Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958

Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2968
"أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك!
    خواطر بلا ضابط ولا رابط )1- 2(
    د. إبراهيم عوض
    Ibrahim_awad9@yahoo.com
    http://awad.phpnet.us/
    http://ibrahimawad.com/
    http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

    بالمصادفة وقعت منذ يومين، وأنا أبحث فى المشباك عن شىء من الدراسات النقدية يتعلق برواية "أشواك" لسيد قطب، على كلمة كتبها صعلوك من صعاليك المشباك الذين يتكاثرون كالديدان والصراصير يتهم فيها سيد قطب بأنه زعيم الإرهابيين الذى لم يستطع أن يجد لنفسه موطئ قدم فى دنيا الأدب والنقد فتحول إلى الكتابة فى الدين ليضمن لنفسه ولمؤلفاته الرواج. طبعا، والدليل على صحة ما يَصِرّ به هذا الصُّرْصُور أن سيد قطب كان رجلا، نعم رجلا بكل معانى الكلمة، فى مواجهة ما رآه طغيانا واستبدادا، ولم يَلِنْ ولم يتزلف أو يتراجع عن آرائه أو مواقفه، وآثر أن يجود بروحه فوق أعواد المشانق على أن ينال العفو والسماح من يد من كان يؤمن أنهم سبب ما البلاد فيه من فساد واتجاه إلى الانهيار. والجود بالروح أقصى غاية الجود كما يعرف ذلك كل قاص ودان، اللهم إلا الديدان والصراصير.
    طبعا، والدليل على صدق ما تقايأته هذه الدُّودة أن سيد قطب قبل هجره ميدان الأدب والنقد كان هو بوابة السعد التى يمر منها المحظوظون من الأدباء والكتاب ممن لم يكن المجتمع الأدبى قد اعترف بهم بعد، فإذا كتب هو، رحمه الله، عن أحد منهم وأشاد به كانت كتابته عنه هى خاتم النسر، أو قل: خاتم سليمان، الذى تنفتح له بوساطته كل أبواب السعد والشهرة. ولا أدل على ذلك من نجيب محفوظ، الذى تحول من حال إلى حال بعدما كتب عنه سيد قطب مقالين يجدهما القارئ فى كتابه المسمَّى: "كتب وشخصيات" أثنى فيهما عليه وعلى فنه القصصى خير ثناء، فـ"انتشله بذلك من طيات الظلام" (elevating Egyptian novelist Naguib Mahfouz from obscurity) بتعبير كاتب مادة "سيد قطب" فى النسخة الإنجليزية من الموسوعة المشباكية الحرة (The Free Encyclopedia) المسماة بــ"الويكيبيديا: Wikipedia". وكانت تلك هى البداية لنجيب محفوظ، الذى تكرر حديثه عنها فى بعض حواراته، وإن كان قد استدار من ناحية أخرى فقدم سيد قطب، مع شديد الأسى والأسف، فى كتابه: "المرايا" باسم "عبد الوهاب إسماعيل"، فى صورة المتعصب المنفر الشكل والسمت. وهى لفتة من محفوظ تكشف عن أشياء فى الأعماق. طبعا، والدليل على استقامة الحكم الذى أصدره هذا الفَدْم البليد الذى يتهم سيد قطب، رحمة الله عليه، بأنه زعيم الإرهابيين وأنه ترك الأدب والنقد إلى الكتابات الإسلامية كى يشتهر، أن ما كتبه سيد قطب من أدب ونقد قبل أن ينتقل إلى التأليف الإسلامى هو من أقوى وأصفى وأعمق وأدق ما كُتِب فى هذا الميدان: شعرا كان أو قصصا أو نقدا أدبيا. فأما فى الرواية فيكفيه "أشواك" وحدها على ما سوف أوضح فى هذه الكلمة التى بين يدى القارئ، ودعونا من روايته الأخرى: "المدينة المسحورة". وأما شعره فها هو ذا ديوانه تحت بصر القراء، يستطيعون أن يرجعوا إليه ليرَوْا بأم أعينهم مدى رقىّ ذلك الشعر، وبخاصة إذا وضعوا إزاءه هذه الهلوسات والتشنجات الحاليّة المنتشرة كالجرب والتى يسميها بعض المهاويس من أحلاس النقد والواغلين فيه على غير استعداد ولا موهبة ولا ثقافة: "شعرا"، وما هى من الشعر فى قُلٍّ أو كُثْرٍ.
    وكيف يُتَّهَم سيد قطب بالإرهاب، وهو الذى يقول: "من الصعب عليَّ أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل، فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف نهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل؟ لابد أن نصل إلى شط الملوثين. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام. وكذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة. إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التي وصلنا إليها! إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية، ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة، بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته! "الغاية تبرر الوسيلة": تلك هي حكمة الغرب الكبرى لأن الغرب يحيا بذهنه. وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات"، "ما يخدع الطغاة شيء كما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا، وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيَجُرّ، وتحني لها رؤوسها فيستعلي، وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة، وخائفة من جهة أخرى. وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم، فالطاغية، وهو فرد، لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها"، "إن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلةً في التربية والإعداد، وإنها لا تجئ عن طريق إحداث انقلاب"؟ وهذه النقول مأخوذة من مادة "سيد قطب" فى النسخة العربية من "الويكبيديا: Wikipedia".
    وأحب أن أقول إننى منذ فترة طويلة أركز فى نقدى الاجتماعى والسياسى على الشعوب العربية والإسلامية، مع علمى أن حكومات العرب والمسلمين هى أسوأ وأتفه حكومات الأرض جميعا، إلا أننى أدرك جيدا أنه لولا صمت الشعوب وجبنها وفزعها من خيالها وتبلدها وخور عزيمتها وكراهيتها لبذل أى مجهود يستعيد لها كرامتها وحقها فى الحياة والعزة ما جرؤ أى جاهلٍ فَدْمٍ حقيرٍ على أن يصنع بها ما يصنع فتزداد له تأليها وانكبابا على حذائه تلحسه وتملّس عليه بخدودها التماسا للبركة. كما أن حكام العرب والمسلمين إنما يعكسون فى عيوبهم عيوب شعوبهم، ففى كل شخص من تلك الشعوب فى الغالب مشروعُ حاكمٍ تافهٍ مستبدّ. ولا يغرنكم، أيها المصلحون، ما تسمعونه من شعارات وهتافات وانتقادات للأوضاع الفاسدة، فالعبرة بالمواقف لا بالكلام، وإلا فكلنا يحسن الكلام الكبير المنمق، إلا أننا عند الجِدّ سرعان ما نلحسه دون أدنى شعور بالخجل، وكأن شيئا لم يكن. ثم تَعَاَلْوا نجب على هذا السؤال: من يا ترى يساعد أولئك الحكام على فسادهم واستبدادهم وانحرافهم وتنفيذ سياستهم المنحازة فى كثير من جوانبها إلى أعداء الأمة؟ أليسوا هم أفراد تلك الشعوب؟ أم هم كائنات أتت من الفضاء الخارجى؟ نعم من أين يأتى القضاة والوزراء والصحفيون والمديرون وسائر الموظفين ومن يسمَّوْن بــ"نواب الشعب" الذين ينفذون سياسة الحكومات؟ أليسوا من بين صفوفنا؟ ولماذا نذهب بعيدا، وها هو ذا مقياس دقيق فى أيدينا يمكننا استخدامه للحكم على شخصيات تلك الشعوب، ألا وهو مقياس السلوك اليومى المعتاد؟ ترى بالله عليك، أيها القارئ، ما نسبة الأشخاص الذين يُطْمَأَنّ إلى سلوكهم ووعودهم إلى جموع الشعب التى لا ترعى واجبا ولا تفى بوعد ولا تَصْدُق فى كلمة ولا تريد أن تعمل أو تتعلم ولا تحب نظافة ولا نظاما ولا تبالى بعزة أو كرامة ولا يُعْتَمَد عليها فى إنجاز شىء؟ وهذا هو سيد قطب قد سبقَنا جميعا إلى هذا المعنى. ولقد فكرت مرارا أن أكتب مقالا صارخا أهيب فيه بالمصلحين أن يفضّوها سيرة ويتركوا الشعوب لمصيرها الأسود ما دامت تستعذب هذا الهوان، ولْينصرفوا إلى مصالحهم وراحة بالهم بدلا من التعرض للضرب والتعرية "بلابيص" فى الصحراء والمرض ومصادرة المال والسجن والقتل فى غير طائل. فما رأيكم يا أيها المصلحون من مفكرين وأدباء وصحفيين وخطباء ودعاة؟ حرام ما تفعلونه بأنفسكم دون جدوى! ألا تَرَوْن أن هذه دعوة حكيمة ينبغى على الأقل أن تفكروا فيها، إن لم تتبنَّوْها قلبا وقالبا فتريحوا وتستريحوا؟ إن هذه شعوب تعيش خارج التاريخ بعد أن انتهت فترة صلاحيتها الحضارية، وتنتظر الآن كلمة القضاء والقدر فيها بزلزال شامل يجتثها من جذورها ويخلص الدنيا من عارها وقبحها وتبلدها وخنوعها. أما أنتم يا حكامنا فهنيئا لكم تلك الشعوب التى لا يوجد لها مثيل فى الرضا بالقهر والإذلال والهوان والاستزادة منه والهتاف باسم أصحابه. ولا تصدقوا كلام المصلحين عن احتقان الناس وقرب انفجارهم، فهذا كلام فارغ، وإلا فها أنتم أولاء تنكِّلون برعاياكم منذ عقود وعقود وعقود، وتصنعون بهم كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من عسف وترويع وسرقة وقتل ونهب، فهل رأيتم أو سمعتم أحدا منهم قد تحرك؟ أما أنتِ أيتها الشعوب الجبانة فمِنْك لله! لقد خذلتِ نفسك فى كل الفرص التى أتاحها القدر لك، فخذلكِ الله!
    هذا عن الرواية عند سيد قطب، وأما بالنسبة للنقد فلنكتف فقط بكتابيه المشهورين: "النقد الأدبى- أصوله ومناهجه" و"كتب وشخصيات"، ولا أظن أنه كان فى دنيا النقد فى تلك الأيام ما يزيد على هذين الكتابين فى شىء، سواء من ناحية الأسلوب أو السلاسة أو التحليل أو الإحاطة أو الفهم والتذوق. بل قلما نجد حتى الآن كتبا تضارعهما. ولأكن صريحا فأقول إنه لو وُضِع ما كتبه أىٌّ ممن اشتهروا بكتابة النقد القصصى فى العصر الحديث لقاء ما كتبه سيد قطب لرجحت كفة قطب بكل يقين واقتدار لما تتسم به كتاباته من شدة أسر فى الأسلوب ودفء فى التعبير ووضوح شفاف فى الفكرة واستقلال فى الشخصية وقوة ثقة بالنفس وعدم فناء فى المصطلحات والمفاهيم الأجنبية، إلا أن قطب لم يجد من يتحدث عنه ناقدا كما وجد هؤلاء، وبخاصة أنه انصرف إلى الكتابات الإسلامية بكل كيانه رغم أنها، كما سوف نرى، ليست بعيدة عن الأدب والنقد كما يتوهم الكثيرون، وكان يستطيع أن يجمع بينها وبين المقالات والدراسات التى يتناول فيها أعمال الأدباء والنقاد، لكنْ كان للأقدار كلمتها المختلفة.
    ولو قارنّا مثلا بينه وبين د. محمد مندور، الذى يسميه اليساريون: "شيخ النقاد"، ولا أدرى على أى أساس شَيَّخوه، فهو يعتمد فيما يكتب على التلخيص لما يقرؤه دون الإشارة إلى المصدر الذى اعتمد عليه، بل مع الدعوى العريضة بأنه إنما استلهمه من وحى عبقريته استلهاما، وأحيانا على السطو على ما قرأه هنا وهناك كما صنع مع جان كالفيه ونعمات فؤاد، لرجحت كِفّة قطب رجحانا وشالت كِفّة مندور. وقد اخترت مندور لأنه اشتبك مع سيد قطب فى الأربعينات من القرن البائد فى معركة نقدية تشامخ فيها "شيخ النقاد" الذى لم يكن قد شاخ بعد، وظن أنه قادر على أن يهزم قطب بالتحدث من طرف أنفه، متناسيا أنه كان حديث عهد بالعودة فاشلا من فرنسا دون أن يحصل على درجة الدكتورية التى ابتُعِث من أجل الحصول عليها رغم قضائه تسع سنوات كاملات فى فرنسا، ومتناسيا أيضا أنه إلى وقت قريب كان يبدى الكثير من ضروب الخضوع والتزلف للدكتور طه حسين فى خطاباته التى كان يرسلها إليه من بلاد الفرنسيس كلما أخفق فى أمر من أموره هناك، وما أكثر ما كان يخفق، أو احتاج إلى تدخل منه لتسهيل هذا الموضوع أو ذاك أو لإعفائه من هذه العقوبة أو تلك، وما أكثر ما كان يحتاج إلى مثل تلك التدخلات، وهذه الخطابات متاحة لمن يريد الاطلاع عليها لمعرفة هذا الجانب الخفى من حياة مندور وشخصيته فى كتاب نبيل فرج الذى أصدرته دار الهلال فى تسعينات القرن المنصرم، فلم يكن هناك إذن أى مسوغ لهذا التشامخ المتصنَّع بأى حال، ومتناسيا كذلك أنه، فى كتاب له يعتز به هو ومشايعوه أيما اعتزاز، وهو كتاب "نماذج بشرية"، قد سطا على الفصول التى وضعها الكاتب الفرنسى جان كالفيه عن النماذج البشرية فى الأدب الفرنسى واستطعت أنا أن أثبت بالصوت والصورة فى كتابى: "د. محمد مندور بين أوهام الادعاء العريضة وحقائق الواقع الصلبة" أنه قد سطا فعلا وحقا على سبعة نماذج على الأقل من نماذج كالفيه، ولو قُدِّر لى أن أضع يدى أيضا على كتاب كالفيه فى النماذج البشرية فى الآداب الأوربية فأغلب الظن أننى سأجده قد سطا على فصول أخرى مما خلفه الكاتب الفرنسى، فكان ينبغى إذن أن يشعر بفظاعة ما اجترمت يداه من سرقة ويتصاغر وهو يكلم ناقدا كبيرا ملء هدومه كسيد قطب، ومتناسيا فوق هذا وذاك أن ما كان يدعو إليه من "أدب مهموس" ظن أنه قد فتح به عكا ليس شيئا آخر سوى ما يقول فيه الفرنسيون: "à (de)mi-voix" (كما فى هذين العنوانين مثلا: "La foi à mi-voix" و"Contes à mi-voix")، ومن ثم ليس له فضل فيه، وهو ما كان ينبغى أن يضعه فى اعتباره حين أخذ يطنطن بأنه ابن بجدتها وأن ما يطلق عليه: "الأدب المهموس" إنما هو من بُيَنّات أفكاره، وبخاصة أن هذا اللون من التعبير الأدبى لا يصلح فى كل المواقف والمناسبات: فشعر الفخر والحماسة مثلا لا يصلح له الهمس والنجوى (كما فى معلقة عمرو بن كلثوم، وبائية أبى تمام فى فتح عمورية، ونشيد "دع سمائى فسمائى محرقة")، كما أن الشاعر الذى غدرت به حبيبته مثلا وطعنته فى قلبه طعنة نجلاء لا يمكنه الهمس والنجوى، بل لا بد له من التألم والصراخ أو التنفيس عن نفسه بتوعدها بالانتقام وتجريعها من نفس الكأس حتى لو لم ينتقم أو يضع وعيده موضع التنفيذ (كما فى بعض أشعار كُثَيِّر عَزّة، ونونية ابن زيدون، و"لستَ قلبى" لكامل الشناوى)، وأن سخرية قطب منه لهذا السبب هى سخرية فى موضعها بالتمام والكمال رغم ما سببته لمندور من وخز مؤلم يستحقه بكل تأكيد، فضلا عن أن أسلوب قطب أحلى وأكثر إحكاما من أسلوبه رغم ما يتمتع به أسلوب مندور بوجه عام من بساطة ودفء، إلا أنه يفتقر إلى ما تتصف به لغة قطب من شدة أسر وبعد تام عن التهافت والركاكة اللذين يقابلاننا فى كتاباته هو هنا وهناك.
    ولا ننس أيضا ما يتصف به مندور فى غير قليل من الأحيان من الميل إلى خطف المعلومات خطفا وعدم التأنى للتثبت مما ينقل أو يكتب، وهو ما كشفتُه فى كتابى السالف الذكر وكذلك فى الفصل الأول من كتابى: "مناهج النقد العربى الحديث" حيث تبين لى بكل يقين أنه لم يكن لديه الصبر على البحث والتنقيب، ولهذا كان يسارع إلى إطلاق الأحكام الفاسدة المتهافتة، وعلى نفس دَيْدَنه فى اصطناع أستاذية لا تليق بهذا الكسل والتسرع. وعلاوة على هذا فسيد قطب كان شاعرا وقصاصا، ثم أضاف إلى ذلك الكتابة الإسلامية، وهو كله مما ينقص مندور. أما الكتابة السياسية فيشترك الاثنان فيها، وإن كانت كتابات مندور قد انتهى تأثيرها لأنها كتابة وقتية تتصل بظروف معينة لا تستطيع تجاوزها والحياة بعيدا عنها، فيما تظل كتابات قطب تنتشر وتستولى على العقول والقلوب بعد موته ميتة الشهداء لأنها ذات طبيعة حية باقية ما بقى الإسلام والمسلمون وقضاياهم. نعم تنتشر كتاباته وتستولى على العقول والقلوب لا فى مصر وحدها كما هو الحال بالنسبة لمندور فى كتاباته السياسية أيام أن كان يكتب فى تلك الموضوعات، بل فى العالم العربى والإسلامى جميعا، مع الفرق الهائل بين الأثرين، لصالح سيد قطب بكل تأكيد. ثم هناك فرق آخر شديد الأهمية، وهو أن مندور إنما كان يردد كلام اليسار الوارد من الخارج، أما قطب فهو مغموس فى أرض الإسلام لا يستورد شيئا من خارج الديار ولا يتحذلق بالتبعية للفكر الإغريقى والأوربى على طريقة القرعاء التى تتباهى بشعر بنت جارتهم، ولذلك كانت الضريبة التى دفعها، رحمه الله، رهيبة!
    وثمة كتابه البديع: "فى ظلال القرآن"، وهو عمل فكرى وأدبى لو كُتِب لمندور أن يعيش أضعاف عمره ويُوهَب أضعاف ما وُهِب من قوة فكرية وذوقية فلن يمكنه إنجاز معشاره. أقول هذا رغم أننى لست ممن يوافقون سيد قطب على طول الخط، فقد كتبت بالتفصيل عن هذا التفسير الفريد فى كتابى: "من الطبرى إلى سيد قطب- دراسة فى مناهج التفسير ومذاهبه"، ووافقته فى بعض الأشياء، وخالفته فى بعض الأشياء، ولكن يبقى الكتاب بعد هذا كله قمة لا يطولها أمثال مندور، وهذا إن فكر مندور أصلا أن ينطلق من منطلق الإسلام! وعجيب أن يتجاهل الدكتور مندور المرحوم سيد قطب فى كتابه عن "الشعر المصرى بعد شوقى" فلم يعرض له فى قليل ولا كثير رغم أنه يتفوق بدون أدنى جدال على شعراء كالهمشرى وإبراهيم نجا وحسن كامل الصيرفى مثلا، وإن لم يكن فى الأمر أدنى عجب عند التأمل، فمندور وقطب، بعيدا عن المعركة النقدية التى نشبت بينهما قبل ذلك، يمثلان فكرين متنافرين: الفكر اليسارى المستورَد لدى مندور، والفكر الإسلامى الأصيل لدن سيد قطب.
    كما أن الإعلام الرسمى، ومن ورائه الأدباء والنقاد، والشيوعيون منهم بالذات لتنافر طباعهم وطبع سيد قطب الرجولى المحب لأمته ودينه لا البائع نفسه بيع البخس والوكس والنحس لأعداء أمته ودينه والسائر فى خطا الصهاينة الأرجاس الذين عملوا بكل قواهم على زرع خلايا الشيوعية فى بلادنا حتى تكون تلك الشيوعية فى خدمة الصهيونية ضد العروبة والإسلام والمسلمين وحتى يرقص الشيوعيون على أنغامها ويتقافزوا كما يفعل "القرد أبو صديرى"، فالمهم عند أولئك المناكيد ألا تكون هناك قيود على ذممهم الخربة وأجسادهم النجسة وشهواتهم المنتنة، فلا عراقيل أمام الخمر والزنا واللواط والدياثة والقوادة والعمالة، هذا الإعلام قد تجاهل تماما إبداعات سيد قطب فى الأدب والنقد وغير الأدب والنقد. ولقد ظهر أيام انهيار غير المأسوف على شبابه: الاتحاد السوفييتى وثائق تدين عددا من كبار الشيوعيين فى بلادنا غير المحروسة وتذكر المبالغ التى كانوا يتقاضَوْنها لقاء عمالتهم لهذه الدولة التى كانت كبرى إلى وقت قريب. وما زال هؤلاء الكبار (الصغار فى الحقيقة) يمرحون فى الأرض ويتفيهقون ويعلموننا دروس الوطنية والكفاح والشرف الذى على أصوله على نحو سمج مقيت يبعث على الغثيان. ذلك أن أولئك البعداء، جراء ما مرودوا على الخيانة والعمالة، لم يعودوا يشعرون بشىء اسمه الحياء والخجل.
    والآن إلى بعض التفاصيل: فواحد من هؤلاء الشيوعيين الشرفاء (!) كانت زوجته الأمية التى التقطها من شوارع إحدى المناطق الشعبية بجوار "الست الطاهرة" حيث كانت تعيش فى كنف أب سكير، وحيث كانت تذهب إليه فى شقته القريبة التى كان يعيش فيها وحده بعيدا عن أهله الريفيين، كانت هذه الزوجة التى تعلمت، فيما بعد، القراءة والكتابة وأضحت تقدمية على سنة الشيوعيين الصائعين تعاشر عشاقها فى حضور ذلك "الجردل" بالشقة المشتركة التى ظلا يسكنانها بعد الانفصال. ولا يملك الجردل إلا أن يشكو لطوب الأرض دون جدوى: فلا هى تكف عن ممارسة الخنا أثناء وجوده فى الشقة، وعلى فراش الزوجية ذاته، ولا هو يكف عن الشكوى الذليلة المهينة! وسلم لى على الشيوعية والشيوعيين الشرفاء. وأحسن من شرف الشيوعيين "ما فيش"! وكان ينبغى أن يعرف أنه لا معنى للشكوى مما تصنعه هذه الصائعة، فهى من غرس يده وتعليمه، ومن ثم فمن المستحيل أن تطهر حتى لو اغتسلت بماء "النهر" كله من القاهرة إلى أسوان! وهذا أمر يعرفه الجميع، لكن العجيب أنك تقرأ ما كتبه كلاهما عن علاقتهما فلا تجد إلا كلاما عن الإخلاص والكفاح المشترك! ولقد شاهدتُ تلك الحيزبون أكثر من مرة فى الفضائيات وهى تنعى على الرجال أنهم لا يهتمون من المرأة إلا بالنصف الأسفل! تقول هذا وهى تشير بإصبعها إلى نصفها التحتانى على مشهد ومسمع من الدنيا كلها دون حياء! صحيح: تربية حوارى!
    وهناك الشيوعى الحقير الآخر صاحب دبلوم التمريض ومؤجّر أَسِرّة المستشفى الذى كان يعمل فيه للداعرين والداعرات من رفاق الخلايا الشيوعية المنتنة يقضون فوقها حاجاتهم الحيوانية الوسخة مثلهم ومثل هذا القواد النجس. وتنظر فتجد هذا القواد يكتب فى كل الصحف العربية بأمر من الدوائر التى تحتضنه هو وأمثاله وتسهل لهم سبل العيش الدنس، وكأن المحروسة قد خلت من الأقلام المثقفة الطاهرة العاقلة الراقية، ولم يبق إلا هذا الوسخ وأشباهه، وما أكثرهم هذه الأيام!
    وفى أوائل السبعينات ترددت عدة مرات على مقهى "ريش" بشارع سليمان بالقاهرة مع معيد زميل لى تربطه علاقة ببعض اليساريين. وفى إحدى هذه المرات، وكنت قد صليت المغرب قبلها بقليل فى أحد الأركان فى الممر الضيق هناك، مال علىّ زميلى قائلا وهو ينظر ناحية شارع سليمان: هل أنت جوعان؟ فقلت له: كلا، ولكن لم هذا السؤال؟ قال وهو يشير إلى شاب يشبه البُرْص مار بالشارع: هذا هو فلان الفلانى (ولم أكن سمعت به، ثم عرفت منه أنه يكتب القصة)، وأنا متأكد أنه جوعان لم يأكل منذ أمس. ولسوف أطلب بعض السميذ والبيض والجبن الرومى من بائع السميذ هذا، وأتظاهر أنى جائع حتى أعطيه الفرصة كى يأكل دون حرج. وقد كان، إذ نادى الشاب الذى يشبه البرص، وطلب بعض الطعام من بائع السميذ، وترك لصاحبنا الطعام كله يزدرده، وهو يتصايح بشعارات الكفاح اليسارى الحنجورى بعد أن أخبرنا أنه كان نائما منذ البارحة لم يستيقظ إلا الآن، وأنه لا يزال يشعر بألم خمار الشراب الذى كان يعب منه مع رفاقه عبًّا أثناء السهرة، وهو ما بعثنى إلى التهكم على ذلك اللون الرخيص التافه من التشدق بالنضال الطبقى، على حين لا يفكر رفيقنا الهمام الذى ليس عنده بعض شىء من الدم فى أن يجد لنفسه عملا يكفل له لقمة العيش على الأقل، فاغتاظ من ملاحظتى وتوتَّر وركبه عفريت. ولأول مرة أرى بُرْصًا يغتاظ ويتوتر ويركبه عفريت، فكانت تجربة مدهشة لى.
    وفى أثناء ذلك كله كان الشاب الذى يشبه البرص يلتفت ناحية مجموعة يسارية جالسة على مقربة منا مكونة من بعض الشبان وإحدى الصائعات الشيوعيات، وكانوا جميعا يشربون شيئا من نقيع البراطيش الذى لا ترتاح معداتهم المنتنة لشىء سواه، وهو لا يكف عن قذف البنت الصائعة الضائعة التى تجلس مع الثلة إياها بألفاظ السباب المنتقاة التى يتقنها هو وأضرابه من لمامة الشوارع مثل: "القحبة بنت القحبة"، وهذا أخفّ ما قال، مع حرصه فى ذات الوقت على المخافتة من صوته جبنا منه وهلعا كيلا يقوم أحد من الجماعة الأخرى بضربه وإلزامه السكوت. والسبب؟ السبب هو أنه كان يخاللها على سُنّة الشيوعيين الأنجاس، لكنها تركته إلى شيوعى حقير آخر.
    ولم يعمَّر ذلك البُرْص طويلا، بل سرعان ما مات وذهب فى ألف داهية جراء الإسراف فى الخمر والزنا، مع الجوع والتشرد اللذين بلا بهما معه ابنته الصغرى دون أى ذنب جنته تلك الصغيرة البريئة التى كان يجوب بها الشوارع وهو يحملها على كتفه بعد أن هجرته زوجته أخت الشيوعى الآخر السكير الهلفوت، لعنهما الله. ولقد قُدِّر لى بعد ذلك أن أقرأ للبُرْص بعض القصص التى كتبها فوجدته من قصاصى الدرجة العاشرة، إلا أن الشيوعيين، كعادتهم فى رفع كل بُرْص حقير إلى السماء، كانوا يغدقون عليه صفات العبقرية، حتى أراحنا الله من خلقته وكَسَحَه القدر إلى مجارى التاريخ حيث ينتمى.
    ولا ننس حكاية أروى صالح، التى كانت واحدة منهم ثم تبين لها أنها تعيش أكذوبة كبرى، ثم كانت ثالثة الأثافى اكشتافها أن الرجال (الرجال؟) الذين تزوجتهم، وكانوا كلهم من الشيوعيين، هم جميعا من الشواذ على نحو أو على آخر كما كتب د. محمد عباس فى مقال له مشهور، فلم تطق صبرا على كل هذا القبح والنتن، وانتحرت وغاردت دنيا الشيوعية والشيوعيين الدنسة غير آسفة عليها ولا مأسوف عليها هى أيضا.
    ويلحق بهؤلاء كاتبات هذه الأيام اللاتى لا يكتبن فى الواقع "أدبا" بل يفتحن مواخير يمارسن فيها "قلة الأدب"، إذ يضطجعن على قارعة الطريق عاريات كما ولدتهن أمهاتهن، وقد فتحن أفخاذهن لكل عابر سبيل، أو قل: "عابر سرير"، مثلما صور العهد القديم أُمّة بنى إسرائيل، التى قال على لسان المولى سبحانه وتعالى فى الإصحاح السادس عشر من سفر "حزقيال"، وإن كان من غير الممكن أن يقول الله سبحانه وتعالى كلاما عاريا على هذا النحو: "25فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ". هؤلاء لسن أديبات ولا مؤدبات، بل قحابا ومومسات من الصنف العَفِش الذى لم يكن يدور لإبليس ذاته فى بال ولا خيال. ذلك أن القحاب والمومسات المعروفات لا يخلون من بقية حياء، فهن يستترن بعهرهن، أما هؤلاء فيضطجعن للمارة على قارعة الطريق عاريات فاضحات مفضوحات فاتحات أفخاذهن، كاشفات سوآتهن المنتنة مثل أخلاقهن، وبمباركة رجالهن، إن صح أن يقال عن أمثال أولئك الجرادل: "رجال"! وهذا التحلل والانحلال هو كل ما يهم الشيوعيين ومن على شاكلتهم رغم جعجعاتهم حول الشرف والبطولة. وما أكثر السفلة "الأدناف" من أشباه الرجال الذين يكتبون مشجعين أمثال أولئك القحاب على كسر ما يسمونه برطانتهم الكريهة:"التابو" والتحرر من كل خلق كريم وكل قيمة نبيلة! ولم لا، والجميع تربية خلايا الشيوعية التى تعمل على تسهيل كل شىء لأعضائها فى العتمة، وأولها إطلاق العِنَان للأجساد الملتهبة التى لا تعرف نظافة ولا استحماما والتى لا يردعها خوف من رب ولا تفكير فى حساب أو ثواب وعقاب لأنهم لا يؤمنون برب ولا بثواب وعقاب. إنهم مجموعة من الحيوانات قد أُطْلِق سراحها وتسلط عليها السعار الجنسى فاشتعلت شهوةً واغتلامًا، فكُلُّه يقفز على كُلِّه. ولم لا، والأمر بالنسبة لهم "مولد، وصاحبه غائب"؟
    وإذا كان هذا الإعلام قد تجاهل سيد قطب كأنه لم يكن فهو تجنُّبٌ لا يمكن أن يدوم إلى الأبد. وأين ذهب عبد الناصر ذاته بعد أن كان اسمه يسدّ عين الشمس حتى أحال الدنيا إلى ظلام مخيف ورعب ما بعده رعب؟ وإضافة إلى هذا فالمشاهَد أن كثيرا من الـمُسَمَّيْن بـ"الإسلاميين" لا ينظرون إلى إنجازات المرحوم سيد قطب الأدبية والنقدية عادة بعين الترحيب والرضا، أو على الأقل: لا ينظرون إليها بعين الاهتمام، على رغم أن إنجازات الرجل فى تلك الساحة هى إنجازات كبيرة بكل المقاييس. وإنى لأرجو أن يأجره الله عليها أجرا كبيرا، فليس بالقليل عند خالق الذوق والجمال أن يعمل أحد عباده بقلمه فى تربية الذوق وصيانة الجمال، إذ ليست الدنيا كلها أكلا وشربا ولا حتى صلاة وصياما فقط، بل هذا وذاك وذلك وتلك وذوقا ولياقة وكياسة وهُفُوًّا للجمال وحسن تقدير له... إلخ. ثم إن من صفاته سبحانه جل وعلا أنه جميل يحب الجمال.
    وبهذه المناسبة أذكر أننى، قبل عدة سنوات، لاحظت غياب طالب متدين من محاضراتى فى مادة "القصة" كنت أَشِيم أن بإمكانه التفوق فى تلك المادة وغيرها، ولما سألته عن سر هذا الغياب بَدَهَنى بردٍّ لم أكن أتوقعه البتة، إذ قال إنها محاضرات فى القصة، وهى ليست من الأهمية بمكان لأنها لا صلة لها بالدين. وعبثا حاولت أن أفهمه أن النقد الأدبى فرع من فروع المعرفة، التى حض الإسلام أتباعه على السعى لتحصيلها واكتسابها، وأن دين النبى العظيم لا يعرف تلك التفرقة المصطنعة بين علم وعلم، تلك التفرقة التى لا تظن أن ثم أجرا على تحصيل العلم إلا إذا كان متعلقا بالدين من فقه وحديث وعقيدة وما إلى هذا، وأن النقد القصصى، والنقد الأدبى بوجه عام، من شأنه إكساب الطالب الحساسية الجمالية والذوقية والتعمق فى فهم الحياة، إذ شعرتُ كأننى أنفخ فى رماد أو فى قربة مقطوعة، وبدا لى أن قطاعا كبيرا جدا من المسلمين ينظرون إلى الوجود من ثَقْب إبرة مع أنه ليس لِدِينهم نظير فى الاهتمام بالدنيا والدعوة إلى البراعة فى كل مناحيها وتسنُّم ذراها، فى الوقت الذى يجىء فيه المسلمون فى العصور الحديثة بوجه عام فى ذيل الأمم حتى فى أمور النظام والذوق والجمال! وها هى ذى دورة بكين الأولمبية تهتك الستر عن تخلفهم الشائن حتى فى ميادين الرياضة جميعا، وهو أمر مخجل لأية أمة أخرى غير أمة المسلمين التى لم تعد تعرف شيئا اسمه الخجل والخزى، إذ بات الخزى طعامها اليومى والأسبوعى والشهرى والسنوى حتى إشعار آخر يبدو أنْ سيطول انتظاره كثيرا كثيرا كثيرا.
    وإذا كانت الكلمة الطيبة فى دين النبى العظيم صدقة، أفلا يُعَدّ كلامنا فى النقد الأدبى والقصصى كلمة طيبة نؤجَر عليها يوم القيامة لما تؤدى إليه من خير كثير فى هذه الدنيا التى أثبت المسلمون فى عصرنا أنهم أساتذة الفشل فيها؟ وإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة، أفلا تُعَدّ تلك المحاضرات لونا من إماطة الأذى، لا عن الطريق، ولكن عما هو أهم وأخطر: عن العقول والأذواق؟ أستغفر الله العظيم! ترى من أين أتى ذلك الطالب وأشباهه بهذا التفكير العجيب، وذلك الذوق الخشن، إذ لم يتورع أن يجبه أستاذه الذى يريد له المصلحة والتفوق بهذا الرد الجافى الخالى من كل أثر للياقة؟
    لقد قرأت فى ذلك الوقت لأحد الدعاة المعروفين فى صحيفة من الصحف الإسلامية الخاصة ذات مرة أن كتابة القصة حرام!
    - الله أكبر! لماذا يا مولانا؟
    - لأنها قائمة على الكذب؟
    - كيف يا فضيلة الشيخ؟
    - ألا يقول القَصّاص من هؤلاء مثلا إن فلانا الفلانى قام من نومة القيلولة فحلق لحيته واغتسل وتعطر ولبس بدلته ثم خرج إلى الشارع قاصدا المقهى القريب... إلى آخره، رغم أنه ليس هناك رجل بهذا الاسم قام بهذا أو ذاك من التصرفات، بل كله من اختراع الكاتب الكذاب؟
    لإِنْ كان الأمر كما يقول الداعية المشهور فكلنا، بحمد الله الذى لا يحمد على مكروه سواه، ذاهبون إلى جهنم، وبئس المصير، ولن يدخل الجنة سوى ذلك الداعية، إن دخلها، ما دام دخولها بهذا العسر العسير. لكن الله من رحمته جعل للجنة ثمانية أبواب، ولم يجعلها كمساجد مصر التى يحرص خادم المسجد المزعج الكسول على أن يغلق أبوابها جميعا ولا يترك منها إلا درفة واحدة من باب واحد لا تسمح بدخول أحد إلا إذا دخل بالجنْب ونَشِبَ فى حلق الباب كما تَنْشَب شوكة السمكة فى بلعوم الآكل وتسده فيختنق ويكاد أن يموت، ولم يستطع المرور إلا باستعمال لبِّيسة حذاء، وبعد أن يكون قد خلع ملابسه ودهن جسمه بالصابون. يا مُسَهِّل! لقد كان رسول الله يحب التوسعة، لكن المسلمين فى عصرنا هذا يغرمون بالتضييق فى كل شىء. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: بشِّروا ولا تنفِّروا، ونحن ننفِّر ولا نبشِّر أبدا حتى لنرى أنه لو حدث أن انكشف من شعر المرأة "شعراية" واحدة لكان مصيرها قعر الجحيم للتو واللحظة.
    الإسلام مَهْيَعٌ واسعٌ مكون من مسارات كثيرة، وكلها تؤدى إلى ذات المصير ما دام السائر يلتزم بالإيمان بالله واليوم الآخر والرسل الكرام وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم، وما دام يصدق فى كلامه وفعاله، وما دام يعمل ولا يكسل، وما دام يخلو قلبه من الأحقاد والضغائن، وما دام يحب الخير للناس جميعا، والمسلمين منهم بوجه خاص، وما دام يسعى وراء العلم والمعرفة، وما دام يحرص على الذوق الجميل، وما دام يحب نبيه ويقدر العمل العظيم الذى أنجزه والدور الكريم النبيل الذى أداه جميع صحابته الشرفاء معه... ثم لا يهم بعد ذلك التسمية التى يتسمى بها، فالله سبحانه وتعالى رب الجميع من سنة ومعتزلة ومتصوفة وشيعة وخوارج. إلا أن كل فرقة من الفرق التى تنتمى للإسلام ترى أنها هى وحدها الفرقة الناجية، محوِّلةً بهذه الطريقة المهيع الواسع إلى حبل رفيع معلق فى الفضاء لا ينجو إلا من يستطيع السير بل الجرى عليه ذهابا وإيابا طول النهار والليل وهو مغمض العينين دون توقف أو كلل، ودون تلعثم أو تلجلج؟ وأَنَّى لأحد ذلك؟ إن مصير من يحاول هذا الجنون معروف، ألا وهو سقوطه من حالق واندقاق عنقه وحمله على الأعناق إلى النعش فالقبر خَبْطَ لَزْق! أم ترى هناك من يرى خلاف ذلك؟ أَرُونِيه، ولكم الأجر والمثوبة من رب الأجر والمثوبة!
    وبالمناسبة فقد كان عندى فى تسعينات القرن الماضى طالب لا يكف عن سؤالى عن مصير المعتزلة يوم القيامة: أهم فى الجنة أم فى النار؟ لتأتيه إجابتى على وتيرة واحدة لا تتغير أبدا، وهى: وهل أخبروك يا بنىّ أنهم سيعينوننى ضابط جوازات على باب الجنة كما يصنعون فى المطارات لأفرز القادمين: فمن كان معتزليا كالجاحظ والنظّام مثلا أمرت بزبانيتى أن خذوه واعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ومن كان مثلك يدخن واصفرت أسنانه من التدخين ولا يصلى، أو على الأقل: غير منتظم فى الصلاة، ولا يقرأ كما ينبغى لطالب مسلم أن يجعل ديدنه القراءة ويسعى فى تحصيل العلم لا يتوقف عن ذلك أبدا أمرت به أن احملوه معززا مكرما فى محفة مزينة بباقات الورد والريحان وضعوه فى الجنة؟ يا بنى، إننى أنا نفسى لا أدرى ما الله فاعل بى. ولو أننى نجوت من أهوال النار ولو بخمس وأربعين فى المائة أو بما هو دون ذلك بكثير وقبلونى فى الجنة عن طريق الرأفة والعطف لكنت أسعد السعداء؟ ثم أردت مداعبته فسألته: وأنت، هل تصلى؟ فأجابنى بما أعرف أنه سيجينبى به: أحيانا، وأحيانا. فعدت أسأله: أولا تدخن، رغم أن التدخين ضار لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، سواء قلنا إنه حرام كما أفهم أنا، أو اكتفينا بكراهته؟ فقال: بلى. فقلت له عندئذ: أوليس من الأفضل أن تشتغل بمصيرك أولا ثم تبحث فى مصير كبار المفكرين كالجاحظ وغيره؟ أو تظن يا ناصر أن أمثال الجاحظ سيدخلون النار بهذه البساطة التى تتوهمها، وبكلمة من واحد مثلك، لا لشىء إلا لأنه معتزلى؟ وحتى الآن أرانى كلما رأيت ناصر، الذى أصبح من طلبة الدكتورية (المتقدمين قليلا فى السن)، أسأله ضاحكا: هيه! أين انتهى الأمر بك مع الجاحظ؟ وأين وضعته: فى الجنة أم فى النار؟ فيقول لى وفى وجهه بعض الخجل: أولا تزال تذكر هذه السذاجات يا دكتور؟ ثم أنظر إلى أسنانه البُنِّيّة وأسأله: هيه! والسجائر؟ فيقول منكسرا: أحاول أن أكف عنها. على أن المحزن فى الأمر هو موت الجاحظ ورحيله عن دنيانا منذ قرون طويلة، إذ كنت أتمنى أن لو كان من معاصرى ناصر، هذا الذى يريد أن يراه يتقلى فى النار ويصيح من ألم العذاب ولا مجير، فيضع فيه رسالة تخلده فى الدنيا وتدير اسمه على لسان العالمين ليل نهار، بدل هذا السخف الذى أحاول أنا تحبيره هنا عبثا! وبعيدا عن هذا التناول الفكاهى للأمر أرانى أتأمل هذا الانكسار من تلميذى فى بعض الأحيان وأقول فى نفسى: ومن يدريك يا فلان؟ (فلان هذا هو أنا طبعا كما لا أحتاج إلى أن أشرح للقراء!) ربما كان انكسار ذلك الطالب واهتمامه بالإسلام على قدر فهمه البسيط سببا فى دخوله الجنة، على حين يُحْرَم منها من هو مثلك يا أبا خليل. هل عندك اعتراض؟ فأسارع قائلا: ومن أنا حتى يكون لى اعتراض على ما يشاؤه الله؟
    وعَوْدًا إلى داعيتنا الذى يكذّب القصاصين ويرى أنهم ذاهبون إلى جهنم نقول: من الواضح أنه يوسّع معنى الكذب بحيث يدخل فيه كل شىء تقريبا. وعلى هذا فإذا قلتُ مثلا إننى ما إن رأيت الأسد مقبلا علىّ حتى أخذت ذيلى فى أسنانى وقلت: يا فكيك، فأنا فى رأيه كذابٌ قرارىّ، لأنى أولا ليس لى ذيل، وحتى لو كان لى ذيل فمنذ متى يستطيع الحيوان "أبو ذيل" أن يأخذ ذيله فى أسنانه؟ وثالثا فإنه لم يحدث أن قلت أنا أو غيرى قط عند الهرب: "يا فكيك"، بل الذى يحدث أن الهارب يجرى بأقصى سرعته دون أن ينبس فى الغالب ببنت شَفَة. بل إن عبارة "بنت شفة" ذاتها كذب فى كذب، لأن الشفاه لا تحمل ولا تنجب، فكيف يكون لها بنون أو بنات؟ كذلك هل للجدار إرادة كما لنا نحن البشر مثلا حتى يقول القرآن عن موسى وفتاه إنهما وجدا فى القرية التى مرا بها جدارا يريد أن ينقض؟ وهل كل من كان فى الدنيا أعمى بالمعنى الذى نعرفه من العمى سيكون فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا؟ إن هذا كله مجاز، ولو حاسبناه بحساب داعيتنا الكريم فسوف ننتهى إلى تلك النتائج الكارثية.
    وفن القصة هو بدروه مجاز، بيد أنه مجاز من نوع أوسع، فمجازه ليس فى الكلمة أو فى الجملة، بل فى بنائه كله من أوله إلى آخره. وهذا،كما قلت، معروف للطرفين: للأديب وللقارئ على السواء. والكذب بوجه عام آفة مرذولة يعاقِب عليها ربنا جل وعلا، وأفظع ألوانه هو الكذب الذى يتعمد فيه صاحبه الإخبار بغير ما حدث بغية تضليل الآخرين وإيذائهم، أو فى أقل القليل: بغية تفويت المصلحة عليهم. ويليه الكذب الذى ليس وراءه أى غرض كريم، بل الرغبة محض الرغبة فى تغيير الحقائق، وهو ما يعد مرضا، والعياذ بالله. والحق أنه لو قام أمر البشر على الكذب ما تحركت المجتمعات خطوة واحدة إلى الأمام، إذ إن التقدم والتحضر والعمل والإنتاج والسعى فى الأرض لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك أمان واطمئنان إلى ما يتردد من روايات وأخبار وحكايات، وإلا فكيف يبنى الناس أمور حياتهم فى العلم أو فى العمل أو فى العلاقات الاجتماعية وغير ذلك على أرض من الرمال المتحركة المهلكة؟ والقصاصون لا يأتون إلى شىء وَقَع فيَلْوُونَه عن حقيقته رغبة فى الضرر والأذى، كما أنهم لا يكذبون حبا فى الكذب، بل يعرفون هم وقراؤهم منذ البداية أن الأمر كله خيال فى خيال، وأن المقصود هو التسلى عن الهم والتعمق فى فهم الحياة وتثقيف العقل والذوق واكتساب الرقىّ اللغوى والتعبيرى وشغل أوقات الفراغ بما يعود على الذهن والقلب بالنفع الكريم وترسيخ هذه القيمة أو تلك والتنفير من هذا السلوك أو ذاك... إلخ. فليس هناك إذن، من حيث المبدأ على الأقل، تضليل ولا تعمد لتشويه الحقائق ولا رغبة فى الإضرار بأحد. أما إذا وقع من بعض القصاصين ذلك فهؤلاء يدانون وحدهم لا فئة القصاصين جميعا!
    نعم لقد كان هناك فى علماء المسلمين القدامى من كان ينظر إلى عمل القُصّاص فى المساجد شَزْرًا ويحذِّر منهم ومن قَصَصهم، لكن ينبغى ألا يفوتنا أن ذلك إنما كان موجها إلى القُصّاص الذين يخترعون الأحاديث ويضيفونها زورا وبهتانا إلى رسول الله لا إلى القُصّاص من حيث إنهم قُصّاص. فالأمران مختلفان كما وضحت فى الفصل الخاص بفن القصة من كتابى: "فنون الأدب فى لغة العرب". بل لقد استثنى الرسول من الكذب المعيب ما كان هدفه الإصلاح أو دَرْء الخطر عن الجماعة كما فى حالة الصلح بين المتخاصمين، أو فى حديث الرجل إلى زوجته طلبا لإدخال السرور على قلبها بدلا من صدمها بما فى قلبه من مشاعر الكراهية التى تعرض له فى وقت الغضب والمنازعة، أو الكذب على الأعداء حين يقع الإنسان أسيرا فى أيديهم مثلا. وبطبيعة الحال ليست هذه الحالات الثلاث هى الحالات التى يجوز فيها وحدها ولا يجوز فى سواها تنكب قول الحقيقة، إذ ليست إلا مجرَّد أمثلةٍ غير مستغرِقة.
    ثم إن للواقع فى الأعمال القصصية معنى آخر. إنه ليس ما وقع فعلا، بل ما يمكن أن يقع أو ما يقتنع القارئ بأنه يمكن أن يقع. ولقد قلت: "أو ما يقتنع القارئ أنه يمكن أن يقع" حتى يدخل فيه قصص "ألف ليلة وليلة" والسِّيَر الشعبية التى يختلط فيها الجن والشياطين وبنو الإنسان فى وقائع الحياة اليومية دون أية فواصل ويقع فيها السحر والغرائب ببساطة تشبه بساطة تنفسنا للهواء، ويراه بعضنا الآن خرافات بَلْقاء لا ينبغى أن نصدق شيئا منها، إلا أن القدماء كانوا يعتقدون فيها ويؤمنون بها فيصدّقون بظهور الجن والشياطين للبشر وبقدرة السحرة على تصيير الناس أحصنة وبراغيث وأصناما جامدة خرساء، وما إلى ذلك. ولقد كنت يوما من الأيام أقول بما يقول به النقاد الآن من أن الفرق بين القصص القديم والقصص الحديث هو أن الأول يقوم على حكاية الخرافات والأمور اللامعقولة، ثم تنبهتُ فيما بعد إلى أن الخرافات بالنسبة للقدماء لم تكن خرافات، بل كانوا يتحدثون عنها حديث من يراها واقعا حقيقيا لا مراء فيه. بل إننا الآن لا نزال نتخذ من الأساطير والخرافات القديمة مشجبا لكثير من أعمالنا القصصية والمسرحية. بل لقد ظهر فى العقود الأخيرة ما يسمى فى عالم القَصَص بــ"الواقعية السحرية"، وهى ضرب من القَصَص يشبه إلى حد بعيد قصص "ألف ليلة وليلة" رغم أن الكتّاب الذين يتبعون هذا الأسلوب يعلمون جيدا أن هذا كله ليس إلا خرافات وأساطير لا تصدَّق. إلا أن هناك اتفاقا ضمنيا بين الكتّاب والقراء على السكوت عن هذه النقطة كأنها ليست هناك. ثم من يدرينا أن بعض ما نراه الآن حقائق لا ريب فيها لن يكتشف الناس فى المستقبل القريب أو البعيد أنها لم تكن سوى خرافات وأننا كنا مخدوعين عن أمرها؟ من هذا يتبين لنا كيف أن داعيتنا المبجل الجليل قد بسّط الأمر تبسيطا مُخِلاًّ حين أطلق حكمه المتسرع على القصة بأنها مجموعة أكاذيب وأن القصاص شخص كذاب ينبغى أن يتوب ويُنِيب ويعزم على ألا يعود إلى المعاصى أبدا ويبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام.
    لكن هل ترك سيد قطب الأدب والنقد الأدبى تماما بعدما اتجه إلى الكتابات الإسلامية؟ كلا، فقد كتب مثلا "التصوير الفنى فى القرآن"، وهو كتاب فى التذوق البلاغى والنقدى للنص القرآنى المجيد. كما أن كتابه: "فى ظلال القرآن" هو أيضا، فى جانب من جوانبه، تناول بلاغى ونقدى لهذا النص الكريم. وكلا الكتابين مصوغ بأسلوب أدبى أنيق مشحون بالدفء وينفح بعطر الوجدان. بل إن كتابات سيد قطب الإسلامية التى لا علاقة لها بالأدب بمعناه الشائع هى رغم ذلك أدب بكل ما تعنيه كلمة "الأدب" من دلالة، إذ هى جميعا تتسم بحرارة التعبير وتجنيح التصوير وحلاوة الأسلوب وروعته. وهذه هى مواصفات النص الأدبى بغض النظر عن الموضوع الذى يتناوله ذلك النص. وهذا معروف لا حاجة إلى التدليل عليه. وقد أكده د. محمد مندور حين قال إن هناك من الكتابات التاريخية وغيرها ما يدخل فى الأدب لهذا السبب الذى ذكرته (انظر كتابه: "تأسيس الفنون السردية وتطبيقاتها"/ الهيئة العامة لقصور الثقافة/ 2008م/ 80- 85،120). وأذكر أننى قرأت لتوفيق الحكيم فى أحد كتبه استغرابه لانحصار الأدب عندنا فيما يسمى بالنثر الفنى، على حين أنه يضم، لدى الغربيين، الكتابات التاريخية والكتابات العلمية ذاتها إذا صيغت صياغة فنية جميلة. ويقول كاتب مادة "الأدب" فى "الموسوعة العربية العالمية" إن الأدب "تعبيرٌ راقٍ عن المشاعر والأفكار والآراء والخبرة الإنسانية. وهو، فيمعناه العام، يشمل كل ما كُتِب عن التجارب الإنسانية عامة... فالأدب هو أحد الفنون الجميلة، أو ما يمكن أن يشار إليه بالكتابة الجميلة".
    وفى الطبعة الرابعة من " Penguin Dictionary of Literary Terms and Literary Theory"، وتحت عنوان"Literature"، نقرأ السطور التالية، وفيها أن مصطلح "الأدب" مصطلح لا يخلو من الغموض والاتساع حتى إنه ليشمل، إلى جانب الرواية والمسرحية والشعر، أعمالا مثل كتاب "الشعر" لأرسطو، و"أصل الأنواع" لداروين، و"تاريخ الحروب الصليبية" لرانسيمان مثلا، لما فيها من أسلوب فنى جميل وشعور حار وما إلى ذلك: "A vague term which usually denotes works which belong to the major genres: epic, drama, lyric, novel, short story ode. lf we describe something as 'literature', as opposed to anything else, the term carries with it qualitative connotations which imply that the work in question has superior qualities; that it is well above the ordinary run of written works. For example: 'George Eliot's novels are literature, whereas Fleming's Bond books are unquestionably not.' However, there are many works which cannot be classified in the main literary genres which nevertheless may be regarded as literature by virtue of the excellence of their writing, their originality and their general aesthetic and artistic merits. A handful of examples at random suggests how comprehensive the term can be. For instance: Aristotle's treatises on Poetics and Rhetoric; St Augustine's Civitas Dei; Erasmus's Moriae Encomium; Descartes's Discourse on Method; Berkeley's Platonic Dialogues; Gibbons's Decline and Fall of the Roman Empire; Prescott's History of the Conquest of Mexico; Darwin's On the Origin of Species; Lord Acton's Essays on Church and State; Lytton Strachey's Queen Victoria; R. G. Collingwood's The ldea of Nature; D'Arcy Wentworth Thompson's On Growth and Form; Sir Arthur Keith's The New Theory of Human Evolution; Sir Charles Sherrington's Man on His Nature; Sir Steven Runciman's The History of the Crusades; and Dame Rebecca West's The Meaning of Treason. Scores of others might be added to such a list.".
    فسيد قطب إذن لم يترك الكتابة الأدبية والنقد الأدبى كما يتصور كثير من الناس، بل كل ما هنالك أنه انصرف عن تناول الأعمال البشرية إلى العكوف على القرآن العظيم والقضايا الإسلامية الكبيرة واضعا كل إمكاناته الذوقية والأدبية والنقدية فى خدمة هذا المشروع المتميز. وعلى هذا فلست من رأى د. على شلش، الذى وضع عن سيد قطب كتابا يشى عنوانه وحده بما يريد أن يقول، وهو "التمرد على الأدب- دراسة فى تجربة سيد قطب". ويرد د. شلش هذا التمرد المتوهَّم إلى شعوره بالإحباط من جراء عدم اهتمام الكتّاب الكبار به ورفضهم الاعتراف بقيمة ما يكتب من خلال مقالات ودراسات يؤلفونها عنه. ولكن هل كان سيد قطب قليل الشأن حتى يحس بالإحباط جراء أمر كهذا، وهو الذى كان يعطى بما يكتبه عن هذا الأديب أو ذاك صك الاعتراف به؟ لقد كان، رحمه الله، كاتبا كبيرا ملء السمع والبصر، بل كان الناقد الأول بالنسبة لجيله والجيل التالى له، وكان كل أديب يتمنى أن يفوز منه بمقال. ومن هنا تصفه "The Columbia Encyclopedia" فى مقالها عنه بطبعتها السادسة (2008م) بأنه "كان كاتبا وناقدا أدبيا محترما: Qutb became a respected writer and literary critic". وكان يكتب فى كثير من المجلات والصحف كما نعرف، وهو ما أشار إليه أيضا كاتب المادة الخاصة به فى "الويكيبيديا: wikipedia" فى نسختها الفرنسية، إذ نقرأ أنه كان "journaliste dans plusieurs des principales revues panarabes des années 30 et 40 (tel qu'Alaraby)"، وكذلك سهيل هاشمى (Sohail H. Hashmi) كاتب ترجمة "سيد قطب" فى "and the Muslim WorldEncyclopedia of Islam"، الذى كتب يقول: "His early writings, consisting primarily of literary criticism and works of fiction and poetry, brought him to the attention of Egypt’s cultural elite, including Taha Husayn". كما كان صاحب أسلوب لا يبارَى دقةً وأناقةً وسلاسةً وحيويةً ونصوع عبارة وسعة ثقافة ورهافة ذوق وقوة ثقة بالنفس. ثم إن من يشعر بالإحباط إنما يعتزل دنيا الكتابة، فضلا عن أن يعكف على كتاب الله الذى لا يقترب الكاتب العاقل منه إلا وقد نضج نضوجه النهائى، ولقد كان سيد قطب من هذه الناحية من أعقل العقلاء.
    كذلك فالمقارنة فى هذا المجال بين سيد قطب، رحمه الله، وعادل كامل على نحو ما صنع د. شلش هى مقارنة مجحفة ولا معنى لها، فكامل قد طلق دنيا الأدب والأدباء والنشر والناشرين تطليقا بائنا، وانصرف إلى مهنته فى المحاماة، أما قطب فظل يكتب وينشر وتتهافت دور النشر على مؤلفاته. بل إنه، وهو فى السجن، قد وضع عددا من أهم أعماله وأخصبها، ومنها كتابه الفريد: "فى ظلال القرآن"، الذى يكفى وحده لوضع اسمه فى سجل الكتاب الخالدين فى كل العصور، بخلاف كامل، الذى لم يكتب بعد ذلك إلا رواية نشرتها له دار الهلال فى أوائل التسعينات على ما يقول الدكتور شلش نفسه اسمها: "الحل والربط"، وإن كان من الممكن جدا أن يكون قد كتبها قبل هجره لدنيا الأدب. وعلى أى حال فهذا، بالنسبة إلى كامل، هو كل شىء. فكيف تصح المقارنة بين الرجلين؟ وأين قامة عادل كامل من قامة سيد قطب أصلا؟ الواقع أن هذه مقارنة لا معنى لها ولا موضع من الإعراب.
    أقول هذا رغم أنى مدين للدكتور شلش بتشجيعه إياى وأنا فى مقتبل الشباب حين قرأ لى فى أول السبعينات من القرن البائد قصتين قصيرتين أيام أن كنت أكتب القصة القصيرة وأتردد على دار الأدباء، التى قابلته فيها، وأثنى مشكورا على أسلوبى وطريقتى فى القص، مداعبا لى عن حق بأننى قد قصدت فى إحدى القصتين الإشارة إلى الفلم الفرنسى الذى كان يُعْرَض فى ذلك الوقت فى بعض دور الخيالة، وهو فلم "الموت حبا". وكان شلش ناقدا فنيا أيضا. وزاد الرجل فلفت نظر الدكتور عبد القادر القط إلىّ، وزكَّى نشر القصتين فى مجلة "المجلة"، التى كان الأستاذ الدكتور يرأس تحريرها أوانئذ، إلا أنها أغلقت أبوابها عقب ذلك بقليل فلم يتيسر نشر شىء لى فيها.
    أما قول د. على شلش بأن نجيب محفوظ كان أصلب الثلاثة، إذ ظل يكتب وينشر فى الوقت الذى انصرف فيه الآخران عن الكتابة الأدبية، فهو كلام غير دقيق بالنسبة لسيد قطب رحمه الله. لماذا؟ لأن سيد قطب لم يهجر الكتابة بتاتا فى يوم من الأيام حسبما رأينا، بل ظل يكتب وينشر، وألف أخصب أعماله فى تلك الفترة التى يدعى الدكتور شلش أنه هجر الأدب فيها كما سلف القول، وبالذات فى فترة السجن التى لو قُدِّر لمحفوظ أن يجرّبها لما استطاع أن يكتب شيئا البتة. وفى مادة "Qutb, Sayyid" من "دائرة المعارف البريطانية الموجزة: Britannica Concise Encyclopedia" (ط2005م) نقرأ أن سنوات السجن هى أخصب الفترات فى حياة سيد قطب تأليفا: "His prison years were his most productive". كل ما فى الأمر أن محفوظ ظل يكتب القصة لأنه لم يكن إلا قصاصا، أما قطب فكان ناقدا وقصاصا وشاعرا وكاتبا سياسيا ومفكرا إسلاميا. وإذا كان قد توقف عن كتابة القصة مثلا أو عن نقد الأعمال الأدبية، فقد انصرف إلى القرآن الكريم بالدراسة والتحليل والتذوق واضعا كل إمكاناته ومواهبه العقلية والنقدية والذوقية والأسلوبية فى خدمة هذا العمل العظيم. فكيف يقال إن محفوظ كان أصلب من قطب؟ وكيف، ومحفوظ معروف بأنه كان يلبس لكل حال لبوسها ويحرص على ألا يصطدم بالسلطة أو بالرأى العام أو بأصحاب النفوذ فى ميدان النقد فى عصره، على حين أن قطب لم يكن يبالى بشىء من ذلك متى ما اقتنع أنه على الحق، بصرف النظر عن مدى موافقتنا له فى بعض أفكاره ومواقفه أو لا؟
    وأنا، بالمناسبة، لا أوافقه على كل ما قاله فى تفسيره للقرآن مثلا، بيد أن هذا لا يعمينى عن الحقيقة الساطعة التى تصيح بملء فيها أن ذلك التفسير هو تفسير فريد لا يجود الزمان بمثله فى سهولة. ولقد قدم الرجل رقبته فداء ما كان يعتقد من مبادئ وأفكار، ولم يقبل أن يتنازل عن شىء من ذلك أو يلتمس الصفح من السلطات، والجود بالرقاب أسخى آيات الجود! ومرة أخرى فنحن عندما نقول هذا فإنما نقوله بغض النظر عما إذا كنا نوافقه على هذا أو ذاك من مواقفه وآرائه، فتلك قضية أخرى (انظر ما قاله الدكتور شلش فى كتابه السالف الذكر/ دار الشروق/ 1994م/ مقدمة الكتاب: "فى البدء").
    ***
    وكنت كتبت فى مقال لى منشور فى بعض المواقع المشباكية منذ عدة سنين عن رواية "أشواك" أنها تدور حول تجربة عاطفية بينشاب وفتاة انتهت بخِطبةٍ لم يُكْتَب لها الاستمرار، وكانت هذه الرواية أول ما وقع في يدي لسيد قطب، وكنت أيامها في الإعدادية عام أربعة وستين وتسعمائة وألف للميلاد،ولم أكن قد سمعت باسم مؤلِّفها من قبل، وكنت أظنه مجرد أديب شاب، كما لم يَدُر بخَلَدي ولا بخلَد أي إنسان أنه بعد نحو سنتين لا غير سيكون له ضجيجٌ رهيبٌ يملأ الدنياويشغل الناس كما لم يشغلهم أحد من قبل.ومما قلته فى ذلك المقال أن التجربة التي تعالجها الرواية هي، فى أغلب الظن، تجربة شخصية للمؤلف. كما أشرت إلى تعاطفى وقتها مع بَطَلَيِ القصة، وابتأست لهذه العلاقة الجميلة أن تُجْهَض دونتمامها. لقد كنت أيامها في بداية فترة المراهقة الرومانسية الجميلة، فضلاً عن حلاوة الأسلوب الذي صيغت به الرواية وبراعة الكاتب في التعبير عن حرارةِ التجربة وجوِّهاالأسيان الذي يبعث على الحسرة! وأضفت قائلا إننى، حين أعدت قراءتها بعد سنوات طويلة تزوَّجت خلالهاوسافرت إلى الخارج وأنجبت أولادًا، وجدت لها نفس التأثير الأول بل أَشَدّ، نظرًا لمعرفتي بالمصير المأساوي الذي آل إليه كاتبها. وكنت قد قرأت وأنا بسبيل إعداد رسالتي للدكتوريَّة نقدًا لها في مجلة "الرسالة" القديمة كتبه وديع فلسطين، إذا لم تكن الذاكرة قد عبثت بي، ورأيته يأخذ على الرواية أشياء بحيث يخرجالقارئ لهذا النقد بانطباع مؤدَّاه أنها ليست روايةً ذات شأن، وهو ما لم أستطع أنأتفق فيه مع الناقد قط، إذ الرواية عندي، ولا تزال، أكبر من هذاكثيرًا كثيرا.
    ثم ختمت كلامى عن الرواية قائلا: "ولعلي أستطيع أن أعود إليها قريبًا فأقرأها للمرة الثالثةلأمتِّع نفسي بها من جديد". وهأنذا أعود إليها هذ الأيام فعلا كما رجوت فى المقال المذكور، فهل تغير رأيى فيها؟ أم هل بقى كما هو؟ الواقع أن تقديرى لها قد زاد كثيرا، واستمتاعى بها قد أضحى أقوى من ذى قبل، وتعاطفى مع بطلها، الذى أتصور أنه هو سيد قطب ذاته، صار أحرّ وآلم. نعم منذ قرأت الرواية فى صباى وأنا أتصور أنها تحكى ما وقع لكاتبها رغم أنى لا أذكر أننى قرأت فى أى من ترجمات سيد قطب أنه كان ينوى الزواج فخطب فتاة، وأوشك أن يعقد قرانه عليها، لكن الأمر لم ييلغ نهايته المرجوّة على غرار ما فى القصة. إلا أن بعض السمات الفارقة فى شخصية بطل الرواية هى نفسها تقريبا سمات شخصية سيد قطب: فكلاهما كاتب مشهور يكتب فى الصحف ويعرفه الناس، وله تأثير على نطاق واسع حتى إن البطل حين ذهب مع خطيبته إلى القسم للتبليغ عن أخيها الصغير الذى تأخرت به مربيته فى العودة إلى البيت واطلع الضابط على بطاقته أبدى ترحيبه به بوصفه كاتبا مرموقا يكتب فى الصحف الواسعة الانتشار. وكلاهما شاعر، وشاعر وجدانى. كما أن الاثنين كليهما ريفيان محافظان، وإن كان هذا لم يمنع البطل من خطف قبلة من فتاته مثلا بين الحين والآخر. كذلك فبطل الرواية يبدى، فى بعض المواقف، ما يوحى بأنه يرى فى الارتباط بالمرأة عقبة تعوقه عن بلوغ أهدافه فى الإصلاح، وهو ما يتفق مع ما نعرفه عن حياة سيد قطب من عدم زواجه مثلما انتهى الأمر بالبطل فى الرواية، إذ انتهت أحداثها بانفصاله عن خطيبته ليقابلها بعد بضع سنين وفى يدها ابنها، ويفاجأ بها تناديه بذات الاسم الذى كانا ينويان أن يسميا به أول ابن لهما حين كانا يستعدان للزواج، مما يدل على أنها كانت تحبه حقا وصدقا وأنه هو الذى أفسد حياته وحياتها بالشك بسبب بعض الأشياء التافهة التى ليس لها فى حد ذاتها خطر، إلا أن شِرّة الشباب وشدة غيرته كفيلة بتوليد البغل نفسه وتدمير كل شىء فى وسوسة لا معنى لها.
    طبعا أنا أقول هذا الآن وقد تخطيت عتبة الستين وصرت أهدأ مما كنت فى عرامة الشباب، لكن قطب لم يكن أيامها شابا لأنه يذكر فى الرواية أن فارق السن بينه وبين خطيبته عشر سنين. والحق أن عطفى عليه هو الذى يدفعنى إلى هذا القول لتصورى أنه لو كان تزوج من تلك الفتاة التى من الواضح أنه كان يحبها حبا شديدا فلربما لم تكن نهايته قد اتخذت هذ المنحى المأساوى، فالزواج والأولاد كفيلان فى كثير من الحالات بأن يهدئا من شدة الثورة والسخط على الأوضاع ويبصرا المصلح بالهوة الفاغرة فمها تحت أقدامه فيعمل بقدر طاقته على اجتنابها، ولربما استطاع أن يجد طريقة أخرى فى الدعوة إلى ما يؤمن به دون الاصطدام بغباء السلطة وانغلاق عقلها وانعدام مشاعرها وجلافتها وقسوتها، التى تمثلت عند أدنى دركاتها فيما صنعته مع محمد نجيب نفسه، ذلك الرجل الكريم الذى استدعاه من يُسَمَّوْن بــ"الضباط الأحرار" لينتفعوا بجاهه ومنصبه وسمعته الشريفة، فلباهم وعرّض نفسه لما يمكن أن يصيبه من تنكيل وسجن أو إعدام، إلى أن حصلوا منه على ما يريدون فقلبوا له ظهر المجن وأَرَوْه النجوم فى عز الظهر، ولم يرحموا أحدا من أبنائه، بل دمروهم تدميرا. وظل الرجل طوال سنوات وسنوات يعامَل بقسوة وحشية لا مسوغ لها لا من شخصيته ولا من الظروف التى كانت تمر بها مصر ولا من طبيعة الشعب المصرى المستكينة التى لا تبالى بشىء حتى لو انطبقت السماء على الأرض، بل تظل على ولائها (الظاهرى طبعا، فهى لا تبالى فى الواقع بشىء مبالاة حقيقية) لمن فى السلطة مهما سامها الخسف والهوان والاستبداد وطيّن عيشتها واحتكر كل شىء فى يده وخنقها وحرمها الهواء الطائر وأوجب عليها أن تتنفس بمقدار، وفى أوقات معلومة لا تعدوها، ومن منخر واحد فقط بعد أن يضيق فتحته ولا يسمح بتوستعها مهما تكن الظروف. نعم، فنحن شعب لا يحسن إلا الطبل والزمر والرقص ومشاهدة مباريات الكرة المتخلفة ككل شىء فى حياته. وهذا كل ما يهمه، وطظ بعد ذلك فى الدنيا ومن نفضوها. ذلك أنى أرى، وكان قطب نفسه يرى شيئا كهذا على نحو ما قرأنا فى أول هذه الدراسة، أنه لا موجب لتضييع الوقت وإهلاك الأعصاب فى مطاحنة السلطات ما دامت الشعوب "مبسوطة على الآخر" مع تلك السلطات، وسعيدة بما تصنعه بها، وتكره كراهية العمى من يشذ عن خط سيرها المهين فيبدى شيئا من الشجاعة فى مواجهة السلطة ويطالبها بحق الشعوب فى الحياة والعزة والكرامة. إنها شعوب طبل وزمر، ولا شىء آخر. إنها شعوب لا تُعْنَى إلا ببطنها وفرجها، ثم لا شىء آخر. إنها شعوب ضُرِبَتْ عليها الذلة والمسكنة والهوان والبلادة وبُغْض العلم والعمل والإبداع والحضارة، ثم لا شىء آخر. وعلى رأى المثل: "أنا راضى، وأبوها راضى، وما لك أنت يا قاضى؟"!
    إنى أكتب هذا الكلام وأنا أكاد أطقّ من أجنابى كمدا وقهرا، والناس فى كل مكان من حولى "آخر انسجام"، وكأن الدنيا كلها برها وبحرها وسماءها قد دانت لها، وأخذت بذلك على الله عهدا إلى آخر الدهر! والواقع أن الإنسان إذا ما صوَّب نظره هنا وهناك وقارن بين شعوبنا فى هذه المرحلة البائسة من تاريخها والشعوب الأخرى، ورأى أن الشعوب كلها شىء، وشعوب العالم العربى والإسلامى الحاليّة شىء آخر، شىء كله زفت وقطران، انبثق السؤال التالى فى التو واللحظة: أوقد خلق الله الشعوب الأخرى من طينة، وخلق العرب والمسلمين فى العصر الحديث من طينة أخرى؟ إن ما تفعله شعوبنا الآن ليس له إلا معنى واحد هو أنها شعوب انتهت فترة صلاحيتها. بل إن كل شىء يقول بعلو صوته إنها تدمر نفسها وتنتحر حضاريا.
    وأخيرا إليك، أيها القارئ، هذه النكتة السوداوية التى تلخص الموقف كله وتعطيك ببساطة تامة ما أردت أن أقوله لك فى الفقرات الكثيرة الماضية وأحس رغم ذلك أننى لم أصل إلى مبتغاى، فقد قرأت أن الناس، أثناء تظاهرة من تظاهرات حركة "كفاية" ضرب الأمن المركزى كالعادة حولها نطاقا أوقف المرور، كانوا لا يكفّون عن التذمر من المتظاهرين. أتعرف لماذا أيها القارئ؟ لقد كانوا يقولون إن التظاهرة تعطلهم عن بلوغ بيوتهم. وتسأل أنت: وما الذى يستعجلهم هكذا للوصول إلى بيوتهم؟ فأجيبك: لا شىء، إلا أن يخلعوا جواربهم ويشرعوا فى تخليل أصابع أقدامهم. وهل هناك عمل آخر للناس فى بلاد العرب والمسلمين غير هذا وأمثاله؟ أوتظن أن هذه شعوب يُرْجَى من ورائها خير؟
    ***


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك!
    خواطر بلا ضابط ولا رابط )2- 2(
    د. إبراهيم عوض
    Ibrahim_awad9@yahoo.com
    http://awad.phpnet.us/
    http://ibrahimawad.com/
    http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

    و"أشواك" من الروايات التى يبرز فيها العنصر التحليلى النفسى بروزا واضحا. لقد كان سيد قطب يغوص فى نفسية بطليه ويأخذنا معه فى رحلة الغوص ويطلعنا على كل ما يدور فى الأعماق حيث التيارات التحتية المتلاطمة التى لا يلحظها عين الواقف على شاطئ البحر. وهو يفعل ذلك فى براعة يحسد عليها، وفى خفة ورشاقة فنية ومقدرة على النظر إلى الأمر من كل وجوهه رغم ما يبدو من أنه هو بطل الرواية، ومن ثم كانت الخشية من أن ينسى نفسه ويأخذ جانب البطل ويدين الفتاة على طول الخط. إلا أنه لم يقع فى ذلك الشرك، فكان هذا دليلا على أنه روائى كبير يمسك بخيوط عمله فى أستاذية مكينة. ولقد كانت الرواية حرية بأن يشير إليها مؤرخو الرواية عندنا، بل أن يفيضوا القول فيها، بيد أنهم جميعا قد أغفلوها إغفالا تاما. أنا لا أتحدث هنا عن النقاد، الذين استقبلوها لدن صدورها بما هى أهله من الاهتمام فكتبوا عنها ودرسوها، بل أتكلم عن مؤرخى الرواية، الذين جاؤوا بعد إعدام سيد قطب، فقد سكتوا جميعا عن مثل هذا الأمر الذى لم يكن ليعرضهم لأى شىء من جانب السلطات، إذ لا علاقة للأمر بنشاط قطب السياسى، لكنهم أثبتوا أنهم فعلا شجعان أجرياء لا يخشون فى قولة الحق لوم لائم. وفى يدى الآن كتاب الدكتور محمد مندور الذى أصدرته قصور الثقافة مؤخرا وأعطته عنوان "تأسيس فنون السرد وتطبيقاتها"، وهو عنوان لا يلائم فكر مندور ولا المصطلحات التى كانت معروفة فى عصره. ما علينا، فالذى أحب أن أقوله هو أن مندور حينما تناول الحديث عن تصنيفات الرواية فى مصر وجاء ذكر الرواية التحليلية لم يكلف خاطره أن يزج باسم رواية قطب ولو على سبيل "برو العتب" كما يقولون. وهكذا يخذلنا مؤرخو الرواية فلا يذكرون شيئا عن تلك الرواية البديعة التى لا بد أن تظهر فى أية قائمة للرواية المصرية مهما يكن طبيعة تلك القائمة.

    وهذه النزعة التحليلية تظهر مع اللحظة الأولى فى الرواية، وكأن صاحبها حريص على أن يرينا منذ البداية أنها رواية تحليلية لا مراء. وهذا هو الفصل الأول بحذافيره: "حينما أمسك بيدهاليلبسها خاتم الخطوبة، في حفل من الأهل والأصدقــاء، وفي ضوء الأنوار الساطعة، وعلى أنغام الموسيقى في الحجرة المجاورة، أحس بيدها ترتعش متقلّصة في يده، ونظرفإذا دمعة تندّ من عينيها. شعرَ بشوكة حادة تنغرز في فؤاده، وغامت الدنيافي عينيه، وتوقّع شرا غامضا يوشك أن ينقضّ، بل شعر بالكارثة تظلله، وتغشىحياته. ولكنه تماسك، وأسرع يدعوها إلى المقصف المعد في مكان آخر، غير ملتفتلدعوة المدعوين!
    وهنـاك، قبل أن يحضر أحد، نظرَ في عينيها المغرورقتين،فإذا هي تحاول بشدّة أن تبتسم، وتحاول أن تبدو خفيفة رشيقة كعهدها في غالب الأحيان. أمسك بيديها بين يديه، وحدق في وجهها، وهو يقول:
    -ماذا؟
    قالت:
    -لا شيء!
    قال:
    -بل هناك أشياء. ويجب أن أعلم هذه الأشياء.
    قالت:
    - أوه! قلت: لا شيء. ثم اسكت! لقد بدأوا يحضرون!
    قال:
    - أسكت. على أن تعديني بكل شيء بعد انصرافهم.
    قالت:
    - وهو كذلك!
    وكانوا قد أقبلوا يتغامزون، فسحبت يدها من يده متظاهرة بالدلال والخفة،كأنما كانا يتناجيان ويتعابثان في غفلة من عيون الرقباء.
    ...
    قالت في لهجة مناورة:
    -ولماذا تصر على أن هناك شيئا؟ ألا تتأثرالفتاة، وهي تقف في مفترق الطريق بين عهدين؟
    قال في لهجة جادة:
    -اسمعييا سميرة. إنني أعرفك جيدا، ولم تعد خافية منك تخفى عليّ. ولقد لاحظت تلكالنوبات التي تفجؤك وأنت معي في أبهج اللحظات، وهي علامة لا تخطيء على أن هناكشيئا. ثم إنني أحبك ذلك الحب الذي تعرفينه، وإن بين قلبي وقلبك تلك "الشيفرة"الخفية التي تجعل لكل دقة في فؤادك صداها القوي في فؤادي، فلا تحاولي أنتغالطيني أو تغالطي نفسك بعد اليوم.
    فارقتها ابتسامتها، وخذلهاتماسكها، وغامت على وجهها سحابة من الأسى، وقالت في صوتٍ غائر كأنما ينبعثُ منأعماق هاوية:
    -أعلم أنك تحبني فوق مقدور الإنسان، وهذا ما يعذب ضميري. ثم سكتت سكته رهيبة فتناول يدها في صمت، وهو يحس هول العاصفة تجتاح نفسهافتحطمها وتوشك أن تجتاح حياتهما جميعا، وحدّق بشدة في عينيها ونظر إليها مستزيدا!
    قالت:
    -اغفر لي أن أقول لك كل شيء. إنني أثق بك ثقة عميقة، وأشعربمقدار حبك لي. ولو فتشت في قلبي لوجدت لك مثل هذا الشعور فيه. ولكن هنالك فيضميري أشواكا سأضع عليها يدك، وأترك لك التصرف فيها كما تريد.
    قال:
    -قولي كل شيء ولا تخـافي!
    قالت:
    لقد عزمت أن أقول.
    ...
    في نهاية قصتها كانت تقول، وهي تهتز وتختلج: "وهذه الدمعة التي رأيتها لم يكن منها بد. كنتُ أشيّع بهاعهدا عزيزا. كان اللحن الموسيقي من حولي هو لحن الجنازة، أشيع به نعشه للمرةالأخيرة. والآن لقد انتهى!".
    وحينما بلغت القصةإلى هذا الحد كان قد اعتزم في نفسه أمرا لا يدري كيف اعتزمه، ولا بأي شعور اتجهإليه. كان الفارق بينه وبين فتاته عشر سنوات، ولكنه أحس في هذه اللحظات القصارأنه يشيخ. وكان يحبها حبا عنيفا مجنونا، ولكنه أحس في هذه اللحظات القصار أنهيحبها حبا سماويا شفيفا. وكان شديد الغيرة متوفز الإحساس، ولكنه أحس في هذهاللحظات القصـار أنه فوق العواطف البشرية، وفوق غرائز الإنسان. قالفي صـوت خفيض رتيب رهيب:
    -يا بنيتي، إنني أعطف عليكما، فاعتمدي عليّوسأساعدكمـا!
    قالت في دهشة:
    - تساعدنا؟ وكيف؟
    قال في توكيد:
    - ستكونين له!
    قالت في ذعر:

    -وأنت؟
    قال:
    -سأكون لك منذ اليومأخا وصديقا!
    قالت:
    -وتضحي حبك لي كله، وماضيك معي كله، وجهدك من أجلي كله؟
    قال:
    - نعم أضحيه. ولا زلت على استعداد لغيره من التضحيات. أضحيهوأنا أعلم أنني ضحيت بالحياة!
    قالت مبهورة:
    -يا لله! إنك نبيل.بل أنت أنبل من إنسان.
    وحينما أوى إلى فراشه انجلى عنه هذا الـخُـمَار المريح، وتنبّهت أعصـابه، وواجه كأنما هوّة تنفتح بين قدميه، وفجوةتفصـل شطري حياته، ومدى من العمر لا يقاس بالآباد!
    لقد بنى في أحلامهعشهما المنتظر، ولقد مضى بخياله يطوي الأيام، ولقد عاش هذه الأحلام عيشة الواقع،واستغرق في هذا الخيال، حتى لم يعد يفرق بينه وبين الحقيقة! فأين هو الآن منهذه الأحلام؟
    لقد أحسّ بالطعنة، وعرف أنه فقد الحلم القديم: حلمالحورية الهاربة التي سيقودها مغمضة العينين إلى العش المسحور بعد أن عاش في هذاالحلم عامين كاملين، وبعد أن سُحِر بها منذ اللقاء الأول، وأعدّ نفسه وأحاسيسه كلهالارتقاب اليوم الموعود.
    وجد نفسه يبكي.
    ثم أدركته رحمة اللهفنام!".
    فانظر إلى هذا الصراع العنيف فى أغوار نفس البطل بين حبه العارم العنيف لخطيبته وبين مثاليته التى رأى أنها توجب عليه الانسحاب من الميدان بعد أن يجمع بينها وبين خطيبها الأول الذى كان هو يتصور أنها لا تزال تحبه، ومن ثم لن يستطيع أن يفوز بقلبها وحبها كاملا. وانظر كيف يظن فى البداية أن المسألة هينة، وأن القرار الذى اتخذه لن يسبب له أى ألم وأنه من ثم لا رجعة له فيه، بيد انه ما إن ينصرف ويعود إلى منزله ويخلو إلى نفسه حتى يتبين له ولنا أن هذا كله محض أوهام، وأن الأمر ليس بتلك السهولة التى ظنها وظنناها معه فى البداية. ولسوف نقرأ فى مواضع متعددة من الرواية مشاهد تحليلية كهذا المشهد، بل أبدع وأروع، إذ سوف يرينا كيف استولى حب الفتاة على قلب البطل استيلاء، لا بناء على كلام الرواى، بل من خلال التصرفات والحوارات والمواقف الحية. إننى كلما تذكرت وقائع الرواية وما انتهت عليه شعرت بحزن شديد وكدت أقول لسيد قطب، وكأنه جالس حيالى يكلمنى وأكلمه: لم فعلت بنفسك هذا وألقيت بتلك النعمة التى وهبكها الله دون أن تفكر فى العواقب العنيفة والآلام الرهيبة التى تألمتها، وحق لك أن تتألمها؟ ترى كيف سهل عليك أن تفرّط فى تلك الفتاة الجميلة الأنيقة المصقولة المتحضرة التى سرعان ما استجابت لك وانخرطت فى عالم القراءة الراقية وأخذت تناقشك فى كل ما تقرأ مناقشة الند للند، فضلا عن موهبتها فى العزف الموسيقى الذى كان يستبيك ويهدهد روحك ويطفئ نار غضبك وشكوكك؟ بالله ماذا كنت تريد أكثر من ذلك؟ يا خسارة! لقد وصفتَها أكثر من مرة بأنها "حورية". وهذا صحيح، وكنت لا أحب لك أن تفرّط فى حورية كهذه! لكن ماذا نقول سوى أنها الأقدار، وأنه لم يُكْتَب لك فى اللوح المحفوظ أن تفوز بها؟
    اقرأ معى، أيها القارئ، هذه السطور التى وصف بها الرواى ما حدث إثر مشاهدة بطلى الرواية لفلم يشبه قصتهما، مما حرك فى نفس البطل المخاوف والشكوك، فعاد هو وخطيبته إلى بيتها محطم النفس مكتئبا، واسأل نفسك: أفلم يكن أجدر بالبطل أن ينظر إلى النعمة التى بين يديه ويحرص عليها ويشكر ربه بسببها ويعمل على أن يأخذ منها أكبر ما يستطيع من السعادة وراحة البال ويبتعد عن موجبات التنغيص والنكد؟: "هنا لم يطق صبرا على المواجهة، وخاف أن تخونه الكلمات، وأن تفضحه السمات، فانفلت إلى حجرة النوم.ولم يكن عليه من بأس في أن يرتاد من حُجَر الدار ما يشاء. لقد كان في حاجة لأنيستلقي ويستريح، كالرحالة المجهد المكدود في سفر طويل.لم يخلع ملابسه، ولم يخلع حذاءه، فما كانت له بقية من قوة يؤدي بها هذه الحركات. لقد كان حَسْبه أنيلمح السرير لينحط عليه كالجدار المنهار. وانقضت دقائق، ومناظرالرواية أمام عينيه، بينما ترنّ في أذنه كلمات الأم الطيبة القلب عن هذه الفترةالحلوة من الحياة. وينفلت زمام أعصابه، فلا يستطيع أن يضبطها لمواجهة هذه المفارقات. وفي هذه اللحظة تصل إلى سمعه من حجرة الجلوس نغمة البيانو.إنها تعزف، إنه لحنه المحبوب، لحنه المسحور.
    لقد سمع هذا اللحن منقبل، وسمعه كثيرا، سمعه من تلك الفتاة نفسها، سمعها تعزفه فاستعاده واستعاده،وظل يستعيده في نشوة عجيبة، حتى قالت له في دعابة ساحرة: لن أعيده مرة أخرى إلالقاء أجر معلوم! لم يكن يعرف اسم اللحن ولا عنوانه، ولم تكن تعرفه هيكذلك. كان أستاذ البيانو قد حفّظها إياه دون أن يذكر لها عنوانه. فما قيمة الاسموالعنوان؟ إن هذا اللحن المجهول كان يستجيش ضمائره ويحرك خواطره ويثيرفي حسه النشوة والحلم واللهفة والانسياب. كان يصور نفسه في تلك الفترة التي لم يكنيعيش فيها على الأرض، ولم يكن يحس إلا أن الحياة حلم ظافر سعيد. لقدكان يحب. يحب هذه الفتاة التي تعزف ذلك اللحن وإنها لتعزفه بيدها وقلبها،وبأعصابها وملامحها. كانت هي اللحن ذاته في صورة مجسمة. ولم تكن قد برزت بَعْدُتلك الأشواك. ثم ها هي ذي تعزفه مرة أخرى. وإنه ليسريإلى نفسه رويدا رويدا، وينسكب في أعصابه رفيقا رفيقا، وإن نفسه لتهدأ وتطمئن،وإن أعصابه لتسكن وتستريح، وإنه ليثمل، ثم ينتشي، ثم يرف في جو شاعري شفيف،وإنه لينتفض بعد لحظة خفيفا نشيطا، وإنه لينفلت إلى حجرة الجلوس ملهوفا مشتاقا،حتى إذا اقترب استرق السمع والنظر، فإذا هي، هي حلمه الجميل، هي حوريته الهاربة، هي، ولا شيء سوى الماضي العزيز، والثقة العميقة، والحب المفتون. هي، وإنه ليطوقها من الخلف في لهفة، فتبدو كأنما ذعرت للمفاجأة. المفاجأة التي كانتتنتظرها ولا شك بغريزتها العبقرية، غريزتها الفطنة التي توحي إليها في هذه اللحظاتبالذات بالعمل المفرد الوحيد، الذي يجدي في مثل هذا الأوان.هي، وقدوجدها، ووجد نفسه، ووجد فيها ما يقال.وإن الحب ليعود اللحظة يحلم،وإن الحياة لهي في هذا الحلم الظافر السعيد!". لكن إبليس اللعين لا يرضى لابن آدم أبدا أن يستمتع بالسعادة! وكيف، وبينهما من العداوة ما لا ينساه أبدا ذلك الرجيم، وإن نسيه ابن آدم لغفلته ونسيانه الذى يجرى منه مجرى الدم فى العروق؟
    أكتب هذا وقلبى يدمع، مع أن سيد قطب مات منذ زمن، ولا بد أن تكون الحورية قد لحقت به هى أيضا، أو تكون قد تجاوزت التسعين من عمرها. إلا أننى فى قراءتى للرواية فى المرتين الثانية والثالثة كنت أتناسى نهايتها المؤلمة التى أعرفها منذ القراءة الأولى، فأتصور أن شيئا ما سوف يحدث فى آخر لحظة فيصلح ما فسد بين الخطيبين ويتزوجان ويعيشان فى الثبات والنبات، ويقرآن معا كتبا وروايات، وينجبان صبيانا وبنات، قارئين وقارئات على عكس الجموع العربية والإسلامية التى لا تقرأ ولا تحب أحدا يقرأ وتكره القراءة والقراء كراهية العمى. ولشديد الأسف فإنى أفاجأ دائما بأن نهاية الرواية هى هى لم تتغير فى شىء، مما يزيدنى ألما على ألم.
    ويشبه هذا ما وقع لى حين شاهدت فلم "زينب" القديم لأول مرة، إذ فوجئت بأن زينب لم تمت بالسل ولا بغير السل، بل حصلت على الطلاق من زوجها الأول واقترنت برجل آخر يحبها وتحبه عالجها من مرضها فبرئت وعاشت معه فى سعادة وهناء، وهو ما انتشلنى من جو الغم والنكد الذى كان يسود الفلم حتى تلك الانعطافة المباغتة التى يتميز بها الفلم عن رواية الدكتور هيكل، وأسعدنى أشد سعادة. ولقد قرأت مرة فى "أخبار النساء" لابن الجوزى أن عمر بن الخطاب قال: "لو أدركتُ عفراء وعُرْوة لجمعتُ بينهما"، أى لسهَّل، رضى الله عنه، لهذين المحبين أمر الزواج فلم يفترقا ويقاسيا مرارة الحرمان. وليس شرطا أن يكون ما نُسِب إلى ابن الخطاب رضى الله عنه صحيحا بالضرورة، إلا أن للعبارة دلالتها الهامة. ومع هذا فهى أشبه أن تكون قد صدرت من ابن الخطاب العبقرى الذى كان، رغم شدته الظاهرية، يعطف على الضعف البشرى عطفا نبيلا.
    إننى على وعى تام بأن للتاريخ وللقدر منطقهما الذى يختلف عن منطقى هنا، فقد أعد القدر سيد قطب لينهض بدور لا يستطيع غيره النهوض به، وإلا فكم واحدا يمكنه أن يسير إلى المشنقة فى رجولة وصلابة ورسوخ وإيمان لا يتلجلج وعدم التلفت إلى الماضى أو الأسف مجرد الأسف على ما وقع، بل مع الفرح الغامر لأنه سوف يلقى ربه ولم يبدّل تبديلا، سوى سيد قطب؟ كما أن ورطة أمريكا فى العراق وأفغانستان وتوقفها عن اجتياح العالم الإسلامى كله كما كانت تخطط، أو فى أقل القليل: تأخرها عن إنجاز ذلك الهدف حتى الآن، إنما هو، فى جانب منه، بركة من بركات هذه الرجولة العجيبة التى قلما يعرف الزمان لها شبيها، فإن الشبان والرجال والكهول الذين اتخذوا من قطب مثالا لهم هم وقود هذا الكفاح البطولى العظيم الذى تئن منه أمريكا رغم الفوارق الهائلة بينها وبين أولئك المغاوير فى العدة والعتاد والتخطيط والموارد والإمكانات والعلم والخبرة، لصالحها طبعا. إلا أن البركة الإلهية ونفحات الإيمان التى يتمتع بها أولئك الأبطال تسد جانبا كبيرا من النقص الذى يعانون منه. ومرة أخرى أقول إننى لا أوافقه، رحمة الله عليه، على كل ما كتب، إلا أن هذا لا يعمينى عن موطن العظمة فى شخصيته، وإلا فلست بإنسان! وإذا كنت لا أستطيع أن أسير سيرته أو أكون مقتحما للأخطار والنيران دون تلعثم أو تخوف مثله، فعلى الأقل ينبغى أن أقول فيه كلمة الحق، وألا أكون لئيما فأحاول التنقص منه حتى لا تتكشف نقائصى. ***
    والحق أن الموجبات الموضوعية للشك والوسوسة والتردد لدى بطل الرواية ليست من القوة بمكان، بل كان من الممكن جدا أن ينتصر البطل عليها ويسعد بالجنة التى كان يرتع فى بحبوحتها، جنة الحب والتفاهم، وينتهى الأمر بالزواج وامتزاج الجسدين والروحين وارتواء الحبيبين من كوثر السعادة الصافى. بيد أن البطل، فيما هو واضح، لم يكن يريد أن يرتاح من هذا الشك وذلك الوسواس وما يجره فى أعقابه من منغصات ومزعجات. ذلك أن أصل المسألة كلها أن العروس قد كاشفته بعد أن ضغط عليها إثر شعوره بأنها تكن فى قلبها شيئا، بأنها كانت مرتبطة برجل قبله يعمل ضابطا وأنها تريد أن يساعدها كى تنساه تماما، وأنها قابلته مرة فى مكان عمله فى المعسكر الحربى الذى كان يعمل به. وبدا من سلوكها مع البطل وصراحتها وشفافيتها أنها مخلصة فيما تقول وأنها تحبه فعلا، وأنه إذا كان هناك رسيس باق من الحب القديم فهو فى طريقه إلى الزوال، بل سرعان ما زال فعلا، وأصبحت الحورية له بكيانها أجمع. ثم إنه كان يحبها حبا جنونيا ملك عليه حياته رغم أنه فى نوبة نبل وأريحية فى بداية صلته بها صارحها بأنه سوف يعمل على وصل ما كان انقطع بينها وبين الرجل الذى كان توشك أن تخطب له ثم لم تتم الخِطبة، وإن كان قد اتضح له أن من اليسير عليه أن يفقد حياته ولا يفقد الحورية. ومع هذا كله فقد تبين له أن رجوعها إلى ذلك الرجل لا يمكن أن يحدث. ولقد كان ذلك كله كافيا كى يرمى الأمر وراء ظهره ويقبل عليها بكل ما يستطيعه من سعادة وهناء، إلا أن الشيطان الرجيم بارع فى الوسوسة وزرع بذور الشك والشقاء فى قلب ابن آدم، كما أن ابن آدم ليس دائما من العقل والحكمة بحيث يهتبل الفرصة السانحة ويكرع من نهر السعادة الذى يجرى تحت قدميه، بل يُؤْثِر أن يَشْقَى ويتعذب ويُشْقِىَ ويعذِّب من حوله على أن يسعد ويهنأ، وإلا فلم آثر الإنصات إلى وسوسات الشيطان فى الجنة، التى كان يعيش فيها لا به ولا عليه دون أى إحساس بالتعاسة والشقاء، على أمر الله له بالحذر من أبى الأباليس؟ لقد رأى بطلنا مثلا فى المنام حلما يسىء إلى صاحبته، وكان قد تركها وفَصَم خِطْبته لها، وإن بدأ فى ذلك الوقت يفكر فى وصل ما انقطع، فما كان منه إلا أن سارع إلى لقائها فى بيتهم وحاصرها بالأسئلة وكأن ما حلم به هو حقيقة واقعة. ومعنى هذا أنه يبحث عن التعاسة والغم بمنكاش ولا يرتاح إلا إذا آلم نفسه وعذب ضميره وبات مرتعا للهم والشك والعذاب المحرق.
    وهنا أحب أن أقول شيئا، وهو أن الإسلام لا يحبذ النكش فى ماضى الفتاة بهذه الطريقة التى لا بد أن تنتهى بتدمير كل شىء. وفى ذهنى الآن ما قرأته منذ وقت طويل عن عمر رضى الله عنه وأرضاه حين قال لأهل فتاة كان قد أقيم عليها حد الجلد وتقدم لها بعد ذلك خاطب ففكروا فى مصارحته بما وقع، إلا أن عمر هددهم بعقاب أليم إن هم لم يستروا عليها، إذ يكفى المسكينة ما أُوقِع بها من عقاب. وقد أنفقت بعض الوقت فى البحث عن هذا الحديث فى موقع "الدرر السنية" حتى وفقت إلى العثور، وهذا هو نص الحديث حسبما وجدته فى الموقع المذكور: "أتى عمرَ بن الخطاب رجل فقال: إن ابنة لي كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدركتْ معنا الإسلام فأسلمت. فلما أسلمتأصابهاحد من حدود الله، فأخذت الشفرة لتذبح نفسها، فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها فداويناها حتى برئت، ثم أقبلت بعد بتوبة حسنة. وهي تُخْطَب إلى قوم، أفأخبرهممن شأنها بالذي كان؟ فقال عمر رضي الله عنه: أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه؟ واللهلئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار! أنكحها نكاح العفيفةالمسلمة" (الراوي: الشعبي- خلاصة الدرجة: فيه انقطاع-المحدث: ابن كثير-المصدر: مسندالفاروق-الصفحة أو الرقم: 1/ 393). وإن عينىَّ لتوشكان أن تتندَّيا بالدمع وأنا أقرأ الآن تلك القصة!
    ولقد تكفل الله سبحانه بغفران اللمم، بل هو عز وجل يغفر الذنوب جميعا. والعبرة فى أن يرى الرجل من خطيبته الإخلاص، وألا تكون سيرتها قطعة من اللادن تلوكها الألسن، وعليه ألا يتصور أنها كان ينبغى أن تنتظر حتى يهل عليها ويشرّف وجودها بمحيّاه البهىّ، فعندئذ، وعندئذ فقط، تفتح قلبها للحب، أما قبل ذلك فلا. والعجيب أن الرجل لا يطالب نفسه بشىء من ذلك، وهذا لون من الأنانية المقيتة التى لا تليق. وكثير من الشبان فى فترة الخِطْبة يحاول أن يقبّل خطيبته، فإذا استجابت له شك فى خلقها وسلوكها وكان أول شىء يفكر فيه هو تركها بذريعة أنها لا تُؤْتَمَن على عرضه، وإن رفضت غضب منها وعَدَّ ذلك برهانا على أنها لا تحبه ولا تستجيب لما يريد. بالله كيف يطلب منها أن تكون باردة فى مثل ذلك الموقف وأن تقيس كل شىء بمقياس المثالية، وهو نفسه موحول فى طين الأرض ويعمل على أن يوحلها معه؟ إنها بشر مثله، فلا ينبغى أن يثير غريزتها ثم يطلب منها أن تستعصم كل الاستعصام. فلماذا لا يقول ذلك لنفسه أولا؟ أوليس هذا ما يقتضيه العدل والإنصاف؟ ولا أدرى من أين أتى الرجالَ عندنا أن القلب لا يعشق ولا ينبغى أن يعشق إلا واحدا ليس إلا. إن القلب الإنسانى ليسع ألوانا من التجارب. أفلو أحبت الفتاة خطيبها الأول، ثم لأمر أو لآخر تركها ذلك الخطيب، أفينبغى أن تترهب بعده إلى الأبد وتهجر دنيا الرجال، على حين يسرح هو فى الأرض مرحا ويخطب غيرها ويستمتع بحياته طولا وعرضا؟ إنها بشر مثله، وقد غرس الله فى فطرتها ما غرس فى فطرته من حب الجنس الآخر والهفوّ إليه والرغبة فى الاقتران به، ومن حقها إذن أن تصنع ما يصنع هو. أولو تزوجت المرأة، ثم مات عنها زوجها، أفتظل طول عمرها أرملا لا تفكر فى سواه؟ والله إن فعلت هذا من تلقاء نفسها لتربية أولادها مثلا أو حفاظا منها على ذكرياتها الجميلة معه فهى وشأنها، وتُشْكَر على ذلك، وإلا فكما أنه لا يُقِيم على ذكراها أبد الدهر لو كانت هى التى ماتت قبله، فكذلك لا يصح أن نطالبها بما لا نطالبه به ولا نتوقعه منه. لقد تزوج الرسول عليه السلام مرارا، فلم نسمع أنه حاصر أيًّا من زوجاته بالأسئلة عن حياتهن السابقة، بل لم يحدث قط أن اهتم بمعرفة ما كان بين المتزوجات منهن قبله وبين أزواجهن الماضين. فهل نكون نحن أغير منه صلى الله عليه وسلم أو أكثر مثالية؟ ألا إنه لتنطع سقيم! وفى روايتنا نرى سامى يقبّل حوريته ويحضنها ثم لا يدخل بها، فماذا كان يريد منها أن تصنع؟ أوكان يرى أنها لا يصح لها الزواج من بعده إلا إذا صارحت رجلها الجديد بما وقع بالتفصيل وتحصل منه رغم هذا على البركة، أو فى أسوإ الأحوال: على العفو والمغفرة؟
    لقد قرأت فى الفصل المسمى: "العذراء الأم" من الرواية ذلك النص الذى يستوجب الوقوف إزاءه طويلا، وكان البطل فريسة لنوبة من نوبات النكش فى دفاتر الماضى دون مسوغ صحيح: "عادإلى داره موحش النفس مظلما كئيبا، تجثم على صدره الكآبة، ويغشى نفسه الوجوم،وفي أعماقه سؤال غامض لا يسمح له بالظهور والوضوح: تراه أخطأ طريقه في هذا المشروعكله؟ وأن هذه الفتاة ليست له، لا هي ولا فتيات القاهرة جميعا؟ إنه يتطلب في فتاةأحلامه مفارقات لا تجود بها الحياة. يتطلب الحورية القاهرية المغمضة العينين. يتطلب الفتاة العذراء القلب والجسد في زي قاهري، ويتطلب فيها الحساسية المرهفةوالشاعرية المتوهجة. ومع هذا كله طيبة القلب وصفاء الروح! تراه أخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة؟ أم تراه أخطأ الطريق من أوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟". وإنى لأتساءل: وماذا فى بنات القاهرة؟ أهن من صنع الشيطان، وفتيات سائر المدن والقرى من صنع الله؟ أويكون ذنب الفتاة أنها قد تصادف مولدها فى القاهرة؟ إن العاصمة أقمن بوجه عام أن تجعل شخصية المرء أنضج وأوسع أفقا. وإنى لأنظر إلى نفسى قبل وبعد مجيئى إلى القاهرة وأتساءل: أية النفسين أفضل عندك يا فلان؟ لا شك أن شخصيتى ما كانت لتنضج كل هذا النضوج لولا أننى أتيت إلى القاهرة رغم الحزن الشديد الذى كنت أشعر به أول وفودى عليها، وهو نفسه ما كنت أحس به أنا وزوجتى مضاعفا أضعافا فى بداية حياتنا فى أوكسفورد، إلا أننا نحمد الله آناء الليل وأطراف النهار أن أتاح لنا كل تلك التجارب على مرارتها فى بدايتها وما شاكتنا به من أشواك. لقد صيرتنى تلك التجارب إنسانا عالميا بدلا من أن أظل قرويا ساذجا ضيق الأفق والاهتمامات قليل الموهبة ضحل الثقافة والنفس. وفى القاهرة، بعد ذلك كله، كما فى كل مكان، الاستقامة والالتواء، والعفة والانحراف. وفى قلب القرى والنجوع والكفور فجور كالذى فى القاهرة، كما أن فى القاهرة زهدا وعفافا كالذى يجده الإنسان لدن أطهر الأولياء الصالحين فى محاريبهم. ولقد كنت حريصا أنا وزوجتى على تأدية كل صلاة فى ميعادها فى بريطانيا حتى ونحن نتنزه بين الحقول حول أوكسفورد حيث كنا نمضى فى بعض الأيام المشمسة الرائعة ساعات طويلات، ومعنا المذياع مفتوحا على إذاعة القاهرة أو صوت العرب، وكذلك بعض الكتب نقرأ فيها أو نتناقش حولها، أو نلاعب الطفلين على الأرجوحة فى الحدائق التى تقابلنا فى كل مكان. فإذا أردنا أن نصلى أدينا صلاتنا حيث نحن. فهل منعَنا وجودنا فى الحقول، وتحت أنظار المارة، فى بلد غير مسلم من تأدية صلاتنا فى ميعادها؟ هذا، ونحن بَعْدُ فى تديننا بسطاء غاية البساطة!
    وهذا يذكّرنى بما دار فى بداية ثمانينات القرن الماضى بينى وبين شاب طبيب متدين له صلة بى فى إحدى القرى المصرية حول الفتاة التى كان يريدها زوجة له، إذ كان رأيه أنها ينبغى أن تكون جاهلة لم تذهب إلى المدرسة وليست لها أية تجارب من أى نوع، أو كما قال هو: "قطة مغمضة"! فكان ردى أن ما يتصوره هو الباطل والوهم بعينه، فليس هناك فتاة مغمضة كما يتصور، وأن كل فتاة لا بد أن تمر بتجارب فى حياتها أيا كان لون هذه التجارب، وأن عقول البشر مفتوحة لتيار الحياة ليل نهار لا يمكن أن تنغلق أبدا، وأنه سوف يجد عقل الفتاة الجاهلة محشوا بالخرافات والضلالات التى تلقتها عن أمها الجاهلة مثلها وعن جاراتها اللاتى لا يقللن جهلا عنها هى وأمها، وأن الفتاة التى تذهب إلى المدرسة وتتعلم القراءة والكتابة لن تعدم، فى أسوإ الأحوال، أن تتعلم آية قرآنية أو حديثا نبويا أو بعض الإرشادات الصحية وقواعد اللياقة والسلوك، على حين أن تفكير الفتاة الجاهلة منحصر فى أمور الطبخ والكنس والزريبة وما إلى ذلك، وأنه لا معنى لتصور أن كل ما تفعله الفتاة المتعلمة هو كتابة الخطابات الغرامية لكل من هب ودب، وأننى لا أفهم أبدا كيف أن رجلا متعلما تعليما حقيقيا بحيث يبلغ هذا التعليم أغوار عقله وقلبه يفكر مجرد تفكير فى الزواج من فتاة جاهلة لم تتعلم. ثم زدتُ فلفتُّ نظره إلى ما كنت أسمعه من أن فى البيت المواجه لبيتهم عبر الطريق الزراعى والمصرف مجموعة من الأخوات المتعلمات المشهورات بجمالهن. هذا ما قلته له، وإلى هنا وكل شىء جميل، وقد اقتنع صاحبنا بما قلته له، إذ خطب كبرى أولئك الفتيات وتزوجها على بركة الله. إلا أن غير الجميل فى الأمر أنه دعا إلى عُرْسه كل الناس ما عداى أنا رغم نفورى من حضور حفلات الأعراس بزحامها وطول ما يُنْفَق فيها من وقت ممل. وتكرر هذا فى كل عرس تم بين أحد من إخوته وبين فتاة أخرى من ذلك البيت. وبطبيعة الحال أنا لا أقصد إلى المقارنة بين سيد قطب وهذا الشاب، فسيد قطب إنما قال عن نفسه أو عن بطله ما قال فى غمرة الألم والشك القاتل، وإن كان ذلك البطل مسؤولا عن الانصياع للشك والخضوع له وعدم بذل الجهد الكافى للتحرر منه. كما أنه كان مقدِّرا لثقافة خطيبته ورهافة حسها وذكائها وجمالها القاهرى المصقول. لقد كان البطل وقتذاك، سواء قلنا إنه هو سيد قطب أو لم نقل، كاتبا مشهورا يشار له بالبنان، ولم يكن بالشخص النكرة المنغلق الأفق والذوق.
    هذا فيما يتعلق بالنصف الأول من ذلك السؤال الذى ألقاه البطل على نفسه وهو فى غمرة الضياع والألم: "تراه أخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة؟ أم تراه أخطأ الطريق من أوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟"، أما الشق الآخر من السؤال فهو ما يلفت النظر وينبغى أن يستبقينا أمامه طويلا. ترى أكان قطب، إذا قلنا إنه هو بطل الرواية، زاهدا فى المرأة أو غير متعلق بها التعلق الكافى؟ إن وقائع الرواية لترفض هذا التفسير رفضا عنيفا، وإلا ففيم كل هذا الوله والشك والقلق وعدم الصبر إلى أن يتم الزواج فينال الحبيب من حبيبته ما يشاء من قبلات وأحضان؟ أتراه كان يفكر فى أن يَهَب حياته للإصلاح؟ فأما الإصلاح الدينى فلم يكن قطب قد اتجه إليه بعد، علاوة على أن الإسلام لا يعرف الترهب، وهو رحمه الله كان ولا ريب يعلم هذا جيدا. أما الإصلاح السياسى فلم نسمع أن أحدا من فرسانه عزف عن الزواج بسببه، وهذا إن كان سيد قطب يفكر فى هذا اللون من الإصلاح فى ذلك الوقت، أو كان قد فكر فى الإصلاح أصلا قبل اتجاهه إلى الإسلام. لكن لو استدرنا ونظرنا إلى المسألة من وجهها الآخر لوجدنا أن بطل القصة كان بينه وبين خطيبته عشر سنوات، ومعنى هذا أنه تأخر فى التفكير فى الزواج. كما أن سيد قطب لم يتزوج قط، ومات عَزَبا رحمه الله. أتراه كان استشفافا منه للغيب إذا أخذنا بأنه هو بطل الرواية، إذ هجس قلبه، مجرد هجس غامض، بأنه سوف يختار فى مقبل الأيام طريقا كله معاناة وآلام، وقد ينتهى نهاية مأساوية، ومن ثم لا داعى لأن تكون له زوجة وأولاد يتجشمون معه هذا كله؟ لاحظ، أيها القارئ، أننى إنما عزوت ذلك إلى الهاجس ليس غير، وإلا فليس يعلم الغيب إلا الله، وإنْ صَدَقَتِ الهواجس فى غير قليل من الأحيان! وإلا فليس أمامنا إلا أن نقول إنه القدر، الذى كان يُعِدّ سيد قطب لدوره التاريخى الذى نعرفه والذى بذل دمه من أجله عن طواعية تامة ورجولة لا نظير لها.
    ومنذ عدة ليال كنت أعسّ فى جنبات المشباك، فاطَّلَعْتُ فى موقع "http://www.worldpress.org/Mideast/2150.cfm"،تحت عنوان "Memories of Sayyid Qutb: An Interview With John Calvert"، على حوار مع جون كلافرت (John Calvert)، شريك وليام شبرد (William Shepard) فى ترجمة كتاب قطب: "طفل من القرية" إلى الإنجليزية، وكان من بين ما سُئِله كلافرت السؤال التالى:
    "Qutb was a life-long bachelor. What were his attitudes towards women? :"
    فكان جوابه:
    "I think he was a little bit afraid of women. He projected a lot of stuff on to women. He regarded women as a potential source of fitna, or social discord … Qutb was very afraid of the effects of sexuality as something that would compromise his identity as a God-fearing Muslim. If you look at his book Thorns, at the episodes he says that he experienced in the United States, women are always there in the background as temptresses. I don’t think that this pathology is common to Islamic culture, but I think Qutb certainly had a troubled relationship with women".
    وفى هذا النص يؤكد كلافرت أن ما كتبه سيد قطب فى رواية "أشواك"، وكذلك فى مقالاته عن رحلته إلى أمريكا، يُظْهِر بجلاء أنه كان يَعُدّ المرأة فتنة ينبغى توقى شرها، وأن صلته بها كان يسودها الاضطراب. ولست أوافق المترجم على كلامه، فليس فى "أشواك" شىء من هذا الذى يقول، بل تعكس الرواية سعادته بخطيبته وحبه لها وفرحته بأنها تجسّد ما كان يحلم به فى المرأة التى يريد الاقتران بها، إلا أن التردّد والتنوُّق والشكوك قد سممت عليه سعادته وأوردت علاقته بالحورية موارد التلف والبوار. ولا شك أن غريزة الجنس غريزة عاتية، ومن ينكر ذلك فهو كذاب أو جاهل مخدوع لا يعرف شيئا من حقائق الحياة، لكننى لا أظن أن لسيد قطب فى كتاباته، وبخاصة فى"أشواك"، موقفا خائفا من المرأة يقوم على أساس افتراض الشر فيها، فما المرأة فى الواقع إلا إنسان يخضع كما يخضع الرجل لغريزة الجنس. وهو يعرف هذا جيدا، فهو كاتب ومفكر كبير، وإن كان الموروث الشعبى يطابق بين المرأة وبين تلك الغريزة، ويحمّلها من ثم التبعة وكأنها هى المسؤولة عن انحراف الرجل ووقوعه فى شَرَك الغواية، مع أن الاثنين إنما تسيّرهما نفس الشهوة، وبالتالى فكلاهما مسؤول عن الخطيئة. بل ربما كانت مسؤولية الرجل أكبر، إذ كثيرا ما خدع المرأة ومنّاها الأمانى وهوّن عليها الأمر وعشّمها فى الزواج، ثم إذا ما جَدَّ الجِدّ تصرف بنذالة وأخذ ذيله فى أسنانه وبلَّغ فِرَارا، تاركا إياها وحدها تواجه المجتمع بعارها، ذلك العار الذى تتحمله فى نظر المجتمع وحدها عادةً، لا لشىء إلا لأن العار الذى اشتركا فى عمله لا تظهر آثاره إلا عليها. كما أن سيد قطب، إن قلنا إنه هو سامى بطل الرواية، كان يتعاطف مع خطيبته رغم كل تلك الشكوك التى كانت تنتاشه بين الحين والحين. كما برّأها أمام أهلها أكثر من مرة ملقيا باللوم على نفسه. إلا أنه كان يريدها وردة لم تنفتح أوراقها لأحد قبله ولم يطّلع على ما فى قلبها أحد قبله، وهو فى هذا يشبه كثيرا من الشبان والرجال فى بلادنا، فليس هو بالبِدْع فى ذلك.
    والبطل فى "أشواك" يشبه فى هذه السمة بطل "سارة" فى بعض الملامح العامة: فكلاهما يقع فريسة للشك فى الفتاة التى يحبها ويقاسى فى هذا السبيل أهوال الجحيم. إلا أن ثمة فرقا كبيرا بين الفتاة هنا والفتاة هناك: فهى فى "أشواك" خطيبة، أى أن العلاقة بينها وبين حبيبها علاقة شرعية، وهى فى "سارة" مجرد حبيبة لا يربطها بحبيبها شىء شرعى. كما أن طبيعة الشك هنا غيرها هناك: فبطل العقاد يشك فى حبيبته لأنه أحس أنها على علاقة بغيره فى ذات الوقت الذى كانت مرتبطة به فيه، على حين أن بطل "أشواك" كان يخشى أن يكون قلب خطيبته ما زال ينبض بالحب للشاب الذى كان يريد خِطْبتها قبله. كذلك فخطيبة سامى هى التى أنبأته بما كان بينها وبين ذلك الشاب، وطلبت منه أن يساعدها على تجاوز ذلك الماضى معترفة له بأنه يفوق خطيبها السابق كثيرا وأنه ليس إلى المقارنة بينهما لهذا السبب من معنى. أما "سارة" فكانت مخادعة لا تخلص لهمام. ومما تتشابه فيه الروايتان أيضا أن كلا البطلين كاتب مشهور. وقد حرص الراوى على أن يشير إلى ذلك من خلال انتباه الضابط فى كل من الروايتين إلى شخصية محدثه المعروفة من كتاباتها فى الصحف والمجلات ذات الشأن. وكلتا الروايتين تنتهى بالقطيعة بين الحبيبين، مع تعاطف كل منهما مع حبيبته رغم ذلك، وإن كان لكل منهما مسوغاته فى هذا التعاطف، كما أن درجة التعاطف عند سامى أقوى كثيرا منها لدى همام، فضلا عن أن العامل الحاسم فى الافتراق فى "أشواك" يرجع إلى الفتاة، التى شعرت أن الريح التى ستسيّر قارب حياتها مع سامى لن تكون رخاءً فى ظل شخصيته المتشككة التى لا تريد، فيما يبدو، أن تجنح إلى السلام. ولا ينبغى أن ننسى أن سيد قطب بقى ردحا طويلا من عمره متعلقا بالعقاد مخلصا له مدافعا عنه ضد مناوئيه من أمثال الرافعى ومندور، وكان يراه أديبا ومفكرا وشاعرا متميزا وممتازا ليس له من ضريب، وذلك قبل أن يستقلّ بطريقته هو ويمضى على سنته. فلا غَرْوَ إذا وجدنا بين روايته ورواية العقاد مثل تلك المشابه، وهى لا تنال من رواية "أشواك" فى قليل أو كثير، وبخاصة أنها فى معظمها مشابه قائمة على المصادفة المحضة. وكلتا الروايتين هى بَعْدُ من القَصَص العالى الذى قلما يقرأ الإنسان قَصَصًا مثله: سواء فى روعة الأسلوب أو عمق التحليل أو إحكام البنية الفنية أو فى مقدرة الاستيلاء التام على كيان القارئ، مع انفراد "أشواك"، فى حالتى أنا على الأقل، بأنها تثير التعاطف مع بطل القصة وحبيبته حتى من قبل معرفتى بشخصية سيد قطب كما أوضحت من قبل.
    وفى النهاية أترك القارئ مع هذه الفقرات من الرواية يقرؤها على مهل: "وفي المساءكان يقصد إلى الدار، وليس في خياله إلا صورتها المرحة الوثابة، وإلا صوتها الشجيالطروب. واستقبلته متهللة، وقبل أن يجتاز الممر وراء الباب، وكانت يدها لا تزالفي يده، قالت:
    - كنت الليلة خائفة. ولكم تمنيت لو تجيء في الظلام!
    وأحس أن الدنيا لا تسعه من الفرح، فضغط يدها بحراره، فتأودت وهي يشد يدها فييده، وبدت فتنة جارفة لا تحتملها الأعصاب! وانطلقت بعد قليل إلىالبيانو توقع عليه اللحن المسحور، فغمرت روحه نشوة عجيبة، وانسربت خواطره تراود أحلاما ذهبية، وأحس بسعادة تضيء روحه بنور وهاج، وتحلق به في وادٍ من التيه بعيد.
    وبعد أن استعادها مرة ومرة، على عادته كلما سمع اللحن المسحور، أعلنتفي دعابة ساحرة أنها لن تعيد العزف، ونهضت واقفة وانفلتت من الحجرة كالحوريةالهاربة، أو كالغزال الشرود. وكان معه في الحجرة أبوها وأمها وأخوها الشاب، ورآها تذهب نحو مرافق المياه، فتظاهر بعد برهة بأنه ذاهب إلى المرافق، وكانت لهالحرية في أن يذهب ويروح حيثما يشاء، وكان يفصل المرافق عن الحجرات ممر طويل ضيق. وفي منتصف الممر قابلها راجعة. ولا يذكر أنه رآها كما رآها هذه الليلة.كانت متوهجة يخيل إلى الرائي أنها تتوقد، كما يخيل إليه أن كل نفسها منافذتُتَلَقَّى منها الأضواء والأصداء، وتشع منها الطاقة والحرارة!ونسي المنزلومن فيه، وهم على مقربة منهما، وراح يضمها إليه في شوق عارم، ويهوى على شفتيها في لهفٍ حَرُور، وأحس أنها تتذاوب فيه، وتتفانى بكاملها، وأنها تستجيب له بكل ذرةفيها، وأنها تتلاشى وتتداخل وتتهاوى.
    ومضت فترة لم يكن يعي فيها شيئا،ولكنه لا ينساها أبدا! مضت هذه الفترة، وإذا هي تَثْنِي جيدها إلى الوراء، وقَوَامها في يديه، فتواجهه بنظراتها الجاهرة، وتقول في دعابة ساحرة:
    الرجل وراءنا!والله أناديه!
    ولم يكن يملك إلا أن يضمها إليه في عنف، وهي تسكب في نفسه أحلىرحيقها المذخور بهذه النظرة وتلك الفتنة. ثم تملصت منه، وانفلتت تجري. وعادهو إلى الحجرة نشوان، ولكنه تعبان! عاد فجلس، ولم يلحظ أحد منهم عليه شيئا، ولوتنبه أحدهم إلى عينيه لرآهما تقطران نشوة وسكرا.
    ...
    وغابت عنهم فترة طويلة، ثم عادت وقد هدأ كل هذا النشاط، وسكنت كل هذه الفورة، وبدت مطفأة خابية. وصدمه هذا الانقلاب صدمة عنيفة. وخيلت لهأوهامه أن هذا ندم منها على ما وهبت له، وأنها لا تزال تعد نفسها لحبيبها الأول. كانت كل معرفته بالمرأة من الأوراق! ووجم، وثقل عليه الجو،فشاع في المجلس كله الوجوم، وبخاصة وقد تقدم الليل، وداعب عيونهم النعاس.
    وانتهز فرصة انفرادهما بعد قليل في الممر، فراح يفسد كل شيء. قال لها:
    يبدو أنك نادمة على ما أعطيت.
    وهزت رأسها أنْ: نعم.
    فلم يحاول أن يفهم إلا أنها تعني ما تقول! قال:
    تريدين أن تكوني له خالصة!
    وجرح هذا كرامتها، فلم ترد أن تتقهقر. قالت:
    أي نعم!
    وغاظه ذلك جدا. ولميحاول أن يفهم غلطته في سَوْق هذا الحديث إليها الآن. قال:
    لن أعيدها مرةأخرى. اطمئني!
    قالت في برود:
    تحسن صنعا!
    وأفلت منه قياد نفسه، ولم يعرف كيف يدير الكلمات، قال:
    -لا يزال أمامك أن تختاري. فالفرصة بعدلم تضع!
    وتظاهرت بعدم المبالاة، وكانت عادتها حين تجرح كبريائها، وقالت:
    - والفرصة أمامك كذلك لم تضع، وتستطيع أن تتصرف بكامل حريتك!
    وهنافقط أحس أنه أخطأ في إدارة الحديث من أوله، وأنه استجاب لهواجسه التي لا زالتتختلج في ضميره، وأنه دفع بها إلى مكابرة لا مفر لها منها، فقال:
    لندعالحديث الآن.
    وعاد إلى الحجرة يستأذن للخروج. ولم تحضر هي لتسلم عليه. فدعتها أمها، فحضرت متثاقلة، ومدت إليه يدها باردة فسلم وانصرف وملء نفسه ظلام.
    ***
    عادإلى داره موحش النفس مظلما كئيبا، تجثم على صدره الكآبة، ويغشى نفسه الوجوم. وفي أعماقه سؤال غامض لا يسمح له بالظهور والوضوح: تراه أخطأ طريقه في هذا المشروعكله؟ وأن هذه الفتاة ليست له، لا هي ولا فتيات القاهرة جميعا؟ إنه يتطلب في فتاةأحلامه مفارقات لا تجود بها الحياة. يتطلب الحورية القاهرية المغمضة العينين.يتطلب الفتاة العذراء القلب والجسد في زي قاهري، ويتطلب فيها الحساسية المرهفةوالشاعرية المتوهجة. ومع هذا كله طيبة القلب وصفاء الروح! تراه أخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة؟ أم تراه أخطأ الطريق منأوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟ وفي مثل هذه الهواجس، التي كانيصاحبها في نفسه هم ثقيل وهمود كئيب، قطع الطريق الطويل بين دارها وداره، حتى إذا وصل لم تكن فيه بقية من النشاط للصراع والتفكير، فاستلقى مهدودا فنام!
    وأصبح الصباح، فإذا هو يجد له نفسا جديدة غير التي نام بها. لقد صحـا وفينفسه صفاء هاديء وصوفية شفيفة. إنه يعطف على الفتاة عطفا هادئا رفيقا. لقدصارعت أشواكها وقاومت ماضيها، ولقد ألقت بنفسها بعد هذا كله إليه، مجردة من كلستار، عارية من كل رداء. وبالأمس ألقت بنفسها كلها إليه، واستسلمت لأحضانه.أنثى كاملة تستسلم للرجل الذي تختاره، فما باله لا يزال بعد هذا كله يذكّرهابالأشواك، ويحيطها بالشكوك، ويحرجها بالاتهام؟ لها الله!
    وأحس عندئذ بالصفاء الهادئ يفارقه، وبالصوفية الشفيفة تتخلى عنه، وأجدّت له هذه الخواطر شوقاجارفا شديدا، ورأى نفسه يعبر عن هذا الشوق بشعر حار ملهوف.وحينما جاء موعدهاليومي كان قد أنفق كل رصيده من الصبر، فانطلق إلى الدار ترفّ كل جوارحه هوًى إليها، وصعد السلم قافزا لاهثا. فلما كان أمام الباب وقف يلتقط أنفاسه قبل أن يضغط زرالجرس.
    وجاءت الخادم ففتحت الباب، وبيدها الطفل الصغير أخو الفتاة، وكان يحبه حبا جما لخفة دمه، ورشاقة حركته، وحلاوة حديثه. وكانت الخادم خارجة بهللرياضة في منتزه قريب. فتناوله بكلتا يديه، وقبله قبلة حارة عنيفة! ثم سأله عن"سميرة"، فقال الطفل في شيء من التخابث:
    - عايزها؟
    - أيوه.
    قال:
    - كانت تبكي.
    ولا يدري كيف استقبل هذه الكلمة. تألم لهاما في هذا شك، ولكنه شعر بارتياح غامض. تبكي؟ إذن في نفسها من حديث الأمسبقية. وإن بكاءها ليؤلمه، ولكن أوَلاَ يدل هذا على أن المسألة في نفسها باتت جدا، وأنه يؤذيها ما يثور في نفسه حولها من شكوك؟وتنبه لهذا الشعور في نفسهفعده شعورا أثيما! أوَيريحه أن تتألم الفتاة لمجرد استيثاقه أن الأمر بينهماقد صار جدا؟ ثم يزعم أنه يحبها؟ يحبها أو يحب نفسه؟ ومع ذلك يصف نفسه بالإيثار!وبينما كانت هذه الخواطر تجول في نفسه كان يندفع في الدار مناديا:
    سميرة. سميرة. أين انت يا سميرة؟
    ولقيته أمها فسلمت عليه، وفيقسماتها شيء من الانكسار، ونادت بدورها عليها:
    سميرة. تعالي. إنه جاء!
    وأحس من هذا أن عدم مجيئه اليوم كان متوقعا، وأنه قد دار بشأنه حديث.وعـاوده الشعور المبهم المختلط. وأقبلت سميرة،ونظر فإذا هي مكدودة،تغيم عليها سحابة من الأسى. ولكنه قد حضر برصيد نفسي ضخم من الحماسة والطلاقة،فراح يجلو هذه الغاشية بنشاطه وطريقة حديثه والتفاتاته وحركاته، واستجابت الأملهذا فبدا عليها الانشراح. أما هي فكانت في نفسها بقية لا تزال، ولكنها كانت خيرامما لقيها أول مرة. وطلب منها أن تعزف له دوره المحبوب، ولكنها تمنعت حتى كادت أمها تغضب، فاستجابت لها. وكان عزف هذا الدور يكفي لإحداث جو آخر.وخرجت الأم، وقد راقها الجو الجديد، لتشرف على الشاي والفاكهة!ولما اختلى بها قالت له في رزانة:
    - يا سامي. إنك مظلوم معي. ومنواجبك أن تبعد عن طريقي. إنه مليء بالأشواك!
    وحاول أن يطمئنها بشدة، فأخذيدها بين يديه وضغطها مربتا، وقال: -أرجو يا سميرة أن تغفري لي اندفاعاتي، فأنا رجل جُرِح مرة، فدعي لي فرصة تندمل فيها جروحي، كما تركت لك فرصة تنتزعين فيهاأشواكك.
    وأدركتْ ما في لهجته من صدق وعمق فقالت:
    - معك حق. معك حق.ولكنني مع هذا بدأت أخاف!
    قال لها في توكيد ظاهر:
    - لا. لا تخافي. ثقي أنني أثق بك في أعماقي. وإلا ما وجدتني بجانبك إلى هذه اللحظة.قالت:
    - سأقول لك الحق: أنا مجرمة.
    عندئذ فاضت نفسه رقة لها وعطفا عليها، وراح يطمئنها على ثقته بها، ويبرئها مما ترمي به نفسها. وبعد فترة على هذه الوتيرة منالحديث عاد إليها اطمئنانها، وارتدت إليها بشاشتها، وتوهجت عيناها بذلك البريق الجذاب العجيب، وخُيِّل إليه أنه غسل ما في نفسها وغسل ما في نفسه، وأنهما يرفان طليقين في سماء الحياة".

    Ibrahim_awad9@yahoo.com
    http://awad.phpnet.us/
    http://ibrahimawad.com/
    http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9












  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    هذه الدراسة بقسميها مهداة إلى الأستاذة إيمان حمد تعبيرا عن شكرى لها لاهتمامها بترجمة مقالى عن "المسألة الجعيطية" إلى اللغة الإنجليزية تفضلا منها وكرما


  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    هذه الدراسة بقسميها مهداة إلى الأستاذة إيمان حمد تعبيرا عن شكرى لها لاهتمامها بترجمة مقالى عن "المسألة الجعيطية" إلى اللغة الإنجليزية تفضلا منها وكرما


  5. #5
    شـاعر الصورة الرمزية مصطفى فرحات
    تاريخ التسجيل
    18/02/2008
    العمر
    47
    المشاركات
    80
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    حضرة الدكتور إبراهيم عوض المحترم،
    شكرا لك على هذه "الأشواك"، ولا يشكر عاقل غيره على "الأشواك" إلا لأنها تحمل ورودا وأزهارا يفوح شذاها، فتطرب الروح، وتسعد العين.
    كان سيد قطب ـ رحمه الله ـ أديبا من الطراز الأول [مستلهما قول حسان رضي الله عنه: بيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابهم * شمُّ الأنف من الطراز الأول]، ومفكرا بارعا، ومتأملا في آيات الله (الذكر الحكيم والكون الفسيح)، ومناضلا آمن بالحق وبذل نفسه في سبيله، هكذا نحسبه والله سبحانه حسيبه، وهو أرحم الراحمين.
    أعجبني طول نفسكم في هذه الخواطر المتشابكة اشتباك "الشابكة" كما يحلو لكم أن تُسموا النت، وأقدر جهدكم المبذول فيها.
    وفقكم الله وأكرمكم وأعلا قدركم، وبمناسبة شهر رمضان المبارك تقبلوا خالص تهاني ودعائي لأن يوفقكم الله لصيام هذا الشهر وقيام ليله.

    فيا برقُ ليسـ(ت نجدُ) داري وإنما * رماني إليها الدهر منذُ ليالِ
    فهل لك من ماء (الجزائر) قطرةٌ * تُغيث بها ظمآن ليس بسالِ

  6. #6
    أستاذ بارز الصورة الرمزية مالكة عسال
    تاريخ التسجيل
    06/02/2007
    العمر
    69
    المشاركات
    1,296
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أخي ابراهيم عوض
    تحية كريمة ورمضان مبارك سعيد
    المقال أو الدراسة على السيد قطب ،رائعة وتستوفي
    كل الأدوات التي تبين على أن كاتبنا السيد ابراهيم عوض ،
    رجل محنك ومتمرس وله أدواته الحديدية لتفصيل أي موضوع ...
    لكن ماأراه هنا غير محتمل وهو تصنيف الإنسان الذي كرمه الله ،
    تارة بنعته بالحشرات وأخرى بالصراصير ...إلى آخره
    ثم استنهاض خيرة الكتاب من نجيب محفوظ ومحمد مندور ،
    وذكرهما بما لايبيق ....
    أحييك

    كل المنابر الثقافية ملك لي
    ولاشأن لي بتنازع أصحابها

  7. #7
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    الأستاذة مالكة عسال: تحية كريمة طيبة، ورمضان كريم عليك وعلى أهل المغرب جميعا، وبعد ألم يرد فى القرآن: "أولئك كالأنعام بل هم أضل"؟ ألم يرد فى القرآن: "كالحمار يحمل أسفارا"؟ ألم يرد فى القرآن: "كأنهم حُمُرٌ مستنفِرة* فرّت من قسورة"؟ وهل نقبل من هؤلاء أن يشتموا كاتبا كبيرا كسيد قطب: يشتموه لا ينتقدوه، فالنقد واجب، ونستفظع إيقافهم عند حدهم؟ أما نجيب محفوظ ومحمد مندور فلم يشتمهما أحد، بل أبديت رأيى فى بعض أمورهما، ومحفوظ عندى عبقرى رغم ما قلته فيه، ومندور صاحب أسلوب دافئ ومقدرة على التبسيط لما يقرؤه فى المراجع الأوربية وغيرها، لكنه متعجل ويسطو على ملكية الاخرين. فما الخطأ فى أن نشير إلى ذلك؟ وعندك كتابى عنه: "د. محمد مندور بين أوهام الادعاء العريضة وحقائق الواقع الصلبة"، وهو موجود فى منتداى بواتا، فيمكنك أن تطلعى على رأيى فى هذا الجانب من مندور مفصلا. ولك شكرى وتحياتى، وكل رمضان وأنت طيبة.


  8. #8
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    الأستاذ مصطفى فرحات، أشكرك أجزل الشكر على كلماتك الرقيقة، وأرجو أن أكون مستحقا لبعض ما تحمله من معان كريمة مثلك. واعذرنى إذا قصرت فى كلمات الشكر، فالثناء علىّ يربكنى رغم أنه يسعدنى كما يسعد كل إنسان. لك الشكر مرة أخرى، وأرجو أن أكون عند حسن الظن. وكل عام وأنت طيب وسعيد، وصحتك عال العال


  9. #9
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    30/11/2006
    المشاركات
    5,554
    معدل تقييم المستوى
    23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم عوض مشاهدة المشاركة
    هذه الدراسة بقسميها مهداة إلى الأستاذة إيمان حمد تعبيرا عن شكرى لها لاهتمامها بترجمة مقالى عن "المسألة الجعيطية" إلى اللغة الإنجليزية تفضلا منها وكرما
    السلام عليكم

    الدكتور المحترم / ابراهيم عوض

    كل عام وحضرتك بالف خير
    ورمضان كريم على الجميع

    شكرا على الاهداء

    اخذت نسخة، سأقرأها فى وقت لاحق

    وان شاء الله ان سمح الوقت اقوم بترجمتها

    علما باننى اعمل الان على ترجمة مصدر القرآن

    لك التحية والشكر وهدية مقبولة و فى ميزان حسناتك .

    تحيتنى


  10. #10
    أستاذ بارز الصورة الرمزية مالكة عسال
    تاريخ التسجيل
    06/02/2007
    العمر
    69
    المشاركات
    1,296
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مالكة عسال مشاهدة المشاركة
    أخي ابراهيم عوض
    تحية كريمة ورمضان مبارك سعيد
    المقال أو الدراسة على السيد قطب ،رائعة وتستوفي
    كل الأدوات التي تبين على أن كاتبنا السيد ابراهيم عوض ،
    رجل محنك ومتمرس وله أدواته الحديدية لتفصيل أي موضوع ...
    لكن ماأراه هنا غير محتمل وهو تصنيف الإنسان الذي كرمه الله ،
    تارة بنعته بالحشرات وأخرى بالصراصير ...إلى آخره
    ثم استنهاض خيرة الكتاب من نجيب محفوظ ومحمد مندور ،
    وذكرهما بما لايبيق ....
    أحييك
    الأستاذ ابراهيم عوض
    رمضان مبارك سعيد
    وكل عام وأنت بألف خير

    التعديل الأخير تم بواسطة طه خضر ; 01/09/2008 الساعة 09:43 PM
    كل المنابر الثقافية ملك لي
    ولاشأن لي بتنازع أصحابها

  11. #11
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي الأستاذة إيمان حمد، رمضان كريم

    الأستاذة إيمان حمد، رمضان كريم. لم أنته بعد من شكرك على ترجمتك لدراستى عن الدكتور هشام جعيط، ولا أظننى سأنتهى منه بسهولة، ومع هذا تقولين إنك بدأت ترجمة شىء آخر لى، وتنوين أن تترجمى بعده شيئا ثالثا. ومعنى هذا أننى سأظل إلى يوم الدين أشعر بالقلق، فأنا لا أهدأ أبدا إزاء أية مكرمة يتحفنى بها أحد. بارك الله فيك، وجزاك خير الجزاء. ولتسامحينى وليسامحنى الزملاء الكرام إذا وجدونى فى بعض الأحيان أسكت فلا أرد على لطفهم، إما لشعورى بالحياء وإما لأنى لا أدخل المنتدى بانتظام. وللجميع شكرى ومودتى وتقديرى


  12. #12
    عـضــو الصورة الرمزية سعيد محمد الجندوبي
    تاريخ التسجيل
    09/09/2007
    العمر
    60
    المشاركات
    92
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    أخي العزيز د. إبراهيم عوض
    رمضان كريم.. مرّة أخرى أجدني في اتفاق تام معك.. وفي ما يلي جزء من تعليق لي نشرته في منتدى من المحيط إلى الخليج على هامش وفاة محمود درويش:



    "محمود درويش رحمة الله عليه.. إنسان .. وخلق الإنسان ضعيفا

    ومحمود درويش شاعر والشاعر يبدع فنّا قد يُعجب البعض وقد لا يُعجب وهذا معلوم من الفنّ بالضرورة

    ومحمود درويش فلسطيني.. وليس كلّ فلسطيني مقاوم من يوم يولد إلى يوم يتوفاه الله والأمثلة على هذا لا تُحصى

    ومحمود درويش مثقف عربي اختار أن تكون مواقفه السياسية مع سلطة بلده .. وهذا النهج تسلكه غالبية المثقفين العرب..

    فيما أعلم.. لا يوجد مثقفا عربيا واحدا على مدى نصف قرن تحمّل مسؤوليته كمثقف ووقف بالقلم ضدّ سلطة بلده وثبت على مبدئه فسجن وعذّب وأُعدم ولم يبدّل، عدى الأديب الشاعر الناقد المفكّر المصري سيّد قطب.. بقطع النظر عن ماهيّة أفكاره"


  13. #13
    عـضــو الصورة الرمزية عيد ابراهيم
    تاريخ التسجيل
    09/06/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    41
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    أستاذي العزيز الدكتور ابراهيم عوض
    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وكل عام وأنتم بخير
    لقد استهوتني تماما تلك الدراسة التي أوردتها عن السيد قطب رحمه الله بل انك بتلك الدراسة جعلتني أعيد التفكير في بعض المواقف التي تعلمناها وقرأناها في بعض الكتب التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي تحاول النيل من شخصية ذاك الاديب، لذا فكرت فعلا في القيام بترجمة تلك الدراسة إلي اللغة الإنجليزية، ولكني تعودت ألا أترجم عن موضوع لا أعلم كل جوانبه ، لذا أرجو من سيادتكم إذا كان لديكم نسخة الكترونية عن "الأشواك" أن ترسلها لي لقراءتها حتي أقف علي كل ما فيها ليساعدني علي فهم وترجمة ما أوردته سيادتكم في تلك الدراسة.
    وتقبل فائق احترامي وقبولي تلميذا لكم
    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
    وكل عام وأنتم بخير

    شكوت إلي وكيع سوء حفظي فأرشدني إلي ترك المعاصي
    وقال لي إن العلم نور ونور الله لا يهدي لعاصي
    عيد إبراهيم عبدالله
    مترجم معتمد
    محاضر بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر
    محاضر ومترجم بمعهد اللغات للقوات المسلحة بمصر
    محاضر بالأكاديمية الأمريكية للتدريب بالسادس من أكتوبر
    princeeid@yahoo.com

  14. #14
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    أين كنت طيلة هذه المدة يا أستاذ جندوبى؟ وأين بيريهك الجميل؟ رمضان كريم، وأشكرك على هذا التعليق، ويسعدنى أن نكون متفقين فى هذه النقطة أيضا. يبدو أننى سأفعلها وأتتونس علشان خاطرك أنت والبيريه الأنيق والتعليقات الظريفة. أما الأستاذ عيد فلعله يتكرم ويرسل لى عنوان بريده الضوئى حتى يتسنى لى أن أزوده بنسخة من "أشواك". أو يمكنه أن يبحث عنها بنفسه فى المشباك (النت)، وهى متاحة فى أكثر من موقع. وله شكرى


  15. #15
    عـضــو الصورة الرمزية عيد ابراهيم
    تاريخ التسجيل
    09/06/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    41
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    جزاك الله خيرا استاذي العزيز إبراهيم عوض
    شكرا لك علي الاستجابة السريعة لي
    لو تكرمت ارسل لي النسخة علي
    princeeid@yahoo.com
    أو علي
    prince_eid81@hotmail.com
    وأشكر لسيادتكم ردكم الجميل

    شكوت إلي وكيع سوء حفظي فأرشدني إلي ترك المعاصي
    وقال لي إن العلم نور ونور الله لا يهدي لعاصي
    عيد إبراهيم عبدالله
    مترجم معتمد
    محاضر بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر
    محاضر ومترجم بمعهد اللغات للقوات المسلحة بمصر
    محاضر بالأكاديمية الأمريكية للتدريب بالسادس من أكتوبر
    princeeid@yahoo.com

  16. #16
    أستاذ بارز الصورة الرمزية السعيد ابراهيم الفقي
    تاريخ التسجيل
    30/11/2007
    المشاركات
    8,653
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي رد: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    أخي واستاذي ومعلمي د. ابراهيم عوض
    تحياتي القلبية
    المقال أو الدراسة عن العملاق السيد قطب ابراهيم ،
    رائعة وتستوفي === عملاق يكتب عن عملاق ===
    كل الأدوات التي تبين أن استاذنا السيد الدكتور ابراهيم عوض ،
    رجل محنك ومتمرس وله أدواته الحديدية لتفصيل أي موضوع ...
    تظهر جلية في الحديث عن عملاق مثل سيد قطب رحمه الله
    أما تصنيف بعض البشر بما يستحقون؟
    فهذا نهج كتاب الله تعالى تصنيف بعض البشر لضلالهم ومكابرتهم للحق الظاهر
    ========= سيدي اسمح لطفل - في الخمسين - وقد تطفل على منتداكم ==
    ========= فأنا من طفولتي الاولى في العلم ابني عظام عقلي من مائدتكم
    الذاخرة ============
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


  17. #17
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    الصديقان الكريمان الأستاذ السعيد الفقى والأستاذ مصطفى فرحات، لا أدرى هل رددت على تعليقيكما من قبل فى رسالة خاصة أو لا، فقد صرت بحكم السن أنسى. لقد دخلت الآن المنتدى بالمصادفة وفتحت هذا المقال ففوجئت بتعليقيكما وأننى لم أرد بشىء عليهما تحتهما، فاعذرانى واعلما أن من طبيعتى ، حتى لو رددت، أن أشعر بالارتباك عند قراءتى أى كلام طيب فى حقى. كل عام وأنتما طيبان وبكل خير، وأشكركما على ما كتبتماه شكرا جزيلا يليق بلطفكما، ولكما منى السلام والتحية والإكرام.


  18. #18
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    الأستاذ الفقى، حلوة جدا طفل فى الخمسين هذه. وعلى هذا فأنا رضيع فى الثانية والستين، واعذرنى يا والدى فى التطاول إلى الحوار معك، وسلاما الآن، فإنى جوعان وذاهب لأرضع بعضا من الحليب وأنام... رغم أن اللين مغشوش فيما يقولون هذه الأيام، إذ سمعت أنهم يضيفون إليه الأسمنت الأبيض. صحيح أننى سأرضع لبنا بشريا، لكن من يدرى؟ لقد وصل الغش إلى كل شىء، ومن غير المستبعد أن يكون قد وصل إلى لبن الأم. واااااء! واااااء! واااااء! واااااء!

    التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم عوض ; 30/01/2010 الساعة 10:20 PM

  19. #19
    عـضــو الصورة الرمزية مالك بن على
    تاريخ التسجيل
    17/01/2009
    العمر
    62
    المشاركات
    169
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    الأستاذ الكريم د. ابراهيم عوض
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مقال ودراسة حلوة رائعة
    رجل حديدي محنك متمرس له أدوات حديدية
    شـكرا لك ... بارك الله فيك.. ولك مني أجمل تحية

    ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )

  20. #20
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: "أشواك" سيد قطب! ويا لها من أشواك! خواطر بلا ضابط ولا رابط

    الأستاذ مالك بن على، بل أنت الحلو الرائع المتمرس الكريم، وبلاش الحديدى هذه، كفانا الله شر الحديد، فنحن فى مصر إذا أردنا أن نقول إن فلانا قُبِض عليه وزُجَّ به فى السجن قلنا: راح فى الحديد، مع خالص شكرى وتقديرى


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •