وللبـدون قضيـة
الخميس, 16 أكتوبر 2008
نجلاء عبد العزيز خليفة
مئة ألف إنسان يحملون مسمى «البدون»، يعيشون بيننا وليس لهم الحق في الاندماج وسطنا رغم مرور 43 عاما على وجودهم فوق تراب هذا الأرض، تزوجوا وأنجبوا وعملوا وليس لهم الحق في أن يكونوا أفرادا من هذا المجتمع الصغير، لماذا؟ فالكويت منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي وهي تحتضن العديد من الجنسيات والكثير منهم لم يكونوا كويتيين، ومع ذلك حينما بدأ التجنيس حصلوا على الجنسية الكويتية، رغم أنه لم يكن في الكويت سوى القليل ممن تنتمي جذورهم لهذه الأرض، والكثير جاؤوا مهاجرين من الجوار، سواء من العراق أو من السعودية أو من اليمن أو من إيران، ومع ذلك أصبحوا اليوم كويتيين بالتأسيس!
فما هو الفرق؟ الفرق أنه في ذاك الزمان كانت الأرض بحاجة إلى مواطنين، بحاجة إلى من ينتمي لها وتنتمي له، أما الآن فقد وصلنا إلى قناعة بأننا لسنا بحاجة لأي كان ويعلونا إحساس بالاكتفاء الذاتي، خطأ!
إنه خطأ كبير، ففي عهد ما قبل الغزو العراقي الغاشم كان الكويتيون قلة مقابل العديد من الجنسيات الأخرى، وقد احتضنت الكويت حينها أبناء العراق وفلسطين والأردن واليمن والكثير من الدول العربية والأجنبية الأخرى، وكان للفلسطينيين حينها شأنٌ عظيم جداً وسمح لهم بعرض قضيتهم فوق ترابنا الحر الأبي، وأُعطوا كافة الحقوق الإنسانية التي تكفل لهم الحياة الكريمة، وسمح لهم بالجلوس معنا على مقاعد التعليم المجاني وإشغال الوظائف التي يشغلها الكويتيون، حينها لم يعترض أحد، حتى إن الكثير منهم حصلوا على الجنسية الكويتية التي أعطتهم العديد من المميزات، وسهلت لهم التحول إلى تجار يفوقون الكويتيين مالاً وربما سلطة، فماذا حدث لنا حينما جاء الغزو؟
رفعت فلسطين أعلام صدام ونادت بموت الكويتيين، وتعاون البعض من هؤلاء الذين عاشوا على أرضنا مع الجنود العراقيين، وبحكم دخولهم بيوتنا التي أمنّاهم عليها سهلوا مهمة العدو في الحصول على مآربه والظفر بمن يبغون، ومازال هناك حتى اليوم من يدافع عنهم ويطالب بحقوقهم ويدفع من أجل قضيتهم، فما هو الفرق؟ إذا كنا نعطي من لا يستحق حقوقاً ومميزات فلماذا لا نعطيها لم يستحق ومن هو أولى بها؟
هؤلاء البدون هم بشر مثلنا يعانون ويتألمون ويحلمون ويأملون، عاشوا بيننا سنين طويلة، والكثير منهم ينتمي إلى أرض الوطن فتجد بعض العائلات، جميع الإخوة والأخوات فيها يحملون الجنسية الكويتية باستثناء أخ وحيد لهم لا يحملها لسبب أو لآخر، كتقصير الأب مثلاً في إدخال ابنه في ملف الجنسية، حينها يطلق عليه «بدون»، والكثير منهم مسجلون في إحصاء 65، ومع ذلك ورغم وجود كافة الأوراق الثبوتية المطلوبة إلا أنهم مازالوا محشورين في خانة البدون، والبعض الآخر منهم لم يحصل على الجنسية بسبب عدم التسجيل في الجنسية مع بداية فترة التجنيس، والكثير من الأسباب الأخرى، ولا يخلو الأمر من بعض الذين لا يستحقونها أيضاً لاستنادهم إلى أسباب غير واقعية، ولكن هل يعطينا هذا الحق في حرمانهم من حقوقهم المدنية والقانونية والانسانية؟!
أطفال في الشوارع محرومون من حق التعليم وشباب وشابات يعانون من البطالة لرفض أي جهة تعيينهم، وآخرون يعانون من مشكلات صحية لعدم شمولهم في الخدمات الصحية المجانية، فماذا يحدث حينما تلتقي الأمية بالبطالة والمرض والفقر؟ بالتأكيد سيؤول الأمر إلى انتشار الجريمة ودمار المجتمع، فلماذا نترك الأمور لتصل إلى هذا الحد؟ لماذا نتركها تخرب مجتمعنا وتنغص حياتنا إذا كان بيدنا الحل؟ نحن لن نطالب الحكومة بتجنيسهم رغم أنها سبق أن جنست العديدين ممن سمتهم «خدمات جليلة»، ولكن سنطالبها بإعطائهم حقوقهم المدنية والقانونية ورفع الظلم عنهم وشمولهم بعطف الأرض ودفء الوطن، لتُكسبهم قوة تحمي ظهرها إذا اشتد الخطب، أما أن تتركهم بهذا الشكل فهذا أمر غير مقبول بتاتا، لأن أضراره ستعود علينا جميعاً حينما ينقلب هؤلاء إلى عاطلين وأميين يعيشون في الفقر المدقع ويقتلهم المرض والحقد على المجتمع الذي وضعهم في هذه الصورة الشاذة.
الكثير من الدول تجنس الأفراد لمجرد ولادتهم على أرضها، وهي تفعل ذلك غير مكرهة ولا لحاجة، فتعدادها كبير وقوتها السياسة كبيرة، ودول أخرى تمنحهم حقوق الإقامة، وتفتح لهم سبل العيش الكريم من دون الحاجة إلى الدخول في المتاهات التي أُدخل فيها إخواننا البدون، لقد صدّقت الكويت في العام 1968م على القانون رقم (33) ضمن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وخالفها البعض بتصنيف أفراد مجتمعنا وتقسيمهم إلى فئات، ووقعت على اتفاقية منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة والتي تم التصديق عليها بموجب المرسوم الصادر في 6 يوليو 1969م، وتم مخالفتها حينما تُرك اطفال البدون بلا رعاية تعليمية ولا صحية..
هذا بالإضافة إلى الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقب عليها بموجب مرسوم القانون رقم (5) لسنة 1991م، مع كل هذه الاتفاقيات لاتزال قضية البدون «محلك سر»، فمتى تتحرك الحكومة لحل مشكلتهم، ومتى نؤمن بكونهم بشرا مثلنا، ويجب أن يتساوى الجميع، فقوانين الدولة ترفض التصديق على شهادات الميلاد والوفاة وعقود الزواج واستخراج الجوازات ووثائق السفر، وترفض تعليمهم أو علاجهم مجاناً، كما ترفض استخراج رخص القيادة، فكيف إذن لا يعتبر هذا التصرف نوعا من التمييز العنصري الذي يصم بلدنا بما لا يستحق، كيف لا يخلق هذا الأمر في قلوب البعض الإحساس بالقهر والظلم، إنسان يعيش بلا هوية ميلادية ولا يستطيع أن يتعلم ولا يجد المال الكافي ليأكل ويسكن ويُعالج، وليس لديه رخصة قيادة تسمح له بالانتقال من مكان لآخر، وإذا مات فلا إثبات لوفاته، بالله عليكم هل هذه حياة تجعل الشخص ينأى بنفسه عن الحرام؟! وإذا تحمل وصبر فكيف سيتحمل صغاره كل هذا الظلم وما هو ذنبهم؟
أرجو أن نفكر بعقول هؤلاء وليس بعقول أبنائنا الذين يملكون في الحياة ما يفوق احتياجاتهم، فكروا بإحساس الأب المقهور على أبنائه، فكروا بقلب الأم المنعصر ألما وحزنا على أطفالها، فكروا بقلب الإنسان، ولنضع جميعنا أنفسنا في مكانهم لنعرف كيف يشعرون؟
http://www.arrouiah.com/node/58551
المفضلات