صفوان داحول في أيام
تصنيع اللوحة.. واصطناع الحلم؟!
بين القناع كحالة نفسية دفاعية لها ما يبررها والتقنع كوسيلة ميكافيلية هامش من المساحة المرئية راحت تضيق حتى غدا إيجاد أنواع أخرى من الأقنعة في الحقيبة الشخصية لترتدى فوق المرتدى حالة لم نعد نعرف حجمها وان كنت لا أؤمن بها! وهذا تحديدا ما يدور في عمق اللوحة عند الرسام صفوان داحول فالقناع لديه يمتد اكثر ليطال عمق المحتوى التعبيري للحالة الإنسانية فيصطبغ برودة المعدن ذاك الذهبي الأصفر بحرارة اللون التي تفتر هنا وتبرد لتقفز اللوحة بعد ذلك الى الجدار وتحت الضوء معلنة الزيف ذاك الممتد من العيون الى اللوحة ومن اللوحة الى العيون وهذا بدرجة اكبر!! داحول الرسام الممتهن لفعل الرسم دون الولوج في تعريف فعل الرسم أو مهنة الرسم لكن في الحالتين ثمة حرفية لا بدو ان تنعكس في التفاصيل أو الكل في إطار اللوحة ضمنا التكوين التلوين الضوء شكل الخط التشريح الصحيح والنسب ومنطيقة التشكيل إذا كان الطرح في بعده الواقعي.
أضواء على الرسم
نحن أمام خمسة عشر لوحة للرسام صفوان داحول علقت في أرجاء صالة أيام تتمحور أربعة عشر منها حول المرأة وتتراوح موضوعاتها بين الطرح السطحي
والوجودي يذهب ثلثها لتصور البورتريه بينها لوحة لوجه رجل بينما باقي اللوحات تقدم حالات مختلفة من إقحام المرأة في حالة من الاستلاب أو السلبية وتكون المرأة الجملية لديه هي تلك الخارجة من جسدها الى السماء بجناحيها الصغيرين وأسوأهما تلك المرأتين أولهما تلك المتقوقعة حول أقنعتها الثلاث بينما تنتصب الثانية بين طاولتي ورق اللعب! وان كان الموضوع عند الداحول بتقاطعات تحليله يقود الى الكثير من التناقض لكنه ليس التناقض الأكبر إذا استمعنا الى تصريحه الى إحدى الصحف بأنه فقط يتذرع بوجود المرأة في لوحاته؟!
أما على صعيد التشكيل فان ما يقدمه صفوان هو الإيحاء بتقديم عمله وفق معادلات هندسية في إطارها التكعيبي المبسط جدا للشكل دون الخلفيات التي أتت فقيرة بحركتها أو بمعالجاتها المقتصرة على اللون الواحد الأصفر الترابي أو اللالون باعتبار الأسود حيادي أو وسيط. لكن ما يجعلنا ننشد للوهلة الأولى للوحة هو اعتماده مثيرات حادة كالخطوط المتداخلة والإغراق بانكسارات الجسد وإدخاله في حالة من التعبير المبهم كتكتيك بصري إعلاني المحتوى يمكن تسميته بالاوب آرت والذي يعود الى سوتو وساريللي ويرتبط بفنون الدعاية والإعلان ويعتمد على خلق تكوينات هندسية متكررة ومتشابهة وهو ما يحاول داحول فعله متناسيا انه يعتمد أيضا القواعد الرياضية في أسسه؟! وهذا يقودنا الى سيزان عندما قال: ان كل جسم في الطبيعة يمكن ترسيبه أو إرجاعه الى معادله الهندسي. وان كان سيزان رائد المدرسة التكعيبية فان براك وبيكاسو بمراحل لاحقة قدموا التكعيبية التحليلية وهو ما يحاول صفوان تقديمه أيضا لكنها مجرد نكهة التكعيبية المبسطة المتقاطعة مع الهندسة غير المبنية على التحليل الحقيقي للشكل فنحن نراها في أجزاء من الشكل لخلق تلك الحالة من الصدام البصري وإشغال العين بتتبع الخطوط باستحواذ قسري لا يدوم طويلا.وان كان الداحول يتقاطع مع التكعيبة بنكهتها يتقاطع أيضا مع بيكاسو في أقنعته فالمعروف ان بيكاسو زار وسط إفريقيا لدراسة الفن البدائي الذي كان رائجا آنذاك واستلهم الأقنعة الخشبية وهذا ما استلهمه صفوان متقاطعا مع الأقنعة الذهبية في أسيا مضيفا عليها شكل العين الفرعونية وهو ما يبرز بحدة في كل أعمال الداحول لا بل يمتد حتى لا نفرق بين الوجه والقناع ما يدخلنا في التباس حاد حول مفهوم القناع والوجه المتداخلان كطرح فكري ما يدفع الى السطح بإشكالية مفهوم الموضوع والتشكيل ليصل العرض برمته الى التقنيع؟! فبعد ان عرفنا ان المرأة ذريعة في اللوحة كموضوع يهمنا ان نضيف الى التشكيل قول أخر لصفوان ان التقطيع في اللوحة يعود الى ولعه بالهندسة وهو الأمر المسلي بالنسبة إليه؟!
ضوء على التشريح والضوء
لان الداحول لم يقدم عرضا تكعيبيا أو هندسيا مقنعا يمكن ان أتحدث عن عرض تعبيري وواقعي, يكون الثاني في أعمال البورتريه.
..نعلم انه في العرض التعبيري يمكن كسر نسب التشريح وهذا الكسر بالنسبة للرسام الأكاديمي يكون محسوبا بدرجة معينة وينسحب على كل العمل لكن الداحول يخفق في توحيد شكل الكسر بين عمل وأخر فنجد الذراع اقصر من ذراع أخر بين لوحة وأخرى بحيث لا يتناسب مع طول الساعد وكذلك الأمر بالنسبة للأصابع والأصابع الملتوية ونسب اليدين ولا يختلف الأمر بالنسبة الى القدم حيث نجدها بلوحتين أثخن من القدم الأخرى وأكثر بروزا مع إنها ليست بمقدمة العمل
وان كنت لا أتحدث عن كسر لجأ إليه لاستكمال خطوط منحية أو منكسرة لضرورات الإخراج أو التكوين.لكن الأمر يختلف جذريا في أعمال البورتريه الواقعية التي تعاني في مجملها من أخطاء تشريحية قاتلة ولأكون اكثر دقة سأقدم الوجه بعد ان أضفت عليه خطوط التقطيع فالقاعدة التشريحية تقول: ان نصف الوجه يساوي النصف الأخر. فإذا أخذنا خط عمودي ينصف الوجه وحسبنا الفارق بين طرفي المقلة لكل نصف سنجد ان الفارق لا يساوي وبدرجة كبيرة النصف الأخر؟!! وإذا عدنا الى خط التنصيف وقارنا بعدهما عن خط الرقبة لوجدنا ان الفارق يكاد يقارب النصف؟!!وبحساب أخر لو أخذنا خط عمودي من طرفي المقلتين لدخل الأول في الثلث الخارجي للشفتين ولدخل الثاني في طرفهما!! ولننفي البعد التعبيري في هذا الرسم وحصره في بعده الواقعي نجد ان النسب للعينين بعد وضع خطوط أفقية دقيقة بدرجة كبيرة ما يجعلني أؤكد الخطأ التشريحي غير المبرر لدكتور يدرّس في كلية الفنون!!
وان كان التشريح والنسب من أساسيات العمل التشكيلي فالضوء والظل يندرجان ضمن هذه الأسس. إلا ان داحول يقدم المزيد على هذا الصعيد فالضوء القوي على أماكن من اليد في الكثير من الأعمال جعل البعيد يبدو اقرب أو يكاد يخرج الى السطح منسلخا عن نسيجه وخصوصا في باطن اليد. إلا ان الدراسة اللونية التي قدمها في احد أعمال البورترية تقودنا الى التساؤل فصفوان اسقط ضوءا قويا ومنفرجا من منتصف الحاجبين؟! الى أسفل الوجه وكحالة طبيعية أن يبرز الظل تحت الذقن لكنه لم يظهر؟! لكن المفارقة الأكبر تكمن بان بؤرة الضوء تتركز على الأنف مايعني انتفاء ضرورة وجود خط قوي يؤكد امتداد الأنف الأمر الذي لم يفعله الداحول؟!
الفوتو كوبي؟!
من أهم ما يسجل على الداحول إغراقه في التكرار من شكل الجسد والوجه والتعبير وانتهاء بالأيدي فمن بين عشرة لوحات تبرز فيها الأيدي يمكن ان نأخذ تسعة منها متشابهة الى حد النسخ الفوتو كوبي؟! رغم ان حركة اليد كان يجب ان تختلف من لوحة الى أخرى في سياقها التعبيري ولقد حاولت تقليد الحركة بحرفيتها وكان من غير الممكن فعل ذلك بسهولة لما فيه من تشنج
الأمر المتنافي مع حالة الاسترخاء في الأعمال ما يضيف تناقضا أخر لمنطقية الحركة!
احلم ان أكون رساما
في سابقة لصالة أيام لا يقدم كاستثناء كتاب الداحول بأي دارسة فنية؟! واكتفى الداحول بان قدم نفسه وقد اختصر فأفاد. كتب: مهنتي الرسم, وارسم لأني مازلت احلم ان أكون رساما.

عمار حسن
Ammar7h@yahoo.com
منشور بجريدة البناء السورية
بطاقة عمار حسن
صحفي
رسام كاريكاتير
مهتم بالقراءات التشكيلية