عزيز باكوش
هنا بفاس ، وربما بمناطق أخرى من بلاد العرب ،وضع موتانا من المسلمين مخجل جدا ، وقبورهم تنبش، وشواهدها تحطم ، وأضحت مقابر المسلمين خربا مهجورة، ومعقلا لصناعة كل أشكال الانحراف والصياعة وتخصيب الوضاعة في غياب تدبير حكيم لشأنها ،وانتفاءه من أجندة المنتخبين والسلطات الوصية .
فعلى مدى عقود مرت ،ماتزال فكرة تحسين أوضاع مقابر المسلمين وإعادة هيكلة فضاءاتها مع انتداب حراسدائمين، وأسوار عالية تحميها من العبث وسلوك الانحراف، من القرارات التي لم تتخذ بعد ، في خضم ثقافة الاحتجاج، وموجة الاعتصامات ، وموضة التدين والاسلمة ، هل سمعتم يوما بتنظيم وقفةاحتجاجية ضد تردي مقابر المسلمين؟؟؟؟؟

كلنا يعرف أن الموت ظاهرة تطال جميع الكائنات بما في ذلك البشر. والثابتهو أن كيفية تشييع الموتى ودفنهم تختلف باختلاف حضارة الشعوب وثقافتهم.
قبور النصارى التي يمكن معاينتها داخل البلاد أو مشاهدتها من خلال السينيما أ و البرامجالوثائقية في بلاد أوروبا أو غيرها” من الماء لهيه” تبدو جميلة جدا فيالغالب ، متناسقة نقية،مخضرة, منظمة و تحف بها باقات الورود من كل الجوانب.وتعمر شواهدها سنين بل قرون عدة . الخزفوالمرمر النفيس يؤطر حواشي كل قبر فيها. صور وتواريخ أسماء الموتى مزركشة ومنقوشة بخطوط رائعة في الجمال. عندما تدخل الكاميرا إحدى المقابر المسيحيةيحس المتفرج بالهدوء قد عم كل أرجاء المكان,بما في ذلك نفسه, بل يخترقالمقدس بسرعة خيال المتلقي إلى ملكوت الروح , ومن حيث لا يدري يشرع فيالإحساس بالفلسفة , والسؤال الأبدي. قبور النصارى في الدول المستعمرة" بفتح الميم "أيضالا تشد عن هذه القاعدة. أما إذا كان المشاهد عربيا, فان ذاكرته ستشرع للتوفي طرح أسئلته المعتادة من أجل فهم دوافع الاهتمام المبالغ فيه من طرفالمسيحيين بمقابرهم ككفار لن يلجوا الجنة ، بينما تعم مقابر المسلمينالفوضى بكل أشكالها. وقطعا ستجد الجواب الجائز أبدا، نحن أصحاب الآخرة وهمأصحاب الدنيا.
فلماذا لا نكرم موتانا بالشكل الذي يليق بهم ووفق ما تدبجهثقافتنا وثراتنا الإسلامي؟ لماذا نجد مقابرنا دون أسوار, وقبورها منبوشة, مطموسة, رثة, تغمرها المستنقعات الأسنة, وأبوابها مفتوحة, لكل أشكالالشعوذة والدجل , ووجهة مفضلة لملفوظات صلبة وسائلة للكلاب والسكارىوالشماكرية من كل الأجناس والأعمار.
عندما غادرت مقبرة باب فتوح، كان لدي انطباع قوي يشجع على القول أن وضعقبورنا مخجل جدا , مثل ما هو الحال عليه من ردم وطمس وتجريف ونبش وتحطيمومسخ وتشويه , والمثير في الأمر إن ما يرويه ماثورنا في هذا المجال منتعظيم الميت وتكريمه مجرد كلام ليل يمحوه النهار ، وبدا لي للحظة ،إننا مجرد غرقى في طوفان أكاذيبالتراث والأحاديث والسند والعنعنة والخلافات الكلامية والفقهية . وكم حدثتنفسي, أليس الجلوس أو حتى الإقامة في مقابر النصارى قبور اليهود في المجتمعات غير الإسلامية , أفضل بكثيرمن مساكن العديد من أبناء ورعايا الدول العربية والإسلامية . حيث مقابرهم في فوضاها عبارة عن أسواقمفتوحة لعموم الناس خارج أية مسؤولية او احترام يذكر من هذا الطرف أو ذاك.
اعرف أن مثل هذا القول يتعارض مع رؤية بعض المغاربة وسلوكهم اليومي تجاهالمقابر وعلى نحو خاص الأضرحة الإسلامية. لكن هل سمعوا يوما عن حملةلاقتلاع الأعشاب الضارة أو رشها بالمبيدات, هل سمعوا ميزانية مجالسهمالبلدية تخصص عشرات الملايين لترميم المقابر وصيانة حرماتها أو طلاءالقبور لتنسجم مع محيطها؟ هل سمعوا أن السلطات المعنية حددت يوما وطنيااحتفاء بالقبر أو ما شابه ذلك؟ هل سمعوا عن لجنة بلدية منتخبة تبحث في اجتماعها الدوري موضوع تحسين تصريف الأمطار في بعض المقاطع القبرية ، والبحث عن سبل وبدائل إيجاد موقع جديد لزرائب الأغنام وإسطبلات الحمير والبغال بعيداً عن موقع المقابر، ومايتعلق بإيقاف الدفن فيمنطقة دون أخرى ، وتحديد اجر القبر ...الى غير ذلك من الامور ذات الصلة؟؟.


تبدو الكتابةعن القبور وانين الموتى بمقابر فاس , ورسم خريطة لعالمهم الهامد, وسط حشدالحياة الزاخم والمتواتر من حولهم , مقاربة شاقة وعصية عند الإمساك , فالذات الكاتبة وهي تحاول ذلك, تجد نفسها تنطلق من نفس الألم. الم الحياة , إذ كلما أمعنت الغوص في الجدل القائم بين معيش الحياة, ومعيش الموت , كلما كان الألم اكبر عنادا, وأقوى بروزا .إنها تجربة فردية ملتهبة فيذاكرة جماعة تنحو الكلام , والمشاركة في لهيبها يظل نسبيا ومعزولا مهماتجرأ
عزيز باكوش الصور خاصة بالكاتب