Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
رحلة مكتبة تمبكتو الأندلسية.

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رحلة مكتبة تمبكتو الأندلسية.

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/10/2008
    العمر
    36
    المشاركات
    122
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رحلة مكتبة تمبكتو الأندلسية.

    بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.


    هي من أعظم حواضر الأندلس, كانت مملكة بني ذي النون من ملوك الطوائف, و سميت في دولة بني أمية بالثغر الأدنى, كما سميت بمدينة الأملاك, لأنها فيما يقال مَلَكها اثنان و سبعون ملكا. فيها وجد طارق مائدة سليمان التي كانت من ذخائر إشبان ملك الروم الذي بنى أشبيلية و جلبها من بيت المقدس –أعاده الله للمسلمين- .

    بها بساتين محدقة, و أنهار مخترقة, و رياض و جنان, و فواكه حسان, مختلفة الطعوم و الألوان, و لها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة, و رساتيق مريعة, و ضياع بديعة, و قلاع منيعة.

    كانت قاعدة ملك القوطيين, و هي مطلة على نهر تاجه, و عليه كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها.

    إنها طليطلة –ردها الله دار إسلام- المدينة الأولية, العظيمة القدر, الجليلة الوضع, القديمة البناء, المنيعة الحصينة, الكثيرة المياه و الثمار. (1)
    قدّر الله أن تكون هذه المدينة العظيمة أوّل حاضرة إسلامية تسقط بيد النصارى في السادس من مايو 1085م, و اهتزّت لسقوطها أركان البلاد الإسلامية, و تقوّى بها أعداء الإسلام أيما تقوّي, و ظلت في يدهم رغم جهود المرابطين الحثيثة لاسترجاعها, لكن منعتها و وعورة مشارفها حالت دون ذلك.
    في منتصف القرن 15م, بدأ المسلمون المدجنون الذي بقوا في طليطلة يستشعرون الضغط الذي يمارسه المجتمع النصراني و سلطته على الطوائف الغير نصرانية. تحت هذا الضغط لسلطة الاحتلال النصراني, قررت عائلة بنو القوطي الهجرة و مغادرة طليطلة. لقد صقلت الحضارة الإسلامية بالأندلس نمط عيش هذه العائلة طيلة أجيال, و سبغته بالتسامح و حب العلم و الكتب. و هذا ليس بغريب على أهل الحواضر الكبرى للأندلس.

    وقفة
    إن في هجرة عائلة بني القوطي من طليطلة حفاظا على إسلامهم لعبرة لمن يبحث عن الحق, كما أن في هجرتهم رد على من ادّعى أن المسلمين غزوا الأندلس و فرضوا الإسلام فرضا على أهلها.
    فكما يدل على ذلك اسمها, تنحدر عائلة بنو القوطي من أصول قوطية, أي من نسل السكان الذين عمروا الأندلس قبل وصول الفاتحين المسلمين. فلو كان الإسلام فُرِض عليهم أثناء الغزو المزعوم لكان الأولى أن يطرحوه و يتبرؤوا منه عند أول فرصة تتاح لهم, و يعتنقوا النصرانية التي كانوا عليها قبل وصول الإسلام إلى الأندلس. لكن هذا لم يحدث, فقد غادر بنو القوطي دار الكفر إلى دار الإسلام بعد أن رسخ في قلوبهم الدين الذي قبلوه عن طيب خاطر, و استرخصوا مفارقة أرض الأجداد في سبيل الحفاظ عليه.


    عرف القرن 15م نهاية التسامح الهش لمملكة قشتالة النصرانية اتجاه بني القوطي و إخوانهم المسلمين. في هذا الإطار, تحكي التواريخ أنه في 22 مايو 1468م قامت مجموعة من الطليطليين المسلمين بمغادرة طليطلة, و كان بينهم القاضي علي بن زياد, سليل أسرة بني القوطي, و كان يعمل في طليطلة كقاضي مدني يحكم بين المسلمين. فعلى غرار العديد من المهاجرين الذين سبقوه, و الآلاف الذين سيلحقون به, اتجه علي ابن زياد جنوبا نحو مضيق جبل طارق و عَبَر إلى المغرب, حيث نزل إمّا بفاس أو بمدينة مغاربية أخرى عرفت استقرار العديد من الأندلسيين بها. لم يلبث ابن زياد أن نسج علاقة مع إمبراطورية سنغاي بالسودان الجنوبي, بأفريقيا جنوب الصحراء, و اتبع بذلك سبيل أندلسيين آخرين مروا عبر طرق الطوارق و استقروا ببلاد مالي.

    شكلت مالي الحدود الجنوبية للإسلام, و كانت مقصد الطليطلي ابن زياد الذي استقر بكومبو. حبه الشديد للكتب صاحبه خلال رحلته إلى وسط إفريقيا حيث يُعتقد أنه اقتنى عدة نسخ لنصوص دينية تخص القرآن العظيم و حياة الرسول محمد صلى الله عليه و سلّم, وقام بالتعليق, في الهوامش, على بعض ما جاء في هذه النصوص. هذه التعليقات حوت ملاحظات على ما قرأه و معلومات عن تلك الفترة و معايشته للأندلسيين العلوج (2).

    في نهاية القرن 15, أصبح ابنه محمود يحمل لقب كاتي المحرّف من الاسم العائلي "القوطي". و نجح في نيل ثقة أسقية محمد, الحاكم الجديد للمنطقة و المنحدر من قبيلة سونينكي, و هو قائد سابق في جيش سنغاي, و في عهده بلغت الإمبراطورية أقصى امتداداتها حتى أضحت تنافس سلاطين المغرب. خلال سنوات المجد التي عاشتها مملكة أسقية, كان على محمود كاتي الانتقال إلى تمبكتو رفقة رجال آخرين عُرفوا بالعلم, اختارهم أسقية لتشكيل هيئة قضائية في هذه المدينة الصحراوية. و يُعتقد أنه تزوّج فيها بابنة أسقية, و بها أيضا بدأ نشاطه في الأدب, القضاء, التنجيم و التاريخ, حيث ألّف كتاب (تاريخ الفتاش) جمع فيه تفاصيل رحلاته بأفريقيا جنوب الصحراء.
    ورث كاتي عن أبيه حب الكتب و أمعن في اقتنائها مثريا بذلك المكتبة العائلية التي تضم كتبا في الطب, الجغرافيا, التاريخ و باللغتين العربية و العبرية, إضافة لنصوص حول الحياة اليومية "للعلوج". خلال سنوات المجد هاته, تحولت تمبكتو إلى أكبر مدينة بنهر النيجر, وأضحت مقصد القوافل الرابطة بين الصحراء و البحر المتوسط, و مزارا للتجار و الرحّالة المسلمين و بعض الأوربيين. أحد هؤلاء الرحالة هو الغرناطي الحسن الوزان, المشهور باسمه الأعجمي Leon El Africano ليون الأفريقي, و قد ذكره كاتي في تاريخه.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    خريطة لمالي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تمبكتو

    هكذا أضحت تمبكتو مكانا أسطوريا, شكّلته قبائل الطوارق و تجار شمال إفريقيا, وقام الحكام المتوالون على حكمها بتوسعتها. و قد كان للأندلسيين يد في هذا التوسيع: فأقدم مسجد بالمدينة, و المعروف بالجامع الكبيرDjinguereiber , تمّ إنشاءه سنة 1325م, بواسطة المهندس الغرناطي إسحاق الساحلي بطلب من الإمبراطور موسى كانكان. الطراز الفريد لهذا المسجد شكّل مثالا لمساجد مالي, أهمها مسجد جيني. الحسن الوزان (ليون الأفريقي) ذكر وجود قصر بناه نفس المهندس الأندلسي, لكن لا أثر له اليوم. و حسب ابن بطوطة, الرحالة المغربي الشهير الذي طاف حول العالم الإسلامي في القرن 14, فإن الغرناطي ابن إسحاق الساحلي ذُفن في تمبكتو, و قد رأى قبره بعينيه.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الجامع الكبير Djinguereiber بتمبكتو



    و تبقى الثروة الكبرى التي خلّفها الأندلسيون متمثلة في العدد الكبير من العلماء في شتى العلوم و الذين أذاعوا صيت هذه المدينة و أدخلوها ميدان العلوم من أوسع أبوابه. لقد انتعشت تجارة الكتب و ازدهرت و شارك فيها دون شك محمود كاتي, لأن مجموعته من الكتب المحفوظة تحوي أعدادا كثيرة.

    استمرّ التواجد المهم للأندلسيين بعاصمة الصحراء طيلة سنوات, خاصة في نهاية القرن 16, لمّا استولى الجيش المغربي بقيادة الأندلسي الألميري جودر باشا على شمال إمبراطورية سنغاي, منتزعا مدينتا غاو و تمبكتو من يد الملوك الأفارقة. فاضطرت عائلة كاتي للهجرة بعيدا عن مدينة العلماء إلى مكان يسمى تيندرما (Tindirma): من هذا المكان بدأت الرحلة الطويلة لمكتبة العائلة المتوارثة.

    مع وصول آل بمبرا إلى السلطة, تعمّقت تعاسة الأندلسيين بأراضي النيجر, و اضطر آل كاتي إلى مغادرة مدنهم و وظائفهم التقليدية (كقضاة و محامين) و الاشتغال بالفلاحة, موزّعين في كلّ أنحاء النيجر. و قد حمل كل فرع من العائلة جزءا من المكتبة كوسيلة لحفظها من التدمير على يد أعداء العائلة. هكذا ضاعت بعض الوثائق, و نجا البعض الآخر, لكن الاضطهاد الذي تعرّضت له العائلة في نهاية القرن 18 جعل مصير المكتبة في حكم المجهول.

    غير أن إصرار و مثابرة اثنين من أحفاد علي بن زياد (هما ديادي حيدرة و ابنه إسماعيل كاتي) أنقذا هذا الإرث العظيم من غياهب النسيان و الاندثار. رويدا رويدا, و مُسلّحين بصبر عجيب و دقة عالية جالا كل أراضي مالي, قرية قرية, بحثا في الذاكرة و في الأماكن المهملة لدى الأقارب و الأصدقاء, حتى استرجعا آلاف الوثائق و المخطوطات و أعادوها مرّة أخرى إلى تمبكتو.
    لم ينته الأمر هنا, فمهمة كاتي الحقيقية ابتدأت اعتبارا من هذا الاسترجاع. كلّ الأوراق المُسترجعة وُضعت, طيلة سنوات, في مبنى قليل التهوية, ممّا أدى إلى تضرر الكتب بسرعة. لهذا قرّر إسماعيل اللجوء إلى أرض أجداده, إسبانيا, بحثا عن المساعدة. في البداية ذهب عند جماعة قشتالة Junta de Castilla-La Mancha, لكن تردّد ساستها دفعه لطلب المساعدة من حكومة إقليم أندلوسيا. كادت هذه الحكومة ترد طلب إسماعيل لكن ضغط جماعة من المثقفين ك سرامكو, غويتيسولو, مونييز مولينا و خوسي أنخيل بالنتي دفعها للتعهد بتوفير كل الدعم اللازم لإنشاء مكتبة جديدة بتمبكتو.

    و وجب في هذا المقام ذكر الموقف المشرّف و الجدير بالتقدير و الذي قام به إسماعيل كاتي لمّا رفض طيلة سنوات العروض المغرية و المقترحة لشراء المكتبة, و لم يفكّر قط في إمكانية بيع أعز ما ورثه عن عائلته. لقد كان همه الأكبر الحفاظ على وحدة مكتبة أجداده و في نفس الوقت حفظها في ظروف تسمح بتفحصها للأغراض العلمية.

    هكذا افتتحت, في شتنبر 2003, المكتبة الأندلسية بتمبكتو بعد عام من الأشغال, و هي عبارة عن مبنى مساحته 800 متر مربع يحوي 3000 كتاب, و قد تكلّفت وزارة الثقافة الإسبانية بتهيئتها, بينما موّلتها مستشارية العلاقات المؤسساتية التابعة للجماعة الأندلسية بمبلغ متواضع لم يتجاوز 150 ألف أورو. تضم هذه المكتبة أهم إرث ثقافي يهتم بالقرنين 15 و 16 و تنطوي على معلومات ثمينة حول أنماط عيش الأندلسيين بأفريقيا جنوب الصحراء. و من أجل تقريب هذا الكنز الثقافي من الباحثين الذين لا يستطيعون زيارة تمبكتو, تمّ في إحدى مكتبات ألمرية استنساخ وثائقها عبر تقنية الميكروفيلم.

    الهوامش:

    (1) وصف لطليطلة مقتطف من كتاب "نفح الطيب" للمقري التلمساني.
    (2) العلوج لقب يطلق على المسلمين من أصول نصرانية. و هناك عائلات مغربية كبرى تحمل لقب"العلج".

    المادة العلمية لهذا الموضوع مقتبسة من مقال للمؤرخ الإسباني خيسوس سانشيز خين Jesús Sánchez Jaén و هو بعنوان "EL PERIPLO DE UNA BIBLIOTECA" (رحلة مكتبة). و أدناه رابط للبحث:
    http://www.islamyal-andalus.org/cont...cia.php?id=476

    كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد المغربي.


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    05/10/2008
    العمر
    36
    المشاركات
    122
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: رحلة مكتبة تمبكتو الأندلسية.

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

    موضوع ذو صلة:
    مكتبة تمبكتو الأندلسية بمالي
    http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?t=37198


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •