هل يعيش العرب والمسلمون عصر «السوبر تخلف»؟
كتب-محمد الربيع

صدر حديثا عن الدار العربية للعلوم كتاب "السوبر مثالية"، للكاتب والمفكر اللبناني حسن عجمي في ضوء مدخل جديد هو «السوبر» انتج داخله كتب: السوبر حداثة، والسوبر مستقبلية والسوبر أصولية، والسوبر معلوماتية، والسوبر تخلف.
يعالج عجمي هذه الأفكار والعناوين، بواسطة أدوات معرفية عابرة للانواع الفكرية والثقافية والمعرفية، تتقاطع في المشهد الكلي للرؤيا والتحليل. ويوظف هذه المعالجة منهجيا في قراءة خرائط الوعي والثقافة العربية والاسلامية والانسانية يقول حسن عجمى حول مفهوم «السوبر»
- استخدم مفهوم «السوبر» كي اميز هذا المشروع عن المشاريع الاخرى. فالسوبر اصولية تختلف عن الاصولية. والسوبر حداثة تختلف عن الحداثة وما بعد الحداثة، والسوبر مستقبلية تختلف عن المستقبلية. السوبر حداثة تدرس الاكوان الممكنة. واذا نظرنا الى الاكوان الممكنة مجتمعة ولكونها مختلفة عن بعضها ستغدو حقائقها غير محددة. لذا تعتمد السوبر حداثة على اللا محدد من اجل الوصول الى المعرفة. فبينما الحداثة تقول ان الكون محدد ولذا من الممكن معرفته، تعتبر ما بعد الحداثة ان الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته. اما السوبر حداثة فتؤكد على انه على الرغم من لا محددية الكون من الممكن معرفته لأن من خلال لا محدديته نتمكن من تفسيره. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. اما السوبر مستقبلية فتعتبر ان الماهيات محددة في المستقبل فقط، ولذا تقدم التفاسير وتحلل المفاهيم من خلال المستقبل. هذا يعني ان السوبر مستقبلية تدرس الحاضر والماضي من خلال المستقبل على عكس ما تقوم به المستقبلية التي تحاول التنبؤ بالمستقبل من خلال ما يجري في الحاضر وما جرى في الماضي. بالنسبة الى السوبر مستقبلية التاريخ يبدأ من المستقبل.
فى ضوء هذه الرؤية يعتبر الكاتب حسن عجمي في كتابه «السوبر تخلف» ، ان العرب والمسلمين يحيون اليوم العصر السوبر متخلف، في ضوء رؤيته أن الشعب المتخلف هو الذي لا ينتج ما يفيد البشرية والعالم، أما السوبر متخلف، فهو الذي يطور التخلف، ويرى أن هذا السوبر تخلف يتمظهر في استخدام العلم من أجل التجهيل، والوجود خارج المعنى، مما يجب معه «إعادة حرق التراث» وصياغته من جديد، فلا نحن أحياء لكي نموت، ولا نحن أموات لكي نبعث..ويقدم عجمي في كتابه قاموسا جديدا يعيد على ضوئه تعريف مفاهيم العلم والعنف والصراع والمجتمع والإرهاب والعدالة والفقر والإنسان والعقل .. الخ.ويخصص قسما من كتابه لمناقشة التناقضات وغياب المعنى في الإنتاج الفكري العربي، وهو يرى ان التاريخ يبدأ من المستقبل لأن ماهيات الكون محددة فقط في المستقبل، ولذا هي غير محددة في الحاضر والماضي. وهذا يفسر مثلا لماذا تتغير الاشياء والظواهر؟ فلو ان الماهيات محددة ما كانت لتتغير الاشياء والظواهر. لا بد ان ننظر الى القدرة التفسيرية السوبر مستقبلية. فقدرتها التفسيرية تدعونا الى قبولها. وللسوبر مستقبلية قدرة تحليلية ايضا. فمثلا تحلل الحقيقة من خلال المستقبل، وهذا مثل على كيف نتمكن من دراسة الحاضر والماضي من خلال المستقبل؟ بالنسبة الى السوبر مستقبلية، الحقيقة قرار علمي في المستقبل. وبما ان المستقبل ما زال مستقبلا ولم يتحقق كليا في الحاضر والماضي، اذن لا بد من الاستمرار في البحث عن الحقيقة. هكذا تغدو الحقائق غير مطلقة وضمن استمرار البحث العلمي عنها. المستقبل يأتي اولا لأن من خلاله نتمكن من دراسة الكون وما فيه.
يقول الكاتب في مقدمته للكتاب: تعتمد السوبر مثالية على فكرة انه توجد علاقات رياضية تحكم المفاهيم والأشياء بالاضافة الى وجود العلاقات السببية والشرطية والمفاهيمية والمنطقية الخ. وتضيف السوبر مثالية ان العلاقات الرياضية هي الأساس التي على ضوئها تشكل العلاقات الأخرى. من هنا تعبر السوبر مثالية عن العلاقة الرياضية بين العقل والكون بدلا من ان تحلل العقل والكون وتختزلهما وبدلا من ان تجعل واحدا منهما معتمدا على الآخر. فمن خلال معرفة العلاقة الرياضية بين العقل والكون نتمكن من فهمها أكثر. الطريق الى السوبر مثالية يبدأ من محاولة معرفة ما هي وينتهي في إعادة المحاولة مرة بعد مرة. صفة البحث الموضوعي انه عملية تصحيح مستمرة.

المثالية تعتبر أن العقل وحده يحدد الواقع والكون. لكن السوبر مثالية تقول ان العقل يحدد الوقائع الممكنة والاكوان الممكنة. المثالية تعتبر ان الكون يعتمد في وجوده وتشكله على العقل فقط. لكن السوبر مثالية تقول ان الاكوان الممكنة تعتمد في وجودها وتشكلها على العقل. وبما ان هذا العقل هو العقل الانساني، اذن نصل الى السوبر انسانوية. الانسانوية تعتبر ان الانسان معيار الحقيقة والحق. لكن السوبر انسانوية تؤكد على أن الانسان معيار الحقائق الممكنة والحقوق الاخلاقية الممكنة. وبذلك تقبل بنسبية المعارف المتعلقة بالأكوان الممكنة، فمعارفنا نسبية بالنسبة الى الأكوان الممكنة المختلفة، مما يبقي على المعرفة الواقعية أي التي تطابق الواقع.



السوبر مثالية تقول ان كل ما يفكر فيه الانسان (شرط ان يكون منسجما) هو صادق لأنه صادق في عالم ممكن أو آخر. بالنسبة الى السوبر مثالية، اذا فكر الانسان بشيء اذن ذاك الشيء صادق في كون ممكن، وبذلك الأكوان الممكنة يشكلها الانسان. وهذا موقف سوبر انسانوي حيث يغدو الانسان محور الممكنات والعوالم الممكنة الموجودة فعلا. بينما تعتبر المثالية ان الفكرة تخلق صدقها الواقعي، تقول السوبر مثالية ان الفكرة تخلق صدقها الممكن. فكل ما يفكر فيه العقل من دون خرق المنطق كعدم الوقوع في التناقض، يوجد ما يطابقه في عالم ممكن. وبذلك العقل هو الحقل الجامع لكل الأكوان الممكنة، فلا يفشل العقل ولا يفسد. لكن الأكوان الممكنة موجودة كعالمنا الواقعي بالذات. من هنا العقل هو حقل كل موجود. والفرق الأساسي بين المثالية والسوبر مثالية هو انه بالنسبة الى المثالية العقل يخلق الموجود، لكن بالنسبة الى السوبر مثالية اذا فكّر العقل، وجد الموجود والعكس لارتباط العقل والوجود رياضيا.



وفي معالجته لـ «السوبر مثالية» بوصفها ما بعد السوبر حداثة، يضرب حسن عجمي عميقا في مجاهيل الفكر والفلسفة، ناظما علاماتها ورمزياتها وقاموسها في سلك الفكرة باحثا عن تجليات العلاقة بين أقاليم الفكر والمعرفة المختلفة ليصوغ منها عجينة فكرية مختلفة هي حاصل تحليل علاقات العقل واللغة والكون، والماهية والهوية والحقيقة السوبر مثالية، والانسان والواقع، والعقل والمعرفة والوعي السوبر مثالية، وعلاقات الدين والفلسفة والعلم، والفن والرؤية والفكر، والعلوم والفيزياء، والخطاب والأكوان والممكنات والمستحيلات السوبر مثالية. ومفاهيم اللامحدود واللغة والحقيقة والسيكولوجيا والبيولوجيا والمعلومات وأقاليم الشك والمعرفة والعقل والكون والحياة والعقل والادراك والواقع والله والانسان، والهوية والعقل والواقع، والانسان، وقوانين العقل، والجسد، والواقع والعقل والحواس، والرياضيات والفوضى.



ويمضي قدما في تحليل اليقين والقيمة والعلم والكون والانسان السوبر مثالي ليختتم الكتاب بالسوبر مثالية كآلية فكرية وما بعد السوبر حداثة، منظومة في معادلة ترى ان السوبر مثالية تدرس كيف ان العقل يحدد الأكوان الممكنة.



وبذلك تعتمد السوبر مثالية على مفهوم المحدد من أجل صياغة النماذج التي على أساسها تتشكل الاكوان الممكنة. على هذا الأساس بالنسبة الى السوبر مثالية، معارفنا تتعلق بالعوالم الممكنة وليس بالضرورة بعالمنا الواقعي. بمعنى آخر من الممكن لنا ان نعرف الأكوان الممكنة وليس بالضرورة ان نعرف عالمنا الواقعي. هكذا بالنسبة الى السوبر مثالية رغم مُحدَّدية الواقع الممكن من غير الضروري الوصول الى معرفته، بذلك تجمع السوبر مثالية بين المحدد وامكانية عدم المعرفة مما يجعلها مختلفة ولذا ممن الممكن معرفته بينما تعتبر ما بعد الحداثة ان الكون غير محدد ولذا من غير الممكن معرفته. لكن السوبر مثالية تؤكد على انه بالرغم من مُحدَّدية الكون الممكن ليس بالضرورة ان توجد امكانية معرفته. هكذا تختلف السوبر مثالية عن الحداثة وما بعد الحداثة.