تعد التنمية من المصطلحات الأكثر استحداثا ً في سبيل تطوير المجتمع وأنظمته من قبل الحكومات ، وذلك من أجل إحداث نمو في اقتصاده الذي يؤول بالنتائج الايجابية على البنية التحتية والفوقية للمجتمع ، وتحقيق زيادة في معدل النمو والرخاء الاجتماعي الذي يسفر عنه إحداث زيادة في الريع والدخل لدى النظام الاقتصادي بشكل مستمر. ويعد لبنان كبقية دول العالم قد تبنى السياسة التنموية في نظامه الداخلي مواكبة ً مع التطورات العالمية والمحلية ، وتفعيل قطاعه الاقتصادي من خلال دفع عجلة التطور والنمو في بنيته وقطاعاته بشكل عام .ولعل القطاع السياحي اللبناني بشكل عام يحتاج إلى التدابير التنموية الجذرية والفاعلة لمعالجة واقعه ، وتفعيل مردوده الإنتاجي الذي يعود بالفائدة الكبيرة على النظام الاقتصادي اللبناني بشكل عام ؛ خاصة أن لبنان يفتقر إلى البنية الاقتصادية الزراعية والصناعية الفاعلة لافتقاره إلى المواد الأولية التي تحقق التوازن الاقتصادي المطلوب من حيث الريع والدخل القومي ، والذي ينعكس أجابا ً على الدخل الفردي ومستوى تقديم الخدمات الإنعاش الاجتماعي من طبابة وتعليم وإسكان وترفيه وخدمات..... والذي يزداد احتياجات المواطنين لها مع تقدم الحياة وتطورها عالميا ً ومحليا ً .
مع التحول الاقتصادي العالمي من اقتصاد صناعي إلى تجاري ومن ثم إلى اقتصاد خدماتي ، كان لا بد من مواكبة هذا التحول ، خاصة أن لبنان كمجتمع بما يتمتع به من موارد سياحية هامة سواء البنية الطبيعية أو البنية الآثاراتية والأعمارية ، جعل من نظامه السياحي ركيزة أساسية لاقتصاده عبر إرساء بنية خدماتية مصرفية وتجارية تعزز القطاع السياحي وتوطد الصناعة الحرفية السياحية المرتبطة بهذا القطاع وما تحققه من مداخيل تعود بالنتائج الايجابية على خزينة الدولة بشكل عام . ومن الملاحظ أنه قد ترافق تفعيل القطاع السياحي بوجود نظام خدماتي مصرفي حائز على الثقة العربية للمستثمرين العرب والأجانب لما يتمتع به من قوانين تطال السرية المصرفية من جهة ، وسهولة في التحويل المالي، عدا عن تسهيل المعاملات والإجراءات المتعلقة بالقروض والفوائد وارتباطه بالتكنولوجيا المصرفية والمالية ، وهذا ما يعزز ثقة لدى السائح بالعودة مرة أخرى لزيارة لبنان وتمضية أجازته.
انطلاقا ً من هذا ، كيف نجد الواقع السياحي اللبناني تجاه الأزمة الأمنية والإرهاب الذي يتعرض إليه هذا المجتمع مع امتداد الحرب على أراضيه في السنوات الأخيرة منذ العام 2005 ، للوقت الراهن ، وما هي التدابير العلاجية والوقائية لتفعيل هذا القطاع وتشجيع الجذب السياحي إليه؟
شهد هذا القطاع تأخر كبير وملحوظ في السنوات الأخيرة ، تبعا لما يشهده المجتمع من أزمات أمنية متكررة على أراضيه عبر أستهدف الرجالات السياسية والعسكرية ، وأشكال العنف الممارس والذي يحصد الأرواح البريئة من المواطنين، وكان لفاتورة الحرب تموز 2006 ، مع إسرائيل ، واستكمالا ً بحرب البارد 2007 ، الأثر البالغ في تردي هذا القطاع وتراجع مردود يته ، تبعا ً لتراجع حركة الوافدين من السائحين إلى لبنان وإلغاء حجوزاتهم سواء من العرب أو الأجانب أو اللبنانيين المغتربين. خوفا ً من الأزمة الأمنية وخوفا ًمن نتائج الحرب التي لم توفر لا الحجر ولا البشر عبر نتائجها الوخيمة عليهم . وقد عبرت الإحصائيات عن الأرقام السياح الوافدين خير دليل على الأزمة التي خلفتها الحرب على القطاع السياحي بشكل عام ، حيث تراجعت الحجوزات لدى وكالات السياحة والسفر في لبنان خلال شهر يونيو 2006 بنحو 80% عن الماضي المنصرم ، في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة إشغال الفنادق في مختلف المناطق اللبنانية بحوالي 70% وهو ما قد يعنى أن القطاع السياحي في لبنان خاض أزمة ركود كبيرة مع ترجع عدد السياح الذي تم إظهاره عبر تقرير لوزارة السياحة اللبنانية والذي أكد تراجعاً في حركة السياحة للبنان بنسبة 33.59% خلال شهر مايو2006 مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. وأشار التقرير الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية "واس"، إلى أن عدد السياح بلغ 109.441 سائح في شهر مايو 2006 فيما بلغ عدد السياح نحو 72.676 سائح في مايو العام2007 أي بتراجع 33.59% عن مايو العام السابق. ومن الواضح أن الحركة السياحية في لبنان تواجه بالفعل أزمة حتى قبيل تفجر أحداث نهر البارد حيث تشير أرقام وزارة السياحة اللبنانية إلى تراجع عدد السياح بنسب ملموسة بلغت في الأشهر الأربعة الأولى من السنة 2007نسبة 22.9% مقارنة مع الفترة عينها من العام الماضي، دخل إلى لبنان حتى نهاية إبريل الماضي 270062سائحاً مقابل 350272سائحا في الفترة عينها عام 2006 أي بتراجع ملموس يبلغ 80210 سائحاً وهي تشكّل نسبة 22.9%. (1)
واستمرت هذه الأزمة في ارتفاع جديتها ، وتراجع عدد الوافدين إلى لبنان ، مع احتلال الوسط التجاري بالاعتصام الذي طال سنة 2007 بأكملها ، حيث تم عبره إحداث الشلل الكامل للمرافق الحيوية السياحية من فنادق ومطاعم وملاهي ليلية ، و تراجع في المردود الإنتاج الصناعي، حيث أعلنت العديد من المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم إفلاسها ، مع ضعف وتقلص حجم الأرباح وارتفاع الخسائر ، في ظل نظام اقتصادي متردي تعتريه الكثير من المشاكل ، سواء ممن ناحية المواد الأولية وتأمينها ، ومن ناحية أخرى شروط التصنيع ومستلزماته ، ولا سيما صناعات الحرفية اليدوية التي أخذت طابع التراث الشعبي الذي أغنى القطاع السياحي _التجاري المرافق له ، وسبب انتعاش في تنشيط التجارة الحرفية السياحية المرافق لأماكن الآثار ، التي يشترونها كتذكار للبلد من قبل السياح الوافدين . والجدير بالذكر هنا أن وظيفة الوزارة السياحية في لبنان لم تعتمد الخطط السياحية لدعم هذا القطاع ، وتلطيف آثار تراجعه بسبب الأوضاع الأمنية والحروب مؤخرا ً ، أنما اعتمدت الآلية التي تلطف من النتائج ، خاصة أن نسبة السياح الوافدين إلى لبنان قد غيرت وجهة وفودها إلى البلدان المجاورة كسوريا والأردن ، وشمال إفريقيا ،هربا ً من الأوضاع الأمنية في لبنان ، وانخفاض الأسعار المرفقة للتقدميات الإيوائية السياحية نسبة مع الأسعار المعتمدة في لبنان . ومع اتفاق الدوحة 2008، وتعين رئيس الجمهورية ، فقد عادت الثقة تدريجيا ً، إلى المجتمع اللبناني وترافق ذلك مع استعادة الهدوء الأمني نوعا ً ما عبر الاتفاق السياسي للحفاظ على الوضع الأمني الذي يشكل دعامة النشاط السياحي والعامل الأساسي في الجذب السياح . حيث نجد أن الهدوء السياسي والأمني الذي يشهده لبنان منذ فترة استقطب أعدادا كبيرة من السياح الذين يتدفقون إلى البلاد لتمضية العطلة الصيفية، وبالنسبة إلى اللبنانيين المهاجرين، للقاء الأهل والأصدقاء. (2)
وأعلنت وزارة السياحة أنها تتوقع ارتفاع أعداد السياح الوافدين إلى حدود 1.3 مليون و 1.6 مليون سائح إلى لبنان بعد التسوية السياسية التي تم التوصل إليها أخيرا بين الفرقاء اللبنانيين وأعادت الحياة إلى طبيعتها تقريبا ، وخاصة بعد انتخاب المجلس الوزاري الجديد ؛ وعودة الأمن في البلاد مقارنة ً مع السنوات الماضية، فقد تجاوز عدد السياح والعائدين لفترة الصيف إلى لبنان في 2007 المليون بقليل، بينما كان 1.062 مليون في 2006 قبل أن يضطروا إلى الرحيل مع غيرهم من سكان البلد بعد اندلاع الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في يوليو، و 1.14 مليون في 2005. وأشارت وزارة السياحة إلى ارتفاع في عدد الزوار بنسبة 97.5 في المائة في يونيو. إذ سجل وصول 136853 شخصاً مقابل 69303 في يونيو 2007.
ومع عودة العائدين من السياح والمستثمرين ، لا بد من حصول انتعاش جدي في النظام الاقتصادي الذي أصابه الركود الكبير طيلة الأعوام الأخيرة أثر الأحداث الأمنية من جهة ودفع فاتورة الحرب الإسرائيلية التي تمت من بعد أن أصابت بنيان البنية التحتية وتقطيع أوصال البلاد وهذا ما يعيق النشاط السياحي أمام الأعداد الوافدة إلينا ، ولما تعد من ضروريات التفعيل السياحي وتنمية قطاعاته ، عدا عن تأمين التنظيم الفاعل للمرافق الإيوائية من جهة ودعم حركة استقبالها للزوار عبر تعميم شبكة التقنيات المرافقة لها لتسهيل حركة الوافدين إليها ، من خدمات وأسعار، واستقبال ، وتعميم الترويج السياحي الإعلامي، عن طريق تنظيم حملات الإعلانات السياحية العالمية عبر كافة الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقرؤة ، وخاصة عبر تقنية الانترنت من خلال تعميمها لدى وكالات السياحة والسفر ، ودعم البرامج والخطط السياحية المرافقة مع احتياجات السائح ، ولا بد من وضع خطة تستهدف حماية المعالم الأثرية من جهة ، ونشرها عبر العالم من جهة أخرى ، مع ضبط الأسعار بما يتوافق مع وضعية السائح ، كون غالبي العظمى من السائحين هم من الطبقة الوسطى ، ولا بد من أخذ هذا المعيار ، لدى واضعي السياسات الإنمائية السياحية ، عبر دعم المرافق الحيوية ذات 3 نجوم أو متوسطة الحجم تناسب مع قدرة الفقراء والطبقة الوسطى الشرائية .



1- http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=5092
2-http://www.arabianbusiness.com/arabic/533290