الدكتور المهدي المنجرة، من أكبر الفعاليات التي تتبعت تطور العالم من مواقع شتى و متعددة، و هو من أوائل المغاربة الذين دقوا نواقيس الخطر، و منذ أمد بعيد، بخصوص الانحرافات و تضييع مواعيد المغرب خصوصا و العالم العربي عموما مع التاريخ. لكن القائمين على الأمور لم يولوا أي اهتمام لكل ما كان ينذر به الدكتور. و اليوم ها هو الواقع يؤكد بجلاء، أراد من أراد و كره من كره، ما سبق و أن حذر منه الدكتور المهدي المنجرة بالأمس القريب و البعيد.

و الغريب في الأمر أن كل أغلب بلدان العالم استفاذت و لازالت تستفيذ من خبرة الدكتور المهدي المنجرة و من أفكاره و اجتهاداته و تنبؤاته المستقبلية العلمية المبنية على الدراسة المتأنية و المتروية، لكن القائمين على الأمور بالمغرب ظلوا يخلقون العراقيل الواهية تلو العراقيل الواهية الشيء الذي حرم البلاد من الاستفاذة من قدرات هذا الرجل العظيم الذي تسابقت كل الدول لاحتصانه و دعوته للاستقرار بها لكنه رفض لأنه “ابن بطوطة” عصره يعشق التجوال عبر العالم و التواصل مع جميع الشعوب و مثقفيها.

فهل يعقل اختلاق أسباب واهية لمنع بشكل ملتوي محاضرة أو لقاء هناك و هناك، وهذا ما وقع للدكتور المهدي المنجرة ببلده المغرب أكثر من مرة، في حين تتسابق الدول الأخرى العارفة بقيمة هذا الرجل ، حتى العظمى منها، لاحتضان محاضراته و لقاءاته.

و من الأمور التي شغلت بال الدكتور المهدي المنجرة إشكالية الديمقراطية و حقوق الانسان بالعالم العربي، و التي أضحت من المطالب الملحة لتمكين الشعوب العربية من الرقي و الخروج من النفق المظلم لمحاولة اللحاق بركب أمم عالم اليومن لأن هذا هو السبيل الوحيد للمسايرة و إلا حكمت الشعوب العربية على نفسها بأن تظل خارج الدائرة.

و يرى الدكتور المهدي المنجرة أن الدول العربية وصلت إلى درجة من التدني يصعب معها قبول استمرار الأمور على ما هي عليه. و في نظر الدكتور أن الأسباب الحقيقية التي أوصلت العرب إلى هذا الوضع تكمن في الذل و عدم احترام حقوق الانسان و التعذيب و التبعية للدول الكبرى.

و قد سبق للدكتور المهدي المنجرة أن توقع في كتابه “انتفاضات” سنة 2000 جملة من الأمور أضحت أمرا واقعا الآن و بجلاء لا يمكن أن ينكرها أحد.

و يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أن السبيل للخروج من هذا الوضع هو سبيل وحيد لا ثاني له، و هو الرجوع إلى الشعوب العربية لتمكينها من تقرير مصيرها، و هذا نوع من الديمقراطية التي أضحى ينادي بها الجميع عبر العالم.
و من الحواجز الكبرى التي تعترض التحول الديمقراطي في البلدان العربية، في نظر الدكتور، هناك أولا الأمية باعتبار أن أكثر من نصف العرب ليس لهم وسائل للتعرف على الاشكاليات و التعبير و على الاحتجاج. و فعلا الأمية ضارة أطنابها في المجتمعات العربية و تصل نسبتها إلى 55 في المئة علما أن أمية اليوم ليست هي أمية الأمس ، و إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات التي عرفتها تقتنيات التواصل و الاتصالات فإن تلك النسبة ستكون أكبر من ذلك و بكثير.

أما الحاجز الثاني فهو الفقر، و يبدو أن الفقر العالمي ليس كالفقر في العالم لأن أغلبه مرتبط بمنظومة الفقرقراطية، رغم أن المناطق العربية تعتبر من المناطق الغنية بثرواتها و الفقيرة بفقر شعوبها.

و يزداد الطين بلة إذا علمنا أن الحاجز الثالث هو غياب العدل الاجتماعي، و لعل الهوة الشاسعة التي قل نظيرها في العالم، بين الأغنياء و الفقراء لأكبر دليل على ذلك، و هو وضع يزداد تعمقا مع استمرار وجود خروقات لحقوق الانسان بتلك الدول.
و يرى الدكتور المهدي المنجرة أن كل هذه العوامل بالاضافة إلى الكذب على الشعوب تجعل أن الحكومات أضحت فاقدة لمصداقيتها في عيون الشعوب العربية رغم كل ما يقال حاليا فيها بصدد الانتقال الديمقراطي.

و في خضم هذا الوضع يرى الدكتور المهدي المنجرة أن النخبة بالبلدان العربية تنصلت من مسؤوليتها، و أغلب أفرادها، لم يكتفوا باعتماد الانتهازية و إنما اعتمدوا الارتزاق للسلطة و أضحوا مرتزقة لها و للخارج.

و بخصوص ضرورة إقرار الديمقراطية بالبلدان العربية، يرى الدكتور ( و هذا سمعته منه أكثر من مرة و فرأته في جملة من انتاجاته الغزيرة) أن الديمقراطية ترفض الظلم و أن أي انسان له كرامة و له وسائل بيولوجية (على الأقل) يدافع بها على نفسه. و في هذا الاطار دأب الدكتور على تشبيه الحالة بحالة الطفل صغير السن حينما يضرب يكون له رد فعل مباشر و على التو (البكاء و الاحتجاج)، و بذلك فإن لكل واحد وسائل لمواجهة الظلم، لأن الظلم كوني ، كما هناك تعددية في أساليب مواجهته و التصدي إليه. و من هناك تبدو إشكالية التقليد في اعتماد الديمقراطية غشكالية ثانوية جدا. لأن الديمقراطية هي وسيلة و غاية في ذات الوقت، إلا أنها تتطلب شروط، و من أهمها التوفر على رؤية محددة المقاصد. و مثل هذه الرؤية لا يمكن استيرادها من الخارج كوصفة أو كما تستورد سيارة آخر تقليعة، إذ يجب أن نكون من نتاج المجتمع نفسه الذي يسعى إلى الاقرار بالديمقراطية و سطه و في أحضانه و بين ظهرانيه.

و بالتالي فإنه، بالنسبة للدكتور المهدي المتجرة، لا مناص من تهييء شروط معينة لكي تتحقق دمقرطة حقيقية بالبدان العربية فيما يخص الحريات و العدل الاجتماعي و الفقر.

و مهما يكن من أمر، بالنسبة للدكتور المهدي المنجرة، الدمقرطة لا خيار بشأنها في الدول العربية، إما أن تكون و إما الانتفاضات، ليس بمعنى الفوضى و التهور، و إنما بمعنى البحث عن الوسائل الضرورية للتغيير تأخذ أشكال انتفاضات من أجل المطالبة بالتغيير.

::. إدريس ولد القابلة

المراجع
كتابات الدكتور المهدي المنجرة
استجواباته مع جملة من المنابر


منقول من (دروب).