اكتراها " الرومي " الذي يراقب الموقف من بعيد لتحميل هذا التراب الذي هو الآن بين أيدينا بعد أن استخرجه رجال من باطن الجبل . و بأن هذه الغرائر ستوسق من ميناء " قابس " إلى فرنسا لتحليل هذا التراب وإبداء الرأي في قيمته.
    و عاد يهدد :
    - لا تغرنكم قوتكم وضعفنا ، فيعد قليل سيصل جنود " الصبايحية " الذين سيشرفون على الوسق و ساعتها لن ينفعكم الرجاء.
    وفهم كبيرنا وعيد الرجل و تهديده فطلب منا أن نكف الأذى عن هذا الخلق لعل بعض الخير يلحقنا جراء ذلك . ووافق الرجال بعد أن عادوا مرة أخرى إلى تفقد ما حوته الغرائر فوجدوه ترابا يميل لونه إلى الأصفر الغامق فزاد اعتقادهم في أن ما تحمله الجمال كان ذهبا قبل أن يسحره " الرومي " ويحوله إلى تراب. ورأى المترجم الشك في أعينهم فقال لهم و في لهجته حسم للموقف :
    - دعونا نمر حتى لا يفوتنا ميعاد الباخرة فتحل عليكم لعنة فرنسا.
    و كرر المترجم هذا الاسم أكثر من مرة مصحوبا دائما بالتهديد فسأله كبيرنا :
    - و من تكون " فرنسا " هذه ؟
    فرد عليه حاسما:
    -هي التي شرتنا من الباي . لقد باع لها الباي البلد و العباد فصارت كلمتها هي العليا على كامل الإيالة.
    وعاد ينصحنا بالتسليم لمشيئة الباي و بمبايعة فرنسا سلطانة على كامل تونس.
    و أثمر هذا التهديد . فقد لاح التسليم في العيون .
    و لكننا عدنا نسأل إن كانت هذه البيعة ستسمح لنا بالعودة إلى ديارنا فرعدنا خيرا بعدما تشاور مع الفرنسي. و أكد لنا أنه سيصحبنا معه لنعيش معهم في البوادي التي يملكها " الهمامة " . وصدقنا الرجل .نزل حديثه على قلوبنا بردا و سلاما فأطلقنا بقية الرجال و نحرنا أول جمل صادفنا في الطريق و أشعلنا الجيران وفاح الشواء و غطت رائحته المكان . فأكلنا و أكل معنا رجال القافلة ثم أخرجنا الطبول وانهمكنا في رقص محموم إلى أن طلعت نجمة الصبح.
    اختلى كبيرنا بالفرنسي و مترجمه ليحكي لهما قصتنا . و في الصباح ، ونحن نساعد رجال القافلة على تحميل الأثقال على الجمال فتح كبيرنا في وجه الفرنسي قبور الأجداد. رأى الرجل الملح قد غطى الوجوه فرفعه وعرى على العيون . قفز إلى الوراء مرتبكا حين رآها تنظر بثبات إلى الشفق الذي تلألأ بالأنوار.
    واتجهت القافلة جنوبا . و نحن ورغم إيماننا يصدق المترجم نعجب لهذه الجمال المحملة ترابا و نرد على تحيات " الرومي " بأحسن منها. رأيناه يحرك يديه يمينا و شمالا وهو يردد في نغمة سحرية :" باي ... باي* ... " فأطلقنا وراء ظهره أصواتنا الغليظة : " باي يا رومي باي " ظانين كل الظن أنه " الباي " الجديد الذي نصبته فرنسا حاكما علينا.
    بعد أسبوع عادت القافلة للتزود من ماء النبع فجمعنا بقية أدباشنا و حملناها على الجمال وودعنا الموتى وسرنا وراء الحادي إلى أن بلغنا مضارب قبائل " الهمامة " قريبا من جبال " الثالجة " فاستأذنا من شيخ قبيلة " أولاد بويحي " في الانتصاب في تلك الوهاد فأذم لنا . و خرجت القبيلة برجالها و نسائها و فتباتها و فتيانها للفرجة على هذا الفصيل من البشر ذوي الجلود السوداء الذين وصلوا مع القافلة العجيبة التي ذهبت تحمل ترابا و عادت محملة بشرا سودا. و يعجبون للأمر.
    و ظلت حكايتنا حدبث السمر في نواحي البادية إلى أن عاد " فيليب توماس "** من فرنسا مزهوا بانتصاره على هذه الطبيعة القاسية . أثيتت التحاليل المخبرية أن هذا " التراب " صالح للاستعمال التجاري و أنه سيدر ذهبا على مستغليه. و انفتحت أبواب هذه المجدبة أمام فرنسا فجاء رسلها من الجهات الأربع .
    فاوضوا رؤساء القبائل على شراء الجبال على أن يتركوا قطعان الإبل و المعيز ترعى النباتات العالقة بين الصخور.
    و أقسم المفاوضون للشيوخ الخائفين من حراب " القياد " و بواريد " الجندرمة " بأن سهولهم لن تمس بسوء و بأن مباني الشركة لن تكون أبدا قريبة من مضاربهم .


    ************************

    Bay bay - *

    فيليب توماس : بيطري فرنسي (1843 / 1910 ) - **
    اكتشف مخزونات الفسفاط في الجنوب الغربي التونسي سنة 1885 . و في سنة 1990 سميت محطة المتلوي باسمه تكريما له.[/
    color][/size][/size]

    التعديل الأخير تم بواسطة فايزة شرف الدين ; 31/07/2008 الساعة 11:04 PM

  2. #2
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    أولا قبل أن أعلق على هذا الفصل .. أرجو المعذرة لأني قمت بتعديل حجم الخط .. ليتسنى لي القراءة بسهولة .. وقد وجدت متعة في القراءة دون معاناه هذه المرة .
    هذا الفصل تمتعت بقراءته جدا ، ويبدو فيه دراستك المتعمقة واضحة لتاريخ تلك البادية ، وهذا الجهد الكبير في تجميع المعلومات التاريخية والجغرافية ، ورغم ما يبدو من غرابة في الأحداث .. إلا أن هذا الفصل بالذات يتسم بالواقعية ، ويصور تفكير هؤلاء الناس الساذج ، وخيانه البابوات أو البايات أي كان الجمع ..
    أرجو المراجعة على النص مرة أخري وتنقيحة لأنه يوجد كثير من الأخطاء المطبعية أثناء الكتابة والنقل .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    [/SIZE]

    التعديل الأخير تم بواسطة فايزة شرف الدين ; 31/07/2008 الساعة 11:05 PM

  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    شكرا اختنا فائزة على هذه المتابعة الجادة
    أسعد دائما بتعليقاتك

    لك ودي الكبير


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •