شريعتي


مجلة فصليّة، علميّة، مُحكَّمة؛ تُعنى بقضايا العمران البشري والتغيير الاجتماعي









بسم الله الرحمن الرحيم

الفكرة والطموح

مثل فكر علي شريعتي بشهادة الكثيرين أحد مضلعات المثلث الذي قامت عليه الثورة التي انطلقت في إيران سنة 1979 وأطاحت بحكم الشاه. وفي ثنايا نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بدأ الاهتمام بشريعتي المفكر والمناضل يتزايد، إلا أنه – ولأسباب متعددة - لم يلقَ حظه من الاهتمام بالقدر الذي تستحقه أفكاره خاصة وأن الكثير منها يرتبط بشكل مباشر وما يطرح من إشكاليات ثقافية وفكرية في العالم العربي والإسلامي.

لقد عكست كتابات شريعتي ثراءاً كبيراً أسّس لتوجه فكري متميز، حاول من خلاله المفكر أن يربط بين الهم الإسلامي والخبرة العلمية في أفقها الإنساني الرحب. وعليه، فإن مشروع إنشاء مجلة فكرية تتمحور حول ما طرحه علي شريعتي طوال سنين عطائه القصيرة (اغتيل وله من العمر 46 سنة)، ينطلق من قناعة أساسية مفادها أن لعلي شريعتي –مفكراً ومناضلاً – طرحاً فكرياً متكاملاً يمثل نموذجاً للمفكر المسلم الذي يطرح الإشكاليات والقضايا الفكرية انطلاقاً من ثوابت الأمة العقائدية والتاريخية، وفي نفس الوقت، يؤسس لقراءة نقدية للمخزون الثقافي الإسلامي.

ولئن تقاطع فكر علي شريعتي في أكثر من نقطة مع شخصيات فكرية مثل ابن خلدون ومالك بن نبي، ومحمد إقبال، وسيد قطب، مع فوارق الزمان والمكان والظرف الاجتماعي، فإن شريعتي يرتبط بهم وبغيرهم أشد الارتباط في زوايا المنهج حيث تشترك وبقوة في اعتبار المجتمعات المسلمة شأنها شأن كل المجتمعات البشرية حقولاً اجتماعية حيّة، لا يمكن الحديث عن التغيير فيها إلا بعد الاستكشاف العلمي للسنن أو القوانين الاجتماعية التي تحكم مسيرتها. لقد اقترب علي شريعتي في فترته الباريسية من التطور الهائل الذي حصل في مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية والمدارس التي صاحبت صعود الرأسمالية –خاصة بداية من القرن التاسع عشر- ، وشدد في كتاباته على أهمية أن يتوجه المفكر المسلم لهذه الحقول لا بعقلية المقلد (القابل لكل ما فيها أو الرافض لها بالجملة) بل بتوجه المؤسس والمضيف إلى هذا الزخم المعرفي الإنساني حتى تتحقق الاستفادة منها لمجتمعه.

ومع يقيننا بأن هذا المشروع وإن ينطلق من الاهتمام بالتراث الفكري لعلي شريعتي، فإنه لا يقف عند حدوده، بل يذهب معه وبه إلى آفاق فكرية أكثر رحابةً واتساعاً ومعاصرة: على هذه الخلفية لا تمثل مجلة " شريعتي " بأية حال من الأحوال تقوقعاً حول فكرة ما مهما كان عمقها المعرفي، أو طوافاً طقوسياً حول شخصية مهما على شأنها الفكري، إنما يطمح هذا المشروع إلى أن يقدم أنموذجاً ثقافياً للمسؤولية الفكرية في عالمنا العربي والإسلامي المستدرج من داخله ومن الخارج نحو تفكيك ذاته، ومسخها قسرياً في نسخ "معولمة" لا طعم ولا رائحة ولا لون لها، ويطرح بالتالي مسألة التغيير الاجتماعي كأحد أهم آفاقه الفكرية.
ومن ثم يمثل هذا المشروع دعوة ملحة للمتخصصين في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة الذين يهتمون من زوايا مختلفة بمسائل التغيير الاجتماعي للشعوب والبلدان المسلمة إلى المساهمة فيه، و طرح رؤاهم وتصوراتهم لحركة الشعوب المسلمة، باتجاه إيضاح السبل المؤدية إلى مستقبل أفضل تتمكن فيه الأمة من الخروج إلى الناس وتقديم حلول لكل البشرية.

وفق هذه القناعة وهذه الأساسيات يأتي مشروع إنشاء مجلة علمية فصلية لمناقشة القضايا المنهجية والفكرة التي تضمنتها كتابات علي شريعتي، وطرح مسائل التغيير الاجتماعي للشعوب المسلمة، وما يرتبط بها من قضايا منهجية وفكرية تشكل في الحقيقة جزءاً أساسياً من اهتمامات النخبة المثقفة في عالمنا الإسلامي المعاصر.

تصدر المجلة في بيروت عن دار الأمير للثقافة والعلوم.