آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من مقامات مجنون العرب

  1. #1
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي من مقامات مجنون العرب

    من مقامات مجنون العرب
    عنترة يسحق عقربة.. حاولت بوقاحة أن تصاحبه!

    بقلم : حسن توفيق


    بكل شموخ، رفض عنترة.. أن يجعل من جسده العملاق قنطرة.. تعبر عليها مواكب العقارب.. لكي تبث السم في أجساد بعض الأقارب.. بل إنه سحق بإحدى قدميه عقربة.. حاولت - بكل وقاحة - أن تصاحبه.. حيث تغزلت بجسده البرونزيّ.. وقالت له: ما أجملك أيها الأسمر الديمقراطيّ.. وبعد قليل نعقت مجموعة من الغربان.. فسقط على قفاه رجل جبان.. يتظاهر عادة بأنه قد أوتي الحكمة.. مع أنه دائما يبحث عن قطعة لحم أو عظمة.. وقال الجبان بعد أن نهض واعتدل وقام.. «ما بنا طاقة لامتشاق الحسام».. وبعد دقائق من الصمت المريض.. شاهد الناس وميضا تلو وميض.. ثم عرفوا أن بعض الذين كانوا يلهون.. قد احترقوا وهم يرقصون.. وعلى الرغم من شراسة الأخطبوط.. وقدرته الشريرة على الإمساك بكل الخيوط.. إلا أنه أدرك أنه أصبح في ورطة.. وأنه صار مثل القطة.. عندما تشتعل في ذيلها نار.. فتظل تصرخ وهي تجري من دار إلى دار.. وفي غضون لحظة، حملت الريح.. صوتا أثقلته المعاناة والتباريح.. وعلى امتداد الصحاري والسهول.. أخذ هذا الصوت يرتفع ليقول:

    «لا تصالح.. ولو قال من مال عند الصدام

    ما بنا طاقةٌ لامتشاق الحسام..

    عندما يملأ الحقُّ قَلبَكَ.. تندلع النار إن تَتنفسْ

    ولسان الخيانة يخرسْ

    لا تصالح.. ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

    كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنسْ؟

    كيف تنظر في عينيْ امرأةٍ..

    أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

    كيف تصبح فارسها في الغرام؟

    كيف ترجو غداً.. لوليد ينام

    كيف تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام

    وهو يكبر - بين يديك - بقلب منكسْ؟

    لا تصالح.. ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام..»

    صرخ المجنون بفخر.. هذا صوت صديق من أغلى أصدقاء العمر.. فسأله عنتره وهو شبه حائر.. من يكون هذا الشاعر؟.. إنه ليس من شعراء عصري الغابر.. فأجاب المجنون قائلا: إن هذا الشاعر.. ممن عاشوا أوجاع هذا الزمن الحاضر.. وإن اسمه أمل دنقل.. وهو صاحب مقولة: لا بد أن تَقْتلَ الطامعين فيك وفي أرضك حتى لا تُقتل.. .. فأكد عنترة وقد اكتسى وجهه بنور الرجاء.. أنه رغم وجود كثيرين من الجبناء.. إلا أن الأرض العربية تنجب الشرفاء.. سواء أكانوا من الشعراء.. أو من الناس الطيبين البسطاء.

    فجأة فاحت في الجو رائحة خزامى وياسمين.. وحملت أجنحة النسيم برقة ولين.. صوتا نسائيا عذب الإيقاع.. تسلل بنعومة إلى الأسماع:

    «أنا - والله - أصلحُ للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيَها وأُمكِنُ عاشقي من صحن خَدِّي وأعطي قُبلتي مَنْ يشتهيهَا»

    اغتاظ عنترة مما استمع.. وقال للمجنون: هل هذا وقت للدلع؟.. وسأله: هل تعرف هذه الشاعرة؟.. فأجاب المجنون إنها امرأة جميلة وساحرة.. واسمها ولادة بنت المستكفي .. وهي لا تستطيع أن تكتم ما في قلبها أو تخفي.. فاحتد عنترة قائلا: هذا يكفي!.. هل هذا وقت لتقبيل الخدود.. أم وقت للدفاع عن مجرد الوجود.. بعد أن استبيحت كل الحدود؟

    رغم إدراك المجنون أن الظلمات مُسَمَّرة.. إلا أنه حاول أن يخفف الضيق عن عنترة.. لكي يستعيد روحه المستبشرة.. فقال إن ولادة ليست امرأة لاهية.. لكنها تحب أن تتباهى بأنوثتها الطاغية.. وقد أحبها ابن زيدون .. وتغزل فيها بشغف وجنون.. لكنها هجرته فأحس بلوعته العاشقون.. وتغنى بأشعاره المطربون.. خاصة وأنه كتب عنها أجمل القصائد.. وإن كانت قد تسببت فيما حيك ضده من مكائد.

    حين عرف عنترة حكاية ولادة مع ابن زيدون.. تفتحت في قلبه أزهار حبه المكنون.. فاشتاق لوجه عبلة الحلوة.. وبسمتها الصافية المجلوة.. فطلب من المجنون.. أن يسمعه بعض ما قاله ابن زيدون.. وبدأ المجنون الإنشاد.. في حضرة عنترة بن شداد:

    الصدُّ يبعدنا.. والشوق يدنينا

    يا جنةَ الروح يا أحلى أمانينا

    ماذا أقولُ.. وقد كانت لنا صورٌ

    على الضفافِ وكان الحب يسقينا

    كنا نغني ووجهُ البدرُ يؤنسنا

    والأرض خضراءُ تُهدينَا رياحينا

    والآن مذ أطلقَ الحسادُ أسهمَهُمْ

    ولم يعدْ قلبُكمْ يدري بما فينا

    «بنتم وبنَّا فما ابتلتْ جوانحنا

    شوقاً إليكم ولا جفتْ مآقينا

    نكاد حين تناجيكم ضمائرنا

    يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

    حالت لفقدكمو أيامُنا فغدتْ

    سوداً.. وكانت بكم بيضاً ليالينا»

    يا ليلَ قرطبةٍ هل كنتَ تحسبها

    يوماً ستنسى غراماً كان يحيينا

    في قلبِ أندلسٍ أصحو بلا وطنٍ

    ولاَّدةٌ أحرقتْ بستانَ ماضينا

    ضلَّتْ خطانا مع الطوفان موقعها

    لم تبقَ تصحبنا إلا مآسينا

    .. شرد ذهن عنترة مما استمع إليه ووعاه.. لكنه عاد بسرعة إلى اليقظة والانتباه.. وقال للمجنون وهو يتصنع ابتسامة.. لم تَحْلُ لها على شفتيه الإقامة.. يبدو أن الحب.. أشبه ما يكون بالحرب.. ففيه من ينتصرون.. وفيه من ينكسرون.. كان الله في عون ابن زيدون.. وسامح الله ولادة.. على ما فعلته بقصد وإرادة.. وربما دون إرادة.. ويبدو أن مآسينا العربية.. تتناسل كالنباتات الشيطانية.. ولكن الأكيد.. أن الخطر الآن شديد.. انظر يا مجنون إلى الجراد.. كيف طغى وساد.. وانظر إلى الأخطبوط.. وتذكر أنه يطغى لكي يتقي السقوط.. وفي النهاية فإني أسألك ولا أطلب منك أن تجيب.. طالما أنك توشك على البكاء والنحيب.. كيف يمكن أن يأتي الربيع.. إذا لم يتنبه الآن الجميع؟!.


  2. #2
    مترجم / أستاذ بارز الصورة الرمزية معتصم الحارث الضوّي
    تاريخ التسجيل
    29/09/2006
    المشاركات
    6,947
    معدل تقييم المستوى
    24

    افتراضي

    الأخ الفاضل عبد الوهاب
    أشكرك كثيرا وأنت تنشرُ بعضا من إبداعات أبي الروحي الأستاذ حسن توفيق.

    فائق تقديري

    منتديات الوحدة العربية
    http://arab-unity.net/forums/
    مدونتي الشخصية
    http://moutassimelharith.blogspot.com/

  3. #3
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    حياك الله اخي معتصم وبارك الله فيكي وفي استاذنا حسن توفيق
    محبتي واعتباري


  4. #4
    ناشر وشاعر الصورة الرمزية محمد حسين بزي
    تاريخ التسجيل
    12/03/2007
    المشاركات
    578
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الأستاذ النبيل عبدالوهاب محمد الجبوري
    بعد التحيّة والاحترام

    نصٌ متين محبوك بالألم الدفين؛ والأمل المرتجى ..
    وأظنه نواة صالحة لعمل مسرحي من الطراز الرفيع، فالمحاكاة الشعرية واضحة في ثناياه، والتوصيف دقيق ولو بالرمز.
    سلمت ودمت مع وافر احترامي

    إلهي علمني كيف أحيا..؟
    لأتعلم كيف أموت.





    محمد حسين بَزِّي

  5. #5
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    اخي الغالي حسين بزي .. تشرفت بمرورك ورايك القويم .. متمنيا لك دوام الصحة والسعادة وتقبل تحيات اخيك ابو محمد
    جامعة الموصل


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •