Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل الثامن

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل الثامن

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل الثامن

    وراء السراب ... قليلا

    رواية

    ابراهيم درغوثي




    الباب الثامن



    و يتحدث عن خروج سعد الشوشان إلى المتاهة بحثا عن بقايا أموات " أمة السودان " أيام التيه العظيم ، و ما جرى في المجدبة .
    و حكايات عن الهواتف التي كلمته و عبر لمن يعتبر.




    قضى " سعد الشوشان " ثلاثة أيتم في ضيافة " عزيز السلطاني "مبجلا مكرما و في صبيحة اليوم الرابع طلب منه أن يصحبه إلى سوق الدواب.
    قال : سأشتري سبعة جمال و سأبحث للبحث عن جدودي في المجدبة القريبة من " شط الجريد " . و لم يرد " عزيز " عن قوله بشيء إلى أن وصلا إلى السوق.
    اختار سعد الجمال و دفع الثمن المطلوب لصاحبها قطعا ذهبية فابتسم الجمال في وجهه و أوصل معه الجمال إلى الساحة القريبة من قصر " سلطان ".
    في طريق العودة قال له عزيز :
    - لماذا لا تستعمل السيارة في البحث عن أجدادك ؟
    فرد عليه :
    - السيارة لا تعرف طريق الأجداد يا صاحبي
    وودعه أمام الباب الكبير قائلا :
    - اعلم الشرطة عن غيبتي إذا لم أعد بعد سبعة أيام.
    و ساق الجمال أمامه بعد أن وضع على ظهورها توابيت و قرب مملوءة ماء و أكياس طعام و علق في أعناقها تمائم وجدها في بيوت العبيد.
    وارتفع الحداء وراء الجمال فهزت أعناقها و حركت ذيولها و ضربت بأخفافها الرمل و يممت شطر الصحراء.
    سار سعد ثلاثة أيام بلياليها وراء الجمال إلى أن وصل إلى نبع الماء . رأى النخلات العجاف فحط عن الجمال أثقالها و نصب خيمته في ظل الشجر المبارك و نام على الأرض فوق كثيب من الرمل الناعم. نام كما لم ينم في حياته نوما هادئا عميقا إلى أن حطت تباشير الفجر فقام من نومه أخف من طائر السنونو . رأى النجوم تتدلى فوق رأسه و تبرق كفوانيس الكهرباء اللماعة . و أحس بهدوء الصحراء فحطت السكينة على قلبه وامتلأت روحه بالطمأنينة و الهناء.
    قال : حي على خير العمل .
    و مشى وراء رائحة الأجداد الخارجة مع نبض الأرض الطرية بندى الصبح .
    طاف حول النبع و تتبع خطى العراف وشم قدح الزناد ورائحة النار و أكل من تمر النخل الصابر في قلب الصحراء و شرب من ماء النبع و أطال الطواف بالمكان مستكشفا يسائل الطلل عن الذين مروا من هناك إلى أن انتصف النهار فهطلت من السماء أشعة حارة كنار الجحيم فاتقى الحر بمظلة و قرر أن يتحرك في ممر قصير بين النخلات ونبع الماء . و لم يدر من أين يبدأ البحث فالمنظر واحد و القلب مضطرب والرمال تمتد على مرمى البصر. كثبان صغيرة هنا و أخرى عالية هناك خطت عليها الرياح رسوما بديعة . خطوط متناسقة تناسقا أخاذا . رسم سوريالي تحط عليه العين فلا تكل و لا تمل.
    و لم يعرف سعد كيف يفك رموز هذه الصحراء فظل يراوح في سعيه بين الماء و النار إلى أن هده التعب فذهب يستريح تحت خيمة نصبها على عجل قريبا من مبرك الجمال . و مرت القيلولة بطيئة ، ثقيلة ، لا طعم فيها و لا رائحة كالهم على القلب فقرر في لحظة يأس أن يجمع أدياشه و يعود من حيث جاء. و صفرت ريح " الشهيلي " قريبا من أذنيه فحركت أبواب التوابيت الفارغة و ألهبت النار في قلبه فمسح العرق السائل على جبينه و غفا جالسا على الرمل . ظل نائما إلى أن هدهده نسيم الليل البارد فأفاق. كانت النجوم تملأ السماء . نجوم كبيرة . براقو . نجوم قريبة منه يكاد يلمسها بيده . نجوم تشتعل بنور يخلب الألباب . التفت ناحية جماله فرآها هادئة تجتر علفها و تسبل جفونها على العيون كلما حركت النسائم الغبار . و اشتهى المشي في ساعات النهار الأولى فقام واقفا و مشى في الصحراء التي امتدت أمامه بلا نهاية . مشى ساعات و ساعات دون أن يدركه التعب إلى أن شق ضياء الفجر كبد السماء فعاد أدراجه متخما بالنشوة و السعادة. مشى وراء أقدامه المطبوعة على الرمل إلى أن وصل إلى النبع . كان جائعا فأكل من زاده ما تيسر و عطشان فشرب من القرب المعلقة على سارية الخيمة. وعاد يطوف قرب النبع . هو يذكر أن قبور الأجداد كانت غير بعيدة عن الغدير . و لكن الرمال المتحركة غيرت شكل المكان فلم يعرف من أين يبدأ الحفر . راوح في اختياراته بين يمين الغدير و شمال النخلة الباسقة . حفر هنا . حفر هناك .عزق الأرض بفأسه . نبش التراب بيديه . كل يوم ، من أول النهار إلى طلوع القمر كان يبقر بطون الأرض . و الأرض تعاند و لا تبوح بسرها . و يكابر . فيعود من جديد للحفر و النبش و تقليب الرمال . و ترفض الأرض أن تفتح له أبوابها فيتمسك بعناده إلى أن كاد يموت . نقص زاده و أصابه إسهال شديد بعد أن شرب من ماء النبع . و احمرت عيون الجمال و هاجت ، فقرر العودة .
    قال : إذا أعود إلى " عتيقة " ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
    و افترش الرمل و أغمض عينيه فنام كما ينام الوليد.
    قبل الشروق بقليل ، أفاق مبهوتا ، شاحب الوجه فقد زاره في المنام رجل يكاد بعرفه و لكنه يهرب من الذاكرة في كل حين . أمسك بيده و قاده في المتاهة إلى أن وصل إلى كثيب من الرمل الأصفر حيث نبتت شجرة طلح كبيرة . أوقفه تحت ظل الشجرة و قال : احفر هنا .ستجد أجداث جدودك يا رجل .
    و غاب كما جاء.
    قال سعد : سأبحث عن كثيب الرمل الأصفر حتى أجده و عن شجرة الطلح حتى أقف تحت ظلها . و ساح في المتاهة النهار بطوله .
    عاد مع غروب الشمس فتقوت و نام.
    و عاوده حلم الليلة السابقة . رجل شفيف كالهواء يأخذ بيده و يقوده إلى كثيب الرمل الأصفر و يأمره بالحفر تحت الشجرة . و سعد يبحث عن الشجرة المستحيلة فلا يعثر لها على أثر . كان كل يوم يمعن في الابتعاد عن النبع إلى أن حدثه الصوت شفيفا كصاحبه :
    - انظر وراءك و ستجد الشجرة يا أعمى .
    و نظر وراءه فرأى شجرة مسودة كأنها طلعت لتوها من قلب الأرض.
    قال : هذه شجرة نسيتها رحمة السماء .
    و أخرج معوله من جرابه و بدأ في الحفر.
    ضرب الأرض بخفة القلق الباحث عن اليقين فلان التراب بين يديه . و تمادى شاقا بطن الأرض بحديده إلى أن دوى الصوت الشفيف مرة أخرى داخل أذنيه أن كفى . خفف الآن الوطء وانبش التراب بيديك فهذا الثرى من لحم ودم.
    و ظهرت أجساد الأموات تحت طبقة الملح.
    كسر سعد قطع الملح التي تيبست على الوجوه فرأى شبح ابتسامة مرسومة على الشفاه المحنطة . و أخرج الأجساد من حفرها وهي تطن طنين الفخار المشوي و أرقدها على الرمل . خاف أن تتفتت هذه الأجساد المتيبسة إلى قطع صغيرة ساعة إدخالها في التوابيت فحركها بحذر شديد وهو يقول :
    - سادتي الأعزاء ، اغفروا لي تطفلي و اتركوني أنعم بفرحة ترحيلكم إلى مقبرة يذكر فيها اسم الله.
    والتفت صوب الرجال السبعة النائمين داخل التوابيت فرأى الابتسامات تكبر فوق الشفاه المحنطة ، فشد التوابيت على ظهور الجمال و أحكم الشد و نهر الجمال فقامت واقفة وارتفع رغاؤها و هديرها.
    لاين سعد جماله ، ووضع في أفواهها السكر و الحلوى و ساقها أمامه فتحركت تخطو خطوا بطيئا ثم حثت السير لما ارتفع وراءها صوت الحادي الشجي.
    مشت القافلة يومين دون أن تستريح و كان سعد كلما رأى ارتخاء الخبال يشدها حتى لا تقع التوابيت على الأرض فتتفتت هذه الأجسام الهشة و يضيع الجهد فوق رمال الصحراء.
    في اليوم الثالث ، عن للفحل ترك المسرب الممهد منذ مئات السنين بخطى البشر و الدواب والمغامرة لاكتشاف درب جديد . درب شم رائحته من بعيد . رمله طري و هش و ترابه أحمر كالزعفران . وسار الفحل يشق الدرب الجديد فسارت وراءه بقية الجمال . و صاح سعد كالمجنون ولوح بيده و عصاه في وجوه الجمال محاولا ثنيها عن المضي في هذه الطريق المجهولة. لكن الفحل أرغى و أزبد و حرك رأسه مهددا متوعدا. فولى الرجل خائفا مرتعدا و ترك لهذه الحيوانات المجنونة أن تختار سبيلها فاندفعت الجبال نحو المجهول. و جرى سعد خلفها يلهث.
    و ابتلعت الصحراء قرص الشمس الكبير تاركة في الشفق حمرة قانية. و هبط الظلام على الأرض و ملأ الكون رهبة و جلالا.
    في الأفق البعيد أطل قرن الهلال خجولا مرتبكا . و هدأت حركة الجمال فعادت إلى رتابتها . و فاحت رائحة الشيح فملأت المكان بخدر لذيذ.
    فجأة هز انفجار رهيب سكون الصحراء . لمعت نار تحت خف الجمل الفحل و انفجر اللغم فهز الجمل و ما عليه عاليا في السماء . و جفلت بقية الجمال فجرت في كل الاتجاهات وهي تدوس على الألغام التي دسها جنود الحلفاء لدبابات هتلر فانفجرت تحت الجمال.
    و تحول ظلام الصحراء إلى كون من الأنوار الساطعة.
    دام اشتعال الأنوار ساعة ثم عاد الظلام يحط على الكون. و فاحت رائحة الدم و البارود مدة ثم ذهبت مع الريح.
    و بقي سعد في مكانه يبحلق ملء عينيه في هذا التناوب بين الظلمة و النور غير مدرك لما يجري . وظل واقفا إلى أن طلعت تباشير الصباح فعاد إليه الرشد. رأى منظرا غريبا . أشلاء الجمال في كل مكان تملأ السهل الرملي على مد البصر و لكن لا أثر للتوابيت . بقي مدة يبحث بعينيه في كل الاتجاهات ثم عاد أدراجه خائفا يضع رجليه فوق آثار أخفاف الجمال إلى أن وصل إلى المسرب الممهد فحث السير إلى ان قابلته أبواب " عتيقة ".
    كان أشعث أغبر ، مهدود القوى حين طرق باب القصر القديم، قصر سلطان وظل يطرق بكلتا يديه إلى أن فتحت الباب امرأة صغيرة . امرأة لا يزيدطولها عن شبر و بعض شبر. كانت تضع على رأسها مظلة من سعف النخل و تتكلم بسرعة فكأنها تأكل الكلام أكلا وهي تقفز كالسعدان . سلم عليها فردت عليه السلام و سألها عن عزيز السلطاني فقالت إنها لم تره منذ نصف قرن . و تسبقته إلى أن وصلت كتفه ووشوشته في أذنه كلاما فزع له أشد الفزع . و فرت، فلحقها . ودفع دفة الباب و جرى وراءها حتى وصل ساحة القصر. قابله الخراب في كل مكان فوقف يسترجع أنفاسه. ظل واقفا في مكانه مدة طويلة إلى أن تناهى إلى سمعه هديل حمام . رفع رأسه فرأى على شرقات القصر الخربة سربا من الحمان ذو وجوه آدمية يهدل و ينوح.
    قال سعد الشوشان :
    - الآن بلغت الأمانة
    و غادر القصر ، فأز الباب وراء ظهره و انغلق بضجيج و جلبة.


  2. #2
    كاتبة / عضو المجلس الاستشاري سابقاً الصورة الرمزية فايزة شرف الدين
    تاريخ التسجيل
    16/10/2007
    المشاركات
    1,325
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    رائع جدا تصوير الصحراء .. وهذا المزيج بين الكلمات العربية الجذلة ، وبين العبارات البسيطة .
    لن أضيف على تعليقي الكثير .. فقط أرجو المراجعة للأخطاء المطبعية عند النقل ، ولفت انتباهي هذه العبارة .
    "سأشتري سبعة جمال و سأبحث للبحث عن جدودي في " .. أعتقد أن سأبحث كنت تريد كتابة كلمة سأجد أو مرادف لها .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    نعم أختنا فائزة :
    سأذهب للبحث عن جدودي

    لك المودة و التقدير


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •