الأستاذ الدكتور محمد عبد الحي هذه الأفتتاحية رائعة بالفعل من حيث الموضوع والمعالجةلكني أعقب بالأتي :
التحليل يبدو متابعا جدا للشأن الجامعي دون أن يفرق بين الجامعة في بلد عربي أو أوروبي وأظن التحليل يتناولها بلأساس لأننا كعرب ببساطة أغلب بلداننا لم تدرك عصر جامعة النخبة ولكن حاولت بناء الجامعة الجماهيرية بعد خروج قوات الاحتلال المباشر الأوروبية أواسط القرن الفائت
لكنني أظن الجامعات الجماهيرية العربية حاولت التمسك بأهداب منظومة القيم الخاصة بجامعة النخبة الأوروبية بأعتمادها في البدايات علي المحاضرين الأجانب وبعض المجايلين لهم من أبناء جامعة القاهرة التي ربما أدركت نخبوية الجامعة الاوروبية بتأثر جيلها الأول بأوروبا ومن هذا الجيل بالذات لطفي السيد وطه حسين
لكن التحولات في منظومة قيم جامعاتنا لا أظنها تنحصر تأثرا في العولمة وتورط الجامعة في التدريب والتأهيل بل بطبيعة دور الجامعة المتصور لدي النخب السياسية الحاكمة في بلداننا , يقول المرحوم جمال عبد الناصر " إن الجامعات ليست أبراجاُ عاجية لكنها طلائع تستكشف للشعب أفاق المستقبل" ونظر عبد الناصر لجامعة الجماهير كحصن أساسي تتمترس خلفه القوي الأجتماعية صاحبة المصلحة في التحول الثوري الأشتراكي وأدخلت الجامعة من ثم في خضم معركة المجتمع كله من خلال منظمة الشباب وهي تجربة في غاية الأهمية علي قصر امتدادها الزمني وأصبحت الجامعة مصدر قوة للنظام في مواجهة القوي الأجتماعية المضادة للتحول و المتضررة منه .هذه الجامعة نفسها كانت مصدر الأحتجاج علي خروق النظام للحريات العامة والتفاف بعض المنتسبين له علي مكتسبات المجتمع الذي دفع بأعداد هائلة من أبنائه الي رحم الجامعة .الجامعة 1968 وتحت إلهام ثوة طلاب المجر رفعت لواء التغيير وتنظيف البيت من الداخل قبل معارك التحرير وهي نفسها الجامعة التي أحرجت نظام يوليو الثاني بعد موت ناصر ودفعته ليواجه الجماهير وحرضت النخبة العسكرية علي التململ من أوضاع ملتبسة وغير واضحة. قادت ضغوط الجامعة بالقصور الذاتي الأمور الي منجزات عمليات أكتوبر 1973 .أذا ما أود أن يضاف للحمة هذا التحليل الممتاز محددات أخري خاصة بعملية تحول منظومة القيم الجامعية ,في عالمنا العربي ظروف متداخلة جعلت الجامعة تحت مجهر السلطات دائما وأخص هنا التجربة المصرية التي انتهت برغبة السلطة في اخراج الجامعة تماما من حلبة الصراع الأجتماعي وأعتماد عصي الأمن الغليظة في فرض خيارات الحاكم علي المجتمع كله بديلا ومحاربة أي مظاهر استقلال لدي الجامعة طلابا واساتذة وفنيين واداريين
والملحوظ أن الأداء العلمي للجامعة لم يختل كثيراً خلال فترة سباحة الجامعة في خضم الصراع الأجتماعي من أربعينيات القرن وبروز قوة الطلبة والعمال خاصة مع أحداث 1946 ثم التفات قوة العسكريين الثائرين لأمكانات الجامعة الجماهيرية في الحشد وتجييش المجتمع لمواجهة قضاياه الملحة" الفقر الجهل- المرض- الضعف - العدوان الصهيوني والهجمة الأستعمارية الشرسة لفرض الأنحياز علي خيارات الحكم
في النهاية وما أراه ولعلي موفق , أن علو الصوت الأمني داخل الجامعة هوي بها لمزالق الأنتقام والتحيز والنفاق العلمي وفقدان الثقة في قيمة أساسية ضمن منظومة قيم الجامعة كما ذكر الأستاذ الدكتور مشكوراً وهي قيمة الجدية والأمانة فعملية تقييم الطلاب في مرحلة ما قبل التخرج تخضع لاعتبارات أمنية لا تسمح بتفوق ذوي الميول السياسية المناوئة للسلطات وبالمثل الطلاب الفلسطينيين والسودانيين المولودين لأمهات مصريات كما تدفع بالمطلوبين ممن يعملون لصالح الجهات الأمنية كمخبرين بالتقدم علي زملائهم هذا في ظل مناخ عام من البطالة بين حملة الدكتوراة ونقيضها الفج من ثراء أصحاب الأنشطة الطفيلية وغير المنتجة حقق مقولة الإمام علي " إنما زهد الناس في طلب العلم ما يرون من قلة إنتفاع من عمل بما علم"
من المحددات الأخري كما أعتقد ضعف الأقبال علي المنتوج العلمي للجامعة فالجامعة العربية لم تدرك عصر الكشوف و الفتوحات العلمية الهائلة لا في الأقتصاد ولا الإجتماع ولا علوم الفيزيقا والطب فنظرية الكم اكتملت قرب عام 1958 وهي نفس فترة الكشف عن دنا الخلايا الحية والشفرة الوراثية وغيرها لكن التراكم اللاحق لأنجاح وأختبار هذه النظريات جميعا فات الجامعة العربي في ظل غياب منظور حاكم للغرض منها غير تخريج المهنيين صحيح بعض الأقسام والكليات مثل الهندسة والعلوم والاداب ارتبط بالنهضة وعملية التصنيع وتجاوب لكن في ظل تحفظ الأساتذة القدامي الذين انتموا الي طبقات اجتماعية تعلو في المقام علي اغلب المنتسبين الجدد للجامعة وشيوع التسلط الموروث دفع وما زال الي تبني كثير من الأساتذة لطلاب عاديي المستوي لكن أقدر علي التزلف وأظهار الخضوع بما دفع في قلب الجامعة بعناصر معادية للعبقرية والأبداع بحكم طبيعتها العادية .
محدد أخر يكمن في طبيعة التحول الحالي و هو التحول الرسمالي لأغلب بلدان العالم الذي كان ثالثاً
في ظل هذا النظام واكتساح الشركات العملاقة الغربية العابرة للجنسية قل بالتأكيد الطلب الاجتماعي علي المنتوج العلمي الأنساني لصالح المنتوج التسويقي ويلاحظ هنا سيادة الفاظ مستوحاة من طبيعة المنظومة المكوكبة مثل مراعاة التطوير بما يلائم سوق العمل وهي نقطة ذكرها أستاذنا في تحليله أن تقلبات السوق والتغير الحاد والمفاجئ المصاحب كخصيصة للنظام الرسمالي يؤثر بلا شك في مؤسسة الجامعة.
محدد اخر هو تحلل الدولة في أطار الكوكبية وتصاغرها أمام قوة الشركات واندفاع اساتذة البحث العلمي للعمل كخبراء واستشاريين لديها يجعل الأساتذة يميلون عن أدارة الجدية والدقة لأدارة التكيف
يلقي تحلل الدولة بظلاله هوالأخر فتضعف الأنظمة العامة وتتعقد الأجراءات ويزيد نفوذ الأداريين علي نفوذ الباحثين في نفس المؤسسة أي الجامعة وهذا التحلل يتجلي في بحث الدولة عن ولاءات تكافأ مع شكها في أجهزتها بما فيها الجامعة وأضرب مثلا في جامعتي أسيوط "يتقاضي المعيد وحتي المدرس المساعد من500 الي 700 جنيه بأقصي تقدير بينما أمين عام الشئون الأدارية وهو موظف ربما لا يحمل حتي شهادة عليا يتقاضي مبلغ 12000 جنيه يضاف لها 27000 سنوية كبدلات ما يعادل دخل الأستاذ الجامعي العامل في بلد خليجي مدة عام كامل وأكثر. هذه التفاوتات المرتبطة بالخطيئة الكوكبية السابعة كما يصفها كاتب بلقاني لا أذكر أسمه ,ترجمت مقالته قبل نحو 7 سنوات لصالح مركز الأهرام للدراسات السياسية والأستراتيجية كانت بعنوان" الخطايا السبع للعولمة".
لا أعرف ربما أبدو متخبطاً كثيراً لكن تداخل العوامل المحددة لظروفنا وقيمنا وضيقي بهذه العوامل والظروف جميعاً قد تكون سببا في تزاحم أفكاري علي عتبة القلم لكن هكذا خرجت.
شكرا سعة صدركم حضرة البروفسور
المفضلات