آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الترجمة عبر الحضارات

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية احمد المديني
    تاريخ التسجيل
    03/07/2008
    المشاركات
    15
    معدل تقييم المستوى
    0

    Red face الترجمة عبر الحضارات

    عدنان عباس علي

    حسب ما يبدو ليِّ، هناك صورتان تعبران على أفضل نحو عن النشاطات التي يقوم بها المترجمون والمترجمات، أعني صورة النَهْرِ وضفتيه وصورة المطرقة والسندان والتورط في السقوط فيما بينهما. والصورة الاستعارية المستقاة من النهر لا تنطوي على معاني جميلة فحسب، بل هي تعبر عن معنى متداول أيضاً؛ فوفق هذه الصورة يعبر المترجم النهر، إما بصفته مَعْداوِي يقود قارباً، أو على قدميه حاملاً على كتفيه عبأَه الثمين، عبء النص الذي يزمع ترجمته، كما لو كان كريستوفوروس Christophorus، ولا مراء في أن الصورة الاستعارية المستقاة من المطرقة والسندان أقل حسناً وظرفاً، ذلك لأن عمل المطرقة والسندان يوحي باستخدام شيء من العنف والوحشية.



    إلا أن الصورة الوديعة للنهر تخفي، أيضاً، مظاهر زائفة خادعة، أضف إلى هذا أنها غالباً ما تُدرك على نحو ساذج وبلا إحاطة بالوقائع التاريخية، في سياق السؤال المتعلق بالكيفية التي تم فيها الانتقال عبر النهر. ولا مراء في أن هذه الصورة لا تفصح عما هو مطلوب، ذلك لأن الإجابة على السؤال المطروح يجب أن تنطوي على معلومات بشأن الإجراءات أو الأساليب المتعلقة بالترجمة. وفي سياق النقاش الدائر في يومنا الراهن بشأن التبادل الثقافي أو الحوار بين الثقافات يبدو لي أن الصورة المستعارة من النهر تنطوي على سؤال أكثر أهمية، أعني أنها تنطوي على سؤال يدور حول طبيعة ضفتي النهر. فالسؤال عن مصدر النص الذي سيترجم وعن اللغة التي سينقل إليها هذا النص وملامح الجانب الذي صدر عنه النص وخصائص الجانب المنقول إليه النص، يفصح، في الواقع، عن الهوة السائدة بين الثقافات المختلفة وعن التبعية الثقافية ووصاية ثقافة على الأخرى وعما سوى ذلك من أمور أخرى كثيرة.

    وسواء نظرنا من وجهة النظر الألمانية أو العربية في سياق تقييمنا لواقع الترجمة من العربية إلى الألمانية، السائدة حالياً، فلا مراء في أن لا فائدة كبيرة من حلمنا بما قدمته بغداد من جهود عظيمة في القرنين التاسع والعاشر في سياق نقل المؤلفات الأجنبية إلى العربية، أو بما قامت به طليطلة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر من ترجمات عظيمة إلى اللاتينية؛ كما لا نفع من العودة بالذاكرة إلى عصر الرومانسية الألمانية الخالد الذكر، فالواقع الذي لا خلاف عليه، هو أن لكل عصر من عصور الترجمة خصائصه الفريدة. ففي بغداد كلفت الطبقة، التي آلت إليها، آنذاك، الهيمنة على مقدرات المجتمع، بعض المترجمين بنقل مؤلفات «السكان المحليين» إلى لغة الفاتحين، أي إلى العربية؛ أعني أنها كلفتهم بترجمتها عن لغات ما كانت هذه الطبقة ترى أن ثمة ضرورة تحتم عليها تعلمها. من ناحية أخرى، وعلى درب الجيوش التي استرجعت أسبانيا من يد العرب، حضر إلى طليطلة رجال شغفوا بالمعرفة وحب الإطلاع. فحينما كانوا يقيمون في ديارهم (أعني في فرنسا وألمانيا وإنجلترا) كان قد وصل إلى سمعهم أن بوسعهم أن يحصلوا من هناك، من الأندلس، على معارف عظيمة. وشكلت المعارف التي استقاها هؤلاء الرجال من هناك المادة التي راحوا يدرسونها في جامعاتهم المؤسسة حديثاً. أما في العصر الرومانسي فقد دفع التطلع للفردوس المفقود وللحياة الوديعة الهادئة العديد من الكتاب إلى الاهتمام بماضي العالم الشرقي وبما لدى هذا العالم من حكْمَة وتراحم إنساني وقدرة على التخيل. وإذا أردنا أن نقارن بين وضعنا الحاضر والوضع الذي ساد في تلك الحقب والعصور فلا مراء في أن ثمة شاسع عريض بين الوضعين. فضفتا النهر أمستا على هيئة مختلفة على نحو واضح وجلي. ففي منظور الجانب الغربي لم تعد العربية الضفة التي يذهب إليها المرء قصد الحصول على شيء يفتقده. فعدم الاكتراث بما في العالم العربي يساعد، في أفضل الحالات، على الإبقاء على القوالب الحالمة والمتخيلة التي سيطرت على منظور الرومانسيين لهذا العالم؛ أما في أسوء الحالات، فإنه يسمح للغرب بإعارة اهتمامه صوب "طبيعة وفحوى المشاكل" التي تحدثنا عنها وسائل الإعلام الداعية للتحرك بغية حل هذه المشاكل أو المطالبة بالمجابهة وجهاً لوجه. ومعنى هذا هو أن الطلب على الترجمات ضئيل جداً؛ وبالتالي فستظل المعرفة بشؤون العالم العربي متواضعة بطبيعة الحال.

    ولكن، ومهما كان الحال، ففي الضفة العربية هناك اعتقاد، محق بلا ريب، مفاده أنه ينبغي ترجمة ما تجود به قريحة الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى وذلك لأن هذه الترجمة لا تقلل من القصور السائد في معرفة الثقافة العربية فحسب، بل هي قادرة على مد الجسور بين هذه الثقافة والثقافات الأخرى. وفي الجانب الآخر، أعني في الجانب الغربي، هناك، أيضاً، مَنْ يدعوا إلى ما يدعوا إليه المرء في الجانب العربي، إلا أن الملاحظ هو أن عدد أولئك الذين يعتقدون بأن الترجمات قادرة على خلق تقارب بين الثقافات، أدنى بكثير من عدد المؤمنين بذلك في الجانب العربي. ولا يسع المرء هنا إلا أن يتمنى تكاتف وتعاون المصالح المشتركة القائمة بين كلا الضفتين لإثارة اهتمام الجانب الغربي بالأدب العربي على وجه الخصوص. ولكن، ما العمل، لا سيما وأن أولئك، الذي يتطلعون لأن يُتَرجم أدبُهم على نحو واسع وعريض، لا يقدمون يد المساعدة الضرورية، بل يفضلون التحصن خلف الشكاوي والاتهامات؟ نعم ما العمل، إذا كان الطرف العربي يشكو فقط ولا يحرك ساكناً؟

    على ضوء هذه الحقائق يغدو المرء العازم على الترجمة، بالرغم من كل هذه المعوقات، كبش الفداء، أو، وإذا ما أردنا استخدام صورتنا الاستعارية أعلاه، سيغدو بين المطرقة والسندان. وما نقوله هنا هو في الواقع أول مراحل السقوط بين المطرقة والسندان: وقوع المترجم ضحية للمواقف غير المنصفة التي يواجهها في الضفتين الغربية والشرقية؛ فالجانب العربي يعتبره مسؤولاً عن الإهمال الذي تواجهه الثقافة العربية في الغرب، والطرف الغربي يقابل جهده ونشاطه بالإشفاق والرثاء أو بالازدراء والاستهانة. وليس ثمة شك في أن وصفنا هذا يعبر عن واقع الحال السائد بقدر تعلق الأمر بالترجمة من العربية. ويشكل الموقع الذي يحتله المترجم في سياق العلاقة القائمة بينه، من ناحية، وبين الكتاب والكاتبات والناشرين والناشرات، من ناحية أخرى، حالة خاصة جداً في العلاقة السائدة بين الثقافات. فهؤلاء يمثلون، أيضاً، المطرقة والسندان اللذين يحطمان رأس المترجم بلا رحمة وهوادة. كما وهناك تطلعات وأحلام الكتاب والكاتبات إلى أن تترجم أعمالهم إلى اللغات الأجنبية وذلك لأن هذه الترجمة هي طريقهم للخلاص من الحصار الذي تفرضه عليهم اللغة العربية. وفي الطرف المقابل هناك الرغبات، التي يبديها الناشرون، الرامية إلى حصولهم على مؤلَّف رائع ممتاز وعلى ترجمة فاخرة؛ علماً بأنهم يريدون أن يحصلوا على هذا كله بأدنى ثمن ممكن. ولا مراء في أن بوسع المرء أن يسهب في الحديث بشأن الموضوع المذكور أخيراً، على وجه الخصوص، فالترجمة ليست مهنة تضمن للمترجم مورداً مالياً معقولاً. ومعنى هذا هو أنه سيتعين عليَّ أن أمتهن مهناً أخرى أدعم بموردها المالي ترجماتي من العربية إلى الألمانية! ويتعين تقديم هذا الدعم حتى وإنْ حصل المترجم على مكافأة مالية لا بأس بها نسبياً. وفي هذا السياق هناك ورطة أخرى تدفع المترجم لأن يسقط بين طرفي المطرقة والسندان. فالكثير من المؤلفات المزمع ترجمتها يجري اختيارها من قبل المترجم نفسه، أي أنه هو الذي يفتش عنها، وهو الذي يقرؤها، وهو الذي ينصح بترجمتها. وليس ثمة خلاف على أن هذا الجهد عمل إضافي لا يكافأ مادياً، عمل تقوم به في محيط اللغات الغربية إما دار النشر أو السماسرة والوكلاء. ناهيك عن الحديث عن المهام الأخرى المقدمة بلا مكافأة مادية.

    وحينما يبدأ المترجم بأداء عمله الفعلي، أعني حينما يبدأ بترجمة النص الذي يزمع نقله، فعلاً، إلى اللغة الأخرى، فإنه يسقط في هذا السياق أيضاً بين المطرقة والسندان: المطرقة ممثلة باللغة التي سينقل النص الأصلي عنها والسندان متجسداً من خلال اللغة التي سينقل النص إليها. فهنا على المترجم أن يراعي فعلاً الكيفية التي "سيصوغ" وفقها النص الراغب بترجمته، أو وبتعبير أكثر دقة، عليه أن يكتشف الأسلوب المناسب لصياغة النص المعني باللغة المزمع ترجمته إليها. وهنا تنطبق الدُعابة التي يمزح بها البعض في نوادي الهزار والتفكه، أعني القول بأن المترجم قد غدا هو الخائن بعينه؛ وحتى وإن لم يكن الأمر على هذا النحو حقاً وحقيقاً، إلا أن من حق المرء أن يطرح، على أدنى تقدير، السؤال عن أمانة المترجم. فمن هنا يبدأ العمل الفعلي الذي يقوم به المترجم عادة، فالأمانة في الترجمة هي القاسم المشترك بين كافة الزميلات والزملاء، فهي تربط بعضهم إلى البعض الآخر بغض النظر عن اللغة التي يترجمون عنها واللغة التي ينقلون النص المعني إليها.

    ولكن، ما عسى أن يفعل المترجم إذا كانت لدى لغة النص الأصلي ستة أو سبعة ولربما ثمانية أسماء مترادفة للصحراء واللغة المنقول إليها النص لا تتوافر إلا على اسم واحد لا غير للصحراء؟ وما بقدورنا أن نفعله حيال الملابس والمواد الغذائية، والصور الاستعارية والرموز أو استلهام بعض نصوص الأدب العربي الجاهلي؟ وهل سيكون بمستطاع الجميع الوقوف على أن كلمة «بومة» تنطوي، أيضاً، على المعنى الذي تنطوي عليه الكلمة الألمانية المستخدمة للغراب وأنها ترمز بالتالي، أعني كلمة بومة، إلى غراب البين أيضاً؟

    في هذا السياق تغدو الأسئلة المطروحة أكثر تركزاً، فهي تتمحور هنا حول أمور تقنية-لغوية وأسلوبية بحتة يتعين بالمترجمين والمترجمات مناقشتها. إن هذه الأمور التقنية اللغوية والأسلوبية البحتة يواجهها الجميع. فالأمر يدور هنا حول العلاقة القائمة بين لغات مختلفة الجذور. ولا مراء في أن هذا السؤال ينطوي على معان سياسية عظيمة. من هنا فإن المترجم يعمل في محيط سياسي معين بلا أدنى شك.


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية أمين الصوفي
    تاريخ التسجيل
    05/11/2006
    العمر
    53
    المشاركات
    64
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: الترجمة عبر الحضارات

    شكرا ي الغالي استاذ أحمد


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    04/11/2010
    المشاركات
    71
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي رد: الترجمة عبر الحضارات

    تشكراتي تقبل مروري


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •