آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 17 من 17

الموضوع: دراسات مسيحية لميخائيل بولس

  1. #1
    جامعة هلسنكي الصورة الرمزية أ. د. حسيب شحادة
    تاريخ التسجيل
    09/04/2008
    المشاركات
    47
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي دراسات مسيحية لميخائيل بولس

    “دراسات مسيحية” لميخائيل بولس
    عرض ومراجعة أ. د. حسيب شحادة
    جامعة هلسنكي

    تحت هذا العنوان صدرت في آذار 2008 باكورة أعمال أستاذ مادّتي التاريخ والجغرافيا في مدرسة “ينّي الثانوية” المتقاعد منذ العام ،1998 السيد ميخائيل (مخائيل) جبران بولس الأرثوذكسي والمولود عام 1940 في قرية كفرياسيف الجليلية المشهورة بنسبة متعلميها العالية جدا. وهذا الكتاب عبارة عن ثمرة محاضرات لاهوتية كان قد ألقاها المؤلف خلال ثلاث سنوات بواقع لقائين أسبوعيا على لفيف من الكهنة والشمامسة والعلمانيين. كان الأستاذ بولس قد درَس هاتين المادتين في جامعتي القدس وحيفا والتحق بسلك التربية والتعليم مبكّرا وهو ابن واحد وعشرين عاما وعمِل قرابة أربعة عقود في التدريس في ثانوية كفرياسيف التي كانت تستقطب طلابا من حوالي ثلاثين مدينة وقرية عربية، وما زال ناشطا في المجال التربوي التعليمي التطوعي في بلدته. حظي كاتب هذه السطور أن يكون واحدا من كم هائل من طلاب الأستاذ بولس في أواخر منتصف القرن الماضي.
    صدر الكتاب المذكور عن جمعية كفرساوية فتية وطموحة تحمل اسم “أبناء المخلّص في الأراضي المقدسة” وتُصدر منذ بضعة أعوام مجلة دينية دورية باسم “نجمُه في المشرق” وتنظّم دورات استكماليةً مختلفة للمعلمين في مضماري اللاهوت المسيحي والحاسوب، وللمزيد عن هذه الجمعية يُنظر في الموقع www.kfary.com. بعض مادة الكتاب قيد البحث كانت قد رأت النور في المجلة “نجمُه في المشرق” مثلا، عدد 12 سنة 5 عام 2007، ص. 4-8، 49-57.
    بين دفتي الكتاب 298 صفحة من القطْع المتوسط وهي موزّعة على ثمانية فصول أساسية: الصليب علامة الله الحقيقي ص. 12-24؛ جدول نسب المسيح ص. 26-47؛ إخوة الرب ص. 49-63؛ الله ظهر في الجسد ص. 65-71؛ ابن البشر، يسوع المسيح ابن الله الحي ص. 73-101؛ الصلاة الربانية ص. 103-119؛ الله فوق حرف الشريعة، المسيح له المجد وقضية نقض السبت ص. 121-196؛ أسرار الكنيسة المقدسة ص. 198-296. من الجلي أنّ الفصل الأخير،حول أسرار الكنيسة السبعةفي( الكنيسة اللوثرية اثنان: المعمودية والتثبيت)، والسرّ عبارة عن نعمة إلهية خفية، يكوّن ثلثَ الكتاب تقريبا ويليه من حيث الحجمُ سابقُه ولا يعثر القارىء في أي مكان في الكتاب على أية معلومة أو تعليل بصدد هذا التوزيع غير المتساوي في الحيّز. ومن الملاحظ أيضا أن فهرست المواضيع لا يحتوي للأسف على أبواب أو فروع الفصول الثمانية، ففي الفصل الأخير مثلا يجد القارىء مثل هذه العناوين: ما معنى كلمة “سر” ومدلولها؛ الكنيسة هي سر المسيح؛ تأسيس الأسرار؛ أشباه الأسرار؛ عدد الأسرار؛ نعمة الأسرار - النعمة المبرِّرة؛ الأسرار السبعة، سر المعمودية، معمودية الأطفال، سر الميرون، رتبة هذا السر، الخبز الأقدس؛ كأس الخلاص؛ الخمر؛ المناولة؛ التوبة والاعتراف؛ الصوم؛ موقف البروتستانت الخ. الخ.
    تتصدر الكتاب أربعُ كلمات: لسيادة مطران الروم الكاثوليك الملكيين السابق، بطرس المعلم، القائل “أحببتُ الكتاب قبل أن أقرأه. احببته من سطور التصدير الأولى، التي يعرفّنا فيها الكاتب عن نفسه إلخ” ويُسدي الشكر لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل؛ وراعي كنيسة الروم الأرثوذكس في كفرياسيف، الأب عطا الله )إيهاب( مخولي، الذي قام بـ”التوجيه والرعاية” والساعي جادا من أجل تحقيق نهضة مسيحية حقيقية في بلدته؛ ومدير مدرسة يني الثانوية، الأستاذ نسيب شحادة، يشيد بشخص المؤلف وبنشاطاته التربوية والإدارية الجمّة؛ وتصدير للمؤلف نفسه. فيه يتطرق لنقطتين أساسيتين: نشأته في بيت يحبّ الكنيسة ويؤمّها وىؤمن بتعاليمها ولمحة عن بذرة بزوغ مؤلفه هذا المبني أصلا على هدي الأسئلة والاستفسارات التي كان يطرحها المشاركون في دورة المحاضرات وتوجّه مدير الجمعية آنفة الذكر، الأستاذ يوسف شحادة، لنشر هذه المحاضرات في كتاب لتعميم الفائدة وقام بالطباعة الحاسوبية. جذبت انتباهي هذه الجملة “واني لأعلم انه في عصر الانترنت والحاسوب والفضائيات أضحى تأليف الكتاب أسهل من قراءته...” )ص. 9( ولست متأكدا بخصوص فحواها المقصود وما الداعي لإيرادها في سياقها هذا! على كل حال، هناك من يذهب إلى أن القراءة صيد والكتابة قيد.
    لا شك أن القارىء الجدّي كان يطمح إلى التعرف على قضايا أساسية أخرى ذات صلة وثيقة بجوهر الكتاب مثل: خلفية تحديد إطار الدراسات وطبيعة التسلسل الداخلي وإشكاليته فالمسيحية كديانات أخرى سماوية كانت أم أرضية مصطلح واسع جدا وليس من نسيج واحد، تندرج تحت كنفه طوائف شتّى تختلف الواحدة عن الأخرى بدرجات متفاوتة في الإيمان والعقيدة والطقوس والنظام الكنسي إلخ.، كتاب مقدّس صغير واحد وتفاسير وشروح شتّى مستمدة من العقل والنقل والنصّ؛ منهاج الدراسات، الهدف، المصادر والمراجع. من هذه الاختلافات يمكن التنويه بما يلي: يؤمن الكاثوليك والبروتستانت بأن الروح القدس منبثق من الأب والابن في حين أن الأرثوذكس يقولون إنه منبثق من الأب وحده )أنظر يوحنا 15: 26(. ويشار إلى أن البروتستانت أي المحتجين على سلطة البابا لا تقليد لديهم ولا رهبنة ولا شفاعة ولا إيقونات ولا بخور ولا صلاة قنديل أي صلاة مسحة المريض الخ.
    إنّ لفظة “دراسات” في الاستعمال المعاصر هي بمثابة اقتراض دلالي )calque( من اللغات الأوروبية العالمية الحالية: الإنجليزية والألمانية والفرنسية وتعني في الواقع “أبحاثا، بحوثا” studies, Studien, études وهذا يعني تلقائيا وجوب انتهاج الأسلوب العلمي الصارم أي ضمن أسس عديدة، إثبات كامل ودقيق للمصادر المعتمدة والإحالة إليها. غياب مثل هذه الإحالة يصدم عين القارىء في أماكن كثيرة مثل “ هناك من يزعم باطلا أن للمسيح إخوة وأخوات أشقاء ....، بيد أن الباحثين يتفقون على أن يوم السبت - شبت اخذ اسمه من الأكادي Sapattu.أنظر ص. 51, 123, 132, 206, 207, 222, 223, 243. لا ريب البتةَ أن الأستاذ بولس قد اطلع على عدد كبير من المراجع في فترة إعداد محاضراته أي كتابه هذا ومن قبلُ ويتمتع بخلفية صلبة في مساق التاريخ نتيجة تجربته المديدة في التدريس وحبّه للمطالعة. لذا فإن إضافة بضع صفحات لإثبات المصادر الأساسية والمراجع الثانوية أمرٌ ضروري وهام جدا لإتاحة إمكانية النقاش والاستزادة وإثراء للمعرفة.
    نعم، كتاب الأستاذ بولس جاء ليسدَّ فراغا ملحوظا في المكتبة العربية المسيحية في الأراضي المقدسة حيث يعيش قرابة المائتي ألف عربي مسيحي ومن المعروف أن قضية دراسة الديانة المسيحية في المدارس الرسمية مغموطة حقوقها. ما يتعلمه التلميذ في المرحلة الابتدائية هو فتات سرعان ما يتبخّر إذ لا استمرارية له في المراحل التعليمية التالية. وعليه هناك حاجة لتأليف كتب تتناول أسس الديانة المسيحية تتناسب وأعمار الطلبة ومستوياتهم الاستيعابية وكل هذا بلغة عربية ميسرة وبأسلوب شائق.
    في الواقع، لا يسع المتمعّن في قراءة “دراسات مسيحية” قيد العرض والمراجعة، إلا أن يثمن الجهد الذي بذله المؤلِّف في جمع المادة وتمحيصها وتبويبها وعرضها. مع هذا هناك بعض المآخذ مضمونا وشكلا ولا إخال المؤلف إلا مصحِّحا ما يتطلب ذلك في الطبعة الثانية وقبل صدور الجزء الثاني حول الأعياد المسيحية. قد تكون هناك حاجة لإجراء بعض التعديل في اسم الكتاب يتمثل بإضافة عنوان ثانوي يتناسب مع جلّ محتوياته. قد يتساءل المرء مثلا لماذا استهل المؤلف كتابه بموضوع “الصليب” ولم يبدأه مثلا باسم يسوع المسيح ونسبه: من المعروف أن الاسم “يسوع” يتحدّر من اللفظة العبرية “يشوع” ومعناها “الله خلاص” ونُقحرت هذه الكلمة العبرية إلى اليونانية واللاتينية بصيغ عديدة: iesous, iesus, ihesu, iesu, jesu, Jesus، )أنظر: سفر العدد 13: 16; نحميا 8: 17؛ أعمال الرسل 7: 45؛ العبرانيين 4: 8( والجدير بالذكر أن الصوت J بالإنجليزية قد انبثق في القرون الوسطى. ويبدو أن الاسم “عيسى” في المصادر الإسلامية كان قد انبثق من الصيغ الأجنبية المذكورة وهناك في التراث العربي محاولات تأثيلية شعبية )volketymologie( مثل أن عيسي من عيَسَ أي أبيض، خالص وأن المسيح دُعي بهذا الاسم لأنه كان سيّاحا! يسوع المسيح ترعرع وعاش في مجتمع متعدد اللغات والثقافات، لا ريب أنه عرف اللغة العبرية وتكلم لهجة غربية من اللغة الآرامية وهي اللهجة الفلسطينية المسيحية )أختاها: الآرامية اليهودية الجليلية والآرامية السامرية( ومن المحتمل أن يكون قد تحدث باليونانية أيضا، وعليه فاسمه في المجتمع السامي كان “يشوع” وفي المحيط اليوناني دُعي iesous. هذا الاسم السامي تحول بمرور الوقت إلى “يشو” لاستثقال نطق الصوت الحلقي “العين” كما حصل في العديد من اللغات السامية كالأكادية بفرعيها البابلية والأشورية ولهجات آرامية، أما تفسير “يشو” كاختصار فإنه شتيمة عبرية ذات كلمات ثلاث معناها “ليُمح ذكرُه واسمُه” وهو حديث العهد ولا وجود للاسم يشوع في معجم أبراهام ابن شوشان الوافي. أما الاختصار: IHS = Jesus Hominum Salvator فمعناه: يسوع مخلص الإنسان. )هناك أطروحة دكتوراة باللغة الدانمركية حول الاسم “يسوع” للسيد Kai Kjaer-Hansen وصدرت عام 1982(. ومن المعروف أن إنجيل يوحنا في أصحاحه الأول يذكر سبعة أسماء للرب يسوع المسيح: الكلمة، الله، النور الحقيقي، الابن الوحيد، حمل الله، المسيا، ابن الإنسان؛ وفي الأصحاح الرابع قال للمرأة السامرية “إني أنا هو”. هو يهوه والمسيا، مشتهى كل الأمم ومشتهى النساء )حجي 2:7 ، دانيال 11: 38 (.
    في تقديرنا مثل هذه المعلومات قد تكون ضرورية وممتعة للقارىء بصورة عامة. الأمر ذاته ينسحب بالنسبة للتطرق لموضوع الصلب، المذكور ست وأربعين مرة في العهد الجديد، وفق المعتقد المسيحي والإشارة إلى موقف الإسلام المعارض من ناحية أخرى إذ لا بدّ من توضيح الأمور الخلافية أيضا. وعند التطرق لأشكال الصليب كان من المحبّذ الإتيان برسوم توضيحية لذلك كما فعل المؤلف في مقال له نُشر في “نجمُه في المشرق”.
    يكتب الأستاذ بولس عند تعليقه على يوحنا 4: 22 “وهذا يعني أن كتاب اليهود- العهد القديم هو الصحيح وليس كتاب السامريين الذي يختلف عن الأول في تعابير معينة في أسفار موسى الخمسة )التكوين، الخروج، اللاويين، العدد وتثنية الاشتراع(“. في الواقع موضوع الاختلاف بين نصي التوراة الربانية من جهة والتوراة السامرية من ناحية أخرى )Masoretic Text; Samaritan Pentateuch( شاسع وكُتب عنه الكثير الكثير بلغات عديدة منذ بضعة قرون من الزمان ويُقدّر عدد الروايات القرائية )variants( بينهما بأكثرَ من ستة آلاف فرق، غالبيتها الساحقة ليست ذات بال من حيث المضمونُ. أما الفروق الدينية الجوهرية مثل أن أقدس مكان للسامرة هو جبل جريزيم )جبل المنقطعين للصلاة( والقدس بالنسبة لليهود الربانيين الماسوريتيين، فقليلة.
    وردت في الكتاب مصطلحات عديدة وعليه فإضافة مسرد توضيحي مقتضب في ذيل الكتاب تكون بلا شك مفيدة للقارىء العادي وحتى المثقف في بعض الأحيان. مثل هذا المسرد قد يضم: آبائيات؛ إيكونيموس؛ أرثوذكس؛ الأسقف؛ السنهدرين؛ اليوبيل؛ يوسيفوس فلافيوس؛ قمران؛ أوريجانوس؛ الأفخارستيا؛ الشيوخ حز”ل؛ التلمود؛ المشناه؛ السامريون؛ الأزائيون؛ الكفارة؛ برشان، المقَسّم؛ الناموس؛ الفريسيون؛ الصدوقيون؛ چوييم؛ سوفريم؛ تنائيم )حكماء المشناه، التوراة الشفوية وعددهم مائة وعشرون، قارن ص. 195(؛ الإسيون؛ الميرون؛ برمون؛ إكليروس؛ كاهن؛ قسّيس؛ صكوك الغفران؛ البروتستانت؛ المندائيون أو الصابئة )Mandeans(.
    من حيثُ الشكلُ، أي اللغة والأسلوب، يمكن القول عموما أنهما سليمان وواضحان ولوحظ اختلاف ما بين النصف الأول من الكتاب والنصف الثاني، فالثاني فيه قدر أكبر بكثير من التركيز وعامل التشويق وفي الأول كم كبير في تقديرنا من الاستشهادات الكتابية وكان ربما من الأنسب الاقتصار على أهمها والإتيان بعصارة ما لم يدرج بلغة عصرية سليمة وشائقة. “الأسلوب هو الإنسان” كما يقال في بعض اللغات، ولكل أسلوبُه وبصماته في الكتابة وعليه فلن أتطرق إلى هذه الجزئية وأكتفي بالإشارة إلى جلّ الأخطاء اللغوية، طباعية كانت )همزتا الوصل والقطع بحاجة لعناية خاصة( أم نحوية وصرفية بغية العمل على تصحيحها في الطبعة الثانية. وهذه عيّنة من هذه الهفوات النحوية والصرفية الواضحة: توارت بدلا من توارثت؛ كان آخرهم أخوها؛ شخص بريء كامل بلا خطيئة الذي هو يسوع المسيح؛ وأثرت ثراء كبيرة؛ احتفل الأساقفة والمؤمنين؛ مجرد محامي عن الحق؛ صلة الوصل بين عهدا الشريعة الموسوية وعهد الإنجيل؛ فالمسيحية ليست نسيج توراتي معين؛ ليسوا هم امتداد للتاريخ القديم؛ كما يقول لوقا والهيروديسيين؛ محير وفيه صعوبة وتحدي؛ وقالوا عنه أنه عاصي؛ من اليهود القادمون من بلاد أخرى؛ يتخذان أحدهما الآخر؛ إن الله يدعوا بعض المسيحيين؛ إن جميع المسيحيون يشتركون في السمة الكهنوتية؛ الكنائس الأخرى السبعة؛ بعضها مضاض لبعض. )أنظر الصفحات: 3, 4, 6, 8, 9, 12, 13, 14, 18, 19, 20, 22, 23, 24, 27, 28, 29, 41, 32, 33, 35, 36, 38, 42, 43, 44, 45, 46, 49, 51, 59, 65, 73, 78, 95, 97, 104, 128, 136, 146, 151, 156, 157, , 158, 169, 173, 182, 184, 185, 186, 192, 195, 196, 230, 232, 238, 241, 244, 251, 252, 252, 256, 257, 259, 260, 262, 264, 265, 266, 267, 268, 269, 271, 274, 279, 280, 281, 285, 288, 293, 297, 298.
    قالت العرب قديما وحديثا:
    اللحن أقبحُ من الجدري في الوجه
    أرى لرجال الغرب عزّا ومنعة وكم عزّ أقوام بعزّ لغات


  2. #2
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    حبذا إرساله لمن يحب المعرفة

    القسم الأول من كتاب المسيح و الصليب
    و يمكن طلب الكتاب كاملا من
    arabisma@scs-net.org
    تنبيه !
    ( يعد هذا الكتاب من أندر الكتب وأخطرها على الإطلاق … وهذا الكتاب بالذات يعد من أهم كتب المؤلف عبد الأحد داود - رحمه الله - وهو قس مسيحي كبير أسلم ؛ وكان يجيد الكثير من اللغات ، فكان هذا الكتاب بحق من الكتب المضنون بها على غير أهلها ، وهو مع أهميته – للأسف – نادر الوجود ، ولذلك أحببت شخصيا أن اكتبه وأضعه بين يديكم لعل الله أن يهدي به ضالا أو يرشد به تائها ، أو يعلم به جاهلا … والله ولي التوفيق )
    ( مدخل تعريفي بالمؤلف )

    اسمه / هو دافيد بنجامين الكلداني ، كان قسيسا للروم من طائفة الكلدان ، وبعد إسلامه تسمى بعبد الأحد داود .
    مولده / ولد عام 1868م ، في أروميا من بلاد فارس ، وتلقى تعليمه الابتدائي في تلك المدينة ، وبين عامي 1886 – 1889م كان أحد موظفي التعليم في إرسالية أساقفة " كانتر بوري " المبعوثة إلى النصارى النسطوريين في بلدته ، وفي عام 1892م أرسل إلى روما حيث تلقى تدريبا منتظما في الدراسات الفلسفية واللاهوتية في كلية " بروبوغاندافيد " وفي عام 1895م تم ترسيمه كاهنا ، وفي هذه الفترة شارك في كتابة سلسلة من المقالات التي تم نشرها في بعض الصحف المتخصصة ، وبعد عودته من روما توقف في إستانبول عام 1895م وأسهم في كتابة ونشر بعض المقالات عن الكنائس الشرقية في الصحف اليومية الإنجليزية والفرنسية .

    لم يمكث طويلا في إستانبول بل عاد في نفس العام إلى بلدته ، وانضم إلى إرسالية " لازارست " الفرنسية ، ونشر لأول مرة في تأريخ الإرسالية منشورات فصلية دورية باللغة السريانية ، وبعد ذلك بعامين انتدب من قبل اثنين من رؤساء أساقفة الطائفة الكلدانية في بلده لتمثيل الكاثوليك الشرقيين في مؤتمر " القربان المقدس " الذي عقد في مدينة " باري لو مونيال " في فرنسا ، وفي عام 1898م عاد إلى قريته " ديجالا وافتتح مدرسة بالمجان .
    وفي عام 1899م أرسلته السلطات الكنسية إلى سالماس ، لتحمل المسئولية ، حيث يوجد نزاعات بين بعض القياديين النصارى هناك ، وفي عام 1900م ألقى موعظة بليغة شهيرة ، حضرها جمع غفير من طائفته وغيرها ، وكان موضوعها :
    ( عصر جديد ورجال جدد ) انتقد فيها تواني بني قومه عن واجبهم الدعوي .
    ما هي دوافع إسلامه ؟

    يحدثنا المؤلف نفسه في كتبه عن هذه الدوافع ، ومنها :
    (1) عناية الله به ، إذ يقول لما سئل : كيف صرت مسلما ؟ كتب : إن اهتدائي للإسلام لا يمكن أن يعزى لأي سبب سوى عناية الله عز وجلب ، وبدون هداية الله فإن كل القراءات والأبحاث ، ومختلف الجهود التي تبذل للوصول لإلى الحقيقة لن تكون مجدية ، واللحظة التي آمنت بها بوحدانية الله ، وبنبيه الكريم صلوات الله عليه ، أصبحت نقطة تحولي نحو السلوك النموذجي المؤمن ) .
    (2) ومن الأسباب التي ذكرها أيضا والتي جعلته يعلن عصيانه على الكنيسة ، أنها تطلب من أن يؤمن بالشفاعة بين الله وبين خلقه في عدد من الأمور ، كالشفاعة للخلاص من الجحيم ، وكافتقار البشر إلى الشفيع المطلق بصورة مطلقة ، وأن هذا الشفيع إله تام وإنسان تام ، وأن رهبان الكنيسة أيضا شفعاء مطلقون ، كما تأمره الكنيسة بالتوسل إلى شفعاء لا يمكن حصرهم .
    (3) من واقع دراسته لعقيدة الصلب وجد أن القرآن ينكرها والإنجيل المتداول يثبتها ، وكلاهما في الأصل من مصدر واحد ، فمن الطبيعي ألا يكون بينهما اختلاف ، ولكن وقع بينهماالاختلاف والتضاد ، فلا بد من الحكم على أحدهما بالتحريف ، فاستمر في بحثه وتحقيقه لهذه المسألة حتى توصل إلى الحقيقة ، حيث يقول :
    ( ولقد كانت نتيجة تتبعاتي وتحقيقي أن اقتنعت وأيقنت أن قصة قتل المسيح عليه السلام وصلبه ثم قيامه من بين الأموات قصة خرافية)
    (4) اعتقاد النصارى بالتثليث ، وادعاؤهم أن الصفة تسبق الموصوف كان أحد الأسباب التي دعته للخروج من المسيحية .
    (5) التقى بعدد من العلماء المسلمين وبعد مواجهات عديدة معهم اقتنع بالإسلام واعتنقه .
    (الإنجيل والصليب )
    اعتذار المؤلف
    لست أجهل ما ينجم من الأضرار عن إشغال الوسط الذي لم يتكامل مستوى عرفانه بعد بالمسائل المختلف فيها كالدينية والسياسية ، ولهذا المحذور قد اجتنبت حتى الآن الخوض في المجادلات الدينية بقدر ما كنت أتحامى وأجتنب المنازعات السياسية ، ولكن لما شاهدت الفاجعة المدهشة التي ولدتها حروب البلقان الأخيرة ورأيت ما وقع من الفتك بالمسلمين وهتك أعراضهم و إهراق دمائهم ، وإحراق كتابهم ، فهمت أن ذلك لم يكن إلا بنية محو أهل الإسلام ، بصفة تقديم ضحايا للصليب . ولما كانت قد رسخت عقيدتي الكاملة منذ اثنتي عشرة سنة بان قضية قتل المسيح وصلبه عبارة عن أسطورة منتحلة ، قررت ان أكشف الستار عن هذه الفكرة بالأدلة القاطعة بصورة واضحة .
    ان من يتدخل في المباحثات الدينية لاشك أنه يعرض نفسه لمصاعب وأخطار جمة ، وان من أكبر الخطأ الاعتداء على شعور أرباب الأديان ووجداناتهم ، ولاسيما الذين يؤمّنون معيشتهم في ظل الدين ، والمباهاة بالانتساب إليه ، فانهم لا يعفون عن مثل هذا التجاوز أبداً .
    يجـب على من يخــتار أحد الأديان ويتصدى لنشره بين الناس أن يكون حائزاً على عدة صفات :
    (أولها) ان يكون قد أتقن حسب الأصول دراسة عقائد وأحكام الدين الذي يرد عليه وينتقده ، وأستقرأ أصوله وفروعه ، وان يبين ما يشتمل عليه الدين الذي يدعو إليه من القدسيات الأخروية والمحسنات الدنيوية ، التي تؤمن السعادة الحقيقة المادية والمعنوية لنوع البشر ، بإظهار عقائده الممقولة ، وأحكامه الموافقة للمصلحة ، وأن يبرهن على حسن نيته، وعلى أنه لا مقصد له غير خدمة الإنسانية لا بمجرد القول ، بل بان يكون متصفاً بالأخلاق والآداب التي يلتزم نشرها وتعليمها . فان أقوال داعية الدين المتصف بهذه الصفات الجميلة يُصغى إليها دائماً بصورة حسنة . وأما إن كان على ضد ذلك فلاشك في أنه يزيد الاختلاف والعداوة الدينية شدة.
    هذا - وان للعقل وحده الصلاحية في إدراك الدين الحق والتصديق بصحته ، والقلوب مستعدة دائماً بفطرتها ، ومهيأة بطبيعتها لحب الحقائق والميل الوجداني إليها . فمن الضروري إذاً الحصول على العقل المهذب المثقف بالعلم والتربية ، والوجدان الطاهر المشغوف بحب الخير والشعور المعتاد للمحاسن والفضائل .
    وانني أقول عن نفسي أنني اشتغلت مدة طويلة بالبحث الديني والدرس حسب الأصول المتبعة ، وتخرجت في سلك الرهبان ، واني أعد نفسي سعيداً بأنني لا أزال إلى اليوم محترماً مكرماً لدى أشراف الملة الأثورية التي أفتخر بالانتساب إليها ، ولدى رؤسائها الروحانيين أيضاً. واني أوكد بوجداني ان الأسس الدينية التي اتخذتها ليست إلا ثمرة تلك الحرمة والمكانة مع الدرس والبحث العقلي . ولقد تجشمت ترك أموالي ودياري في سبيل الدين الذي اعتنقته إذ اعتقدته حقاً . ولم تثن عزمي تلك الشدائد التي اعترضتني في تلك الثماني أو التسع السنين الأخيرة التي قضيتها في القسطنطينية ولا أزال دائباً على مزاولة مهمتي بكل سكون وسكينة .
    ان نتيجة تتبعاتي وأبحاثي الدينية هي انه لما كان الصليب هو موضوع الأناجيل ، وأساس الدين المسيحي في الحال الحاضر كانت علوياته الدينية عبارة عن التثليث والتجسد الإلهي ، ومقدساته المذهبية عبارة عن الكهنوت الكفارة (1) أي انه عبارة عن الاعتراف بأن في الألوهية ثلاثة أقانيم حائزة على صفات مخصوصة إلهية ، تعامل نوع البشر على الأرض بالعفو والمغفرة . ويدعون أن الأقنوم الثاني الإلهي الذي تجسد قد خلص الإنسان من الخطيئة ومن أسر الشيطان بصيرورته فداء على الصليب كما يحق عدل الأقنوم الإلهي الأول .
    فالنصرانية إذاً تقيم التثليث والثالوث مقام التوحيد والوجدانية ، تستعيض عن المساواة والاخوة والعدالة الصارمة الكافلة لتأمين السعادة الحقيقية بين الناس على الأرض بالعفو والمغفرة الحاصلة من مصلوب متخيل . وتستعيض عن النبي العام الممتاز بتأسيس السلام والمسالمة على الأرض بالإله المتجسد المقتول مصلوباً محقراً (2).
    فكتابي هذا الصغير الذي وضعته من غير كفاءة أمام الأنظار العامة يبحث عن معنى (الإنجيل والصليب) ومن الله التوفيق .
    عبدالاحد داؤود

    m
    إن قضية صلب المسيح وقتله المدعاة هي من أهم المسائل التي تأصل الخلاف فيها بين الإسلامية والنصرانية .
    ولو اعتبرت المسئلة المذكورة كواقعة تاريخية لما كان لها من أهمية دينية فقط . لان الكثير من الأنبياء العظام قد ارتحلوا إلى دار البقاء بجريمة القتل . ولو كان المسيح صلب وقتل حقيقة لما عد ذلك واقعة فوق العادة ولا شيئاً فوق الإمكان . فقد قتل شهيداً من قبل بأيدي الكفار كل من أرميا ويحي وزكريا وكل مولود يموت ، ولكن كيفية شهادة المسيح وصلبه لم يتناقش فيها بهذا الاعتبار ، فان الصليب في نظر النصارى ومن حيث تمثيله التثليث هو أساس قواعد الدين ، اي ان النصرانية قائمة على الصليب ، فالصليب عندهم مذبح عليه ذبح المعصوم . والصليب في زعمهم أكبر واقعة فجيعة في الكائنات ، والصليب أساس الكنيسة تماماً ، والصليب عماد الإنجيل ، كما أن الصليب في اعتقادهم علامة يوم الحشر فالذي يؤمن به لا يهلك أبداً بل تكون له الحياة الأبدية ... !
    يجب أن نوضح هذه العبارات التي تترك علماء الأمة الإسلامية والمتفكرين من أهل الحياد في حيرة .
    أساس العقيدة النصرانية ان أبوينا الأولين (آدم وحواء) عليهما السلام لما كانا في جنة عدن فوسوس إليهما إبليس الذي كان في شكل الحية وأغراهما فأكلا من الشجرة المحرمة عليهما فلما عصيا ربهما وارتكبا ما نهى عنه طردا وأخرجا من الجنة المذكورة ، وكانت نتيجة شؤم العصيان أن وصم جميع النوع البشري (بالذنب المغروس (1)) وهكذا كان نسل آدم المتسمم بهذا الذنب مستحقاً لعذاب نار جهنم الأبدي .
    إن العدالة الإلهية حكمت على مجموع النوع الآدمي الذي تعدى حدود الشريعة بالهلاك الأبدي ولكن رأفة الله وإحسانه اقتضيا تخليصه وتبرئته ، فالجاني الذي خرق قانون العدالة بارتكابه الجريمة يجب عليه أن يرتق الخرق الذي أحدثه ، فكذلك كان على نوع البشر أيضاً ان يقدم ترضية للقانون الإلهي . فالجاني المحكوم عليه بالموت يمكنه ان يحصل على إرضاء الشريعة بتقديم دم نفسه بالذات أو بفداء من غيره بدلاً عن نفسه .
    وإذا كان هلاك بني آدم قانونياً وشرعياً فإن الرحمة الإلهية أوجدت لخلاصهم علاجاً قانونياً أيضاً ، اي ان الله سمح بتضحية كلمته (المسيح) على الصليب كفارة عنهم وهاهي ذي آيات الإنجيل العجيبة تؤيد هذه البيانات التي ذكرناها وتصدقها فمن ذلك قوله :
    (لأنه هكذا أحب الله العالم حتى أعطى ابنه الوحيد (*) لكي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية) (انجيل يوحنا 3 : 16) .
    (بل وجدتم خلاصاً بفداء الحمل الخالص من العيب والدنس يعني بالدم الثمين للمسيح (بطرس 19:1) .
    إن هذا السر اللاهوتي الذي كان مكتوماً عن كل الأنبياء والصالحين السابقين قد خيل (أو) كأنما كشف للكنيسة بواقعة صلب المسيح ، وان هوية الأقانيم الثلاثة وأسرارها التي كان يجهلها أكابر الأنبياء كإبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام قد صار من مبادئ معلومات كل غلام مسيحي فضلاً عن القسيسين والرهبان .
    الصليب كاشف الأسرار اللاهوتية ! ما أغربه من أنموذج لتجليات الأديان ، إن الكنيسة التي تعلن الحرب على الأصنام ، هي بذاتها تعبد صليباً مصنوعاً من معدن أو خشب ، بدعوى أنه كشف سر التثليث ومثله كل النصارى - ما عدا البروتستانت - يرسمون الصليب بأصابعهم الثلاثة الأولى الأمامية على وجوههم وصدورهم ، ويسجدون للثالوث الشريف ويمجدونه قائلين (باسم الآب والابن والروح القدس) (*)
    وإن كان أحد العيسويين لا يرسم الصليب على وجهة أو لا يقبل الصليب المصنوع من الخشب أو المعدن ، لا تقبل عبادته ويعد رافضاً ومرتداً لدى كل الكنائس ، وأما البروتستانت فإنهم وإن لم يعبدوا الصليب فإنهم على كل حال معتقدون وقائلون إنه بواسطته انكشف التثليث وألوهية المسيح لنوع البشر .
    ما الثالوث ؟ ومن هو ؟ أركان التثليث الإلهية عبارة عن [الآب والابن والروح القدس](1).
    فالآب : وهو الأقنوم الأول من الذوات الإلهية ، مع كونه والد الأقنوم الثاني فهو مكوّن الكائنات .
    والابن : وهو الأقنوم الثاني مع كونه ولد الأقنوم الأول وإبنه الوحيد فإنه قد خلص العالم من الخطيئة .
    وأما ا لروح القدس وهو الأقنوم الثالث ، فإنه يصدر عن ركني التثليث الآخرين بصورة دائمة وأبدية ، ومهمته عبارة عن إعطاء الحياة . إن الأقانيم الثلاثة ليست ثلاثة آلهة ، بل هم يدعون وجود إله واحد ، باعتبار أن الواحد من الثلاثة وأن الثلاثة واحد !
    تدعي الكنيسة أن الثالوث الشريف لم يتشكل من ثلاثة آلهة ، ولكنها ما دامت تعترف بوجود نسبة بين الأقانيم ، وان لكل منها صفات وأفعال ليست للآخرين ، فالأقانيم الثلاثة لا يمكن أن تكون إلهاً تاماً لا على الانفراد ولا بالإجتماع ، اي ان (الآب) الوالد ، لا يمكن أن يكون هو الابن ، ولا أن يكون الروح القدس ، وبناء على ذلك لا يمكن أن يكون (الله) إلهاً تاماً، لأنه مقيد بالانضمام إلى الركنين الآخرين ، وهكذا الأقنوم الثاني والثالث .
    تقول النصرانية ان في الألوهية أبوة وبنوة ، بيد أنه لا يمكن أن يكون الله أباً وأبناً معاً في وقت واحد ، ويلزم من كونه واحداً ألا يمكن أن يكون أباً لنفسه ، ولا أن يكون ابن نفسه، إذن فلا ريب في أن العقيدة المذكورة قائلة بوجودين مطلقين (أو مستقلين) في الألوهية ، وكذلك الروح القدس الصادر والمنبثق على الدوام من هذين الوجودين المطلقين أو المستقلين (الآب والابن) لما كان ليس أباً ولا ابناً وجب أن يكون له وجود مطلق ثالث (مستقل) والحق يقال ان الفرق شاسع بين معبود النصرانية وبين معبود المسلمين الذي يسبحونه جل جلاله .
    ان الأنبياء الذين بلغوا العهد القديم أي التوراة والزبور وكل الكتب العبرانية من الله للناس لم يكن لهم علم ولا خبر عن التثليث البتة ، وبما أن موسى عليه السلام وكافة الأنبياء الكرام المأمورين بتأييد شريعته كانوا مكلفين بالدعوة إلى التوحيد ، لم يعرفوا التثليث البتة ، وكأن الصليب المعزو إلى المسيح هو الذي كشف وأفشى سر وجود هيئة الأقانيم الثلاثة في الألوهية ، وأظهر ان الصليب حمل مذبوح كائن منذ الأزل على عرش اللاهوت في يمين الله قبل تكون كل الكائنات (راجع يوحنا 8:13 وكثيراً من أبواب الكتاب المذكور) فالصليب هو الذي أعلن للعالم انه حين لم يكن في الأزل وجود غير الوجود المطلق (أي واجب الوجود) كان هناك حمل مذبوح (لا مذبوح بايد) جالساً على يمين عظمة الله ولنوضح هذا السر على سبيل الاستطراد .
    إن كان قد وجد في الأزل حمل مذبوح على يمين الله ؟ فمن يمكن أن يكون الذابح غير الله ؟ إنه لا يتصور وجود آخر في الأزل غير هذين الموجودين . المقصود بالحمل الأقنوم الثاني عيسى المسيح الذي ذبح ، والمقصود بالذبح في لسان التوراة والإنجيل أو فى لسان الكنيس والكنيسة هو القربان والفداء لأجل أن يكون كفارة ، وهنا يتحرك سوية ومشتركاً كاهن ذابح ، ومذبوح برىء معصوم ، وجان مجرم قد حصل على البراءة من الخطيئة وبناء على هذا القصد فالكهنة الذين ألفوا و أوجدوا كتابي وحي يوحنا وإنجيله ، أسندوا الخالق الذي تمكنوا من إدراكه إلى الكاهن ذابح الذبائح والقرابين ، وأسندوا الحمل إلى ابنه ، فالله الذي رحم الجنس البشري الذي لم يكن خلقه بعد ، أراد أن يخلصه من الخطيئة التي علم أنه سيغرق فيها ، فذبح ولده المسمى (حملاً) منذ الأزل . ليس بين كل الأديان المعلومة من يصور معبوده بصفة الكهنوت غير الكنيسة ، أي النصارى ، فالآب معبود وهو كاهن ذابح أيضاً ، والابن معبود وكاهن أيضاً .
    إن الكاردينال (منينغ) الإنجليزي يبين ويشرح هذه العقيدة العجيبة في كتابه المسمى (كهنوت الأبدية) (1) قائلاً :
    لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة ، فانه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقة . فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس ، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب لاتوجد الذبيحة ولا النجاة ولا التثليث ، فهذا هو علم الكلام الذي يسمونه (ثيولوجيا) (2) فبولص والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هكذا . أي انه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً الخ .
    لقد تتبعت مسئلة صلب المسيح قبل عدة سنين ، ورأيت في هذا الباب ما يستوجب الحيرة، وهو عدم رغبة أحد من علماء المسلمين أو النصارى في كتابة رسالة حول هذا الموضوع . إن القرآن يقول {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} (*) وذلك رغم ادعاء كتب الأناجيل تكراراً أن المسيح قتل وصلب .
    إن التضاد الصريح الكائن بين هذين الكتابين السماويين اللذين يجب أن يكونا قد نزلا من عند الله وتكذيب أحدهما الآخر لابد وأن سيكون باعثاً للحيرة وموجباً للأسف لأهل كل من الدينين . وحري بالدقة ان نرى الإسلامية تصدق نبوة عيسى عليه السلام وتصدق إنجيله الذي بلغه ، من حيث نرى الكنيسة لا تقبل محمداً عليه الصلاة والسلام رسولاً لاحقاً ولا تصدق القرآن . ومن الأمور الطبيعية أن لا يكذب الكتابان - المقبول إسنادهما إلى مصدر واحد -أحدهما الآخر من الأساس ، وما دام التضاد العظيم ظاهراً بينهما في هذا الباب فلا بد لنا من الحكم على أحدهما بالتحريف لامحالة .
    ولقد كانت نتيجة تتبعاتي وتحقيقي أن اقتنعت وأيقنت أن قصة قتل المسيح عليه السلام وصلبه ثم قيامه من بين الأموات قصة خرافية ، وان الأناجيل الأربعة مع كونها ليست تأليف المسيح ذاته لم توجد في زمانه بل وجدت بعد وفاة الحواريين بزمن طويل وأنها وصلت إلينا بحالة محرفة ، وقد لعبت بها الأقلام وبعد هذا كله اضطررت إلى الإيمان والاعتراف من كل عقلي وضميري بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبي حق ، ولم أستطع التخلف عن ذلك .

    (1) الدين يبحث عن الدنيا والآخرة .
    الأسس الأخروية تبحث عن ذات الله وصفاته وعن الأرواح والعالم الروحاني ، وهذه تسمى العلويات أو المقدسات الدينية .
    أما المحاسن أو المقدسات الدنيوية فهي عبارة عن الأعمال والحركات الحميدة والأقوال الحسنة وهي صفوة الأخلاق . أهـ من الأصل .

    (2) لعل الأصل وصف المصلوب بالملعون ففي آخر سفر تثنية الاشتراع أن شريعة موسى توجب أن يدفن المصلوب يوم صلبه ولا يبيت على الخشبة التي يصلب عليها وعلل ذلك بقوله (21 : 22 لان المعلق ملعون من الله) والنصارى يقولون أن يسوع قد احتمل اللعنة لأجلنا أهـ مصحح الطبع .

    (1) Peccatum Original ان الأقوام الغربية يستعملون اللسان اللاتيني كثيراً ، واليوناني نادراً في تعبيراتهم المذهبية . لذلك نرى نحن ان نكتب الاصطلاحات الأساسية باللسانين المذكورين أيضاً . أهـ من حاشية الأصل والظاهر ان المراد بالمغروس الفطري الموروث .

    (*) لقد ترجم المؤلف العبارة بقوله (أعطى ابنه الوحيد) وترجمتها شركة بايبل سوسايتي (بذل ابنه الوحيد) . وليست إحدى الترجمتين تفيد معنى (ضحي) أو (فدى) بل تفيد أن معنى (أعطى أو أوفد أو أرسل) بدلالة قوله فيما جاء بعدها (لأنه لم يرسل الله ابنه) وإذا فتشنا في الأناجيل عن ماهية ومدلول (الحياة الأبدية) نجد أوضحها قول المسيح عليه السلام (وهذه هي الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك . وان يسوع المسيح الذي أرسلته ) (أي رسولك) يوحنا 3:17

    (*) أتذكر أني قرأت في مقدمة الجزء الثاني من كتاب (كتاب التمرنة) لأحد الآباء الدومنيكيين المطبوع في الموصل أن لفظ (الآب) بمد الهمزة اسم (الله) ولا أتذكر ما إذا كانت الكلمة سريانية أو كلدانية . ومعلوم أن لفظ (أب) العربية لا مد فيها . ولا أرى وجهاً صحيحاً لكتابة النصارى في ترجمة كتب العهد الجديد إلى اللغة العربية لفظ (أب) بمد الهمزة . فإذا كانوا يكتبون لفظ (آب) من غير ترجمة فحينئذ يكون معناه (الله) وليس بمعنى (والد) . وان كانوا يقصدون معنى (الوالد) أي (أب) العربية فلماذا يضعون المد على الهمزة ؟

    (1) Genetor الوالد Genetus المولود Procedens الصادر أو الخارج أو المنبثق .

    (1) The Lternal Priesthood . Card Manning .

    (2) Theologia .

    (*) قال تعالى { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه } سورة النساء (157:4) ولذلك يقول المسيح عليه السلام (خرجت من عند الآب وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب) يوحنا 16 : 28 وقال (هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي) وأنا لست وحدي لان الآب معي . قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام . في العالم سيكون لكم ضيق . ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم) (يوحنا 16 : 32-33) وقال: (وأقـول لكم - أني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة ... - إلى قوله - كلكم تشكون (أو تعثرون) فيّ هذه الليلة ) (متــــى26: 29-31) . وقال لليهود الذين أتوا ليمسكوه (أنا معكم زماناً يسيراً ثم أمضي إلى الذي أرسلني . ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا) يوحنا 7: 33-34 . (وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه ولكن لم يلق أحدا عليه الأيادي) يوحنا 44:7 . ففي الآية الأولى من الآيات الانجيليه المذكورة أعلاه يقول (اذهب إلى الآب) .
    وقد بينا أن الآب بمد الألف أسم الله تعالى فهو يدل على الرفع إلى السماء . وفي الرابعة يخبر اليهود بأنهم سوف لا يجدونه ثم ذهبوا عنه من غير أن يلقوا عليه الأيادي . وفي الثانية يقول للحواريين ليكن لكم في سلام وثقوا بأني قد غلبت العالم ) . وفي الثالثة يخبر بأنهم سيشكون أو سيعثرون وبالتعبير الأوضح سيشبه لهم فيه . والقسم الأول من الآية قوله (من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة) يناقض ما جاء في يوحنا 30:19 (فلما أخذ يسوع الخل) . لأن الخل أيضاً من نتاج الكرمة ،ونحن لا يسعنا إلا تصديق أقوال المسيح عليه السلام مهما أدى ذلك إلى تكذيب ادعاءات غيره كائنا من كان .


  3. #3
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الفصـــل الأول
    مـا هـو الإنجيـــــل ؟
    - 1 -
    يحمل اسم إنجيل كل من الكتب الأربعة الأولى فقط من الأسفار التي وضعت لها الكنيسة عنوان (العهد الجديد) الذي يحتوي على سبع وعشرين رسالة كتبت من قبل عدة كتبة في مباحث مختلفة ، وكما انه لا يدعي أحد أن بعض هذه الكتب الأربعة المذكورة هو الإنجيل الشريف (1) فإنهم لا يبينون من هم مؤلفوها ، وان النسخ الموجودة باللسان اليوناني تحمل اسم (إنجيل) بصورة العنوان فقط . أما نسختها المكتوبة باللسان السرياني - وهي المعتبرة جداً لدى كل عالم النصرانية - المسماة (بشيطتا) (البسيطة) فقد وضع فيها اسم (كاروزوتا) أي (موعظة) محل كلمة أنجيل . وأما الثلاثة والعشرون الباقية من رسائل الكتاب المذكور فقد كتبت بصورة مراسلات خصوصية وبعضها بشكل مكتوبات عامة . وإحدى تلك الرسائل تبحث عن (أعمال الرسل) ورسالة أخرى قد كتبت على طرز رؤيا عجيبة بعنوان (وحي (2) يوحنا) ولا وجود لها في أكثر المجموعات القديمة . فالمواعظ الأربع ترجمت إلى اللغة التركية بالترتيب على الوجه الآتي :
    (الإنجيل الشريف) على ما كتبه متى .
    (الإنجيل الشريف) على ما كتبه مرقس .
    (الإنجيل الشريف) على ما كتبه لوقا .
    (الإنجيل الشريف) على ما كتبه يوحنا .
    ويلقب كل من المؤلفين الأربعة بعنوان (مبشر) .
    - 2 -
    الكنيسة العامة بقيت 325 سنة بغير ما كتاب
    ان هذه السبعة والعشرين صفراً أو رسالة الموضوعة من قبل ثمانية كتاب لم تدخل في عداد (الكتب المقدسة) باعتبار مجموع هيئتها بصورة رسمية إلا في القرن الرابع بإقرار مجمع نيقية العام وحكمه . لذلك لم تكن إحدى هذه الرسائل مقبولة ومصدقة لدى الكنيسة وجميع العالم العيسوي قبل التاريخ المذكور . ثم جاء من الجماعات العيسوية في الأقسام المختلفة من كرة الأرض ما يزيد على ألف مبعوث روحاني يشكلون المجمع العام بمئات من الأناجيل والرسائل المختلفة كل منهم يحمل نسخة إنجيل أو رسالة على الوجه الذي هو لديها إلى نيقية لأجل التدقيق. وهناك تم انتخاب الأربعة الأناجيل مما يربو عدده على الأربعين أو الخمسين من الأناجيل المختلفة والمتضادة ، مع إحدى وعشرين رسالة من رسائل لا تعد ولا تحصى ، فصودق عليها. وهكذا ثبت العهد الجديد من قبل هيئة عددها 318 شخصاً من القائلين بألوهية المسيح وهم زهاء ثلث عدد أعضاء المجمع المذكور . وهكذا كان العالم المسيحي محروماً من العهد الجديد مدة 325 سنة أي انه كان بغير ما كتاب .
    - 3 -
    كاتبو الرسائل
    لم يكونوا على علم ما بهذه الأناجيل الأربعة
    يتحقق لدى من أمعن النظر مرة في مطالعة الرسائل السبع والعشرين - أن كاتبي الثلاث والعشرين منها لم يكونوا على علم بوجود الأناجيل الأربعة ، وان كل ما تحكيه الأناجيل من الأمثال والنصوص والوقائع والحكايات والمعجزات تكاد تكون كلها مجهولة لدى كاتبي الثلاث والعشرين رسالة . إذاً فالأناجيل الأربعة لم تكن موجودة في زمن الحواريين الخمسة أو الستة الذين كتبوا تلك الرسائل لأنها لا تبحث عن محتويات هذه الأناجيل قطعاً .
    ربما يدعي مدع أن بولص أشار إلى بحث أو بحثين من الأناجيل ، ولكن لا يجوز قطعاً أن يدعي انه اقتبس من الأناجيل أو كتب بالاستناد إليه ، مثلاً أن بولص أيضاً يبحث عما بحثت عنه الأناجيل الثلاثة (السينوبتيكية) (1) من تقديس المسيح الخبز والشراب اللذين شبههما بلحمه ودمه في آخر ليلة من حياته وتوزيعه إياهما على التلاميذ الاثنى عشر ، ولكن لا نجد في رسائل بولص العبارة الواجب ذكرها كقوله (على الوجه الذي كتب في الإنجيل الفلاني أو إنجيل (فلان) فلو وجد كتاب إنجيل في زمن كتابة بولص وبطرس (2) رسائلهما ، لكان من البديهي أن يبحثا عنه (أو يقتبسا منه) .
    ان الكاتب المسلم الباحث عن (أبابيل) أو عن (انشقاق القمر) لا يمكنه أن يكتب خبرهما بدون أن يتذكر القرآن وينقل عنه ، فكذلك لا يتصور من كاتب مسيحي يبحث عن واقعة ذكرها الإنجيل ولا يتذكر الإنجيل ويقتبس منه ويستشهد به ، إذن فلا شبهة في أن الزمن الذي كتب فيه حضرات بولص وبطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا رسائلهم ، لم يكن يوجد فيه الأربعة الأناجيل المعزوة إلى متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، التي في أيدينا .
    فإذا ثبت أنه لم يوجد أي كتاب باسم إنجيل لا هذه الأربعة المواعظ ولا غيرها في زمن الخمسة الرسل مؤلفي الرسائل ، فبأي جرأة تعبر الكنائس - المضطرة إلى الاعتراف بذلك - عن الكتب المذكورة بلفظ (مقدسة) ؟ وأي علاقة للوحي والإلهام بهذه الأناجيل التي لم تكن موجودة في زمن الحواريين ؟
    وبأي حياء وجسارة يعبرون عن هذه الأربع المواعظ التي كان يجهلها الخمسة الحواريون بأنها (كلام الله) ويضعون أيديهم عليها يحلفون بها ؟ وأخيراً يدعون أنها كتبت بالهام من الروح القدس ؟
    ولما كان من المحقق أن الرسائل التي تحمل أسماء بعض الحواريين أقدم تاريخاً من الأناجيل الأربعة ، فبالطبع يجب أن لا تعتبر الرسائل والأناجيل معاً من زمرة الكتب المقدسة .
    لا نرى في هذه الرسائل شيئاً عن ولادة المسيح عليه السلام ولا عن طفولته وشبابه ولا عن أفعاله ومعجزاته ، ولا عن مواعظه وتعاليمه ، ولا عن الوقائع أو الأحوال التي كانت في حياته وأثناء صلبه ، ولا ذكر فيها لاسم مريم والدة المسيح عليهما السلام أيضاً . فهي عبارة عن مجموعة من كتابات عن رجل موهوم خيالي يسمى عيسى المسيح قتل مصلوباً ، وبهذه الواسطة تتخذ صيرورته ذبيحة مكفرة قد خلصت نوع البشر من (الذنب المغروس) الموروث أي من الخطيئة الفطرية . وعلى هذا تبحث على طريقة الوعظ والنصيحة بوجوب الإيمان (بالمصلوب) الفادي وعن وجوب محبته وطاعته .
    ولا شبهة في أن من يقرأ هذه الرسائل ولم يقرأ الأناجيل الأربعة يصرخ متعجباً (حسناً! ولكن من كان عيسى المسيح هذا ؟) لأنها لا تبحث عن ترجمة حاله ، بل تنوه ببعض الأعمال التخليصيه الفدائية التي قام بها خدمة للإنسانية . فهي عبارة دعوى لسانية لا تزيد عن قولك (بما أن زيداً خلص العالم بدمه من عذاب جهنم ، يجب أن يكون ممدوحاً وعظيماً جداً عند الله والناس) وأن موضـوع كل هــذه الرسائل هو أن شخصاً عالياً سماوياً (روح الله بشكل إنسان - وإذا كان من الممكن تصوره - فهو أكبر من ذلك أي هو الله ابن الله ، وحاش لله) قد صلب ومات ، وقد وهب بدمه نجاة أبدية للعالم ، ويجب أن لا نسأل لماذا لا يبحث فيها عمن هو المسيح ، أم ماذا قال وماذا فعل ، وبأي أحكام وشريعة أتى ، وبمن التقى ؟ مات المسيح وحي لا غير .
    فثبت إذن انه لم يكن هناك من أنجيل ! أهكذا ؟ نعم ! إذ ليس لدينا برهان قوي على وجود إنجيل بهيئة كتاب مصدق من قبل عيسى المسيح عليه السلام بل (نزل على المسيح إنجيل) فحسب ، ولكن ماذا كان ذلك الإنجيل ، وماذا صار إليه أمره ؟
    - 4 -
    (لا علم لمؤلفي بعض هذه الرسائل بما كتبه البعض الآخر)
    من الظاهر انه لم يكن لكتاب الرسائل الإنجيلية علم بوجود الأناجيل الأربعة كما انه لم يكن بعضهم على علم من كتابات البعض الآخر . فان في هذه الرسائل بعض العقائد والبيانات الغريبة التي يتفرد بها كاتب تلك الرسالة ومن هذا القبيل قول بطرس أن المسيح قضى عقب موته ثلاثة أيام في جهنم بين الأرواح المحبوسة في السجن ، ولكن هذه المسألة العجيبة لم تذكرها بقية الرسائل الست والعشرين الأخرى التي تألف منها كتاب العهد الجديد .
    فكيف يمكن أن يكون الخمسة الحواريون غير واقف أحد منهم على ما كتبه الآخرون مع القول بأنهم كتبوا رسائلهم بتلقي الوحي ملهمين من الروح القدس ؟ كيف لا يكون لبطرس الذي كشف الغطاء عن دخول المسيح الجحيم ثلاثة أيام - خبر ولا علم له برسالة يعقوب الذي يدعي أن دعاء الكاهن للمريض المحتضر مع دلكه بالزيت يشفيه وكذلك يغفر ذنوبه بهذه المداواة ؟ وعلى كل حال كان على بطرس وهو رئيس الحواريين أن يفتش ويعاين مؤلفات الرسل الذين هم تحت رئاسته ولا شبهة في أن المعقول والموافق للعدل أن يملي الروح القدس على كل منهم جميع الحقائق التي يرى ان إلهامها ضروري . هل من عالم يستطيع أن يبين أية حكمة وعدالة استندت إليها هذه الإلهامات من الروح القدس ، أعني كتمان حقيقة عظيمة عن النصارى الساكنين في بعض الأقطار وإظهارها والإفضاء بها إلى سكنه ديار أخرى ، ثم كشفها وإلقائها إلى 318 راهباً بعد 325 سنة ؟ لان ظهور ما ينيف على الثلاثمائة فرقة في الثلاثة أو الأربعة الأعصر الأولى الميلادية كل منها لا يقبل غير الكتاب الذي في يده ، وتشعب العقائد والمذاهب المختلفة والمتضادة ولعن بعضها بعضاً - كله كان بسبب هذه الرسائل ، وإلا فان الروح القدس لا يدعو إلى الضلالة والاختلاف ولا يكون سبباً لهما أبداً .
    - 5 -
    أغلاط مجمع نيقية العام
    لما اعتبرت كتب العهد القديم منسوخة (*) ولم يكن للمتقين من المسيحيين كتاب لا محل للشك فيه ولا شبهة في صحته ، يهديهم صراط السلامة المستقيم ككتاب المسلمين الموصوف في الآية الكريمة بقوله تعالى {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} - تفرقت النصرانية إلى مئات المذاهب أو الملل المتضادة ذلك بأن الكنيسة التي كانت تملك كتاب مرقس لم تكن مطلة على صفة ولادة المسيح ولا على قيامه من القبر . لان هذا الكتاب كان يحتوي على كثير من الوقائع كانت قد وقعت من مبدأ نبوة المسيح إلى أن وضع في القبر فقط (1) وكذلك الجماعة اليونانية التي كانت تملك كتاب يوحنا لا يمكنها أن تحيط خبراً بصفة ولادة المسيح ولا (الاعتماد) و(قربان القديس) من الأسرار السبعة . فلنفكر في حالة الكنيسة التي بقيت اكثر من ثلاثة عصور وهي بغير كتاب ولا صاحب كتاب كيتيم مهمل لا كافل له ... لا نريد أن نبحث هنا عن العقائد والمذاهب العيسوية القديمة ، لكننا نبحث باختصار عن مجموعة الكتب التي برزت للوجود في العصر الرابع : إذ كان من تلك المسائل غير المتناهية والعويصة التي حلها وقررها مجمع نيقية المشهور المار الذكر ، ذلك المعمى العائد إلى (كتب العهد الجديد) .
    يجب التفكير في دين بقي من تاريخ نشأته إلى 325 عاماً بغير كتاب ، كم يتأثر بالعقائد المتولدة من المنابع الخارجية وكيف يختل نظامه ويكدر صفاؤه الأصلي بالخرافات والروايات الكاذبة .
    ان أغلاط مجمع نيقية العام كثيرة جداً ، تمكن (أثاناثيوس) الراهب الشاب من نصارى الإسكندرية إذ كان شماساً (1) من حضور المجمع المذكور . فجعل تاريخ الأديان السماوية شذر مذر . واجتهد (آريوس) رئيس الموحدين بالبرهنة على أن المسيح (مخلوق) وأنه (عبدالله) مستدلاً بما لديه من الآيات الإنجيلية وبتفاسير الأعزة والأباء من إيقليسيا (2) واعترف بهذه الحقيقة الثلثان وهم الموحدون الذين كانت تتألف منهم الأكثرية العظيمة في المجمع . ومن الجهة الأخرى قام رؤساء التثلثيين (3) وعلى رأسهم أثاناسيوس للبرهنة على أن المسيح إله تام وانه متحد الجوهر (4) مع الله ، مستنداً على آيات إنجيلية أخرى وعلى تفاسير الآباء من إقليسيا.
    ادعى الموحدون أن كل الآيات والمحررات القديمة التي يدعى أنها تؤيد التثليث وتجسد المسيح (1) محرفة وزائفة ، وبناء على ذلك طلبوا بكل شدة طي تلك الآيات والمحررات الكاذبة. وقد كان الممكن الأقرب إلى الحق أن تحل هذه المسألة المهمة بأكثرية آراء (الآباء) المقدسة المتجاوز عددهم الألف بكونهم الممثلين لعالم النصرانية أجمع ومندوبيه ولكن لم يقترب ملتزمو التثليث الذي بقوا في هذه الأقلية من هذه الصورة من الحل ، فدخل قسطنطين (قونسطنطينوس)(2) الذي يريد الأمن والراحة لرعيته بأنه أول إمبراطور عيسوي ، ووصاهم بالكف عن الشقاق والنفاق ، وبأن يحلوا المسائل المتنازع فيها وفق الحق والأسس الإنجيلية ، بيد أن الحزبين المتخالفين كانا على ضد ذلك حتى أنهم تدرجوا من المنازعة إلى المشاتمة ، ومن المجادلة إلى المجالدة والمضاربة ، وكان المأمول حينئذ تدخل سلطة جبرية من الخارج أو توسط صداقة ، بل كانت الحاجة أو الضرورة إذ ذاك داعية إلى أن يهبط ويحل على هؤلاء الآباء الروح القدس الذي حل على الحواريين بشكل ألسنة من نار وجعلهم بغتة يتكلمون أربعة عشر لسانا في (عيد الخمسين)(3) ولم يكن الذوات الحاضرون في المجمع الكبير واقفين على أربعة عشر لساناً فقط ، بل على نحو خمسين لساناً ، ومعظمهم غرباء عن اللسان اليوناني ، ولكن هيهات ! لم يأت ولم يظهر الروح القدس ولا الفار قليط كما يتدارك دين المسيح وكتابه وكنيسته ويحول دون هذا الانقلاب المدهش ! فقرر الإمبراطور أن يفصل في الأمر بالتدابير الشديدة بعد أن تبطن رأي صديقه ووطنيه البابا كاهن رومية الأعظم الذي يقال انه هو الذي قبله وأدخله في دين النصارى وكنيستهم .
    وقد أخرج بأمر هذا الإمبراطور أكثر من سبعمائة من الرؤساء الروحانيين الموحدين من المجمع ونفي الكثير منهم ، وقتل آريوس مع المتقدمين منهم (*) ثم افترق الـ 318 عضواً الباقون أيضاً ثلاث فرق . وكان اعتراض فرقتين منهم على تعبير أثناسيوس (هوموسيون) أي (من جوهر واحد وإحدى الجوهر عيني الجوهر) ؟ وأخيراً تمكن المعارضون الخائفون من جند الإمبراطور وجلاده الشاهر السيف من النجاة بوضع تواقيعهم مع نواب البابا وفرقة أثناسيوس على الوثيقة المشهورة بعنوان (عقيدة نيقية)(1) المصرحة بالتثليث وبألوهية المسيح .
    وهناك تقرر تعيين وتصديق كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية الكثيرة المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها . إذاً فانتخاب واختيار الكتب السبعة والعشرين وحدها من بين تلك الأكوام العظيمة من الكتب التي لا تسعها أية خزانة واحدة ورد الباقية منها ومحوها يجب أن تتحرى أسبابها في الأساس التاريخي الذي أجملناه هنا .
    ان الجهة المستغربة بالماثلة للعينين فوق جميع مقررات المجمع الكبير وأعماله هي ان يعلم كيف انتحل الإمبراطور قسطنطينيوس لنفسه قبل الاعتماد بالنصرانية - أي في حالة كونه مشركاً - ذلك المقام الأعلى الخاص بنفخ الروح القدس وتعليمه وتصرفه في أثناء انعقاد مجمع رسمي له الصلاحية التامة لحل مشكلات العقائد الدينية والفصل فيها .
    إن (أبو سيبوس) بسقبوس قيصرية الذي تقدسه الكنيسة وتمنحه لقب (سلطان المؤرخين)(2) كان صديق الإمبراطور فلا يمكن أن يكتب في حقه ما يغاير الحقيقة أو ما هو عبارة عن مفتريات .
    وهذا المؤرخ يقول ان قسطنطين اعتمد حين كان أسير الفراش قبيل وفاته وان الذي عمده (أي نصره) صديقه الحميم (أبو سيبوس) بسقبوس (نيقوميديا) وأما الرواية القائلة بأن الإمبراطور المومى إليه قد اعتمد من قبل البابا (داماسيوس) في رومية فتعارض صحتها الرواية الأخرى القائلة بان المشار إليه توفي ولم يتعمد ، وعلى كل حال فان قول المؤرخ القيصري وثيقة اجدر بالقبول وأحرى بالاعتماد عليها ، وبنا ء على ذلك فان مؤسس عقيدة نيقية ليس الروح القدس بل هو ملك غير مسيحي (أي وثني أو ملحد هرطوقي) .
    والغلط الثالث المدهش الذي ارتكبه مجمع نيقية الكبير ، هو كيفية تأسيسه (شكل حكومة)(1) للكنيسة ، فلو كان المجمع عرف أوامر المسيح الصريحة المنافية لهذا العمل في الأناجيل التي قررها واعتمدها بنفسه ، لم يكن ليجترئ على إحداث مقام خمس بطركيات قبل أن يحمر وجهه خجلاً ، لأن عيسى عليه السلام لم يجيز البتة ابتداع أنظمة (تشكيلات) روحانية كهذه . بل قال صراحة لتلاميذه (رؤساء الأمم يسودونهم ، والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكن هذا فيكم) (2).
    هكذا عينوا ثلاثة بطاركة : الأول بسقبوس (بطرك) رومية ، والثاني بسقبوس إنطاكية ، والثالث بسقبوس الإسكندرية ، وبعد عصر واحد رفع إلى هذا المقام نفسه بسقبوس بيزانس - الذي اكتسب نفوذاً كبيراً بسبب إقامته في عاصمة الإمبراطورية القسطنطينية - وبسقبوس القدس ، حتى أن بطريرك بيزانس رفع إلى الترتيب الثاني ، ولم يزل في رقابة مع بسقبوس رومية حتى لقب نفسه أخيراً بلقب (البطريرك العام) وأما البروتستانت فبما أنهم يرفضون الرهبانية من أصلها وأساسها لا يقبلون كثيراً من أحكام نيقية ومقرراتها .
    - 6 -
    (مكانة الإنجيل
    في مذاهب الكاثوليك قليلة جداً)
    إن كنيسة الكاثوليك قد فقهت منذ البدء حقيقة الكتب المسماة بالإنجيل وكله شأنها ، فهي تعترف بأن الكتب الإنجيليه الموجودة في عالم النصرانية لا تحتوي على جميع الوحي والإلهامات النازلة على المسيح ، ومن ثم تعتقد الكنيسة المذكورة أن قسماً من تعليم المسيح مندرج في السفر المسمى بالإنجيل بصورة الوحي والقسم الآخر قد عهد به إلى التلاميذ (الحواريين) ثم فوض بالتسلسل منهم إلى الكنيسة ، فماذا تكون إذن مكانة الإنجيل عند كاثوليكي يعتقد ان كاهن رومية الأعظم (1) وهو خليفة المسيح ومفسر الكتب المقدسة والأخبار أو النبوات الإلهية (2) الوحيد ، ويقتنع بان حل المسائل وفصل المشكلات الحادثة سواء أكانت في حق الإنجيل أو في حق الدين المسيحي يعود إليه وحده ! لذلك كان ملجأ الدين المسيحي ومستنده في نظر الكاثوليكي هو الحبر الأعظم البابا . ولكن المذاهب المسيحية الأخرى لا تقبل خلافة المسيح بهذه الصورة ولا يعرفون لهم مستنداً غير الكتب المقدسة .
    وصفوة القول لا حكم للإنجيل في نظر الكاثوليك ، وأي حاجة إلى الكتب المقدسة لقوم يعتقدون أن كل ما قرره حبر رومية الأعظم الجالس على كرسي الخلافة البطركية وحكم به فيما يعود إلى الأحكام والأخلاق العيسوية فهو قطعي تجب طاعته ، لأنه قد وهب من عند الله تعالى صفة العصمة ؟ (3) .
    هذه العقيدة (عصمة البابا) هي التي تجعل البروتستانت يتهورون إلى درجة الجنون ، وهكذا يتخلص الكاثوليكي من جميع عقائد النصرانية وأسرارها التي لا تدرك ، نحن لا نبحث هنا عن مقدار تمكنهم في هذه العقيدة ولوازمها العملية والمحافظة عليها ، ولكن عند ما يورد العلماء الموحدون اعتراضاتهم بالحق على الكتب الإنجيلية ، ترى الراهب الكاثوليكي لا يأبى أن يقول متبسماً (أفر ايتم هذه الحجج ؟ أنه ليس لكم مفر ما لم تتقلدوا الذهب - أو الدين - الكاثوليكي) .
    - 7 -
    ( كلمة الإنجيل أصلها اللغوي ومعناها)
    إنجيل ( إيفنغليون Evanghilion) كلمة مركبة من لفظتين يونانيتين (Eu ايو) بمعنى (مرحى ، جيد ، حقيقي) و (أنغيليون) وهي عبارة عن (بشارة أو التبشير بالفعل) فالمعنى الصحيح للكلمة (التبشير بالسعادة الحقيقية) لكني أراني في حاجة إلى لفت الأنظار إلى نقطة قد غابت عن نظر كل الناقدين الغربيين وهي أن المسيح عليه السلام لم يتكلم باليونانية بل كانت لغته (الآرامية)(1) أي (اللغة السريانية) وفي اللغة السريانية تستعمل كلمة (سبرته)(2) مكان كلمة إنجيل (إيفنغلبون) وهذا الاسم يأتي من قبل (سبر Swar) وهو مطابق لكلمة (صبر) العربية ، فالدين الذي أسداه المسيح عليه السلام وانعم به على العالم كان عبارة عن (الأمل) و (الصبر) وقد وردت كلمة إنجيل في القرآن ولكنها من اللغات المعربة - الدخيلة في العربية . ويشتق من نفس الكلمة في اليونانية (Anghelosانغيلوس) بمعنى روح أو ملك ، وكلمة ملك أو ملائكة (أو فوملاخة) في السريانية القديمة بمعنى (قاصد، سفير ، نبي) .
    والذي أريد أن أوضحه جيداً بكل دقة هو أن كلمة إنجيل المستعملة في الأناجيل الأربعة السريانية عندما تتعلق بالمسيح تكون كلمة (سبرته) دائماً وبلا استثناء ، وهي تعطي دائماً معنى (الطريقة للذهبية) و (الفكرة ا لمعنوية)
    وأما إذا أضيفت إلى المبشرين(1) الأربعة فهناك يتبدل الحال تبدلاً تاماً مثل ذلك انه لاشك أن لوقا كتب كتابه باللسان اليوناني فهم يعطون كتابة عنواناً باليونانية .
    To Kata Haghion Evanghelion
    وأما جمعية ترجمة الكتاب المقدس (بايبل سوسايتي) فقد ترجمت العنوان المذكور إلى اللغة التركية هكذا : ( إنجيل . لوقاتك تحريري اوزره ) أي (الإنجيل على تحرير لوقا أو على ما كتبه لوقا) .
    لا أعلم ماذا يفهم التركي من التفسير المذكور أعلاه . وأني أحيل الحكم بصحة أو فساد تركيب وإنشاء هذه العبارة من حيث علم النحو إلى مقدرة القراء ، واعتقد أن ترجمة العبارة اليونانية أعلاه على الوجه الآتي تكون اقرب للأصل :
    (إنجيل شريف لوقاية نظراً) أي (الإنجيل الشريف نظراً إلى لوقا) أو (لوقادن مروى اولان أو بيلديكمز مقدس الإنجيل) أي (الإنجيل المقدس ذاك إلى نعرفه المروى عن لوقا) .
    هذا الأثر المكتوب في حق (المذهب) أو (الطريقة) أو (الفكرة الدينية) الذي اشتهر باسم الإنجيل هو عائد إلى لوقا . وبعد حصول العلم بأن العبارة اليونانية المذكورة تشمل (متى) والمبشرين الآخرين أود أن أضع حقيقتين أخريين أمام الأنظار العامة .
    (الأولى) الإنجيل الشريف المسمى Haghion Evanghelionلا يعود إلى لوقا بل إلى المسيح نفسه . وعليه يكون التعبير عنه بمثل (إنجيل لوقا) أو (أنجيل متى) غلط أو تغليط .
    (الثانية) أن هذه التعابير اليونانية لم تكتب من قبل المبشرين الأربعة أنفسهم ولكنها أضيفت من قبل الكنيسة مؤخراً ، أو من قبل مجمع نيقية على اغلب الاحتمالات . كل الأقوام الآرامية أي الأثوريون والكلدان والسريان والمارونيون وسالاباريو الهند يترنمون بهذه العبارة في الكنيسة أثناء الصلاة وفي الطقوس الروحانية عند قراءة (قريان)(1) أحد الأناجيل الأربعة على الجماعة وهي : (ابو نجليون دماران عيشو مشيخاً ، كاروزوتا ومتى) أو مرقس ... الخ أي (إنجيل حضرة عيسى المسيح ، موعظة متى) وكل الأقوام التي تتكلم السريانية يعلمون أن الإنجيل مختص بالمسيح عليه السلام ولا يلقبون الكتب الأربعة بعنوان (إنجيل) بل بعنوان (كاروزوتا) . وان الأناجيل الأربعة السريانية ليس عنوانها كما في اليونانية بل (كاروزوتا ومتى) و (كاروزوتا ومرقس) ... الخ أي وعظ أو موعظة متى .... الخ .
    - 8 -
    ( المواعظ الأربعة )
    ما هو المفهوم فيما مر أعلاه ؟ وأي حقيقة نتجت ؟ الشيء المفهوم واضح جداً . وهو أن كتب متى ورفقائه المبشرين الثلاثة ليست أناجيل . بل هي (كاروزوتا) أي (مواعظ) لان (ابو نغليون) أو (سبرتا) خاص بعيسى عليه السلام .
    ليس لأي سفر من أسفار العهد الجديد حق بأن يحمل اسم (إنجيل) ، وليس اطلاق هذا الاسم (إنجيل) على كتب متى ومرقس ولوقا ويوحنا إلا غلطاً وزوراً ، هذا الإطلاق اعتداء لا يقدر على العفو عنه غير المسيح عليه السلام . ولكن هل كان هذا الاعتداء عمداً أم جهلاً؟ لنفرض أننا منعنا إطلاق اسم (توراة) على ما كتبه (مردخاي) واسم (زبور) على ما كتبه (إيليا) و(قرآن) على ما كتبه (عثمان) أفلا يغضب اليهود والمسلمون وكذا المسيحيون أنفسهم أيضاً ؟ بلى ، فكذلك إطلاق اسم الإنجيل الشريف على أسفار متى ولوقا يستوجب الغضب والاعتراض بتلك الدرجة .
    يفهم صريحاً من التحقيقات السابقة أن إنجيل المسيح عليه السلام شيء ، وأسفار المبشرين - بل الواعظين - الأربعة ، شيء آخر . أذن يجب التحري والبحث عن إنجيل المسيح عليه السلام .
    بأي لغة تكلم المسيح ؟ لم تكن اللغة المسماة (قوديش) أعني لغة التوراة المقدسة وأنبياء بني إسرائيل مستعملة في زمانه . كان اليهود قد بدأت بعد اسر بابل تتكلم باللغة الكلدانية (بابيلونيش) أذن كانوا يتكلمون باللغة التي كانوا مولودين في بلادها قبل التاريخ الميلادي بخمسة عصور .
    وإذن يجب أن نقبل معتقدين مذعنين أن المسيح عليه السلام كان يتكلم الكلدانية لا بالعبرانية ، وكثير من الكلمات الإنجيلية تصدق دعوانا هذه التي لا تقبل الاعتراض(1) فان المسيح عليه السلام كان قد بلغ إنجيله باللسان السرياني(2) الذي كان يتكلمه . فالمسيح بلغ دعوته بقوله (سبرتا) أي (أمل) لا (ابو نغليون) .
    أقول ان المسيح عليه السلام كان مأموراً من الله بتبشير (أمل) و (انتظار) ولا أظن أن أحد العيسويين يتمكن أن يجترىء على الاعتراض على الكلمة الصادرة من فمه النبوي فهو إذا أمعن النظر في مطالعة مدلولات المسيح وهي الدور الأول من الأناجيل ، أي التي لم يطرأ عليها التحريف ولا التفسيرات الملحقة ، يرى انه (عليه السلام) لم يدع أن معه أي رحمة أو دين حاضر في يده ليسلمه إلى قومه يداً بيد ، ولكنه اكتفى بالتبشير بما عبر عنه بكلمة (الملكوت) أو (الأمل) وفي الفقرة الآتية نبرهن على صحة مطالعتنا هذه .

    - 9 -
    كلمة (إنجيل)
    معناها (فكرة معنوية) و(طريقة مؤقتة)
    لم يذهب الحواريون ولا الكنيسة القديمة إلى أن في لفظة (إنجيل) ما يدل على معنى كتاب أو مصحف ، بل كان لفظ (إنجيل) عندهم بمعنى (فكرة معنوية) و(طريقة مؤقتة) فحسب. أقول طريقة مؤقتة لأنه كان قد وعد بسعادة عظيمة خليقة بالبشارة عبر عنها بالألفاظ (أمل) و (ملكوت الله) الذي سيأتي في المستقبل ودليلنا على هذا قول (مرقس 14:1) (وبعد ما اسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز بإنجيل ملكوت الله) فما معنى (إنجيل ملكوت الله) ؟ إن هذه الآية تعلمنا أن عيسى عليه السلام لم يعظ بإنجيله ، بل كان يعظ بإنجيل آخر ثم قال (15ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا (بالإنجيل) .
    أما شركة بايبل سوسايتي وجمعية (المبشرين) فقد ترجموا هاتين الآيتين على ما شاؤا من تقديم وتأخير حسب عادتهم ، فترجموا (اونغيليون) أي كلمة (إنجيل) اليونانية بلفظ بشارة . أتدرون لماذا ؟ ليس فهم هذا بالشيء الصعب فانهم جعلوا لفظ (بشارة) مكان إنجيل في نسخ اللغات التي يستعملها المسلمون (الترك والعرب والإيرانيون والأفغان) لكي يتسأل هؤلاء قائلين (إذن قد كان هنالك إنجيل آخر أقدم من أسفار الإنجيل هذه التي في أيدينا) فطووا لفظ إنجيل لإجل إغفالهم ، وهاءنذا قد ترجمت لفظ (اونغيليون) في الآيتين بلفظ (إنجيل) وعند الإجابة عن السؤال ما (إنجيل متى؟) يعلم أن الإنجيل ليس بمصحف أي ليس بكتاب أو سفر مكتوب كما يعلم من الحقائق والشهادة التي أعطاها هو نفسه في حقيقة مسمى الإنجيل ، وإنجيل من هو ؟
    إنجيل الله (مرقس 14:1)
    إنجيل الابن (رسالة بولص إلى الرومانيين أو أهل رومية 9:1)
    إنجيل المسيح (رسالة بولص الأولى إلى كورنثوس 23:9)
    إنجيل الملكوت ( متى 23:4 و35:9)
    إنجيل بولص (إلى الرومانيين 16:2)
    لما كنا لا نعرف غير الأناجيل الأربعة المسماة بإنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا ، فلا غرو أن لا نعرف غير هؤلاء المبشرين الأربعة ، وأما زمن الحواريين فقد كانت فيه كلمة (ايو نغيلسطيس) أي مبشر عنواناً أو لقباً لصنف خاص من الواعظين ! فبولص الرسول عندما يبحث عن الوظائف التي انعم بها المسيح على الكنيسة يقول للافسوسيبن وهو (أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين) (رسالة بولص إلى افسس 11:4) وفي اليونانية رسل أنبياء مبشرين ... الخ بصيغة النعت . ولو أردت ان أشرح وأجرح هذه الآيات التي في الأسفار التي يدعى أنها كتب سماوية لاحتجت إلى عمر بقدر عمر متوشلخ(1) ولكني أراني مضطراً بمقتضى الوجدان إلى رد هذه الآية الغريبة ذات العلاقة بهذا البحث بكل شدة بقصد الدفاع عن الحقيقة والعقل السليم .
    إذا سألتم علماء النصارى ولاهوتيهم كافة ، والبروتستانت (المجددين) الملهمين من الروح القدس - والبابات المعصومين - والآباء والأعزة المشهورين بالصدق والعرفان ، منذ مجمع نيقية العام إلى هذا اليوم (هل من المنتظر أو المأمول أن يبعث ويظهر نبي آخر بعد حضرة المسيح ؟ ) أنا اعلم انهم يسارعون بقولهم (نعم ، سيظهر كثير من الأنبياء الكذبة(1) (*) فبولص الذي لم يقرأ الأناجيل الأربعة القائلة بان المسيح خاتم الأنبياء ، نوه بوجود أنبياء في زمانه ، ومع أني أضع كف الاحترام والتعظيم على صدري تجاه الأرواح القدسية واعترف بأني لست أهلاً لان أكون كأصغرهم ، اضطر أن أقول بغير اختيار (هل الروح القدس الذي يبجله هؤلاء النصارى هو ذلك الروح القدس الجليل النوراني من أرواح الله الحق ؟ مع الأسف أن الجواب الذي أستطيعه هو النفي (لا.لا) يدعون أن روح القدس هو الله (حاش لله) فماذا نقول للمبشرين وللبابا وللكهنة الذين يزعمون تفوقهم على سائر الناس ويفتخرون ويتكبرون بوقوفهم على أسرار الألوهية ، وهم ينسبون إليه النسيان والجهل ، فقد أوحى إلى متى الإنجيلي انه لن يأتي بعد المسيح نبي حقيقي ، أفلم يكن يعلم بوجود ذلك المقدار من الأنبياء الذي تفتخر الكنائس بحصولها عليهم في زمان بولص ؟ أم أوحي ذلك إلى بولص ناسياً؟ وإذا كان هو الذي أوحي إلى أمثال متى ولوقا أن المسيح وحده هو المبشر ، فما بال بولص يبحث عن أنبياء ورسل في زمانه يفوقون المبشرين في الرتبة أضعافاً مضاعفة ؟ وإذا كان المسيح عليه السلام يبشر باقتراب ملكوت الله ، فان الروح القدس الذي يبحث عن إرسال جيوش من الرسل والأنبياء وظهورهم بغتة بعد عروج المسيح لا يفيد كنيسة المسيح قدر ذرة من الشرف والفخر الحقيقيين .
    لا أعلم من التوراة ومن جميع كتب الأنبياء العبرانيين أن نبياً من الأنبياء كان يستحق حمل عنوان (رسول)(1) وبما أن لقب (رسول الله) أعلى بكثير من لقب (نبي) فأننا نتعلم من روح قدس بولص ان أرسل المسيح هم اكبر منه ، رحماك اللهم ربي ! انك لا ترضى بالاعتداء والتحقير الذي جوزوه على عبدك ، ورسولك وحبيبك عيسى عليه السلام وعلى روح قدسك العظيم المنير ، اللهم اهد مرتكبي ذلك إلى الإيمان والصلاح وهبهم الإدراك السليم ، إذ ليس في إمكاني غير الدعاء والاستغاثة .
    من كان أولئك المبشرون غير متى ومرقس ولوقا ويوحنا ! ماذا كتبوا ؟ كم كان عدد الإنجيليين ؟ بأي إنجيل كانوا يبشرون ؟ ومن الذين كانوا يبشرونهم ؟ لاشك أن الروح القدس كان قـد نفـخ في أولئك وأوحى إليـهم فمـاذا عملوا ؟ من أولئك الذين هدوهم وجذبوهم إلى الإيمان ؟ ... ماذا يفيد تكثير مثل هذه الأسئلة ؟ ليست مما يستطيع المبشرون الإجابة عنها ، وهاءنذا اضطر إلى أن أقول إن الذين أحدثوا هذه الآيات جهلاً أو ظلماً بقصد أن يمجدوا المسيح أو يعظموا الإنجيل قد أهانوه وخانوا ملكوت الله الذي جاء ليبشر به .
    إن هؤلاء الذين وضعوا هذه الغرائب في فم بولص لم يتوقفوا عن عزو إنجيل لبولص أيضاً كما ترى في رسالته إلى الرومانيين 16:2 (في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بواسطة يسوع المسيح) .


    (1) يعني إنجيل المسيح الذي كان يذكره ويوصي بالبشارة به ، وهو هو الذي يذكر في القرآن (2) عنوانها في النسخ العربية (رؤيا يوحنا اللاهوتي) أهـ مصححه .

    (1) Evangelia Synobtica يجب كتابة الاصطلاحات الدينية كهذا باللسان اللاتيني .

    (2) Petrus , Paulus

    (*) أي انه لا يجب العمل بها بعد الفداء لان النعمة قامت مقامها وزيادة . انظر الفصل الخاص بملكوت الله حسب ادعاء بولص .

    (1) يقول مصحح الطبع : إن من يرى إنكار المؤلف لما في آخر إنجيل مرقس من خبر قيام المسيح من القبر يظن انه مفتر كذاب ولكن ما قاله هو الحق فان هذه الخاتمة للإصحاح السادس عشر الأخير منه من عدد 9-20 لم تكن في نسخ إنجيل مرقس القديمة بل أضيفت إليه فيما بعد كما ترى في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج بوست الاميركاني .

    (1) الكهنوت أو الرهبانية تنقسم إلى ثلاث مراتب يسمى الحائز على الرتبة الأولى منها شماسا Diacon والحائز على الرتبة الثانية كاهناً Presbyteros والحائز على الرتبة الثالثة Episcopus .

    (2) Sancti et Patres Ecclesiae .

    (3) Unitaru .

    (4) Consubstantialis Homosusios .

    (1) Incarnatio Christi.

    (2) Constantinius.

    (3) الباب الثاني من أعمال الرسل .

    (*) إن المسيح عليه السلام قد أنبأ بهذا الحادث العظيم بقوله (سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله ، وسيفعلون هذا بكم لأنهم ولم يعرفوا الآب ولا عرفوني) يوحنا 16 : 2-3 وانظر (مرقس 9:13) .

    (1) Simbolum Nicoeni, Craedo التي تبتدى بعنوان (أومن) أو بكلمة الشهادة الطويلة للنصارى .

    (2) Rext Histor icorum أول مؤرخ مسيحي .

    (1) Regimen Ecclesiasticum الحكومة الاقليسيسنيكيه أي التشكيلات الإدارية للكنيسة .

    (2) متى 20 : 25 - 27 لوقا 22 : 25 - 26 - مرقس 9 : 3 وعبارته ملوك الامم يسودونهم الخ .

    (1) كان عنوان الكاهن الأعظم للرومانيين القدماء (الوثنيين) Summum Pontifex .

    (2) النبوات المدعي أنها صدرت عن المسيح تسمى النبوات الإلهية أو النبوات الشريفة ، والمروية عن الحواريين تسمى النبوات الرسولية Triditio Apostolica ; Traeio Divina .

    (3) Infallidilitas .

    (1) Lingua Aramaica .

    (2) (سبرته) تقرأ (Swarta) و (سبرا) يقرأ (Saura) صفر Sabr من صيغة الفعل سبر وبالعربية بشر أي التبشير أو اعطاء البشارة .

    (1) المبشرون Evanghelista كلمة تطلق علىكاتبي الأناجيل ، وبما أن الإنجيل بشارة فبالطبع يكون كاتب الإنجيل مبشراً .

    (1) إن كلمة (قريانا) مشتقة من (قرأ) وهي قطعة من الكتب المقدسة تقرأ كل يوم في الكنيسة ، وان الكتب القديمة لم تكن مفرقة إلى أبواب وفصول في تلك الأزمنة بل إلى (قريانا) ت . أليست كلمة (قرآن) مشابهة لكلمة (قريانا) لأنه نزل منجماً أي قطعاً (وهي السونر) قطعة واحدة ؟

    (1) إن المسيح عليه السلام كان يتكلم بالسريانية كما يعلم فيما نقلته الأناجيل بالنص (دون ترجمة) من الكلام الصادر من فمه المبارك مثل (طليتا قومي) أي (أيتها البنت الصغيرة قومي) و (اثيتخ) أي (انفتح) مرقس 5 : 41 و 7 : 34 ) .
    (*) أما الكلمة العبرانية فيسميها عبرانية مثل (جلجئة) يوحنا 19 : 17 وغيرها .

    (2) إن الأوربيين يطلقون على اللسان المشترك لكل الأقوام الآرامية (سرياني) .

    (1) إن متوشلخ بلغ سن الرشد في 187 من عمره ثم باشر ينسل البنات والبنين وعاش 969 عاماً على الأرض .

    (1) متى 15:7 .

    (*) أني بعد تسليمي بحقيقة الآية (متى 15:7) أقول إن كانت هذه الآية هي التي يعتمد عليها النصارى في نفي احتمال ظهور نبي حقيقي بعد المسيح عليه السلام فإنها هي نفسها مع الأربع آيات التالية لها تصرح بأن سيأتي أنبياء صادقون وأنبياء كاذبة . وبين علامة التمييز بينهما ، وحذر من الكذبة ، وهذا نص الآيات الخمس (احترزوا من الأنبياء الكذبة) أي دون الصادقين منهم (الذين يأتون بثياب الحملان) ولا ينطبق هذا الوصف على محمد صلى الله عليه وسلم إذ قد جاء بثياب الأسد إذا كان التشبيه جائزاً (ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) وأما محمد صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } فلم يكذبوا ولم يغدروا ولم ينقضوا عهداً لأعدائهم (من ثمارهم تعرفونهم) والقرآن يأمر بعبادة الله الأحد وبالعدل والإحسان وإبقاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي (هل يجتنبون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً) لا يمكن ذلك ، إذن فمحمد صلى الله عليه وسلم بما أن دعوته إلى الله الأحد رب العالمين فليست ثماره بالشوك ولا بالحسك (هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة) ومحمد صلى الله عليه وسلم أجود الأشجار ثمراً (وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية) وهل يستطيع أحد أن يبين ثمرة ردية في القرآن الذي هو خلق محمد عليه السلام ؟ (لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة) إذن فكلا النوعين من الأشجار يؤمل أن يأتي :
    تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
    (كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار) ولم تقطع شجرة الرسول الكريم بل نمت كحبة خردل حتى صارت شجرة تأتى إليها طيور السماء وتأوي في أغصانها كما مثلها المسيح عليه السلام - (فإذا من ثمارهم تعرفونهم) وأي لزوم لذكر الفوارق إذا لم يكن احتمال لوجود كلا النوعين في المستقبل ؟ (محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بنيهم .. كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقة يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار) وذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل (سورة الفتح) .
    وليس وجود الأنبياء الكذبة خاصاً بالزمن المقبل بل قد جاءت في الماضي أنبياء كذبة في بني إسرائيل . انظر ارميا 23 :9-40.

    (1) يخبر يعقوب عليه السلام بمجيء رسول واحد (تكوين 10:49) وسنبين في الفصل العاشر بالبراهين المسكتة أن هذه الكلمة المستعملة هنا والمهمة بقدر الدنيا هي بمعنى (رسول) أو (إسلام).


  4. #4
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب الثاني
    غرض الإنجيل وموضوعه (الإسلام) و (أحمد)
    - 10 -
    المبشر لوقا يبشر ( بالإسلام ) و ( بأحمد )
    لننظر الآن في التأويل والتفسير الحقيقي للفظ إنجيل الذي يبشر بالسعادة الحقيقية وماذا يحتمل أن يكون القصد من كلمة (أمل) أو (ملكوت الله ؟ ) فاذا انكشف هذا السر نكون قد فهمنا روح الإنجيل ولبه . اسأل الله تعالى أن يمن على هذا المؤلف الأحقر بان يجعل له نصيب الفخر بكشف هذه الحقيقة التي تعدل الدنيا وما فيها بأهميتها العظمى وقيمتها التي لا يساويها شيء - مع أنها وياللأسف لم تزل حتى الآن مجهولة لدى كل من المسلمين والمسيحيين - وتمحيصها من التحريفات والتأويلات الفاسدة ، وإبرازها بتمامها وصفائها بالأدلة القاطعة والبراهين المسكتة بصورة صريحة واضحة بحيث يفهمها كل أحد .
    وهاأنذا أتحدى بإعلان وإظهار هذه الحقيقة جميع العالم وكافة روحانيي النصارى وأشهر أساتذة الألسنة والعلوم الدينية في دور الفنون الموجودة في العالم المسيحي ، تسلية لقلوب المسلمين ، وتثبيتاً لإيمان الموحدين ، الذين أصيبوا بأنواع المصائب ، وأمسوا هدفاً للتحقير والطعن في هذه الأيام الأخيرة . وهاأنذا أفتتح كلامي بالحمد والشكر وتحياتي مع روحي وحياتي مشفوعة مع شهادة أن لا إله إلا الله ، تلك الكلمة الطيبة كاملة التوحيد والإيمان الصحيح تقرباً إلى الله الواحد الأحد ، مكون الكائنات ، وواهب العقول والإفهام ، المطلع على خفايا السرائر والنيات ، جل جلاله ، وخدمة لدين حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأني قد عاهدت الله عز اسمه بأن اقف نفسي على خدمة هذا الدين المبين وخدمة أمته المظلومة ، والدعاء لها ، والله ولي الإجابة والتوفيق . بعد هذا أقول :
    جاء في لوقا انه ظهر في الليلة التي ولد فيها المسيح عليه السلام جمهور من الجنود السماوية للرعاة الذين كانوا في البرية يترنمون بهذا النشيد : (لوقا 14:2) .
    (الحمد لله في الأعالي ، وعلى الأرض الإسلام ! وللناس أحمد)(1)
    إن الذي فتح عيني هذا المحرر الفقير ، ووهب له مفتاح أبواب خزائن الإنجيل ، وكان له دليلاً في تتبع الأديان الأخرى ، وإمعان النظر في الإنجيل مرة أخرى ، هو هذه الآية آية الآيات الإلهية .
    اني مطمئن بان هذه الآية الجليلة ستبعث اليقظة مع الحيرة والدهشة في قلوب كثير من المسيحيين كما وقع ذلك لي لأني واثق بأنه يوجد في هذه الملة اليوم أناس كثيرون برءاة من التعصب والسفسطة ، وانهم لا يتأخرون عن الإذعان والتصديق للكلام الحق ولا يترددون في قبول الفكر الصحيح وقتاً ما (*)
    - 11 -
    كيف ترجموا هذه الآية
    كلما تقدمت في هذا المؤلف الوجيز تزعجني هاتان الواهمتان . الأولى هل يوجد من يشعر باني راغب في اكتساب الشرف والعظمة بنقد المفسرين والمترجمين ؟ والثانية - هل أنا مصيب في ترجمتي وعلى حق في تفسيري ؟ إن في مكتبة هذا العاجز نسخة من الكتاب المقدس بالعبرانية ونسخة من ترجمته بالسريانية الجديدة ونسخه ثالثه بالتركية مع نسخة من الإنجيل والتوراة باليونانية ولم أجد ما احتاج إلى مراجعته من المؤلفات في مكتبة بايزيد العامة لإكمال هذا العمل النافع . فأنا مضطر إلى الاكتفاء بما عندي من هذه الكتب . على أنه ليس في المطبعة حروف عبرانية ولا يونانية .
    وهاأنذا اشرع في المقصود وقبل أن ادخل في بيان شرح الآية التي نحن في صدد الكلام عنها وأبسط تدقيقاتي فيما سأورده في إثباتها بصورة مفصلة في الفصل العاشر - أراني مضطراً إلى تقديم بعض المقدمات الإيضاحية بعبارة مختصرة فأقول :
    إن الرعاة السوريين الذين ذكروا في الآية لم يكونوا من خريجي أكاديمية اثينة وقد سمعوا جمهور الجنود السماوية يترنمون بتلك الأنشودة العجيبة فلا يمكن إذاً أن تكون الأنشودة باليونانية . هذا شيء لا يوجد من يعترض عليه ، ومن البديهي انهم كانوا يرتلون التسبيح باللغة السريانية . ولم يذكر أنشودتهم المهمة هذه متى ولا المبشرون الآخرون ، وان لوقا كتب موعظته باللغة اليونانية لأنه روماني أو لاتيني على ما هو معلوم من اسمه .
    كلمتان وردتا في اللغة الأصلية للآية المذكورة لم يدرك أحد ما تحتويان عليه من المعاني تماماً ، فلم تترجم هاتان الكلمتان كما يجب في الترجمة القديمة من السريانية على وفق ما وقع في التراجم إلى اللغات الأخرى ، فبناء عليه يجب البحث عن نشيد الملائكة في اللغة الأصلية ، لان لوقا إنما كتب كتابه متخذاً كثيراً من المؤلفات المتقدمة(1) مادة له ، ثم ان تلك المآخذ المتقدمة صارت عرضة لتنقيح وتصرف مراقب مجمع نيقية(2) الفاقد للمرأفة ، وبعد كل ما كان فان ترجمتها باليونانية وقعت على الوجه الآتي كما في (ترجمة بايبل سوسايتي) .
    (الحمد لله في الأعالي ، على الأرض سلامة ، في الناس حسن الرضا)
    ومن البديهي إن الملائكة لم ينشدوها باللغة اليونانية ، وإلا كانوا كمن يكلم الرعاة الأكراد في جبل هكاري باللغة اليابانية ، فلنبين الآن التفسير الصحيح الحقيقي للكلمتين (ايريني ، السلامة) و (أيودكيا ، حسن الرضا) فيا للعجب ! لكن انظروا أولاً إلى هذا التفسير الذي فسروه هم :
    أولاً ، كلمة (دوكسا) مشابهة لكلمة (الحمد) في العربية والعبرانية والسريانية . وهي من الألفاظ المشتركة بين جميع اللغات السامية ، و (دوكسا) مشتقة من (دوكو) أو (دوكئو) .
    وبناء على ذلك تكون التسبيحات ، بمعنى حمد وعقيدة وفكرة . والكلمة المستعملة في السريانية بمقابل (دوكسا) هي كلمة (تشبوحتا) وفي اللاتينية Gloria والفرنسيون والإنجليز والملل العربية تستعمل كلمات تشبهما .
    كثيراً ما نصادف في صحائف كتب العهد القديم كلمات بعين الكتابة مشابهة ككلمات (حمد) و (احمد) و (محمد) فما يشابه (محمد) ما جاء في ملوك أول 6:20 وهوشع 16:9 ويوئيل 5:3 ومرائي ارميا 1 : 7و11) ... الخ .
    فالأولى من الكلمتين اللتين هما موضوع بحثنا الآن هي (ايريني) فقد ترجمت بكلمات (سلامة) و(مسالمة) و (سلام) لكني لا افهم لماذا يترجم مترجموا (بايبل سوسايتي) اللفظ الواحد مرة (سلام) ومرة (سلامه) وأخرى (مسالمة) ؟
    أن كلمة (ايريني) بمعنى (سلم) و (سلام) وهي من الألفاظ المشتركة بين جميع اللغات السامية(1) كما أن كلمة (احمد) كذلك موجودة في جميع تلك اللغات ، ففي السريانية (شلم) وفي العبرانية (شالوم) التي يستعمل في مقابلتها الغربيون المنسوبون إلى اللغات اللاتينية Pace, Paix, Pax, Peace.
    من المعلوم أن لفظ (إسلام) يفيد معاني واسعة جداً ، ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ (السلم ، السلام) و (الصلح ، المسالمة) و (الأمن ، الراحة) أي ان من اسلم وجهه لله واجب الوجود يكون مسلماً ، وتزول من قلبه العداوة والخصومة التي يثيرها الكفر بالإيمان الذي يحل في قلب من اسلم مع الإقرار باللسان ، فهو للقلب راحة ، وفي الآخرة أمان ، ومن المسلمين المجاورين اطمئنان على العرض والنفس والمال . وهذا الإسلام يعطي راحة الفكر ، واطمئناناً للقلب ، وأماناً يوم القيامة .
    أن الكلمتين (ايريني) و(شلم) تفيدان هذا المعنى بعينه ، وأما كلمة (إسلام ، سلام) فهي مع ما تشتمل عليه من المعاني التي شرحناها آنفاً باختصار تتضمن معنى زائداً وتأويلاً آخر أكثر وأعم وأشمل وأقوى مادة ومعنى ، ولكن قول الملائكة (على الأرض سلام) لا يصح أن يكون بمعنى الصلح العام والمسالمة . لان جميع الكائنات وعلى الأخص الحية منها ولاسيما النوع البشري الموجود على كرة الأرض دارنا الصغيرة هي بمقتضى السنن الطبيعية والنواميس الاجتماعية خاضعة للوقائع والفجائع الوخيمة كالاختلافات والمحاربات والمنازعات . وذلك لكي يتمتعوا بالحياة والرقى ، ويعلو قسطهم من قانون الترقى والتكامل ، وهذه النزعة الفطرية الضرورية من غرائز البشر تحدث لهم ضروب الاختلاف والتنازع ، وتحملهم على الشقاق والجدال والجلاد .
    فمن المحال أن يعيش الناس على وجه الأرض بالصلح والمسالمة ، ولا يتمكن أي دين كان أن يضمن دوام السلم العام بين الأمم والأقوام حتى لو تعلقت إرادة الله عز وجل بذلك لاقتضى أن يبدل سننه الاجتماعية في طباع البشر ونظام معايشهم ويغير النواميس الطبيعية فيهم ويستبدل بها غيرها .
    إن الحكومات المستريحة الآمنة المسالمة إذا لم تكن على حذر دائم من عدوها تكون مقضياً عليها بالتدلي والسقوط ، ولا تزال تتقهقر حتى تصير إلى البداوة والانحطاط أو الاضمحلال ، وإذا كانت الأمم لا تخشى اعتداءاً على حياتها أو عرضها أو مالها ، والحكومات الحاضرة لا تسحب للدماء ولا للنار حساباً ، فلماذا نراها منهمكة في المسابقة إلى الاختراعات الحربية المرعبة التي نشاهدها ، خرقوا جبال الألب من أسفلها وهي التي تمردت على ذكاء (بونابرت) و (هانيبال)(1) وهمتهما ، وعبدوا للطريق فيها حتى صارت تمر منها القطارات بالكهرباء ، وتساق فيها الجيوش ليقيم كبار العرب - الذين سافروا من حضرموت إلى الصين- وجاءوا من اجداثهم ولينظروا إلى تلك البحار التي مخروا فيها والأمواج التي تسنموا غواربها ماذا يرون ؟ أما البحار فهي هي بعينها ، ولكن أي السفن أنشئت ، وأي الآلات اخترعت لطي تلك المسافات بالسرعة العجيبة ؟ والى الرياح العاتية والعواصف القاصفة في جو السماء ! هي وإن كانت باقية على حالها منذ القدم ، ولكن ليبصروا كيف أن الفن انفذ فيها التلغراف اللاسلكي وسخرها كخادم له ، ثم لينظروا هذه المناطيد والطيارات ، والمدرعات والغواصات والدبابات ، من مخترعات العقل والفن ، ما أوجدتها إلا الضراوة بالحرب ، وعدم الثقة في معاهدات الصلح ، والأمان من الحرب ، وإذاً يكون (السلام) الذي هتفت به الملائكة ليس عبارة عن الاستراحة والمسالمة الدنيوية ، أو أن يدخل جميع الناس الكنيسة فيصبحون آمنين مرتاحين تحت إدارة الأساقفة والرهبان خدام (الأسرار السبعة) بل إن كان في الدنيا شيء قد اكتسب اكبر شهرة في اقتراف المظالم وإيقاد نيران العداوة فلا شك أنها الكنيسة ، أقول لا شك ، لان تلك حقيقة تاريخية ثابتة بالفعل ويقول المسيح نفسه (ما جئت لألقي سلاماً على الأرض) وأما الذين يصدقون بأنه سيتأسس صلح عام ، فأولئك هم عبيد الوهم والخيال .
    الإســــــــلام
    الإسلام : دين أساس إدارته وحكمه العدل المطلق الذي لا هوادة فيه ، لان الجرائم والجنايات تعاقب عليها يد العدالة ، ولكن الأشرار والمنافقين من المسلمين لا يزالون يسعون في الأرض فساداً ، ولم يخل زمن الخلفاء الراشدين - مثال للعدل المطلق الكامل - من مثل هذه الاختلافات والشقاق من الحروب .
    إذن فماذا كانت تقصد الملائكة ؟ هل قصدت (سلام عليكم) (شلم لحن) كما يريد أن يحيي بعضنا بعضاً ، ويؤدي له رسوم المجاملة ؟ الناس يمكنهم أن يستعملوا ما يشاءون من الكلمات الرقيقة لأجل المجاملة ، ولكن لا حكمة ولا حاجة أبداً إلى ذلك في التبشير السماوي ، ولاسيما إذا كان من قبل جيش من الملائكة يترنمون في جو الأفلاك .
    - 13 -
    (إيريني) أي (الإسلام) هو الدين المبين ، وحبل الله المتين ، المكمل للإنسان جميع وسائل ترقيه المادية والمعنوية ، والكافل له سعادة الحياة والعيش الرغيد إلى الأبد .
    مهما أكن حريصاً على التزام الاعتدال ، وعلى سوق القلم فيما لا يجرح عواطف المسيحيين ، فلا بد أن أكون معذوراً إذا ما تجاوزت أحياناً هذه الخطة .
    رحماك ربي ! ما أكثر ما ينحي به أحرار الفكر(1) والموحدون في أوروبا وأمريكا على النصرانية من التحقير الشفهي ، والاعتداء التحريري ! ومن المعلوم بالضرورة أن مثل تلك المطاعن لا تقع في بلاد المسلمين كتركيا .
    ما كان أجدر الكنائس بخدمة الإنسانية لو صرفت عنايتها في مجامعها الكبرى من مجمع نيقية إلى آخر مجمع للفاتيكان(2) عن فحص الأسرار والأشياء السحرية ووجهت همتها إلى المعاني العميقة للآية التي نحن بصدد التدقيق في معناها : كم كان للمسيح من طبيعة وإرادة ؟ هل كانت أمه مريم إذ كان في رحمها برئيه من الذنب المغروس أم لا ؟ عندما يتحول الخبز والخمر إلى لحم المسيح ودمه في القربان المقدس هل يفقدان جوهرهما أم أعراضهما فقط ؟ إذا كان عقد النكاح كارتباط المسيح بعروسه للكنيسة أبدياً فيكون افتراق الزوجين وانفصال أحدهما عن الآخر محالاً حتى الموت أم لا ؟ هل ينبثق الروح القدس من الآب وحده ، أم من الآب والابن معاً ؟ وأسفا على الكنيسة التي تشتغل بمثل هذه المسائل ؟
    أذن فالملائكة أرادت أن تقول (سيؤسس دين الإسلام على الأرض)
    أقول إلى رهبان البروتستانت وواعظيهم الذين يدعون المسيح جاء بالسلام أن مدعاكم غلط محض ، وان المسيح قد قال صريحاً وتكراراً انه لم يأت بالسلام بل بالسيف والنار ، والاختلاف والتفريق بين الناس ، فلا مناسبة للسلام بالمسيح ولا بالمسيحية ، ودونكم هذه النصوص .
    (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً (ايريني) على الأرض . ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً) (متى 34:10) وفي موعظة أخرى للمسيح (جئت لألقي ناراً على الأرض ، أتظنون أني جئت أعطي سلاماً على الأرض ، كلا أقول لكم ، بل انقساماً) (لوقا 12 : 49-53)
    أن تدقيقاتنا ومطالعاتنا العميقة في هذا الموضوع مندرجة في الفصل العاشر ولكن اضطررت هاهنا عند تحقيق معنى الإنجيل إلى تدقيق في المعاني المهمة التي تتضمنها الآية المذكورة لا غير ، فأن الملائكة في هذه الآية تخبر وتعلن صريحاً بأنه سيظهر دين باسم (الإسلام) و (السلم) .
    فإذا كانت هذه الفكرة التي بيناها باطلة ، فالآية المذكورة ليست إلا نغمة لا معنى لها (حاشا) فما دامت النصرانية تعتقد أن الآية المذكورة وحي والهام من قبل الملائكة حقيقة ، فيجب علينا أن نقبلها مثلهم ، ونضطر إلى الاعتقاد بأنها أهم وأعظم شأناً من أية آية في الكتب السماوية ، لان هذا الإلهام ليس من قبل نبي أو رسول أو ملك واحد بل هو الهام من قبل جمهور من الجنود السماوية يهللون ويترنمون بالذات ، فنحن على هذا مضطرون إلى قبول أن محتوياتها أيضاً عبارة عن تظاهرات كبيرة وتجليات مهمة جداً تتعلق بمنافع البشر وبنجاتهم في المستقبل .
    ولنبين أن أنبياء الله قد استعملوا من قبل في أسفار التوراة (العهد العتيق) هذا المعنى اللغوي لكلمة (إسلام) بمادة هذا المصدر نفسه ومشتقاته وهي (سلم ، تسليم ، إسلام) العربية و (شلم ، شلوم) العبرانية ، و (شلم) السريانية ، على الوجه آلاتي :
    (أشعيا 44 : 26 و 28) إتمام ، إكمال ، إكمال النقص ، الذهاب به إلى مكانه .
    (أشعيا 12:38) الإنهاء ، الإيصال إلى المنتهى .
    (أمثال سليمان 7:16) المصالحة ، الصلح مع .
    (يشوع 10 : 1 : 4) عقد الصلح والمصالحة ، التسليم والضبط .
    فالإسلام عبارة عن الدين المتمم والمكمل للأديان السابقة والحاكم في الاختلافات الكائنة بين اليهودية والمسيحية والمصلح بينهما ، ومدخلهما في ضمن دينه الكامل المتمم ليكون الجميع سوية مسلمين لله ، مسلمين ومؤمنين .
    أليس لهذه الآية رابطة بصورة بليغة بآية القرآن المجيد التي نزلت على حضرة خاتم الأنبياء في حجة الوداع ؟ وبلغها لأكبر مجتمع في عصره { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}(*)


    (1) في الترجمة العربية : وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ، والمؤلف يعلم هذا ونقله فيما يأتي ولكنه يقول هنا أن الأصل الصحيح هو ما قاله ثم شرحه في التفصيل الآتي أ هـ مصححه .

    (*) لا يخفى على العاقل شأن هذا الباب الذي فتحه المؤلف من حيث أشغاله على أبحاث لغوية وبيان لمعاني بعض الألفاظ اليونانية الواردة في كتب العهد الجديد وذكر مترادفاتها ومشتقاتها في اللغات السريانية والكلدانية والعبرانية في كتب العهد القديم ، مما يجهله اكثر علماء الدين من المسلمين ومما لم يعقله أو ينتبه إليه أو كتمه بعد أن عقله بعض علماء النصارى , ومن هذا البحث اللغوي يتضح مفصلاً أن لقب (مشتهى الأمم) الوارد في (حجي 6:2) هو بمعنى (احمد أو محمد ) فان الإسرائيليين يطلقون على أنفسهم لقب (شعب الله المختار أو الخاص) وعلى كل من سواهم التعبير (بالأمم) . كما تطلق العرب على غيرها من الأمم لقب (العجم) . وقد ذكر هذه البشارة مجملاً العلامة (السيد محمد رشيد رضا) في تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم (المجلد التاسع صحيفة 289) .
    قال تعالى في سورة طه { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه } وأجاب بقوله تعالى { اولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } ومثله جاء في إنجيل يوحنا : 39:5 قول المسيح عليه السلام (فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي) وليس من بينة ابلغ من البشارة المذكورة في الصحف الأولى ، لأنها دائمة وبرئيه من تهمة التزوير واحتمال السحر . خصوصاً إذا لم يمكن انطباقها على غير واحد . وأن البشارات الدالة على حقيقة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة . ومن أوضحها ما جاء في كتاب أشعيا بعد أن ذكر في أواخر الإصحاح 41 بعثة المسيح عليه السلام بقوله (لأورشليم جعلت مبشراً) شرع في الإصحاح 42 بذكر عبد الله ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وبعدد صفاته ، ولنذكر منها ما لا ينطبق إلا عليه صلى الله عليه وسلم (مع شيء من التصرف والشرح)
    1- انه (عبد الله ومختاره) أي لا ابن الله ولا مساو لله كما تدعيه النصارى في المسيح .
    2- (لا يرفع صوته في الشارع قصبة لا يقصف وفتيلة لا يطفئ) يعضده الله فلا يكل ولا ينكسر . وهذه حالته صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الهجرة . أما المسيح فيدعي النصارى انه قتل صلباً وبذلك يجعلونه قصبه مقصوفة وفتيلة مطفأة ويقولون انه قال حين الصلب (الهي الهي لماذا تركتني . متى 46:27) أي أن الله لم يعضده .
    3- (حتى يضع الحق في الأرض فيخرج الحق للأمم) وأما المسيح فلم يتمكن من وضع الحق في الأرض لان أتباعه تفرقوا عنه ولم يزل عالم النصرانية مغلوباً حتى زمن قسطنطين الوثني الذي فعل النصرانية واهلها ما هو معلوم من التاريخ وذكر المؤلف خلاصته .
    4- (تنتظر الجزائر شريعته) و(أن يغنوا للرب أغنية جديدة وتسبيحا ..) وليس للمسيح شريعة جديدة فانه عليه السلام قال :(لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل (متى 17:5) فشريعة المسيح عليه السلام كانت شريعة موسى عينها . أما بولص فانه وإن أبطل الشريعة الموسوية لم يثبت للمسيح شريعة غيرها بل عوض أتباعه بالنعمة فقط . وأما محمد صلى الله عليه وسلم فله أكمل الشرائع .
    5- (دعاه الرب بالبر (أو بالنصر) وامسك بيده وحفظه كالجبار أخرجه كرجل حروب لنهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه) وهذه حالة محمد صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة . ولم يكن المسيح كالجبار ولا رجل حرب ولم يقوا على أعدائه . ولا يقول النصارى أن في مجيئه الثاني سيحارب كالجبار بل بصورة حمل غضبان .
    6- (ترفع البرية ومدنها . الديار التي سكنها قيدار . تترنم سكان سالع . يهتفون ويعطون مجداً للرب ويخبرون بتسبيحه في الجزائر) والبرية جزيرة العرب . ومدنها هي التي سكنها قيدار بن إسماعيل عليه السلام . (تكوين 13:25) .
    7- (جعله عهداً للشعب ونوراً للأمم . ليفتح عيون العمي ليخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة).
    وكان صلى الله عليه وسلم مصداق العهد الذي أعطاه لإبراهيم عليه السلام بقوله (أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا لجمهور من الأمم . تكوين 4:17) وجعل علامة العهد الختان (فتختنون في لحم غرلتكم . فيكون علامة عهدي بيني وبينكم . تكوين 11:17) وختن إبراهيم وإسماعيل حين لم يكن اسحق قد ولد (إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية. فلما فرغ من الكلام . في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه . تكوين 17 : 21-26) .
    وكرر هذا العهد لشعب بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام (سوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين أخوتهم واجعل كلامي في فمه . تثنيه 18:18) . وقد فصل هذه البشارة العلامة السيد محمد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره صفحة 251 بما لا مزيد عليه .
    وأما كونه صلى الله عليه وسلم نور الأمم فهم سوى بني إسرائيل كما مر . وهم مشركو العرب وغيرهم وكانوا عمياً وجالسين في الظلمة فأثارهم بالقرآن العظيم وفتح عيونهم . وكذلك اخرج المأسورين للأصنام وأهل الكتاب المأسورين للأحبار والرهبان قائــلاً لهم { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله } كما أخرجهم من ضيق العيش إلى الرغد ومن الجهل إلى العلم ومن التنازع إلى التحاب . وهكذا سيبقون ما لم ينكثوا عهد الله وميثاقه .
    ومن اغرب العجيب أن أهل الكتاب لا يقتنعون بهذه البشارة ويرضون بتعطيل كتاب الله الذي يعتقدون انه من الله تعالى . وقد فكرت طويلاً فلم أجد سبباً لعنادهم إلا ارثهم البغضاء عن أمهم سارة لأولاد ضرتها هاجر . والله يهدي من يشاء أ هـ (مترجم الكتاب) .

    (1) لوقا : 24:1.

    (2) نيقية هي بلدة إزنيق من توابع خداوندكار .

    (1) سام أحد أولاد نوح عليه السلام وهو جد الأقوام السامية .

    (1) هانيبال - من الفينيقيين وحاكم قرطاجنة اشتهر في التاريخ باسم هانيبال وإنما اسمه الحقيقي (حانيبعل) أي لطف الله .

    (1) أحرار الفكر - هم الذين ينتقدون كل الأديان كما يشاءون . والفرنسيون يسمون هؤلاء (ليبر بانسور) .

    (2) مجمع الفاتيكان ، معطل الآن ، وكان قد دعي من قبل (بيونونو) .

    (*) يزيد المعنى الذي أراده المؤلف إيضاحاً قوله تعالى { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } من سورة المائدة . وقوله تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } من سورة النحل . وقوله عز وجل { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون } من سورة النمل .


  5. #5
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب الثالث
    (أيادوكيا) بمعنى (أحمد)
    الكلمة الأصلية التي ترجمت عنها كلمة (أيادوكيا)
    نقول : إذا لم يكن الإنجيل الأصلي قد رفع من الميدان منذ زمن لوقا ، أو نقول لكي لا نعرض أنفسنا للتهمة بجرم الافتراء إذ ربما كانت أنشودة الملائكة موجودة بنصها الأصلي ثم أعدمت في عهد تصرفات مجمع نيقية التطهيرية : لماذا لا يوجد النص الأصلي لهذه الآية ؟ لماذا يحاولون أن نقتنع ونخضع لدعوى القائل : أن (أيادوكيا) ترجمة مطابقة للكلمة التي كانت في المتن الأصلي ، وبصورة موافقة للقاعدة اللسانية الحقيقية ؟ فلو قام أحد البابين قرضاً وترجم هذه الآية بقوله (الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض لوح . وللناس باب !! فبأي حق وصلاحية يمكن أن يرد ويرفض ؟ والمتن الأصلي غير موجود ليكون للكنيسة حق الاعتراض والمؤاخذة أن البابي مجسم أو انه يعتقد بإنسان قد تأله ، وهو أيضاً يدعي الألوهية وانه يعطي ألواحاً(1) وآيات كحضرة (يهوه) معبود اليهود(*) .
    وهاءنذا أسال : ماذا كان اصل الكلمة المرادفة لكلمة (أيودوكيا) ؟ فعوضاً عن (بروبا باجندا فيذه)(1) التي للكاثوليك ، وجمعية ترجمة الكتب المقدسة إلى كل اللغات التي للبروتستانت، أرجو أن يتلطفوا بالإجابة على هذه الأسئلة :
    ماذا كان نص العبارة التي كان التهليل والترنيم بها ، وللترجمة بكلمة (أيودكيا) هيهات لا شيء ، عدم ، كله ضاع وانمحى . وان ما يضحكني بزيادة هو قولهم : (بما أن لوقا ملهم من قبل الروح القدس ، قد حافظ على الترجمة من غير أن تبقى حاجة إلى المتن) . ولكن المترجمين في المخابرات الدولية دائماً يذهبون بمتن اللغة الأصلية مع الترجمة إلى الرئيس ويعرضونهما عليه معاً . فأين متن اللغة السماوية ؟! وسنبرهن في الفصل الثاني بصورة قطعية ومقنعة على أن لوقا لم يكتب موعظته بالوحي والإلهام ولا بإلقاء الروح القدس . فالمتن الأصلي مفقود ، والترجمة مشكوك في صحتها !
    - 13 -
    المعنى اللغوي المستعمل لكلمة (أيودوكيا)
    يجب أن تكون كلمة (أيودوكيا) ترجمة حرفية لكلمة سريانية مثل (ايريتي) أو لكلمة عبرانية . ولكن كتاب لوقا لم يترجم عن لسان آخر . فان قال قائل :(كان هناك مأخذ ، وان لوقا كتب كتابه مترجماً عن ذلك المأخذ) فان المعنى يزداد غموضاً . لان ذلك المأخذ في اللسان الأصلي مفقود .
    ولابد أن يرد على بال كل مسيحي وجود نسخه مكتوبة بالسريانية وهي :
    ( ) بشيطتا
    ( ) سبرا طابا
    ولكن تلك أيضاً مترجمة عن اليونانية(1) فعلينا إذاً أن نفهم معنى (أيودوكيا) من اللغة اليونانية ومن قاموسها فقط ، وذلك لا يكفي لحل المسئلة ، ولابد أن تكون الملائكة قد استعملت كلمة عبرانية أو بابلية أو كلمة أخرى من إحدى اللغات السامية وان لوقا ترجمها بـ (أيودوكيا) وهنها السر والظلمة .
    وفي النسخة المسامة (بشيطتا) التي برزت إلى الوجود بعد مجمع نيقية (ازنيك) الكبير قد ترجموا كلمة (أيودوكيا) بكلمة (ساورا طاوا) ومعناها (أمل صالح) وهي مثل (الصبر جميل) بالعربية تماماً . ولا شك أن الذين ترجموها بعبارة (سورا طاوا)(2) قد كتبوها متخذين بنظر اعتبارهم أن (إنجيل) عبارة عن بشارة أمل .
    أن المقصود من الاشتغال بالألفاظ ليس إلا التمكن من إظهار حقيقة لم تزل مكتومة أو خافية على كل الموسوية والمسيحية والإسلامية حتى الآن ، فارجوا أن يتعقبني القراء بصبر وتأن .
    لا يمكن أن تكون (أمل صالح) ترجمة حرفية مطابقة لأصل كلمة (أيودوكيا) بل يجب أن تكون إحدى العبارتين مردودة ، ولكن أيتهما ؟
    الأثوريون النسطوريون يقرؤون الآية التي هي موضوع بحثنا عند شروعهم بالصلاة ، ولهؤلاء كتاب عبادة يسمى (قودشادشليحي) وهو اقدم من مجمع نيقية بكثير. وبما أن ليس بين مندرجات هذا الكتاب المهم الآيات العائدة إلى (قربان القديس) الموجودة في أناجيل متى ومرقس ولوقا(1) نستدل على أن الكتاب المذكور اقدم من الأناجيل الأربعة ، ومهما يكن هذا الكتاب فهو أيضاً أصيب بالتغيرات والتحريفات على مرور الزمان لكنه قد تمكن من أن تبقى صحائفه مصونة عن إضافة الآيات المذكورة إليه المسماة (الكلمات الأصلية) وفي هذا الكتاب (سبرا طابا) أي (أمل صالح) أو (بشارة جيدة أو حسنه) وذلك عوض عن (أيودوكيا)(2) فلدينا وثيقتان فقط في اصل أنشودة الملائكة وهما كتاب (لوقا) وكتاب (قودشا).
    ليت شعري أي واحدة من هاتين الوثيقتين المستقله إحداهما عن الأخرى هي اكثر اعتباراً وأخرى بالاعتماد عليها ؟
    لو كانت الملائكة في الحقيقة قد أنشدت (أمل صالح) لكان الواجب على لوقا أن يكتب عوضاً عن أيودوكيا ( (أيوه لبيس) وعلى الأصح (ايلبيدا آغسى) كما كتب بولص)(1) وبما أننا وقعنا بين وثيقتين متضادتين تناقض إحداهما الأخرى ، لا يمكننا أن نرجح إحداهما بغير مرجح .
    لم يكن في الكنائس القديمة كتاب باسم إنجيل باللغة العبرانية ، أما الكلمة (أيودوكيا) فهي بالعبرانية راصون وهي تشتمل على معان مثل (رضا ، لطف ، انبساط ، مسرة ، حظ ، رغبة) وهي اسم لفعل ( رضا) المشابهة لكلمة (رضا) العربية فتكون النتيجة أن (أيودوكيا) المترجمة إلى اليونانية bona Volantas (حسن الرضا) قد تحولت وتأولت بعد ذلك إلى كافة الألسنة بالعبارات التي تفيد المعنى المذكور .
    أنا ادعي أولاً أن تأويل (أيودوكيا) على هذا الطراز لا يؤدي المعنى الحقيقي ، وثانياً انه من الجهل والمفتريات الكفرية بمكان .
    أولاً : لا يقال في اليونانية لحسن الرضا (أيودوكيا) بل يقال ( ثليما) وكان يجب لمن يكتب ( ) أو ( ) المطابقة تماماً لحسن الرضا . ففي هذا يكون تفسير أيودوكيا غلطاً وخطأ . ولعل الكنائس ولا سيما الأساتذة الذين يعرفون اليونانية من أهلها وغيرهم يعارضوني في ذلك فأقول : أن هذه الكلمة مركبة من كلمــتين (أيـو) بمعـنى (حسن ، جيد، صالح ، مرحى ، حقيقي ، حسن ملاحة) وأما كلمة (دوكيا) وحـدها فلا اعـرف لـها استــعمالاً في شيء من كــتب اللــغة ، وإنــما توجــد كلمــة ( أو دوكوئه) وهي بمعــنى (الحمـــد ، الاشـتهاء ، الشوق ، الرغبة، بيان الفكر)(1) وها هي ذي الصفات المشتقة من هذا الفعل ( دوكسا) وهي حمــد، محمــود ، ممــدوح ، نفيـــس ، مشـــتهى ، مرغــوب، مجيد ، والآن لننـــظر مــاذا بيــن أنبيــاء بني إســـرائيل من الأفــكار والمــعاني في الألفــاظ حمـد محمد محمود(*) .
    أنا لا اعلم بوجود رجل تاريخي يحمل اسم احمد ومحمد قبل ظهور النبي (الأخير الأعظم) صلى الله عليه وسلم ، وبناء على ذلك فان اختصاص حضرة النبي الأكرم بهذا الاسم الجليل (محمد) لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة والإتفاق ، ولو قال قائل أن أبوي النبي سمياه محمداً قصداً لأنهما قرءا كتب الإنجيل ، ومن هناك علما انه سيأتي نبي باسم محمد ، لكان من المحال أن يصغي لقوله أحد .
    وهنا أريد أن أفتش في كتب العهد القديم العبرانية المكتوبة قبل ظهور الإسلام بألفين أو ثلاثة الآلف سنة عن المعنى الحقيقي لهذه الألفاظ العربية (حمد ، احمد ، محمد) وعما تشتمل عليه كلمة (إسلام) في اللغة الرسمية السماوية من المعاني الواسعة فان كلمتي (احمد ومحمد) أيضاً تحتويان على ذلك المقدار من المعاني .
    لا تحمد لا تطمع في بيت جارك (خروج 17:20) أن ترجمتهم التركية تنهى عن النظر بالشهوة والحسد ، وذلك غلط، لان نص الآية لا تشته زوجة جارك .
    ( ) تحت ظله باشتياق جلست (نشيد الإنشاد 3:2) حمده ( ) ( الحمد ، الاشتهاء ، الاشتياق ، التعشق ، التلذذ ، الانشراح .
    ( ) الله اشتهى هذا الجبل أو الجبل الذي اشتهاه الله (مزامير 16:68) .
    ( ) حمد الإعجاب ، الاشتهاء ، الانبساط ، الانشراح ، الرضا ، حمد ، محمد، مليح ، جميل المنظر ، حميد المنظر (تكوين 9:2) .
    (حمد وشمن) مرغوب ، مشتهى ، مرضي ، مطلوب ، مرغوب (أمثال 20:21) والحال انهم قد ترجموا الكلمتين (هتاوا ، هاوا) من الباب نفسه بكلمة (ايبيثوميا) اليونانية التي هي أيضاً بمعنى الشهوة والاشتهاء .أذن فان (الإصحاح) السبعين) يترجم الكلمتين (حمد) و (اهوى) كلتيهما بالكلمة (ايبيثوميا) . ( ) وباليونانية (ايبيثوميا) احمد من الذهب أي أشهى من الذهب .
    ( ) كل (محمدتنـا) جرجت . وفي اليونانيــة ( ) (اشعيا 11:64) تحب الدقة في انهم يترجمون كلمة (محمديتو) التي في الآية المذكورة أعلاه بـ (اندوكساهيمون) .
    أذن فمحمد بمعنى Glorieax, IIIustre, Fameux الفرنسية . أي أن علماء اليهود الذي ترجموا كلمة (محمد) العبرانية مرة بمشتهى ومرة بمرغوب وأخرى براض ومرضي ، يعبرون عنها الآن بلفظ (أيندكسوس) فالصفة (أيندوكسوس) المذكورة تحتوي على الصفات الجميلة كالاسم (محمد ، احمد ، امجد ، ممدوح ، محتشم ، ذو الشوكة) والبروتستانت ترجموا هذه الصفة الجميلة بجملة (كل نفائسنا صارت خراباً) .
    أذن فالكلمات ( ) أو( ) (المحمدة الاحمدية) أو ( ) الحمدة التي ذكرها لوقا بمقابلة (احمد ، محمد) كلها الاسم المبارك الذي ترنمت به الملائكة إشارة وأخباراً بنبي آخر الزمان(*) .
    أن عبارة (حسن الرضا) لها كل المناسبة إلى (محمد وأحمد) فقط. لأنه إذ كان قد وجد في جماعة الأنبياء من ظهرت فيه هذه المعاني : طيب ومقدس حري بتوجيه العالمين وجدير بحسن رضائهم وحائز على المحمدة وكل الصفات الجميلة بحيث يفيدهم ويرضيهم ويسرهم بكل ما يشتاقون إليه ، فهو محمد صلى الله عليه وسلم فان كان الذين لم يؤمنوا ولم يطيعوه بحسن رضائهم فمن ذا الذي يرضون من بعده ؟(*) وأما الذين يذهبون إلى الفكرة السقيمة ، إلى أن المقصود من (حسن الرضا) هو أن واجب الوجود كان سيء النية ، سيء الرضا ، حاملاً للبغض والعداوة والغضب على نوع الإنسان إلى حين ولادة المسيح ، وانه بعد ولادة المسيح غير هذه الصفات إلى ضدها وتصالح الناس ، فليتفكروا جيداً أن الجنود السماوية (ملائكة الله) يعلمون أن خالقهم منزه وبرئ من سوء النية والجهل وانهم يسبحونه ويقدسونه إلى ابد الآبدين .
    - 14 -
    (تنبيه مفيد جداً للمسلمين)
    قد نشرت كثير من المؤلفات حول المقايسة والموازنة بين الأديان الموسوية والعيسوية والإسلامية ، وترجيح بعضها على البعض من نقاط مختلفة ، ويمكنني أن أقول أن المؤلفات المذكورة لم تؤثر في قارئيها تأثيراً حسنا إلى هذا اليوم . وهذا أمر طبيعي لأنها قد كتبت بأساليب تجرح الاحساسات الدينية لثلثي أهالي تلك الأديان ، بيد أن الكتابة بقصد ترجيح أحد هذه الأديان الثلاثة أمر سهل وليس من عمل ايسر وأهون على أحد ذوى المحاباة من أن يبين أن دينه حق وان دين الآخرين باطل . ومن الجهة الأخرى ليس للمدقق اللاديني أن يجد ميداناً واسعاً ومساعداً لبيان المطالعة وسرد الهذيان والافتراءات كما يجده على الدين . فكما أن مؤلفات الجاحدين تسوق إلى الإلحاد وفساد الأخلاق ، فان من المشاهد ان المصنفات المكتوبة على وجه التعصب والتطرف ، مضراتها أكثر محسناتها ، مثلاً البروتستانتيون قد كتبوا مئات من الكتب وألوفاً من النشرات ضد الإسلامية ، ولم يتسن لهم أن يقنعوا مسلماً واحداً من عشرين مليوناً بصحة دينهم فينصروه (*) .
    وكذلك قد كتبت كتب على اليهودية ولم يقترن أحدها بنتيجة حسنة . فالقراء لا يكتفون بقراءة اثر الكاتب بل يريدون حالاً وبكل شوق أن يعرفوا من هو ذلك المؤلف؟ وما هي صفته ؟ وفي أي دور الفنون تخرج ؟ وما هو مسلكه وما هي أخلاقه؟ أي أني إذا علمت حقيقة حال رجل يبشر بالدين الذي يلتزمه ويرجحه وعلمت درجة علمه وتتبعاته ودار الفنون التي تخرج فيها ، وانه يقدم على النقد التحليلي لأسفار التوراة والإنجيل المحرفة ، ووجدته واقفاً على اللغات الأصلية التي كتبت بها هذه الكتب المقدسة ، فأنا أول من يقدم له الاحترام ، فان لم يكن واقفاً على العبرانية لسان التوراة ومطلعاً على البابلية والسريانية واليونانية ، فبأي جسارة يتدخل في مثل هذه المسئلة العويصة المشكلة ؟ فان قام لتقريب بعض الكتب الفرنسية المضرة التي فقدت جدتها (مودا) بقصد تطييب خاطر المسلمين فبالطبع هم أيضاً يدافعون عن كتابهم ودينهم ، ويقومون بالدعايات ضد الإسلام والقرآن ، وحينئذ تظهر الحال المؤسفة .
    ان ملاحظات المنتقدين الغربيين إلى الآن في تآليفهم بشأن التوراة والإنجيل تنحصر في البحث عن التناقض وعدم الارتباط وعن وجود عدة مؤلفين للكتاب الفلاني ، والخلاصة أنها تبحث عن الآيات المضرة وعن أن (يهوه) معبود اليهود كان كذا وكذا ، وان كيفية ولادة المسيح الخارقة للعادة وصعوده ليست إلا حكاية خرافية ، وما تلك إلا أشياء عديمة الفائدة ، فإذا لم نر واحداً من المائة من بين مطلعي تلك الآثار المذكورة يسلك مسلك الإيمان والتوبة وإصلاح النفس فان القسم الأعظم من هؤلاء يرفضون أفكار المنتقدين ومطالعاتهم بكل نفرة ولا يزالون ثابتين في اعتمادهم على الكتب المقدسة التي في أيديهم .
    وأما القسم الآخر فهم أناس مغفلون مساكين مجردون من كل دين ومذهب كمقامر أضاع ثروته في بيوت القمار ،لان أولئك المنتقدين لم يقصدوا تمحيص الحقيقة وإظهارها للعيان وخدمة البشر بها .
    لذلك أقول أن ترجمة التآليف المذكورة وإهداءها للمسلمين مضر جداً ، إن بعض المفكرين مثل فولتير وكارلايل ورينان يظهرون في كتبهم التي كتبوها ضد الدينين اليهودية والعيسوية ، كأنهم ينتصرون للإسلامية ، ولكنهم في الحقيقة يقصدون تخريب الإسلامية ، وإبطالها كما يفعلون بالأديان الأخرى ، وكيف ينتصر للإسلام والقرآن هؤلاء المنتقدون وهم ينكرون كل المعجزات الواقعة من قبل لأنبياء الله بأذنه ؟(*) إن مقاصد المنتقدين الغربيين الذين يدعون أن عباد النار أو البوذيين قد أثروا في الدين المسيحي ، عبارة عن بيان أن منبع الأديان المذكورة ومنشأها ليس هو الوحي بل أنها قد تأسست من خرافات وأساطير البابليين والهنود والفرس القدماء(*) وبالطبع فان هؤلاء يحكمون على الإسلام والقرآن الكريم بعين هذه القواعد الانتقادية أيضاً . فلذلك أوصى المسلمين المؤمنين من صميم قلبي بان يبتعدوا عن ترجمة مثل هذه المؤلفات .
    ومع أني قد اجتنبت في كتابي هذا كل الانتقادات العديمة الفائدة الجارحة لشعور المسيحيين والموسويين الدينية ، وارجح بقاءهم متدينين بالموسوية والعيسوية على اللا دينية ، فأني أطالع وادقق كتب الإنجيل والتوراة بأصول محاكمة جديدة لم اسبق بها لحد الآن ، تاركاً معاول التخريب التي دأب عليها المنتقدون من قبلي :
    إن أملي الوحيد هو الكشف عن حقيقة الموضوع والغرض الذي يجب أن ترمي إليه هذه الكتب (العهد الجديد) أي اني اشعر بان لابد في هذه الكتب من حقيقة . وأدرك أن الحقيقة المذكورة سعادة وخير لكافة البشر . وأني قد شرعت في مطالعة الكتب المقدسة باللسان الأصلي التي كتبت بالدقة والإمعان لإظهار هذه الحقيقة بكل وضوح .


    - 15 -
    ( ) مترجمة عن كلمة ( ) راصون العبرانية .
    ليثق قرائي المحترمون ، بان الاختلاف المستحكم بين العيسوية والإسلامية سينحل ويفصل فيه حالاً عند انكشاف المعنى الحقيقي الذي تحتويه هذه الكلمات بعونه تعالى ، فمن الضروري أن يتتبعوا المباحث في شأن الكلمات المذكورة بالصبر والدقة .
    يوجد في اللغتين العبرانيـة والبابليــة القديمــة(1) فعــل ثلاثــي مجــرد ( رصــه) ( رضا) بمعنى (رضى) العربية . وهذا الفعل مستعمل كثيراً في كتب التوراة وسنحقق هذه الكلمات الأجنبية المهمة في النسخة المسماة (شبتو اغتبتا) وهي الكتب العبرانية المقدسة التي ترجمها سبعون عالماً يهودياً من اللسان الأصلي إلى اليونانية في مدة قرنين أو ثلاثة(2) قبل الميلاد في إسكندرية مصر .
    ومن المعلوم لدى علماء اللغات أن الأسماء والصفات والأفعال على قسمين ، أي أن كل اســم أو صـفة إما مذكر و المؤنث على الإطلاق . مثلاً محمد مذكر ومحمدة مؤنث ، وبالعبرانية ( ) محمد مذكر ( ) مؤنث . وفي الأثورية ( ) محمد مذكر و ( ) محمدة مؤنث وأما اللغات الغربية القديمة فلا تتبع هذه القاعدة وهي تطلق على الكلمة التي لا تذكير ولا تأنيث فيها (غير جنسي)(3) وفي اليونانية يستعملون التعبيرات ( ) بمقابلة محمد ، للمؤنث ( ) أيندوكسي ، ولعديم الجنس ( ) أيندوكسون فاليونانيون يطلقون لفظ (أنيدوكسون) على ما يصفه العبرانيون بالصفة ( ) محمد . لذلك جاء التعبير في (اشعيا 11:64) ( ) محمديتو و ( ) أيندوكساهيمون بمعنى أشياؤنا الحميدة النفيسة (أندوكسا وهو جمع أيندوكسون( محمديهم محمــديها) نفائســهم نفائســه (مرائي ارميــا 1: 7و11) وقد ترجمــت فــي النســخة السبــعيـنية ( ) بمشتهيات ( كرم حمد) كرم الحمد الحديقة اللذيذة ، مبتغي اللذة والشـــوق (اشعيــا 2:27 و12:32) مـن اجـل الحقـول المقبـــولة ( أو بحمــدوت) ( دوكســاسي) النفائــس (دانيــال : 1 : 38 و 43) ( حمدة النسوان) شهوة النساء (دانيال 11: 37 و38 و43) .
    ( هحمدوت ثياب فاخرة) جيمل ، فاخر ، مرغوب (تكوين 15:27) .
    فالمعاني التي تحتوي عليها الكلمات (حمد ، حميد ، محمد) في اللغة العبرانية القديمة على الوجه الآتي :
    1- فعل : النظر بعين الطمع والشهوة ، الغبطة ، الاشتياق ، الاشتهاء صبرورة الشيء مرغوباً ولذيذاً ، الرغبة والإرادة ، المدح والثناء ، الحمد .
    2- صفة : مشتهى ، شهي ، معشوق ، مقبول ، فاخر ، نفيس ، ذو قيمة ، حميد ، جليل، ممدوح ، حبيب ، لطيف ، لذيذ ، مكيف (أو مطرب) راض ، مسرور، مليح، جميل ، شهير ذو اسم (نامدار) ، صديق .
    3- اسم : احمد ، محمد ، عشق ، غال ، علاء ، محمدة ، نفاسة ، لذة ، ملاحة ، حسن، جمال ، كيف ، غلاء ، انبساط ، شهرة ، صداقة .
    ولكي لا اتعب القراء المحترمين أتيت على نماذج الألفاظ الأجنبية أعلاه على وجه الاختصار ، وإن صحائف كتب التوراة مملوءة بالألفاظ المذكورة ، وكل المعاني والتأويلات التي أعطيتها صحيحة حقيقية وأنا مستعد كل وقت لإثباتها واحدة واحدة .
    يقــف المطالـع مندهشـاً عنـدما يحصـي بحسـن نيـة ما اشـتملـت عليــه هاتـــان الكلمتان ( شلم حمد) من المعاني الكثيرة بهذا المقدار . ويجد أن ألفاظ (حميد واحمد ومحمد) تحتوي اسماً وصفة ، على معاني التفضيل : احب ، وألذ ، وأقوم ، وأعلى، وأغلى ، وأطيب ، واجمل ، وارغب ، واقبل ، واشرف ، واحشم واشهر شيء وشخص وجنس بعد الخالق تعالى .
    ( عاد يرصي) حتى يرضى (إلى أن يرضى) ايودوكيص (أيوب 6:14).
    ( اورصيتم) إذا ترضيهم (أيام ثاني 7:10) .
    ( رصي) كن راضياً (ارض) ايودوكيصون .
    ( ايودوكياص) رضا ، رضوان ، عناية (مزامير 12:5).
    ( رصون ثيليما) مرضاه رغبه (دانيال 4:8) .
    أن البروتستانت ترجموا (أيودوكيا) راصون طوب (رضا طوب) لا نظن أن أحداً يجترئ على إنكار القرابة والاقتران المعنوي بين الكلمتين (رضا ، رضوان) المذكورتين أعلاه الواردتين في كتب التوراة والاسمين (حمد ، محمد) لأننا أوضحنا أن كلمة حمد العبرانية تشتمل على معان مثل (رضا ، رغبة ، شهوة ، عشق ، طلب ، إرادة ، شوق) .
    على أن في العبرانية كلمة أخرى ( حفص) وفي العربية حفص بمعنى (ميل، اشتهاء ، رغبة ، طلب ، اشتياق) وبما أن كلمة راحون التي ترجمت بها الأفعال والأسماء (حمد ومحمد) تستعمل اغلبياً في ترجمة وتفسير حفص ثبت أن مدلول (حمد ومحمد) أوسع واشمل .
    وهنا اكرر قولي أن (أيودكيا) لا يكون عبارة عن (حسن الرضا) الخيالي المبهم وعديم المعنى بل أنها بمعنى Bienveillance, Consentement bon plaisir الفرنسية بمعنى (الرضا السرور وإرادة الخير)(1) مثلاً : أيودكيا في اليونانية ( إنشاء الله بتوفيق ، بعناية الباري) وكل ما يرغب فيه الإنسان من مال وروح ونفس وكل ما كان لديه محبوباً ولذيذاً ومشهوراً ومحترماً فهو موجود في معنى الكلمتين احمد ومحمد .



    (1) أصل التوراة كان عبارة عن (الأحكام العشرة) التي كان (يهوه) قد كتبها على لوحي حجر وأعطاهما سيدنا موسى عليه السلام في طور سينا . ومعنى توراة - عهد وشريعة .

    (*) لم أصادف أحداً من البابيين ولكني وجدت عدة أشخاص من البهائيين كانوا يستغفرون الله من ادعاء تجسد الله تعالى أوتأله بشر ولم اقتنع بإفادتهم حتى أتاني أحدهم بكتاب (الإيقان) واراني فيه ما نقلته عنه بالحروف وهو : (غيب هويه وذات احديه مقدس ازبروز وظهور وصعود ونزول ودخول وخروج بوده . ومتعالست أز وصف هو واصفي وإدراك الشهر مدركي . لم يزل درذات خود غيب بوده وهست ولا يزال بكينونة خوده مستور از أنظار وأبصار خواهد بود . (لا تدركه الأبصار (1) وهو اللطيف الخبير جه ميان اوو ممكنات نسبت وربط وفصل ووصل وياقرب وبعد وجهت واشاره بهبجوجه ممكن له زيراكه جميع من في السموات والأرض بكلمة أمراً وموجود شدئد وبأراده اوكه تقس مشيئت أست از عدم ونيستي بحت بات بعرضه شهود وهستي قدم كذاشتند . سبحان الله ملكه ميانه ممكنات وكلمه اوهم نسبت وربطي نبوده وله خواهدبود)
    (1) برو باجندا فيده - جمعيه عظيمة تشكلت في رومية لنشر المذهب الكاثوليكي وتعميمه .

    (1) سقط من هنا جملة (وهو يدرك الأبصار) سهواً أو عمداً وكتبه مصححه .

    (1) كتب الأناجيل كتبت باليونانية .

    (2) في العبرانية والكلدانية تقرأ الحروف ب ك ، دك ب ت كالحروف وغ ز خ ف ث فكلمة (سبرا) تقرأ (سورا) و (طابا) تقرأ (طاوا) .

    (1) لوقا 17:22 - 20 متى 26 : 26-28 مرقس 14 : 22-25 .

    (2) إن المسيحيين الاثوريين القاطنين في مملكة فارس بقوا مصونين إلى درجة ما من تأثير بيزانس . ولذلك تمكنوا من المحافظة على اللسان السرياني اكثر من الأقوام الارامية الأخرى . وأما الكلدانيون والسريانيون والمارونيون فانهم سبب تعربهم لا يتمكنون من التلفظ بمقتضى اللسان المذكور . مثلاً يلفظون (ساور اطاوا) بمثل (ساوروو طاوو) .

    (1) (رسالة بولس إلى أهل سالونيك 16:2) .

    (1) إن الكونت (ليو تولستوي) المفكر الروسي الشهير أحد الأخلاقيين قد كتب مؤلفاً عن الأناجيل الأربعة ، والفيلسوف المومى إليه دقق في كتب الإنجيل من وجهة نظر ورد وطوى كثيراً من أقسامها ورتب من الأربعة الأناجيل إنجيلاً واحداً رابطاً جمل الآيات المفيدة على زعمه بعضها ببعض ، وهذا الكاتب ينحي كثيراً على الكنائس المحترمة ، وقد كتب الآيات باليونانية وشرحها باللغة الروسية ، ولدى ترجمة هذا الكتاب بالإنجليزية ، ومما يوجب الحيرة انه قد طوى هذه الآية التي نحن بصدد البحث فيها ، زاعماً أنها من الآيات المحرفة التافهة ولغو القول . وسبب ذلك جلي واضح ، فان رجلاً مثل تولستوي ليس من الذين يتعبون فكرهم في مثل هذه الكلمات (سلامة ، حسن الرضا) لماذا لم يدرج تولستوي الآية المذكورة في كتابه المسمى (مجمل الإنجيل وشرحه) ؟ أليس لأنه لم يجد في (سلامة ، وسلام) و (حسن الرضا) حكمة ولا نصيحة فلسفية ولا فكراً نافعاً للبشر ؟ وأنما هو يبحث عن كلمة (دوكسا) التي بمعنى (الفكرة والعقيدة والحمد) المشتقة من مادة (دوقو) يوحنا 14:1 لا عن (دوكسا) اليت في آيتنا :
    The Four Gospels. PP.24.28.29 L. Tolstoy

    (*) يقول مصححه أن اسم أحمد هو صيغة تفضيل من الحمد وهو الذي يقع منه الحمد أكثر مما يقع من غيره ، واسم محمد صيغة مبالغة من التحميد ، ومعناه الذي يحمده غير كثيراً , واسم محمود صيغة مفعول من الحمد والثلاثة من أسماء خاتم النبيين فهو احمد خلق الله لله وهو الذي حمده الله اكثر مما حمد غيره من رسله ، وكذلك حمده ويحمده بحق كل من عرف فضله .

    (*) قد علم أن ما في انفس أهل الكتاب لذلك كتب عليهم في (سفر الخروج 2:23) (ولا تجب في دعوى ، مائلاً وراء الكثيرين للتحريف) وفي (سفر الخروج 6:23) (لا تحرف حق فقيرك في دعواه) وفي (اشعيا 16:29) (يا لتحريفكم) . ولم ينه القرآن المسلمين عن التحريف لأنه تعالى قد ضمن عصمة كتابه عن التحريف والتبديل والضياع فقال في سورة الحجر { أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } على أن ذمة تعالى أهل الكتاب بتحريف كلم كتابه عن مواضعه قد علم المسلمين عظم أثمة وقبحــه . قــال تعــالى في سورة المائدة { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه } وفي آية أخرى { يحرفون الكلم من بعد مواضعه } .

    (*) إن جميع الذين عرفوا سيرة النبي (ص) ولو إجمالا من أحرار الفكر الغربيين والشرقيين ولم يؤمنوا به لأنهم لا يؤمنون بالوحي يعتقدون انه اكمل البشر أخلاقاً وإصلاحاً وعقلاً وإخلاصاً وانه أفاد البشر ما لم يفده أحد قبله ولا بعده . ومنهم من قال انه لا يرجى أن يوجد بعده مثله أيضاً ومن هؤلاء الدكتور شبلي شميل الفيلسوف السوري الشهير . وكتبه مصححه .

    (*) سألت يوماً من الدكتور الأميركاني وكان رئيس المبشرين في بلدة ، هل بلغ عدد المبشرين في العالم القدر الكافي؟ فقال : (لم تبق جزيرة ولا محل من مجاهيل أفريقية ولا سيبريا إلا ووصلها إخواننا المبشرين . فقلت : وهل تجدون نتائج التبشير حسنة ؟ قال : لا شبهة في ذلك . قلت : وأي الأديان اكثر انقياداً لتبشيركم واستفادة منه ؟ قال : الوثنيون عباد الأصنام في الصين والهند) فقلت وأنا أول من يشكركم على سعيكم في إنقاذ الناس من اسر عبادة الأوثان وعلى تعريفكم إياهم بالله تعالى . ولكن كيف حالكم مع المسلمين على اختلاف أقوامهم ودرجاتهم في المدنية ؟ قال : مع الأسف لم نتمكن من إقناع المسلمين . قلت: أتدرون ما هو السبب في عدم تمكنكم على التأثير عليهم ؟ فتلعثم ثم قال : لا ادري . قلت : بما انك دكتور هذه العلة يجب عليك أن تدري . فهل تريد أن أخبرك بالسبب ؟ قال : ما هو السبب ؟ قلت : لا يكون الإنسان مسلماً إلا بعد أن يؤمن بالمسيح وبأنه رسول من أولى العزم أي من أكابر أنبياء الله المرسلين . وانه أوتي كل المعجزات التي يرويها عنه النصارى وزيادة وانه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم وان ينفي عنه وصمة فرية اليهود على أمه العذراء ووصمة فرية النصارى بما نسبوه إليه من الجلد وأنواع التحقير والصلب والقتل واللعنة وترك الله إياه حين الصلب ودخول الجحيم قبل قيامه . قبل المسلم كل ذلك بتمجيد محمد إياه وشهادته له وأنتم تكلفون المسلم بالرجوع إلى الوراء خلاف طبيعة الإنسان . فلو أنكر محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبق إيمانه بالمسيح أيضاً فيكون لا دينياً وأنت ترى الوثني قد يكون يهودياً وكلاهما قد يكونان مسيحيين ، والثلاثة قد يكونون مسلمين ولا عكس . لان الإنسان مخلوق ليرقى لا ليتقهقر . قال ليس ذلك وإنما السبب الحقيقي هو نشأة العلماء والمؤلفين والفلاسفة في المسلمين . قلت : كفاني اعترافك بعلم المسلمين وفضلهم . وعلى العاقل أن يتبع العالم إذا لم يكن عالماً .

    (*) إن من الحكم البالغة في القرآن الكريم عدم ذكر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم بصورة لا تقبل التأويل . لان ذكرها قد يكون عثرة في سبيل بعض الناس وعلى الأخص الطبيعيين الذين توصلوا إلى تنسيق الحوادث الكونية التي شاهدوها فاستنبطوا منها نظريات ظنوها مطردة واستيقنتها أنفسهم . وكم من نظرية ظهر لهم أخيراً فسادها . قال تعالى { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } سورة الإسراء . هذا وان المعجزات المعبر عنها بخارقات العادات ليست بأكثر من مثل دلالة التجاريب الفيزيكية والكيمائية على صحة بعض النواميس الطبيعية المزعومة كقولهم أن الحرارة تمدد الأجسام وتزيد في حجمها فتؤيدهم التجارب ، ثم لما وجدوا أن الماء مثلاً يزداد حجمه تحت زائد أربع درجات مئوية علموا أن قاعدتهم قد تختلف ومع كل ذلك فانهم لا يدركون سبباً حقيقياً لازدياد حجم الجسم ولا لنقصانه . أما البراهين التي يستدل بها القرآن على إثبات عقائده وقواعده فهي من البراهين العقلية كقوله تعالى { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ولما كان كل من الفرضين المذكورين باطلاً لم يبق إلا أن الله خلقهم وثبت المطلوب .
    لهذا ولتكامل العقل البشري نظراً لحالته التي كان عليها في القرون الماضية رجحت معجزة القرآن وبراهينه على بقية المعجزات .

    (*) قد اطلع المشتغلون بتورايخ الأديان على أن في كل دين متأخر شيئاً من الأديان المتقدمة ، فزعموا أن جميع الأديان لم يوح بها الله بل هي من فلسفة مؤسسيها ، بنوها على أنقاض الأديان المتقدمة . وقام مؤلف كتاب (مصادر الإسلام) إلى بيان الغث والسمين مما وجد في الإسلامية ما يشابه أحاديث الأديان السابقة . فقابله صاحب كتاب (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) وسرد ما كتبه أولئك المؤرخون . والذي أراه من الحقيقة هو أن الله واحد وانه هو الذي أرسل جميع الأنبياء وقد كان وحيه إلى جميعهم واحداً أي أن كل الأديان الإلهية دين واحد وهذا هو سبب توافق الأديان في أمور كثيرة ولا سيما فيما يتعلق بالعقائد قال تعالى { إن الدين عند الإسلام } و { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } ولا ننكر المشابهة في العبادات فقد قال تعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } ولا أريد أن أقول هو صيام رمضان بعينه ولكن مطلق الصيام . ولا تلزم المشابهة في كل الأوامر والنواهي . قال تعالى { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } .

    (1) قد كتب قسم من الكتب الأخيرة للتوراة باللغة البابلية ، وترجم كل العهد القديم أيضاً إلى اللغة المذكورة وتسمى (تركوم ) وان كلمة (رضا) رضى مستعملة في السرياني الجديد وفي التركوم .

    (2) يروي أن ترجمة الكتاب المذكور أوجدت في عهد سلطنة الملك (بطولوميوس قيليدملبيوس) .

    (3) neuter بمعنى غير جنسي ، لا هذا ولا ذاك ولا واحد .

    (1) ( ) .


  6. #6
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب الرابع
    الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل
    - 16 -
    (وظيفة خاصة
    تنحصر في إصلاح الأمة الموسوية وإرشادها ونفخ
    الروح الجديدة وإعطاء اللدنات لدين موسى)
    يجب أن تقرأ وتطالع الكتب السماوية مهما كانت مضطربة ومحرفة بكل عناية واحترام لان كلام الله وآياته الجليلة لا تزال باقية بين هذه الكتابات المحرفة والمشوبة بالخرافيات ، في إمكانكم أن تطيلوا اللسان على المحرفين ولكن ليس لنا أن تستهزئ بالكتاب الذي لا ذنب له البتة ولهذا السبب أراني مضطراً إلى تكرار التنبيه على أن لا يشجع أحد على ترجمة التآليف المشهورة بالفرنسية والإنجليزية ضد الإنجيل والتوراة. وان يجتنب المسلمون هذه النشرات الملوثة بالهذيان ، لان كل ما نشر من المصنفات ضد الإنجيل والتوراة لحد الآن لم يفد غير إيراث الضرر والخلل للدين والإيمان ، ونحن عندما نطالع الكتب الحاملة اسم الإنجيل والتوراة الشريفين فطالعهما بكل احترام كسائر المسلمين المستقيمين طالبي الحقيقة ، مفكرين بان في هذه الكتب حقيقة لا تزال مكتومة مستورة فلنجتهد بقراءتها آملين أن نكشف عن تلك الحقيقة على كل حال .
    ان المهمة الخاصة التي أرسل الله بها عيسى عليه السلام هي عبارة عن إصلاح بني إسرائيل ، وشرح الشريعة الموسوية وبث الروح الجديدة فيها .
    وان المواعظ الأربعة المسماة بالأناجيل تقول تكراراً أن المسيح مرسل ومأمور بإرشاد اليهود خاصة ، وبإيداع شريعتهم الحياة والروح الجديدة ، وبناء على ذلك نضطر إلى الاعتقاد بان كل ما وجدناه فيها من البيانات المخالفة لذلك فهو محرف قد الحق بالكتاب أخيراً ، لأنه لا يتصور أن نبياً عظيماً كالمسيح عليه السلام يتكلم بكلام يكذب بعضه بعضاً فان من يقول لم أرسل إلا لبني إسرائيل فقط . لا يقول أنا نور العالم أو يقول اذهبوا وتلمذوا العالم اجمع . فالعبارات الأولى التي في الطابق التحتاني هي الحرية بالاعتماد عليها ، وأما المخالفة فهي الحاقيه يجب طيها .

    - 17 -
    (التكامل الديني نظير التكامل القومي(*) تماماً)
    ما وصلت إليه أمة من الأمم إلى المدنية والتكامل التام عقيب انتباهها طفرة ، بل لابد للوصول إلى المدنية التامة من اجتياز ثلاثة انقلابات . لنتصور أمة بدوية أو تحت نير غيرها ، كيف يمكن أن تصل إلى المدنية أمة مبتلاه بالجهل والفقر والمظالم ؟ ينبغي أولاً إيقاظ هذه الأمة وسوقها إلى التربية القومية تدريجاً من حيث لا تشعر ، وعندما يثنيه شعورها القومي وتظهر فيها فكرة وحدة الوطن تبتدى باجتياز المرحلة الثانية فينفتح أمامها باب الحكم الذاتي فتسعى من طريق الاستقلال الإداري إلى إعداد الأسباب الموصلة إلى الاستقلال التام ، وبعد أن يحضر ويتهيأ لها كل شيء تنهض لكسر نير الأجنبي ولإعلان الاستقلال المطلق ، وحينئذ تدخل باب المدنية التامة لتنال السعادة والمدنية ، مثال ذلك أمة البلغار ، كانت أولاً في دور الأسر ثم انتقلت إلى الحكم الذاتي الإداري وأخيراً نالت الحرية والاستقلال التام .
    وإذا أمعنا النظر في كل دين من الأديان نراه يصادف ثلاثة أدوار من الانقلابات أيضاً لكي يتكامل ، ولا يمكن أن يتكامل أي دين في أول نشأته ، والأديان المؤسسة من لدن يوذاو كوفوشيوس محكوم عليها بالانقلاب جديد أخير . أن ديني بوذا وكونفوشيوس نشأ من دين براهمن الهند القديم ، ولم يصلا حتى الآن إلى آخر خطوة من التكامل ، والعيسوية دين منقلب عن الموسوية ، أي أن الدين نسفه انتقل إلى الدور الثاني بواسطة الانقلاب . وكذلك الزردشتية والبوذية دينان قد انقلبا من الأديان القديمة التي كانت في حالة الطفولة والصبا ، فكل هذه الأديان وفي ضمنها العيسوية مجبورة أولا بدلها من انقلاب ثالث قطعي ، وان صحائف القرآن تثبت أن الإسلام ليس بدين جديد ، بل هو دين متمم ومكمل للعيسوية والموسوية على الأخص ، وحائز على صفة الحياة إلى يوم القيامة ومن أهم ما يستلفت نظري في استقراء مباحثي الدينية فكرة المحافظة والارتجاع ، كما هو الحال في الحكومات، أي كما أن هناك قوة تمانع كل انقلاب ، وان المرتجعين في كل انقلاب ديني يخاصمون القائمين بالانقلاب ويشهرون الحرب عليهم كذلك جاء المسيح عليه السلام ولم تقبله اليهود المرتجعة ، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقبله المسيحيون المرتجعون ، ولكن من القوانين الطبيعية أن يكون المرتجعون دائماً مغلوبين(1) .
    ليس بين علماء اليهود من يستطيع أن يدعي بان كتاب العهد القديم كتاب كاف لتشكيل دين جامع لكل الأمم . أن هذا الادعاء مما يستحقر عزة انفس الأقوام والأمم الأخرى ، نحن نقدس التوراة لأنه كتاب من الله يحتوي على بيانات والهامات خاصة لهداية وإرشاد قوم خاص. وكذلك نطالع كتب الدين للصينيين والهنود والفارسيين بكل احترام ، ويمكننا أن نشاهد في جميعها بعض الحقائق والأوامر والنواهي الإلهية ، لان الله لم يترك أمة بغير إمام أو حيكم أو نبي ، وقد أرسل من قبل الله إلى كل أمة مرشدون ومعلمون وأنبياء(*) .
    ولهذا فلو اجتمع اليهود والبوذيون والكونفشيوسيون والمجوس بمحل واحد ، فانهم لا يستطيعون تبادل الأفكار عن وحدة الدين ، ولا يمكن أن يوجد الاتحاد بين هذه الأديان قطعاً، ولا يمكن أن يكون كتاب أحدهم كتاباً عاماً للجميع أي أن يكون الكتاب هو الكتاب الوحيد للأديان الأربعة ، ولابد من كتاب آخر لأجل إيصالهم إلى تربية أخلاقية ودينية هو اكثر تدقيقاً واكثر اتساعاً ، فأي دين غير دين الإسلام له مثل ذلك الكتاب بشكل كتاب منزل من الله ؟ يجب الإنصاف .
    ان المسيح عليه السلام لم يترك ولا سطراً واحداً بهيئة كتاب ، وإذا ادعوا ذلك فليخرجوه بأي لسان كتب ؟ وماذا كتب ؟ والى من فوض ما كتب ؟ حتى ولو وضعنا كتب العهد الجديد في صف الكتب المقدسة ، لا يمكن أن يكون مجموع الكتب المذكورة كتاب الله الكافي لتشكيل دين عام ، هذه الكتب تشتمل على عقائد وتعاليم تدمي قلب اليهودي وتؤذي احساساته الدينية ، لم تكن الكتب الإنجيلية في وقت ما مظهر التوجه والرغبة تجاه الأديان الموجودة في آسية . فالفرس بقوا دائماً متبعين لكتاب زردشت المسمى (زنده اويسته) ونظروا إلى العيسوية بنظر النفرة . وأهل الصين والهند لا يرون العهد الجديد كافياً كالعهد القديم ، إنما ظهرت الكتب المذكورة (كتب العهد الجديد) مناسبة للأقوام الغربية المتشبعة أفكارهم بفلسفة اليونان القديمة ، ولم تكن إلا أسفاراً وجدت باللغة اليونانية وصبغت بالفلسفة النئويلطونية .
    فها نحن أولاء نرى انه لا يمكن ولا يتصور دين عام جامع للبشر غير الإسلام ، ولا كتاب باسم الله غير القرآن الكريم ، أن الكتب الإنجيلية - مع الأسف - قد استعاضت عن أن تسوق البشر إلى الرقي ، إلى الانقلاب الديني ، إلى التكامل في دين موسى ، بان سارت بهم القهقري فرجعوا إلى الوراء ، فبعد أن مات الإسكندر والقياصرة الرومانيون واليونانيون القدماء الكفار (الوثنيون) إذا بإله اللاتين واليونان الكاثوليك والأرثوذكس الجديد قد تجسد في هيئة طفل يهودي واكل وشرب وتاجر وبعد أن تعلم صنعة التجارة صلب وقتل من قبل اليهود ، ثم صار يؤكل ويشرب كل يوم في جميع الكنائس والمعابد التي تبلغ نصف مليون (؟) فكيف تفتقر الموسوية وسائر الأديان الشرقية - التي تشعر بحاجتها إلى التكامل والارتقاء الديني - إلى مثل العيسوية المضطرب دينها إلى هذه الدرجة ؟
    تصرف جماعات المبشرين منذ أربعمائة سنة في خزائن من النقود تحت مؤازرة كل حكومات أوربا (وأمريكا) ولكنهم لم يستطيعوا أن يزحزحوا أفكار الأقوام الشرقية عن مكاتبها الدينية . زد على ذلك أن الاحساسات الدينية في أوربا وأمريكا آخذة في التفسخ وفساد الأخلاق يتكاثر ، وبينما الموحدون من جهة واللادينيون من جهة أخرى يهجمون على المسيحية نرى المبشرين منهمكين في نشر الكتب المقدسة ومواظبين على الوعظ بها(*).
    - 18 -
    نص المواعظ (الأناجيل) الأربعة
    الصريحة (في أتباع المسيح عليه السلام للتوراة وأنبيائها ، وعدم نقض شيء منها)
    (ولا من روايات وتفاسير العبرانيين لها)
    روى متى أن حضرة المسيح عليه السلام قد بين بصورة أكيدة وصريحة أن المحافظة على شريعة موسى عليه السلام وطاعتها والعمل بموجبها فرض قطعي ، قال : (لا تظنوا أني جئت لانقض الشريعة أو الأنبياء ، ما جئت لانقض بل لأكمل ، فأني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض ، لا يـزول حـرف واحـد أو نقطـة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل) متى 5: 17-18 .
    ليس لدي وثيقة تستطيع أن تبين ما إذا كانت هذه الآية صدرت من فم المسيح عليه السلام حرفياً أم لا ، ولكن هناك إفراط في ترجمة الآية المذكورة إلى اللغة التركية ، وما ذلك إلا لان البروتستانت - بسبب عدم وقوفهم على العلوم الدينية - يتصدون لمثل هذه التفاسير - فكل حرف في شريعة موسى وكل نقطة موضوعة فوق أحد حروف كتاب الشريعة أو تحته اكبر قيمة من السموات فمثلاً كان موسى عليه السلام قد خصص يوم السبت(1) يوماً مباركاً ، يوم عطلة وراحة للموسويين ، ثم ابطل هذا ونسخ من قِبل كنيسة المسيح وأقيم مكانه يوم الأحد من غير أن تزول السموات أو تنمحي كرة الأرض وأين إلغاء إحدى الوصايا العشر من زوال نقطة من فوق أحد الحروف ؟ وهاك نص الوصية الرابعة منها :
    ( ) اذكر يوم السبت (خروج 8:20)
    فكيف يمكن التوفيق بين إفادات المسيح القطعية وبين إلغاء يوم السبت الذي هو المادة الرابعة من أحكام الشريعة ؟
    كل كتب العهد القديم تسمي هذا يوم اليهود العزيز ، وتخبر انه سيدوم يوماً مقدساً إلى آخر الزمان ، والمسيح عليه السلام بالذات التزم يوم السبت وقدسه ، ولكن الكنيسة جعلت يوم الأحد عوضاً عن السبت ، فماذا تقول للكنيسة التي خالفت المسيح؟(*)
    ولم تكتف الكنيسة بإلغاء يوم السبت بل أبطلت الختان أيضاً(**) مع علمها بان المسيح قال بصراحة أنه لم يأت لإبطال حرف واحد من شريعة موسى ، وهو بالطبع ليس له خبر عن (التثليث) وعن (الأسرار السبعة) التي لوعت اليهودية .
    لم يكتف المسيح ببيان محافظته على شريعة موسى عليهما السلام فقط بل قال : حتى القوانين والأوامر الموضوعة من قبل العلماء والفقهاء من اليهود واجبة الطاعة ومنه قوله في (متى 4:8) (فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم) .
    في هذه الدرجة كانت محبته لشريعة موسى وارتباطه بها وتعصبه لها عليه السلام حتى أن متى اخـبر عن المسـيح بأنه كان يسمي اليهود (أبناء) ويسمي الأقوام الأخرى (كلابا) متى 15 : 21-28 .
    وبينما كان المسيح يتجول يوماً مع تلاميذه الأثنى عشر في صور وصيدا من أراضي فينيقية القديمة(1) إذ بامرأة كنعانية تركض وراءه قائلة : (ارحمني يا سيدي(2) ابن داود بنتي تتعذب كثيراً من الجن) أما المسيح فلم يجبها بكلمة ، والمرأة مداومة على الصياح والعويل ، وفي هذه الأثناء وبناء على مراجعة التلاميذ قال المسيح (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) أخيراً اقتربت تلك المسكينة وقبلت قدميه وقالت سيدي أغثني(*) فأجابها قائلاً : (ليس هنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) ولكن المرأة أجابت قائلة (نعم يا سيدي ، لان الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الساقطة من سفرة أصحابها) وعلى هذا قال لها المسيح (يا أمراه عظيم إيمانك ، ليكن لك كما تريدين) فشفيت ابنتها من تلك الساعة .
    لا اعلم هل قال المسيح عليه السلام ذلك أم لم يقله ، ولكني اعلم جيداً أن اكثر من تضرر من جراء تأثير ذلك الكلام هو أمته عالم النصرانية ، ومن جراء ذلك التحقير والتعبير بالكلاب، نرى النصارى يجتهدون بكل ما استطاعوا في محو كل من لم يكن من دينهم : والصحيح أن هذا الكلام لا يليق بدكتور أو مسلم أو مدرس فضلاً عن أن لا يليق بنبي أو مسيح .
    ومع كل ما هنالك فالآن ظهر جلياً أن عيسى المسيح عليه السلام قد أرسل إلى قوم بني إسرائيل فقط(*) ولاشك في أن المسيح الذي لم يخلص مجنونة كنعانية إلا بعد الجهد الطويل ، لا يمكنه أن يسعى لتخليص العالم ، فان الصاحب الذي لا يريد أن يعطي جزءاً من فتات سفرته لكلابه ، لا يفكر أبداً بالذهاب إلى القتل والصلب في سبيل كلب ويفدي الكلاب بنفسه .
    ان كون المسيح لم يرسل إلى غير الأمم الموسوية حقيقة تثبتها الطبقات القديمة من المواعظ الأربعة ، فلا هو وعظ الأمم وارشدهم ، ولا تلاميذه حتى انه نهى تلاميذه الذين أرسلهم ليبشروا باقتراب ملكوت الله أو ملكوت السموات هكذا (هؤلاء الأثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم(1) لا تمضوا ، والى مدينة السامريين لا تدخلوا ، بل بالحزي اذهبوا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، وفيما انتم ذاهبون عظوا (اكرزوا) قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات) (متى 10 : 5-7) فمن هنا تبين جليا أن الآيات الأخرى المضادة لهذه الآيات أما محرفة أو زائفة .
    فاذا كان المسيح ينهي تلاميذه من الذهاب حتى إلى جارتهم أمة السامريين الممتزج دمهم بدم اليهود ، والذين يصدقون أسفار توراة موسى ، فكيف وبأي جسارة يسوغ لمتى وجود هذه الآيات والنصوص أن يقول في إنجيله عن لسان المسيح (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) متى 19:28 .
    - 19 -
    إصلاح قوم بني إسرائيل
    انا لا اقدر ان اكتب عن الموسويين غير الاحترام وما تقتضيه الرقة والمجاملة رغم انتسابي بالجنس إلى أمة الأثوريين الكلدانيين الذين أساءوا جداً إلى اليهود ، وكيفية إصلاح بني إسرائيل المتعلق ببحثنا مرتبط بالأناجيل الأربعة . أي ان الأناجيل الأربعة تعلمنا كيف كانت أخلاق اليهود الذين كانوا في زمن المسيح عليه السلام ، وكم كانت أحوالهم الروحية قد فسدت وتلوثت بالسيئات ، فنظراً إلى الأناجيل الأربعة كان اليهود في زمن المسيح يريدون أن يتمسكوا بأوامر الكتاب الذي في أيديهم في جميع المعاملات الشرعية بصورة حرفية ، ليس بحكمة الشريعة وروحها ، بل بمادتها وحروفها وبما ان يوم السبت يوم مقدس حسب الحكم الرابع من الوصايا العشر ، كانوا يأمرون بتعطيل كافة الأشغال والأعمال البدنية . ولم يكن اليهودي مأذوناً بإجراء أي عمل عدا العبادة والاستراحة ، وليس هذا قاصراً على اليهودي وحده بل هو مجبور على إراحة عبده وخادمه وجاريته وحماره وكل حيواناته الداجنة في يوم السبت (كل من يعمـل فيـه عمـلاً يقتـل) لا تشـعلوا ناراً في جميـع مساكنكم يوم السبت ) خروج 35 : 2 - 3 .
    وكان جزاء كل من يعمل بما نهى الله عنه الموت والإعدام ، لاشك أن شريعة موسى الشديدة كانت معتبرة ونافعة لقوم بني إسرائيل البدو (؟) الذين نجوا حديثاً من نير استعباد المصريين ، وان رعاية القانون تحصل أما من الخوف أو من خلق الحياء من العار ، أما الأمة المتمدينة فكما أنها تقيم العدالة بروح حكم القانون ، فكذلك تلطف وتعدل بعض مواد القانون نظراً لمقتضيات الحال والزمان : وأما تطبيق الشريعة وإجراء أحكامها حرفياً فليس بضروري إلا في الأقوام الوحشية أو التي في حال البداوة فقط ، ولابد من تربية ملية تسوق أخلاق العامة إلى الصلاح والمدنية والرقي والسعادة الحقيقية كما يجب التأديب والعقاب على كل فعل وحركة مخالفة لآداب معاشرة القوم وأخلاقهم السائدة ، على أن تكون مرتبطة بالعدالة وبقوانين معقولة ومشروعة ونافعة (ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلاً يحتطب حطباً يوم السبت فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطباً إلى موسى وهارون وكل الجماعة فوضعوه في المحرس لأنه لم يعلن ماذا يفعل به . فقال الرب (يهوه) لموسى قتلا يقتل الرجل ، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة ، فأخرجه كل الجماعة خارج المحلة ورجموه بحجارة فمات كما أمر يهوه موسى) عدد 15: 32 - 36 .
    نعم يمكنني أن أتصور رجم فاعل الذنب البسيط عديم الأهيمة من قبل أمة عدد أفرادها لا يبلغ المليونين أو الثلاثة بهذه الصورة المدهشة في الصحراء ، ولكن لا أتصور إمكان إجرائه في (بارك هايد) لندن ، أو في (شانزه ليزه) باريس . فالشريعة المذكورة استمرت على الحكم بكل دهشتها مدة تزيد على الثلاثة آلاف سنة ، وأصيب بنو إسرائيل بالانحطاط والأسر ، وعلماء اليهود وفقهاؤهم وضعوا كتباً كثيرة تحتوي على قوانين مغلقة وتعاليم عديمة الفائدة ، تركت الملة في حالة الحيرة والاضمحلال ، وبينما كانت هذه الأمة البيئية تستحق من قبل لينيونات(1) القيصر الجديد مادة ، ومن قبل زمرة العلماء المرائين عديمي الأخلاق معنا ، ظهر حضرة المسيح عليه السلا م ودعا الملة المذكورة إلى الإصلاح .
    أول من خاصم النبي الكريم هم العلماء والخواص - دون العوام - أولئك العلماء الذين اعتادوا على امتصاص دماء الأمة . مثال ذلك انهم لما قبضوا على زانية جاؤا بها إلى المسيح وسألوه (وجدنا هذه المرأة في فعل الزنا ، ومعلوم أن موسى أمرنا برجم أمثالها ، فالآن ماذا تقول أنت ؟ ) فأجابهم قائلاً لهم (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر) (يوحنا 7:8) .
    وبما أنهم لم يكونوا سالمين من الذنب تسللوا من عنده واحداً بعد واحد ، فقال المسيح للخاطئة المسكينة الباقية وحدها (اذهبي ولا تخطيء أيضاً) يوحنا 11:8 وهذه خطة نبي مأمور بعمل الإصلاح .
    (موسى أمركم في شريعته قائلاً لا تزن(*) وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة بنظر الشهوة يكون قد زنى بها في قلبه . موسى قال لا نقتل وأما أنا فأقول لكم أن كل من يبغض ويعادي أحداً يكون قد قتله ) (متى 5 : 21-26) .
    فالمسيح عليه السلام فسر روح الشريعة وشرح حكمها بإفاداته المجددة ، فان منبع فعل الزنا هو الشهوة وان منشأ القتل هو البغض ، وكذلك فان نهي الشريعة عن أن يعمل عمل في يوم السبت لم يكن لمنع الاشتغال بالأمور الحسنة وفعل الخير في اليوم المذكور . وان الشريعة التي نجزم الأمر بغسل الأيدي والأواني وعلى الأخص بالطهارة لا تأمر بترك القلب والفم ملوثين بالرجس من الأفكار والأقوال ، وان الإنسان يمكنه أن يتطهر بحفنة من الماء ، ولكنه لا يمكنه أن يطهر قلبه بكل مياه البحر المحيط الكبير .
    قام مسبح فقير تارك للدنيا يعظ بقلب مشتعل بحب الإنسانية ، ملتهب بالعشق الإلهي ، يوصي شديداً بالتزام أسس الدين كالصدق والرحمة والعفو والحب الإلهي تجاه العلماء ذوي الطمع اللاتهاتي في حطام الدنيا ، اكثر الناس التزاماً لرسوم الذبائح ولا عشار ، مرتكبي أنواع الرياء والتزوير لأجل الحصول على مديح العامة ، ظهر يسوع ناصري لا يعير أهمية لمثل مسائل نقل الميت وتغيير القبور ، يعلم بان كرامة الإنسان ليست بالجسد الذي هو عبارة العظم واللحم ، بل هي قائمة بالروح الساكنة في ذلك الجسد ، تجاه الكهنة الجادين في تعظيم الأموات وتزيين القبور ، الماهرين في فنون خداع الأحياء وتسليبهم .
    الفريسيون أولئك الذين إذا وقع خروفهم في البئر يركضون بأربع أرجل لأجل إخراجه يوم السبت ، يؤاخذون المسيح عليه السلام ، ويتهمونه بعدم التزام يوم السبت لأنه يبرئ فيه المرضى والمجانين .
    الحاخامون أولئك البطالون ، ذوو الجبب الطويلة ، عابسو الوجوه أثناء الصوم ، آكلوا أموال الأرامل واليتامى ومحرقوا أكبادهم ، يفترون على تلاميذ المسيح بعدم الصوم ، أولئك المنافقون الذين يجولون البر والبحر ليتلقفوا مهتدياً تائباً بقصد أن يسلبوه حتى ثيابه ، أصروا على البغضاء للمسيح المتواضع الحليم الذي يدعو الاهلين المساكين أشباه الغنم الضالة إلى التوبة وإصلاح النفس ، وهكذا رموا المسيح عليه السلام بالكفر واللؤم ، حينما كان يلقي فكرة التجديد أو الولادة من جديد ، ويعلم طريق الحقيقة ويبشر به ، وبعدما حارب ابن مريم عليهما السلام أولئك الرجعيين المرائين في الدين خادمي الأجسام ، أنذرهم بان أهالي سدوم وطمورا سيكونون احسن حالاً منهم يوم الجزاء ، ثم انه أخيراً غاب ولن يروه بعد ، من غير أن يصلح القوم المذكورون .
    فإذا كانت المواعظ الأربعة تبين هذه الحقائق بكل تفصيل وتمثيل ، فكيف وبأي صلاحية يمكن الادعاء بان المسيح نبي عام ؟ والتلاميذ الذين لبثوا ثلاث سنين بصفة مرداء المسيح ، الذين بقوا إلى آخر دقيقة أجهل مما كانوا قبلاً ، بأي علم وبأي قوة يتمكنون من إقناع الأمم بقولهم : كان رجل يسمى يسوع قتل على الصليب وكان هو الله ؟ (استغفر الله ثم استغفر الله)(*) .
    - 20 -
    (كان الإنجيل عبارة عن التبشير بملكوت الله)
    إذا سألتم راهباً مسيحياً ما هو الملكوت ؟ يجبيكم فوراً هو الكنيسة ، وان لم يكن قد تشكل في زمن المسيح مثل هذه الكنيسة ومثل هذه الملة والجماعة ، فالمسيح وتلاميذه كانوا يدخلون (السيناغوغا) المسمى (كنشت كنيس) كسائر اليهود ويصلون ويتعبدون ، ولم يخطر على باله أحداث مذهب جديد أو جماعة جديدة وبناء على ذلك لم يتشكل ملكوت الله في زمن عيسى عليه السلام .
    علم المسيح تلاميذه صلاة بشكل الفاتحة وهي - بالرغم من وقوع تحريف أو تحريفين فيها - صلاة بليغة مهمة جداً من جهتين ، أما أولاً فلأنها تبين عقيدة التوحيد بكل احترام وبكمال العزة ، وأما ثانياً فلأنها تحتوي على عبارة (ليأت ملكوتك) خطاباً لله تعالى ، لان كل صلاة حقيقية تحتوي على مادتين : الأولى أداء فرض التحية والكلمات الناطقة بالتعظيم والعبودية للخالق والسجود له ، والأخرى عبارة عن طلبنا الإسعاف ورجالنا قضاء الحاجة من الله تعالى . فالكنيسة المتخشمة الصارخة بضع مرات في كل يوم (ليأت ملكوتك) منذ اكثر من ألف وتسعمائة سنة لم تكن غير الجماعة العيسوية ، يا للتضاد ، يا للعناد والعصيان ! لقد مضى تسعة عشر عصراً ، أإلى الآن ننتظر قائلين (ليأت ملكوتك) .
    فان كان ملكوتك الله هو الكنيسة ، فما بال الكنيسة تكرر بفهما ولسانها كل يوم هذا الدعاء وتطلب من الله أن يبعث لهم ملكوته ؟ الحق أقول يجب عليهم الإنصاف والحياد . فما دام الله لم يستجب لهم ، ولا أسعف لهم هذا الطلب حتى الآن ، أما ان لهم أن يكفوا عن هذه المراجعة المستمرة في هذا الشأن ؟ القطط العديمة التجربة ، عندما ترى بائع الكبود ، ترقص بين يديه وحواليه وتصيح وتطلب بلسانها لقمة من ذلك الإنسان . أما القطط الأخرى ذوات التجربة فأنها تجلس أمام الباب وتنظر عن بعد ولا تتحرك من مكانها ، لأنها قد علمت بالتجربة أن بائع الكبود لا يعطي قطعة من الكبد ما لم يأخذ قطعة من النقوذ ، وانتم منذ تسعة عشر عصراً تنادون (ليأت ملكوتك) ومع أنكم تعلمون أنه لم يأت ولن يأتي ، لا تزالون تكررون (ليأت ليأت) ! هل من الممكن عدم التعجب والحيرة ؟ إذا كان ملكوت الله هو الكنيسة كما تزعمون ، فقد جاءت الكنيسة واستولت على الدنيا ، فأي ملكوت أذن تطلبون ؟ أم أفلا تخافون - إذا ما جاء ملكوت الله - أن يلحق المقامات الروحانية مع البطاركة والبابا بالعدم والزوال؟ أم ماذا يكون حال الملوك والعساكر العيسوية القديرة حينئذ؟ أفلا ترون إذا ما جاء ملكوت الله ، انه لا يختم ويقضي على كنائس المذاهب المختلفة التي يتجاوز عددها الخمسمائة ؟
    المسيح عليه السلام لخص صلاة اليهود الزبورية وكل صلواتهم الطويلة بهذا الدعاء (أبانا الذي ... الخ)(1) كما لخص شريعة موسى بوصيتين ، فالوصيتان اللتان هما عبارة عن (حب الله وحب الجار) تبينان لب الشريعة الموسوية وروحها . ومما هو حرى بالدقة أن المسيح عليه السلام لم يتعد حدود الشريعة المذكورة أبداً ، وقد اتصف الله تكراراً في كتب التوراة بلفظ (الله ، الآب) على أن كلمة (أب) هذه لا من حيث أن الله ابنا وحيداً كما تزعم الكنيسة ، بل لأنه موجد كافة الموجودات ومكون كل الكائنات(*) على أن معنى (أب) اللغوي الحقيقي هو إعطاء الثمر كما تقدم بيانه ، وان مادة (أب) المؤلفة من ألف مفتوحة وباء هي في جميع اللغات السامية بمعنى (الوالد) و (المثمر) وبالألف المكسورة بمعنى (الثمر) وفي العربية (اباب) بمعنى طراوة وخضرة ، وبهذا القصد والمعنى كانوا يخاطبون خالق الكائنات موجدها بكلمة (أب) وبالطبع لم يكن بأس في هذا التعبير ، ولكن لما أساءت الكنيسة استعماله في كتب العهد الجديد التي أوجدتها ، صار لا يجوز لأبناء ملكوت الله أن يخاطبوا الله اليوم بهذا الاسم .
    وان ملكوت السماوات لما رأى مخالفة الكنيسة واعتداءها على تعاليم المسيح في تعبيرها (باسم الآب والابن والروح القدس) أظهر خطأ الكنيسة بالآية القرآنية الجليلة {بسم الله الرحمن الرحيم} .
    فالمسيح عليه السلام يؤيد الأمر الأول لشريعة التوراة التي لخصها(1) في صلاته هذه (ليتقدس اسمك) يا إلهنا الذي في السماء ليتقدس اسمك لان لك الملكوت والقدرة والعزة إلى الأبد آمين (متى 6 :9-13) .
    وأما الوصية الثانية من شريعة موسى فهي (حب الجار) .
    سأل فريسي عارف بالشريعة من المسيح عليه السلام طلباً للشر(*) أي يريد أن يأخذ كلاماً من فم المسيح عليه السلام حتى يأخذه عليه حجة بقصد إيقاعه في فخ (أي وصية هي العظمى في الشريعة ؟) فقال له عيسى عليه السلام ، هي التي لله (لتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل روحك ومن كل فكرك ، هذه الوصية الأولى والعظمى الثانية مثلها (لتحـب جـارك كنفـسك ، بهاتين الوصيتـين تتعلـق الشـريعة كلها والأنبياء) (متى 22 : 34-40) .
    فبعد أن رأينا هذا التفسير من المسيح لشريعة موسى وتصديقه تعاليم جميع أنبياء بني إسرائيل بصراحة على الوجه المبين أعلاه ، أقوال للأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والنصارى المنسوبين إلى المذاهب المختلفة الأخرى التي يربوا عددها على الخمسمائة مذهباً : راجعوا أيها القوم ضميركم واحساساتكم التي هي محبة للحقائق ، وإذا اقتضى الأمر راجعوا روح قدسكم بكل دقة ، وتفكروا خدمة للحقيقة في هذه الآيات المذكورة .
    لمن أعطيت الشريعة ؟ طبعاً لليهود ، إلى أي ملة كانت تنتسب الأنبياء والى من أرسلوا؟ طبعاً إلى اليهود ، لان المسيحيين متفقون على الاعتقاد بان الله لم يرسل نبياً من غير اليهود . حسن جداً : من أي ملة كان السائل ؟ بالطبع كان يهودياً ، ماذا كان المسيح ؟ طبعاً هو كان يهودياً أيضاً ، من كان يمكن أن قد كان جارهما ؟ بالطبع لا يكون جار اليهودي إلا يهودياً أيضاً، والجار الذي لا يكون يهودياً يجب أن يكون أما أسيره أو ظالمه ، وعلى كلتا الحالتين فهو مكلف بان لا يحبه كنفسه .
    أذن فانظروا المسيح عليه السلام وان كان يبحث عن الصديق والعدو في موعظته المشهورة (متى 5 إلى نهاية الباب السابع) فانه كان دائماً يخص اليهود بكلامه هذا وقد بين أن اليهودي ليس مكلفاً يحب جاره اليهودي فحسب ، بل يقول يجب أن يحب عدوه اليهودي أيضاً، وليس هناك من إشارة قطعاً حول كون (الأمم) أصدقاءهم أم أعداء .
    فهاءنذا أقول لهؤلاء المسيحيين الذين يبلغ عددهم الملايين وهم ليسوا من الإسرائيليين : انظروا . ان مسيحكم لم يعرفكم قطعاً . ولم ينقل عنه انه قال عنكم حرفاً واحداً بل انه سمى غير الإسرائيليين كلاباً . فمن انتم ؟ ثم من هم أبناء الملكوت؟ أتعلمون ماذا انتم حسب شريعة موسى ؟ أن الذين لم يختتنوا إنما يعدون ملوثين (نجساً) حتى أن المسيح نفسه ختن في اليوم الثامن من ولادته ، وهو إلى يوم غيبوبته كان على مسلك اليهودية تماماً ، أذن فارجعوا إلى الإنصاف ولا تعودا تبحثون عن الإنجيل وعن عيسى والصليب .
    أليست هذه هي أناجيلكم الأربعة ، كونوا واثقين إنها بسبب تصوير المسيح يهودياً تاماً وملياً (ناسيوناليست) شديد التعصب لقوميته بدرجة مفرطة ، صارت قسوس البلغار يحملون الصلبان ويتلون آيات التمجيد والثناء للذين ارتكبوا أشنع الفظائع في أعدائهم في الحرب . أذن فهم ولا شك معذورون في هذه الشناعات ، هذه هي آثار الملية المفرطة ، فأنى للمسيح أن يؤسس كنيسة أو ملكوتاً وان اليهودي إذا لم يختن في لحم غرلته كان يحكم عليه بالإعدام؟ (تكوين 14:7 وخروج 24:4) فكيف كان للمسيح أن يأخذ النصارى القلف أي الذين لم يختتنوا إلى ملكوت الله ؟! وأمر الله في التوراة صريح بأنه واجب على اليهودي ختان ذريته حتى انه قد أوجب عليه أن يختن عبده والأجنبي الذي اشتراه بفضته أيضاً ، ولا يباح لأي ذكر غير مختون أن يسكن في بيت يهودي وليس ذلك من شعائر اليهودية فحسب ، بل مما أطلق الله عليه اسم العهد والميثاق .
    وإذا أمعنا النظر في عدم تجويز الشريعة دخول الاغلف (أي الذي لم يختن) معابد الموسويين ، فهل نرى من الممكن أن يدخل المسيح معابد الكنائس التي ألغت رسم الختان وأقامت مكانه المعمودية أو يجالسهم أو يساكنهم ؟!
    يقول المسيح (احب ألهك اكثر من نفسك ، واحب جارك كنفسك) ولكنه لا يقول: احب أن جنسك كنفسك . حسن جداً ، ماذا كان المحذور لو قال احب ابن دينك كنفسك ؟ لم يتمكن من أن يقول هذا أيضاً ، لان ابن دبن اليهودي يجب أن يكون يهودياً أيضاً .
    اتضح جلياً وبصورة مقعنة أن عيسى المسيح لم يكن ليفدي أحداً بحياته بل لم يكن يسمح بتقديم قلامة من أظفاره هدية للعالم فضلاً عن انه لم يتعهد للروس والإنجليز والاميركيين بالنجاة لانه لم يعرفهم ، ولا بإراقة قطرة من دمه في سبيل جعل الروم واليونان الأجانب ، والسوريين الساكنين في سورية - مسيحيين بواسطة المعمودية ، لإعطائهم الحياة الأبدية ، بل لم يكن ليعطي رطلاً من النجارة التي أمام منضدة (محل تجارته) لأجل ذلك .
    لا ريب في ان القسم الثاني من محتويات الدعاء المذكور المبهمة عبارة عن تأسيس اخوة صحيحة وتوطيد المعاملة الفدائية بين الإسرائيليين ، وتأمين مقتضيات الخلاص من شر أعدائهم وغوايتهم وهو : (خبزنا كفافنا اعطنا اليوم ، واغفر لنا خطاينا كما نغفر نحن أيضاً للمخطئين ألينا ، ونجنا من الشرير الذي يذهب بنا إلى الإغواء(1)) متى 6،10-13 .
    هل كان من حد الأمم غير الإسرائيليين أن يجترءوا على مثل هذه المطالب من حضرة (يهوه) الرب الذي يحسبونه أباهم(*) (فلو سألنا اليوم الإسرائيليين : من هم الأشرار وذووا الغولية الشيطانية الذين يغوونهم ؟ هل من شبهة في الجواب الذي يعطونه ؟ آه هم المسيحيون ، آه انهم المبشرون) .
    بقي اكبر ما يتعلق ببحثنا من الصلاة الإنجيلية وهو المادة التي في شان ملكوت الله (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك كما في السموات أيضاً على الأرض) .
    هنا يعد المسيح بان سيأتي ملكوت سماوي ، وبأن ستعطى الإرادة والكلام الخاص بالملكوت المذكور .
    عجباً ، ماذا يمكن أن يكون القصد من ملكوت الله هذا ؟ هل هو عبارة عن ان شرطتنا تتألف من الملائكة ، وعساكرنا من الكرويين ، وهيئة وزرائنا من السرافيين ؟! المسيحيون يعتقدون أن المسيح سيأتي ويحكم قبل يوم الجزاء على وجه الأرض ألف سنة ، أما نحن المسلمين فنتمنى ان لو جاء المسيح وأسس سلطتنه العظيمة على هذا النمط - وعلى الأخص بمناسبة إصلاحاتنا الداخلية هذه - ساعة اقدم ، (لان مجيء المسيح يخلصنا من مكايد أهل الكيد ودسائس الاغيار) .
    نعم نحن نتمنى ذلك لان مجيء المسيح الوحيدين هم المسلمون ! أما اليهود فقد رفضوه ، وأما المسيحيون فقد نسبوا المسيح التاريخي الحقيقي وأقاموا محله يسوعاً خيالياً متألهاً .
    إن المعنى المراد من كلمة (الملكوت) إنما هو على الوجه الذي ذكره المسيح تكراراً (بكلام الملكوت) أو (كلام الله) عبارة عن إرادة ورضاء صاحب الملكوت جل جلاله وفي الصلاة المذكورة أعلاه قد استعمل لفظ ثيليما اليونانية ورضا العبرانية ، ولا حث عن (أيودوكيا) بعد ، لماذا لا يبحث عن أيودوكيا (حمد) ؟ بالطبع أن للبشرية شيئين دائمين هم (الإسلام) وهو يقيم ديناً حقيقياً وملكوت الله على الأرض ، و (القرآن) وهو اقدس كتاب في العالم يحتوي على إرادة الله ورضائه في تحقيق وتسهيل إدارة ملكوت الله وبعد أن اكمل محمد صلى الله عليه وسلم الملكوت والكتاب القديم المحتوي على رضاء الله بصورة رسمية أرتحل إلى دار النعيم . وان دين الإسلام والقرآن الكريم سيبقى دائماً وثابتاً إلى يوم القيامة . وسيأتي في الفصل العاشر أن كل تفسير أو تأويل يباين هذا التفسير فهو باطل ولا معنى له ، فستراه مفصلاً تفصيلاً .


    (*) استعمل المؤلف كلمة ملة عوضاً عن قوم أو أمة . ولكني استعملت كلمة ملة لأبناء الدين الواحد ، وكلمة قوم أو أمة لأبناء النسل الواحد .

    (1) يقول مصحح الطبع إن هذا بحث عظيم لكن بيانه ضعيف ولذلك يستنكر ظاهرة وخلاصته أن دين الله تعالى على السنة رسله واحد وقد ارتقى بالتدريج كما ارتقت الأمم في حضارتها بالتدريج فكان النبي يبعث إلى قومه خاصة بما يناسب درجة عقولهم واستعدادهم ثم يبعث بعده نبي آخر ما هو أرقى مما جاء به من قبله حتى إذا ما استعد البشر لوحدة الدين العامة الكاملة بعث الله محمداً خاتم النبيين بإكمال دينه وانزل عليه { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وقد وضح هذا المعنى الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد فيراجع فيها .

    (*) لا يستغرب المسلمون هذا الكلام فقد جاء في سورة فاطر قوله تعالى { وان من أمة إلا خلا فيها نذير } وفي سورة النحل قوله تعالى { تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم } وفيها أيضاً { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } الآية .

    (*) أوصي بمطالعة كتاب (الفارة على العالم الإسلامي) ليطلع المسلم على ما يكيد له المبشرون بصورة مناقضة لما أوصي بها المسيح عليه السلام فيما يخص كيفية التبشير التي سيبينها متن هذا الكتاب . لم يأت المبشرون إلى الشرق من أنفسهم حباً في هداية أهله إلى السعادة . بل أرسلتهم السياسة الغربية ليعملوا لمصلحتها ، وكانت دعوتهم في أول أمرهم دعوة بسيطة إلى النصرانية ، ثم ابتدءوا بالجدل وإيراد الحجج والبراهين ، ولما لقوا من المسلمين البراهين القاطعة على تفنيد مدعياتهم ، ودحض شبهاتهم ، اغتاظوا وتهوروا فالقوا كتبا ورسائل تحتوي على الطعن والشتم في دين المسلمين ونبيهم ، ولما كان المسيح عليه السلام نبياً محترماً عند المسلمين ولم يتمكنوا من مقابلتهم بالمثل ، بل عمدوا إلى ترجمة بعض مؤلفات الغربيين اللادينيين ككتاب (أضرار تعاليم التوراة والإنجيل) ولا يخفى ما في ذلك من الأضرار حتى على دين المسلمين كما نبه عليه المؤلف هذا الكتاب مكرراً . ثم عاد المبشرون إلى نشر مؤلفات ينسبونها إلى أفراد من المسلمين ادعوا انهم تنصروا وهو افتراء محض ، تم ترقوا في هذا الخداع إلى اتهام بعض كبار العلماء من المسلمين بالتنصير أو بنصف التنصر كما ذكروا في كتاب (الغواص واللآلي في ترجمة الغزالي) لزويمر . ولما لم يجدهم نفعاً كل هذه الوسائل والدسائس تراهم الآن يقنعون بالسعي لتجريد المسلمين من عقائدهم وأخلاقهم ومن أي ديانة ليجعلوهم ملاحدة إباحيين ، واراهم في ذلك ناجحين بعض النجاح وفي ذلك عين الغاية التي تتوخاها السياسة الغربية ، وهي تفكيك عرى الجامعة الإسلامي .

    (1) قد ترجموا السبت باللغة التركية بيوم الراحة ولكنه في جميع لغات الأقوام المسيحية Sabbath السبت ، فالبروتستانت هنا أيضاً أرادوا أن يدوروا دولابا ، لأنه ماذا يفهم مسلم من كلمة يوم الراحة ؟

    (*) كنت أحادث أحد المبشرين السبتيين في شأن الثالوث وهو يجر الكلام إلى مسألة الصلب ، فقلت أظنك تزعم انك في مسئلة الصلب أقوى منك في مسألة الثالوث ؟ فلنبحث في مسألة الصلب كما تريد ، قال : كيف ينكر المسلمون وقوع الصلب وهذا عالم المسيحية العظيم مطبق على وقوعه ؟ قلت كم مضى على مذهب السبتيين ؟ قال : ن=






























  7. #7
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    ولم تكتف الكنيسة بإلغاء يوم السبت بل أبطلت الختان أيضاً(**) مع علمها بان المسيح قال بصراحة أنه لم يأت لإبطال حرف واحد من شريعة موسى ، وهو بالطبع ليس له خبر عن (التثليث) وعن (الأسرار السبعة) التي لوعت اليهودية .
    لم يكتف المسيح ببيان محافظته على شريعة موسى عليهما السلام فقط بل قال : حتى القوانين والأوامر الموضوعة من قبل العلماء والفقهاء من اليهود واجبة الطاعة ومنه قوله في (متى 4:8) (فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم) .
    في هذه الدرجة كانت محبته لشريعة موسى وارتباطه بها وتعصبه لها عليه السلام حتى أن متى اخـبر عن المسـيح بأنه كان يسمي اليهود (أبناء) ويسمي الأقوام الأخرى (كلابا) متى 15 : 21-28 .
    وبينما كان المسيح يتجول يوماً مع تلاميذه الأثنى عشر في صور وصيدا من أراضي فينيقية القديمة(1) إذ بامرأة كنعانية تركض وراءه قائلة : (ارحمني يا سيدي(2) ابن داود بنتي تتعذب كثيراً من الجن) أما المسيح فلم يجبها بكلمة ، والمرأة مداومة على الصياح والعويل ، وفي هذه الأثناء وبناء على مراجعة التلاميذ قال المسيح (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) أخيراً اقتربت تلك المسكينة وقبلت قدميه وقالت سيدي أغثني(*) فأجابها قائلاً : (ليس هنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) ولكن المرأة أجابت قائلة (نعم يا سيدي ، لان الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الساقطة من سفرة أصحابها) وعلى هذا قال لها المسيح (يا أمراه عظيم إيمانك ، ليكن لك كما تريدين) فشفيت ابنتها من تلك الساعة .
    لا اعلم هل قال المسيح عليه السلام ذلك أم لم يقله ، ولكني اعلم جيداً أن اكثر من تضرر من جراء تأثير ذلك الكلام هو أمته عالم النصرانية ، ومن جراء ذلك التحقير والتعبير بالكلاب، نرى النصارى يجتهدون بكل ما استطاعوا في محو كل من لم يكن من دينهم : والصحيح أن هذا الكلام لا يليق بدكتور أو مسلم أو مدرس فضلاً عن أن لا يليق بنبي أو مسيح .
    ومع كل ما هنالك فالآن ظهر جلياً أن عيسى المسيح عليه السلام قد أرسل إلى قوم بني إسرائيل فقط(*) ولاشك في أن المسيح الذي لم يخلص مجنونة كنعانية إلا بعد الجهد الطويل ، لا يمكنه أن يسعى لتخليص العالم ، فان الصاحب الذي لا يريد أن يعطي جزءاً من فتات سفرته لكلابه ، لا يفكر أبداً بالذهاب إلى القتل والصلب في سبيل كلب ويفدي الكلاب بنفسه .
    ان كون المسيح لم يرسل إلى غير الأمم الموسوية حقيقة تثبتها الطبقات القديمة من المواعظ الأربعة ، فلا هو وعظ الأمم وارشدهم ، ولا تلاميذه حتى انه نهى تلاميذه الذين أرسلهم ليبشروا باقتراب ملكوت الله أو ملكوت السموات هكذا (هؤلاء الأثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم(1) لا تمضوا ، والى مدينة السامريين لا تدخلوا ، بل بالحزي اذهبوا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، وفيما انتم ذاهبون عظوا (اكرزوا) قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات) (متى 10 : 5-7) فمن هنا تبين جليا أن الآيات الأخرى المضادة لهذه الآيات أما محرفة أو زائفة .
    فاذا كان المسيح ينهي تلاميذه من الذهاب حتى إلى جارتهم أمة السامريين الممتزج دمهم بدم اليهود ، والذين يصدقون أسفار توراة موسى ، فكيف وبأي جسارة يسوغ لمتى وجود هذه الآيات والنصوص أن يقول في إنجيله عن لسان المسيح (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) متى 19:28 .
    - 19 -
    إصلاح قوم بني إسرائيل
    انا لا اقدر ان اكتب عن الموسويين غير الاحترام وما تقتضيه الرقة والمجاملة رغم انتسابي بالجنس إلى أمة الأثوريين الكلدانيين الذين أساءوا جداً إلى اليهود ، وكيفية إصلاح بني إسرائيل المتعلق ببحثنا مرتبط بالأناجيل الأربعة . أي ان الأناجيل الأربعة تعلمنا كيف كانت أخلاق اليهود الذين كانوا في زمن المسيح عليه السلام ، وكم كانت أحوالهم الروحية قد فسدت وتلوثت بالسيئات ، فنظراً إلى الأناجيل الأربعة كان اليهود في زمن المسيح يريدون أن يتمسكوا بأوامر الكتاب الذي في أيديهم في جميع المعاملات الشرعية بصورة حرفية ، ليس بحكمة الشريعة وروحها ، بل بمادتها وحروفها وبما ان يوم السبت يوم مقدس حسب الحكم الرابع من الوصايا العشر ، كانوا يأمرون بتعطيل كافة الأشغال والأعمال البدنية . ولم يكن اليهودي مأذوناً بإجراء أي عمل عدا العبادة والاستراحة ، وليس هذا قاصراً على اليهودي وحده بل هو مجبور على إراحة عبده وخادمه وجاريته وحماره وكل حيواناته الداجنة في يوم السبت (كل من يعمـل فيـه عمـلاً يقتـل) لا تشـعلوا ناراً في جميـع مساكنكم يوم السبت ) خروج 35 : 2 - 3 .
    وكان جزاء كل من يعمل بما نهى الله عنه الموت والإعدام ، لاشك أن شريعة موسى الشديدة كانت معتبرة ونافعة لقوم بني إسرائيل البدو (؟) الذين نجوا حديثاً من نير استعباد المصريين ، وان رعاية القانون تحصل أما من الخوف أو من خلق الحياء من العار ، أما الأمة المتمدينة فكما أنها تقيم العدالة بروح حكم القانون ، فكذلك تلطف وتعدل بعض مواد القانون نظراً لمقتضيات الحال والزمان : وأما تطبيق الشريعة وإجراء أحكامها حرفياً فليس بضروري إلا في الأقوام الوحشية أو التي في حال البداوة فقط ، ولابد من تربية ملية تسوق أخلاق العامة إلى الصلاح والمدنية والرقي والسعادة الحقيقية كما يجب التأديب والعقاب على كل فعل وحركة مخالفة لآداب معاشرة القوم وأخلاقهم السائدة ، على أن تكون مرتبطة بالعدالة وبقوانين معقولة ومشروعة ونافعة (ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلاً يحتطب حطباً يوم السبت فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطباً إلى موسى وهارون وكل الجماعة فوضعوه في المحرس لأنه لم يعلن ماذا يفعل به . فقال الرب (يهوه) لموسى قتلا يقتل الرجل ، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة ، فأخرجه كل الجماعة خارج المحلة ورجموه بحجارة فمات كما أمر يهوه موسى) عدد 15: 32 - 36 .
    نعم يمكنني أن أتصور رجم فاعل الذنب البسيط عديم الأهيمة من قبل أمة عدد أفرادها لا يبلغ المليونين أو الثلاثة بهذه الصورة المدهشة في الصحراء ، ولكن لا أتصور إمكان إجرائه في (بارك هايد) لندن ، أو في (شانزه ليزه) باريس . فالشريعة المذكورة استمرت على الحكم بكل دهشتها مدة تزيد على الثلاثة آلاف سنة ، وأصيب بنو إسرائيل بالانحطاط والأسر ، وعلماء اليهود وفقهاؤهم وضعوا كتباً كثيرة تحتوي على قوانين مغلقة وتعاليم عديمة الفائدة ، تركت الملة في حالة الحيرة والاضمحلال ، وبينما كانت هذه الأمة البيئية تستحق من قبل لينيونات(1) القيصر الجديد مادة ، ومن قبل زمرة العلماء المرائين عديمي الأخلاق معنا ، ظهر حضرة المسيح عليه السلا م ودعا الملة المذكورة إلى الإصلاح .
    أول من خاصم النبي الكريم هم العلماء والخواص - دون العوام - أولئك العلماء الذين اعتادوا على امتصاص دماء الأمة . مثال ذلك انهم لما قبضوا على زانية جاؤا بها إلى المسيح وسألوه (وجدنا هذه المرأة في فعل الزنا ، ومعلوم أن موسى أمرنا برجم أمثالها ، فالآن ماذا تقول أنت ؟ ) فأجابهم قائلاً لهم (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر) (يوحنا 7:8) .
    وبما أنهم لم يكونوا سالمين من الذنب تسللوا من عنده واحداً بعد واحد ، فقال المسيح للخاطئة المسكينة الباقية وحدها (اذهبي ولا تخطيء أيضاً) يوحنا 11:8 وهذه خطة نبي مأمور بعمل الإصلاح .
    (موسى أمركم في شريعته قائلاً لا تزن(*) وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة بنظر الشهوة يكون قد زنى بها في قلبه . موسى قال لا نقتل وأما أنا فأقول لكم أن كل من يبغض ويعادي أحداً يكون قد قتله ) (متى 5 : 21-26) .
    فالمسيح عليه السلام فسر روح الشريعة وشرح حكمها بإفاداته المجددة ، فان منبع فعل الزنا هو الشهوة وان منشأ القتل هو البغض ، وكذلك فان نهي الشريعة عن أن يعمل عمل في يوم السبت لم يكن لمنع الاشتغال بالأمور الحسنة وفعل الخير في اليوم المذكور . وان الشريعة التي نجزم الأمر بغسل الأيدي والأواني وعلى الأخص بالطهارة لا تأمر بترك القلب والفم ملوثين بالرجس من الأفكار والأقوال ، وان الإنسان يمكنه أن يتطهر بحفنة من الماء ، ولكنه لا يمكنه أن يطهر قلبه بكل مياه البحر المحيط الكبير .
    قام مسبح فقير تارك للدنيا يعظ بقلب مشتعل بحب الإنسانية ، ملتهب بالعشق الإلهي ، يوصي شديداً بالتزام أسس الدين كالصدق والرحمة والعفو والحب الإلهي تجاه العلماء ذوي الطمع اللاتهاتي في حطام الدنيا ، اكثر الناس التزاماً لرسوم الذبائح ولا عشار ، مرتكبي أنواع الرياء والتزوير لأجل الحصول على مديح العامة ، ظهر يسوع ناصري لا يعير أهمية لمثل مسائل نقل الميت وتغيير القبور ، يعلم بان كرامة الإنسان ليست بالجسد الذي هو عبارة العظم واللحم ، بل هي قائمة بالروح الساكنة في ذلك الجسد ، تجاه الكهنة الجادين في تعظيم الأموات وتزيين القبور ، الماهرين في فنون خداع الأحياء وتسليبهم .
    الفريسيون أولئك الذين إذا وقع خروفهم في البئر يركضون بأربع أرجل لأجل إخراجه يوم السبت ، يؤاخذون المسيح عليه السلام ، ويتهمونه بعدم التزام يوم السبت لأنه يبرئ فيه المرضى والمجانين .
    الحاخامون أولئك البطالون ، ذوو الجبب الطويلة ، عابسو الوجوه أثناء الصوم ، آكلوا أموال الأرامل واليتامى ومحرقوا أكبادهم ، يفترون على تلاميذ المسيح بعدم الصوم ، أولئك المنافقون الذين يجولون البر والبحر ليتلقفوا مهتدياً تائباً بقصد أن يسلبوه حتى ثيابه ، أصروا على البغضاء للمسيح المتواضع الحليم الذي يدعو الاهلين المساكين أشباه الغنم الضالة إلى التوبة وإصلاح النفس ، وهكذا رموا المسيح عليه السلام بالكفر واللؤم ، حينما كان يلقي فكرة التجديد أو الولادة من جديد ، ويعلم طريق الحقيقة ويبشر به ، وبعدما حارب ابن مريم عليهما السلام أولئك الرجعيين المرائين في الدين خادمي الأجسام ، أنذرهم بان أهالي سدوم وطمورا سيكونون احسن حالاً منهم يوم الجزاء ، ثم انه أخيراً غاب ولن يروه بعد ، من غير أن يصلح القوم المذكورون .
    فإذا كانت المواعظ الأربعة تبين هذه الحقائق بكل تفصيل وتمثيل ، فكيف وبأي صلاحية يمكن الادعاء بان المسيح نبي عام ؟ والتلاميذ الذين لبثوا ثلاث سنين بصفة مرداء المسيح ، الذين بقوا إلى آخر دقيقة أجهل مما كانوا قبلاً ، بأي علم وبأي قوة يتمكنون من إقناع الأمم بقولهم : كان رجل يسمى يسوع قتل على الصليب وكان هو الله ؟ (استغفر الله ثم استغفر الله)(*) .
    - 20 -
    (كان الإنجيل عبارة عن التبشير بملكوت الله)
    إذا سألتم راهباً مسيحياً ما هو الملكوت ؟ يجبيكم فوراً هو الكنيسة ، وان لم يكن قد تشكل في زمن المسيح مثل هذه الكنيسة ومثل هذه الملة والجماعة ، فالمسيح وتلاميذه كانوا يدخلون (السيناغوغا) المسمى (كنشت كنيس) كسائر اليهود ويصلون ويتعبدون ، ولم يخطر على باله أحداث مذهب جديد أو جماعة جديدة وبناء على ذلك لم يتشكل ملكوت الله في زمن عيسى عليه السلام .
    علم المسيح تلاميذه صلاة بشكل الفاتحة وهي - بالرغم من وقوع تحريف أو تحريفين فيها - صلاة بليغة مهمة جداً من جهتين ، أما أولاً فلأنها تبين عقيدة التوحيد بكل احترام وبكمال العزة ، وأما ثانياً فلأنها تحتوي على عبارة (ليأت ملكوتك) خطاباً لله تعالى ، لان كل صلاة حقيقية تحتوي على مادتين : الأولى أداء فرض التحية والكلمات الناطقة بالتعظيم والعبودية للخالق والسجود له ، والأخرى عبارة عن طلبنا الإسعاف ورجالنا قضاء الحاجة من الله تعالى . فالكنيسة المتخشمة الصارخة بضع مرات في كل يوم (ليأت ملكوتك) منذ اكثر من ألف وتسعمائة سنة لم تكن غير الجماعة العيسوية ، يا للتضاد ، يا للعناد والعصيان ! لقد مضى تسعة عشر عصراً ، أإلى الآن ننتظر قائلين (ليأت ملكوتك) .
    فان كان ملكوتك الله هو الكنيسة ، فما بال الكنيسة تكرر بفهما ولسانها كل يوم هذا الدعاء وتطلب من الله أن يبعث لهم ملكوته ؟ الحق أقول يجب عليهم الإنصاف والحياد . فما دام الله لم يستجب لهم ، ولا أسعف لهم هذا الطلب حتى الآن ، أما ان لهم أن يكفوا عن هذه المراجعة المستمرة في هذا الشأن ؟ القطط العديمة التجربة ، عندما ترى بائع الكبود ، ترقص بين يديه وحواليه وتصيح وتطلب بلسانها لقمة من ذلك الإنسان . أما القطط الأخرى ذوات التجربة فأنها تجلس أمام الباب وتنظر عن بعد ولا تتحرك من مكانها ، لأنها قد علمت بالتجربة أن بائع الكبود لا يعطي قطعة من الكبد ما لم يأخذ قطعة من النقوذ ، وانتم منذ تسعة عشر عصراً تنادون (ليأت ملكوتك) ومع أنكم تعلمون أنه لم يأت ولن يأتي ، لا تزالون تكررون (ليأت ليأت) ! هل من الممكن عدم التعجب والحيرة ؟ إذا كان ملكوت الله هو الكنيسة كما تزعمون ، فقد جاءت الكنيسة واستولت على الدنيا ، فأي ملكوت أذن تطلبون ؟ أم أفلا تخافون - إذا ما جاء ملكوت الله - أن يلحق المقامات الروحانية مع البطاركة والبابا بالعدم والزوال؟ أم ماذا يكون حال الملوك والعساكر العيسوية القديرة حينئذ؟ أفلا ترون إذا ما جاء ملكوت الله ، انه لا يختم ويقضي على كنائس المذاهب المختلفة التي يتجاوز عددها الخمسمائة ؟
    المسيح عليه السلام لخص صلاة اليهود الزبورية وكل صلواتهم الطويلة بهذا الدعاء (أبانا الذي ... الخ)(1) كما لخص شريعة موسى بوصيتين ، فالوصيتان اللتان هما عبارة عن (حب الله وحب الجار) تبينان لب الشريعة الموسوية وروحها . ومما هو حرى بالدقة أن المسيح عليه السلام لم يتعد حدود الشريعة المذكورة أبداً ، وقد اتصف الله تكراراً في كتب التوراة بلفظ (الله ، الآب) على أن كلمة (أب) هذه لا من حيث أن الله ابنا وحيداً كما تزعم الكنيسة ، بل لأنه موجد كافة الموجودات ومكون كل الكائنات(*) على أن معنى (أب) اللغوي الحقيقي هو إعطاء الثمر كما تقدم بيانه ، وان مادة (أب) المؤلفة من ألف مفتوحة وباء هي في جميع اللغات السامية بمعنى (الوالد) و (المثمر) وبالألف المكسورة بمعنى (الثمر) وفي العربية (اباب) بمعنى طراوة وخضرة ، وبهذا القصد والمعنى كانوا يخاطبون خالق الكائنات موجدها بكلمة (أب) وبالطبع لم يكن بأس في هذا التعبير ، ولكن لما أساءت الكنيسة استعماله في كتب العهد الجديد التي أوجدتها ، صار لا يجوز لأبناء ملكوت الله أن يخاطبوا الله اليوم بهذا الاسم .
    وان ملكوت السماوات لما رأى مخالفة الكنيسة واعتداءها على تعاليم المسيح في تعبيرها (باسم الآب والابن والروح القدس) أظهر خطأ الكنيسة بالآية القرآنية الجليلة {بسم الله الرحمن الرحيم} .
    فالمسيح عليه السلام يؤيد الأمر الأول لشريعة التوراة التي لخصها(1) في صلاته هذه (ليتقدس اسمك) يا إلهنا الذي في السماء ليتقدس اسمك لان لك الملكوت والقدرة والعزة إلى الأبد آمين (متى 6 :9-13) .
    وأما الوصية الثانية من شريعة موسى فهي (حب الجار) .
    سأل فريسي عارف بالشريعة من المسيح عليه السلام طلباً للشر(*) أي يريد أن يأخذ كلاماً من فم المسيح عليه السلام حتى يأخذه عليه حجة بقصد إيقاعه في فخ (أي وصية هي العظمى في الشريعة ؟) فقال له عيسى عليه السلام ، هي التي لله (لتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل روحك ومن كل فكرك ، هذه الوصية الأولى والعظمى الثانية مثلها (لتحـب جـارك كنفـسك ، بهاتين الوصيتـين تتعلـق الشـريعة كلها والأنبياء) (متى 22 : 34-40) .
    فبعد أن رأينا هذا التفسير من المسيح لشريعة موسى وتصديقه تعاليم جميع أنبياء بني إسرائيل بصراحة على الوجه المبين أعلاه ، أقوال للأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والنصارى المنسوبين إلى المذاهب المختلفة الأخرى التي يربوا عددها على الخمسمائة مذهباً : راجعوا أيها القوم ضميركم واحساساتكم التي هي محبة للحقائق ، وإذا اقتضى الأمر راجعوا روح قدسكم بكل دقة ، وتفكروا خدمة للحقيقة في هذه الآيات المذكورة .
    لمن أعطيت الشريعة ؟ طبعاً لليهود ، إلى أي ملة كانت تنتسب الأنبياء والى من أرسلوا؟ طبعاً إلى اليهود ، لان المسيحيين متفقون على الاعتقاد بان الله لم يرسل نبياً من غير اليهود . حسن جداً : من أي ملة كان السائل ؟ بالطبع كان يهودياً ، ماذا كان المسيح ؟ طبعاً هو كان يهودياً أيضاً ، من كان يمكن أن قد كان جارهما ؟ بالطبع لا يكون جار اليهودي إلا يهودياً أيضاً، والجار الذي لا يكون يهودياً يجب أن يكون أما أسيره أو ظالمه ، وعلى كلتا الحالتين فهو مكلف بان لا يحبه كنفسه .
    أذن فانظروا المسيح عليه السلام وان كان يبحث عن الصديق والعدو في موعظته المشهورة (متى 5 إلى نهاية الباب السابع) فانه كان دائماً يخص اليهود بكلامه هذا وقد بين أن اليهودي ليس مكلفاً يحب جاره اليهودي فحسب ، بل يقول يجب أن يحب عدوه اليهودي أيضاً، وليس هناك من إشارة قطعاً حول كون (الأمم) أصدقاءهم أم أعداء .
    فهاءنذا أقول لهؤلاء المسيحيين الذين يبلغ عددهم الملايين وهم ليسوا من الإسرائيليين : انظروا . ان مسيحكم لم يعرفكم قطعاً . ولم ينقل عنه انه قال عنكم حرفاً واحداً بل انه سمى غير الإسرائيليين كلاباً . فمن انتم ؟ ثم من هم أبناء الملكوت؟ أتعلمون ماذا انتم حسب شريعة موسى ؟ أن الذين لم يختتنوا إنما يعدون ملوثين (نجساً) حتى أن المسيح نفسه ختن في اليوم الثامن من ولادته ، وهو إلى يوم غيبوبته كان على مسلك اليهودية تماماً ، أذن فارجعوا إلى الإنصاف ولا تعودا تبحثون عن الإنجيل وعن عيسى والصليب .
    أليست هذه هي أناجيلكم الأربعة ، كونوا واثقين إنها بسبب تصوير المسيح يهودياً تاماً وملياً (ناسيوناليست) شديد التعصب لقوميته بدرجة مفرطة ، صارت قسوس البلغار يحملون الصلبان ويتلون آيات التمجيد والثناء للذين ارتكبوا أشنع الفظائع في أعدائهم في الحرب . أذن فهم ولا شك معذورون في هذه الشناعات ، هذه هي آثار الملية المفرطة ، فأنى للمسيح أن يؤسس كنيسة أو ملكوتاً وان اليهودي إذا لم يختن في لحم غرلته كان يحكم عليه بالإعدام؟ (تكوين 14:7 وخروج 24:4) فكيف كان للمسيح أن يأخذ النصارى القلف أي الذين لم يختتنوا إلى ملكوت الله ؟! وأمر الله في التوراة صريح بأنه واجب على اليهودي ختان ذريته حتى انه قد أوجب عليه أن يختن عبده والأجنبي الذي اشتراه بفضته أيضاً ، ولا يباح لأي ذكر غير مختون أن يسكن في بيت يهودي وليس ذلك من شعائر اليهودية فحسب ، بل مما أطلق الله عليه اسم العهد والميثاق .
    وإذا أمعنا النظر في عدم تجويز الشريعة دخول الاغلف (أي الذي لم يختن) معابد الموسويين ، فهل نرى من الممكن أن يدخل المسيح معابد الكنائس التي ألغت رسم الختان وأقامت مكانه المعمودية أو يجالسهم أو يساكنهم ؟!
    يقول المسيح (احب ألهك اكثر من نفسك ، واحب جارك كنفسك) ولكنه لا يقول: احب أن جنسك كنفسك . حسن جداً ، ماذا كان المحذور لو قال احب ابن دينك كنفسك ؟ لم يتمكن من أن يقول هذا أيضاً ، لان ابن دبن اليهودي يجب أن يكون يهودياً أيضاً .
    اتضح جلياً وبصورة مقعنة أن عيسى المسيح لم يكن ليفدي أحداً بحياته بل لم يكن يسمح بتقديم قلامة من أظفاره هدية للعالم فضلاً عن انه لم يتعهد للروس والإنجليز والاميركيين بالنجاة لانه لم يعرفهم ، ولا بإراقة قطرة من دمه في سبيل جعل الروم واليونان الأجانب ، والسوريين الساكنين في سورية - مسيحيين بواسطة المعمودية ، لإعطائهم الحياة الأبدية ، بل لم يكن ليعطي رطلاً من النجارة التي أمام منضدة (محل تجارته) لأجل ذلك .
    لا ريب في ان القسم الثاني من محتويات الدعاء المذكور المبهمة عبارة عن تأسيس اخوة صحيحة وتوطيد المعاملة الفدائية بين الإسرائيليين ، وتأمين مقتضيات الخلاص من شر أعدائهم وغوايتهم وهو : (خبزنا كفافنا اعطنا اليوم ، واغفر لنا خطاينا كما نغفر نحن أيضاً للمخطئين ألينا ، ونجنا من الشرير الذي يذهب بنا إلى الإغواء(1)) متى 6،10-13 .
    هل كان من حد الأمم غير الإسرائيليين أن يجترءوا على مثل هذه المطالب من حضرة (يهوه) الرب الذي يحسبونه أباهم(*) (فلو سألنا اليوم الإسرائيليين : من هم الأشرار وذووا الغولية الشيطانية الذين يغوونهم ؟ هل من شبهة في الجواب الذي يعطونه ؟ آه هم المسيحيون ، آه انهم المبشرون) .
    بقي اكبر ما يتعلق ببحثنا من الصلاة الإنجيلية وهو المادة التي في شان ملكوت الله (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك كما في السموات أيضاً على الأرض) .
    هنا يعد المسيح بان سيأتي ملكوت سماوي ، وبأن ستعطى الإرادة والكلام الخاص بالملكوت المذكور .
    عجباً ، ماذا يمكن أن يكون القصد من ملكوت الله هذا ؟ هل هو عبارة عن ان شرطتنا تتألف من الملائكة ، وعساكرنا من الكرويين ، وهيئة وزرائنا من السرافيين ؟! المسيحيون يعتقدون أن المسيح سيأتي ويحكم قبل يوم الجزاء على وجه الأرض ألف سنة ، أما نحن المسلمين فنتمنى ان لو جاء المسيح وأسس سلطتنه العظيمة على هذا النمط - وعلى الأخص بمناسبة إصلاحاتنا الداخلية هذه - ساعة اقدم ، (لان مجيء المسيح يخلصنا من مكايد أهل الكيد ودسائس الاغيار) .
    نعم نحن نتمنى ذلك لان مجيء المسيح الوحيدين هم المسلمون ! أما اليهود فقد رفضوه ، وأما المسيحيون فقد نسبوا المسيح التاريخي الحقيقي وأقاموا محله يسوعاً خيالياً متألهاً .
    إن المعنى المراد من كلمة (الملكوت) إنما هو على الوجه الذي ذكره المسيح تكراراً (بكلام الملكوت) أو (كلام الله) عبارة عن إرادة ورضاء صاحب الملكوت جل جلاله وفي الصلاة المذكورة أعلاه قد استعمل لفظ ثيليما اليونانية ورضا العبرانية ، ولا حث عن (أيودوكيا) بعد ، لماذا لا يبحث عن أيودوكيا (حمد) ؟ بالطبع أن للبشرية شيئين دائمين هم (الإسلام) وهو يقيم ديناً حقيقياً وملكوت الله على الأرض ، و (القرآن) وهو اقدس كتاب في العالم يحتوي على إرادة الله ورضائه في تحقيق وتسهيل إدارة ملكوت الله وبعد أن اكمل محمد صلى الله عليه وسلم الملكوت والكتاب القديم المحتوي على رضاء الله بصورة رسمية أرتحل إلى دار النعيم . وان دين الإسلام والقرآن الكريم سيبقى دائماً وثابتاً إلى يوم القيامة . وسيأتي في الفصل العاشر أن كل تفسير أو تأويل يباين هذا التفسير فهو باطل ولا معنى له ، فستراه مفصلاً تفصيلاً .































  8. #8
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب الخامس
    حضرة المسيح لم يحرز التوفيق(*)
    تحقق أن المسيح عليه السلام لم يقصر في وظيفته التي أمر بإيفائها ، ولكن الملا من علماء القوم وأشرافهم لم يقدروا عيسى عليه السلام حق قدره إذ كان يجوب قرى ارض كنعان بالفقر والفاقة ماشياً على قدميه ، يشفي المرضى ويدعو الخطاة إلى الصلاح . ولا شيء اصعب من تفهيم الكلام وبيان الحقيقة وتثبيت قواعد الإصلاح في قوم لم يكونوا على شيء من الثقافة ولا التربية الأولية ليكون لهم نصيب من الأفكار العامة على الأقل ، وإذا ما اظهر علماء الملة وكبارها المخالفة لفكرة التجديد ، فمن الطبيعي أن يقلدهم جهالها ضعفاء الفكر والشعور ، وان الذين أحرزوا المقامات العالية والمنافع الشخصية وهم الفريسيون المراءون المتعصبون الذين كانوا يحذرون استنارة العامة قد اسروا الحسد واظهروا العداوة والبغضاء لذلك الشاب مرشد الملة إلى الانتباه والى مخافة الله .
    لنقايس بين فقر المسيح عبد الله المجدد وزهده وبين الثروة والشرف والجاه الذي كان لرؤساء الكنيس الروحانيين الذين يدعون أن المعاني المخالفة لتفسير العلماء المتقدمين تضر بالأمة(**) فبقدر ذلك الفرق العظيم بينهما كان عمق جهل الأمة العاجزة عن إدراك ذلك .
    لابد لمن يريد أن يؤسس ديناً أو دولة من اتخاذ كل الوسائل المشروعة لذلك وتطبيقها على أكمل صورة لإدراك الظفر والفوز بمطلوبه ، وأما المسيح عليه السلام فقد توسل بفكره معنوية فقط هي عبارة عن إنجيل وبشارة بأمر عظيم ، على أن الفكرة والعقيدة بغير سلاح ولا قوة لا تؤثر في قوم قلوبهم كالحجارة أو اشد قسوة .
    قوم كانوا منقادين إلى رؤسائهم الروحانيين والجسمانيين المتغلبين فقط ، بل لا تؤثر ولا تنفذ العقيدة في ورقة وردة ! وبينما كان المسيح عليه السلام يجتهد في إصلاح أنفس القوم وتهذيب أخلاقهم من جهة ، كان من الجهة الآخر يحارب المتغلبين . فمن الطبيعي في المسيح الذي يستقيم على هذه الطريقة إلا ينال كل مقاصده إذ لابد من القوة لتقوية الفكرة ، وإن المجدد الذي لا يملك القوة لا يكون التوفيق رفيقه مهما يظهر على يديه من الخوارق والمعجزات .
    ولو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس شريعة أو دين ناسخ لدين موسى ، لتوسل بكل التدابير والوسائل الموصلة إلى تلك الغاية . أي لكان شرع بوضع أساس الدين بعد إكمال التشكيلات الجديدة على منهج يعين على المسلك وخط الحركة ، لأنه لابد لمن يريد إحداث انقلاب ديني من شدة التحفظ والاحتياط في البداية ومن السير التدريجي ، وما لم يمكن الحصول على عدد من علماء الدين المتقدم وعلى قسم من رؤساء الملة واكتساب النفوذ والقوة بدرجة كافية ، فان محاولة التجديد تبقى عقيمة ، ولا يتسنى لأي مجدد أو نبي أن يحصل على الانقلاب فجأة ، فان هناك قوة مدهشة ارتجاعية تهلكه في الحال ، وان الأمة لا تقبل قانون التكامل(*) والترقي عن تفهم تستوحش من المشروعات الفجائية وتخشى عواقبها فتعصي أمر مرشدها . وكذلك كل الأعمال الطبيعية والصناعية والفكرية لا تتكامل إلا بالتدرج , وان الله هو الذي وضع قانون التكامل هذا ويدبر الكائنات بموجبه ، وان الحكمة التي تمنع المجدد من إعلان الانقلاب فجأة عقب تلقي الوحي إنما هي حذره من عدم الحصول على المقصد المطلوب ، لا حذر الموت .
    وبناء على ما تقدم لو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس دين لسار فيه على منهج واضح وخطة منتظمة ، وكان الزمان والحال مساعدين وموافقين لمثل هذه الحركة إذ كان اليهود قد سئموا اختلاف الفرق الثلاثة ، وكانوا في انتظار ظهور المسيح ، ولكن المسيح عليه السلام لم يعمل هذا ، فلم يتخذ صديقاً حميماً من المجلس الملي (سنهدرين) ولا أحداً من كبار القوم فكيف أمكنه أن يحصل على انقلاب ديني بواسطة أثنى عشر رجلاً من الصيادين والعشارين ؟ ماذا كان يتمكن أن يصنع بشرذمة من الناس الأميين الجاهلين ما لم يحصل على مظاهرة من الخواص ؟ ولا يوجد في شيء من الأناجيل الأربعة نبأ صريح عما إذا كان للمسيح منهج معين أم لا . بل كلها تبحث عن قرب ملكوت الله , ولا نبين بالصراحة ما هذا الملكوت ، وهل يريد به تأسيس دين جديد أو دولة دنيوية مادية ؟ ولكنها تومئ لي أن غايتها ونتيجتها أن الملكوت المنتظر يوحد الدين والدولة معاً ، ويوجد بين الملل كتلة عظيمة تنقلب بها الأمم فتكون ملة واحدة ، ومن ذلك قوله (ما جئت من نفسي لكن هو أرسلني لماذا لا تفهمون) (كلام) ي ؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي (يوحنا 8 : 42و43) وأخص من هذا أنه في الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا يوصي المسيح عليه السلام في دعائه الأخير المهم بما يحيل الذين يناجون الله دائماً والمؤمنين بكلامه إلى إلا ألطاف الإلهية .
    ولكن مع الأسف لم تعلم حينئذ ما هذه (البشارة) (الأمل) (الكلام) الذي يريده ، يقول يوحنا 29:16 أن المسيح إلى آخر ليلة كان يكلم تلاميذه بالأمثال . ووعد أن ( ) المرسل من طرف الله والذي سيأتي بعده سيفسر ويبين كلامه وإنجيله الحقيقي ونحن لا نريد أن نبحث هنا عن تفسير لفظ (فار اقليط) اليوناني بل نقتصر على أن نفهم من الآيات الإنجيلية آلاتية (يوحنا 26:14 و7:16) و (لوقا 49:24) ما يأتي مما استنتج من تلك الآيات :
    1- أن المسيح لم يعط الحواريين إنجيلاً مرقوماً في كتاب .
    2- أن العقيدة والكلام الإنجيلي الذي علم به شفهياً لم يفهمه الحواريين ، بل بقي من قبيل المعميات والألغاز .
    3- لم يتسن للمسيح أن يفهم إنجيله وكلامه لتلاميذه في ثلاث أو أربع سنين لذلك اخبر وبشر بمجيء واحد آخر .
    4- لا يحتمل أن يكون الذي وعد المسيح بمجيئه بعده قد جاء في زمن الحواريين . لأنه لو كان قد جاء في زمنهم لكان ملكوت الله قد أتى ، ولما دامت الاستغاثة والدعاء إلى هذا اليوم (ليأت ملكوتك) ولما أمكن إطلاق ( كنيسة) عوضاً عن الاسم المبجل (ملكوت الله) ثم أن الأمر الذي ينقض هذه الفكرة ، قول المسيح للحواريين :(ها أنا معكم دائم الأوقات إلى انقضاء العالم) (متى 20:28) .
    ارتحل كل الحواريين إلى دار البقاء في العصر الأول من الميلاد فكيف كان يقدر أن يبقى على الأرض (إلى انقضاء الدنيا) ؟! ولكن كيف يمكن التأليف بين وعده هذا(*) وبين وعده بأنه سيأتي الباراقليط؟ يستبان من تينكم الروايتين أن اثنين من الرهبان الكرام أحدهما كتب في كتاب متى ، والثاني في موعظة يوحنا من غير أن يعلم أحدهما بما كتب الآخر ، أما الراهب متى الذي لا يعترف بالباراقليطوس فيعتقد أن المسيح سيبقى دائماً مع الرسل إلى الأبد ، وأما الراهب يوحنا القائل بالباراقليطوس فلا يرى لزوماً لبقاء المسيح على الأرض ، على انهما يحملان عين الفكرة والاعتقاد في مخيلتهما ، كأن المسيح سواء أكان بذاته أو بواسطة الروح القدس سيوجد مع الباباوات والبطارقة متحداً بهم على الدوام أن خليفة يوحنا(1) الذي لم يؤد الصلاة الربانية يحتمل أن يكون معذوراً في الخيال الذي تلقاه ولكن ماذا نقول عن خليفة متى ، البابا العظيم الذي نسي دعاء (أبانا) من حيث يجب أن يكون قد صلى به آلاف المرات كما هو مسطور في الباب السادس ؟!
    لا شبهة في أن المسيح عليه السلام أدى وظيفته على اكمل وجه ، بدعوة بني إسرائيل إلى تهذيب الأخلاق والتوبة والصراط المستقيم على منهج نجهل صفته ومع ذلك وبخ الفريسيين بشدة العلماء على الوجه الذي استحقوه (متى الباب 23) (مرقس 12: 38-40) (لوقا 20: 45-47) .
    ولكن لا قوم إسرائيل اصطلحوا ، ولا تلاميذه استطاعوا أن يفهموا (أسرار الملكوت) على الوجه الحقيقي ، وأنا لنصادف بين جميع مؤسسي الأديان نبياً واحداً لم تقدره حق قدره أمته الكنود المنكرة للجميل التي أرسل لإصلاحها ومن الجهة الأخرى فالنصارى الذين غلوا فيه واصعدوه إلى درجة الألوهية ، لم يعرفوه حق المعرفة ، ولكن الإسلام والقرآن الذي اخبر المسيح بظهوره قبل ستة عصور ونيف هو الذي قدره قدره وعرف حقيقته وقدس شأنه الحقيقي هذه المعاملات التي لقيها المسيح عليه السلام من الأديان الثلاثة .












  9. #9
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب السادس
    غــايـــة الإنجــــــيـل
    موضوع الإنجيل شيء وغايته شيء آخر ، وليس الموضوع إلا وسيلة يعمد إلى استعمالها لأجل الوصول إلى الغاية ، وبقدر أهمية الغاية يجب أن تكون الموضوعات واضحة ومرتبطة بالصدد ، وعلى تقدير العكس تبقى الغاية مبهمة غير مفهومة ، مثلاً يقدم لي أحد الأصدقاء بعض تآليفه ، فأقراه من أوله إلى آخره بكل شوق ، أراه يبحث عن أشياء كثيرة ، فإذن تلك (الأشياء الكثيرة) هي مواضيع الكتاب . وعندما أقرا المواضيع أفكر في شيء آخر ، أقول في نفسي حسن جداً ، فهمت علمت ، ولكن هناك شيء واحد لم افهمه ولم اعلمه ، وهو ماذا يريد أن يقول المؤلف الذي يبحث عن كل هذه المواضيع ؟ ومعنى ذلك أني أفتش عن الغاية ، فاهم شيء لأجل فهم الكتاب تماماً هو إدراك المواضيع وبعد ذلك تظهر الغاية نفسها ، ليس من السهل تعيين كتاب ليكون مثالاً جيداً ، يتوارد على خاطري كثير من المؤلفات التي طالعتها قبلاً في لغات مختلفة ، واتذكر منها أحد النماذج وهو كتاب الشيخ سعدي الشيرازي المسمى (كاستان) هذا الكتاب النفيس يبحث عن كثير من المواضيع المختلفة ، ولكن إذا سأل سائل ماذا كانت غاية المؤلف المعظم ؟ فلا ريب أن يأتي من خمسة مطالعين خمسة أجوبة ، ومن الصعب جداً كشف غاية سعدي ، ذلك لان مواضيع الكتاب المذكور ليست على نسق واحد فيصعب تعيين الغاية منها ، وكذلك تعيين غاية الإنجيل فإنه من قبيل هذه المشكلات .
    أن في الأناجيل الأربعة تيارين مختلفين ، الأول من قبيل الرجوع إلى الأصل ، وفيه يصور سيرة عيسى الحقيقي التاريخي ابن الإنسان وأعماله ، ويعرف تعاليمه الأصلية الصحيحة وسعيه وإقدامه في وظيفته التي كان مكلفاً أن يؤديها .
    أن الأناجيل الثلاثة لمتى ومرقس ولوقا في الطبيعة الأصلية منها التي هي عبارة عن الطابق (أو الدور) التحتاني قد صورت عيسى وتعاليمه على الوجه المذكور ، وهناك يذكر المؤلف - في أول طبع كتابه ونشره - حضرة المسيح بلقب (المعلم) و (الأستاذ) وبعضاً (بالسيد) و (الاغا) (مرقس 9 : 17 : 38 و14:12 : 19 : 32 الخ ومتى 17 : 15 : 18 21 ولوقا 39:9 الخ) .
    على ان أحد الأغنياء إذ كان يسأل عيسى عليه السلام مخاطباً إياه (أيها المعلم الصالح(1)) ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ أجابه لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله)(*) (مرقس 10 : 17 - 18) (لوقا 18:18) (متى 16:19) ان ذلك المعلم المطلق كان معلم شريعة ، يعلم الشريعة للاهلين ويفهمهم القواعد الدينية متنقلاً من قرية إلى أخرى ، يدخل سيناغوغ كل قرية وقصبة يفتح كتب العهد القديم ويقرأها ، ويفهم الأهلين معناها ، وينير أفكارهم ، يعمل الخير في كل مكان ، يفعل كل ذلك مجاناً لوجه الله وهو راض ومقتنع بالعنوان البسيط المجرد (المعلم) لا يقرهم على أن يقولوا له (كريم) أو (صالح) إذ لا كريم ولا صالح إلا الله ، فها نحن أولاء نصادف في أول طبع الكتاب ونشره عيسى المعلم عيسى الأستاذ (الخوجه).
    ولكن في الطبعة الثانية والثالثة وما بعدهما على التوالي نجد أن المعلم قد صار رباً وإلهاً والخوجه عيسى قد صار نازلاً من السماء إلى الأرض ، راكباً على السحاب ، محاط بالملائكة قاضي يوم المحشر ، وحاكمه ، جامعاً كل بني جنسه إلى محكمة العالم الكبرى وكل ذلك صار وتم في ظرف سنة واحدة(1) .
    فالمأمور بالتبشير بكلام ملكوت الله هو عيسى الأول عليه السلام ، كأن ملك الملكوت وصاحبه ، ليس لله ، وكأن الكلام ليس لله والملكوت ، بل كل ذلك لعيسى الثاني ، ومن العبث أن يبحث عن الإنجيل الرابع حتى الآن ، فليس هناك بحث عن ولادة المسيح وطفولته ، بل انه يومئ إلى أن (كلمة الله) و (ابن الله) تجسد وصار أنسانا .
    فهلموا بنا نبحث الآن لنجد الغاية المقصودة بالذات من تلك الكتب المحرفة إلى هذه الدرجة ولنبرهن عليها ، وإن كان من الصعوبة بمكان فإنما مثل الأناجيل الأربعة وغايتها كمثل الماس يلمع بين الرمال ، والحقيقة كاللآليء مشعشعة مرصعة بكل حسنها وجمالها بين تلك السطور والصحائف ، فلا آيات المرذولين الموضوعة ولا مداد المحرفين يستطيعان إخفاء تلك الأشعة الساطعة الحقيقية وتلويثها ، وكما ان معاول المنقبين تمكنت من فتح ثغرة في هرم مصر الكبير فكشفت عن موميات الفراعنة المطمورة في رحمه ، ونقضت حفرت أسس نينوا وبابل وتسنى لها إخراج مكتبات آثوريا القديمة إلى الميدان ، فكذلك قلم هذا الكاتب الصغير أيضاً سيتمكن من كشف الغاية الحقيقية للإنجيل الشريف ووضعها أمام أنظار خيرة كل العالم بعون الله تعالى .

    - 21 -
    (غاية الإنجيل الشريف عبارة عن ملكوت الله)
    إن مقصودي من هذا العنوان (الإنجيل الشريف) ليس عبارة عن كتاب أو جملة كتب مرقومة ، بل هو عبارة عن الآيات والوحي الذي نزل من عند الله تعالى على حضرة المسيح عليه السلام ، الذي بلغه النبي المشار إليه شفاها إلى تلاميذه وأصحابه في شأن (ملكوت الله وكلام الملكوت) ومن المحقق انه لم تكتب آية واحدة من الآيات والإلهامات الربانية النازلة على المسيح عليه السلام في بحر السنة أو السنتين سواء أكان فيما يخص ملكوت الله وكلامه أو فيما خاطب به بني إسرائيل ، وإنما بلغها المسيح بصورة المشافهة وتنوقلت عنه كذلك بالشفاه .
    فالمسيح عليه السلام بلغ الإنجيل لتلاميذه وسامعيه ، والحواريون بلغوه مضمون ذلك الإنجيل ومعانيه إلى أخلافهم ، ولكننا لا نراهم قد كتبوا شيئاً من ذلك ، على أنه لم يكن من ضرورة للكتابة ، لان الملكوت قد اقترب ، وكان من المحتمل أن يتأسس الملكوت والتلاميذ في قيد الحياة ، وحينئذ تظهر أسرار الملكوت بكل نورها ماثلة ساطعة ، فالآن أصبح من البديهي أن أكثر من ثمانين في المئة من أقوال المسيح عليه السلام المروي إلقاؤها وسماعها من فمه المبارك في الأناجيل الثلاثة عائدً إلى ملكوت الله ، مثال ذلك ، إننا إذا طالعنا باختصار كتاب مرقس المتقدم تاريخاً على غيره ، نرى أن المقصود والغاية من جميع التعاليم والكلمات المعزوة إلى المسيح عليه السلام في أبوابه الستة عشر التي يشتمل عليها الكتاب المذكور هو (ملكوت الله) ولنذكر من الخمسة والأربعين آية التي يشتمل عليها الباب الأول من مرقس ما يعود إلى المسيح نفسه على الوجه الآتي :
    الآية 15 - يعظ بإنجيل الملكوت قائلاً قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (بالبشارة) .
    الآية 25- قوله للروح النجس (اسكت واخرج منه) .
    الآية 38 - قوله للتلاميذ (لنذهب إلى القرى المجاورة لأعظ هناك أيضاً لأني لهذا خرجت) .
    الآية 42 - قوله للأجذم (أريد فاطهر) .
    الآية 44 - قوله له أيضاً ( أحذر أن تقول لأحد شيئاً لكن اذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم) .
    فالروح في هذه الآيات الخمس العائدة للمسيح الصادرة من فمه من الخمسة وأربعين آية والمقصود بها عبارة عن (ملكوت الله) وعن تعليم وجوب الطهارة القلبية والبدنية . أي ان الإيمان والتوبة من الشروط التي لابد منها للذين يرجون أن يكونوا أهلاً لدخول الملكوت .
    ومما يلفت النظر أن المسيح عليه السلام يقول للأجذم الذي أبرأه (اذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم) وان قانون الجذام مفصل في أول الباب الربع عشر من السفر الثالث من التوراة المسمى (سفر اللاويين) من الآية الأولى إلى 32 فاجدر بالمسيح الذي في مخيلة الكنيسة أن يأمر الأجذم الذي طهره بدلاً من العمل بشريعة موسى الثقيلة ذات النفقات والإخلال بالكرامة أن يذهب إلى بطرس ويعقوب ، بل إلى وكيل خرجه (يهوذا الأسخريوطي(1)) ولكن عيسى المسيح عليه السلام أمر بتنفيذ جميع مواد قانون الجذام المذكور على التفصيل في البابين الثالث عشر والرابع عشر الطويلين من سفر اللاويين ولم ير حاجة إلى إضافة سطر واحد إلى كتب العهد القديم ، وهو يقرر بوضوح وصراحة ان شريعة موسى باقية وواجبة التنفيذ حرفياً إلى حين تأسيس ملكوت الله .
    وإذا فرضنا أن المسيح شبهه الجذام بالذنب والخطيئة فلماذا يرسل الخاطئ - الذي طهره من خطيئة بإذن الله - إلى الكاهن ؟ ولماذا يقول (ليكون شهادة لهم) فالمسيح عليه السلام يريد بذلك أن الشريعة التي أنت عليها كلها جسمانية مادية ، وأن شريعة الملكوت التي هي عبارة عن القرآن المجيد ستلتزم وتعني بتعليم الأخلاق الحسنة - الطهارة القلبية ، إخلاص القلب والواجدان والإيمان الخالص - اكثر مما تعني بتعليم الأحكام البدنية . فان مطالعة كل كتاب مرقس من هذه الوجهة تؤدي إلى الخروج عن الصدد ، ولكن لنحلل الباب المذكور ليكون دليلاً مرشداً للقارئ المحترم فان ثلاث عشرة آية من الباب الثاني من الكتاب المذكور الذي هو عبارة عن ثماني عشرة آية عائدة إلى المسيح عليه السلام .
    الآية 5 - قوله للمقعد (ابني قد غُفرت لك خطاياك) .
    الآية 9 - 11 (لماذا تفكرون هكذا في داخلكم ؟ أيما أيسر : أن يقال للمقعد غفرت لك خطاياك ، أم أن يقال احمل فراشك وسر ؟ ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمقعد : لك أقول قم واحمل فراشك واذهب)(1) .
    وكانت نظرية اليهود (من يقدر على أن يغفر الخطايا إلا الله وحده) وهي نظرية صحيحة جداً . ولكن إذا ورد عن الخاطئ نظرية (من يقدر على إبراء المقعد إلا الله وحده) فمن يقدر على رفع الفالج وإزالته من الجسد - وقد عجز علم الطب عن شفائه - يقدر أيضاً على ان يداوي المريض بداء الخطيئة وأن يغفر الذنب ويمحوه من روح المقعد في الحال ، ويمكن فعل كليهما بإذن الله وقدرته فقط . فالحقيقة التي كان يريد المسيح عليه السلام تعليمهم وتفهيمهم هي أن المأمور بالتبشير باقتراب ظهور ملكوت الله كما انه يملك صلاحية وقدرة على شفاء المرضى وأصحاب العاهات فانه بالطبع مأذون بان يغفر ذنوب الخطاة أيضاً . ولكن على أن القدرة على عمل كليهما قد وهبت من الله تعالى . وفي اليونانية ( ) بمعنى قدرة، حرية ، صلاحية ، وكذلك مثلها في السريانية (مارا ماريا) بمعنى (ابن آدم أي إنسان كان ابن الإنسان) ولكن المترجمين يتلاعبون ويراوغون في الترجمة ، فان كانت هذه الكلمة تعود إلى المسيح جعلوا معناها ابن الإنسان وإن كانت إلى غيره جعلوا معناها إنسان ، ابن آدم ، بشر. وكذلك كلمة (مار ) فان كان المقصود بها المسيح جعلوا معناها (الرب الإله) وان كان غيره جعلوا معناها (سيد) فيا أسفا على المترجمين بتلك التعبيرات المختلفة !
    وإذ كان يمر من الطريق رأى الجاني فقال له .
    الآية 14 - (تعال ورائي) بمعنى اتبعني .
    الآية 17 - (ليس الأصحاء محتاجين إلى طبيب بل ذوو الملل ، لم آت لادعوا أبراراً بل خطاة ( إلى التوبة) .
    تصدى الفريسيون والكهنة لتخطئة المسيح إذ رأوه يأكل مع الجباة والخطاة ، وكان الجواب الذي سمعوه منه (انه قد جاء لأجل تهيئة الخطاة المحتاجين للتوبة وإعدادهم إلى ملكوت الله ، لا لأجل الذين يعرفون أنفسهم أنهم أبرار) .
    لم تكن الكهنة عالمة بعظيم ذنبها ومسئوليتها عند الله بسبب تركها الجباة والخاطئين على ما هم عليه . أولئك الكهنة المشترون للخمور الآكلون للأرز على موائد الخطاة من الأغنياء كانوا قد تركوا الفقراء قائلين إنهم خطاة ، أما ذنب الجابي الذي جعله ممقوتاً في نظر الكاهن فهو اضطراره إلى جمع النقود وإيصالها إلى حكومة رومية . وأما الملكوت الذي قد بشر به وانه سيتأسس فانه يجعل الخطاة دائماً مجرمين ومسئولين في نظر الشريعة وان كلاً منهم يناله العقاب القانوني الذي يستحقه سواء كان غنياً أو فقيراً ، سوقة كان أو ملكاً .
    ولكي يبين أنموذجاً لكيفية العدل والإنصاف في مؤسسة الملكوت الذي يبشر به قال عليه السلام لشاب يمتدح بالبر والتقوى (اذهب بعّ كل مالك وأعطه الفقراء وتعال اتبعني) (مرقس 21:10) فأمر كهذا لا يرتضيه كاهن يهودي ولا راهب مسيحي ، لأنهم يرون الأنسب أن لا يوزع الغني صدقاته بيده بل يبذلها للفقراء على أيدي الرؤساء الروحانيين .
    ثم تأتى إلى الآيات 19-22 هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم ؟ مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا ، ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام ، ليس أحد بخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق ، وإلا فذلك الملء الجديد يأخذ من العتيق فيصير الخرق أردأ ، وليس أحد يضع خمراً جديدة في زقاق عتيقة وإلا فتشق الخمر الجديدة الزقاق ، والخمر تنصب والزقاق تتلف ، بل يقتضي أن توضع خمر جديدة في زقاق جديد .
    كيف يمكن أن تشرح وتفسر هذه الآيات المشكلة التي حيرت كل مفسري المسيحيين وأغلقت أبواب فهمها عنهم وأعمت استعدادهم الفكري ؟ الكنيسة تعتقد أن المقصود بالعريس هو المسيح ، ومهما كانت العقدة ومهما كان المعنى فليس لنا وقت للاشتغال بتفاسير الكنيسة.
    يبين المسيح عليه السلام في هذه الآيات المغلقة عين الحقيقة في ثلاثة أمثال ، كما أن الصيام ممنوع في أيام العيد ، كذلك يكون في أيام سرور العرس أضحوكة .
    وإذ كان المسيح عليه السلام هو المرسل المبشر بملكوت الله ، فبالطبع يجب أن تنقضي أيام البشارة بالمسرة والفرح لا بالصيام ، وكان يجب على رؤساء الشريعة أن يتقبلوه عليه السلام بالرضا والسرور وحسن القبول بكونه سفيراً ممتازاً ومبشراً باقتراب ملكوت الله المخبر عنه سابقاً من قبل أنبياء الله ، ولكنهم كانوا يتهمون تلاميذه بعدم الصيام ، وكانت شريعة موسى قد أمرت بصوم ثلاثة أيام في السنة وكثرت بعد ذلك أيام الصيام ، وهنا لا ينسخ المسيح الصيام، بل يبين ما يؤيده ويؤكده ، يريد أن يقول لعلماء اليهود (صوموا وصلوا و أكثروا صلواتكم وصيامكم بقدر ما تشاءون ، ونفذوا أحكام الشريعة الحرفية الضيقة بقدر ما تشتهون ، ولكن صلواتكم وصيامكم لا تنفعكم ولا تغني عنكم شيئاً ما دمتم لا تؤمنون بي وبالذي أرسلني ، إنما انتم ثوب بال وزقاق قديمة ، قلوبكم قد ران عليها الصدأ والظلمة ، وأدمغتكم قد تبلدت بأبخرة الخمور ، أنا أقول لكم انه قد اقترب ملكوت الله الذي مات آباؤكم وأجدادكم في أمله وانتظاره ، فآمنوا وافرحوا ، وطهروا قلوبكم بالتوبة ، واعدوا أدمغتكم القديمة لفكرة لتجدد ولإصلاح ، ولعلكم لا تكونون في قيد الحياة عند ما يتأسس ملكوت الله ، فعلى كل حال تجدون النجاة وتنالون الحياة الأبدية لأنكم آمنتم برسالتي وبشارتي ، ولا يتم الأمر بذلك ، هو ليس بتوبتكم فقط ، بل أنا أقول لكم : لا يبطل حرف ولا حركة من الشريعة حتى تزول الأرض والسماء لان صاحب الشريعة هو الله تعالى ، ولن تغير يد إنسان اصغر حكم من الشريعة المذكورة إلا بإذنه .
    بيد أن الله سيؤسس ملكوتاً واسعاً أبدياً ، وهذا الملك الإلهي لا يتأسس لليهود خاصة ، بل هو لجميع البشر عامة ، بناء عليه ستنسخ بعض الأحكام المتعلقة بطائفة بني إسرائيل ، فافهموا هذه النقطة واستعدوا لها ، لا تخافوا مني ، لا تكونوا حمقى وأغبياء ، لست بمعتد على شريعتكم ، ولا جئت لتأسيس دين أو ملكوت ، إنما أنا بشر ، وبعد إكمال التبليغ على ما أمرت به أغيب عنكم واذهب راجعاً إلى الله ربي .
    إن الأمثال التي في الآيات المذكورة تحتوي على معان بعيدة الغور لم يتمكن من الغوص عليها وإدراكها حتى اكبر الأعزة من معلمي الكنيسة ، وهنا يضرب المسيح عليه السلام الأمثال بأحب الأشياء وأشهاها إلى علماء الدهر ، بالكسوة والخمر ، بالخمر الجديدة ، وقطع الجوخ الجديدة ، بالزقاق القديمة والملابس الخلقة ، جديد ، عتيق، متين وبال . الجديد سيحيا والبالي محكوم عليه بالفناء والزوال وبكتابة هذه التشبيهات يريد المسيح عليه السلام أن يقول جئتكم ببشارة جديدة ، ولكن مع الأسف لا أتمكن ان أسعفكم بما تشتهون ، كروشكم وبطونكم قد انتفخت بالشراب والمسكر ، ومعدكم أفسدتها البطنة ، أجسادكم كجلد الخنزير كزقاق الشراب ، وروائحكم الكريهة كبراميل الخمر الملقاة في فناء الحانات تنفر العالم ، أما شراب الملكوت فشراب جديد ، ليس من عصارة العنب ، ولكنه علم الشريعة الأحمدية الغراء ، الذي يسكر أبناء الملكوت بالعشق الإلهي ، لأن طالبي الحقيقة الظامئين للنهل منها ليس الشراب بالذي يرضيهم ويسكرهم ، بل ماء الحياة المتفجر من آيات القرآن الجليلة ، وأما الذين لهم أبدان تشابه كوؤس الشراب فلا يتسنى لهم أن يظهروا بالفكر السالم وحسن العبودية الضروريين لعبادة الله والسجود له .
    فيأيها العلماء والفريسيون الدنيويون ، السكارى المراءون ، ويا محي الجلوس في صدور محافل الضيافات والأعراس ، أنتم أيها المراءون مرتدو الجبب الواسعة والملابس السابغة ، لا تنفعكم كسوتكم العلمية ، لان الله يريد منك كسوة الصدق والصلاح ، ثياب الأخلاق الحميدة ، عمائم نور الإيمان ، أردية الأدب والحشمة . لأنه يأمر بكسوة الحياء والعفة ، بقلانس الجهاد والشرف ، بحزام العمل والوعظ ، بحذاء العدل والشفقة، بكيس القناعة والاقتصاد ، بجبب الحلال والكد ، بمنديل الطهارة والنظافة ، والتختم بخاتم الأمانة والثقة ، وهاأنتم هؤلاء تلبسون مثل هذه الكسوة المقدسة ، تسترون أجسامكم ورؤوسكم بشفوف الرياء ، فالصوم مهما يكن من عمل الخير والصلاح ، وشبيها بالخز والديباج ، فانه لا يمكن أن يرقع كسوتكم البالية المحرقة ، بل يتم تمزيقها فيجعلكم عراة مكشوفي العورة مشهرين ، يجب عليكم أن تتداركوا لكم ملابس جديدة وإلا بقيتم على شر حالكم إلى أن تصلوا إلى جهنم وتصلوا جحيمها .
    الآيات 25-28 فحواها (أن يوم السبت إنما جعل لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل يوم السبت ، إذن فابن الإنسان هو رب السبت أيضاً) .
    هذا القياس مخالف للمنطق تماماً ، فلو قال (مادام يوم السبت قد جعل لأجل الإنسان إذن فصاحب يوم السبت هو الإنسان) لكان الكلام منطقياً . أنى يكون لابن الإنسان شيء لم يملكه أبوه ؟ ولكن يأتي يوم فيه يكون ابن الإنسان (أبا ابن الإنسان) كأبيه أيضاً ، وحينئذ تنتقل مالكية يوم السبت إلى ابن الإنسان الثاني وهلم جرا .
    يفهم من سوء تأويل مثل هذه العبارات السريانية أن هذه الكتب الأربعة قد استقت معلوماتها من المنابع الآرامية ( بارنشا) إنسان ، ابن آدم الذي جمعه بنو آدم يطلق على كل إنسان.
    واليوم يستعمل الأثوريون هذه العبارة وليس لها علاقة خاصة بالمسيح قطعاً فإذا قرأتم أي كتاب من هذه الثلاثة المعنونة باسم الإنجيل ترون أن الآيات المروي صدورها من فم المسيح المبارك تخبر بان المسيح عليه السلام لم يسع لتأسيس كنيسة أو دين ، وكان يكتفي بتفسير كل أقسام الشريعة ويشرح ما تشتمل عليه من المعاني الحقيقية . وإنما غاية أمله الوحيد إعداد كل شيء لمجيء ملكوت الله الذي أرسل هو بصورة خاصة لأجل التبليغ والبشارة به ، وان سعيه واجتهاده كان لأجل أن تقبله اليهود وتعتنقه .
    - 22 -
    (كلام الملكوت) بمعنى إرادة الله
    ( )
    ( )
    (لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض أيضاً (متى 10:6)
    كان قوم بني إسرائيل (ملكوت) الرب (يهوه) وكانت التوراة (كلامه) وكما أن اليهودية دين سماوي ، فالتوراة هي الكتاب المقدس لذلك الدين . دين بلا كتاب كدولة بلا قانون ، لاشك أنها محكوم عليها بالسقوط والاضمحلال ، وكلما كانت أسس الدين موافقة للعقل والعدل ، يكون بقاء ذلك الدين ودوامه وطيداً محفوظاً ، وان ديناً يستحيل تطبيق فرائضه وتعميم أحكامه على كل نوع البشر ، لا يكون إلا وقتياً وموضعياً .
    بما ان اليهودية دين لشعب خاص فلا يتسنى للأقوام الأخرى أن تستفيض وتستفيد منه ، لان ما تستفيد الأقوام الأخرى ليس (الكتب الخمسة ) بل ما تشتمل عليه من الفرائض والأحكام ، وكانت بعض الأقوام الأخرى راقية إلى درجة ما ، ولكن دينهم أيضاً كان محدوداً وابتدائياً لذلك أمر الله عيسى عليه السلام أن يبلغ ويبشر بملكوت الله الذي سيتأسس في آخر الزمان ، ويجمع كل بني آدم إلى الدين العام والمسيح عليه السلام لم يكن ذا علاقة بتأسيس ملكوت الله ، ولكنه بالطبع كان ذا صلاحية ببيان بعض المعلومات عن أوصافه وخصائصه .
    وبعد أن أعطينا هذا المقدار من المعلومات الابتدائية عن (ملكوت الله) نبحث الآن عن معنى (كلام الملكوت) بعبارة مختصرة .
    ستجري إرادة الله ومشيئته على الأرض في الملكوت الآتي كما هي جارية ونافذة في السموات ، بين المسيح عليه السلام في هذا الدعاء الذي علمه لتلاميذه موضوعين مهمين هما (ملكوت الله ومشيئته) ولاشك في أن (ملكوت الله) شيء ، و(مشيئته الله) شيء آخر ، (كلام الملكوت) بمعنى قانون الدولة وفي موضعه و (كلام الدين) هو كتاب الدين ، أي انه كتاب مبين يكون مداراً لإدارة الأمور الدينية ، وكما أن ملكوت الله سيكون خلفاً للموسوية ، فان كلام الملكوت أيضاً سيخلف التوراة . فالمسيح الذي التزم حفظ الشريعة الموسوية من غير أن يمس حرفاً أو نقطة منها إلى أن يتأسس ملكوت الله ، لابد انه قصد أن يبين في قوله انه يقول : سيأتي يوم تنسخ فيه الشريعة المذكورة ، ويفهم منه انه سيأتي كتاب جديد باسم كلام الله (الكلام القديم) .
    والكلام المذكور سيجري وينفذ كما في السماء كذلك على الأرض ، ولا يخفى أن الملكوت سيتشكل من بني آدم لأنه يرجو أن تجري إرادة الله المرشدة والمدبرة له على الأرض، ومع حرصي على أن لا أتعب قرائي ، أراني مضطراً على كل حال لتدقيق لفظ الإرادة والمشيئة .
    كلمة (ثيليما إرادة) لا يذكرونها والمطلوبة في الصلاة التي يسمونها (الدعاء الرباني) إنهم يستعملون كلمة (إرادة) بمعنى (أمر فرمان ، مرسوم) ولكن المسيح لم يبحث عن كلمة فرمان وأمثالها ، بل هو يتكلم عن إرضاء الله ومشيئته ، والآن انظروا هل من مناسبة بين (أيودوكيا) حسن الرضا) الذي فسروا به أنشودة الملائكة وبشارتهم وبين هذه (الإرادة ثيليما) أم لا ؟
    فإذا كان كل من عيسى عليه السلام وجمهور الملائكة قد أرادوا بها معنى (رضا) فلماذا ترجموها في محل (أيودوكيا ) وفي محل آخر ( ثيليما) وعلى كل حال فتسبيح الملائكة والدعاء الرباني كلاهما في شأن الإسلام والملكوت ، وكذلك يجب أن يتفقا أيضاً حول كلمتي (احمد والكلام) ولما بحثنا في كلمة (أيودوكيا) كنا أوضحنا أن كلمتي ( حمد و راضون) تفيدان معنى (احمد ومحمد) وكذلك معنى (رضا وإرادة) وها نحن أولاء تمكنا من كشف الحقيقة التي نتطلبها من بقايا الإلهامات الإنجيلية .
    ليتفكر قرائي الكرام جيداً أني موافيهم بالتأويلات العديدة للكلمات (حمد ، احمد ، محمد) المكتوبة بالعبرانية ، ليس بمعنى الألفاظ بالعربية فقط ، بل بلفظها وبعين حروفها ، لذلك أرجو أن يمعنوا النظر لئلا يحصل سوء فهم .
    لا علاقة لكلمة (راضون إرادة) التي في الصلاة المسيحية بأحمد ومحمد لأنها تبحث عن اسم معنوي عن رضا وإرادة ، لا عن ذات أو شخص .
    لم يتسن لتلاميذ المسيح أن يفهموا منه ما هو ملكوت الله ، وما هي إرادة الله(*) فالحقيقة الباهرة التي لم يتمكن الحواريون من فهمها - على ما تقول الكتب الإنجيلية - كيف يفهمها الذين أتوا بعدهم ؟ إذاً فلسبب جهلهم حينئذ لم يفهموا ما هو الملكوت ولا ما هي إرادة الله .
    لندع البابا جانباً والبطاركة الذين يدعون القدرة على كشف حقيقة عجز عن إدراكها الحواريون وعلى إظهار كل حقيقة . ولكن ليت شعري كيف يؤول البروتستانت هذا في مواعظهم وقيلهم وقالهم في أيام الأحد ؟ وهل هم يوضحون المراد من هذا الملكوت وما هي هذه الإرادة ؟
    الملة العيسوية مؤلفة من خمسمائة مذهب ونيف وكل منها يدعي أن الجماعة التي ينتسب إليها هي ملكوت الله ، وان إرادة الله نافذة في تلك الجماعة وحدها ، وان الأربعمائة والتسعة والتسعين الباقية كلها في الضلالة ، حتى انه ليؤكد بالأقسام والإيمان المغلظة أن مدعاه صحيح.

    - 23 -
    (صفات ملكوت الله وخواصه)
    تدرج هاهنا صفات ملكوت الله الخاصة أخذاً من التشبيهات والأمثال التي ضربها المسيح عليه السلام .
    أ - من صفات ملكوت الله الجميلة انه عبارة عن التأليف بين كل أنواع البشر من غير تفريق بين جنس وعرق وأمة ووطن ، وتوحيدهم بإخاء معنوي وروابط قوية دينية(*) وتشكيل ملة بين الملل منهم ، وسوقهم إلى توحيد الاحساسات الدينية والمنافع المشتركة الحقيقية بقصد الاتحاد المادي .
    يشبه الدنيا بالمزرعة ، وكلام الملكوت يزرع في قلوب الناس كما تزرع الحنطة في المزرعة ، والله صاحب المزرعة يرسل ملائكته يوم القيامة المشبه بيوم الحصاد لجمع أبناء الملكوت وبنقلهم إلى السموات (متى 3 : 15-24 مرقس 4،1-20 لوقا 8،1-15) .
    ب- ملكوت الله ينشأ آنا فآنا ، وينمو سنة فسنة ، ويكبر عصراً فعصر ويتقوى على الدوام وبدون انقطاع (مرقس 4، 26-29) .
    وإذا ما قتل قسم من أبناء الملكوت شهداء من قبل الأشرار الظلمة أعداء الدين كما مثلهم بحبات الحنطة الساقطة على طرف الطريق فالتقطها الطير ، أو انمحى على مرور الأيام بعض تعيسي الحظ منهم ، فلم يستطيعوا العيش بين الكفار ذوي القلوب القاسية كالحجارة ، أو إذا اختنقوا بين الغادرين شاربي الدماء ، كما في مثل الشوك، فإن أبناء ملكوت الله الذين في الأرض الجيدة والأماكن الخصبة والممالك الموافقة تنمو و تتكاثر بصورة محيرة للعقول ، فيأتي واحدهم بثلاثين أو بستين ضعفاً أو بمائة ضعف من الثمر بحسب سيرة الناس والأرض ، ومن العجيب أن معدل تكاثر أقسام ملكوت الله التي تنمو وتتكاثر ليلاً ونهاراً في القوة والمتانة ، وفي الفضيلة والمكانة ، يكون الواحد ثلاثة وثمانين وثلثاً .
    ج- أفراد أبناء الملكوت من جنس واحد ، وعلى نسق واحد ، يشابه أحدهم الآخر في كل وقت وفي كل مكان وفي كل الأحوال ، فالإيمان والغاية والعادات والتقاليد واحدة والخلاصة أن جمعيهم حنطة وكلهم كالسمك المحبوب الذي في الشبكة وان الذين يحصلون عل الدرجة الكاملة في شان إعطاء الثمر بإيمانهم وفضيلتهم وأعمالهم يشكلون الأكثرية في كل زمان ومكان . هم حبات الحنطة التي تعطي من الحاصل مائة ضعف(*) وأما الآخرون أيضاً فلا يخلون من إعطاء الثمر على تلك النسبة للواحد ستون ضعفاً أو ثلاثون ضعفاً على الأقل ، كلهم أحياء وأقوياء ومثمرون ، وهناك بين أبناء الملكوت أولاد إبليس عدو الله ليسوا بالحنطة ، بل هم الزوان (متى 13 :24-30) .
    أولاد الشيطان ليسوا من أبناء الملكوت بل أولئك هم الحشرات النتنه النجسة على سواء في شبكة السمك (متى 13،47-50و23و10) .
    د- نهى الله عن قتل الكفار والمشركين المشبهين بالزوان وجيوف الحشرات وعن استئصالهم من ملكوته بتة ، وهؤلاء سيعيشون على الأرض مع المؤمنين إلى موسم الحصاد يوم القيامة ، والله يهبهم الشمس والهواء والمطر كما يهبها لأبناء الملكوت ، لكنهم لا يؤمنون أبداً ، ولا يكونون حنطة ولا سمكاً ، بل يبقون مكروهين أنجاساً إلى يوم القيامة (متى 27:13 - 30و123 و45:5 الخ).
    تجب الدقة في صفة ملكوت الله هذه وهي (لما أرادت الملائكة قطع الزوان من بين الحنطة وقلمه وإلقائه لم يأذن الله بذلك) .
    لنتحرّ أي دين ومذهب يأمر بذلك ؟ يجب علينا أن نحبذه وان نبجله ونقدسه أليس كذلك ؟
    هـ- ينمو الملكوت ويتكاثر جداً بين بعض الأقوام في مدة قليلة بحيث لا يبقى هناك كافر ولا مشرك ، كالخردل والخمير ، يؤثر كلام الملكوت في قلوب الناس ويؤدي بهم إلى الإيمان (متى 13 ، 3-33 ومرقس 4،31-32) .
    و- أبناء ملكوت الله هم ملح الأرض ، وبقدر ما تحتاج الطعام إلى الملح فكذلك كل العالم وجميع أقوام كرة الأرض يفتقرون إلى أبناء ملكوت الله (متى 5 ، 13 مرقس 50:9 لوقا 14،34-35) .
    والممالك الخالية من أبناء ملكوت الله ممقوته مذمومة لا ملح في آداب معاشرتهم ولا طعم لأخلاقهم الملية ، وهي في حاجة إلى أبناء ملكوت الله ، ليصلحوا حالها ، يهذبوا أطوارها الرذيلة ، لان في أفوامهم الأقوال الحميدة ، والكلام الطيب ذا الملح.
    ز- كل حركات أبناء الملكوت وأطوارهم كالنور ساطعة متألقة ، وكل من يراهم يفهم عاجلاً من كلامهم وأطوارهم وأخلاقهم من هم والى أي دين ينتسبون وبأي كتاب هم يهتدون .
    ليجتمع خمسمائة رجل من الأديان والمذاهب المختلفة في مكان واحد ، ولا يبحثوا عن دين أو مذهب أو أخلاق ، بل يقصروا بحثهم على الفن والتجارة والمسائل الدنيوية المعاشية فانك لا تلبث نصف ساعة إلا وترى ابن الملكوت علناً بينهم بصنعة محسوسة .
    ذلك لأنهم نور العالم (متى 5،14) لان أبناء الملكوت كبلدة جميلة على جبل وكسراج منير يضيء بيتاً ، يعلن ولا يختفي ، يعرف ولا يبقى مجهولاً ، يظل مكشوفاً لا يستر ! لان النور الإلهي نور الإيمان الذي فيهم يلقي بالأشعة إلى الأطراف فينير كل شخص ويفيده . (5،14-16) .
    ح- أبناء ملكوت الله لا يكنزون لهم كنوزاً في الأرض حيث يفسدها السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ، بل يكنزون لهم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ ، وحيث لا ينقب السارقون ويسرقون ، يعلمون انهم لا يدومون على الأرض فلا يبتغون من الدنيا غير الطيبات المشروعة ، وكل رجائهم في الآخرة وعلى ربهم يتوكلون ، مال الدنيا لا يهمهم، وأحب شيء لديهم هو الدين وكتاب الله ، وهم مستعدون كل وقت للجهاد بأموالهم وأنفسهم ، وكل غال ونفيس لديهم في سبيل الله ، فالذين يأكلون اليوم الربا ويملكون البنوك والثروة والشركات الكبيرة هم الأقوام الذين لا ينتسبون إلى ملكوت الله ، ولكن عند اقتراب يوم الضرورة يرثون جواهر الكفار وخزائن المشركين التي تجمعت بالكذب (الغش) والربا المحرم لدفع حاجتهم فقط وليتمتعوا بكل ما هو حلال مشروع من طيبات الدنيا ، فإنهم لا يفكرون في جمع الثروة والمال لذاته ، لان مال الدنيا في الدنيا يبقى . إن ملكوت الله هو مثال ملكوت السموات ، لا يفكرون في جمع الخزائن ليكونوا أغنياء في الدنيا لأنهم عما قليل يتركون الدنيا ولذاتها وخزائنها (متى 6 : 19-21) .
    الأغنياء غير الشاكرين الذين يتوكلون على مال الدنيا هم خارج ملكوت الله (متى 19 : 22-24) .
    ط- أبناء الملكوت لا يعطون القدس للكلاب ، ولا يطرحون دررها أمام الخنازير . (متى 6:7) .
    بدون أماكنهم المقدسة في وجوه الكفار والمشركين ولا يترجمون آيات الكلام القديم الجليلة إلى مئات من اللغات متهالكين في بيعها وإهدائها إلى كل من يصادفونه(*)
    ( )
    ( )
    ( )
    (لا تعطوا المقدس للكلاب ، ولا تطرحوا لآلئكم قدام الخنازير) متى 6:7 .
    ما هو الشيء المقدس وما هي اللآلئ ، التي يملكها أبناء الملكوت ؟ آية متى هذه هي الوحيدة عديمة المثل في كل التوراة والإنجيل ، ولو ادعى مدع أن مقصود المسيح عليه السلام من هذا الكلام ومخاطبه هي الكنيسة ، لكان إذن يحق لنا أن نوجه إليهم سؤالاً قائلين :
    ما هي الأشياء المقدسة توهميون(1) للكنيسة ومن هم الذين يشبهم بالكلاب والخنازير ؟ قدس أو مقدس وبالسرياناية ( قودشا) ؟ يجب أن يكون شيئاً مقدساً ما هو مصون لدى أبناء الملكوت ؟ الرحم مقدس للوالدة الولود !. فانظروا أي عنوان ذي شأن يوجه إلى بنات ملكوت الله ونسائه ! فرحم بنت الملكوت التي ستكون أما مقدس طاهر مبارك(2) بنت الملكوت هي الشيء المقدس للملكوت لان رحمها طاهر وبتول بمثابة الأرض الخصبة التي فيها يزكو الزرع .
    فانظروا إلى حكم المسيح عليه السلام التي في أعلاه هذه الأسرار العجيبة الباعثة للحيرة
    بنت الملكوت لا تقدر أن تفتح حضن محبتها أو تتكرم برحمها على الكلاب ، وعلى الزوان والحشرات المنتنة ، لا تتمكن من الاقتران بهم أو الائتلاف معهم ، ما اكره من سر ! تأمل: أي بنت من أي دين أو مذهب لا يمكنك الاقتران بها ؟ حسبك أن تكون ذا حسن أو ذا دراهم ، فيمكنك أن تأخذ بنت البرنس الكاثوليكي ، أو بنت المليونير اليهودي ، أو كريمة رئيس أساقفة البروتستانت ، وأما بنت الملكوت فلا شك بأنها لو خطبها الغزال للزواج لردت طلبه ولو كانت متسولة .
    المراد من اللآلئ حسب فكري العاجز عبارة عن كتاب الله والأماكن المقدسة والذين يخربونها ويلوثونها عبر عنهم باسم (الخنزير) الممقوت ، فالخنزير معروف بالنجاسة وعدم الوفاء لكن الكلب صادق ووفي وذكي ومعين ، غير أن له عيباً واحداً وهو الميل الشهواني للإناث ، فلهذا يقول المسيح عليه السلام (لا تعطوا أشياءكم المقدسة للكلاب) يريد من أبناء ملكوت الله وبناته أن يتركوا الكلاب خارج بيوتهم ، وان يبتعدوا عن الزيوان والحشرات التي تظهر فيها الكلاب .
    صفات ملكوت الله الجميلة كثيرة جداً . ولكنا نكتفي الآن بهذا المقدار منها ليكون أنموذجاً.
    - 24 -
    كلام الملكوت هو كتاب الله وقانونه الأساسي
    كلام الملكوت هو القانون الأساسي للدولة الإلهية أي الشريعة ، ونظراً لاعتبار أن ملكوت الله دين فالكلام أيضاً كتاب ذلك الدين ودستور عمله ، وكل حركة خارجة عن أوامر الكتاب ونواهيه تحدث ضرراً بالملكوت ، وكل حركة على وفق أوامر الكتاب هي في مصلحة الملكوت ووسيلة لرقيه ، والمسيح عليه السلام كان يعظ بكلام ملكوت الله ويبشر باقتراب تأسيسه .
    بحثنا مختصراً عن بعض المعلومات التي أنبأ بها روح الله عليه السلام مما يعود إلى ملكوت الله ، ولننظر الآن ما خبر هذا السفير السماوي الجليل عن كلام الملكوت ؟
    أ - لا شك في إن صاحب ملكوت الله هو الله تعالى .
    انظروا إلى روح الله عليه السلام الذي أتى بنبوة ملكوت الله المقرر تأسيسه على الأرض كيف يعرف الله ؟ (أجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع بإسرائيل الرب ألهاً رب واحد) (مرقس 29:12) .
    لا شبهة في إن المسيح عليه السلام ذكر الآية بنصها الحرفي وهي الآية الرابعة من الباب السادس من كتاب التثنية خامس أسفار التوراة ، ولنذكر الآية التوراتية باللغة الأصلية العبرانية على الوجه أدناه .
    ( )
    (اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)
    هكذا ترجم البروتستانت الآية المذكورة ولكني لا اقدر أن افهم المقصود والحكمة في ترجمتهم ( أحد) في مرقس واحد ، وهنا وحيد(*) وإنما يجب قراءة هذه الكتب القديمة باللغة الأصلية ، فبالترجمة تذهب معاني الآيات وتفقد فصاحتها وبلاغتها الأصليين . وهي :
    (اسمع يا إسرائيل ألهنا يهوه ، يهوه واحد) لان يهوه ليس بمعنى رب قطعاً والفرنسيون فسروا هذا الاسم المقدس بلفظ (Eternel أزلي) وبما أن الأمم أي الأقوام الآخر يسمون أصنامهم ومعبودهم ألها ، كان الموسويون يضيفون إلى اسم الله الذي يعبدونه (يهوه) وهكذا كانوا يخاطبونه ، وبما أنهم لا يتجاسرون على التلفظ بهذا الاسم الجليل الذي يعتقدون بعظم قدسيته ، كانوا يقرؤونه باسم ( أدوني) أي رب إذن فالمسيح عليه السلام يذكر يهوه لأجل التفريق بين (إله) وبين (الله)(**) ولا أظن أن كلمه (يهوه) إلا عين ما يقصده الطوقيون من (هو) أو (ياهو) وإذا ما أمعنا النظر نجد أن عيسى عليه السلام الذي يؤيد كلمة التوحيد مكرراً ، لا يعبر عن (الله الملكوت) وإنما يعبر عن (يهوه) اله إسرائيل فقط ، فالوصايا العشر التي لخصها المسيح وحصرها في أمرين فقط أي بوجوب حب الله وحب الجوار ليس لها علاقة ولا شمول لغير الملل اليهودية . لان (يهوه) كان (الله إسرائيل) فقط لذلك كان كل يهودي مكلفاً بحب الله (يهوه) أكثر من روحه والمسيح عليه السلام كان يصدق ويحفظ جميع أحكام الشريعة نقطة فنقطة بصفته يهودياً تاماً ، وعلاوة على ذلك بين لهم ملكوت الله أيضاً .
    عندما ترك المسيح عليه السلام مملكة اليهود وتوجه إلى البقعة الشمالية المسماة (الجليل) أجل الوعظ والتبشير بكلام الملكوت اضطر إلى أن يجتاز أرض السامرية فجاء إلى البلدة المسماة (سوخار) تعباً عطشان وجلس عند بئر يعقوب وجاءت في تلك الساعة امرأة سامرية لتستقي ماء فقال لها المسيح عليه السلام (اعطني ماء لأشرب) قالت المرأة السامرية: كيف تطلب مني ماء وأنت يهودي وأنا امرأة سامريه ؟ لان اليهود لا يعاملون السامريين ) وعلى هذه الصورة جرى بين المسيح عليه السلام وبين المرأة مكالمة دينية مهمة جداً . رويت في الفصل الرابع من كتاب (يوحنا) فالمرأة التي أدركت أنه نبي خاطبت تلك الحضرة قائلة (آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون : في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه) .
    كلام المرأة هذا صحيح جداً أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب عليهم السلام لم يسجدوا في أورشليم بل كانوا يسجدون في ديار (شكيم) تكوين 33 : 18 - 20 و28 : 22 وعندما رجع يعقوب من فدان (بدان) آرام جاء إلى (سالم)(1) بلدة (شكيم) ونصب خيمته أمام البلدة .. وبنى هناك مذبحاً ودعاه (أيل ألوه إسرائيل) .
    وأما بلدة أورشليم فقد فتحها داود ثم بنى ولده سليمان عليهما السلام فيها هيكله (المسجد الأقصى) ومن ثم بوشر بالسجود هناك .
    وأما المسيح عليه السلام فقال لها (يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب .. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا(*) لان الأب أيضاً يطلب له مثل هؤلاء الساجدين) (يوحنا 4 : 21-24) .
    إذن فهو لا يقول (اسمع يا إسرائيل يهوه إلهنا يهوه واحد) فهنا ليس المقصود (إلهنا) الذي لا يقوله إلا اليهود ، بل هو (آب واله جميع الأمم) وبناء على أن الله منزه عن المكان والزمان فان يكون محل السجود له لا جبل شكيم ولا معبد أورشليم . وبما أن الله مبرأ عن المثال والشبيه فسيسجد له الساجدون بالروح والحقيقة . فالرب يهوه تصوره التوراة في شكل إنسان فبالطبع كانوا قد تلقوه كأنه له مكان ومحل إقامة في أورشليم ، ويأتي على شكل إنسان ماشياً على قدميه وقت العصر عند آدم وحواء في جنة عدن ، وارى ظهره موسى ، وظهر في زمن دانيال بشكل شيخ هرم جداً ذي لحية بيضاء . أما الله ذو الملكوت فمنزه عن هذه الأمثال والأشباه والأشكال ، هو روح ليس بجسم ولا هيولي بل وجود مطلق وواجب الوجود . أحد ليس مركباً من أجزاء ولا عناصر ولا منقسماً إلى كثير . وبما انه خالق لا يكون مخلوقاً . وانه وان كان أبا أي موجداً لا مولوداً ولا موجداً(*) وكما انه لا شيء من الموجودات التي خلقها يسمى (الله) فكذلك المولود (الابن الوحيد) المعزو إليه لا يدعى (الله) . وأما الكنيسة فبتجويزها الإصلاح إطلاق (والد) محل (آب) تكون قد أقرت واعترفت بالكثرة في الألوهية . ويما أنها مضطرة إلى ا لتسليم بان ذلك كفر فهي تتشبث بإثبات الباطل باعتقاد وادعاء وجود وبقدر ما كان السوفسطائية(1) الذين يتصدون ويقومون للبرهنة على (أن الجهل عقل) يشهرون أنفسهم السخرية عند حكمائنا فكذلك (المتكلم) أي المنتسب إلى علم الكلام الذي يسميه المسيحيون (علم اللاهوت) الذي يدعي أن الله والد يعرض هيكله بالجهل على ساحة المضحكات في مجلس العارفين . ومهما كان الفرق بين التكوين والتوليد وبين المخلوق والولد فكذلك الفرق بين الخالق والوالد . إن التكوين فعل قديم وعمل أول . والتوليد فعل جديد وعمل ثان ، فالتكوين بمعنى فعل الواحد ، أما التوليد فعبارة عن اشتراك عمل فاعلين اثنين . وبناء على ذلك فالله تعالى أولاً يوجد من العدم ويكوّن وبخلق ، ثم الموجدات الكائنة تتوالد فيما بينها أي أنها تثمر وتتناتج .
    والأسباب التي ساقت العيسوية إلى فيافي الضلالة وأوقعتهم في قمر هذه الظلمات هي سوء تأويل لتعبيرين أو ثلاثة لكلمتين أو ثلاث كلمات سامية نقلت إلى اللغة اليونانية : كلمة أطلقت وهي محصول فكر حكيم عبراني (بهويست)(1) وعلى اثر نقلها إلى موضع التدقيق في فلسفة الأفلاطونيين تلك الفلسفة الداهية حدثت بها أشكال وأفكار وعقائد جديدة .
    في اللغات السامية مادة ( يلد) بفتح فاء الفعل وعينه وهي (ولد) العربية بفتح فاء الفعل وكسر العين بمعنى (التوليد والولادة أو الخلق والإيجاد) والفعل المذكور ورد استعماله مجازاً في الكتب العبرانية بمعنى الخلق والإيجاد . ولكن كيف تحول إلى اليونانية ؟
    ( كنو) بالكاف الفارسية وتشديد النون ، ويشتق من ( ) بمعنى (أنا احصل خلقاً ، أنا أولد) .

    باليونانية
    القراءة
    المعنى أي الترجمة

    كنوس
    جنس ، اصل ، تولد ، ذرية genus

    كنسيس
    تكوين ، الولد genesis

    كنطور
    مكون ، والد ، أب genitor

    كنبطوس
    ولد ، وليد ، مولود genitus

    ومن المعلوم انه لما وضع الفيلسوف ارسطو مقولاته وضع بمقابل ذلك مفسر الفيلسوف فورفور الكليات الخمس وكانت عبارة عن : الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة ، ولابد لكل الموجودات القابلة التصور والتي صنفها أرسطو في المقولات العشر ، على كل حال أن تكون واحدة من هذه الكليات الخمس(1) التي صنفها فورفور. مثلاً إذا سالت (من هذا الرجل ؟) فالأجوبة التي تعطي نحو (هذا الرجل رسام ماهر ، أو جاء من إزمير ، أو هو يصلي) كلها مغايرة للمنطق . لان السؤال عائد إلى الرجل ، وبما أن الرجل عائد إلى مقولة (الجوهر ) فالفكر يصعد حالاً إلى الجوهر. والجوهر إما وجود مطلق أو مقيد (ذو روح ، حيوان ، إنسان ، حسن) فيما أن هذا المسمى حسن هو أحد الأفراد المنسوبة إلى جنس الحيوان والى نوع الإنسان فلو كان التعريف بصورة (هو ابن عمي حسن أفندي) فيكون الجواب موافقاً المنطق ، أما الجواب الأول فكان عن الكيفية ، والثاني عن المكان والثالث عن العمل .
    وليس المقصود بكتابة هذه الأسطر التشدق بالبحث عن كمالات أو نقائص كانيفوريا أرسطو طاليس ، ولكني أريد تشهير التأثير السيئ الذي أحدثته الفلسفة اليونانية على الكنيسة.
    أسال قسيسا عيسويا (من المسيح ؟ ) يجبني قائلاً (ابن الله الوحيد) (يوحنا 3 : 16 : 18 و 1 : 18) .
    فانظروا الآن (موذكينيس) بمعنى (مساوي الجنس ، مساوي العرق ، من عين العرق، من عين الجنس والنسل) .
    إن الذي دس في فكر الكنيسة فكرة (الأبوة والبنوة) الإلهية السقيمة هو الخصي الكوسج المصري خادم الرهبان المسمى (أوريفين)(1) وهذا عندما شرح هذه الآيات المذكورة عرفه قائلاً:
    ( حقيقة انه من عين جنس الآب (الله) .
    أي باعتبار أن مريم أمه فهو من عين جنس الإنسان (أو مساو لجنس الإنسان) وباعتبار أن الله أبوه ، فهو من عين جنسه (مساو لجنس الله) (حاشا) وهذه عبارة (هرموسيون) أي (واحدي الجوهر أو من عين الجوهر) هي التي أصر عليها تثليثيو نيقية وأثبتوها في دفتر اعتقادات العيسوية .
    وإذا كانت هذه الفلسفة اليونانية هي التي أفسدت كلام المسيح عليه السلام في شأن التوحيد الخالص المحض ، فأننا إذا صححنا الغلط الواقع على أصول الفلسفة المذكورة ، فان شرف نجاحنا يعود إلى حضرة وأستاذنا المقدس أرسطو .
    في رأس المقولات العشر (كاتيفوريا) أو أولها الجوهر (أوسيا) ولنفرض أن عيسى هو آخر ما تحتويه المقولات من الصفوف فعنوان (أوسيا) يحوي تحته كل الموجودات الروحانية والجسمانية التي ترد على العقل والفكر والخيال ، لان كل موصوف إليه من التسع الأخرى (الكلنيفوريا) لها صنوف خاصة أيضاً(*) .
    الجوهر (أوسيا ) أما قائم بذاته وإما قائم بغيره ، أي انه إما وجود مطلق ، وإما وجود مقيد ، فالوجود المطلق القائم بذاته هو الله تعالى وهو منزه عن الزمان والمكان ، لان حياته لسيت مقيدة بالزمان ، وعرشه ليس مقيداً أو محدوداً بالمكان . إذن فالمقولات الأخرى ليس لها تعلق قطعاً بالله تعالى لا صنفاً ولا جنساً لأنها محدودة ومتحيزة ، وأما الله تعالى فليس متناهياً ولا محدوداً ولا متحيزاً ، والوجود القائم بغيره إما روحاني أو جسماني ، والوجود الجسماني إما ذو حياة أو جماد ، وذو الحياة روح أو نبات ، وذو الروح إما ناطق .
    أولاً - فان كان ناطقاً فهو من جنس الحيوان ونوع البشر ، وهذا يشير إلى موضوعنا عيسى المسيح .
    فالفرد من نوع البشر لا يمكن في أصول الفلسفة أن يكون متجانساً مع الوجود المطلق ؟ ثم لا يكون الإنسان الذي هو من الجوهر المحدود مساوياً لغير المحدود ، ثم أن لك في الفلسفة المذكورة أن تفكر : هل لله جنس وهو الوجود المطلق ؟ هل يريدون تشبيهه بالأجناس الأخرى؟ كلا انه لا نسبة بين الله تعالى والمقولات العشر غير النسبة التي بين الخلق والمخلوق وهي التباين في الذات والصفات ، فلا المحدود يكون مجانساً لغير المحدود ولا الجوهر المطلق يكون متحداً بجوهر مطلق آخر ، فذات الله تعالى لا يكون مساوياً لموجود آخر فيطلق عليه اسمه ، لان المساواة من خواص الحدود والقياس وأما غير المحدود فلا يمكن أن يكون له مساو ، بناء عليه فان عبارة (مونو غينيس) واعتبار المسيح مساوياً لله تعالى مستحيل واعتداء على العقل والفلسفة(*) .
    كان نيقوديموس رجلاً من الفريسيين وأحد أعضاء مجلس صانهيدرين ، أتى ليلة لزيارة عيسى عليه السلام ، وكان عيسى عليه السلام يتكلم في شأن ملكوت الله ولا شك أن المحاورة كانت باللسان العبراني أو الآرامي ، ونص المحاورة باللغة الأصلية مفقود .
    وإنجيل يوحنا كتاب كتب باللغة اليونانية وأصيب بالتحريفات العديدة في العصر الثاني أو الثالث فلا يجوز التعويل عليه ، على انه لا يوجد فيه عبارة صريحة مما اسنده مؤلفه إلى فم المسيح تدل دلالة قطعية على أن المسيح هو الله ، فان المسيح عليه السلام كان يريد في هذه المحاورة العميقة - التي تركت نيقودبموس متعجباً مبهوتاً - أن يقول (لأجل الدخول في اليهودية تكفي الولادة من الماء ، أي من (المني) ولكن لأجل دخول الملكوت لابد من ولادة جديدة من الماء والروح والتولد الجديد هو التكون الجديد والخلق الجديد ، وهذا يجب أن يولد من فوق أي من الله تعالى(*) ولما لم يفهم الشيخ الفريسي هذا كرر روح الله كلامه قائلاً ما حصله : أنا لا أقول لك بالدخول في رحم أمك والتولد ثانية ولا فائدة في ذلك ، لا ابحث عن التولد الطبيعي ، فان كنت لا تفهم هذا وأنت من (سن سينود) لليهود فماذا يكون حال الآخرين ؟ أتيت للإعلان والتبشير بان ملكوت الله سيأتي ويتأسس وأنا روح الله ، خلق الله روحي وأرسلني بنبوة خاصة ، وبما أني إنسان وأنا في عين هذا الوقت (مونوغيتيس) أي أني المخلوق الوحيد الآن لملكوت الله (لأنه لم يتأسس بعد) فأنا أول أبناء الملكوت وولده الوحيد ، ولكن سيأتي إنسان آخر (ابن آدم ، بارناشا) مثلي ويؤسس الملكوت ، وذلك الإنسان لا يزال في السموات ، روحه عند الله ، لأنه لم يصعد أحد إلى السماء الآن ابن الإنسان النازل من السماء وهو (الآن) في السماء (يوحنا 13:3) .
    أقول ألم يتضح أن عيسى هذا ابن آدم الذي أغرق الفريسي الهرم في الحيرة شيء ، وابن آدم الذي لا يزال في السماء وسينزل أخيراً شيء آخر ؟
    فهذا كلام قاله المسيح عليه السلام حينئذ بفمه في ارض فلسطين بلغة أمه ، وبعد مائتين أو ثلاثمائة سنة ظهرت في الوجود ترجم يونانية عن الكلام الذي فقد متنه ، والفلاسفة يتفلسفون فيه ويخرجون من العدم معاني أخرى يصورونه بها وها هو ذا سيدنا عيسى عليه السلام يبين ويعلن في جميع مواعظه ومحاوراته بكمال الإخلاص والصدق ان كلام ملكوت الله هو كلام التوحيد ، ومن البديهي أن عيسى الذي لم يرض أن يخاطب بعنوان (الكريم ، الصالح) لا يقبل أن يكون مساوياً لله أو متحد الجوهر (أي الذات) مع الله(*) .
    ب- يبين كلام ملكوت الله علناً ان أبناء الملكوت لا يجدون أي كلفة أو صعوبة في التوبة والاستغفار والصلاة والسجود لأجل التقرب إلى الله ، وقد بلغنا سيدنا عيسى عليه السلام أن لا حاجة إلى توسط أي شخص ثالث بين الله وعبده وان ذلك ممنوع البتة . لا حاجة إلى الشفعاء والكهنة والقسيسين والمعلمين عنده . وان الشفيع المطلق لأبناء الملكوت هو التوحيد لا التثليث .
    أولئك يتمكنون من ملاقاة ربهم رأساً وبلا واسطة في الزمان والمكان اللذين يريدونهما ، بالقلب وبواسطة الدعاء ، يلاقون ربهم معنوياً ويوالونه . لا ضرورة تضطرهم أن يذهبوا إلى أورشليم ، فيقدموا للكاهن ثيراناً وخرافاً وشراباً وزيتاً ونقوداً. لا حاجة تدعوهم في استغفار ربهم إلى التوسل إليه بعبادة تماثيل المكرمين و الأصنام أو إلى الاستغاثة أمام القبور والتضرع أمام الهياكل بالذلة والمسكنة ، أو إلى إيقاد الشموع ، وتقديم الهدايا والنذور للموتى ، لم يبق من حاجة إلى تقديم الهدايا والحملان والحمام إلى الكاهن كما تتطهر نساء الملكوت اللائي تنجسن بدم الحيض أو النفاس ، إذا وقع أبناء الملكوت أو بناته في خطيئة فلا يحتاجون إلى الذهاب إلى القسيس أو الراهب أو المعلم أو إلى أي مخلوق ليعترفوا له ، لان صاحب الملكوت يغمر عبيده باللطف والإحسان بسبب أعمالهم الصالحة وسعيهم ومزاياهم الذاتية ، لا لأجل خاطر هذا وذاك كلام الله وشريعته المقدسة يجعل كل واحد من عباده محترماً مكرماً ويعين حقوقه ووظائفه . يمنع الاعتداء والبغي ، شريعة الله تسوقهم إلى الله رأساً وتريهم طريق الهداية ، كتاب الله قد بين الفرائض والمحرمات بصراحة فيما يخص إرشاد العباد.
    يقول (اذهب يا عبد الله اذهب واعرض كل رغباتك وحاجاتك وخسراتك ومشكلاتك ووجهها إلى من أنت عبده ، ارجع عن فلان وفلان واقبل على خالقك وحده بخلوص النية والإيمان واطلب منه كل ما تتمناه . ان إلهك يطلب منك إيماناً وعملاً صالحاً فقط ، ولا يطلب منك شيئاً آخر . إن الذين يحبون فخفخة المراسيم الدينية ومظاهرها الخلابة هم عباد الظواهر كما كان يفهم القدماء وليس الله عز وجل ليس لله فم يأكل ، ولا معدة تهضم لحوم الحملان ، أو مشويات الطير ، أو مقليات أفخاذ الثيران ، أو الخمور البيضاء والسوداء ، أو الخبز المدهون والمعسول لا تنخدع ، فان الكهنة أو المجوس هم الذين يأكلونها ويشربونها باسمه . ليس لملك الملكوت أن يأكلها ولا يصل إليه منها شيء(*) ان مالك الملكوت منزه ليس له كالبشر حاسة شامة تستلذ الروائح العطرية والأزهار الربيعية ، أو تستكره الروائح الكريهة حتى تتقرب أنت إليه بها .
    هيا اذهب إليه بمجرد نفسك وقلبك وإيمانك وتوحيدك ، فانه لا يريد منك مثل هذه الأشياء التي تهديها باسمه إلى من يستغفر لك . إن إلهك ليس في المعبد الفلاني أو المكان الفلاني أو العيد الفلاني أو اليوم الفلاني . فانه قريب في كل مكان وكل زمان ، فاذكره وادعه بلسانك أو بقلبك فهو يسمعك ويقبل عريضتك لأنه روح وأنت تخاطبه بروحك ونفسك وفكرك . اسجد له بالدقة والاحترام من غير جلبة ولا لغط(*) متذكراً انك في حضرة ربك ، فإن ربك لا يحب التظاهر بالدف وآلات الطرب والأبهة والأجواق أثناء العبادة والصلاة . وان ينفر من الأيقونات ومن صور الملائكة الحسان ومن تغني النساء وعزفهن على البيانو والأرغن ، وكل الذين يقيمون هذه المواسم هم عباد الظواهر وإنما يفعلونها للإغواء ولتحريك شعور الطرب والعواطف النفسانية ، وانتم أيها المؤمنون ، عبيد الله المحبوبون ، كبروا الله واشدوا بعظمة الله وكبريائه وعزته وجلاله بالأدب والهدوء والاحترام ، ولكن بالروح والقلب ، لا باللهو واللعب ، (وأما أنت فمتى صليت (دعوت) فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء ، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علناً) (متى 6:6) وهنا لا يقصد المسيح عليه السلام أن ستلغى صلاة الجماعة ولكنه يقصد ان ابن الملكوت المتشبع بروح الدعاء وعشقه يدعو ربه في خلوته وحيداً منفرداً في الخفاء .
    إن مسألة الشفاعة تشغل موقعاً مهماً جداً في جميع الأديان ، فان مؤسسي الأديان يشفعون عند الله للأمم التي تنتسب إليهم . وهذا أمر طبيعي نرى فيه التوراة تكراراً ان الله رفع غضبه عن بني إسرائيل بسبب شفاعة موسى عليه السلام . (عدد 1:11 - 3و12: 14 الخ) وكتب يوحنا ان المسيح أيضاً في أيامه الأخيرة ناجي الله وشفع في تلاميذه (يوحنا 17) .
    وقد كانت هذه المسألة أول الأسباب التي انتهت بي إلى عصيان الكنيسة : تأمرني الكنيسة أي المسيحية أن أومن بالأمور الآتية في الشفاعة :
    1- ان الله لا يخلص أحداً من جهنم (من الهلاك الأبدي) بدون شفيع .
    2- ان نوع البشر مفتقر بصورة قطعية ومطلقة إلى شفيع .
    3- يجب أن يكون الشفيع المطلق ألهاً تاماً وإنساناً تاماً .
    يقولون ان هذا الشفيع الإله التام والإنسان التام هو المسيح ، إذ لا يمكن إبقاء مهمة الشفاعة بوجود الإله التام وحده ، لان التقرب من الشفيع الإله التام مستحيل كما أن التقرب من الله الذي لا يخلص أحداً من جهنم بغير شفيع خارج الإمكان ، والشفيع الذي هو إنسان تام فقط إنما يتقرب منه بنو جنسه فقط ، ولكنه لا يتقرب من الله بحسب إنسانيته ، وهذا هو الشفيع المطلق الذي في مخيلة الكنيسة .
    4- الرسول بولص يصور مهمة هذا الشفيع الحمل(1) المتشكل نصفه من التراب(2) ونصفه الآخر من الوجود المطلق على الوجه الآتي :
    (الذي مات وعلى الأخص قام أيضاً والذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا هو المسيح) (إلى الرومانيين 34:8)
    (وأما هذا (عيسى) فانه باق إلى الأبد له كهنوت لا يحول ، ومن اجل ذلك هو قادر أيضاً على أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حي في كل حين لأجل الشفاعة فيهم) (إلى العبرانيين 7 : 24-25)
    لأنه يوجد (إله) واحد ، ويوجد وسيط واحد بين الله والناس : الإنسان عيسى المسيح (رسالته الأولى إلى تيموثاوس 5:2)
    5- الوظيفة المحملة على عاتق الشفيع المذكور هي عبارة عن أن يكون جالساً على يمين عرش الجبروت منذ تسعة عشراً عصراً يعرض بيديه ورجليه المثقوبات بالمسامير ، وجنبه المجروح بالحربة لا إلى نفسه ، بل إلى الله الآخر - كلما أجريت مراسم (قربان القديس) من قبل الرهبان الكرام في آلاف من الكنائس والأديرة وكأنما يدا رجل كان يسمى يسوع ورجلاه وجنبه لم تتفسخ منذ زهاء عشرين قرناً أو كأنما جسد بشري عبارة عن لحم ودم وعظم تماماً يزين عرش اللاهوت بعرض هيكله لأجل خاطر الكاثوليك والأرثوذكس والنصارى المتجددين قليلاً ، المدعوين بروتستانت .
    6- كانت الكنيسة تأمرني بوسيلة شفعاء آخرين لا يحصون عدداً ، وكانت تفرض علي ابتغاء الوسيلة إلى ميكائيل وجبرائيل الملائكة الآخرين والحواريين والأعزة والمعترفين(1) والكنيسة على أن رئيستهم مريم ، ولو ترون كتاب الزبور كيف حولوه باسم مريم ، وان مريم لم تبق من النساء بل انقلبت (وينوسه) أي إلاهة وقد محيت أسماء الله (يهوه) وقدير من كتب المزامير(1) التي يخاطب بها الله تعالى واثبت بمكانها اسم مريم . واذكر هنا إحدى آيات الزبور التي في حفظي لأجل المثال:
    (Laudat pueriDeo احمدوا الله يا أولاد) فالكاثوليك لأجل إظهار عبوديتهم لمريم طورا من الزبور هذا وأضافوا إليه بعض الآيات تعمداً بقصد تحويلها إلى عبادة مريم :
    ( Laudat pueri Matia احمدوا مريم يا أولاد) وهذه الكنيسة كلما صلى فيها مرة واحدة بالصلاة الربانية (أبانا) يصلي فيها بالصلاة المريمية عشرين مرة .
    7- وكانت الكنيسة تأمرني ان اعتقد أن الرهبان المأمورين بإجراء الأسرار السبعة هم أيضاً شفعاء مطلقون ، وان لا خلاص ولا نجاة أبداً بدون الراهب ، ويحتمون بان شفاعة الكهنة والرهبان شرط قطعي متعين طبيعة جلوسهم على يمين المسيح .
    وكانت الكنيسة نقول لي (ما لم يعمدك قسيسك ، وما لم يضع لقمة من قربان القديس في فمك ، وما لم يدلكك عندما تموت بدهن الزيتون ، فان شئت كن كريماً ومقرباً للفقراء كإبراهيم ، وصبوراً ثابتاً كأيوب ، وحليماً سليماً كموسى ، وعالماً حكيماً كسليمان ، وزاهداً كريماً كالمسيح ، ومستقيماً متيناً كمحمد ، كل ذلك عبث وهباء) أي مهام يكن إيمانك سالماً وأعمالك مقبولة عند الله ، وإيمانك وصلاحك مسلمً بهما عند الناس ، فكل مزاياك وفضائلك لابد من بقائها بدون ثمرة ما لم تدخل إصبع القسيس في الوسط .
    وكانت مسألة الشفاعة هذه هي التي حيرتني ، وأورثتني الريب في صحة المسيحية ، وساقتني إلى البحث الدقيق وفحص أسس الأديان بحرية ، وأني على ثقة من أن كتيبي هذا الذي لم يسبق له مثيل لحد الآن سيبرهن على صحة دعواي بان غايتي إظهار حقيقة للعيان كانت نتيجة مطالعاتي الجديدة وتتبعاتي الخاصة ، عارياً عن الغرض والغضب .
    والآن الخص نتيجة التدقيقات العميقة التي أجريتها في موضوع مسألة الشفاعة على الوجه الآتي :
    1- استدللت بالعدل الإلهي على ان الله لا يتخذ لديه شفيعاً مطلقاً بصورة قطعية ، وعلى فرض كون الشفيع المطلق هو الله ، فيما ان نوع البشر شيء زهيد وقليل الأهمية بين الكائنات ، كنت أرى من الأوفق للعقل أن يكون تعالى قادراً على تخليصه بغير شفاعة أحد على الوجه الذي يشاؤه فقط ، وإذا كان الشفيع المطلق بشراً أيضاً فحينئذً يكون تخليص جميع البشرية التي قد نفر منها هو لأجل محاباة مخلوق واحد(*) وكما يقتضي العدل أن يعاقب المستحقين للعقاب يقتضي أن لا يحتاج غير المستحقين له إلى الشفاعة لأجل خلاصهم من العقاب .
    2- ماذا تكون نظرية الشفيع المطلق غير إسناد الضعف والجهل والظلم وسوء النية إلى الله تعالى ؟ وهل يغفر الله القادر المطلق العليم الرحيم إلى مثل هذا الشفيع ؟
    ثم إلى من سيكون الخاطئ المعفو عنه والعتيق المخلي سبيله أكثر امتناناً ، والى من يكون مديناً بالشكر ؟ إلى الله أم إلى المخلص ؟ بالطبع أن يحمل اكبر منة وأكثر محبة نحو الشفيع المطلق ، وبأي واسطة كانت فسيكون المجرم مديناً بالشكر إلى الأبد إلى الشفيع مخلصه من سكين الجلاد ، من حيث يذكر القاضي بإهلاكه دائماً بصفات القهر وحب الانتقام .
    3- حضرات أنبياء الله عليهم السلام يتمكنون من أن يشفعوا في أممهم المنتسبة إليهم ولكن بالشفاعة المقيدة ، وشفاعتهم مقبولة عند الله على الأغلب ، ولكن ليس ذلك بمعنى أن الله تعالى يكون مجبوراً على قبول شفاعتهم فهؤلاء بصفتهم وسطاء مأمورون بإعلان إرادة الله بين أممهم وتبليغهم أوامره ونواهيه كانوا يتضرعون إلى الله أن يهون محنتهم ويقضي حوائجهم ، ويعفو عن تقصيرهم ثم ان المؤمنين يدعون بعضهم لبعض ويستغفرون الله واجب الوجود ويدعون لهم وفي ذلك ثواب وبركة(*) .
    4- الشفاعة على نوعين : إحداهما اختيارية تقع بباعث المحبة ، والأخرى توسط بطلب الخير يؤدي حسب الوظيفة ، وبناء عليه يجب علينا أن نتمنى دائماً هداية الله وتوفيقه وندعو بها في صلواتنا ودعواتنا لإخواننا في الدين وللضالين والمضلين ، وأما النتيجة فموقوفة على إرادة الله وحكمته(**) وإننا نقرأ الصلوات والتسليمات على الأنبياء في صلواتنا ودعواتنا ، ولكن المدعو المخاطب بذلك هو الله تعالى وحده بلا واسطة .
    وإذا كان أولاد الملكوت قد نالوا التربية الدينية ، وعرفوا إلههم وخالقهم على الوجه الصحيح ، وكان إيمانهم بالله كاملاً فهم الآن يتمكنون من التوجه إلى خالقهم حنفاء مخلصين له الدين ويقدمون له العرائض في كل زمان ومكان . والمؤمنون الذين تعلموا من أنبيائهم الرشد والهدى يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه بقلوبهم وعقولهم في صلواتهم .
    5- تعاليم كلام ملكوت الله في هذا الشأن :
    لا تراجع أحداً لأجل الدخول في الملكوت والبقاء فيه ، بل حسبك أن تراجع عقلك ووجدانك ، الدنيا والآخرة ، السعادة الحقيقية والكاذبة هما أمامك ، الحياة الأبدية والسعادة الحقيقية هي في ملكوت الله ، ودخولك فيه وكتابة اسمك في لوحة المحفظ خير لك على كل حال ، وفي خارجه الهلاك والموت المعنوي الذي لا ريب فيه ، ففي حالة اقتناعك بان الملكوت مملكة إلهيه وأن كلامه هو الحق ، الملكوت سيسعدك ويربحك فلماذا لا تدخله ؟ أليس لان هناك موانع ؟ نعم الموانع كبيرة جداً ، تعترضك تضحيات ثقيلة ؟ أليس لك دين ومذهب قديمان تحبهما حبك لعينك اليمنى؟ كيف الانفكاك عنه ؟ هذا صعب وثقيل جداً ، أليس لك عاطفة نحو العائلة والطهرية والملية التي هي مفيدة لك بقدر يدك اليمنى ؟ ما أصعب ترك هؤلاء والإعراض عنهم ! أأنت من أبناء الملكوت ؟
    إلا أن مثل هذه التجارب والجواذب الفاتنة للقلوب غير القابلة الامتناع تسوقك إلى العثرة والى الضلالة والهلاك ؟ أنت إذا كنت تريد علاجاً لإنقاذك . فالعلاج بيدك ، أتدرى ما هو ؟ انظر ماذا يأمر كلام الملكوت الذي بينه المسيح عليه السلام (فان كانت عينك اليمنى تعثرك فأقامها والقها عنك ، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم ، وإذا كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها و ألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم) (متى 5 : 29-30) .
    (وإن أعثرتك رجلك فاقطعها لان خير لك أن تدخل الحياة أعرج من أن يكون لك رجلان وتلقى في جنهم تلك النار التي لا تطفأ (مرقس 9 : 45-48) .
    أولاد ملكوت الله ذوو صلاحية على أن يجروا بالذات كل العمليات الوجدانية من غير أن يراجعوا طبيباً أو حكيماً من الروحانيين ، ومن غير أن يبوحوا لهم بمرضهم ويعترفوا لهم بخطيئتهم ، لا يوجد بين أبناء الملكوت رهبانية ولا كهنوت ولا عرافة ولا كهانة ولا شعوذة سحرية ولا خط على الرمل لمعرفة الفأل .
    وأما في خصوص الدعاء والصلاة ، فولد الملكوت يقيم صلاته على الوجه الذي عينه وقرره (الكلام) في أي محل يريده وفي أي مكان يوجد فيه ، يدعو ويناجي ربه في الوقت الذي يريده ، حتى انه في خلوته يدخل غرفته ويغلق الباب ويعبد خالقه ويدعوه في الخفاء ، لا يضطر إلى الحضور في المراسم الدينية التي تمتد ساعات من الزمن بالملابس المزركشة بين المشتغلين بتلحين الأناشيد ، وتكرار عبارات الترنيم العجيب ، أجل جلب الأرواح من السماء وتحويل الخبز والشراب إلى لحم ودم ، وكما أن الولد يتسنى له اخذ كل ما يريده من والده ضمن دائرة الأدب والقانون فكذلك أبناء الملكوت يأخذون من خالقهم كل عون وبركة ونعمة مشروعة ، أي أب يعطي ابنه أو ابنته حجراً أو حية عندما يطلب بيضة أو سمكة؟ كذلك الله تعالى لا يعطي شيئاً ردياً لعبيده قطعاً ، حتى أن ربهم الله الذي في السماء يعطي النعمة والرزق والقوة لعبيده المحتاجين من غير أن يطلبوها ، ويبذل إنعامه ويفيضه على جميعهم ، والعبد التائب النادم على الخطيئة والذنب الذي اقترفه لا حاجة له الذهاب إلى مخدع الكاهن وتقبيل قدميه وطلب العفو والغفران منه ، بل يعرض ندامته وتوبته على الله في مخدعه أو غرفته فتغفر له خطاياه وتمحى وتنسى بأجمعها يجري ويؤدي وظائفه الدينية كالصدقة والصوم والصلاة لله خفية ليرضى الله وحده ولا تعلم اليد اليسرى بما أعطته اليد اليمنى من الصدقة .
    لا يعطي صدقة ولا يقيم صلاة ولا صوم بفكر رئاء الناس وبأمل كسب مديحهم وثنائهم ، بل يوفي ذلك لله وحده إراحة لضميره ، وتسكين وجدانه فقط .
    لا يكلف كلام الملكوت بتكاليف عسرة أو بما يخالف العقل والطبيعة ، أي انه لا يأمر بشيء وراء العقل أو فوق الطاقة ، وإنما شريعة الله عبارة عن تقريب الناس من الله وجعلهم خلوقين سعداء على الأرض ، وكما توجب عليهم النظافة وآداب المعاشرة توجب عليهم أن يطهروا قلوبهم ويخلصوا إيمانهم ، فماذا يكون أقدس وأبسط وأسهل وأوفق للطبع والفطرة من ذلك ؟
    انظر الباب الخامس والسادس والسابع من (متى) حول الإيضاحات المختصرة في شأن الصوم والصدقة والصلاة المذكورة أعلاه .
    - ج -
    (كلام ملكوت الله يأمر باخوة معنوية وباتحاد مادي)
    السعي والاجتهاد للقومية المعصبية الجنسية خاصة عقيدة سياسية مخلة بالسعادة البشرية ومخلة بالأمن العام من حيث عموم الإنسانية ، وإذا كانت فكرة ترقي الأمة وتفوقها وتقدمها هي أخص آمالها ، فلترتقب حرباً دامية عاجلاً أو آجلاً ، لان تفوق إحدى الأمم ينتج تدنى الآخرين، وهل ثمة من أمل غير انتهاب أراضى الأمم المجاورة وثروتها وهدر شرفها وكل ما تملكه ؟ وهل إيقاع أمة كبيرة مجاورة ، وهدم ديارها وقتل أهليها ، والإحراق والإتلاف ، وارتكاب أنواع الفظائع من مكارم الأخلاق في شيء ؟ أم هل يجوز ؟ وهل قول الفرد (أضحي روحي في سبيل الأمة المتكلمة بلسان أمي) كلام يأتلف مع العدل والحق ؟ وإذا لم يكن الدستور القائل (إما أن اقتل أو اقُتل في سبيل الوطن) جنوناً فماذا هو ؟ هل يقول مثل هذا الكلام الجنوني الوحشي حكيم عاقل مهذب وقور محب للإنسانية ؟ يود الإنسان بطبيعته وخلقته لو يمتلك كل ما هو غال ونفيس ، ولكنه يضطر لصرف النظر عن رغباته وعن كثير من حقوقه لكي تتسنى له الحياة وبقاء النوع وتشكيل العائلة ، لا يمكن أن تنال اللذة في الحياة الامشوية بألم الجهاد والتضحية ، إذن ماذا يستحيل أو يتعذر على الأمم فيما لو حسن سلوكها وأحب بعضها بعضاً حسب قانون الملل؟
    فاليوم أقوام أوربا كلها تتأهب لمحاربة بعضها بعضاً ولإراقة الدماء وكلها تريك من الاحساسات الملية عجباً . هذه الاستحضارات المدهشة الباهظة الثمن هي ضد من ؟ لا شك في أن الواحدة ضد الأخرى . هؤلاء كلهم مسيحيون ، كلهم منقادون للرهبان ، كلهم معتقدون بما كتب في الأناجيل ، كلهم يقرأون موعظة المسيح تلك الموعظة المشهورة (متى 5 إلى نهاية 7).
    كلهم يمضغون لحم المسيح ويشربون دمه ، والحاصل كلهم يدعون في صلواتهم (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك) كل أقوام أوروبا قد اجري لهم التعميد . فالبلقانيون والروس والسلاف والجرمان واللاتين والأنكلوساكسون - كلهم قد تطهروا وتنظفوا وغفر لهم من الذنب المغروس (الموروث) إذن قلام أولاد هذه الكنيسة يحملون شعور حب القومية ويوجهون مدافعهم ومدرعاتهم وطيارتهم إلى صدور بني دينهم ؟ لماذا لا يرجعون إلى الصليب والإنجيل ، إلى الروح القدس - وعلى الأخص - إلى الله الآب ، عوضاً عن هذه الآلات الجهنمية ؟(*)
    هيا قم الآن واجتهد في إيجاد الإخاء المعنوي والاتحاد المادي بين المسيحيين؟ هيهات هيهات ! الإخاء العيسوي ؟ الاتحاد العيسوي من المحالات ، لماذا ؟ أليس للكنيسة كتاب ؟ أليس لها ملوك ورؤساء روحانيون ؟ أليس لها قسيسون يغفرون ذنوبهم ويمحون جناياتهم بكلمة واحدة؟ هل ينقصهم الوعاظ والدعاة ؟ أو أرباب الفنون والصنائع والاختراعات ؟ أم عجزت معدهم عن الهضم بسبب التخمة من أكل الدنيا ؟ هيا ليتحدوا ، ليتحدوا باسم الصليب والإنجيل ! هل من الممكن ذلك ؟ هل يكون الكاثوليك والأرثوذكس في كنيسة واحدة ؟ والأرمن والنسطوريون أمام محراب واحد؟ أو الباتيست والانجيليكان على منبر واحد ؟
    ان حضرة السيد هرمز أخي حضرة السيد مارشمون سليل يطرق النسطوريين المحترم المنسوب إلى فلك البيت الذي كان مظهر توجه الخلفاء وسلاطين المسلمين منذ أول ظهور الإسلامية ، قد راجع مسيحي الروم وغيرهم في إثناء السنتين أو الثلاث التي قضاها في القسطنطينية راجياً أن ينال لقمة من لحم (الرب يسوع) ولكنهم استنكفوا عن إهدائها له لاعتقادهم أن ذلك حرام عليهم ، هل تعلمون لماذا ؟ ذلك لان النسطوريون يأبون أن يقولوا (ان المسيح اله تام) و (إن مريم والدة الله) .
    اقصد في هذه البيانات أن أقول : إن المسيحية ليست ديناً واحداً ، بل هي أديان شتى مبعثرة ، أما كلام ملكوت الله وقرآنه فهل هو أيضاً كذلك ؟ ان من له نصيب من الإنصاف يقول بالطبع حاشا وكلا ، اني عندما كنت أترجم أحياناً لباب المشيخة الإسلامية بعض الرسائل والجرائد الإنجليزية الواردة حتى من جنوبي أفريقية الباحثة في شئون جماعة المسلمين كانت تتولاني الدهشة من صدق المسلمين الساكنين هناك وفي جاوة الصين وروسية وفاس ، واحار لإخلاصهم للقرآن والدين المبين المحمدي ، أما من يدقق في حالة المسيحين الذين في أوروبا ووضعيتهم الانفرادية المتفككة الباردة يقول ويجزم متحققاً بان هؤلاء ليسوا أبناء دين واحد البتة.
    يأمر كلام ملكوت السموات بإخاء معنوي والذين يؤمنون بكلام الملكوت هم أولاد الدين المعنويين بالرغم من انتسابهم إلى العروق والأقوام المختلفة ، فهم إخوان بعضهم لبعض ، فالمسلمون في الدنيا كلها يصدق عليهم أنهم ولدوا جديداً من أم واحدة - هي الملة المحمدية - كالاخوة المولودين ولادة طبيعية من رحم والدة واحدة ، فامتزجت دماؤهم وموادهم الجسمانية ذلك بأنهم حيوا بروح الإيمان وتغذوا بكلام الله وسقوا من ماء الحياة واكتسوا وتزينوا بأثواب الفرائض المقدسة ، وتقووا بالأذان المحمدي ، واستناروا بالأخلاق السامية ، وتربوا وشبوا على الأطوار الحسنة ، فهؤلاء لا تكون أخوتهم مصطعنة زائفة بل هي صحيحة وحقيقة(*) .
    المسلمون المرتبطون بعضهم ببعض بالروابط الدينية يمثلون الأمة المحمدية في كل حال من الأحوال روحاً ومعنى وجسماً ومادة أينما كانوا ، والى أي عرق وأي لون وأي لغة انتسبوا ألا ترى إلى هذا الأذان المحمدي ، إلى هذه الصيحة الدينية الحية الخالدة ، إلى الصدى المدهش صدى ملكوت الله ، صدى الشريعة الغراء لملكوت الله ؟ ألا ترى الحقائق الباهرة المشهود بها في التكبيرات والتحيات ؟! ثقوا بأنه ليس صوت الحان تهتز في الأفلاك ، إن هو إلا قوس سحاب القيض الرباني انعم الله به إعلاماً للعالم بدوام غيث رحمته وتوفيقه الصمداني لأجل إرواء أبناء ملكوته ، يعلن للعالم حقائقه ذات الأنواع العديدة والألوان البديعة كقوس قزح يعطيهم القدسية بجمله وعباراته . وان الشمس (وهي أمة الله) المأمورة بإدامة مواسم كرة الأرض الأربعة ، تواظب على أداء وظيفتها وشماستها(1) الحقيقية وهي تحمد الله وتثنى عليه في قربها وفي بعدها ، وذلك منذ ثلاثة عشر قرناً ، وكذلك اقتضت رحمته أن لا يدع القمر والنجوم محرومة من قراءة كلمة الشهادة فقضى أن يكون هؤلاء أيضاً يؤدون التحيات في نداء صلاة العشاء .
    الاتحاد والإخاء الإسلامي محض حقيقة لا ريب فيها ، بحيث إن الذين يكتمونها عن تخوف إنما يبرهنون بهذا التكتم على قلة إيمانهم أو عدم اعتمادهم على رب الملكوت ، وأما المدى والخناجر المشحوذة التي تغمد في جسم هذه الملة الكبيرة القهارة في أثناء نومها فلا تتمكن من قتلها ، إذ هي لا تموت وان تموت لأنها خلقت للحياة الأبدية ، بل هي توقظها من نومها ، إذ لا محالة سوف يأتي ولابد من أن يأتي يوم يثب فيه الأسد الضرغام ويفترس تلك الحشرات وثعابين الحيات التي أقلقت راحته فيمزقها شر ممزق ويبيدها .
    إن أمة حية وقوية كهذه الأمة ستعيش إلى ما شاء الله على الوجه الذي يبينه كلام الله(*) وان الحراب التي مزقت أحشاء شبان المسلمين في الرومالي قد هيجت نخوة شبان الهند ، والبنات المسلمات اللاتي هتكت أعراضهن وافتضت بكارتهن بعدوان الوحشيين ، واللائي ودعن الحياة طاهرات الذيل وذهبن ضحايا العفاف قد أقيمت مآتمهن في بيوتات كابل من قبل عقائل نساء الأفغان وعذاراهن بالولولة ودموع العيون وأن أسارى الجنود العثمانية الذين قضى عليهم بالقتل العام ، والشيب والولدان العثمانيين الذين قطعتهم وفرت جلودهم سيوف مسيحي البلقان - قد أغضب مصابهم العالم الإسلامي وأورثه الأسى والأشجان ، وأن إهانة المساجد والمقابر الإسلامية قد كانت اعتداء على عظمة الله وجبروته ، ليست تلك الفجائع بالتي تنسى ، ولا يحسبن الذين يتجرءون ويخضون على ارتكاب مثل هذه الفجائع أنهم عاملون على محو الإسلامية ، كلا بل إنما يسعون من حيث لا يشعرون إلى انتباهها ونهضتها ، وبناء عليه يكونون قد مهدوا السبل لتقويتها واستعدادها . فهم لا يذبحون المسلمين ويقتلونهم في ناحية من كرة الأرض ، إلا جاءت النواحي الأخرى بمائة ضعف بدلاً منهم ، يحتمل أن يمحى عنصر الإسلام من إحدى البقاع ولكن سيظهر في أحد الأيام أمر واقع ليس له دافع ولا هو بالحسبان ، فيه يهتدي أحد الأقوام كاليابان أو الإنجليز فيقوم مكانه . ويحل محله بأقوى وامنع ممن يمحون بتقصيرهم في الجهاد .
    أنه لا يجوز إبقاء العالم في ولولة (يسوع بن باندبرا) الذي ظهر في زمن كاهن اليهود الأعظم (اسكندر يانيوس(1) الذي حكم قبل التاريخ الميلادي بعصر أو (يسوع بن ستادا)(2) الآخر بعد المسيح بعصر أو (يسوع) الآخر الذي وعظ منه بولص والذي رجمه اليهود ثم صلبوه وقتلوه بسبب أعماله السحرية ، وفي الباب السابع معلومات متممة لهذا الموضوع .














































































  10. #10
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب السابع
    ملكوت الله يكمل اليهودية
    ليس لأحد أن يذهب إلى أننا غمطنا شيئاً من حق سيدنا عيسى عليه السلام أو لم نقدره حق قدره بقولنا انه لم يؤسس ديناً وملكوتاً ، فانه ليس من حدنا أن نحدد سمو درجات أنبياء الله أو نفرق بين رتبهم ، بل نؤمن أن كلا منهم رسول الله وحبيبه ، وعليه فأننا نحبهم ونعظمهم ونحترمهم جمعياً ، إلا أنه نظراً إلى أهمية الرسالة التي بلغوها والخدمة التي أدوها ، قد عرف بعضهم اكثر من بعض ، مثال ذلك أن النبي حبقوق الذي ليس له غير كتاب واحد هو عبارة عن باب واحد(*) بالطبع لم يكن معروفاً ولم يكتب شهرة بقدر النبي داود صاحب الزبور ، ولهذا لم يبق اليوم اثر في التاريخ لألوف الأنبياء ، ومع ذلك إذا تأملنا جيداً رأينا أن روح الله لم تكن وظيفته قليلة في خصوص ملكوت الله ، فان مئات الألوف من الناس آمنوا بملكوت الله وكلامه الذي بشر به ، وارتحلوا إلى دار البقاء مؤمنين موحدين منتظرين للملكوت مخلصين له وعند ظهور الملكوت وتأسيسه وإعلانه دخل في حظيرته مئات الألوف من الموحدين المسيحيين ، وكان بين المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين ما يعد بالملايين من الموحدين الذين اسلموا لبشارة المسيح عليه السلام ، على أن كل العيسويين الموحدين الذين كانوا في قارتي آسيا وأفريقيا قد اعتنقوا الإسلامية ، ولكن الأقلية منهم أصحاب التثليث لم يؤمنوا بالدين إلى يومنا هذا .
    ولذلك لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا أن عيسى ومحمد عليهما السلام أسسا الإسلام متحدين ولكن هيهات لنا أن نتمكن من تفهيم ذلك للنصارى وإقناعهم بهذه الحقيقة .
    - 25 -
    ملكوت الله ليس اليهودية
    ( )
    (يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض تكوين 18:22)
    أخبر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأن سيتبارك بنسله كل أمم الدنيا (نسل بصيغة المفرد) وذلك قبل موسى والتوراة بأربعة أو خمسة عصور ، نسل إبراهيم حسب اللغة العائدة له كما في العربية بمعنى (الزرع) و (البذر) وبولص الرسول يبحث عن وعد الله هذا قائلاً : (لا يقول انسال) أي بصيغة الجمع ولكنه يقول (نسل) مفرد ، وذلك هو المسيح (الى الغلاطيين 18:3)(*)
    ( )
    ( )
    لقد عهد الله إلى إبراهيم بصورة ميثاق أن النسل (الزرع) النازل من صلبه يكون (رحمة للعالمين) ولست باحثاً هنا عن (هذا النسل) الذي هو رحمة للعالمين) ولكن لا شبهة في انه سيتيسر لجميع أمم الأرض التبرك بدخول ملكوت الله والاهتداء وإدارة الأمور بكتاب ملكوت الله ، وعلى كل حال فان الله قد وعد بأن يرسل من سلالة إبراهيم الطاهرة ذاتا قدسية يكون رحمة وبركة لكل الأمم التي على وجه الأرض .
    ان نبوة إبراهيم عليه السلام انتقلت إلى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فكانت من إسماعيل العرب ، ومن إسحاق بمناسبة أن لولده يعقوب أثنى عشر ولداً - أسباط إسرائيل ، فكتب العهد القديم أي كتب بني إسرائيل المقدسة ليست بذات علاقة بوضعية أمم العرب الدينية الذين ظهروا من إسماعيل عليه السلام ، فالتوراة والزبور وسائر كتب الأنبياء كلها نزلت إلى بني إسرائيل .
    ان من الحقائق المعترف بها في تاريخ الأديان أن اليهودية دين وبهذا الاعتبار تكون التوراة كتبا الله . وكلاهما متفردان وعديمي المثيل ، فليس من ملة نالت انعم الله كالملة اليهودية باعتبارها منفردة ، كما أنه لم يثبت في الأدوار القديمة كهذا الدين المقدس ، ولا كتاب يحتوي على حقائق إلهية كالتوراة ، والصينيون واليونانيون كان لهم كتب في الحكمة والأخلاق وكان لهم حكماء ومرشدون ملهمون ، ولكن كل ذلك كان دقيقاً ومحكوماً عليه بالاضمحلال ، سقراط وأفلاطون(1) واريسطوطاليس وبقية حكماء اليونان الملهمين لم يوفقوا إلى تأسيس دين ، فاليونان انقادوا إلى آلهة الأساطير ، والصينيون أيضا كان لهم المرشدون الدينيون (فوهي) و (لاعوتس) و (كونفوشيوس) و (الكتب الست) المسماة (كينغ Kings) ولكنهم لا يساوون اليهودية وأنبياءها ، اليهودية حائزة على صفة الدين ، والأنبياء كانوا يبلغون ما يأمر به الله بصورة الوحي والإلهام ، والحال أن كتب الملل الأخرى ومرشديهم بقيت عبارة عن الحكميات والحكماء ليس غير(*) .
    اليهودية دين مليء خاص ، وكل الأنبياء (فيها) أرسلوا إلى هذا الشعب نفسه وعملوا على تأييد ذلك الدين ، نحن مضطرون إلى احترام شعب أحبه الله وأنعم عليه بهذا القدر ، وعلى تعظيم شريعة موسى التي أنتجت وأنجبت هذا المقدار من الأنبياء الصالحين .
    كل أنبياء بني إسرائيل كانوا قد أخبروا بان سيظهر (ملكوت الله) و (الدين العام) ومهما كانوا يدعون ، طول مدة بقاء شريعة موسى ، أن (يهوه : الله) اله إسرائيل فحسب ، فانهم كانوا يشعرون بأنه سيأتي يوم فيه يتعرف الله إلى جميع الأمم ، وانه سيجمعهم ويجعلهم ملة واحدة .
    وها هم أولاء لا يزالون ينتظرون أن يأتي شخص من نسل إبراهيم ليشكل ذلك الملكوت واليهود لما لم يجدوا الصفات التي ينتظرونها في المسيح عليه السلام ، لم يقتنعوا بأنه هو المسيح الحقيقي المبشر به ولذلك رفضوه ، لاعتقادهم أن شريعته التي ستكون ملكوت الله هي شريعة موسى مع قليل من التحوير ، وأن مركزه أورشليم (القدس) وأن يومه المقدس يوم السبت ، ولعدم وجود إحدى صفات ملكوت الله وخصائصه التي مر ذكرها في الفقرة (26) على ما ذكره وعدده المسيح عليه السلام وصل دين موسى إلى الانقلاب الثالث ونسخ في جملته وهيئته العامة ، فعيسى بن مريم عليهما السلام آخر أنبياء اليهود لم يقبلوه والنبي يوحنا المعمدان(1) المبعوث في ذلك الوقت قتلوه من قبل أن يقبلوه ، وفي تلك الحال كانت اليهودية في انتظار المسيح الذي سيأتي ، منذ خمسة إعصار قبل الميلاد ، وليس من مقتضى تاريخ الدين المذكور ، أن يكون الانتظار لمدة طويلة بهذا المقدار ، لأننا نعلم من أسفار التوراة انه كان في كل عصر مئات من الأنبياء ، وعلى الأخص في زمن الياس واليشع ، ولما لم تتمكن اليهودية من أداء فرائضها الدينية أضاعت دينها باعتباره ديناً ، ولم يكن الهيكل(2) الذي هو فرض للعبادة موجوداً، وكانت سلالة هارون الكهنوتية قد فقدت ، وكانت السكينة(3) أوريم توميم(4) وألواح الوصايا العشرة وغيرها كلها قد رفعت من الوسط وزالت ،وأي دين زال تنفيذ أحكامه وفرائضه بأجمعها ، فان ذلك يعد نسخاً وإلغاء له .
    - 26 -
    السلام عليكم يا أخواني اليهود
    انتم يا شعب الله المحترم بما أنكم أولاد إبراهيم عليه السلام وبانتساب ذلك النبي العلي الشان إلى أمة الكلدان(1) تكونون إخواني ، ولكني أود أن أخاطبكم بعنوان إخواني المعنويين انتم من القديم موحدون قد اعترفتم وأقررتم بوحدانية الله ولم تزالوا قائمين بها وثابتين عليها وقد مضى عليكم خمسة آلاف سنة . النور والنجاة إنما وهبا للدنيا من نسل جدكم الأعظم حضرة إبراهيم عليه السلام ذلك النسل النجيب لصالح وارث النبوة ، وسواء أكان النسل من صلب إسحاق أم من صلب إسماعيل ، حسبكم فخراً أن تكونوا من نسل إبراهيم ، ان أجدادكم خالفوا الحق بعدم إيمانهم لعيسى عليه السلام . ولكن لا شبهة في أنه لم يكن آخر نبي عام ولا آخر مسيح ، على أن كل أنبيائكم وملوككم ورؤساء كهنتكم كانوا مسحاه ، لأنهم كانوا يمسحون جمعياً بالزيت ، ولكن النبي العام لم يمسح بالزيت على مراسم الكهنوت بل تعين وتقوى بقدرة الله وبروحه ، أنا افهم أن عيونكم باقية دائماً في أورشليم ، ولكن ما العمل وقد خرب معبدكم بإذن الله وخربت بلدتكم المقدسة مراراً وصارت قاعاً صفصفاً ؟ ولكن بيتكم المقدس باق يعبد الله فيه الموحدون ويسجدون فيه للوحدة الإلهية ، ويذكرون اسم الله وأسماء الأنبياء الذين تعرفونهم ، فهذا البيت هو الآن مفتوح لكم وهو لم يزل بيتكم.
    لا أرى بينكم وبين المسلمين فرقاً أساسياً ، كلكم تؤمنون باله إبراهيم . كل أنبيائكم وكتبكم مصدقة ومقبولة لدى المسلمين ، ولا أظن أنكم تصرون على الخلاف في مادة أو مادتين .
    ان كان المسيحيون لا ينفكون يقدســون (قربان القديــس) ايوخاريســـطيا( ) فانتم أيضاً لا تنفكون تقدسون يوم السبت ، والحال أن قربان القديس في نظركم ليس له أصل ولا فائدة وانه من وضع الرهبانية ، وكذلك لا أساس ليوم سبتكم لأنكم صرتم ملة ذات تجارب وتربية دينية منذ خمسة آلاف سنة ، ويجب أن تعلموا أن الله منزه عن الجسم والزمان والمكان وانه تعالى لا ينفعل ولا يعرض له عكس العمل ، ولا توجد قوة ولا عمل يجعله تعالى متأثراً أو منفعلاً ، وعلى ذلك لا يعقل ولا يصدق العقول بان الله قدس يوم السبت لأنه عمل ستة أيام واستراح في اليوم السابع(*) ؟ لله أن يقدس أو يخصص أي يوم شاء لأجل الاستراحة العامة لا راحة عباده(**) ولكن السبب الذي به ذلك تعللون لا يمكن أن يكون صحيحاً ، فان الله لا يمسه تعب ولا لغوب كما انه لا تأخذه سنة ولا نوم ، فهو إذاً لا يحتاج إلى الاستراحة ، لأنه لا يكابد العمل بكفيه ، أو يحمل على كتفيه ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وتعلمون أن الأنبياء من قبل موسى كإبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا على خبر من قداسة يوم السبت .
    البابليون قبلكم كانوا يلتزمون يوم السبت في الشهر مرتين ، ومن المحتمل أن أجدادكم اقتبسوا يوم الأسبوع هذا منهم في زمن سبي البابليين لهم ، ولنفرض أن الله خصص اليوم المذكور للعبادة والراحة لكم كل أسبوع فما هي أهميته ؟ سواء كانت الاستراحة يوم الجمعة أو يوم السبت فكلاهما سيان ، وكما أن مليونا من القسيسين ولو اتحدوا لا يقدرون على تحويل درهم واحد من الماء إلى دم ، فكذلك الشمس أيضاً لا تعطي كرة الأرض ضياءها وحرارتها في أربع وعشرين ساعة قدسية ولا روحانية ليوم من الأيام .
    أذكر أن عمر الخيام في المشهور يقول في إحدى رباعياته : الجمعة والسبت كلاهما واحد ويجب أن يكون الإنسان عابد الحقيقة لا عابد الأيام .
    وانه عند افتتاح ملكوت الله أي إعلان الرسالة المحمدية كان بنوا إسرائيل قد منحوا بعض الامتيازات كالقبلة والصوم والسبت ، أي أنها كانت ستجري على ما في اليهودية . ولكنها نسخت لفرط ما أعطيت من الماهية الروحانية ، بمعنى أن ملكوت الله لا يعير أهمية لمثل هذه الظواهر بقدر ما للأمور الحقيقية الوطنية ، الصوم فرض وسواء أكان ثلاثة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً كما عند اليهود أو كان في رمضان يكفي أن لا يكون أبناء الملكوت محرومين من بركة الصيام ، كذلك يجب تخصيص يوم للعبادة والراحة ، وأي يوم كان فليكن من غير إجبار ، والحكمة في أن المسيحية حولت يوم السبت إلى يوم الأحد على زعمهم حياة المسيح وقيامه من القبر يوم الأحد، والإسلامية ألغت كلا اليومين لان السبب الذي علل به في الملتين كان باطلاً وفاسداً ، وبذلك عملت ما هو المعقول وطبق المصلحة .
    ثم أن هناك مسائل أخرى وهي الذبائح والكهنوت التي يحبها اليهود حبهم إنسان عينهم ، ولكن مع انه يستحيل أحياء مثل هذه الأمور من جديد ، فمن البديهي أيضاً أن لا حاجة إليها في الدين العام حتى أن البحث عنها عبث .
    والذي أراه حسب فكري العاجز ، أنه إن كانت أمة تعيسة الحظ على وجه الأرض اليوم فهي أمتكم يا أحفاد إسرائيل ، أما تدرون أن أسوا أفراد الناس حظاً في الدنيا هم الأيتام والأرامل.
    آه يا ليتني كنت اقدر على الدخول إلى قلوب هؤلاء لا شاهد ما فيها من اليأس والآلام ! ما اعمق حزن ذلك اليتيم الباكي لإدراكه انه فقد أباه فقداً أبدياً ، وتلك الأرملة البائسة التي تحولت حلاوة فمها علقماً بفقدها زوجها الذي تحبه اكثر من نفسها ، وتنظر بعينها اللتين تفيضان من الدمع إلى أطفالها مفكرة في أمرهم ، أولئك الأطفال الذين يأتوافقراء ما لهم من ولي ولا ظهير .
    فاليهود اليوم هم في مثل هذه الحالة ، لا يملكون وطناً ولا ولياً ، اليهود غرباء وممقوتون في كل مكان ، وقد أصيبوا بمظالم قلت أو كثرت ، لا يجدون أمة يستندون إليها ولا وطناً يدركون السعادة فيه ، فهم مشردون في أربعة أقطار الأرض ، هلكى كالماشية السائمة أشتاتاً أشتاتاً ، ان فيكم أيها القوم كثيراً من الرجال الأغنياء والعلماء المفكرين فليتوسلوا بما أوتوا من العلم والثروة لمعالجة حالتكم هذه ، انتم لا تكونون مسيحيين ، ولكم الحق في ذلك لأنكم ستبقون دائماً موحدين .
    عدوكم المبين وخصكم اللدود ليس الإسلامية بل النصرانية ، ويمكنكم الاتحاد مع الإسلامية على أهون الشروط وأسهلها فهي تمد لكم يد الود والاتحاد من غير مساس بسبتكم ولا يضومكم ، حتى أنها توافق على تشكيل حكومة محلية ملية لكم ، وها هي ذي الحكمة الشريعة لعمر الخيام :
    (در مذهب ما شنبه وادينه بكى أست جبار برست باش نه روز يرست)
    وعربها النجفي نظماً فقال :
    السبت والجمعة عندي استويا لا تعبــد الأيـــام واعبـد ربــها
    تفكروا جيداً وأمعنوا النظر في تفحص المسئلة عريضاً وعميقاً انتم والمسلمون كلاكما تعبدون إلهاً واحداً وهو الله الحق ، فأنتما في هذا الباب وهو الباب الأساسي متحدون تماماً سوى مسألة واحدة وتلك أيضاً تبقى بينكما تتمكنون من الفصل فيها .
    انتم تقرون بان حبقوق وحزاقيل من أولاد إبراهيم ، فلماذا لا تقبلون خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً مثلهما من أولاد إبراهيم ؟ تالله لا أرى لكم عذراً في هذا ، بل ولا مانعاً مبرراً يخل بحقيقة ديانتكم ، كلا أني لا أرى لكم علاجاً للحياة ، ولا تدبيراً ناجحاً للبقاء إلا الالتجاء إلى الإسلامية ، وبعد أن تقبلوا الإسلام تكون فلسطين ملككم ، وهناك العرب يحتضنونكم ، وهم أولاد إبراهيم إخوانكم في الجنس والنسب ، هاأنا ذا أخاطبكم قائلاً : السلام عليكم ، فإذا انتم أجبتم تحيتي بقولكم وعليكم السلام ، فالمسئلة تنتهي.
    - 27 -
    هل أتى زمن دخول اليهود (ملكوت الله)
    لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية في هذا الخصوص لأنه لا فرق بين الطرائق والوسائط التي تتخذها السياسة وبين طرق الحيل والخداع التي يسلكها المقامرون .
    ما أدهش هذه المدينة الحاضرة ! والعجب العجاب أن الكنائس تبجل هؤلاء السياسيين المقمرين الكذابين الغاضبين وتناولهم (قربان القديس) !
    إني عالم بشدة عداوة الكنيسة للإسلام ، ترى كل ما يفعل بالمسلمين جائزاً ولائقاً . لماذا؟ لكي ينتصر الصليب ويهلك الهلال ويمحى ، وهنالك تنشرح صدرو كل المعتمدين بماء المعمودية بضحك وسرور . ولكن ليت شعري ألا يفكرون في أن الهلال ليس بعدو للصليب ولا رقيبه ؟ ليس للهلال من قدسية أو معنوية في الإسلام ، وإنما هو محض علامة للأثوريين أو الكلدانيين أو أي قوم آخرين لا ادري أيهم ، الهلال لم يصلب عليه جني ولا ابن إبليس وإنما الهلال قمر الله الذي جعله يستفيد منه كل سكان الأرض والنباتات على سواء .
    لكن لما صار الهلال في إعلام العثمانيين صار يعتبر كأنه عدو لصليب يسوع كلا وحاشا وبينما كان المأمول من وعاظ وبسقبوسي الإنجليز والاميركان أن ينهوا عن مثل هذه العداوة التي لا صحة لها ولا أساس دينياً ويعلنوا هذه الغلط بصوت رفيع ، نراهم يسكتون عليه ويقرونه لأنهم ...!
    إن منشأ النزاع بين الإنجيل والقرآن هو التوراة ، فللموسوية حق أو مجال للكلام في هذا الباب .
    إذن فلتصدع الموسوية بقولها من غير ما خشية ولا جبن بحيث يقول الصديق والعدو أحسنت أحسنت أحسنت ! وأما إذا هي أظهرت العداوة الديينة للملتين المسيحية والإسلام كليتهما معاً - كما في السابق - فبالطبع لا يكون الخاسر غيرها .
    قلت اني لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية لأنه إذا ظهر تشبث جدي بإيجاد اتحاد ديني بين اليهود والمسلمين فلا شك ولا شبهة في أن ديبلومات أوروبا ومجالس وزاراتها تقيم القيامة في الحال ولهذا سنواظب على مطالعتنا في المسئلة المذكورة من غير إعطائها مسحة الساسة .
    أريد ان أسأل هذا السؤال من الموسويين : ألا يوجد من أساس أو سبيل إلى الائتلاف أو الاتفاق بين اليهودية والإسلامية ؟ ألقي هذا السؤال وأكرره ليكون لإعطاء الجواب بتأن وإمعان النظر فرصة واسعة ، ليجب متفكروا اليهود على سؤالي هذا ، لكن بعد أن يراجعوا وجدانهم ويستحضروا صفاء قلوبهم .
    لو كان عيسى بن مريم قد جاء بقدرة محمد عليهما السلام ، وبقوته التنفيذية المعلومة ، وطرد الرومانيين ووسع الفتوحات الإسرائيلية في القارات الثلاث من كرة الأرض كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأضاف القرآن المجيد في آخر أسفار التوراة ، فهل كانوا يصرون على رفضه ؟ لا أظن ذلك . كذلك لو كان محمد من سلالة داود عليهما السلام لم يكن من شبهة في أن اليهود كان يقدسون حضرة فخر الكائنات ويسمونه سلطان الأنبياء ، ولجعلوا القرآن تاج راس التوراة ، لا اقدر أن أتصور أن اليهود يتمكنون من أن يجدوا عيباً حقيقياً في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فرضنا انهم ذكروا ما يزعمون انه قصور كبير وتمكنوا في هذا اليوم من إسناده إلى حضرة نبي آخر الزمان ، فحينئذ أدعوهم إلى التدقيق في ترجمة الأنبياء المبعوثين من أمتهم على حسب ما هو مكتوب في كتب العهد القديم لديهم ، أي إني أقول ان ليس لديهم من تاريخهم ما يبرر لهم الاعتراض على محمد صلى الله عليه وسلم.
    فإذا قايسنا حياة الأنبياء المرسلين إليهم وسيرتهم بحياة محمد صلوات الله عليهم وسيرته فلابد أن يذعن اليهود ويسلموا من نتيجة هذه المقايسة بان الحق لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وإلا فأنكم سوف تضطروني إلى كتابة كتاب آخر باسم (التوراة والسبت) بعد أن كتبت كتابي هذا الذي سميته (الإنجيل والصليب) .
    والخلاصة لو كان محمد صلى الله عليه وسلم منسوباً إلى سلالة داود أو هارون ولم يكن من صلب إسماعيل لجعلتموه قرة لا عينكم على كل حال ، نعم لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يهودياً إسرائيلياً ، هكذا أراد الله ، ولكنه هو الزرع ( ) النسل المقدس الموعود به في الميثاق إلى إبراهيم ، ولا يمكنكم أن تقولوا شيئاً بحق على شخص النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تعاليمه أو على قرآنه لان كل ما تقولونه في هذا الباب سأقول لكم تجاهه:
    (أنت أيضاً هكذا) بموجب القانون المنطقي .
    وأرجو من فضلكم الأذن لي بان أذكركم بأنكم ما نسيتم ولن تنسوا أبداً في تاريخكم الملي والديني كم من مرة مالت أمتكم إلى عبادة الأصنام والتماثيل الباطلة بالرغم من كثرة كتبكم السماوية والأنبياء حتى ارتبطت بشريعة الله بعد سبي بابل ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن محي الكثير من مقدساتكم الدينية . على أنكم اليوم أيضاً في حالة هي ادهي وأمر من تلك الحالة السالفة .
    فلو فرضنا ان شريعة موسى مع هيكل سليمان (للعبد ، المسجد الأقصى) وغيرهما أعيدت لكم ، فمن الذي يتعهد بأنكم لا تصدون بوجوهكم ، وترجمون كالسابق غير راضين بها؟ أقول ما مضى مضى والماضي لا يعاد ، ولكن الواجب عليكم الآن الرجوع إلى طاعة الله .
    وهناك سياسة يهودية وجمعية دينية باسم (الصيهونيين) ولا يتصور موسوي هو خارج عن هذه الجمعية .
    (صهيون ) هي كعبة اليهود وبمثابة (لغة اليونانيين) .
    انتم ستسمعون وتجتهدون لتشكيل حكومة صغيرة في فلسطين في القدس الشريف تسهيلاً لمجيء ( ) مسيح .
    والدولة العثمانية بالطبع لا تساعد على ذلك ، أما إن كنتم تنتظرون انقراضها للحصول على هذه البغية فذلك شيء معناه محوكم في ذلك الوقت لو تتفكرون(*) .
    الآن بعض أوروبا القديم من كاثوليك و أرثوذكس باق كما كان إلى درجة كنسكم من على وجه الأرض لأنكم أنتم ، أنتم الذين تمهدون السبيل لمجيء مسيح عوضاً عن مسيحهم ! يحتمل أنكم تفكرون بان الله يبيدهم في آن واحد ، وان (مشيّح) سيثبت كرسي داود في القدس وعليه يحكم ! ويفتح الفتوحات ، أنا لا أستطيع أن أتعرض لفكرتكم هذه لأني لا أريد الاعتداء على عقيدتكم ، فهاأنتم أولاء تنتظرون في تلك الحال معجزات كبيرة ، وخوارق فوق العادة ! فانتم وشانكم ! ولكن قدروا وفكروا بان (العصا قد زالت وانه عند زوال العصا يأتي (شيلوح ) .
    لا أفكر في المباحثة مع الموسويين في هذا الباب ، لان الزمان والصدد لا يتفقان وموضوعنا ، ولكن خلاصة ما أريد أن أقول هو :
    ربما كان من الممكن تصور موضوع للاتفاق والائتلاف بين اليهود والمسلمين وعلى تقدير ذلك أسارع لعرض بيانات العاجز الآتية ، بسائق حب الخير لا غير ، ومن اللازم الضروري حسب فكري تأسيس هيئة مؤلفة من علماء المسلمين واليهود ، لتتذكر تلك الهيئة المختلطة هذه المواد :
    - أ -
    ان يتذكروا ويتداولوا البحث عن المساعدات المذهبية التي يمكن إعطاؤها لليهود :
    أولاً - عن كيفية إبقاء كتب التوراة عيناً ، ويقتضي إبقاء القسم الأعظم من هذه الكتب ، لأنها تاريخ الملة اليهودية وأدبهم وأمثال ذلك من آثارهم الخاصة ، وأما الأقسام الأخرى من الكتب المذكورة ، فلو أمعن النظر فيها بحسن النية لا يتصور ان تكون مخلة بنقطة من أصول الإسلامية ، ولكن كما يقتضي إعطاء الغذاء والتربية للأولاد لإيصالهم من الطفولة إلى سن البلوغ فكذلك إذا أمعن النظر في حياة بني إسرائيل الدينية في ظرف ثلاثة الآف سنة فستكتسب كتب التوراة براءة في كثير من جهاتها المستوجبة للاعتراض ، وها هي النصرانية لم تمس كتب العهد القديم حتى أنها تقرأها اليوم في الكنائس .
    ثانياً - ربما يريد اليهود التزام يوم السبت ، فلا بأس بالاذن والسماح لهم بذلك لأنه لا فرق بينه وبين نوروز العجم الملتزم إلى هذا اليوم .
    ثالثاً - أن تترك لهم الأماكن المقدسة بالعبرانية كالقدس وحبرون .
    ( ب - ما تتعهد اليهود )
    1- إلحاق القرآن الكريم بكتب العهد القديم بصفته كلام ملكوت الله المتمم والمكمل للتوراة .
    2- إلقاء الأذان المحمدي في الأوقات الخمس .
    3- الارتباط القطعي بخليفة المسلمين .
    وعلى مثل هذه الأسس أظن ان الجمع بين الدينين ليس خارجاً عن الإمكان ، وإلا فيما ان اليهودية لا تملك صفة تمثل الملل الأخرى ولا هي تتمثل فيها ، فمن المشكوك فيه جداً ان تحافظ على كيانها وسط هذا التيار المدهش في التنازع بين الإسلامية والمسيحية ، أن آفة اليهودية هو انفرادها ، وان الشقاق العظيم الكائن بين العيسويين جعل الموسويين يأخذون لهم نفساً وخلصهم مما كانوا فيه من الاضطهاد بصورة مؤقتة ، ولكن أليس لأخذ هذا النفس من نهاية ؟ إلا انه لابد له من نهاية .
    فهذا العالم المسيحي المتلاطم الأمواج لابد أن يحالوا إغراق قارب الموسوية الصغير ، إن ملل الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت ودولهم تستنكف بدرجة ما من إيذاء اليهود وإيصال الجور إليهم لخوف بعضها من بعض لوجود الرقابة التي فيما بينهم أو لأسباب أخرى ، ولكن هل من شبهة في أن كل واحدة من هذه الدول عندما تطمئن وتعتمد على قوتها ستقضي في أول فرصة وتختم على أنفاس اليهود ؟ إن كلاً من هؤلاء الدول لا يتأخر ولا يتوقف يوماً من الجري على خطة إبادة بعضهم لبعض على حين انهم أبناء دين واحد ، فماذا يكون حال اليهود إذا ما ظهرت مثلاً حكومة روسية ذات قوة لا يبقى معها خوف ولا مبالاة من الرأي العام لأوروبا وأمريكا ؟ ان مجلس مذهب الكاثوليك ذاك الشهير باسم مجلس التدقيقات(1) هو اليوم أيضاً ، موجود ، وإذا تقوى البابا مرة ثانية ، فإلي أي (سلانيك) لمسلمي العثمانيين يذهب اليهود ؟ من يضمن لنا ان دعاة مذهب البروتستان الذين يزعجون راحة الموسويين ليلاً ونهاراً كلما تقووا أن لا ينفذ صبرهم فيتوسلوا التدابير الزجرية القاسية إلى إبادة اليهود ؟ ألا إن هذا هو مستقبل اليتيم الضعيف المنزوي المنفرد ، والملة التي لا وطن لها ولا نصير ، وبناء على ذلك ليتفكر الصهيونيون(2) في مستقبل أمتهم وسلامتها ، آخذين مطالعاتي المعروضة أعلاه نصب أعينهم ودقة أنظارهم ، ولاشك ان أخذهم موقعاً ممتازاً في الإسلام أولى وارجح ألف ضعف من اضمحلالهم في النصرانية(*) .































  11. #11
    مؤلف وترجمان الصورة الرمزية محمد إسماعيل بطرش
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    المشاركات
    231
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المسيح و الصليب

    الباب العاشر
    الأدلة القطعية
    على أن العيسوية ليست في ضمن ملكوت الله
    العيسوية الحقيقية التي قبل التاريخ الهجري - وان لم تكن فعلاً ولكن - كانت بالقوة داخلة في ملكوت الله ، إلا أن النصارى الذين انحرفوا عن العيسوية الحقيقية الأصلية هم خارج ملكوت الله ، سواء أكانت قبل ظهور الإسلام أم بعده .
    - 34 -
    (كون العيسوية من الأديان الوثنية حقيقة لا تنكر)
    في العصر الثالث الميلادي احدث (صابلليون) صورة ائتلاف وقدمها الروحانيين بأمل رفع الخلاف الشديد المستحكم بين الموحدين والمثلثين ، أن صابلليون مع تصديقه وإقراره بالوحدانية الإلهية قدم التكليفات على الوجه الآتي بقصد إغفال الموحدين وإضلالهم ، قال :
    (الله واحد ، لا يمكن أن يكون الله مركباً من ثلاثة إلهة ، ولا أن يتحد ثلاثة أشياء فيكونوا الله ، ولكن الله عينه تجلي ويتجلى مرة بشكل آب ، ومرة بشكل ابن ، ومرة بشكل الروح القدس بالتناوب) هذا تعليم الرجل بصورة الاختصار ، ولكن رد هذا التعليم المثلثون من جهة والموحدون من جهة أخرى وبناء عليه فعقيدة صابلليون Sabelliaaasmeمردودة وغير مقبولة عند جميع المسيحيين .
    فالمسيونر لناي لا يجدون صعوبة في تفهيم الثالوث للمسلمين ، يستعملون دائماً طريقة صابلليون ، ويأتون بدليل أو مثل من الشمس وعلى زعمهم انهم يعرضون التثليث على الموحدين بالمرأة يقولون : أن كلا من الشمس والضوء والحرارة واحدة من ثلاثة وثلاثة من واحدة ، فكذلك الأب والابن والروح القدس ، كأنه واحد وثلاثة ، ولا يعلمون أن الأدلة المصطنعة ليست قادرة على إثبات شيء .
    وان مثل هذه الأدلة والأمثلة لا يقدر على كشف مكتوم ، ولا على مدافعة عن باطل ، ولا على إبطال حق ، أريد أن ابحث عن نقطة من مشكلات الفلسفة ، على أن الأشكال في النقطة المذكورة مضاعف (أولاً) من حيث التعبيرات المستعملة (وثانياً) من حيث المحاكمة والتعقل ، فالتعبيرات أو الاصطلاحات وهي بعض الألفاظ - فعلى فكري القاصر - أنها تغلط الفكرة المتصورة ، ومن هذه الجملة تفهم المعاني الحقيقية لمثل الكلمات :(خاصة ، ذات ، صفة، موضوع) وأما من حيث المحاكمة فالتعبير (القدم) بكسر القاف وفتح الدال ، والتعبير (التقدم).
    أنا إذا رأيت وجود الصفة في الذات (الموصوف) وأدركت الخاصة في الموضوع فحينئذ اصدق بوجود الصفة ، وعلى عكس التقدير تكون الصفة غير موجودة ، فالشيء القائم بنفسه ذات ، موضوع ، حقيقة ، وبناء عليه أتصور العلم في العليم ، والقدرة في القدير ، والحياة في الحي فأدركها واقدرها ، ولكني لا اقدر أن أدرك العليم في العلم والقدير في القدرة والحي في الحياة ، لأنه ما لم يكن الموضوع Sabjectum معيناً ومعلوماً ، فالعلم والقدرة والحياة عبارة عن خيال أو عدم .
    وعلى هذا الوجه ، اقدر أن أرى الملكوت في الملك ، والدين في الديان ، والحكم في الحاكم ، لان كلاً من الملك والديان والحاكم ، موضوع وذات ، وأما الملكوت وأمثاله فخاصة وصفة .propriam attributtimوالآن في صرف ونحو كل اللغات grammarium قد سموا الموضوع صفة والصفة اسم معنى خلاقاً لهذه القاعدة ، وقد عبروا عن كل من (العالم والقادر والحي) بكلمة صفة قد يجوز هذا الاعتبار في عالم المحدودات ، أي قد يتقدم العلم على العالم ، والقوة على القوي ، و الحياة على الحي ، لان العالمين والأقوياء والأحياء كثيرون ، ولكن الله الأزلي الأبدي يتقدم حتماً على الصفة والخاصة .
    والآن نظراً إلى أصول محاكمة المثلثين أو نظراً إلى أساس تعقلهم (prineipium Ratioeinationis) في البدء كان الكلام(*) والكلام كان عند الله ، وكان الله الكلام) (يوحنا 1:1) وسأدقق بصورة مختصرة لفظة الكلام فقط من هذه الجمل التي ترجمها من الإنجيل اليوناني العبارة، وقد ترجموا لفظ ( ) بكلمة وبكلام ، وهذا بمعنى علم ، عقل ، أو ما يسميه الغربيون (Reason ratio raison) .
    فإني اسأل : هل الله علم أم عليم ؟ فان كان علماً ، فما هو موضوع العلم ؟ وإذا كان موضوع العلم هو الله ، فلماذا يجعلون العلم موضوع الله ؟ لان الآية تقول (كان الكلام الله) وفي هذه الجملة الكلام موصوف ،وأما الله فصفة (حاشا) .
    يقال : الحكيم بما انه يعرف البياض ، والعلامة بما انه قد ذاق العلم فيدرك العليم من العلم ، ويدرك الأبيض من البياض ، ولكني أرد هذه الأصول بشدة وحسب محاكمتي فالتعبيرات كالعلم والحياة والقدرة والبياض لا يمكن أن تتقدم على موضوعها قطعاً ، وادعي عدم وجودها ما لم يتعين الموضوع ، لان وجودها لا يدرك إلا بالموضوع .
    كان السبب الوحيد في انفكاكي عن المسيحية قد وقع على هذا الأساس ؟ وعلى أساس المسيحية وقولهم (قد كان العقل الأول ، والقدرة الأزلية ، والحياة الأبدية) يتظاهر في الحال ثلاث وجودات أبدية ، ولكن بما انهم يقدمون الصفة على الموضوع فانهم يثبتون عدم وجود الثلاثة وجودات الأبدية مثلا لو كان أحد الآلهة العلم والآخر القدرة والثالث الحياة ، لكن كل من هذه الآلهة الثلاثة :أي الإله العليم ولكنه غير قادر وغير حي ، والإله القدير ولكنه غير عليم وغير حي ، والإله الحي ولكنه غير عليم وغير قادر، ألها ناقصاً وحاشا فليقدروا ذلك(*) .
    وها هو اعتقاد المسيحية الحاضرة في هذا المركز :
    الابن :- الكلام والكلمة . العلم والعقل الأزلي .
    الأب:- القدرة . الأبوة الأبدية .
    الروح القدس :- الحياة وكذا .
    فلا العلم الذي هو موضوع الابن ، ولا القدرة التي هي موضوع الآب ، ولا الحياة التي هي موضوع الروح القدس بعضها عين البعض ، ونضرب الاباطيل الثلاثة في ثلاثة ينتج تسعة أباطيل ، ولابد من أنها تورث الذل والهوان لعقل الإنسان .
    ولكن يا أصدقائي المسيحيين ، وزملائي الأقدمين أصغوا لفكرتي ومحاكمتي بما أن واجب الوجود قائم بنفسه ، فهو مجرد (منزه) وواحد ، أي أن ذات واحدة ، وان تعبيركم (Persona برصونا) وعلى الأخص باليونانية كلمة ( يروصويون)(1) (شخص) بما أنها تستعمل في المعنى الذي يشكل جزاً Individiam من جزئيات نوع البشر ، لا يكون له شمول على ذات الله ، لان الله ليس شخصاً ولا طبيعة ، ولا يمكن أن تقيس ذات الله بإحدى المقولات، لان المتناهي لا يقيس غير المتناهي ، ولست اقصد البحث هنا عن اصطلاحاتكم العلمية الطبيعية Natura(1) ربرصون .
    العيسوية تعتقد بإله متشكل من ثلاثة أشخاص بطبيعة واحدة ، وليس من الجائز تطبيق شخص Persona ولا طبيعة natura على ذات الله ، فان كان من البديهي ، أن الأشخاص الثلاثة الذين هم في طبيعة واحدة لا يكون أحدهم عين الاثنين الآخرين ، فكذلك كان المعترفون (بان الأشخاص الثلاثة التي في الثلوث لا يمكن أن يكونوا شخصاً واحداً) هي الكنائس .
    إذا قلت أن المتكلمين( أرباب علم الكلام) من المسيحيين قد ذهبوا ضحية الأصول الكاذبة التي يتعقبونها أكون قد قلت الحقيقة ، وهم يقدمون (المقولة ، الصفة) على (الموضوع Subjectum) ولما أحسوا بالضور والحرارة والحياة والشمس بقوا عاجزين عن تطبيق هذه الأصول عليها ، لأنهم في المقولات الثلاثة المذكورة لا يتمكنون من اراءة ثلاثة مواضيع ، بل موضوعاً واحداً وهو الشمس ، هل الشمس ثلاثة أشخاص ، إذن لماذا لا يكون ؟ مع أن موضوع الحرارة (الحار) وموضوع (المضيء) وموضوع الحياة (الحي) رأوا عجزهم عن إثبات وجود ثلاثة مواضيع في الشمس ، فصرفوا النظر عن ادعائهم لما يرد عليهم منطقياً ولكنهم لا يزالون يصرون على ادعاء وجود ثلاثة مواضيع في ذات الله الذي لا تدركه الأبصار .
    والآن أقــول أن هــذه العــبارات الـتي لديكــم (يرصون ، يرصوبون ، ناطور . فيزيس، ( ) إن هي إلا عبارات بربرية متعسفة ، حيث أنها لم تستعمل في الوحي والإلهامات النازلة باللغات السامية ، الله ذات وليس ثلاثة ذوات(*) فان كنتم ترغبون في إيجاد ذات لكل صفة ، فأنكم في تلك الحالة تضطرون إلى تعيين اكثر من عشرين ذاتاً لا إلى ثلاث ذوات فقط فليس الله قديراً وعليماً وحياً فقط ، بل هو أيضاً ديان ورحمان ورحيم وتواب وغفور وحنان وبصير وسميع لان كل هذه الصفات مشهودة في الله تعالى ، فإذا كنتم تقولون لله الذي له علم (ابن) فلا يجب أن تقولوا لله الذي له رحمة (صديق) ولله الذي له غضب (عدو) .
    وكما أن تفكير المسيحية الأول أي طلب الموضوع (الموصوف) في الصفة هو خطأ فبالطبع يكون الخطأ الثاني في الأصل معكوساً وتعريبكم هو الصحيح ، عدم ملاحظتهم أن الله تعالى غير متناه . ففي المتناهيات لابد لكل صفة من موضوع (موصوف) فالعاقل الحي، القوي، الجسور ، السميع ، الصادق ، الحبيب ، الصديق ، الناطق ... الخ مواضيع لصفات ، وصفاتها كلها وهي العقل والحياة ..الخ صفات لها مواضيع وكم هناك من عاقل وحي وصديق وناطق لإعداد لهم ، ولكن ذات الله غير المتناهية جامعة لكل الصفات (الكمالية) في ذاته الواحدة وبناء عليه فذات الله يوصف بأنه عليم قدير حي رحيم سميع ... الخ .
    وأما غلط المسيحية الثالث فليس ناشئاً من أصول الحكمة بل هو ناشئ من العقيدة الباطلة أي هو عبارة عن اعتقادهم رؤيتهم في ذات الله عز وجل رؤية أبوة ونبوة ومخرج في الله وهذه العقيدة خلاف الحقيقة بالكلية ، فلا العقل والحكمة تقبل هذا ولا الكتب المقدسة تجوزه ولا حضرة ذات الله نفسه .
    كل الصفات الحسنى موضوعها غير المتناهي هو ذات الله تعالى النبي دانيال عليه السلام رأى ذات الله جالساً على العرش بغير ما شريك ولا شبيه ولا ابن ! ولم ير في الرؤيا على العرش ثلاثة (يرصون) أشخاص ، إلا الله واحداً جالساً على العرش .
    انصفوا بالله أيها القوم وقولوا : الإنصاف الإنصاف ، هل إله الإسلامية حقيقي وحق أم الثلاثة الأقانيم ، ملكوت الله هو الإسلامية ، ومالك الملك هو الله وحده من غير أبن ولا غير ذلك ، ولا شك في أن التوراة والقرآن لا يجوزان التثليث ، الشرك بالله بمعنى الحط من قدره ومس بعظمته عز وجل والحال أن المسيحية تشرك بالله إذ تعترف بثلاثة مواضيع، بثلاث ذوات ، بناء عليه فالمسيحية خارج ملكوت الله ولا تعترف بالله الحق ولا تسجد له(*) .
    - 35 -
    ( سبب انشقاق المسيحية هو فقدان الدين )
    والعامل في وحدة الإسلامية كمال الدين
    كنت أوضحت الدين في الباب التاسع بصورة مفصلة .
    أروني في المسيحية حاكماً شرعياً ذا صلاحية لفصل النزاع وحل الدعاوى ، أروني كتاب شريعة يتوسل به الحاكم لتمييز العدل وإجرائه ، اروني محكمة عيسوية مستندة إلى كتاب شريعة تحتوي على أحكام شرعية صريحة ، لا حاكم ولا شريعة ولا ديوان ، فان كان قد احدث شيء في المجمع العام الثاني سنة 381(1) ، من قبل الخمسة بطاركة الكبار فليعينو متخدين .
    مثلاً إذا حدث ازدواج بين قره بت اغا والمداموازيل اليونانية المسماة أيود وكسيا فمن يكون العقد ؟ هل الراهب الأرميني أم الأرثوذكسي ؟ وعلى أي صورة من شريعة عيسى تقرر البطركيتان الاتحاد في المسئلة المذكورة ؟ أو إذا حدث بين المرقومين مسئلة طلاق ، فبناء على أي قانون عيسى تفصل البطركتيان فيها ؟
    لكل كنيسة دينها وحكمها ومحكمتها ، وبما انه يخالف بعضها البعض الآخر ويخاصمه ، فذلك برهان على لزوم التقدير بأنه ليس للعيسوية دين عام .
    العدل في الكنائس ليس باسم الله وعيسى والإنجيل ، ولكن لتلك الكنيسة قانون خاص ودستور عمل تجري عليه ، لو كان ملكوت الله يجري على كل العيسوية ، لكان قد انعم على جميعهم بدين واحد ومحكمة واحد .
    انظروا إلى هذا الدين وهذا الديوان في محكمة الفاتيكان تحاكم كاثوليكياً قد توفي منذ مئات السنين ، ولكن في أي صورة يعينون من الجهة الواحدة ، قسيساً ليزحلته بذلاقة لسانه مقدساً معززاً ، ومن الجهة الأخرى يعينون محامياً شيطاناً Diabolus ليبرهن على عدم لياقة المتوفي للعزة ، أتدرون لماذا ؟ لأنه مات على مذهب الكاثوليك وبالنتيجة يقررون على رجل مات منذ مائتين أو ثلاثمائة سنة كبولص وبطرس أنه مقدس .
    على أنكم لو حولتم محاكمة عين المتوفي إلى محكمة بطريق خانة الروم ففضلاً عن إصغائهم للمحامي الشيطان وحرمان الرجل من العزة بسبب كونه مات كاثوليكياً ، فانهم لا يترددون أيضاً في حرمانه Exeommunieatus مكرراً ، جيداً جداً ، بناء على أي دين ، وعلى أي كتاب يجرون مثل هذه الخصومة وهذا الحكم ؟ الجواب صريح وقطعي: لأنه لا دين هناك ولا ديوان .
    هل الإسلامية هكذا ؟ ليفهم جيداً أني ابحث هنا عن الأصول والأساس وإلا فليس من حدي أن اجعل كل المسلمين ملائكة أو كل النصارى شياطين ، فبعض حكام المسلمين وموظفيهم أيضاً قد اجروا مظالم اخذين الشريعة تحت إقدامهم ولكن الدين والشريعة دائماً مكملة ولا تضيع صفة عدالتها ، الظلمة من المسلمين لا يتجاسرون أبداً واصلاً على إجراء الظلم بأصول الدين أعلى بأصول المحكمة الشرعية ، ولابد عند إجراء الظلم والباطل ، من مخالفة مقتضيات أحكام الدين ، والانحراف عنه .
    ولكن الأمر في العيسوية ليس كذلك ، فان محكمة التفتيش الشرعية ، الكاثوليكية التي أحرقت الألوف من المرتدين (الهراطقة Heretici) وأهلكتهم بآلاف الأنواع من العذاب ، من يقدر أن يعين باسم أي إنجيل وصليب ارتكبت تلك المظالم ، أي إنجيل أمر بقتل هؤلاء ؟ والبابا وهو الرجل الذي يدعي أنه ليس رئيس الكنيسة ، لماذا يراهم مرتدين ويسمح بإلقائهم إلى لهب النار؟ أي إنجيل وأي قانون مسيحي يأمر بهذا ؟ لا يجب انتقاد الكاثوليكية فقط ، فان كل الكنائس في كل وقت مستعدة لإجراء هذه المظالم عندما تحرز قوة وتجد نفسها القدرة على الظلم لأنه لا دين(*) هناك ولا شريعة ، فأولاً كتب الأناجيل لم تكتب بالوحي الإلهي ، ثم كتب التوراة تناقض كتب الأناجيل ومن لم يكن له دين فلا يكون داخلاً في ملكوت الله ، إذن فالعيسوية محرومة من الدين وبناء عليه فهي خارج ملكوت الله .
















  12. #12
    مترجم / أدب إنجليزي
    من كبار أعضاء الجمعية
    الصورة الرمزية سامي خمو
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    العمر
    81
    المشاركات
    1,340
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    الأستاذ الفاضل محمد اسماعيل بطرش المحترم،

    والأستاذ الفاضل د. حسيب شحادة المحترم،

    هذه الطريقة التي تتبعانها في النسخ واللصق تخالف القاعدة التي تتبعها واتا في طرح المداخلات. فبدلا من النسخ واللصق أرجو إبداء رأيكما الموجز عن المصادر ووضع رابط على المصدر الذي ترغبان في اطلاع الأعضاء الأفاضل عليه.

    ولطالما تفضل الأستاذ الفاضل منذر أبو هواش لمنع مثل هذا الاستغلال لصفحات واتا. لذلك أدعو حضرته إلى التدخل في هذا الأمر كعهدنا به سابقا في مثل هذه الحالات.

    مع خالص الود والتقدير

    سامي خمو.


  13. #13
    عـضــو الصورة الرمزية مختار محمد مختار
    تاريخ التسجيل
    04/10/2006
    العمر
    42
    المشاركات
    887
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    جزيل الشكر أ- أساتذتي الكرام
    لقد قمت بنسخ المشاركة كاملة وسأقرأها بتمعن ان شاء الله
    جُزيتم خيراً ، وبارك الله فيكم

    Mukhtar Muhammad Mukhtar
    Freelance Translator
    mokhtar1000@gmail.com

  14. #14
    شاعر
    تاريخ التسجيل
    10/07/2007
    المشاركات
    67
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي


    الأستاذ الفاضل محمّد اسماعيل بطرش بارك الله فيك..

    لقد عملتُ بنصيحتك الطّيّبة فقمتُ باستنساخ جميع أجزاء الكتاب وأرسلتُها إلى مجموعة كبيرة من أصدقائي المهتمّين..

    كتابٌ مثير للإهتمام والدّراسة.. فجزاك الله خيراً ..

    حسين الصّدّيقي

    شاعر ومفكر اسلامي

    قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ :

    الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ

    رواهُ البخاري

    فاحذروا أن تُحبّوا عصيّاً على الرّحمن فتكونوا معهُ سواء

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  15. #15
    جامعة هلسنكي الصورة الرمزية أ. د. حسيب شحادة
    تاريخ التسجيل
    09/04/2008
    المشاركات
    47
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي التعقيب على مقالة ما يجب أن يتطرق لما ورد فيها

    تحية طيبة وبعد،
    من أبجديات التعليق والمداخلة التطرق الموضوعي لما ورد في المقالة، أمامنا عرض ومراجعة لكتاب صدر مؤخرا في الديار المقدسة، وحاولت تبيان مواطن القوة فيه ومواطن بحاجة للنظر والتعديل مستقبلا. هذا يعني قراءة الكتاب أولا بغية إضافة شيء ما ذي بال في المادة قيد البحث. لذلك ُدهشت حقا لإضافة هذه المادة الطويلة من كتاب "المسيح والصليب" إذ لا مبرر له علميا وأخلاقيا في هذا السياق

    وللسيد الفاضل سامي خمو أقول: ماذا تقصد بالنسخ واللصق في مقالتي هذه؟
    بإخلاص
    حسيب شحادة
    بروفيسور في اللغات السامية


  16. #16
    مترجم / أدب إنجليزي
    من كبار أعضاء الجمعية
    الصورة الرمزية سامي خمو
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    العمر
    81
    المشاركات
    1,340
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    الأستاذ الفاضل البروفيسور حسيب شحادة،

    تحية طيبة،

    ربما الأفضل أن يكون سؤالك كما يلي: كيف تقول عني يا سامي إني استنسخت كلمات غيري ولصقتها في صفحات واتا؟ حينئذ تكون على حق ويتوجب علـّي الاعتذار.

    وها أنا ذا أعتذر لسيادتك أشد الاعتذار، فبعد التمعـّن في مطالعة مداخلتك تبيـّن لي إن ما جاء فيها من بنات أفكارك مائة في المائة لذلك أرجو قبول اعتذاري لأنني تسرعت في قراءة مداخلتك.

    ولكن ملاحظتي صحيحة بالنسبة للأستاذ الفاضل محمد اسماعيل بطرش، لأنه بحق استغل صفحات واتا لنسخ مادة طويلة من تأليف شخص آخر غيره ولصقه في صفحات واتا وهو كتاب أصفر مشبوه. وهو كذلك كما تفضلت أمر "لا مبرر له علميا وأخلاقيا في هذا السياق" الذي اتفق معك بشأنه غاية الاتفاق. فهو لم يعلق على مداخلتك بل حرّف الموضوع لمجرد الطعن في العقيدة المسيحية كعادته.


    صفحات هذه الجمعية ليست مخصصة لهذا الغرض. إذا كان لدى أعضاء واتا مادة مثل كتاب أو مسرد يرغبون في إطلاع الأعضاء عليه فما عليهم إلا وضع رابط عليه لكي يتمكن من يرغب في قراءته الضغط على الرابط وقراءته أو طباعته. وهذا ما يفعله المئات من أعضاء واتا المحترمين الذين يعلنون عن كتب ومسارد وقواميس فيضعون رابطا عليها لمن يهمه الأمر. وكما ذكرتُ سابقا فقد نبّه المسؤولون في هذه الجمعية إلى هذا الأمر مرارا.

    مع خالص الود والتقدير،

    سامي خمو


  17. #17
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    01/09/2007
    المشاركات
    64
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي

    الأستاذ محمد أسماعيل بطرش قام بأقحام موضوع لا علاقه له بمقال الأستاذ حسيب شحادة . ربما هي محاوله من بعض الأخوة وبمشاعر دينية صادقة يحاولون التعتيم على موضوعات لا علاقه لها بالأسلام.

    فقد لصق كتاب كامل يريد ان يقول (أيها المسيحيون انتم لا تعرفون دينكم ولا تفهموه. نحن المسلمون نفهّمكم دينكم ونعلمكم الحقيقة عن كتبكم المقدسة)

    التقيت بمبشر أنجيلي يعرف العربية. وكان يناقش ثلاثة مسلمين. المشهد كان يشبه أفلام الكارتون التلفزيونية للأطفال. كلاهما يريد أن يثبت للآخر انه يفهم دين الطرف الآخر اكثر .. فالمسلمين كانوا يفسرون كل كلمة (حمد، فاروقليط، محمود ،) وكلمات كهذه في الكتاب المقدس بأنها أشارة الى الرسول محمد.

    جواب المبشر الانجيلي كان في وقته مضحك: قال لاحد المسلمين:
    أطلب منك ان تقرأ الفاتحة.
    فراح المسلم يرتل : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين.
    قال المبشر توقف توقّف. انتم تعبدون محمد. أنتم تحمدون الله. والحمد هو محمد. فهو الله.
    ضحك المسلمون الثلاثه.
    قال لهم: أنني ايضا اضحك حين أسمع تأويلاتكم لآيات الكتاب المقدس.

    ومؤلف الكتاب الملصق بواسطة استاذي بطرش يريد ان يقول للمسيحيين ومنهم علماء لا يتورعون في نقد الكتاب المقدس ولا يتورعون عن التمسك بالحقيقة، بأنهم لا يعرفون الحق ولا يفهمون كتبهم.

    ماذا لو اصدر مسيحي كتابا يفسر القرآن الكريم؟ ماذا تكون ردة الفعل بين المسلمين؟

    أذن لم يفعل بعض المسلمين ذلك؟

    أن ما يقوله المسلمون عن الكتاب المقدس وفي واتا يتعارض مع القرآن الكريم.

    فالقرآن الكريم لم ينكر صحة التوراة والأنجيل أي العهد القديم والعهد الجديد.

    ما قاله القرآن هو التحريف. اي تغيير بعض الحروف فقط. تحريف بعض الكلمات. والقرآن دقيق. لكن القرآن لم يرفض الكتاب المقدس ولا آياته بالكامل.

    أما الأخوة المسلمين حفظهم الله فأنهم يسخرون وينقدون ويعتبرون ان الكتب المقدسة عهدا قديما وجديدا بأنها مزيفة ومنحوله. وهذا يناقض ما جاء به القرأن أذ اعتبرهم أهل الكتاب أي لديهم كتاب منزل. ولو لم يكن لديهم كتاب منزل لما أعترف به القرآن زمن الرسول محمد ص وهو نفس الكتاب الذي بين ايدي المسيحيين اليوم.

    مقال قصير عن المسيحية لاحد رجالها جعل الأخ بطرش يلصق كتاب كامل كأنه يخشى ان يقرأ احد المقاله الصغيرة وليس فيها لا نقاش للأسلام ولا حوار بل تتناول معرفة لاهوتيه خاصه..

    الدكتور ابراهيم عوض حفظه الله نشر مقال هو فصل من كتاب. وعندما حاورته بالمعرفه راح فلصق كتابا ضخما كأنه يريد بتلك الفصول من الكتاب أن يغرق نقدي العلمي له.

    وما أجابني الدكتور عوض. وما حاور أحدا في ذلك الباب. وتفتّق ابداعة اخيرا بالرد بجملتين لم افهمهما أذ تحدث عن ثور ويحلبه الآخرون.. ومع انني قرأت الغزالي والبخاري وابن خلدون وابن تيمية وفولتير وكانط وفهمتهم لكنني وجدت نفسي عاجزا عن فهم ردّه العبقري عن الثور الذي يحلبه المتحاورون. ولا أعرف ما علاقة السيد المسيح والرسول محمد ص بالثور. هل يشير الى انّ احد الأنبياء قام بمعجزة فحلب ثوراً؟

    ايها الأخوة المسلمون حفظكم الله: التزموا بالقرآن. بأحترامه للمسيحية ولأهل الكتاب.

    أن أنكاركم أنّ المسيحيين بين ايديهم كتاب سماوي منزل هو انكار وتكذيب للقرآن الكريم الذي اعترف بكتبهم ككتب منزله ... ومنحهم الاحترام والحق وفرض على المسلم ان يفدي نفسه ودمه وحياته للدفاع عنهم ... هؤلاء أهل ذمة رسولنا.

    وأتمنى على الأخ بطرش ان يتمسك برسولنا نبراسا.

    ولو أنّ مسيحيي واتا كانوا من المعاندين والمجادلين لكانوا فعلوا مثلما يفعل البعض من المسلمين: نقدوا القرآن كما ينقد المسلمون الكتاب المقدس توراة وانجيلا.

    فهل ستسمح واتا بذلك؟

    المطلوب العداله بأخوتنا وابناء امتنا ورفاقنا أعضاء واتا من المسيحيين.


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •