أحببت أن أقوم بنشر بعضا من رسائل والدي الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه التي لم تنشر سابقا والتي كانت وجدت في دفاتر مذكراته أو في أوراقه التي تركها عندما وافاه الأجل بشكل مفاجئ وهو في أوج عطاءه الأدبي والعلمي ،خصوصا وأنا أتذكر هذه الأيام من العام السابق عندما تم تكريم والدي رحمة الله عليه من قبل جمعيتنا العزيزة ضمن التكريم السنوي للعلماء عام 2006 .
وكنت سابقا قد طلبت ناشرا لكتاب أنجزه ولم يرى النور وهو باسم (( أزمة الطب المعاصر )) الذي قام بتأليفه بعد عودته عام 1982 من جولة لمدة 6 أشهر في مصحات ومستشفيات الطب النفسي في العديد من الدول الأوربية.
ومن هذا الكتاب تحديدا جلب انتباهي موضوع مهم تحدث عنه الدكتور الدباغ قائلا:-

على مر القرون اتخذت قواعد السلوك الطبي الصيغة القانونية والرسمية ..فصدرت عن السلطة وعن النقابات والجمعيات الرسمية في القرون الثامن والتاسع عشر والعشرين أصول إجراء البحث العلمي وعلاقة السلطة بالممارسة الطبية وفقرات كثيرة مما يتعلق بحقوق الإنسان عامة والمريض خاصة ومنها إن الطبيب هو إنسان غير معصوم وأنه مسؤول عن الإهمال والخطأ المقصود قبل كل شي ..وفيما عدى ذلك يترك الأمر للمحاكم والضمير والرأي العام.وإذا استعرضنا عبر التاريخ أنواع القواعد والضوابط التي وصفها أشهر الحكماء والجمعيات الرسمية:-
1- قسم يبوقراط المشهور الذي يعتمد لحد الآن في كليات الطب ،سنة 300 ق . م
2- آداب السلوك الطبي العربي الإسلامي
3- إعلان جنيف للجمعية الطبية العالمية لعام 1948
4- قسم الطبيب في الاتحاد السوفيتي الذي اقر عام 1948 وعدل عام 1968 في الاجتماع العام للجمعية الطبية العالمية.
5- إعلان هلسنكي الذي اتخذ في الاجتماع العام في هيلسنكي عام 1964 ثم نقح في طوكيو عام 1975 .
6- آداب السلوك المهني للجمعية الطبية الأمريكية عام 1980 في شيكاغو .
7- إعلان هاواي لآداب الطب النفساني في هونولولو عام 1977 .
8- قواعد السلوك الطبي والطب النفساني للجمعية الطبية الأمريكية عام 1973 والتي نقحت عام 1978.
9- الجمعية الطبية الإسلامية التي شكلت في شمال أمريكا .

والحقيقة إن الجمعية الطبية الإسلامية تبنت في عام 1980 قسما طبيا خاص بالطبيب المسلم بدلا من اعتماد قسم ايبوقراط في العديد من كليات ومدارس الطب في الوطن العربي والعالم الإسلامي وكانت خطوة ممتازة بهذا الشأن وقد ترجمه عن الانكليزية في حينها الدكتور إبراهيم الصياد إحياء لتعاليم الإسلام الحنيف ولوضع الصياغة الجامعة للتراث الطبي العربي الإسلامي ومبدئه في أصول وآداب ممارسة مهنة الطبابة وليكون دليلا لجميع الأطباء المسلمين وهو عندما يقرأ يشعر الإنسان انه مزيجا من الدعاء ممزوجا بالقسم وبنص على مايلي :-
(( الحمد لله رب العالمين ، العلي العظيم ، الواحد العليم ، خالق الكون ومعلم الناس أجمعين ، له الدوام ابد الآبدين ، لانعبد إلا إياه إن الشرك لظلم عظيم .
اللهم ارزقني القوة لأكون صادقا..أمينا..متواضعا..رحيما.رحيما ..وهب لي الشجاعة لأقر بذنبي..وأصلح خطئي..وأعفو عن هفوات غيري ..وأعطني الحكمة لأريح غيري..وأقدم النصح الداعي للسلام والوئام..وامنحني الإدراك بأن مهنتي مقدسة تمس أعز ماوهبته للإنسان وهو العقل والحياة ..وأجعلني يارب جديرا بهذا الموقف المتميز بالشرف والكرامة والتقوى حتى أهب حياتي لخدمة البشر ..فقراء وأغنياء..حكماء وجهلاء..مسلمين وغير مسلمين..بيضا وملونين ..متحليا بالصبر والتسامح..بالفضيلة والوقار..والعلم ومراقبة النفس..وأملأ قلبي بالحب والرحمة لعبادك فهم أعز مخلوقاتك....وهاأنذا أقسم باسمك الكريم ياخالق السموات والأرض أن ألتزم بما أنزلته على رسولك الكريم محمد ( ص ) ..((أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ))

ألم يأن الأوان ليكون لنا نحن العرب والمسلمين قسمنا الطبي العربي الإسلامي الخاص بنا ليأخذ مكانه حيز التطبيق ....؟؟؟؟

انتهى نص كتابة الدكتور الدباغ رحمة الله عليه .

وأنا بدوري اطلب أراء الإخوة الأطباء والمثقفين في منتدياتنا العزيزة رأيهم بهذا القسم الطبي المعاصر لعله يؤثر في قلب الطبيب اول مايتخرج من كلية الطب ليشعر بمراقبة الخالق عز وجل فيما يصنع مع المرضى والمحتاجين وان لاتتحول مهنة الطب كما هي الآن إلى تجارة ليس إلا .