Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
الأثر اليهودي فى الفكر الإسلامي

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: الأثر اليهودي فى الفكر الإسلامي

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية احمدحامدالسكرى
    تاريخ التسجيل
    29/09/2008
    المشاركات
    16
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي الأثر اليهودي فى الفكر الإسلامي

    1- القول بخلق القرآن

    في مرحلة من مراحل التاريخ الاسلامى ظهرت بعض الفرق الضالة ، وبدأ تأثيرها في نشر بعض الأفكار الفاسدة بين العامة ، ومن بين هذه الفرق فرقة المعتزلة ،التي كان من ضمن معتقداتها القول بخلق القرآن. فهم يعتقدون بان كلام الله –عز وجل - مخلوق مثله مثل السموات والأرض والجبال والدواب ، وسائر المخلوقات, فهو ليس وصفاً من أوصاف الله -عز وجل- وهو غير قائم به بل مخلوق منفصل عنه –سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- ولكن المعتزلة استطاع أن يصل فكرها إلى الخليفة العباسي المأمون, والذي تأثر بفكرهم و أقتنع بأن القرآن مخلوق. فكان من أمر العلماء من استجاب و أيد رأي المأمون, فخاض مع الخائضين، ومنهم من رفض هذا الأمر رفضا صريحا بل تصدوا له و من هذه الفرقة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله - والذي ابتلى في هذا الأمر ابتلاء عظيما فانصب عليه العذاب صبا والحبس فصمد صموداً عظيما .
    و جدير بالذكر أن السلف الصالح كانت عقيدتهم في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر أسماء الله وصفاته-بلا تأويل أو تعطيل- وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه،وأنه منزل من عنده , فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنى، تكلم الله به حقيقة وألقاه إلى جبريل الأمين، ثم نزل به جبريل على قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين لكن السؤال الذي يطرح نفسه من اى مصدر استاق المعتزلة هذا الفكر؟ علما بان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في هذا الأمر , ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا أحد من الصحابة بعد رسول الله تكلم فيه .
    نحن في هذا الموضوع لا نسال عن الأسباب وراء الخوض في هذا الأمر لكن نسأل من اى فكر أو عقيدة جاء هذا الفكر .
    إن الدارس للفكر اليهودي لغة وعقيدة ليجد الاجابه على هذا السؤال عندما يقابله نص من النصوص اليهودية تذكر أن في بداية الخلق قد خلق الله سبعة أشياء منها التوراة يقول النص الذي ورد في كتاب الأساطير اليهودية ل"لويس جنزبرج"
    In the beginning, two thousand years before the heaven and the earth, seven things were created: the Torah written with black fire on white fire, and lying in the lap of God; the Divine Throne, erected in the heaven which later was over the heads of the Hayyot; Paradise on the right side of God, Hell on the left side; the Celestial Sanctuary directly in front of God, having a jewel on its altar graven with the Name of the Messiah, and a Voice that cries aloud, "Return, ye children of men.
    "The Legends of the Jews by Louis Ginsberg"

    الترجمة
    في البدء وقبل السموات والأرض بألفى عام خلقت سبعة أشياء : التوراة التي كتبت بنار سوداء على نار بيضاء , وكانت بين يدي الرب عند الخلق ، والعرش الالهى المقام في السماء ,وفيما بعد وضع على رؤوس " الهايوت" والجنة عن يمين الرب , والنار عن شماله , والهيكل السماوي أمام الرب مباشرة وعلى مذبح الهيكل جوهرة نقش عليها اسم " المسيح" وصوت يصيح عاليا " توبوا يا بني البشر"
    وفى نص آخر في احد التفاسير اليهودية للعهد القديم نجد بان التوراة كانت مخلوقة قبل خلق العالم وقد استشارها الرب في عملية الخلق يقول النص
    בראשית ברא אלהים, זה שאמר הכתוב ה' בחכמה יסד ארץ וכשברא הקב"ה את עולמו נתיעץ בתורה וברא את העולם שנא' לי עצה ותושיה אני בינה לי גבורה והתורה במה היתה כתובה, על גבי אש לבנה באש שחורה שנא' קווצותיו תלתלים שחורות כעורב
    الترجمة
    في البدء خلق الله , كما جاء في المكتوب, الرب بالحكمة أسس الأرض ولما خلق القدوس – تبارك هو – عالمه استشار التوراة وخلق العالم , فقد قيل لي المشورة والرأي, أنا الفهم لي القدرة , والتوراة حينئذ كيف كانت مكتوبة ؟ على ظهر نار بيضاء بنار سوداء ,
    مدراش تنحوما لسفر التكوين
    يستفاد من النصين السابقين إن فكرة خلق التوراة واردة في الفكر اليهودي لكن ما علاقة ذلك بفكرة خلق القران وكيف تأثر بذلك الفكر الاسلامى ؟
    مما لاشك فيه بان الثقافات والحضارات مثلها مثل الكائن الحي لا تستطيع العيش في معزل , فلا بد من التأثير والتأثر , يؤثر السابق على اللاحق والقديم في الحديث والعكس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري- رضي الله- عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه"
    وقد تأثر بالفعل المسلمون فتبعت فرق منهم أفكار وعقائد من كان قبلهم ومن هذه الفرق فرقة المعتزل كما سبق فنقلت هذه الفرقة فكرة خلق القران من الفكر اليهودي
    يقول ابن الأثير في كتاب الكامل في التاريخ عند الحديث عن احمد ابن أبى دؤاد احد الداعين للفكر الاعتزالي " وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة وأخذ ذلك عن بشر المرسي وأخذه بشر من الجهم بن صفوان وأخذه جهم من الجعد بن أدهم وأخذه الجعد من أبان بن سمعان وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد الأعصم وختنه وأخذه طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لبيد يقول بخلق التوراة وأول من صنف في ذلك طالوت وكان زنديقا فأفشى الزندقة‏.‏ الكامل لابن الأثير:5/294
    وهكذا نجد الصراع اليهودي لم يكن أبدا صراعا حديث النشأة لكنه دب في أوصال الأمة منذ نشأتها مصوب سهامه إلى جوهر العقيدة الإسلامية للسعي إلى إفسادها حتى يلحق بها ما لحق بعقيدتهم لكن الله قيض من العلماء من يدافع عنها ويظهر الله على يديه الحق (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
    الصف الآية(8)


    احمد حامد عبد المنعم السكري
    الباحث والمعيد بقسم اللغة العبرية
    كلية الآداب - جامعة سوهاج
    جمهورية مصر العربية

    التعديل الأخير تم بواسطة نايف ذوابه ; 30/01/2014 الساعة 11:13 PM سبب آخر: تصويب العنوان

  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية نائل سيد أحمد
    تاريخ التسجيل
    27/04/2008
    العمر
    57
    المشاركات
    91
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي

    هل قال بمسألة خلق القرآن غير المعتزلة ؟ .
    وجزاكم الله خيراً على ما تنشرون ..

    التعديل الأخير تم بواسطة نايف ذوابه ; 29/01/2014 الساعة 12:55 AM

  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. محمد اسحق الريفي
    تاريخ التسجيل
    05/06/2007
    المشاركات
    5,279
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    أخي الكريم الأستاذ احمدحامدالسكرى،

    في البداية، نرحب بك في جمعية واتا، فأهلا وسهلا ومرحبا بك.

    وأشكرك جزيلا على موضوعك قيم الذي يستحق القراءة والتأمل.

    تحياتي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    .
    .

    إنما الأعمال بالنيات

  4. #4
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    18/03/2007
    العمر
    36
    المشاركات
    143
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    هو ليس تأثر بقدر أنها عملية تسريب الفهم اليهودي إلى الإسلام
    من مثل حديث خلق الأرض في سبعة ايام في صحيح مسلم وهو موجود في التوارة !!
    و احاديث اخرى من قبل ناس مثلوا علينا أنهم ملسمون و لا يخفى علينا الإسرائيليات في كتب التفسير .

    و لدي كتاب اسمه التأثير اليهودي في تفسير القرآن الكريم
    و التأثير المسيحي في تفسير القرآن الكريم
    و الحديث يطول حول هذه الظاهرة الخطيرة
    و المعتزلة تأثرت بالفكر اليوناني حتى أننا نكاد أن نقول أنها فرقة يونانية


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية احمدحامدالسكرى
    تاريخ التسجيل
    29/09/2008
    المشاركات
    16
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد اسحق الريفي مشاهدة المشاركة
    أخي الكريم الأستاذ احمدحامدالسكرى،

    في البداية، نرحب بك في جمعية واتا، فأهلا وسهلا ومرحبا بك.

    وأشكرك جزيلا على موضوعك قيم الذي يستحق القراءة والتأمل.

    تحياتي

    استاذنا العزيز الدكتور / محمد
    لك منى الف تحية وسلام , وكل عام وحضرتك والامة الاسلامية بخير ورخاء.
    شكراجزيلا على اطراءك للموضوع , كمااتمنى الا تبخل علينا بالتوجيه والنصح
    احمد


  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية احمدحامدالسكرى
    تاريخ التسجيل
    29/09/2008
    المشاركات
    16
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معاذ أبو الهيجاء مشاهدة المشاركة
    هو ليس تأثر بقدر أنها عملية تسريب الفهم اليهودي إلى الإسلام
    من مثل حديث خلق الأرض في سبعة ايام في صحيح مسلم وهو موجود في التوارة !!
    و احاديث اخرى من قبل ناس مثلوا علينا أنهم ملسمون و لا يخفى علينا الإسرائيليات في كتب التفسير .

    و لدي كتاب اسمه التأثير اليهودي في تفسير القرآن الكريم
    و التأثير المسيحي في تفسير القرآن الكريم
    و الحديث يطول حول هذه الظاهرة الخطيرة
    و المعتزلة تأثرت بالفكر اليوناني حتى أننا نكاد أن نقول أنها فرقة يونانية
    الاستاذ معاذ ,
    جزاك الله خيرا على اسماء المراجع القيمة والتى لا غنى عنها لمن يقرأ فى هذا المجال.
    كلمة "أثر" اراها انسب للسياق ؛ لانها من جملة تأثر الحضارات والفكر بوعى أو بغير وعى , لكن تسرب غير دقيقة لان التسرب من شأنه ان ياتى بلا وعى


  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية د.رأفت رشوان
    تاريخ التسجيل
    11/10/2008
    العمر
    46
    المشاركات
    25
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اشكرك د.احمد حامد على هذا الموضوع الجميل وهو الاثر اليهود فى الفكر الاسلامى ,ولكن هل هناك مزيد حول هذا الموضوع الشائك؟ مع تقديرى لشخصكم ومشاركتكم الطيبة. أخوك د.رأفت رشوان مدرس علم اللغة بكلية الاداب بسوهاج.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


  8. #8
    عـضــو الصورة الرمزية نائل سيد أحمد
    تاريخ التسجيل
    27/04/2008
    العمر
    57
    المشاركات
    91
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: الاثر اليهودى فى الفكر الاسلامى

    للمراجعة .


  9. #9
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: الاثر اليهودى فى الفكر الاسلامى

    هذا موضوع شائك ويحتاج إلى تخصص عميق بالفرق الإسلامية ومنها المعتزلة والمعرفة الضليعة بمناهج تفكيرهم والمصادر التي اعتمدوا عليها في بحثهم وتأثروا بها .. وأرى أن الدراسة قاصرة ومخلة لأنها بدأت بوصف المعتزلة بأنها فرقة ضالة وهذا ظلم كبير وتجنٍّ على البحث .. مسألة تأثر المعتزلة أو غيرهم بمصادر الثقافة غير الإسلامية وارد وحقيقي كالفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني والفلسفة الهندية والفارسية لكن الأمر المهم هو هل هذا ينفي عنهم أنهم فرقة إسلامية وأبحاثهم أبحاث إسلامية...؟!

    معروف أن المعتزلة قد أطلقوا العنان للعقل في التفكير والبحث وجعلوا له الحكم بالتقبيح والتحسين ومن القضايا التي بحثوها والتي جسدت بمبادئ خمسة: العدل والتوحيد والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلق القرآن والقول بحرية الإرادة الإنسانية وأن الإنسان يخلق أفعاله فيما عرف بالقضاء والقدر.. ومسألة مرتكب الكبيرة والمنزلة بين المنزلتين ...

    لست معتزليًّا وأقول إن المعتزلة قد أخطؤوا في البحث حين أطلقوا العنان للعقل في البحث والعقل قاصر ومتفاوت في القدرة على الحكم على الأمور والعقل حدد الإسلام مهمته في فهم النص لا بإنشاء نصوص تحكم على الأفعال والأشياء.. وحين بحث المعتزلة في الصفات خرجوا في البحث عن طريقة البحث الإسلامية والتي تنأى عن البحث في الميتافيزيق أي ما وراء الواقع وما يعرف بالغيب ومما لا يقع عليه الحس ولم يخطئ المعتزلة وحدهم في هذا بل أخطأ غيرهم من الفرق الإسلامية التي تأثرت بالمنطق والفلسفة ومناهج الفلاسفة والمتكلمين ..

    الحديث يطول في الموضوع وهو بحاجة إلى مختصين ضليعين وأصحاب عارضة في هذه المواضيع كمسألة خلق القرآن ومسألة نفي الصفات وتعطيلها .. وأهم من هذا كله الالتزام بمنهج صحيح في البحث يعتمد على المعلومات الدقيقة وتحليلها ومقارنتها بأصولها التي يزعم أن الاعتزال قد تأثر بها ..

    والحرص على المنهج حرص على البحث وعلى سلامة ما نصل إليه من نتائج لأن الحديث دون تمحيص ودون التزام منهج صحيح في البحث سيجعلنا نحن أيضا ضحايا لجهلة قليلي علم سطحيين ..

    وهذه مسائل عويصة يحسن بالمرء ألا يخوض بها إلا بعد التسلح بالعلم الصحيح والمنهج القويم في البحث حتى لا يظلم الناس وبالضرورة في النهاية يظلمه الناس ..

    قرأت هذا البحث وهو يعرض للاعتزال ومبادئه وتصوراته وفرقه وقد رأيت فيه الكفاية للتعرف على الاعتزال وأخذ فكرة عنه وعن مفكريه المحدثين .. عن موقع صيد الفوائد..

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

  10. #10
    كاتب وناشط سياسي الصورة الرمزية نايف ذوابه
    تاريخ التسجيل
    04/05/2007
    المشاركات
    2,434
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: الاثر اليهودى فى الفكر الاسلامى

    [COLOR="navy"]

    المعتزلة
    إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

    التعريف:

    المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية (*) والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.

    التأسيس وأبرز الشخصيات:

    • اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين:

    ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة (*)، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:

    1 ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين

    2 ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".

    3 ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته .

    ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.

    • أما القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ مؤرخ المعتزلة ـ فيزعم أن الاعتزال ليس مذهباً جديداً أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمراً مستحدثاً، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من اعتزل الشر سقط في الخير).

    • والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة (الجذور الفكرية والعقائدية) .

    • قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل (*) ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي:

    ـ مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها: معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث .. وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة .

    ـ وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك .

    ـ ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـ .

    ـ وممن قال بنفي الصفات أيضاً: الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة .

    • ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ) الذي كان تلميذاً للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة (*) في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمناً ولا كافراً) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى: الواصيلة.

    • ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقاً ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى .. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه .

    • وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضياً للقضاة في عهد المعتصم.

    ـ في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق .

    ـ لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة (*) وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عاماً .

    • في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة (*) والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضياً لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي ، وهو من الروافض (*) المعتزلة، يقول فيه الذهبي: " وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعاً " ويقول المقريزي: " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر "

    • وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".

    • بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم .

    • عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث .

    • ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:

    ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76 . وتسمى طائفة الهذيلية .

    ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة (*) وقد تأثر أيضاً بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة .. وقال:بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية .

    ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.

    ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية (*) فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر (*) خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية .

    ـ عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير (*) حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية .

    ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ)، كان جامعاً بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة . وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين . وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية .

    ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظراً لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية .

    ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية .

    ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.

    المبادئ والأفكار:

    • جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:

    ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز . حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك .

    ـ الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة (*) ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً.

    • ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:
    1 ـ التوحيد .
    2 ـ العدل .
    3 ـ الوعد والوعيد .
    4 ـ المنزلة بين المنزلتين .
    5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

    1 ـ التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.

    2 ـ العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه . وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية (*) وإرادته الشرعية (*) .

    3 ـ الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحساناً ويجازي المسيء سوءاً، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة (*) إلا أن يتوب .

    4 ـ المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر . وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .

    5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشاداً للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا . ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق .

    • ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل (*) كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلاً فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني: " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح (*) صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح " .

    ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها .

    ـ ولاعتمادهم على العقل أيضاً، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم .

    ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:

    " كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين "، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفاً إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا .

    ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة (*) اليونانية عامة وبالمنطق (*) الصوري الأوسطي خاصة .

    • وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعاً أسلوبهم في الجدال (*) والحوار .. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين .

    ـ ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحماً .. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل .

    • وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل (*) في تعاملهم مع نصوص الموحي (*)، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه . ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائماً حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتماداً على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.

    وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:

    ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة .

    ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.

    ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".

    ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة . خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور . ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:

    1 ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات .

    2 ـ العقل (*) وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات .

    3 ـ الوحي (*) من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ …

    وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.

    الجذور الفكرية والعقائدية:

    • هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.

    وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ (*) ـ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات .

    • إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد مورداً من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية .

    ـ ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني .

    ـ تأثر المعتزلة بفلاسفة (*) اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني: "إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها" انظر الملل والنحل ج 2/ ص58.

    وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله".

    فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته.

    ـ وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ) ثم يصبح في مكان (ج) دون أن يمر في (ب) .

    وهذا من عجائبه حتى قيل: إن من عجائب الدنيا: " طفرة النظام وكسب الأشعري " .

    ـ وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي:

    1 ـ إن المسيح (*) هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.

    2 ـ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة.

    3 ـ القول بالتناسخ (*).

    4 ـ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات .

    • يؤكد العلماء تأثير الفلسفة (*) اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيراً من مقالاتهم بعبارته البليغة .

    ـ ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس (*). وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية.

    الفكر الاعتزالي الحديث:

    • يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد .. فألبسوه ثوباً جديداً، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد (*) أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي ..

    ـ وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل (*) الإنساني .. فلجأوا إلى التأويل (*) كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات (*) المادية .. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل .. إلا من هذا القبيل .

    • وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر .

    • وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي .. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة .. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد (*)، والحدود، وغير ذلك .. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث .. إلخ .. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله .. وتحكيم العقل في هذه المواضيع . ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر .

    • ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة و المرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه: " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا . هذا في البلاد العربية .

    أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار (*) البريطاني . وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية . ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين (*)، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيراً من جهاد المسلمين الهنود لهم .

    ـ وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة .

    ـ ومن هؤلاء أيضاً مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام .. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية) وهي من الفلسفة (*) الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي .. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة (انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123) .

    ـ ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه: ضحى الإسلام: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " (ج3 ص207).

    ـ ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج (*) العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور .. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد (*) عقلي كبير، وللعقل (*) سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهاداً في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضاً " (انظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138) .

    ـ وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد (*) وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية .. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد و محمد سليم العوا، وغيرهم . ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية (*) ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلاً من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة .

    ويتضح مما سبق:
    أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون . وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعاً ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه . ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيهاً لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين .

    ومن الواضح أيضاً أن أتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضون الآن من اجتهادات إنما الهدف منها أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولاً بأنه إنْ لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها .

    ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما.

    ----------------------------------------------------
    مراجع للتوسع:
    ـ الملل والنحل للشهرستاني.
    ـ الفرق بين الفرق للبغدادي.
    ـ مقالات الإسلاميين للأشعري.
    ـ القاضي عبد الجبار الهمداني للدكتور عبد الكريم عثمان.
    ـ ابن تيمية للشيخ محمد أبي زهرة.
    ـ درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية.
    ـ البداية والنهاية لابن كثير.
    ـ المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبدة وطارق عبد الحليم.
    ـ ضحى الإسلام لأحمد أمين.
    ـ تجديد الفكر العربي لزكي نجيب محمود.
    ـ دراسات في الفرق والعقائد لعرفات عبد الحميد.
    ـ الدعوة إلى التجديد في منهج النقد، عصام البشير (بحث مقدم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لنيل درجة الماجستير).
    ـ عقائد السلف لعلي سامي النشار.
    ـ محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة، سليمان بن صالح الخراشي.
    ـ حوار هادئ مع الشيخ الغزالي. سلمان بن فهد العودة.
    ـ منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، د. فهد الرومي.
    ـ العصريون معتزلة اليوم ـ يوسف كمال.
    ـ العصرانية في حياتنا الاجتماعية. د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي.
    ـ العصرانيون. محمد حامد الناصر.
    ـ دراسات في السيرة. محمد سرور زين العابدين.
    ـ تنبيه الأنام لمخالفة شلتوت الإسلام. الشيخ عبد الله بن يابس.
    ـ مفهوم تجديد الدين. بسطامي محمد سعيد.
    ـ تجديد أصول الفقه. د.حسن الترابي.
    ـ غزو من الداخل، جمال سلطان.
    ـ مجلة كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
    ـ "المدرسة العقلية الحديثة وصلتها بالقديمة" د. ناصر العقل. العدد الثالث سنة 1400هـ
    .

    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ

    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ

    فــإذا تكلّـمتِ الشــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

  11. #11
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: الاثر اليهودى فى الفكر الاسلامى



    تحية للاخ السكري على مقال مفيد ومهم


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •