( دراسة مهمة والاولى من نوعها )
محاولة لصياغة اطار نظري لمفهوم الامن القومي العراقي
بقلم: عبد الوهاب محمد الجبوري
مقدمة
1- بعد الحرب على العراق عام 2003 وحل جيشه الوطني ومؤســسات امنه الوطني ووزاراته السيادية وتسريح الملايين من الكوادر العاملة في الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية ومن مختلف المستويات العلمية والمهنية والعسكرية والامنية والتدمير شبه الكامل لهيكيلية الدولة العراقية حدث انهيار شـــامل في النظم والعقائد والاستراتيجيات العراقية ، الامر الذي ادى بالنتيجة الى انهيار منظومة الامن الوطني العراقي وتخلخل علاقتها بالامن القومي العربي ..
2 . رغم تاليف حكومات عراقية متعاقبة وتشكيل جيش ومؤسسات امن وطني عراقية قائمة في معظمها على التسييس والحزبية فقد شهدنا محاولات لايجاد استراتيجية للامن القومي العراقي لكنها لم تتبلور بشكلها النهائي لحد الان بسبب تاثير القوات المتعددة الجنسيات في صناعة القرار السياسي العراقي وتدخل قوى اجنبية في الشان العراقي ، فضلا عن استمرار تدهور الاوضاع الامنية والاقتصادية بشكل مخيف وخطير بالاضافة الى عدم وضوح العلاقة او تبلورها بين العراق والاقطار العربية وبالتالي فقدان الصلة بين الامن الوطني العراقي والامن القومي العربي ..
2 . من هنا كان لابد للباحثين والمتخصصين ان يتصدوا لهذا الموضوع بالتحليل العلمي والمنطقي وان يضعوا افكارا وتصورات اولية في محاولة لصياغة اطار نظري لمفهوم الامن القومي يساعد في تكوين حلقات لتاسيس البنية التحتية لمؤسسات الامن الوطني العراقية المتمثلة في وزارتي الدفاع والداخلية ومجلس الامن القومي تكون اساسا لصياغة مرتكزات استراتيجية ومدخلا لاعداد نظام او عقيدة متكاملة لهذا الامن بعد خروج المحتل ونجاح جهود المصالحة الوطنية بشكل متكامل يسفر عنها عملية سياسية جديدة واعادة تاسيس نظام حكم بعيد عن التاسيس الطائفي والتمييز العرقي وبمشاركة كل الاطياف العراقية بما فيها المقاومة الوطنية العراقية للوصول بالبلاد الى حالة الاستقرار على المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية وبما يسهم في توجيه الوعي الامني لدى العراقيين باتجاه المشاركة الفعالة فيه بطريقة متحضرة تؤكد على ان الامن هو مسؤولية الجميع وكل بحسب موقعه وتأثيره ..
3 . بناء على ما تقدم تاتي هذه الدراســــة الموجزة لتلقي الضــــــــوء على ابرز المرتكزات التي يمكن ان يستند اليها الامن الوطني العراقي خلال المرحلة القادمة وذلك من خلال استقراء الباحث ومعايشته للاحداث التي مر بها العراق وتطوراتها منذ احتلاله وحتى الوقت الحاضر مركزا في بداية حديثه على استــعراض ابرز الجهود التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة في هذا المجال ، ومن ثم توضيح مفهوم الامن القومي العراقي وبيان اهم مرتكزاته الاستراتيجية التي تشكل صمام الامان للدفاع عن العراق وصيانة امنه الداخلي مع الاخذ بنظر الاعتبار ثلاثة عوامل اساسية هي :
الاول: تجارب العراق السابقة في هذا المجال ، حيث كان هناك مجلس للامن الوطني يتولى مهام التخطيط والتوجيه والاشراف على مهمات ومؤسسات الامن الوطني العراقي المدنية والعسكرية وان هذا الامن كان يعتبر جزءا من الامن القومي العربي ..
الثاني : تجارب الدول الاخرى والدروس المستخلصة منها في هذا المجال ..
الثالث : خصوصية الوضع العراقي في ظل الاحتلال الامريكي ..

الهيئة الوزارية للامن القومي

4 . في عام 2004 تشكلت في العراق ما سمي في حينه الهيئة الوزارية للامن القومي لتتولى تنسيق سياسة عمل الامن القومي العراقي بين الوزارات والمؤسسات التابعة للحكومة العراقية مع تولي مسؤولية توفير الامن على المستوى الوطني العراقي ، وتراس الهيئة في بداية تشكيلها رئيس سلطة التحالف ( بول بريمر ) ثم انتقلت رئاستها بعد ذلك الى رئيس الوزراء وتشكلت هذه الهيئة من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والمالية فضلا عن مدير المخابرات ومستشارين هما المستشار العسكري الاقدم ومستشار الامن القومي ، وكما اعلن في حينه فان اهم غايات هذه الهيئة والدافع الاساس الذي استوجب ايجادها ، هو اعادة الامن والاستقرار والحاجة الملحة الى تقييم عال وغير متحيز للمصالح الامنية للعراقيين كافة فضلا عن توفير الظروف المناسبة لتمكين العراقيين من تحديد واختيار نهجهم السياسي في المستقبل (1) ..

استراتيجية الامن القومي للاعوام 2007 – 2010

5 . في عام 2007 وضعت الحكومة العراقية ما اسمتها استراتيجية الامن القومي العراقي للاعوام ( 2007 – 2010 ) كي تمثل سياستها في التحقيق في المخاطر وآليات مواجهتها ، والتي تعتمد كجزء من برنامجها السياسي والعلمي من خلال المؤسسات الرسمية العراقية..
ولتوضيح الهدف الاساسي لهذه الاستراتيجية اوضح رئيس الوزراء نوري المالكي ان ما يقاس به رقي الدول والشعوب انها تستند الى استراتيجية واضحة قائمة على اسس علمية وتعتمد معايير عملية للنجاح والتقدم، وان ما يحقق نهج الديمقراطية هو الاطار العام لاستراتيجية الامن القومي الذي تعد الديمقراطية قاعدة تستند اليها مفردات الامن بكل ابعاده الــــسياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية (2) ..
وتضم الاستراتيجية اربعة مداخل هي المدخل الاول الذي احتوى الرؤية الوطنية العراقية والبيئة الاستراتيجية للعراق ، فيما تضمن المدخل الثاني باب المصالح الوطنية والذي يشمل (المصالح السياسية والمصالح الامنية والمصالح الاقتصادية والمصالح الاجتماعية) كما تضمن المدخل الثالث ابواب عشر فقرات منها العنف والتمرد والتخريب والفساد والجريمة المنظمة والمجاميع المسلحة والميليشيات..
كما جاء في المدخل الرابع (الوسائل الاستراتيجية) وتشمل المجال السياسي العام (المصالحة الوطنية والمراجع الدستورية وسيادة القانون واستكمال نقل المسؤولية الامنية من القوات متعددة الجنسية الى السلطات المدنية الدستورية العراقية) اضافة الى ابواب المجال السياسي الاجتماعي والمجال الامني والمجال الاقتصادي والمجال المعلوماتي ..
وللاطلاع على محتويات المداخل التي تضمنتها استرايجية الامن القومي العراقي يمكن الرجوع الى النص الكامل الذي نشرته صحيفة المدى العراقية (3) ..

في معنى الامن

6 . اذا كان الامن يعرف من الناحية اللغوية بانه ضد الخوف، فما الذي يخافه المرء او يخشاه من العدوان والظلم والفقر والجهل والمرض، ولذا فهو مدفوع بدافع غريزي للدفاع عن نفسه وهو مايمكن ان نسميه بالجانب السلبي للامن، أي اتقاء الشر.. اما الوجه الاخر فيتمثل في سعي المرء الدؤوب لنيل حقوقه وتحسين احواله وتأمين مستقبله وضمان كل ذلك، وهذا مايمكن ان نسميه بالجانب الايجابي للامن، أي قطع دابر الشر.. على ان الامرين متصلان ببعضهما اتصالا وثيقا، وهما وجهان لحقيقة واحدة هي ان يعيش المواطن بسعادة وامن وسلام(4) ..
7 . والامن هو احد الحاجات الاساسية للانسان الذي وجد نفسه منذ اليوم الاول لحياته في هذا الاديم ازاء بيئة من الكائنات والاشياء حافلة بالتحديات المختلفة التي تهدد كيانه، ولذلك نراه محكوما بسلسلة من الحاجات المختلفة اللازمة لديمومته وهو يسعى ويكد لاشباعها ..
من هنا لاحظ علماء النفس ان سلوك الانسان محكوم الى حد كبير بهذه الحاجات اذ ان سعيه لتحقيقها سيحدد علاقته بالبيئة المحيطة به سواء من خلال علاقته بالاخرين او الطبيعة ومواردها ، والحقيقة ان وجود الحاجات لوحدها في حياة الانسان لاتدفعه الى ممارسة سلوك معين ازائها بل لابد من وجود قوة تحركه باتجاه ارضاء هذه الحاجات وهو مايطلق عليه مصطلح (الدافع)(5) ..
8 . هذا على مستوى الفرد ، اما بالنسبة للامن على مستوى الجماعة والدولة ، فان هذا المصطلح يأخذ ابعادا واسعة من حيث كونه احدى الحاجات الاساسية لتلك الدولة ، التي هي عبارة عن مجموع الافراد والجماعات والمؤسسات ، فضلا عن تراثهم وتاريخهم واموالهم ومشاعرهم ..
خلاصة القول ان الامن يعني الطمأنينة وهو التزام على الدولة ومحور لسياستها القومية ، وتطبيقات الامن عديدة ولكن اهمها الطمانينة بالنسبة للكيان القومي ومعنى ذلك ان الجسد القومي ، اي ذلك الكيان الذي يمثل الشعب كقوة سياسية يجب ان يتصف بصفات ثلاث :
التماسك من جانب والثقة من جانب اخر وعدم التعرض لمخاطر مصيرية لا موضع لها من جانب ثالث .. فالتماسك هو علاقة بين الشعب والقيادة ، بين مختلف عناصر المجتمع ومكوناته وهو يقف متراصا ثابتا خلف الارادة ، والثقة بمعنى ان هناك عناصر معينة من الرضا الجماعي يتفق حولها الجميع بحيث لا خلاف بخصوصها وان وجدت بصددها مناقشة فهناك لحظة معينة لا توجد فيها تلك المناقشات ، وما اتفقت عليه الاغلبية يصير قانونا سائدا ايضا على الاقلية .. ثم عدم التعرض لمخاطر لا موضع لها ، وهذه الناحية الثالثة ، تصير في حقيقة الامر عملية بلورة سياسية للخصائص الجغرافية للاقليم (6) ..
من هنا فان سعي الدول المعاصرة لتحقيق امنها ياخذ في حياتها اكثر من مظهر، من ابرزها المظهر الشعوري الذي يتمثل في تحسسها لنواحي الخطر ، الامر الذي يدفعها لوضع افكار وتصورات لمعالجة هذه الاخطار ، والمظهر الاخر هو اجرائي يتمثل في اتخاذ الاجراءات المناسبة لمواجهة التحديات والاخطار التي يتم تحسسها ، فقد لوحظ ان الاجراءات التي تقوم بها الدولة لدرءالاخطار عنها قد تدرجت من توظيف قدراتها البسيطة الى توظيف مجموع قدراتها المعقدة التي تشكل المظهر الحضاري، ومن هنا نرى ان مفهوم الامن القومي قد اكتسب معان وابعاد اشمل واوسع كما سنلاحظ ذلك لاحقا(7) ..
9 . اما عن تهديدات الامن القومي التي يحتمل ان يتعرض لها أي بلد فلم تعد قاصرة على التعرض للعدوان المسلح ، بل من الممكن ان تكون موجهة للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لهذا البلد بهدف احداث خلل في أي من عناصر قوته وديموته (8) ..

ما هو الامن القومي

10 . في ضوء ما اشرنا اليه من تعريف للامن فان الامن القومي يتحول الى مجموعة من المباديء التي تتبلور من خلال التوافق بين الممارسة والموقف والصياغة التي محورها النبوغ الفكري سياسيا كان ام عسكريا ، وفي مثل هذه الحالة يسعى العقل لتحويل الضعف الى قوة وبناء مجموعة من القواعد تسمح بالحماية الذاتية لابعاد او تاجيل او شل عناصر الضعف ..
ويرتبط الامن القومي بشكل عام بسياسة الدولة ويهدف الى حماية مصالحها واهدافها وبنيتها الداخلية والخارجية ، ولهذا تعمل الدول على وضع الحدود التي تتعامل بها مع الاخرين ، او التي يسمح لهم ببلوغها في هذه العلاقات (8) ..
ويعرف الامن القومي بانه الاجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية (9) ..
ويجري التركيز على القيم الاساسية في محاولة تحديد مفهوم الامن القومي ، حيث يرى البعض ان سعي الدولة ، عبر شتى الوسائل الممكنة لضمان مختلف اشكال التدخل من اجل تحرير حركتها السياسية الداخلية والخارجية ..
ان الاقرار بان حماية المواطنين والوطن من الداخل لها اهمية متكافئة مع حماية حدود ه ومصالحه في الخارج لا يعبر ســـوى عن وظيفة الامن القومي بشكله العام .. ويذهب البعض الى القول بان مفهوم الامن القومي هو شمولي ، لانه يتعلق بحماية القيم الاساسية للدولة او الامة ، وهذا يتطلب استعدادات على المستويين الداخلي والخارجي ، وفي مقدمة تلك الاستعدادات البناء الايديولوجي للدولة مع التركيز على التنمية السياسية والاقتصادية وبناء القوة العسكرية الخاصة (10) ..
12 . واذا اخذنا بالنظرة الشاملة لاستراتيجية الامن القومي من حيث كونها تعكس تطلعات اي شعب لتحقيق امنه القومي في مرحلة زمنية معينة ، فانه يترتب معرفة مفهوم الامن القومي الذي نسعى الى تحقيقه بابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية ، ومن هنا جاء اوردت الموسوعة البريطانية تعريفا لهذا الامن جاء فيه : ( الامن القومي يعني حماية الامة من خطر القهر على يد قوة اجنبية ) (11) .. ويعرف ( هنري كيسنجر ) الامن القومي بانه نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي يعني اي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها الى حفظ حقه في البقا ء )(12) ..
ويقول ( ماكنمارا ) المدير الـــسابق للبنك الدولي بتعريف ينحو منحى اقتصاديا بقوله : ( الامن القومي هو التنمية وبدون التنمية لا يمكن ان يوجد امن ، وان الدول التي لا تنمو بالفعل لا يمكن ان تظل امنة ) (13) ..
13 . ويمكن ان نخلص من التعريفات المار ذكرها الى خلاصة تقول : ( ان الامن القومي هو تامين الدولة من داخلها وحمايتها من التهديد الخارجي بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر لها اسباب النهوض والنمو والتعبير عن هويتها بين الامم وممارسة حريتها في استغلال طاقاتها البشرية وثرواتها المعدنية والطبيعية للوصول الى تحقيق اهدافها في التقدم والازدهار والسلام )(14) ..

مفهوم الامن القومي العراقي

14 . بداية نقول ان مقومات الدولة هي الاقليم والشعب والسيادة او كما يحددها بعض الباحثين بالنظام والشعب والسيادة ، فالامن القومي(الوطني) حسب هذه المقومات يرتبط بالدولة القومية (الوطنية) ذات النظام السياسي الواحد والسيادة التامة ، وهذا مانعنيه تحديدا بكلمة(القومي) وليس المعنى (الاثني) أي قومية اللغة والتراث كالقومية العربية او الكردية او التركية..الخ أي ان المقصود بالامن القومي العراقي تحديدا هو امن دولة العراق الداخلي والخارجي( 15) ..
فالامن القومي العراقي يمتلك عناصر لبناء مرتكزات استراتيجية ذاتية تعكس الجوهر الاصيل لهذا الامن ، فهناك الامكانات الاقتصادية والقوة الحضارية والكم الديمغرافي والبعد الجغرفي والقيم الاصيلة والمصير الواحد.. وبهذا التحديد لمعنى الامن القومي العراقي يمكن تقسيم اراء الخبراء الاستراتيجيين الذين عنوا بهذا الموضوع الى محورين اساسيين:

أ-المحور التقليدي: الذي يعتمد على رؤية أن الامن القومي هو قدرة الدولة على دحر أي هجوم عسكري عليها ويعتبر هذا المفهوم ان الامن العسكري هو كل شيء بالنسبة لمفهوم الامن ، ويتفق معظم هؤلاء الخبراء على ان هذا المحور يختص به جميع اجهزة الدولة بدون استثناء ويشترك فيه بكل طاقاتها وامكاناتها ويشمل ميادين مختلفة ، والواقع ان هذا المفهوم جاء متأثرا بالمفهوم الكلاسيكي لمصطلح(السوق العسكري) فقط ..
ب-المحور المعاصر: هو حصيلة التطور المعاصر بخصائص النظام الدولي وانتقال مفهوم السوق من معناه الضيق الى مفهوم اكثر اتساعا حيث يوضع الامن العسكري ضمن اطار مجتمعي يشمل الجوانب المختلفة ، ويرى خبراء الامن القومي المتخصصون ان الامن اصبح وفق هذا يفهم بدلالتين :
الاولى : ربط الامن القومي بالتنمية ..
الثانية: ربط الامن القومي بالاستراتيجية ، ويقصد به قدرة الدولة على حماية قيمها الذاتية من التهديدات ايا كان مصدرها، وهذا يعني ارتكاز الامن القومي على اسس موضوعية هي حماية مصالح الدولة واركانها وعلى اسس ذاتية هي القدرة على امتلاك الفاعلية لتوفير الحماية ودورها في احتواء مصادر التهديد المحتمل للحفاظ على سيادتها واستقلالها ..
وبالرجوع الى المفاهيم والمعطيات الانفة الذكر فان الامن القومي بشكل عام والامن القومي العراقي بشكل خاص يتطلب توفر مبدأين اساسيين هما(16):
أ- مبدأ ثابت تفرضه الظروف الجيويولوتيكية للعراق وترتبط بسلامة اراضيه بغض النظر عن النظام السياسي الحاكم فيه ..
ب- مبدأ متحرك او متغير ويرتبط بالاهداف السياسية للنظام السياسي ( الذي مازالت ملامحه في العراق في طور التبلور) ونوعية القيادة فيه وما تضعه هذه القيادة من اهداف ومبادئ ووسائل لتحقيق هذه الاهداف ..

العناصر الاساسية للامن القومي العراقي

15 . ان نجاح الامن القومي العراقي ( كما هو حال الامن القومي في اي دولة ) يتطلب التنسيق بشكل جيد بين عناصره الاساسية في مختلف المجالات .. وهذه العناصر هي :
أ . المجال العسكري ..
ب . المجال السياسي ( ومن ضمنه الديبلوماسية والعلاقات الخارجية والمؤسسات السياسية )..
ج . الاجانب الاعلامي والمعنوي ..
د . المجال الثقافي ..
هـ . المجال الاقتصادي ..
و . المجال الاجتماعي ..


16 . فالمجال العسكري والامني يشمل طاقة الدولة العراقية لبناء قوة عسكرية قادرة على حماية القيم الحيوية للشعب العراقي وفي المقدمة منها امنه الداخلي وحدوده الخارجية ، وتشمل القوة العسكرية اطاراً عاماً يوفر الامن والحماية لقدرات العراق المختلفة كي تتمكن من النمو والتطور وتحقيق اهداف الامن القومي بمفهومه الشامل .. فاذا كان الامن الخارجي للعراق يشمل إقامة منظومة عسكرية متكاملة للدفاع عنه فان الامن الداخلي يشمل اشباع حاجة المواطن للشعور بالطمأنينة في الداخل لحماية حقه داخل الجماعة وتأمين حقوقه المشروعة في البيئة الاجتماعية المحيطة والدفاع عنها وحمايتها ..
17 . اما المجال السياسي فيشمل المكونات السياسية والتطور السياسي والديناميكية السياسية وكل واحدة من هذه العناصر تشتمل على عناصر اخرى ، فالمكونات السياسية هي مجموعة الافكار والقيم والاتجاهات التي تسير بمقتضاها حركة المجتمع السياسية ، والديناميكية السياسية تحتوي على اسلوب القيادة السياسية وشخصياتها وسلطة اتخاذ القرار والقواعد التي تحكم ذلك ، ودرجة التطور السياسي تشمل قدرة الجهاز القيادي في الدولة على التنسيق بين جميع العناصر.. وفيما يخص السياسة الخارجية والعلاقات الديبلوماسية فان هذا يشمل الية واستخدام الدولة لهذين الجانبين بما يكفل تحقيق اكبر استفادة من مصادر القدرات السياسية وكيفية ممارسة ذلك في المنظمات الدولية والراي العام الدولي ومع الدول الاخرى وكيفية التعامل مع المصالح الحيوية للدولة في الخارج وامكانياتها على مد نفوذها وقدرتها على شرح اهدافها للمجتمع الدولي.. اما المؤسسات السياسية فتشمل التنظيمات السياسية في الدولة ( الاحزاب ، النقابات ، منظمات المجتمع المدني ، خبرات القيادة السياسية في حشد الجماهير وتوحيد صفوفها خلف سياستها )(18) ..
وعن هذا المجال جاء في استراتيجية الامن القومي للحكومة العراقية للاعوام 2007 – 2010 ان (الحكومة العراقية تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتسلم كامل الملف الامني، ومن ثم تقنين العلاقة مع الدول الصديقة والمحيط الاقليمي والدولي عن طريق المعاهدات والاتفاقـيات المتكافئة ) وجاء ايضا : (للعراق مصلحة حيوية في بناء علاقات سليمة متوازنة ومتبادلة مع كل دول العالم وخاصة الدول المجاورة، ويسعى لمزيد من الانسجام والتفاهم مع الجميع بغية انشاء بيئة مستقرة تسمح للتطبيع الاقتصادي والسياسي والامني وجعل العراق عضوا فعالا في جميع المنظمات الدولية والاقليمية )(19) ..


18 . وينطبق الشيء ذاته على المجالين الاعلامي والثقافي اللذين يشملان اجهزة الاعلام والثقافة ووسائلها المختلفة .. ذلك ان هذه الاجهزة تلعب دورا مهما في الاستراتيجية الوطنية للبلاد من حيث التاريخ الثقافي للشعب والوطن وقيمه الحضارية والثقافية ومدى اسهامها الحضاري والانساني في مجال الثقافة العربية والاسلامية والعالمية او محيطه العربي والاقليمي ، لان هذه العوامل تشكل الروح القومية للشعب والوطن والامة ..وكل هذه العوامل مجتمعة تلعب دورا مهما في تعزيز التثقيف والتوعية لابناء الشعب وتقوية مناعته الفكرية والثقافية لتحقيق هدفين مهمين رئيسيين اولهما المحافظة على خصائص الشخصية العراقية ببعديها العربي والاسلامي وتميزها لا باعتبار العراق وطنا معزولا بثقافته عن محيطه العربي والاسلامي والانساني وانما بتكامله مع الاخر وثانيهما تعزيز قدرة الافادة والاستفادة في محيط انساني يتفاعل مع الثقافة العالمية ، ياخذ منها ويعطيها دون تعصب او تمييز اة هيمنة ، اي الايمان بحوار الثقافات وتفاعلها الانساني (20) وليس في صراع الثقافات او الحضارات وتدمير بعضها للاخر كما يروج بعض كتاب النظام العالمي الجديد امثال ( صموئيل هننتغون وفوكوياما )(21) ..
19 . اما المجال الاقتصادي فله دور مهم جدا في استراتيجية الامن القومي وخاصة في بعديها العسكري والاجتماعي ، ويشمل امكانيات الدولة الاقتصادية وقدراتها ومدى توفر المواد الغذائية من مختلف المصـــــــــادر المحلية والخارجية ومدى توفر المواد الطبيعية ( الطاقة ، الثروات الطبيعية ، الموارد المائية والمعدنية ... الخ ) و المؤثرات على العنصر الاقتصادي وتشمل فروع الاقتصاد من زراعة وصناعة وتجارة وتكنولوجية ..
20 . اما الجانب الاجتماعي فيضم مجموعة من العوامل التي تكون الامن الاجتماعي للدولة والتي تعكس درجة الوعي الاجتماعي للمواطن ومدى ممارسته لحقوقه الاجتماعية والسياسية وشكل المؤسسات الاجتماعية التي تعكس تطور المجتمع وشكل الهرم الاجتماعي للدولة ويشمل كذلك حقوق المواطن في التعليم والصحة والعمل ومدى تطور القوانين التي تحمي المواطن وحقه في التقاضي ، والحقوق والواجبات ..الخ
الركائز الاستراتيجية للامن القومي العراقي
21 . بداية نشير الى ان العراق يمر بفترة تاريخية بالغة الخطورة ، فالرؤيا الاستراتيجية العراقية للامن القومي العراقي تتطلب تحقيق الامن ونجاحه وتشكله حسب طبيعة المجتمع العراقي بكافة خصوصياته الدينية والمذهبية واطيافه السياسية المختلفة ، وهذا يتطلب تفعيل عناصره الاســـــــاسية وتنسيقها بشكل جيد .. فبعد الاحداث الدراماتيكية التي مرت على العراق منذ عام 2003 ومن تفحص دقيق وشامل للاوضاع العراقية المستجدة في المجالات الوطنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية واستشراف المستقبل يمكن تحديد ركائز اساسية للامن القومي العراقي هي :


أ- ركيزة الانتماء الواحد والمصير المشترك :
وتتجسد بالوطنية العراقية الاصيلة التي يستفيء بظلها اديان العراق ومذاهبه واطيافه السياسية كافة ، وتعتبر هذه الركيزة من ابرز نقاط القوة في الوضع العراقي لما لها من تأثير بالغ على باقي الركائز الاستراتيجية في الامن الوطني العراقي وتحقيق الانسجام بينها ورفدها بمقومات الاستمرار والتطور والتعامل بمرونة مع كل المتغيرات والتحديات التي يمكن ان تواجهها هذه الركائز مستقبلا ..
فالانتماء للوطن هو هبة وكينونة من الله عز وجل وليس لأية قوة في الأرض الحق بالتحكم فيها مهما كانت سلطتها، وان الشعوب تفتخر بانتمائها لأوطانها على الرغم من الاختلافات الاثنية بينها، لأن الوطن للجميع والانتماء إليه والحرص على هذا الانتماء يمثل التفاعل بين افراد الأمة والمصير المشترك لوطنهم الذي ينتمون إليه ..
وعن هذه الركيزة جاء في مشروع الاستراتيجية العراقية : (ان اهم ركيزة للعراق هي الحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي بما فيه من اديان ومذاهب وقوميات مختلفة، واهم ما يميز وحدة العراقيين هو انتماؤهم للهوية العراقية الوطنية الواحدة، بغض النظر عن الانتماءات الاخرى)(22) ..
ب-الركيزة السياسية والاجتماعية : رغم ان ملامح السياسة العراقية لم تتشكل بعد بشكل نهائي الا انه يمكن استقراء أستراتيجية عراقية تراعي الاعتبارات التالية:
اولاً: التركيب السياسي الوطني في العراق: وهذا يشير الى وجود العديد من الحركات والاحزاب السياسية من مختلف الاتجاهات الفكرية والايديولوجية، في كل حزب او حركة او قسم او مركز لاتخاذ القرار وتصور ينطلق من رؤية سياسية خاصة للامن العراقي وعلاقات يفترض فيها ان تخدم المصالح الوطنية المشتركة وانماط اقتصادية واجتماعية وسياسية تتعلق بالمساهمة في ادارة الاقتصاد والدولة والمجتمع ..واذا نظرنا حاليا الى الخارطة الحزبية العراقية لوجدناها تضم (502) حزب وحركة وتكتل سياسي حصلت عليها موافقة المفوضية العليا المستقلة لانتخابات مجالس المحافظات لعام 2008 ، الامر الذي يثير تساؤلات وشكوك حول امكانية وجود رؤية سياسية مشتركة بين هذا الكم الهائل من الاحزاب والحركات حول اهم وابرز القضايا المهمة والحاسمة التي يعيشها العراق حاليا ..
ثانياً: التنظيم السياسي والشعبي والعقيدة التي يحملها كل تنظيم والمدى المسموح به في مجالات حرية تشكيل الاحزاب والجمعيات وحقوق الانتخاب والترشيح وشكل المؤسسات الدستورية المقترحة والفصل بين السلطات ووضع المرأة في المجتمع ومدى انتشار وسـائل الاتصال الجماهيري وحرية التعبير في وسائل الاعلام وغيرها .. وهنا نشير الى ما جاء في الاســـــــتراتيجية العراقية حول الموضوع : ( وضعت الحكومة العراقية المنتخبة منذ تسلمها السلطة مشروعاً شاملاً للمصالحة الوطنية كأسبقية أولى ، تضمن المشروع جميع الجوانب الايجابية والشفافة التي تنم عن المصداقية للانفتاح والمشاركة الفعالة في العملية السياسية لجميع الاطراف وبالأخص تلك التي لديها تحفظات أو توجهات تصحيحية للعملية السياسية وحتى التي استخدمت السلاح في إثبات وجودها وتوجهاتها المغايرة ..... وتم تشكيل الهيئة الوطنية لمشروع المصالحة والحوار الوطني للإضطلاع بهذه المهمة ، عقدت اللقاءات والندوات، واهتمت الهيئة بالقضايا التي تساعد على لم الشمل وتوحيد الكلمة وتقريب وجهات النظر... ورغم انجاز خطوات مهمة بهذا المجال، إلا ان حجم التحديات التي يواجهها العراق، والحاجة إلى رأب سريع للتصدع الذي اصاب المجتمع العراقي نتيجة لعدة عوامل .. يستدعي بذل مزيد من الجهد في هذا المجال للتوصل إلى استراتيجية عملية وسياسات وآليات مناسبة لتحقيق المهمة) ..
وجاء ايضا : (إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث نظراً لما شكله قانون هيئة اجتثاث البعث من مجاذبات سياسية محلية واقليمية بحيث اصبح اعادة النظر فيه احد العناصر المهمة في مشروع المصالحة الوطنية، ومن ثم إزالة الغبن والخوف الذي اعترى بعض من المشمولين به، اذ بات من الضروري إعادة آليات تنفيذها وتحويلها إلى هيئة مهنية فنية تحتكم إلى القانون والقضاء ومجردة من الاغراض السياسية، كما يجب اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان التقيد بالقواعد الاجرائية وإعادة النظر في كثير من الاجراءات السابقة ووفقاً للتوجه الجديد على شكل تشريع قانون جديد متماشياً مع الدستور) (23)..
ثالثا: العقيدة السياسية ومدى علاقتها بنمط الحكم ومدى انعكاسها على الامن الوطني ، وفي هذا نصت المادة الرابعة من الباب الاول من قانون ادارة العراق للمرحلة الانتقالية ان (نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي ، فيدرالي ، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية ، ويقوم النظام الاتحادي على اساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على اساس الاصل او العرق او الاثنية او القومية او المذهب )(23) ورغم ان لدى الباحث راي على بعض ماجاء في هذا النص لكنه يشير اليه للعلم والاطلاع ..
رابعاً: النظام الاقليمي العربي وماهي نقاط الضعف والقوة فيه وعلاقة الاطراف المشاركة في تكوينه ومدى التزامها في القرارات والمواثيق المنبثقة عنه..
خامسا: العلاقات السياسية مع العالم الخارجي : ان الحديث عن هذه العلاقت وما ورد في رابعا انفا ، يحتاج الى دراسة تفصيلية تتناول هذين الجانبين من كافة اوجههما خاصة وان العراق لازالت علاقاته الدولية والاقليمية والعربية في طور التكون والتبلور ولم تاخذ شكلها النهائي لذلك ارتاى الباحث الحديث عنهما في دراسة اخرى انشاء الله ، ويكتفي بما ورد في المادة ( رابعا – 2 ، المصالح الوطنية ) من استراتيجية الحكومة العراقية ونصها : ( للعراق مصلحة حيوية في بناء علاقات سليمة متوازنة ومتبادلة مع كل دول العالم وخاصة الدول المجاورة، ويسعى لمزيد من الانسجام والتفاهم مع الجميع بغية انشاء بيئة مستقرة تسمح للتطبيع الاقتصادي والسياسي والامني وجعل العراق عضوا فعالا في جميع المنظمات الدولية والاقليمية ( (24) ، وكذلك ما ورد في المادة ( 8 – الوسائل الاستراتيجية ) حيث اشارت استراتيجية الامن القومي العراقي الى جوانب عن هذين الموضوعين ، ولتوسيع دائرة المتابعة يشير الباحث الى فقرة تعزيز مشاركة العراق في الامم المتحدة والمحافل الدولية كون العراق عضو مؤسس وفعال في منظمة الامم المتحدة وتقع على عاتقه التزامات دولية كبيرة والمشاركة الفعالة هي احدى اسس المنظمة ، وقد نص برنامج الحكومة العراقية المقدم إلى مجلس النواب على:
(1) بناء علاقات صداقة واحترام متبادل وتعاون مع دول الجوار والعالم بما يحقق المصالح المشتركة بين العراق وتلك الدول ..
(2) عدم التدخل في الشؤون الداخلية واعتماد الحوار والتفاوض لحل القضايا العالقة ..
(3) تسديد كل متعلقات المنظمة الدولية ليحق للعراق المشاركة والتصويت على القرارات المطروحة ..
(4) الاشتراك في كل المنظمات الدولية التي تحترم الشعب العراقي ليكون جزءاً من المنظمة الدولية ..
وحول هذه الركيزة جاء في الفقرة ( ثانيا – المجال السياسي الاجتماعي ) من استراتيجية الحكومة العراقية ما نصه :
(1 . اعتماد المعايير الدولية ضمن النظام القضائي الوطني وتعزيز قدرة الحكومة على تنفيذ التزاماتها الواردة في الدستور من المادة (14 و36) باتفاقيات حقوق الانسان الدولية من خلال إنشاء قاعدة بيانات احصائية حديثة ومعتمدة حيال انتهاكات حقوق الانسان والعمل على إدارتها وتعزيز الحماية القانونية والمؤسساتية بما يتماشى والمعايير الدولية وخاصة للفئات الضعيفة كالأقليات والمهجرين داخلياً واللاجئين والعائدين والعاجزين وإدارة النظام القضائي بما يتماشى والمعايير الدولية وبدعم من المجتمع الدولي والامم المتحدة وتعزيز ذلك لدى المشرعين العراقيين وموظفي النظام القضائي في مؤسسات الدولة ولدى جميع فئات الشعب العراقي ..
2 . تضمين ثقافة حقوق الانسان في قطاعي الثقافة والاعلام وفق تشريعات قانونية يتم ذلك بادراج مبادئ وثقافة حقوق الانسان في المناهج الدراسية ولجميع المراحل وقيام وزارة حقوق الانسان باعداد وتدريب الكوادر التدريبية تبعاً لذلك ..
3 . إنشاء هيئة وطنية تعنى بحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني تنفيذ استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية وتشجيع نشوء شراكات بين مؤسسات المجتمع المدني لدعم حقوق الانسان، ووضع آلية شفافة لإعادة تعيين وتأهيل موظفي الحكومة من النظام السابق من الدوائر المنحلة ) ..
جـ . الركيزة العسكرية : : تنطلق هذه الركيزة من دراسة عدد من العوامل ووضعها موضع الدراسة والتطبيق ولعل اهمها (25) :
اولاً: تجهيز المعدات والاسلحة والاعتدة وكل احتياجات الجيش العراقي وفق التطور الحديث للاسلحة ونظريات الحرب الحديثة ..
ثانيا: اعداد الوحدات العسكرية والمراتب والضباط في جميع المستويات على اسس ضبطية سليمة واسس علمية وادارية حديثة بعيدا عن التسييس والحزبية والاهتمام بالروح المعنوية لمعنى الانتماء للوطن ومشروعية العمل العسكري واخلاقيات التعامل معه باعتباره الوسيلة المتاحة لحماية الشعب والوطن وتأمين حدوده..
ثالثا: وحدة القيادة العسكرية التي تجسد راي القيادة السياسية وتحقيقها في الحرب ، لان الحرب كما يقول(كلاوفيتز) هي تحقيق ماعجزت السياسة عن تحقيقه.. ويتطلب امر التسلسل القيادي العسكري عددا من التشكيلات القيادية الهرمية التي تجمع بين وحدة الاوامر ومرونة الحركة وفاعلية القوات ومهماتها في زمني السلم والحرب ..
رابعا: عقيدة عسكرية استراتيجية تضع تصورا للاعداء المحتملين ودرجة الاولوية لكل عدو وعناصر التهديد التي قد يستخدمها ودرجة تهديدها للامن العراقي وعناصر القوة والضعف لدى العدو في جميع المجالات ودائرة نفوذه في النطاق الاقليمي والدولي ودراسة جميع الجوانب الثابتة والديناميكية في استراتيجيته ووضع السبل المطلوبة لمواجهتها.
خامسا: وضع الثوابت الاستراتيجية التي تحدد الخطوط الحمراء التي لايجوز الاقتراب منها والالتزام بمبدا الدفاع عن النفس في مواجهة الهجوم الواقع او المحتمل وتحديد النقاط التي تضطر الدولة الى المبادرة بالهجوم وتحقيق المبادرة الاستراتيجية ..
سادسا : احياء ميثاق الدفاع العربي المشترك وتطويره ليتناسب مع واقع الاخطار التي تهدد الامن القومي العربي ، والتاكيد على الالتزام بمباديء الميثاق واختيار قيادة عربية عسكرية موحدة تجسد وحدة القرار السياسي ووحدة فكره الاستراتيجي رغم المتغيرات التي حصلت في الموقف العربي تجاه الصراع العربي الاسرائيلي (26 ) ..
د- الركيزة الاقتصادية : يمكن تحديد ملامح هذه الركيزة كما يأتي:
اولاً: اعتماد التخطيط الستراتيجي وقاعدة المعلومات واستغلال الطاقات الكامنة في العراق: (الطاقة، المعادن، الارض، العنصر البشري) ..
ثانيا: اعتماد التكنولوجيا ذاتها بخلقها او شرائها ..
ثالثا: توظيف الامكانيات الاقتصادية العراقية في خدمة الهدف الاستراتيجي للامن العراقي ..
رابعا : حول هذه الركيزة جاء في الفقرة ( ج- المصالح الاقتصادية ) من استراتيجية الحكومة العراقية ما نصه :
( اولا- تطوير اقتصاد متعدد الموارد واستثمار الثروات الطبيعية :
تشكل ايرادات النفط الخام حوالي 90% من اجمالي ايرادات العراق المالية ، وهذا يمثل تهديدا للامن الوطني على المدى البعيد ، لذا فان الحكومة الحالية تسعى لوضع سياسة تؤسس لاقتصاد متنوع الموارد يضمن مصالح الأجيال القادمة وتتضمن تطوير استثمار الثروات الطبيعية، وتطوير القطاعات الزراعية والصناعية والاستثمار في البنى التحتية اللازمة كشكبات الاتصالات والنقل والخدمات الاخرى ..
ثانياً: تنمية الموارد البشرية :
ان حماية المواطنين وتحسين معيشتهم وتوفير الرفاهية وزيادة الانتاج الوطني وتعبئة رأس المال البشري تعتبر من العناصر الأساسية في سبيل تحقيق التنمية الاساسية ذات الجودة ودعم الاسر الفقيرة والفئات الضعيفة وعدم التمييز في الحصول على تلك الخدمات ..
ثالثاً: تحقيق الرفاهية ورفع المستوى المعيشي :
لكل موطن عراقي الحق في الحياة والامن والحرية ولا يجوز حرمانه من هذه الحقوق وتقييدها، وتكفل الحكومة تحقيق الرفاه لكل افراد الشعب العراقي من خلال توفير فرص العمل ومكافحة البطالة وتحقيق بيئة صحية وتوفير الامن والاستقرار وتحقيق العدالة الاجتماعية) (27) ..
هـ- الركيزة العلمية والتكنولوجية : من الضروري ان تراعي هذه الركيزة مايأتي:
اولا: اللحاق بالركب العلمي ووضع مناهج البرامجيات في نظم الدراسة من المرحلة الابتدائية وحتى الدراسة الجامعية ..
ثانيا: ضرورة قيام القطاعين الخاص والحكومي بالاستثمار في هذه المجالات وتشجيع الطلبة والباحثين والعلماء على البحث العلمي وتطوير المعلومات ووضع الميزانيات للبحث العلمي ووضع البرامج التنفيذية لذلك ..
ثالثا: القيام بنقل التكنولوجيا واعداد العنصر البشري لذلك ..
رابعا: العمل على استعادة العقول العراقية المهاجرة وتقديم الحوافز والاغراءات لعودتها والحفاظ على العقول الوطنية الموجودة منعا لهجرتها ..
خامسا: التكامل مع الجهود العربية والصديقة نحو المعلوماتية والتكنولوجيا ..
سادسا: ربط العلم والتكنولوجيا بقضايا الامن القومي واصلاح العملية التعليمية تحت شعار العلم في مواكبة العصر ..
سابعا: ضرورة التوفيق بين اراء العلماء وسماع صوتهم لدى صانع القرار السياسي ..

********************

تنويه

واخيراً لابد من الاشارة الى ان هذه الدراسة الموجزة ، هي محاولة تم اعدادها في ضوء الاحداث التي مرت على العراق منذ احتلاله عام 2003 واستقرائنا لتطوراتها خلال المستقبل المنظور وهي تشكل مدخلاً لدراسات اوسع واشمل لاغناء هذا الموضوع المهم والحيوي بالتفاصيل والمعلومات ريثما تتبلور لاحقا صورة المشهد العراقي بشكلها النهائي ، خاصة بعد خروج المحتل واقامة نظام وطني بعيد عن الطائفية والتمييز والتدخل الاجنبي .. نظام يؤمن بوحدة العراق ارضا وشعبا وتاريخا وحضارة .. نظام وطني تشارك فيه كل العناصر والقوى الوطنية المخلصة بما فيها المقاومة العراقية الوطنية .. والله من وراء القصد

الهوامش
1 . موقع جريدة كل العراق في 1/ 4/ 2004
2 . جريدة المدى العراقية في 21/ 9/ 2007
3 . المصدر السابق ..
4 . دكتور خالد حبيب الراوي ، سياسة الامن الاعلامي في العراق ، بغداد ، 1985
5 . المصدر السابق ..
6 .الدكتور حامد عبدالله ربيع ، تهديدات الامن القومي العربي ، محاضرة القيت في كلية الاركان العراقية عام 1985 ..
7 . الامن الثقافي ، تاليف عامر حسن فياض ، اصدار دار القادسية ، بغداد ، عرض وتقديم : معتز محي عبدالحميد ، مجلة الامن القومي / كلية الامن القومي ، العدد الثالث لسنة 1985 ، ص 211 ، بغداد ..
8 . دكتور حامد ربيع ، مصدر سابق ..
9 . دكتور خالد حبيب الراوي ، سياسة الامن الاعلامي في العراق ، مجلة الامن القومي ، مصدر سابق ، ص 48 ..
9 . المصدر السابق ، ص 48
10 . عبدالسلام ابراهيم البغدادي ، مفهوم الكيان الصهيوني للامن القومي ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد ، تشرين الاول 1982 ، ص 25 ..
11 . موقع الوطن العربي على خريطة القرن الواحد والعشرين / المركز العربي للدراسات الاستراتيجية – القاهرة – نيسان – 1996
12 . د. عيسى درويش ، ركائز الاستراتيجية في خدمة الامن القومي ، مجلة الفكر السياسي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ، شتاء 1998 – 1999 ، العددان الرابع والخامس ، ص 56 ..
13 . المصدر السابق ، ص 56 ..
14 . المصدر السابق ، والباحث يتفق في الراي مع هذه الخلاصة ..
15 . ملف حركة ضباط الجيش لانقاذ العراق ، مفهــوم الامن القومي العراقي ، ص 4 ..
16 . د. عيسى درويش ، مصدر سابق ، ص 58 ..
17 . المصدر السابق ، ص 59
18 . المصدر نفسه ، ص 60
19 . جريدة المدى ، مصدر سابق
20 . المصدر نفسه ، ص 60
21 . انظر ، عبدالوهاب محمد الجبوري ، ابرز نظريات ورؤى الخطاب السياسي الامريكي المعاصر ، موقع نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ،
http://www.airssforum.com/f497/t15844.html
22 . جريدة المدى ، مصدر سابق ..
23 . المصدر السابق ..
23 . قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، موقع ميديا في 9/ 3/ 2004
24 . جريدة المدى ، مصدر سابق
25 . د. عيسى درويش ، مصدر سابق ، ص71
26 . للاطلاع على المزيد من المعلومات حول ميثاق العمل العربي المشترك يمكن الرجوع الى كتاب ( نظرية الامن القومي العربي ) للدكتور عبدالمنعم المشاط وكتاب ( العرب الى اين ؟ ) للدكتور زكريا حسن والعدد 419 من مجلة المعرفة السورية / عدد اب 1998 ، ص 44 وما بعدها ، والنشرة الاستراتيجية للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية وخاصة مجلة الرسالة العدد 6/ 1998 ..
27 . جريدة المدى ، مصدر سابق

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي