عندما يكسر حاجز الصمت ، ويتجاوز الواقع الخط الأحمر من الانحراف الاجتماعي داخل المجتمع ، بسبب ما نلاحظه من انتشار للأوبئة المرضية التي تجاوزت كل المعايير الإنسانية ، وكل القدرات العقلية عن استيعاب الحالات الشاذة السلوكية وما يعكسه على واقع الشباب بالدرجة الأولى ، لا بد من انتفاضة واسعة النطاق لمعالجة هذا الواقع والتخفيف من حدة نتائجه على المجتمع بصورة عامة ، وعلى جيل الغد بصورة خاصة .
وهذه الانتفاضة قد بدأتها وسائل الإعلام عبر برامجها وما تطرحه من قضايا جوهرية في صلب المجتمع وخاصة ، تلك الدراما الإعلامية التي تتناولها من موادها قضايا ساخنة للمظاهر الإنحرافية التي استفحلت انتشارها بين صفوف المواطنين، من مختلف الأعمار ، ولا سيما تلك المظاهر المتعلقة بالأوبئة المكتوم عنها والغير مصرح لها للتداول بالعلن ، وفق ما ترتبط من مفاهيم اجتماعية سائدة تحت إطار مفهوم العيب الاجتماعي ، ومفهوم الحرمة الدينية وما تعرض إليه من نبذ اجتماعي، فتبقى هذه الأمراض مدفونة قيد الكتمان ، لما تتعرض هذه الحالات إلى عدم التقبل الاجتماعي لها ضمن المحيط المباشر للحالة المرضية .
على ضوء ذلك ؛ كيف نجد دور وسائل الإعلام تجاه تعاطيه لهذه الأوبئة المرضية ؟ وما هي ابرز مظاهر انتشار هذه الأمراض الاجتماعية بين صفوف المواطنين ؟
للسنة الثانية على التوالي ، تطل علينا الدراما السورية عبر ما تطرحه من مواد إعلامية ، تتناول عبره القضايا الاجتماعية السائدة في المجتمع السوري بشكل خاص ، وإن نجد امتدادها للتمثيل الشارع العربي ككل ، تبعا ً لما نجده من تجانس ثقافي من جهة ،وبحكم التجاور والتفاعل الجغرافي من جهة أخرى . فقد تم طرح مسلسل حاجز الصمت في رمضان الماضي ، وأستكمل بالخط الأحمر هذا العام ، مع الشهر الفضيل ، وما تم معالجته من قضايا مصيرية إنسانية بحثه ، عبر طرح المرض المتعلق بالإيدز وتعريف المجتمع بماهية هذا المرض "فهذا المرض هو عبارة عن انتقال فيروس يلعب دور إضعاف وتآكل جهاز المناعة لدى الإنسان ، حيث أن جهاز المناعة هو المسؤل عن حماية جسم الإنسان من الميكروبات أو الفيروسات والجراثيم ، فهو بمثابة وزارة الدفاع في جسم الإنسان؛ فمرض الإيدز يصيب هذا الجهاز ومن ثم يكون الجسم عرضة بسهولة لغزو الأمراض؛ فمتوسط الزمن بين التعرض للعدوى وظهور الأعراض وهى ما يسمى بفترة الحضانة حوالي 5-12سنة ،أي بمعنى أن من الممكن أن يصاب الإنسان بالإيدز ويكون حامل المرض طوال فترة الحضانة حتى ينشط الميكروب ويقوم بعملة وطرق انتشاره "، وهذا ما قد تم التطرق إليه في الحبكة الدرامية عدا عن رصد للدور الأسري تجاه أبنائهم وتأثير إهمالهم على جهلهم وعدم وعيهم فيجعلونهم سلعة سهلة لالتقاط المرض بسبب طيش الأبناء وعدم وجود حس مسؤولية الأهل تجاههم، وما يعيشون من ضياع وغربة نتيجة إهمال الأسر للتنشئة الأسرية السليمة القائمة على الترابط والثقة المتبادلة بين جيل الآباء والأبناء.فقد تجسد دراميا كيفية تعرض الأفراد لالتقاط فيروس السيدا، والمواقف الاجتماعية من ردة فعل المريض نفسه تجاه علمه بانتقال المرض إليه، وتجسيد كذلك؛ الحالة النفسية المرافقة للأهل بعد معرفتهم بانتقال المرض إلى أبنائهم ، وخاصة ؛ ما يعتريهم من ندم عارم لإدراكهم الإهمال الكبير الذي مارسوه بحق أولادهم الذين يدفعون الثمن الصحي نتيجة جهل الأبناء والفوضى السلوكية التي تسيطر على حياتهم من جهة ، وتأثير رفاق السوء عليهم من جهة أخرى . عدا عن تناول الدرامي للأعراض وللخصائص الجسدية والصحية المرافقة للشخص المصاب بهذا المرض، حيث نجد أنه يتعرض لأعراض معينة نتيجة دور هذا الفيروس ، وقد تجسدت بخصائص جسمية للمريض، إذ؛ بعد مضي فترة 2-4 أسابيع من التعرض للإصابة والتي يظهر أن70% من حاملي المرض يتعرضون لما يشبه نزلات البرد ثم تختفي الأعراض لمدة سنوات ثم تظهر الأعراض وهي: الشعور بالتعب والإجهاض العام للجسم دون سبب ، تورم في الغدد الليمفاوية؛ ارتفاع درجة الحرارة لمدة أكثر من 10 أيام؛ العرق أثناء الليل ، فقدان الوزن بشكل مطرد ؛ احمرار الجلد والأغشية المخاطية؛ كحة والتهاب حلق بشكل مزمن؛ ضيق في التنفس ، إسهال حاد ومستمر، التهابات فطرية ؛ سهولة ظهور الكدمات والنزيف تحت الجلد وعلى سطح الجلد مع تقدم المرض وانتشاره في كامل الجسم .
كما نجد ، عبر هذا المادة الإعلامية، عرض لطرق انتشاره بين صفوف الأفراد ، وما يرتبط من سلوك إجرامي منظم مرفق بالانحلال الأخلاقي ، والفوضى السلوكية الجنسية الممارس من قبل حاملين هذا الفيروس نقص المناعة "الإيدز" ، ودور المركز والجمعيات الأهلية والقوى الأمنية في رصد التوعية لعدم انتشار هذه الأوبئة وملاحقة الحالات المصابة بالاشتراك مع قوة الأمن، وتقديم الدعم النفسي والصحي لحاملين هذا المرض، عبر تعديل الرؤية والخلفية الاجتماعية السائدة ، من نبذ اجتماعي للمرضى الإيدز ، إلى نظرة شفقة ، كمرضى بحاجة للدعم النفسي والعائلي، والذي يشكل ضغط كبير على نفسية المريض تبعاً لما يعانيه من حرمانه للثقة الاجتماعية وما هو منتظر أليه من موت محتم نتيجة دور هذا الفيروس، عدا عن شعوره كفرد منبوذ مرفوض من قبل الجميع، وحتى من قبل أقرب الناس إليه ؛ تبعاً لما هو متصل بالتكوين الثقافي الموروث تجاه هذا المرض القاتل ؛ كأن الندم الذي يسيطر على حياة المريض لا يكفي لدفع الثمن تجاه ارتكابه الأخطاء التي دفعت به لالتقاط هذا المرض، بجهله وعدم إدراكه لأهمية الصحة الجسدية سعيا ً وراء الملّذات والشهوات ، بدافع غرائزي حيواني أكثر منه بشري عقلاني. إلا أن المفارقة هنا ، تجسيد هذا المرض من خلال المظهر الخارجي للإنسان الذي تقشعر معه النفوس من فظاعة منظر المريض وما يظهر على جسده من ورم والتهابات جلدية تعجز خليا الدم البيضاء عن مقاومة هذه الالتهابات لما تعرض إليه من نقص مناعة الجسد تعجز الخلايا عن مقاومتها ، نظرا لضعف جهاز المناعة من قدرته على تطويق المرض ، ومكافحته بسبب انتشار الفيروس الإيدز المسبب لهذا المرض وأطلقوا عليه اسم LAV، أي: (Lympho-Adenophoty_ Associated-Virus ) الذي يجول الجسد إلى جسم هش ، تتآكله الالتهابات إلى أن يموت المريض لعدم توفر الدواء الذي يكافح هذا الفيروس للوقت الراهن ، علا ذلك يشكل درس جيد للمشاهد الذي يشكل حياته ومصيره بيده وسلوكه الخاص.
فمن خلال الحلقات المتتالية التي تبلغ 32 حلقة ، يعرض لنا المسلسل ، طرق انتشار المرض الإيدز ، عبر عرضه لحالات مختلفة ، ورصده عبر السيناريو الحياة الاجتماعية الواقعية المرافقة لكل حالة وما يتعرض إليه من طرق التوعية عبر رصده حالات التي يتم من خلالها انتشار هذا المرض الذي لم يرحم أي فرد لا صغير ولا كبير ولا حتى الشباب، ومن ابرز الطرق انتشاره و التي تم التركيز عليها ، هي :
-المعاشرة الجنسية بين شخص مصاب إلى شخص غير مصاب ، سواء العلاقة الجنسية الشريعة أو الغير شرعية ، حيث نجد رصد لحالة زواج دون تحليل دم مسبق للزواج قبل أتمام القران ، فحدث انتقال هذا المرض من الزوج إلى زوجته ، لتتفاجأ بالتقاطها هذا المرض ، ونقله إلى جنينها فيما .
-انتقال الدم الملوث بفيروس السيدا إلى مريض ، دون تحليل مدى خلو الدم المنقول من الملوثات ، فيعيش حالة انتقال المرض إليه ، ويدفع ثمن غبن المجتمع له بالنبذ ، مع ما يرافق من نظرة استحقار لحالة .
-انتقال المرض عن طريق وخذ الإبر ، من شخص مصاب إلى شخص صحيح ، سواء بتعاطي المخدر عن طريق الإبر جماعيا ً ، أو دق الوشم بإبر غير معقمة ، أو ملامسة جرح ينزف دم ملوث من مصاب .
-استخدام ، فرشاة أسنان من مريض مصاب ، بين الأخوة ضمن المنزل الواحد ، أو أي أداة تستخدم وتتصل بالدم مباشرة من شخص مصاب إلى شخص صحيح(كآلة الحلاقة ، الموس ، السكين ....)
وننوه هنا ، بما تم رصده ، من حالات نفسية بشرية بين المصابين ، فقد تشكل حالات بشرية تقبلت هذا المرض وما يعتريها من نفس خيرة ، رضخت للأمر الواقع ، وندم كبير على ما فاتها من سلوكيات شاذة ، قد أوصل بها لهذا المرض الخطير ، وهذا ما انعكس على سلوك المصاب بالعزلة ، وتقبله للواقع الجديد ، ومباشرته العلاج المرافق مع طبيعة حالته. في حين نجد ، حالات أخرى قد اعتراها نقمة عارمة على المجتمع ، أوصل بها إلى استفحال الشذوذ السلوكي ، وما يعتري المريض من نفس شريرة ،يعمل جاهدا ً على نقل المرض للذي يقع فريسته ، دون أي رادع ، أو أي معايير أخلاقية ثأرا ً منه للوضع الاجتماعي الذي أوصل به لهذه النتيجة المأساوية . ومن هنا كان لا بد من تفعيل دور الدولة عبر جهاز المراقبة والقوى الأمنية لمتابعة مثل هذه الحالات الشاذة ، وحماية المجتمع منهم عبر تكاتف كافة مؤسسات المجتمع الأهلية والمدنية والأمنية والإعلامية ، وفق حدود عمل ودور كل جهة ، في سبيل المحافظة على سلامة المجتمع وأفراده .