آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية السعيد موفقي
    تاريخ التسجيل
    13/01/2008
    العمر
    61
    المشاركات
    30
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

    مستويات التشكيل
    في قصص الراحل زكي العيلة

    في كثير من المواقف يلجأ الإنسان إلى الطبيعة ، يستلهم منها مشاهد تكميلية لصور متخيلة ، كان حضورها مشوها ، و التعبير عنها قد لا يعني بالضرورة حضورا فوتوغرافيا لتركيبها ، و بذلك تلعب الألوان دورا أساسيا في خلق توافق تناغمي يحدث إيقاعا قويا يحرك الذات و يهز النفس تجاه موقف من المواقف أو مغامرة عاطفية أو رأي ملتبس في تحديد تشكيل فارغ بحثا عن الاسترخاء الروحي كما قال إميل نولده رائد المدرسة التعبيرية، من هذه الوجهة كثير من كتاب القصة ، و القصة القصيرة على وجه التحديد يستلهمون فكرة التعبيرية و تركيب المشاهد و إثارة المواقف و استفزاز الأشخاص و تحريك الكوامن من أجل ديناميكية فعالة في معارضة مختلف الصور و المشاهد السلبية مهما كان مصدرها أو تناقضت طبائعها ، لدى القاص الراحل زكي العيلة طبيعة مختلفة في رسم هذه الحدود و معالجة القضايا و إن بدت أهم القضايا التي أثارها في هذه المجموعة يطغى عليها التشكيل الفاعل في مختلف مستوياته ، فالصورة الحقيقية لطبيعة الصراع لدى الإنسان تكتسي عدة نماذج حية وظفها القاص بحنكة و دراية ملمة بجوانب تشكل الأشياء و تداعيها سلبا و إيجابا : ( القناص و أشياؤها ) ((عندما نهش القناصُ النورَ من جسد الطفلة ، غادرت علبةُ الألوانِ أصابعَها ، و تناثرت أقلاماً تتقافز فوق التراب .
    مع جديلة الشمس التي كانت تتعلق الطفلة بخيوطها البرَّاقة بحثاً عن أسراب الفراشات ، و زقزقات الحساسين ، مضى القلم الأبيض .)) همات تداع في الأفكار و تسلسل في إغراق متاهات النهاية الغامضة ووقوع مكونات الذات بين مخاطر متنوعة ، الطفلة ، الألوان ، الشمس ، رموز لذلك البعد المتقارب من حيث تقاطع فعالياتها أفقيا و عموديا ، حيث البحث عن الذات مرهون بتواجد خلفيات صحيحة تشترك مع عناصر طبيعية محركة ففي قصة ( نوافذ أخرى للبوح)
    خلسة يتواعدان ، ملهوفاً ينتظرها ، يترقبها ، يلتقيان ، يجتازان ميادين وإشارات مرور حجرية ، يلهثان ، يتوقفان تحت شجرة البونسيانا التي تفترش بطن الرصيف ، خربشات ورسوم تهجع فوق جذعها ، يضيفان حروفاً وقلباً يخترقه سهم مدبب ، زهرات حمراء تتفكك فوق رأسيهما ، تتناثر خيوطاً على أكتافهما ...
    لم تكن الحقيقة واضحة و تشابك العلاقات لم ينته دفعة واحدة ، اعتاد التوجه القديم في استرساله حتى ولو لم تكن هناك علاقات واضحة تمهد للنهاية البعيدة ، فالتفسير الوحيد لهذا التناقض إنما طبيعته تبدأ بتشكيل و تنهتي بتشكيل آخر قد لا يكون على صورة واحدة ، فالحركة و الحيوية و النشاط الذي يتكرر بصورة متجددة يخلق من ورائه فعاليات أخرى تترتب عنها ديناميكية حية موتورة : تبهر، البصر ، تاكسيات ، عطر ،أغان صاخبة ، بحر ، زبد....و هناك عناصر و رموز أخرى توالت و ترابطت و في حالات أخرى تنافرت لعدم توحدها من حيث تشكلها الأساسي : (النيونات عريشة تبهر البصر ، تاكسيات يتصاعد منها عطر نفاذ وأغانٍ صاخـبة ، بحر شاسع على بعد أمتار يتقيأ زبداً ورغواً ، هاتف نقال يتحدث ، ربما عن صفقة وقود ، أو أغذية مضروبة ، ربما يرتب موعداً مع امرأة بلحم وفير متأجج ، تزوم وهى تفتح خزائنها المشتهاة .) و بصورة مفاجئة لا يترك القاص فرصة للقارئ أن يمعن النظر في هذه البداية حتى يفاجئك بالنهاية و هذه لفتة متميزة في خرجات الراحل زكي العيلة في تعامله مع الفكرة الصورة ، و تنقله أحيانا يربك القارئ بل يحرجه ليتخذ الموقف المناسب لأنّ المدركات الأسلاسية قد تلقاها في البداية و مع عليه إلا اتخاذ القراء بعد هذه الفترة و إن كانت خاضعة لمقياس الاستغراق الزمني الفني الذي يقابله الاستغراق الزمني الطبيعي بجميع حدوده السطحية و العميقة ، فالألم في التجربة الفنية تتبعه تأثرات مختلفة تسحب من ورائها مرتكزات جانبية لا تظهر كاملة إلا بعد عذابات تمر بها الذات ، كتلك التي عبر عنها القاص في قصة ( القبض على محمد الدرة ) ، اعتمد فيها على توزيع درامي كثيف و شديد التأثير ، إذ تتقاسم الذات مستويات تشكيلية متنوعة و متداخلة ، فمن الطبيعي أن تتناقض الأشياء و تتداخل في مستويات كثيرة و ربما هذه الذي اشتهرت به المدرسة التعبيرية في ربط الواقع بجزئياته الحاضرة و الماضية مع تغيير ذاتية يبتعد في مرتكزاته عن الموضوعية و صرامتها ، يترك للذات استقلالية موجهة في تحديد أفقها و رسم معالمها و إن انتابها غموض في محطات مختلفة ، محمد الدرة لم يكن إلا رمزا من أهم رموز العملي الفنية في تجاوز مرحلة معينة من العذاب أو المأساة ، و يمكن أن نفسر اهتمام القاص بهذا الموقف بمحاولته التذكير بالخيبة و الانتكاسة التي شهدتها المرحلة العربية و فشل العملية السياسية المتعفنة ( عندما انتشر الجراد و تَمددَ القحط ، و جفت ألسنة الشجر ، تراكضت
    الأكفان ، و ابتعدت النجوم ، و راحت الأطيار تُنقّب عن سماء من فيء و زاد و نور، ضجَّ الخلق من البلاء ، و تجرأ بعض العوام فنقشوا على الحيطان حروفاًً و أشكالاً تتحدث عن القروح و الدمامل و أمواس الجوع و البراطيل ، فخرج كاتب المراسيم من قبته ببيان إحقاق الحق و إعادة الأمر إلى نصابه ، و الأمن إلى جِرابه ، تلاه بقرار إلقاء القبض على محمد الدرة الذي استهدف الميزان والثوابت حين ألقى بأيديه إلى التهلكة .)و هذه إحدى المقاربات التي استدركها القاص و اكتشف عيوب المرحلة و محنة المتشرد و معاناة الأطفال ، فحدث نوع من الفلتان و التشرد مرة أخرى غير أنّه هذه المرة كان أشد (فَلَتـَــان) ( حالما أنهى المؤلفُ روايتَه (فلتان) سرحَ للحظاتٍ في شخوصه، وتحسسَ عنقَه الذي تراءى له عيداناً مذبوحةً تشخبُ دماً يغطي السطورَ، فقررَ إعادةَ النظرِ في أصوات روايته وبنائِها السردي.) و لم يكن ذلك إلا انزلاقا جديدا في المرحلة ، و المرحلة تقتضي تجديد كثير من العمليات الملتبسة في عمق الذات و اللجوء إلى دواخل نفسية قد أصابها الرهاب و أحبطت الأعمال خارجيا و داخليا ، فتسببت في خيبة جديدة بالممحاة داهمَ شخصياتِه غير النمطية التي تغوى الحديثَ عن البصاصين والمحاسيبِ وفوضى المُدى والدكاكين، والعمولاتِ، والقيء، والشخيرِ، والعري، والشبقِ والعُقم والندوبِ والملوِّثات والطحالبِ والشجرِ الأجرد والمراكبِ التائهة.)و في هذا المشهد كثافة واضحة تنم عن رؤية ثابتة و قناعة متجددة باستراتيجية الحياة المتعفنة و التي ضربت على حدودها عوالم مختلفة متآكلة في تواجد عناصرها و تقاطع مرتكزاتها ، فمن فلتان إلى (في نسب الفتى الذي)تظهر تطورات أخرى للقضية التي أثارها منذ البدء و تحمل أكثر من دلالة و ترتبط بأكثر من سبب ، الانشغال واضح و التيه بارز على مستوى المجموعة ، إنّ ارتطام الحقيقة بصخرة التناقضات و ضباب الأشياء صلب القضية التي أدار آلياتها كمحور ، البحث عن الانتماء ، الارتباط ، التواصل ، التكامل ، عملية استصعبا القاص لاعتبارات كثيرة لم يشأ أن يذكرها إلا وفق أنساق استنتاجية يدركها المتلقي عبر مراحل مختلفة في طرحها و طرقها : ( اختلفت القبائلُ في نسبِ الفتى الذي نعفته على الفورِ قذيفةُ الدبابةِ عيداناً ممزقة. كلّ قبيلةٍ تؤكد أنه سليلُ أصولِها وبطونها، ووصل الأمرُ حدَّ التلويح ببيانات التخوين والتهديدِ بعظائمِ الأمور.
    قال خطيبُ القبيلةِ الأولى : ربطتنا بالفتى أواصرُ شتى، فالقصائد التي كتبها صهيلا ً في وجه الطوفانِ كانت جزءاً من أوراقنا.
    من كفنه الفتى قطعاً معفرةً بالدماء، تأَمَّل القبائلَ اللاهيةَ المنعوفة، وتَراءى أمامه الطوفانُ الداهمُ الذي سيزدردُ الجميعَ، فتدلى عيداناً ممزقةً باحثةً عن موتٍ أسرع. ) ، يلتفت القاص إلى أهمية الاعتقاد و الارتباط و تعدد المفاهيم لدى مجموع الناس و اختلافهم في تحديد مستويات الهوية ، لم تكن العملية مجرد إبداء رأي بقدر ما تحمل من دعوة إلى اتخاذ موقف صارم و فعالية القرار و نجاعة التصور ، فالحقيقة لا يمكن أن تمر من دون صلابة في الاختيار و أنّ التشكيل الحقيقي و إن تعددت مستوياته في النهاية يعكس تصورا واضحا لحدود المشهد أو الصورة التي يتركب منها هذا الاختيار ، و بذلك يكون القاص قد اختار الأقرب منها و الأكثر تأثيرا كالقضية التي يؤمن بها ، على الرغم من قصر النصوص غير أنّها شديدة المفعول.
    ــــــــــــــــــــــــــــ
    قصص المرحوم من موقع القصة العربية

    التعديل الأخير تم بواسطة السعيد موفقي ; 18/08/2008 الساعة 03:31 PM

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية الحاج بونيف
    تاريخ التسجيل
    07/09/2007
    المشاركات
    4,041
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي

    أخي الفاضل الأديب والناقد السعيد موفقي
    تحية طيبة
    لك مني كل الترحيب، وأشكرك على هذا الوفاء لكاتب يستحق أن تُتناول أعماله بالدراسة والتحليل..
    تقبل خالص المودة والتقدير.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية السعيد موفقي
    تاريخ التسجيل
    13/01/2008
    العمر
    61
    المشاركات
    30
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحاج بونيف مشاهدة المشاركة
    أخي الفاضل الأديب والناقد السعيد موفقي
    تحية طيبة
    لك مني كل الترحيب، وأشكرك على هذا الوفاء لكاتب يستحق أن تُتناول أعماله بالدراسة والتحليل..
    تقبل خالص المودة والتقدير.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أستاذي العزيز الحاج بونيف
    أقدر فيك هذا الجهد و المتابعة و الاهتمام ، ما شاء الله
    مرورك الكريم زادني تشجيعا مرة أخرى ، أتمنى لك التوفيق و النجاح و كل عام و أنت بخير نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  4. #4
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    04/01/2008
    العمر
    37
    المشاركات
    3,628
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

    الأستاذ / السعيد موفقي

    لا اعرف كيف لم امر على هذا الموضوع المهم جدا جدا عن الراحل

    زكي العيلة تغمده الله برحمته

    تقبل مودتي العارمة


  5. #5
    أستاذ بارز الصورة الرمزية باسين بلعباس
    تاريخ التسجيل
    06/05/2008
    المشاركات
    1,645
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

    وأنا انتبهت اليوم فقط الى هذه الدراسة الجميلة في قصص الراحل:زكي العيلة
    أشكرك أخي الموفقي على التوفيق ..في هذا العمل ..
    وأتمنى لك كل السعادة والنجاح
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  6. #6
    باحث وكاتب الصورة الرمزية محسن رشاد أبو بكر
    تاريخ التسجيل
    04/09/2007
    المشاركات
    1,016
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

    الأديب والناقد / السعيد موفقي
    دراسة رائعة ..
    شوقتنا لقراءة اعمال الراحل زكي العيلة رحمه الله ..

    خالص الود والتحية

    ثورة ثورة حتى النصر
    تغيير .. حرية .. عدالة اجتماعية

  7. #7
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    28/06/2009
    المشاركات
    3
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: مستويات التشكيل في قصص الراحل زكي العيلة

    رحم الله الأديب الكبير د. زكي العيلة
    دراسة موفقة أشكرك عليها


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •