بطلان كتاب ظبيان في كهف عمّان!

لا بدَّ لكهف الرجيب أنْ يرتحل

أهل الكهف

نزلتْ سورةُ الكهفِ بقصّةِ الفتيةِ النوّامِ: "أَمْ حَسِبْتَ أنَّ أَصْحبَ الكهفِ والرقيمِ كانُوا مِنْ ءايتِنا عَجَباً (9) إذْ أَوَى الفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ فَقالُوا: رَبَّنا ءاتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلى ءاذانِـهِمْ في الكهفِ سِنيَن عَدَداً (11) ثُـمَّ بعثْنهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الِحزْبيْنِ أحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) ".
وأصبحَ المسلمونَ في شوقٍ إلى معرفةِ موضعِ الكهفِ، وحقيقةِ الرَّقيمِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أخذَ يُقَلِّبُ الأَسْفارَ لَعَلَّ أَوْراقَها تُجِيبُ فَيَظْفَرَ بِضالَّتِهِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ أخذَ يجوبُ الأقْطارَ، يُسائِلُ آفاقَها عَنْ فتيةٍ جُثَثٍ، ونقودٍ فِضَّةٍ، والكهفِ المَرْقَدِ، والبُنْيانِ الذي عليهِم، والمسجدِ.

فندق الرشاد

أجلْ، قرَأَ في الأسفارِ مَنْ قرأَ، فدارتِ الأقوالُ بالفتيةِ مِنْ أهلِ التوراةِ إلى أهلِ الإنجيلِ. وضربَ في الأرضِ مَنْ ضربَ، فسافرتِ الآراءُ بالكهفِ في أقطارٍ مِنَ العالَمِ وأقطارٍ، فصارَ في حقيبتِهِ تذاكرُ سفرٍ، وتذاكرُ ارتحالٍ، وامتلأَ جوازُ سفــرِهِ بأختامِ الحدودِ، وتواقيعِ الجنـودِ، حتى جازَ أنْ نُسَمِّيَهُ: الكهفَ الطيّارَ، الكهــفَ الجوّالَ، الكهفَ الطوّافَ، الكهفَ الرّحّالَ، والكهفَ السندبادَ.
وعَبْرَ القرونِ رحلَ قومٌ بكهفِ الفتيةِ، فندقِ الرشادِ، مِنَ اليمنِ إلى الموصلِ، قربَ نينَوى بالعراقِ، ومِنْ ثَمَّ إلى جبلِ قاسْيونَ في ظاهرِ دمَشْقَ بالشامِ. ونقلَهُ أُناسٌ إلى الأَنْدَلُسِ، وفي الأندلسِ حملَهُ فريقٌ مِنْ لوشةَ إلى طُلَيْطِلَةَ، ومِنْ طليطلةَ إلى جنانِ الوردِ. وسافرَ بِهِ آخَرونَ في رحلةٍ داخليةٍ بِتُرْكِيّا مِنْ أفِسُوسَ إلى عَربِسُوسَ. وَحَرَّكَهُ نفرٌ مِنْ نَخْجَوَانَ بالقَفْقَازِ، إلى بريطانيا مُحْتارينَ بِهِ بينَ الكنائسِ.. ورافقتْهُ الجماعةُ الأحمديّةُ مِنْ إسكندنافيا – حيثُ الدِنِمارْكُ والسِّويدُ – إلى روما في جِوارِ بابا الفاتيكانِ حيثُ سراديبُ وكهوفُ "الكيتا كومز". وقدْ منحهُ البعضُ جنسيَّةَ الباكستانِ. وذهبَ بِهِ حزبٌ إلى "سحابَ"، إلى الرجيبِ، قربَ عمَّانَ عاصمةِ الأُرْدُنِّ.

ما للرجيب والكهف؟

ونظراً إلى ما لَقِيَهُ القولُ بالرجيبِ، موضعاً لكهفِ أهل الكهف، مِنَ الاهتمامِ والترويجِ الإعلاميِّ، فإنَّهُ لا بدَّ منَ التذكيرِ بِبُطْلانِهِ. ولا ريْبَ أنَّ الكتابَ الذي يحاولُ تمريرَ ذلكَ الرأيِ، يُوَفِّرُ المصدرَ الأفضلَ لاستخراجِ أدِلَّةِ الدَّحْضِ والتفنيدِ.
لقدْ تناقلتِ التفاسيرُ، ربَّما مِنْ عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ، أنَّ في "الرجيبِ" - قربَ عمّانَ عاصمةِ الأردن - غاراً ظَنَّهُ بعضُ المسلمينَ كهفَ "أهلِ الكهفِ". و بَدْءاً مِنْ عامِ 1953 م، قامَ المرحومُ الأُستاذُ "محمد تيسير ظبيان"، بإحياءِ هذا الرأيِ متَوَّهِماً، أَوْ موهِماً الناسَ، كأنَّهُ أولُ مَنْ قالَ بِهِ، وأنَّهُ صاحبُ أهمِّ اكتشافٍ أثريٍّ وتاريخيٍّ في القرنِ العشرينَ. وذلكَ كما جاءَ على غلافِ كتابٍ ألَّفَهُ معنوناً لهُ بهذا العنوانِ الفخيم: "مَوقِعُ أصْحابِ الكهفِ وظهورُ المعجزةِ القرآنيّةِ الكُبرى". وقدْ نشرتْهُ له دارُ الاعتصامِ في العامِ 1978م.
حقّاً، لم يكنْ ما جاءَ بِه المرحومُ ظُبيانُ اكتشافاً، بلْ وإنَّ كتابَهُ نفسَهُ كافٍ تماماً ليثبتَ أن "الرجيبَ"، ليستْ موضعَ كهفِ أهلِ الكهفِ. ونكتفي بعددٍ مِنَ التذكيراتِ ندْحَضُ بِها ما حسبَهُ البعضُ مِنْ صحةِ قولِ المرحومِ ظِبيانَ.

من الرقيم إلى الرجيب

ظنَّ المرحومُ "ظبيانُ" أنَّ "الرقيمَ" هي أصلُ "الرجيبِ"، أيْ: إنَّ القافَ انقلبت إلى جيمٍ، وأنَّ الميمَ انقلبت إلى باءٍ. ومِنَ العجيبِ أنَّ ظنَّ ظبيانَ بِهذيْنِ الانقلابيْنِ ما هوَ إلاّ ظنٌّ قدِ استوردَهُ مِنْ عندِ المستشرقِ الفرنسيِّ "كليرمونت جانو" الذي زارَ الرجيبَ عامَ 1868م، وأشارَ إلى أنَّ فيها كهفاً ظَنَّهُ المسلمونَ كهفَ أهلِ الكهفِ (ص50).

فأينَ "الرجيبُ" مِنَ "الرقيمِ"؟!

إنَّ الرجيبَ مِنْ رَجَبَ، وأما الرقيمُ فَمِنْ رَقَمَ، والرجيبُ، أوِ المرجوبُ، هو المُعَظَّمُ المَهيبُ؛ في حِينِ إنَّ الرقيمَ أو المرقومَ هوَ: المخطوطُ. ويظهرُ لي أنَّ هذا الاسمَ: "الرجيبَ"، بمعنى: المعظَّمِ المهيبِ، قدْ أُطْلِقَ على ذلكَ الموضعِ بعدَ الزعمِ بأنَّ كهفَ أهلِ الكهفِ موجودٌ فيهِ.
وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّ القولَ بالرقيمِ، اسماً لموضعِ الكهفِ، في الأقوالِ التي تتعرّضُ لتفسيرِ معنى الرقيم، هوَ: أضعفُ الأقوالِ. وَلَمْ يقتصرِ اعتبارُ الرقيمِ اسماً لموضعِ الكهفِ على رجيبِ الأردنِّ، بل إنَّهُ شملَ أيضاً موضعَ كهفِ لوشةَ بالأندلسِ. ويظهرُ لي أنَّ مَنْ كانَ يظنُّ بكهفٍ مِنَ الكهوفِ كهفاً للفتيةِ، يذهبُ إلى تسميةِ موضعِهِ باسمِ الرقيمِ، ثم ينتشرُ الاسمُ في الناسِ.

جعلَ الوَرِقَ نحاساً

أوردَ المرحوم ظبيانُ أنَّهُ تمَّ العثورُ في الكهفِ على عملةٍ نحاسيّةٍ رومانيّةٍ مِنْ عهدِ تَراجان: "98م-117م" (ص35)، وعلى عملةٍ نحاسيّةٍ أخرى مِنْ عهدِ جستنيوس: "518م-527م" (ص 34، ص61). ويرى "ظبيان" أنَّهُ في عهدِ جستنيوس نفسِهِ تَمَّ بناءُ صومعةٍ، أوْ معبدٍ فوق الكهفِ (ص28).
لقدْ نسيَ ظبيانُ أنَّ جميعَ المفسرينَ، وأهلِ اللغةِ كابنِ منظور صاحب لسان العرب، قدْ أجمَعوا على أنَّ عِمْلةَ أهلِ الكهفِ كانت نقوداً فضيّةً، بلْ إنَّهم يعتبرونَ أنَّ "الوَرِقَ" هي اسمٌ للفضةِ. وأما الزعمُ بالعثورِ على عملتيْنِ بينهما فترةٌ تُساوي مدةَ نومِ أهلِ الكهفِ فلمْ يكنْ ترتيباً موفقاً (ص35)، لأنَّ ظبيانَ يعتبرُ أنَّ مُدَّةَ نومِهم هيَ: 309 سنينَ، بينَما نجدُ أنَّ الزمنَ الفاصلَ بينَ نِهايةِ حكمِ تراجان، وبينَ بدايةِ حكمِ جستنيوس، هُو: أربعُمائةِ سنةٍ وسنةٌ (518-117=401).
والغريبُ أنَّ المرحومَ ظبيانَ يذهبُ في مواضعَ أخرى إلى أنَّ بعثَ الفتيةِ قدْ تَمَّ في عهدِ ثيودوسيوس الثاني: "408-450م" (ص35)، وبالتحديدِ في العامِ 446م (ص194 )، وما ذلكَ إلاّ للوصولِ إلى فترةٍ منْ 300 سنةٍ، أو 309 سنواتٍ، وينسى أنه لم يُعْثَرْ في الرجيبِ على أيِّ عملةٍ مِنْ عهدِهِ.

جماجم الصبيان

ذكرَ ظبيانُ أنه وُجِدَ في الكهفِ ثماني جماجمَ (ص63). وفي موضعٍ آخرَ يذكرُ أنها سبعٌ مِنَ الجماجمِ (ص131). ويظهرُ أنَّ ظبيانَ لم يكن يريدُ أنْ يفرِّقَ بينَ رَقَمِ ٧ ورَقَمِ ٨، وهوَ: غيرُ ملومٍ في ذلك؛ لأنَّ أحدَ هذيْنِ الرقميْنِ - في رسمِنا نحن العربَ للأرقامِ - هوَ: مقلوبُ الآخر، فلو أَخذَ أيٌّ منهما يدورُ في دائرةٍ فَسَيَظْهَرُ الرقمُ ٧ كأنَّه ٨، وسيظهرُ الرقمُ ٨ كأنَّه ٧، فالدورانُ يُظْهِرُ السبعةَ ٧ ثمانيةً ٨، ويُظْهِرُ الثمانيةَ ٨ سبعةً ٧!
يبدو أن ظبيانَ ومَنْ ساعدَه قد أحضروا الجماجمَ مِنْ مقبرةٍ للأطفالِ، ويبدو أنَّهم اختاروها حديثةَ الدفنِ، زيادةً في التمويهِ. ومِمَّا لا ريْبَ فيه أنَّ عَمَلَهُمْ هذا هوَ: عملٌ غيرُ صالحٍ. ونسيَ ظبيانُ أنَّ الفتى هو الشابُّ، بلْ حتَّى هوَ الرجلُ الجزلُ المكتملُ رُجولةً.
ويزعمُ ظبيانُ أنَّهُ قد عُثِرَ في الكهفِ على قطعةٍ عظميّةٍ لحيوانِ، وقد ذهب إلى أنَّها عظمةُ كلبٍ، أو جمجمةُ كلبٍ (ص129)، وفي موضعٍ آخرَ ينفي ذلك ( ص 134). والعجيبُ أنَّ كتابَهُ يتحدّثُ عنْ عظامٍ كثيرةٍ للحيواناتِ، وأنَّها وجدتْ في الكهفِ.

النواويس

الناووسُ هوَ: صندوقٌ حجريٌّ للدَّفنِ.
ويظهرُ أنَّ المرحومَ ظبيانَ اتخذَ له رأياً مِنْ رأيِ ابنِ عباسٍ في أنَّ عِدَّةَ الفتيةِ هيَ: سبعةٌ، أو ثمانيةٌ (تفسير ابن كثير)؛ ولذلكَ حاولَ الزعمَ بالعثورِ على سبعةٍ مِنَ النواويسِ، أو ثمانيةٍ. ونوردُ تالياً عدداً مِنَ النصوصِ المتعلقةِ بالنواويسِ.
يقولُ ظبيانُ نقلاً عَنْ عالمِ الآثارِ الأستاذِ رفيقٍ الدجانيِّ: "وبعدَ تنظيفِ النواويسِ مِنَ الجهةِ الشرقيّةِ، تَبَيَّنَ أنَّ عددَها أربعةٌ، وقدْ عثرْنا على كثيرٍ مِنَ الهياكلِ البشريّةِ داخلَها، وعلى كثيرٍ مِنْ قِطَعِ النقودِ. كما عثرْنا داخلَها على ثمانِي جماجمَ بشريّةٍ قد تكونُ مِنْ دفنٍ حديثٍ" (ص63).
وفي الصفحةِ 59 نَقَلَ المرحوم ظبيانُ عَنِ الدجانيِّ قولَهُ: "والنواويسُ الحجريّةُ الستةُ لم يكنْ ظاهراً منها سوى أربعةٍ، وهي مليئةٌ بالعظامِ البشريّةِ، كما كانَ بينَ كلٍّ مِنَ الناووسَيْنِ مدفنٌ آخرُ بُنِيَتْ واجهتُه مِنَ الحجارةِ. وفي الساحةِ الشماليّةِ مِنَ الكهفِ عثرْنا على عِدَّةِ قبورٍ، وكانَ داخلُ الكهفِ مليئاً بالمدافنِ الحديثةِ والقديمةِ" (ص63 ).
ماذا نلاحظُ مِنَ النصوصِ السابقةِ؟
أ - مرّةً تُحَدِّثُنا عَنْ جماجمَ، ومرّةً عَنْ هياكلَ، ومرَّةً عَنْ عظامٍ.
ب - تارَةً تُحَدِّثُنا عَنْ ثماني جماجمَ، وهوَ: عددٌ محدودٌ؛ وكَرَّةً عَنْ عِدَّةِ قبورٍ؛ ومرةً عَنْ كثيرٍ مِنَ الهياكلِ.
ج - تُظْهِرُ النصوصُ أنَّ بقايا الأمواتِ غيرُ معروفةٍ أهِيَ مِنَ الزمنِ الحديثِ، أمِ الزمنِ القديمِ.
د - تتكلمُ النصوصُ عَنِ العثورِ على كثيرٍ مِنْ قِطَعِ النقودِ في النواويسِ، ولكنّها لَمْ تُحَدِّدْ تواريخَها، أوْ عددَها.
ومِنَ الغريبِ أنَّ ظبيانَ هو الذي يذكرُ هذا القولَ: "النواويسُ كأنَّها سبعةٌ، أوْ ثمانيةٌ" (ص143). وهوَ يوردُ أيضاً: "إنكَ ترى قبورَهم فتحتارُ أهي ستةٌ، أم سبعةٌ، أم ثمانيةٌ؛ وهذه آيةٌ إلهيّةٌ وهيَ أنَّهُ لا يعلمُ عددَهم إلاّ قليلٌ" (ص162). ألا يجوزُ مِنْ كلامِ كهذا أنْ نُسَمِّيَ طريقةَ "ظبيانَ" في التفسيرِ: طريقةَ التفسيرِ بالتحييرِ. فهل عجائــبُ الدنيا: ستٌّ، أمْ سبعٌ، أمْ ثمانٍ؟..
ويذكرُ أيضاً أنَّهُ قد وُجِدَ فوقَ الكهفِ سبعةُ أعمدةٍ، ولقدْ حسِبَها تُشيرُ إلى عددِ فتيةِ الكهفِ (ص65)، ونسيَ ما أكَّدَهُ في الصفحةِ السابقةِ مِنَ العُثورِ على أربعةِ قبورٍ في الجهةِ الشرقيّةِ، وأربعةٍ أُخْرى في الجهةِ الغربيّةِ.
هذا، ولوْ زرتَ الكهفَ فلن ترى غيرَ ستةٍ من النواويس.

النَّمِرُ شاهداً

وأغربُ ما في أمرِ ظبيانَ، هوَ ما يُورِدُهُ مِنْ شهادةِ المؤرخِ الأستاذ: "إحسان النمر".
ولقدْ أحسنَ إلينا "إحسانٌ" إحساناً، وأساءَ لصاحبِهِ، إذْ يقولُ: "ومِنْ مظاهرِ هذا الكهفِ أنَّني وجدتُ فيه غرفتيْنِ، عَنْ يمينِ ويسارِ الداخلِ فيهِ، في كلٍّ منهما ناووسانِ مِنَ الحجرِ، المجموعُ أربعةٌ "(ص154). ولكنَّ " النَّمِرَ" يَروغُ مِنْ ذكرِ الصدقِ، ويُراوِغُ موهِماً المسلمينَ بالعثورِ على اثنيْنِ في كلِّ ناووسٍ؛ إذْ يقولُ: "المجموعُ أربعةٌ ففي كلِّ ناووسٍ اثنانِ"، ثُمَّ يُكْمِلُ مُخادَعَتَهُ:" وَثمَّ ناووسٌ خارجَ بابِ الكهفِ، مُلاصِقٌ للبابِ فهوَ للكلبِ، على الأرجحِ، ويظهرُ أنَّهم لَمْ يَرَوْا إبقاءَ الكلبِ في الكهفِ".
وكمْ وَدِدْتُ لوْ أنَّ ظبيانَ قدْ عَلِمَ للنواويسِ عدداً وحُسْباناً.
ولا يُحَدِّثُنا ظبيانُ عَنْ نواويسَ مِنْ نوعٍ واحدٍ، أوْ عَنْ أنَّها مِنْ تاريخٍ مُعَيَّنٍ، وإنما يَرْجُمُ أنَّها مِنَ القرنِ الثالثِ الميلاديِّ (ص66).
حقّاً، إنَّ ما يذهبُ إليهِ مِنْ بعثِ أهلِ الكهفِ في القرنِ الخامسِ، لا يتوافقُ معَ القرنِ الثالثِ؛ فمِنَ المفروضِ أنْ يعودَ تاريخُ النواويسِ – لو أنَّها كانتْ مدافنَ لهم، وعلى فرضِ القبولِ ببعثِهم كما يراهُ – إلى القرنِ الخامسِ.
ويذكرُ ظبيانُ أنَّ أحدَ النواويسِ يحملُ نجمةً ثُمانِيَّةً، وحولَها كتابةٌ باليونانيّةِ القديمةِ، وكأنَّهُ يريدُ إيهامَنا بصحةِ عثورهِ على ثمانيةِ قبورٍ، أو ثماني جماجمَ.
ومعَ أنَّ ذكرَ الكتابةِ اليونانيّةِ قدْ تكررَ، إلاّ أنَّ ظبيانَ لَمْ يُبَيِّنْ عَنْ أيِّ شَيْءٍ تتحدثُ، وينسى أنَّها تخصُّ عصراً قبلَ الميلادِ، وهوَ نفسُهُ يوردُ أنَّها بخطٍّ يونانيٍّ قديمٍ، وفينيقيٍّ قديمٍ (ص66)، بلْ وبخطٍّ مِنْ عهدِ ثمودَ (ص144).
وإنَّ منطقةَ الرجيبِ ذاتُ زُروعٍ ومَراعٍ، وهيَ مطروقةٌ معمورةٌ بالناسِ من آلاف السنين قبلَ الرومان؛ مِمَّا لا يُؤَهِّلُها أنْ تكونَ موضعاً لكهفٍ يأوي إليهِ مَنْ يعتزلُ قومَهُ، هارباً منهُم، قاصداً أنْ لا يَصِلوا إليهِ.

كهف ظبيان وكهف القرآن

يحكم ظبيانُ وشهودُهُ مِنْ ذوي العمائمِ واللِّحى (ص166) أنَّ أوصافَ الكهفِ، المذكورةَ في القرآنِ الكريمِ، تنطبقُ على أوصافِ كهفِ الرجيبِ، بلْ وعليه دونَ غيرِهِ مِنْ كهوفِ الأرضِ جميعاً (ص55، ص67، ص93، ص160، ص161 ).
إنَّ ما حكمَ به ظبيانُ وشهودُهُ، هو: مَحْضُ اعتباطٍ؛ فكهفُهم مفتوحٌ بِبابٍ إلى الجنوبِ، ولا تدخلُ أشعةُ الشمسِ إلاّ إلى قصيرٍ مِنَ المسافةِ في مدخلِهِ (ص 94). وهو بذلكَ مظلمٌ حتى في سُطوعِ الشمسِ (ص52).
فعلاً، فكهفُ الرجيبِ لا إلى الشرقِ مفتوحٌ، ولا مِنَ الغربِ تَدْخُلُهُ ريحٌ، وهذا للقرآنِ المجيدِ مُخالِفٌ صريحٌ. ومِنَ العجيبِ أنْ يوردَ ظبيانُ – في معرضِ الاستدلالِ على تصديقِ كهفِهِ - قولاً لابنِ كثيرٍ يدلُّ على انفتاحِ كهفِ الفتيةِ إلى الشرقِ، وإلى الغربِ (ص94).
وتَحَدَّثَ ظبيانُ عَنْ وجودِ بقايا معبدٍ فوقَ الكهفِ، ولكنَّه نسيَ أنَّ المعبدَ الذي اتَّخَذَهُ العاثرونَ على فتيةِ الكهفِ، لم يكنْ فوقَ الكهفِ. وبناءُ المعبدِ - عندَهُ - مرةً يعودُ إلى زمنِ "ثيودوسيوس الثاني": ( 408 -450م) {ص97}، وتارةً إلى عهدِ "أنطاسيوس" في سنةِ 497م {ص128}، وكَرَّةً إلى عصرِ "جستنيوس الأول": (517-527م ) {ص28، ص62}.

ويستوردُ الفتاوى

وقام الأستاذُ المرحومُ ظبيانُ بالاتصالِ بِقَساوِسةٍ ورجالٍ مِنْ أهلِ الكتابِ، وهو اتصالٌ مِنْ أجْلِ الحصولِ على تفسيرٍ لقصةِ الفتيةِ، حتَّى وصلَ بهِ الأمرُ للسفرِ إلى دمشقَ لسؤالِ مُطْرانِ السريانِ عَنْهم (ص29، ص130).
صِدْقاً، إنَّ الاتصالَ بأهلِ الكتابِ، ابتغاءَ جلبِ معلوماتٍ عَنْ فتيةِ الكهفِ، هُوَ: أمرٌ منهيٌّ عنهُ في قصتِهم نفسِها: "فلا تُمارِ فيهم إلاّ مِراءً ظاهراً ولا تستفتِ فيهم منهم أحداً".
وحاولَ ظبيانُ أنْ يعتمدَ على ثلاثِ رواياتٍ إسلاميّةٍ، وهو يجبرُها إجباراً أنْ تدلَّ على أنَّ الكهفَ موجودٌ في الرجيبِ، قربَ عمّانَ (ص47).
ولا ينتبهُ أن الروايةَ المنسوبةَ لابنِ عباسٍ تتحدثُ عَنْ ذهابِ عظامِ الفتيةِ. وعلى النقيضِ مِنْ روايةِ ابنِ عبّاسٍ، فإنَّ روايةً ثانيةً تحدثتْ عَنْ أجسامٍ كاملةٍ غيرِ باليةٍ، وليسَ عَنْ جماجمَ فقط.

خيبة الحساب

ذهبَ ظبيانُ إلى أنَّ الفتيةَ هربوا في عهدِ دقيانوسَ، وهوَ عندَهُ نفسُ دِسيوسَ: ( 249-252م) {ص33}.
أجلْ، فدسيوسُ ليسَ دقيانوسَ، والأخيرُ قد حكمَ في الفترة بينَ (284م-305م).
وينسى ظبيانُ أنَّهُ قدْ ذهبَ إلى هربِ الفتيةِ في عهدِ تَراجانَ: (98م-117م) {ص34}، ويُجَدِّدُ التذكيرَ بأنَّ "دسيوسَ" هوَ: الحاكمُ الذي يرتبطُ اسمُهُ بِهربِ "نُوَّامِ أفسوسَ السبعةِ"، ولكنَّهُ يَزُجُّ باسمِهِ جاذباً أفسوسَ إلى جِوارِ عمّانَ.

المعجــزة!

ورغْمَ تهافتِ القولِ بالرجيبِ، موضعاً لكهفِ أهلِ الكهفِ، فإنَّ ظبيانَ قد اعتبرَ نفسَهُ صاحبَ أهمِّ اكتشافٍ أثريٍّ، وتاريخيٍّ، في القرنِ العشرينَ؛ وقدْ جاءَ ذلكَ على غلافِ كتابِهِ، بلْ ويشيرُ عنوانُ الكتابِ نفسُهُ إلى اعتقادِهِ أنَّ كشفَهُ هوَ: إظهارٌ للمعجزةِ القرآنيّةِ الكبرى.
حقّاً، إنَّ ظبيانَ لم يكنْ صاحبَ أيِّ اكتشافٍ؛ فالقولُ بأنَّ الكهفَ موجودٌ بالرجيبِ، يعودُ إلى عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ؛ ثُمَّ إنَّ ظبيانَ قد ذهبَ إلى هذا القولِ منطلقاً مِنْ ملاحظاتِ المستشرقِ "كليرمونت جانو" من العام 1868 ( ص50). والأهمُّ مِنْ هذا وذاكَ، هوَ أنَّ ظبيانَ يذكر أنَّه ذهبَ عامَ "1953 م" يبحثُ عَنِ الكهفِ، فما دلَّهُ عليهِ إلاّ الرُّعاةُ ( ص 39) إذْ سألَهم عنْ مكانِ كهفِ أهلِ الكهفِ. وفي موضعٍ آخرَ يعترفُ المرحومُ ظبيانُ أنَّ الأستاذ "محمود العابدي"، هُوَ: المؤرِّخُ الذي أرشدَهُ إلى موضعِ الكهفِ (ص5).
سألَ الرعاةَ عن كهفِ أهلِ الكهفِ فدلّوهُ عليهِ. فأيُّ اكتشافٍ ذلكَ الذي قامَ بِهِ؟.. فإذا كانَ الرُّعاةُ قد دلُّوهُ على "كهفِ أهلِ الكهفِ"، فكيفَ كان مكتشفاً للكهفِ؟

كهف الرجيب يرفض

ولا ريْبَ أنَّ زيارةً واحدةً لكهف الرجيبِ تكفي كلَّ ذي لبٍّ لأنْ يدركَ بأنَّ هذا الكهفَ نفسَهُ يرفضُ أنْ يكونَ الكهفَ الموصوفَ في قصةِ "أصحاب الكهف والرقيم".

1- فهو كهفٌ محفورٌ لِيكونَ "مدفناً ً امبراطوريّا" ملحقاً بالقصرِ المتصل بهِ. فالحفرُ حفرٌ هندسيٌّ من الواضحِ أنَّهُ قد تمَّ على أيدي "نقّاشين" مهرةٍ محترفين. فكلُّهُ، أرضهُ وجوانبُهُ وسقفُهُ، منقوشٌ في الصخرِ نقشاً هندسيّاً وفْقَ مقاساتٍ دقيقةٍ وبأدواتٍ دقيقةٍ.
2- هندسةُ الكهفِ وفنّيّةُ حفرِهِ يعنيانِ أنَّهُ لم يكنْ سرّيّاً، ولا لتشكيلٍ مخبأٍ لهاربينَ. فمثلُ هذا العملِ لا بدَّ قد قامَ بهِ بضعةٌ من النقّاشينِ على فترةِ سنينَ.
3- القبورُ في الكهفِ موجودةٌ في قبويْنِ في الردهة الأولى، وهي فقط ستةُ قبورٍ ، ثلاثةٌ في القبوِ الأيمن وثلاثةٌ في القبوِ الأيسر. وهيَ قبور محفورةٌ بشكلٍ هندسيٍّ متقنٍ. قبرانِ في كلِّ قبوٍ باتجاهٍ شرق-غرب بينهما ممرٌّ بعرض متر تقريباً، وقبرٌ في آخر هذا الممرِّ باتجاه شمال- جنوب معامدٌ للآخريْنِ.
4- الفتحة التي في ظهر الكهف لا تفضي إلى أرضِ الكهف بل هيَ مفضيةٌ إلى "روزنة" جانبيّةٍ في الجهة الشرقيةِ من الردهةِ الداخليّةِ من الكهف.
5- في صخرِ كلٍّ من جانبيْ بابِ الكهفِ زخارفُ محفورةٌ بنقشٍ فنّيٍّ متقنٍ، عمرُها من عمرِ حفرِ الكهفِ نفسِهِ.
6- الكهف وبقايا القصر من فوقِهِ كلُّها من عمرٍ واحدٍ. فليسَ هناك فرقُ ثلاثةِ قرونٍ، أو أربعةِ قرونٍ، بينَ نقشِ الكهفِ وبناءِ القصر.
7- الكهف موجودٌ في منطقةٍ منكشفةٍ لا تسمحُ بسرّيّتِهِ.
8- ليسَ لهذا الكهفِ لا فتحةٌ شرقيّةٌ، ولا نافذةٌ غربيّةٌ.

ذو حظٍّ قليلٍ

وبالرغمِ مِنْ عظيمِ الاهتمامِ الذي حظيَ به ظبيانُ، إلاّ أنَّهُ يقولُ: "ولوْ كانَ هذا الكشفُ في دينٍ آخرَ لكانَ لهُ شأنٌ أيُّ شأنٍ" (ص118).
ومَعَ أنَّ ظبيانَ قدْ ظنَّ أنَّهُ عاثرُ الحظِّ مائِلُهُ، فقدْ لقيَ اهتماماً عظيماً تجلَّى في أمورٍ، مِنْها:
1- قامتْ أكثرُ مِنْ وزارةٍ أردنيّةٍ بتبنِّي إثارتِهِ للقولِ بأنَّ الرجيبَ هي: موضعُ الكهفِ. وقامتْ دائرةُ الآثارِ بعملياتِ تنقيبٍ، وحفريّاتٍ واسعةٍ؛ نزولاً عندَ مطالباتِهِ (ص61).
2- وتمَّ تنْظيمُ آلافِ الرحلاتِ الرسميةِ، والشعبيةِ، لزيارةِ كهفِ الرجيبِ.
3- ودرجتْ وزارةُ الأوقافِ الأردنيّةُ على أنْ ترتبَ زياراتٍ إلى الكهفِ، لكلِّ الزائرينَ المسلمينَ: السفراءِ، والوزراءِ، والعلماءِ، وغيْرِهم.
4- وتمَّ نشرُ مقالاتٍ كثيرةٍ في الصحفِ، والمجلاتِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، ومِنْها: الأهرامُ، العربيّ، الرسالةُ الإسلاميّةُ، الوعيُ الإسلاميُّ، وإطلاعات الإيرانيّةُ؛ وقدْ حاولتْ جميعُها مباركةَ "الاكتشافِ الظبيانيِّ". وقدْ تناولتْ وكالاتُ الأنباءِ إذاعةَ كشْفِهِ!..
5- اسْتَضافَتْهُ جامعاتٌ في عددٍ من الدولِ الإسلاميّةِ لإلْقاءِ محاضراتٍ، للتعريفِ بكشفِهِ؛ حتى الأزهرُ أكرمَهُ، والإمامُ الأكبرُ استقبلَهُ، واستمعَ لشرحِهِ ولم يصل إلى مدحه.
6- وأصدرَ مجلسُ الوزراءِ الأردنيُّ، بتاريخِ 6/2/1977م، بياناً بتحويلِ اسمِ "الرجيبِ"، إلى "الرقيمِ".
7- وتمَّ تتويجُ الاهتمامِ بكهفِ ظبيانَ مِنْ خلالِ افتتاحِ مسجدٍ بجانِبِهِ، أُطْلِقَ عليه "مسجدُ أهلِ الكهفِ"، وذلكَ تحتَ وعدٍ بِرِعايةٍ ملكيّةٍ ساميةٍ بتاريخِ: 3/6/1970م (ص79).
ويبدو أنَّ القصرَ الملكيَّ، مِنْ منطلقِ تشْجيعِهِ للعلماءِ، لا بدَّ وأنْ قامَ بتكريمِ "ظبيانٍ" - بِالصَّرْفِ - ماديّاً ومعنويّاً. فهلْ كانَ ظبيانُ يريدُ أنْ ينعقِدَ مؤتمرُ قمةٍ إسلاميٍّ لِمُبارَكةِ ما فعلَهُ؟.. هلْ كانَ يريدُ ظبيانُ أنْ تَخْرُجَ الجماهيرُ في مدنِ العالمِ الإسلاميِّ في مظاهراتٍ تنادي بالعيشِ لكهفهِ، ومَنْ فيهِ، وبالموتِ لكهوفِ "الكيتاكومز" في روما؟.. هلْ كانَ يريدُ منْ كلِّ مسلمٍ أنْ يقولَ: "يا لَهُ مِنْ كهفٍ! ويا لَهُ مِنْ كشفٍ!" ويا لَظُبْيانَ منْ مكتشفٍ!

كهفٌ في روما!

يقولُ المثلُ: "كلُّ الطرقِ تؤدِّي إلى روما"، ويظهرُ أنَّ الطائفةَ الأحمديّةَ قدْ غيَّرَتْهُ إلى: "كلُّ الكهوفِ تقودُ إلى روما".
في البدءِ حملتِ الطائفةُ الأحمديّةُ الكهفَ إلى بريطانيا، ولكنَّ الطرقَ - في نهايةِ المطافِ – قدْ قادَتْهُ إلى روما!
في العامِ 1979م، أصدرتِ الجماعةُ الأحمديّةُ في حيفا، في فلسطينَ، كتاباً عنْ تفسيرِ سورةِ الكهفِ، جاءَ فيه احتمالانِ لموضعِ كهفِ أهلِ الكهفِ.
الاحتمالُ الأولُ:
ترى الجماعةُ البهائيّةُ الأحمديّةُ، رجماً بالغيبِ، أنَّ الكهفَ محتملُ الوجودِ في موضعِ كنيسةِ "جلاستونبري" في "سومرستشير" ببريطانيا. وعندَهُم أنَّ جماعةً من الرهبانِ، بقيادةِ الكاهنِ "يوسف أريماثايا" قدْ جاءتْ هذا الموضعَ سنةَ 63م.
الاحتِمالُ الآخَرُ:
يزعمُ مؤلفُ الكتابِ أنَّ التحقيقاتِ تُظْهِرُ وجودَ الكهفِ في روما، داخلَ سراديبِ "الكيتاكومْز".
ويزعمُ المؤلفُ أنَّ هناكَ رواياتٍ عَنِ ابنِ اسحقٍ تؤيِّدُهُ في قولِهِ.
ويرى المؤلفُ أنَّ المسيحيّينَ الأوائِلَ كانوا مُوَحِّدينَ، وأنَّهم قدْ لاقَوُا اضْطِهاداً عظيماً، مِنْ عهدِ "نيرون" في القرنِ الأولِ، إلى أوائِلِ القرنِ الرابعِ، وفي هذه الفترةِ الطويلةِ تمَّ حفرُ سراديبِ "الكيتاكومْز" مِنْ أجلِ الاختفاءِ.
تمتَدُّ سراديبُ "الكيتاكومْز" تحتَ روما على شكلِ متاهاتٍ معقدةٍ، وقسمٌ منْها ذو طوابِقَ، ويُقَدَّرُ طولُها في التفافاتِها وتفرُّعاتِها فوقَ سَبْعِمِائَةِ كيلومتراً، وهي محتويةٌ على مِئاتِ الألوفِ منَ القبورِ.
حقّاً، فليسَ كلُّ منْ يَسْتَكْهِفُ يَسْتَكْشِفُ.
وأقولُ منصرفاً متصرِّفاً، معَ شوقي ومعذِرَتي إلى "الأحمدِ" أميرِ الشُّعَراءِ:
قِفْ بِروما وشاهدِ الكهفَ، وَاشْهَــدْ:
أنَّ للكهـــــــفِ زاعِماً بُهْتانَـهْ

attiyah_zahdeh@hotmail.com