آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: سر رفع عيسى في الفرق ما بين الوفاة والموت

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    سر رفع عيسى في الفرق ما بين الوفاة والموت

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سر طول العمر لعيسى عليه السلام في الوفاة الطويلة قبل الموت
    وفاة عيسى عليه السلام ورفعه
    قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران.
    الفرق بين الوفاة والموت هو أن الموت للجسد، فيصبح بلا روح، والوفاة للروح بالحفظ لها، وفي كلا الموت والوفاة مفارقة للروح عن الجسد، وقطع للرابط بينهما، فإن كانت هذه المفارقة بين الروح والجسد دائمة فهو الموت للجسد، وإن كانت هذه المفارقة قصيرة فهي النوم، أو كانت طويلة ولكنها ليست النهاية، فهي الوفاة أيضًا، كما حدث لعيسى عليه السلام، فكل ميت متوفى وليس كل متوفى بميت.
    يقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر.
    ولما كانت الوفاة تعني الحفظ، وهذا الحفظ هو للحساب والجزاء يوم القيامة، ولما كان من يبلغ أرذل العمر ويفقد علمه يصبح ممن رفع عنهم القلم، وهذه الزيادة في عمرة لا يؤاخذ عليها قدم تعالى الوفاة على بلوغ أرذل العمر ومنها هذه الآية: (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل، فانظر إلى مراعاة الله تعالى لأسباب التسمية ودقتها، فإنه تعالى هو الذي علم الإنسان البيان.
    ولما نظر الكفار إلى موت الجسد أنكروا بعث الناس إلى الحياة مرة أخرى، فرد الله عليهم مقولتهم ببيان ما يحدث للميت؛ بلاء للجسد، وحفظ للروح؛ فقال تعالى : (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) السجدة.
    وإذا كان في الموت الوفاة للروح خارج الجسد فكيف يكون في النوم الوفاة أيضًا؟
    الروح من مادة"روح" وهي مستعملة فيما يرى أثره ولا تبصر ذاته، تعرف بما يدل عليها، وليس بإبصارنا لها، ففي النوم حبس لها وتعطيل لأدائها، ويكون النائم بحكم الميت، فلا تحكم لها في الجسد، ويكون النائم فاقدًا لوعيه، فلا يحس بما حوله، في هذه الحالة تكون الروح في حالة وفاة، أي محفوظة بلا عمل، والحفظ لها إما أن يكون في جسد النائم، أو خارجه... وتحسب هذه الوفاة من عمره.
    والمتوفى لا يعلم ما يدور حوله أو بعده؛ قال تعالى : (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة.
    أما في الموت فيكون حفظ الروح خارج الجسد بعيدًا عنه، لذلك يتعرض الجسد بعد ذلك للتحلل، والتحول إلى التراب مرة أخرى، إلا من عطل الله فيه فعل الجراثيم والميكروبات في تحليل جسده، لأجل قصير أو طويل، أو تحول إلى التراب من دون فعلهما به.
    قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55﴾ طه.
    وإلى الآن لم يمت أحد في الفضاء؛ فكل رواد الفضاء الذين هلكوا كان هلاكهم قبل الوصول إلى الفضاء، أو بعد العودة منه، فعادت جثثهم إلى الأرض.
    فالله سبحانه وتعالى قال لعيسى عليه السلام: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران.
    فالله عز وجل يبين أن الذي حدث لعيسى هو الوفاة، وحتى لا يفهم من الوفاة حفظ للروح فقط، والسكوت عن مصير الجسد، فقال ﴿ورافعك إلي ﴾ ليبين تعالى أن الجسد نال الحفظ أيضًا، وإعلام الله لنا برفع عيسى عليه السلام إليه لم يحدد فيه مكان الرفع، فالله تعالى إله في السماء وفي الأرض، وله ملك السموات والأرض، فأينما وضعه الله وحفظه فلن يخرج من ملك الله.
