رسالة الغرق


إلى فيلسوفـي العزيز،،،( حتى ولو لم تقرأها)

وصلتني رسالتك يا شقيق روحي، وصلتني على كف الحياة تهدي إليَّ أجمل ما فيها وهي كلماتك. وحين فضضتها تصاعدت منها مشاعرك، فألهبت وجنتيَّ، وشعرت بحرارتها في عيني، فتصببت المشاعر مني، وبللت الرسالة. كل هذا حصل ولما أقرأ من الرسالة حرفاً، لكن ما لبثتْ أن غامت الرؤية في عيني، وماجت أسطر الرسالة، فلم أتبين منها حرفاً أو كلمة، وما رأيت إلا أحرفاً تصارع الماء لتنجو بنفسها، فأخذت أتلمَّس الأحرف بيدي خشية مني عليها من الغرق، لكن الطوفان كان أسرع مني إليها.
وحين انقشعت الغمامة، وأشرقت الشمس، وجفت المآقي، هرعت إلى الرسالة من جديد، ولكنني وجدت...بل ما وجدت، إنها بقايا سفينة غارقة، وآثار كلمات كانت على ما أظن كلمات عربية، وقفت على أطلال الرسالة حائرة، ثم ولجت فيها أبحث في زواياها الخربة، وبين حطامها المتهدم عن أحرف لا تزال تحافظ على قوام حياتها، فما وجدت سوى أربعة أحرف، ما وجدت يا شقيق الروح سواها: ألف وحاء وبعدها باء ثم كاف ولكنها مكسورة الساق (كِ) فلممتُ شتات هذه الأحرف، وحفظتها في بيت واحد حتى لا تضيع مجدداً، وها أنا ذي أبعث إليك بأشلاء رسالتك التي لم يبق منها سوى: (أحبكِ).
ولكن ما زال هناك سؤال يؤرقني: أهكذا كانت رسالتك أم أن ما مات من أحرفها وكلماتها أكبر منها؟ أم لعل السفينة لم تُـقِـلَّ إلا هؤلاء الركاب الأربعة من شاطئ قلبك؟ إن كان الموتى كُثُر، والمفقودون أكثر، فهل لي بموكب آخر من مرفأ قلبك الغني؟ أم لعل الركاب آثروا المقام في قلبك، ولم يبغوا به بدلاً؟ وكيف لا ؟وقد علموا ما في الرحلة من مخاطر الغرق أو الضياع، أو لعلهم يخشون وطأة الأشواق إلى موطنهم الأصلي في قلبك؟ إن كان في قلبك الكثير منهم فأبلغني، فإن أحرفك التي وصلت بسلام إليَّ سعيدة طروبة، ترسل بأحر أشواقها لإخوانها الذين لا يزالون يمكثون في صدرك. ولكن مهلاً، فإني أغار عليك منهم، لذلك أرسلهم إليَّ، وسأرسل بنفسي إليك حتى لا يبقى لك إلاي. يا مرفأ الذات، يا شقيق الروح، يا فيلسوفي العزيز.