ميخائيل أوستينوف: نظريات الترجمة

محمد أحمد طجو - ترجمة د. محمد أحمد طجو

القسم الاول
لقد أصبح للترجمة في العصر الحديث نظرية خاصة بها. هناك في الواقع عدة نظريات كما في الأدب أو اللسانيات. وسوف أقوم بعرض هذه النظريات عرضا موضوعاتيا عوضا عن تناولها الواحدة تلو الأخرى
أهل المصدر وأهل الهدف
عندما نفتح ترجمة ما نقرأ عادة عبارة "ترجمها عن الإيطالية... "، أو عبارة "ترجمها عن المجرية..." الخ. إننا في الواقع نترجم دائما من لغة إلى أخرى (يتعلق الأمر أحيانا باللغة نفسها، ولكن في عصور مختلفة: تتطلب أغنية رولان ترجمة إلى اللغة الفرنسية الحديثة لمن يجهل الفرنسية القديمة). وهكذا رأينا ظهور عبارات مثل source language (SL)التي نقلت إلى الفرنسية بعبارة langue source لغة الأصل أو بعبارة langue de départ (LD) لغة الانطلاق، وعبارة (TL) target language التي نقلت إلى الفرنسية بعبارة langue cible لغة الهدف أو بعبارة langue d'arrivée (LD) لغة الوصول
إننا نرى في المؤلفات المتعلقة بالترجمية مخططات شديدة التعقيد، تنجم كلها في الواقع عن الصيغة الأصلية:
لغة الانطلاق لغة الوصول
يرمز السهم إلى النقل اللغوي الذي تشكله الترجمة، والذي يؤكده أصل الكلمة traduire "conduire (ducere) conduire de l'autre côté (trans) ولذلك لم يختف التقابل بين اللفظ والمعنى، ولكنه يميل إلى التمركز حول مسألة اللغة: أهل المصدر من جهة وأهل الهدف من جهة أخرى. يفضل الطرف الأول "النص الأصل" فيما يفضل الطرف الثاني "النص الهدف" (أو ثقافة الأصل وثقافة الهدف، الخ). و حينما تصل وجهة نظر الطرف الأول إلى حدها الأقصى، فإنها تهدف إلى الوضوح المطلق: "أرى أن الترجمة تقوم على إنتاج نص واضح لدرجة أنه يبدو نصاً غير مترجم “
إن كل تدخل لأحد تراكيب لغة الانطلاق يعتبر رعونة، لا بل عدم إتقان للغة الوصول. وينبغي على المدرس أن يدرب طلابه شيئا فشيئا على محو آثار"تداخل" اللغة الأم (لغة الانطلاق) مع اللغة الأجنبية (لغة الوصول). ونتعرف هنا على إشكالية درايدن Dryden حيث تكمن أناقة الترجمات في التقيد بحسن التصرف بالمعنى الذي كان يقصده فوجلاVaugelas ويتساءل من ليس له إلمام بالموضوع: كيف نتصرف بخلاف ذلك؟ ومع ذلك، قد نغامر إذا ما ادعينا أن شاتوبريان Chateaubriandأو غوته Goethe، اللذين يوصيان بطريقة أخرى في الترجمة، لا يتقنا اللغة إتقانا كافيا، وهذا دليل على أن التقابل بين أهل المصدر وأهل الهدف يبقى غير كاف على الرغم من ملاءمته
ولذلك، ليس من الضروري التسليم أنه لا يوجد سوى شكل واحد للترجمة الحقيقية. ففي نص شهير بعنوان " عن مختلف منهجيات الترجمة " ويعود إلى عام 1813، يميز فريدريك شلاير ماشر Friedrich Schleiermacher بين المنهجيتين التاليتين: " إما أن يدع المترجم الكاتب وشأنه ما أمكن ويجعل القارئ يتوجه للقائه، وإما أن يدع القارئ وشأنه ما أمكن ويجعله يتوجه للقائه". إن طبيعة النص الذي نريد ترجمته هي التي تجعلنا من أهل المصدر أو من أهل الهدف
زد على ذلك أن مفهوم الحركة هو الذي يهم، باعتبار أن الترجمة عملية ذات طبيعة ديناميكية وليست ساكنة. ففي تقديمه كتاب اسخيليوس المعنون أغاممنون (ترجمة نشرت في عام 1916، واستغرقت 15 عاما) يقترح ويلهلم فون هامبولت Wilhelem von Humboldt التمييز الرئيس التالي:" طالما أننا لا نشعر بالغرابة وإنما بالغريب، فإن الترجمة قد حققت هدفها السامي، ولكن حيثما تظهر الغرابة لذاتها، لا بل وتبهم حتى الغريب، فإن المترجم يوحي بأنه ليس على مستوى النص الأصل". إن ذلك يعني السير بعكس الترجمات على الطريقة الفرنسية السائدة، ولكن مفهوما كهذا يلتقي بها في وضع حد، وهو حد ربما يقوم على " رفض غرابة الغريب رفضا جذريا مثل رفض عرقية ethnocentrismeالكلاسيكية الفرنسية"
وكان هولدرلين Hlderlin الوحيد الذي تجاوزها من الرومانسيين مستبقا ظهور إزرا بوند Ezra Pound إن حجج أهل الهدف لا تخلو مع ذلك من القوة. وأهمها التكافؤ: يميز يوجين نايداEugene E. Nida في كتابه نحو علم للترجمة Toward a Science of Translation (1964) بين نوعين من التكافؤ: التكافؤ الشكلي الذي يقوم على نقل شكل النص الأصل نقلا آليا، والتكافؤ الديناميكي الذي يحول "النص الأصل" بحيث يحدث التأثير نفسه في "اللغة الهدف". ونايدا مختص في ترجمة التوراة. فعندما واجه حضارات مختلفة عن حضارتنا، تغلبت حجة تكافؤ التأثير على أي اعتبار: كيف يمكن أن نوضح رمز القمح الجيد والزؤان لهنود الصحراء الذين يرون أنه يجب طمر كل حبة وحمايتها بعناية وعدم بذرها بلا ترو؟ إن الاكتفاء بالحرفية يعني المجازفة بعوج distorsion جذري في المعنى: في هكذا حضارة، يعد البذار في حد ذاته فعلا شاذا، ولا يمكن بالتالي برأيه استخدام الكلمات نفسها
إن "التكافؤ الدينامكي" مفهوم خاص بنايدا، وليس له معنى إلا عندما يتم ربطه بنظريته الخاصة بالترجمة. وبالمقابل، يمثل تكافؤ التأثير مفهوما أساسيا يتجاوز الخلاف بين أهل الهدف وأهل المصدر : ينبغي وضع تكافؤ التأثير في إطار أشمل، مبتدئين بانعكاساته لسانية الطابع
اللسانيات والترجمة
ساهمت اللسانيات في نظرية الترجمة مساهمة هامة، كما حصل في مجال الدراسات الأدبية (تأيثر يلمسليف Hjelmslev في رولان بارت Roland Barthes مثلا) أو في العلوم الإنسانية كعلم السلالات (ليفي ستروس Lévi-Strauss على سبيل المثال)، أو التحليل النفسي (لاكان Lacan واللاشعور الذي يشبه في بنيته اللغة). وتمثل الترجمة بالنسبة إلى اللسانيين أهمية أساسية، كما أشار إلى ذلك رومان ياكوبسونRoman Jakobson التكافؤ في الاختلاف هو المسألة الأساسية في اللغة وموضوع اللسانيات الوحيد".