    والرفع هو زيادة تكون في المقدار أو العطاء أو المنـزلة؛ فرفع قواعد البيت الحرام هو الزيادة عليها، وكل سطر من حجارتها هو قاعدة وأساس لما فوقه، ورفع بعض الناس على بعض بإعطاء بعضهم من المال، أو الملك، أو العلم أكثر من بعض، ورفع الأنبياء بعضهم على بعض بما خص كل واحد منهم، كتكليم الله تعالى لموسى عليه السلام في الأرض من دونهم، وإنزال الكتب على بعضهم، وبالعلم الذي أعطي لهم، وبكثرة من اتبعهم، ورفع عيسى عليه السلام في زيادة في عمره أولاً، وفيه أخذه للقرآن بعد نزوله، فوق أخذه للتوراة والإنجيل من قبل الرفع.
    أما رفع السماء فهو الزيادة في كمها بحيث زاد سمكها، وارتفع سقفها، لأن بداية السماء هو وجه الأرض .... وتفصيل ذلك موجود في كتابنا: (حقيقة السموات كما صورها القرآن)، وقد طبع حديثًا؛ عام 2006م.
    وبين تعالى أن هذا الذي جرى لعيسى عليه السلام هو تطهير له من الذين كفروا، فأتباع عيسى عليه السلام كانوا من الضعف والقلة التي لا تمكنهم من حمايته حيًا، وحفظه ميتًا، ومنع العبث بجسده لو قبض الله روحه وتوفاه، بل إن لمس جسده الطاهر من كفار هو نجاسة له، فقد أقسم أحد الصحابة رضي الله عنهم هو عاصم بن ثابت رضي الله عنه بعد إسلامه ألا يمس مشرك، ولا يمسه مشرك، وقد استشهد رضي الله عنه بعيدًا عن المدينة، وكان خارجًا في سرية هو قائدها، فأراد المشركون التمثيل بجسده، وأخذ جزء منه، فبعث الله ظلة من دبر على جسده، فلم يستطع المشركون أخذ شيء منه، فأجَّلوا فعلهم إلى الليل، فأرسل الله عز وجل عليه في الليل مطرًا جرف جثته وأخفاها... هذا ما فعله لمن أقسم بالله ألا يمس جسده مشرك بالله وهو حي، فأبر الله بقسمه، وحمى جسده من المشركين وهو ميت، كما حماه منهم وهو حي، فما بالك بمن سماه الله المسيح، ووصفه بأنه كلمته؟!، فمن هذا الذي يخترق درع الحماية الربانية ليصل إلى عيسى عليه السلام لقتله، أو لمس جسده حيًّا كان أم ميتًا؟!، فقد أرجأ الله عز وجل أمر موت عيسى ابن مريم عليه السلام إلى زمن آخر، يكون موته فيمن يستطيعون حفظه، والقيام بما يجب نحوه إذا توفى بين أيديهم.
    وقد كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مصيبة كبيرة على المسلمين، وكأنهم لم يهيئوا أنفسهم لمجيء هذا اليوم الذي لا بد منه، وما زلنا إذا ذكرت قصة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتفاصيل أحداثها تغلبنا دموعنا فتخرج رغمًا عنا، وقد مهد الله عز وجل لهذا اليوم بقوله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران، ولم يحس المؤمنون بما تشير إليه هذه الآية، وكأنها ليست في القرآن، لأن أنفسهم لا تريد هذه المفارقة، حتى ذكرهم بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال مخاطبًا لهم: من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ثم تلا الآية فأيقن الصحابة رضي الله عنهم موته صلى الله عليه وسلم وكأنهم يسمعونها لأول مرة .... وما تمنيت في حياتي أمنية كأمنيتي أن أكون في ثبات أبي بكر رضي الله عنه في هذا الموقف الجلل، الذي انهار فيه عظماء الرجال، وأن أكون صاحب الكلمة التي قالها، وما لي عمل أتقرب به إلى الله تعالى سواها..........
    أبو مُسْلم/ عبد المجيد العرابلي

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 01/12/2008 الساعة 08:55 AM

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •