هذا المقال نشر ردا على واحد من عصابة أحمد صبحي منصور المعرفة (بالقرآنيين),الذين ينكرون سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ويطعنون بها.نشر المدعو شريف هادي السنة الماضية في ذكرى تأميم القنال عدة مقالات تنال من ثورة الأحرار وكل إنجازاتها كاملة,ووصلت به الوقاحة الى القول ان المعامل والسد العالي كانت خطأ استراتيجيا,بحيث أنها معرضة لقنابل ما يسمى بإسرائيل,وتطرق الى موضوع القنال بفكر ساداتي صهيوني بحت,يستطيع أصحاب النهى استنباطته من خلال ردي عليه.لم أنشر مقاله مرفقا بمقالي لأنني لم أستأذنه بذلك ولن أسمح لنفسي أن أخاطب أمثاله.



بسم الله الرحمن الرحيم

(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو اذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) سورة الحج اية 46.صدق الله العظيم


لن أطيل على الأخوة الكرام في موضوع قنال السويس,فالوثائق موجودة,والكتب مفتوحة,والعين بصيرة,والعقل وجد لكي نتفكر,ورجالات تلك الفترة,من أعداء وأشقاء كتبوا وما زالوا عن هذه المعركة المباركة,وما علينا الا ان نقرأ ونفقه,ما سجلوه في سطورهم,لكنني أود أن أرد باختصار على مقولات تعتمد في شكلها ومضمونها,على احباط وقهر ارادة الأمة,عبر الأكاذيب والإفك والحروف الزعافية,اخطرها أقلام من يدعي حب الإسلام وتمسكه بكتاب العلي العظيم,القرآن المنزل من رب العالمين,والذي يبعد عن أولئك القوم,بعد الطهارة عن النجاسة,بعد الحق عن الباطل,بعد الشرف عن العار,وبعد المشرق عن المغرب,فأنى لهم أن يصدقوا ويخلصوا,وكيف لهم أن يفلحوا,فبئس ما فعلوا وخسئ ما يمكرون.

مع حلول العام 1953,راودت شركة قنال السويس الهموم حول مستقبلها بعد جلاء القوات البريطانية,وشكلت لندن وواشنطن مجموعة تسمى (جماعة السويس) كبديل عن القاعدة العسكرية في منطقة القنال,تتكون غالبية اعضاء مجلسها من مجلس العموم البريطاني,لتشكيل غطاء رسمي ضد اي محاولة لتأميمها كما حصل مع البترول الإيراني حسب تصريحاتهم,وهذا ما جاء على لسان رئيس مجلس ادارتها(ان القنال هي وريد الدورة الدموية للبترول في العالم) أو كما قال انطوني ايدين رئيس وزراء بريطانيا عشية التأميم (لن أسمح لناصر أن يضع يده على " زورنا " (قصبة تنفسنا) لابد من تدمير موسولينى المسلم .. أريد إزاحته ولا اكترث على الإطلاق إذا سادت مصر الفوضى والدمار ).لم يكن لمصر اي تمثيل فعلي داخل مجلس ادارة قنال السويس,فالتمثيل كان مقتصرا على ممثلين فقط لا سلطة لهما ولا قرار,وكانت بريطانيا تعتبر ان القنال بقعة من ارض المملكة التي لا تغيب عنها الشمس,متلاعبة بإيرادات القنال كما تشاء بنفس الأسلوب الذي امتهنته مع العهد الملكي البائد,تعطي 5% فقط من الرسوم لمصر وتحتفظ بالباقي للدولتين الباغيتين,فرنسا وبريطانيا.عندما قام وزير خارجية بريطانيا سلوين لويد بزيارة مصر في اذار 1956,جرى حديث بينه وبين عبد الناصر حول القنال,فأشار الأول ان بلاده (تعتبر القنال جزءا من مجتمع البترول في الشرق الأوسط),فأجابه عبد الناصر قائلا(ان الدول العربية تتقاضى 50% من أرباح البترول,بينما تتقاضى مصر 5% فقط من أرباح القنال,والمفروض ان تعامل مصر معاملة الدول المنتجة للبترول).لو قرأ نقاد قرار التأميم فقط هذه الأقوال والتصريحات الصادرة من اعلى الجهات الرسمية الغربية بشأن قنال السويس,لعلموا ان بريطانيا لم تكن مستعدة لاعادة القنال لأصحابها,حتى وان فعلت,كانت ستربطه بقرارات وتنازلات مصرية,ترهن القيادة السياسية وتستعبدها تحت وعود واهية وسيادة منتقصة,فالسد العالي وقصة سحب التمويل خير دليل على ذلك,عندما رفضت مصر المثول للقرارات الأمريكية,والكل يعلم بالفطرة ماهية تلك القرارات.ثم لا يمكن لأي دولة في العالم تصبو الى الاستقلال والحرية بشتى اشكالهما,ان تبقي مقومات الانتاج والإيرادات مرهونة لقوى غريبة جشعة,اثبتت عبر التاريخ انها عصابات بربطات عنق وحقائب دبلوماسية,تسطوا وتنهب ثروات العالم,عنوة وبطشا وخداعا,دون اي رادع ولا حسيب,ناهيك عن الذل في عدم تمكن مصر مراقبة مياه القنال كونها لم تكن تعتبر مياها اقليمية,فمصر كانت تحتج على مرور السفن الاسرائيلية,دون القدرة على منعها,ودون اي اكتراث من الشركة العالمية لقنال السويس للنداءات المتكررة,وجواب لندن وباريس كان دائما بأن على مصر التقيد بالشروط الموضوعة عليها حتى بعد انتهاء الامتياز المزعوم,وفي هذا الصدد,صرخ موشي شاريت رئيس وزراء ما يسمى بإسرائيل في الكنيست غاضبا في 30 اب 1954 (ان نقل منطقة القنال بما فيها المطارات الى السلطة العسكرية المصرية يزيد من قوتها وقدرتها على العدوان على اسرائيل).

ان قرار التأميم كان قرارا شاملا,بحيث انه اكتنف الحرية السياسية والاقتصادية في ان,ليتخلص من القيود المفروضة الهادفة لاقعاد الاقتصاد ومنع التنمية,قاهرة بذلك الارادة الوطنية تحت وطأة التخلف والفقر والتسول,فالتنمية لا تتم اطلاقا بدون قرار سياسي حر غير مرتبط باملاءات ولا انتداب,وقرار التنمية ومجتمع الانتاج والكفاية,كان في صلب النهج الثوري لحركة الضباط الأحرار,وهو الذي جعل الغرب وربيبته (اسرائيل),يعدون العدة ويصقلون السيوف للاجهاز على عبد الناصر ونظامه في معارك وجولات عديدة, دبلوماسية وعسكرية,تكشفت علنا في العدوان الأطلسي على مصر سنة 1967,لذلك بعيد النكسة بأيام,قدمت امريكا عرضا لمصر يقضي بأن تعيد (اسرائيل) سيناء كاملة,مقابل ان تتخلى عن سياستها القومية والاقتصادية,فلم تلق ردا وعادت فارغة الأيدي.بعض اقلام السم والخداع المتبرقعة بثوب الدين تارة وبثوب الديمقراطية الوقحة طورا اخر,يتذرعون بمدة انتهاء الامتيازات في القنال سنة 1968,وان عبد الناصر تسرع في قراره,فبالنسبة لهم وضمن مفهومهم المعاق,لا تعني الأسباب والتصريحات الانف ذكرها شيئا,لأن همهم الوحيد هو النيل من التجربة العربية الوحيدة منذ قرون,وانكار اي ايجابية مهما كانت مصيرية وناجحة,فمن سنة 1956 الى سنة 1968 فترة زمنية من اثنتي عشر سنة,وهي لعمري اياما ليست بالقليلة في عمر الأمم والشعوب,فمن يسبقك بخطوة يسبقك بعلم وتقدم وتتطور لا يمكن وصفهم,وايرادات القنال يومها كانت تقارب المئة مليون دولار سنويا,اي مليار ومئتي مليون دولار خلال الفترة المذكورة,فهذا بالنسبة للعملاء والأذناب والسفهاء,ليس رقما ولا حاجة ولا حقا لشعب كان يموت جوعا وفاقة,ويغرق تحت احتلال مرعب وفقر مدقع في كل الجهات,وكأنهم يلتقون,او تلقنوا هذه العبارات والاراء من مدرسة بن غوريون اللعين المجرم,يوم التقى وزير خارجية فرنسا كريستيان بينو وناحوم غولدمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية سنة 1954 ,بعدما أجابوه على سؤاله لهما عن جمال عبد الناصر ونظامه ...(انه رجل يميل للتعاون مع الغرب من اجل اصلاح الشأن في بلده وينادي بالتنمية بدليل انه شكل مجلس أعلى للإنتاج وآخر للخدمات ، ويأخذ مجلس قيادة الثورة بتوصيات المجلسين فى تنفيذ مشروعات التنمية مثل التوسع فى إقامة المدارس والمستشفيات وإنشاء مجمع للحديد والصلب وتطوير صناعات للغزل والنسيج الخ) وكان تعقيب بن غوريون ( إن هذا هو أخطر ما فى سياسة جمال عبد الناصر ، فالتنمية معناها القضاء على إسرائيل ).من كتابه ( إسرائيل تاريخ شخصى ).

يحمل المبغضون ايان كانت ميولهم الفكرية افكارا تسخر منها عقول المخلصين والمبدعين والأوفياء,فقرار الـتأميم كان باطلا كما يقولون,اما قرار الصهاينة باغتصاب فلسطين والعرب ارضا وشعبا,وبناء المعامل والمصانع وحماية وسائل التمويل والتنمية,هو قرار عملي ديمقراطي مفعوم بالتخطيط والاجتهاد,وقرار بناء السد العالي هو كارثة كبيرة ومدعاة لطم ونويح وتحسر,لأنه كما قال المفسدون,هو هدف استراتيجي (لاسرائيل),اما ان تبني سيئة الذكر مفاعلا نوويا سنة 1956 (ديمونة) فهو تطور وحاجة ماسة وخطوة استراتيجية جديرة بالتصفيق والمديح,فمفاعيلها النووية محروسة باذن ابليس وكتّابه الصهاينة,لا تأتيها الصواريخ من فوقها ولا من تحتها ولا من بين اياديها,ولا تشكل كارثة اذا ما طالتها قذيفة ما,اما السد والقنال ومعامل الصلب والحديد كانوا سبب تأخر مصر وضعفها العسكري والاستراتيجي,فعلى اسرائيل ان تعمل وتبني,وعلى العرب ان يختبؤا في اوكار وكهوف لأن ما سيبنوه سيكون اهدافا عسكرية للأعداء,والعبارة مفهومة لكل ذي عقل سليم. ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12، 13‏]‏‏.‏

اسمحوا لي ان أقص عليكم ما ذكرتني به أقوال الذين في قلوبهم مرض عن الازدراء بقرار تأميم ثروات البلاد,تحديدا قنال السويس,يوم نقض يهود بني قريضة عهدهم مع سيد الخلق وامير الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم,وبلغت القلوب الحناجر,وزاغت الأبصار من هول الحدث,فأمامهم جيوش الأحزاب تحاصرهم,وبين ظهرانيهم خونة الميثاق وناكثوا العهود,فجلس الرسول الكريم يفكر في حل لهذه المصيبة,( فتقنع بثوبه حين أتاه غَدْر قريظة، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء، ثم نهض مبشراً يقول‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره‏)‏، ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحرس إلى المدينة؛ لئلا يؤتي الذراري والنساء على غرة، ولكن كان لابد من إقدام حاسم، يفضي إلى تخاذل الأحزاب، وتحقيـقاً لهــذا الهـدف أراد أن يصالـح عُيينَة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة، حتى ينصرفا بقومهما، ويخلوا المسلمون لإلحاق الهزيمة الساحقة العاجلة بقريش التي اختبروا مدي قوتها وبأسها مراراً، وجرت المراودة على ذلك، فاستشار السعدين في ذلك، فقالا‏:‏ يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة، وإن كان شيئا تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرًي أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ‏؟‏ والله لا نعطيهم إلا السيف، فَصَوَّبَ عليه الصلاة والسلام رأيهما وقال‏:‏ ‏‏(‏إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة‏)‏‏.‏- من كتاب الرحيق المختوم صفحة 299.أنظروا كيف كانت ثروة الأمة عزيزة غير قابلة للمساومات والتنازل حتى في أدق الظروف,وكيف علمنا الاسلام العظيم ان الحق لا يقبل انصاف الحلول,بينما تنعق أبواق العصر الصهيوني ,عصر (الميكي ماوس),عصر الفئران والجراذين,بالشؤم وخزي الدهر,ينقضون ويفتكون ويحرفون ويطأطؤن الرؤوس ذلا وتخاذلا وخيانة,باسم الاسلام الذي تبرأ منهم ونأوا عنه,سائلين المولى ان يطهر جسد هذه الأمة من هذه الطحالب وينصر دينه ,فالعزة لله ورسوله والمؤمنين ولو كره المنافقون.

لقد انتهت حرب السويس والعدوان الثلاثى وكل المؤامرات التي حيكت حولها,وعادت قنال السويس الى أصحابها وأهلها ووطنها,بعد ان انتزعها جمال عبد الناصر من فم التنين,بعزة وعزم ,وأعناق مرفوعة تحاكي الشمس في كبد السماء,وقضى الله تعالى على امبراطوريتين عظيمتين على يد الشعب المصري العريق,وهوت رؤوس غي موليه,وانطوني ايدين,ورد كيد امريكا وربيبتها في نحرهم,واستطاعت مصر ان تبني سدها العالي المنيع, وأعلن جورج يونج ضابط المخابرات البريطانية المسؤول عن عمليات التفجيرات في مصر : ( لقد انهار كل شىء ، وأصبحت رجلا عجوزا فى ليلة واحدة ) وهزم الجمع وولوا الدبر,(ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).صدق الله العظيم.

فسلام على أرواح الشهداء الطاهرة,الذين زفتهم امتنا الى جنات الخلد وهم في ساحات الوغى,وسلام على روح المارد العربي الغضنفر جمال عبد الناصر الذي وقف في وجه الطغاة كالجبل في عين الاعصار,ثابتا لا يخاف الا الله,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.