مهرة الحرية والحقول


بهائي راغب شراب


مهرة الدنيا
أنت .. لا غيرك
تحملينني إلى أحلامي التي تسكنني
في الليل والنهار ،
في الأرض والبحار .
وفي ذروة الانبهار ..
تجيئين كعذوبة الأنهار .
تشدينني إلى الحوار المخملي ،
عندما تخلو لنا الأسحار .

عند منعطفاتنا القمرية ،
أمام نواصي الانتظار .
نبحث عن حلولنا الجذرية
للمتاهات التي تحتوينا ..
تسلبنا إرادتنا ..
نمشي في دروبها
بلا خرائط مرسومة
بلا قطارات ولا طائرات
بلا حساسين ولا يمام ..
وبلا أقطار .
*
لمّا تحاورينني
أفقد الكلمات كلها
المرصوصة في طابور الاحتكار .
وينز العرق الغزير من أوراقي المتناثرة
وعندما تتكلمين
أقف مشدوها كالصفير
تسلبينني القدرة على التفكير .

تستحوذين على الجمال الذي يُلْجمني
فأقبع في زاوية الرياح .
أستند على ساق شجرة الجميز العتيقة
أمد يدي نحو شجرة التفاح ..
أتصيد النسمات القليلة ،
وأقطف الصباح .

وتتقدمين كالعروس باستحياء
وسط جمهرة النساء
في ليلة الحناء .. الوحيدة
تبشرين بالربيع ..
قبل تعاقب الأعراس .
*
مهرة الدنيا
أنت .. لا غيرك
مهرة الحديث وفارسة الجدال
تبثينني السؤال يتلوه السؤال
ولا تنتظرين الجواب
تخترقين أسواري الحصينة
الممنوعة على السباع والأسياد .
المباحة لربة الظباء .
*
مهرة الدنيا
أنت .. لا غيرك
متنفس الحصار .
إكليل غار مدينتي المفقودة
في صدور السكان الغائبين في الجوار .
لا تلتزمين بالعقود التي ..
لم تُجْدِ لي نفعاً ولم تعوضني
عندما سقط متاعي البسيط
من الحنين والشعاع .

وبعيداً عن الاتفاقات المبرمة
بعد مفاوضاتنا الليلية المحشورة
في حديقة السباق ..
المسورة بالنجوم الوحيدة ،
المضيئة في فضائنا
نفي بالعهود ، نمنح الأمان
ونكمل المشوار ..
بعيداً عن شهود الزور ، الذين
يلفقون الحكايات الغرامية
كألف قبلة وقبلة ..
كألف غزوة وطعنة
كقصة عنترة ..
وأعرابية الحجاج ودرهم القافلة .
ويرسمون ظلالنا المسكونة بالحياة
كإنسي صادته جنية ..
في خرائب المدينة المهجورة . .
نازعته أزواجه من النساء .
يترجمون حركاتنا السرية والجهرية
ويذيعون بياناتنا الصباحية
أمام المقاهي
وفي مجالس الرثاء .
يصوروننا إذ نجري سوياً ..
بعيداً .. بعيداً .. بعيداً ..
في كل الاتجاهات القطبية
يشعلون أوارها المكنونة
يذيبون الجليد
عن تاريخنا الجديد
المخبوء بين الشوك والإماء .
كأننا ..
السراب .
*
مهرة الدنيا
أنت .. لا غيرك
من أعشقها
من أسكن صدرها الخافق عند هنيهات
التذكر واللقاء .
ومن تمسني بالرعد ،
رعشاتُ يديها الممدودتين
إلى شفتي المتكورتين وراء أذنيك
تهمسان بالنسيم الذي ترصدينه
على شاشتك الفيروزية
تستكشفين مواقعي السرية
وتسجلين عدد السرعات التي تنطلق بها
نبضات عروقي الحيرى
اللولبية ..
في الخفاء .
تسجلين أصوات الانفجاريات
وصراخ قلبي المكدود وسط
الصحراء المسكونة بالصمت والعفوية
وبالهجاء .
قبل انطلاقك إلى الفضاء .
تقودين الورد والريحان
إلى الفداء .
*
مهرة الدنيا
عنوان الكتابة والدراسة
وعزائم القراءة
تجولين في السطور
يستسلم لك المحظور ،
يهبك الزمام والقيادة .
يا مهرة الخيول
تتنقلين بعنفوان الأبجدية
من وريد إلى شريان إلى
تاريخ الهجرة الأولى .
وإلى عصور الانحطاط .
تدوسين على أحلامنا المأسورة
في أوراقنا السرية ،
داخل الرواق .
فدربيني يا مدربتي ..
كيف أقاوم النزول من علاك
كيف أداري قولي المعسول ..
على علاته العجلى
وأنا ما زلت
المتدرب الخجول ..
تحكمني ابتسامة رقيقة
يطلقها وجهك الرزين
المحبوك بالخيار الأولي
حيث تحاصرك خلجات الشفاه
الآتية من رزانة السنين ، ومن عقود
الشوق والانفطار .
تسلبني الحقيقة
وأركان الصلاة .
*
لا ..
لا تلوميني يا فرس الملوك
أنا مواطن من عامة المواطنين
أسمو عن القادة والسنديان
بأنني إنسان ..
تحكمه المشاعر
وتميِّله القلوب .
وإنني إنسان ..
أحب من يحبني
ولا تأسرني ..
الظنون .
*
يا مهرة الدنيا
يا عبق الطفولة الأمين
يا براءة العناق ،
يا طاهرة الخضاب .
أنا فارس احتار ..
سلاحي الأحلام والأماني
لو تعلمين ..
جبت جميع النواحي
يممت نحو الشرق
سافرت نحو الغرب
وكل مرة أعود
لأنني موعود
بادلتك العهد ..
سأحطم الأفول
وغيابي لن يطول .
*
وآه .. لو تعلمين ..
زادي أن أحبك ..
ليلة وراء ليلة ..
وردة معبقة بالعبير
فواحة بالمسك والبخور .
رائجة كالشعر تنقله إليك
نسائم العبور .
وزادي أن أحبك ..
جارية تلبس الحرير
غضة ..
ماؤها عذب سلسبيل ..
يجري في عروقي
يطهرني من وساوس العارفين .
*
يا مهرة الدنيا
دربيني كيف أحاور القلوب
فأنا بعد تلميذ صغير
لم تتغلغل أصابعي بين
جدائل الشعور .
ولم أداعب الشفاه من وراء الستائر والخدور .
ولم تتسلل أناملي إلى داخل الصدور ..
تفتش عن الكنوز و..
وبدايات الحبور .
دربيني ..
كيف الوصول إلى حماك
ومتى الرسو في مينائك المأمول .
دربيني على المناظرات
واكشفي بوابات التخيل والدخول .
عندما العشاق
يصمتون ..
فينفتح المدى
وتنهار تحت أقدامهم
الموانع والحصون .
دون أن يتكلموا
ودون أن يعترفوا أنهم سحرة
وانهم المسحورون .
أعلميني كيف يمكن للحقول
أن تنبت الأشجار ،
وتثمر الحياة في الخدور .
أنا فلاح ..
نعم .. أزرع الأرض أجناساً
من الشعر والمشاعر والبقول
وأبني حدائق الزهور
لكنني أقول ..
ما زلت إلى اليوم جائعاً
لم أجمع المحصول .
وما زلت إلى اليوم ظامئاً
لم تَرْوِنِي المياهُ المتفجرة
من الثغور .
*
ماذا أفعل أو أقول
أعلميني
أنت مهرة الدنيا
وأنا فارس لم أمتطِ الجياد قبلك
لم أعرف الوهن ،
ولم تراودني الفلول .
إلا عندما أفلت اللجام من يدي
وانطلق قلبي المحبوس
يقطع الطريق على الغيدان العابرات
قبل الغروب
يبارزهن بالرموز
وبالعيون .
يعلن لهن أن لا مرور
حتى تعرفن من أكون
وترددن أوصافي في الشوارع والكفور .
في مجالس النساء
تدعوهن للمثول .
وتعترفن بأنني الفارس الراجل
لمهرة الحقول .
أقيم في صدوركن غير مهدور الحقوق
وفي سيرة النساء أنا ..
العاشق المعشوق .
يا مهرة الدنيا وغنائية الطيور
علميني الطيران
دربيني على الهجوم
الحرب قادمة
تشتت الأشلاء وتحفر القبور .
الحرب قادمة ..
يا سيدة العصور
علميني كيف أقارع الفرسان
وكيف أغلب الصقور .
لا أريد أن أموت
قبل أن أعود إلى سريري الصغير
إلى حضن أمي الأثير
عندما أمي كانت تهدهدني ..
تعلمني عندما أكبر
كيف أختار ملهمتي
من جواري القوافل ومن زنابق الحقول
في رحلتيْ الصيف والشتاء ...
وعند تغير الفصول .
وتعلمني ..
أن أصغي لراويتي ..
إذ تلقنني حروف الضم والقبلات
وتعرفني أحوال الوقار
وصخب الحفلات
والمجون ..
وكيف أمتطي الخيول .
*
يا مهرة الدنيا
يا فرس الحقول
أنت لا غيرك
جوادي المجنح الأصيل
معه أهيم بين الغيوم
أبارز النجوم
أناطح الجبال فوق الأرض
وأقارع الجنون .
*
أنت لا غيرك
مهرة الدنيا .. ومالكة الفنون
يا منبع الخبال والجنون
تطلقينه على العباد المتيمين
الذين يتملصون من براثنك الشفافة ..
كالندى المصقول .
يلوذون إلى النجاة
لا يحنون هاماتهم أمام فتنة الرموش
ونفرة الصدور .
يا مهرة البوادي
يا عربية القلب والنظرات
يا رشيقة اللسان
يا قبلة العشاق والرجال
يا أسطورة الأطفال الحالمين
بجنية الصباح ، تحققين ما يشتهونه
من اللعب والإبداع
والسياحة في البلاد ..
ومن تفتح الربيع
ودفء حكايات الشتاء .
تحملينهم إلى الآفاق
يبنون قصورهم المرمرية
بالحب والأحلام .
*
يا مهرة القفار
يا سنونوة المحيرين بالأسرار ..
المكبلين بالأصفاد ..
لا تغادرين ساعة اللقاء
إذ تكهربين الجو عند قدومك البرقي
ويمسني تيارك الهفهاف الأقحواني
يغشيني صعقاً ..
لأنك مهرة الدنيا
ورجفة الأعضاء .
وسط حريق الصيف
وزمهرير الاشتهاء .




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي