حق العودة بين أحلام السلطة و آمال اللآجئين

عقد فلسطينيي الشتات 6 مؤتمرات بإوروبا لتثبيت حق العودة للآجئين الفلسطينيين و هناك عشرات المؤتمرات التي عقدت بالعالمين العربي والإسلامي في الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية. و من خلال عملية ديناميكية تدفع نحو التأسيس لثقافة حق العودة نهجا واقعيا لا بد من توافق مع العوامل الإقليمية المحلية والدولية للتأكيد على خيار الشعب الفلسطيني المهجر و تجعلنا نسلط الضوء على ملايين اللاجئين الفلسطينين الذين بعد مرور 60 عاما على النكبة و التشرد الذين لا يمارسون حقهم الديمقراطي تصويتا و ترشيحا بإنتخاب ممثليهم بحرية مطلقة بعيدا عن ممارسات شراء الأصوات والذمم. الغرب شعوبا و حكومات و منظمات دينية وسياسية و جهات أمنية يتعاطون بنوع مرير من الازدواجية مع الديمقراطيات الوليدة في الوطن العربي . فهم يقدسون ديمقراطية اسرائيل الدموية و يستهينون بديمقراطية فلسطين التي حرصوا على فرضها على شعبنا. عملية التحول الديمقراطي بالتجربة الفلسطينية عام 2006، حيث أجريت الانتخابات وأسفرت عن فوز حركة حماس التي شكلت الحكومة المعوقه ، وذلك بتدخل عوامل إقليمية ودولية عملت على إجهاض هذه التجربة وحولت المواطن الفلسطيني لمكفراتي ، يكفر بالديمقراطية الشرعية و يهلل و يطبل للديمقراطية الدسمة ويلعن اصحابها بإزدواجية عجيبة و يلعنون اليوم الذي جاءت به للمنطقة و نتيجتها التي عزلت الضفة الغربية عن قطاع غزة. ما يحدث في فلسطين هو غزو فكري كنسي علماني بكل معنى الكلمة، و يمكن أن نسمي هذه الحالة الديمقراطية بالدولة الفاشلة، لأن المؤسسات الشعبية والرسمية لا تستطيع فعلا أن تدير اي ملف بغياب الوفرة المالية و حضور الملف الأمني بقوة، وتعول هذه المؤسسات باستمرار على قوة حضورالدولار الأمريكي؛ فنحن إذن أمام حالة ديمقراطية مرضية استثنائية لا يمكن من خلالها معرفة مدى تقبل اللاجئ الفلسطيني للديمقراطية الغربية .

هذه التجربة تقترب من محاولة دفع عجلة التحول الديمقراطي إلى الإمام ولو على استحياء، فهناك تطور في سلطة البرلمان الذي ارسل اكثر من نصفه الى غياهب السجون الإسرائيلية، لشل فعالياته و تسهيل دور السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى وجود حالات أقل إشراقا ولكن بها مساحة من الديناميكية السياسية مثل فشل فلسطينيي الشتات في التعامل معها و تراجعهم بعد ان كانوا دوما بالمقدمة . فالصورة في فلسطين شديدة التعقيد ومن الصعب اختزالها في مسألة عدم قابلية الفلسطينيين للديمقراطية ومن الصعب الانطلاق من هذه التجربة للتعميم.

الغرب الديمقراطي الرسمي و الشعبي و على وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية لم يحسموا العلاقة الاستراتيجية مع الشعب الفلسطيني بين أولوياتها ومصالحها التي تتعلق فقط بأمن إسرائيل والنفط والوجود العسكري ومصالح الأمن القومي. ومسألة الديمقراطية في فلسطين فهي مسالة مزعجة و الولايات المتحدة لم تحدد العلاقة مع الناس ولم تتمكن أمريكا من بلورة رؤية واضحة بالتعامل معهم لما يمكن أن تتحمله في سبيل دفع السلطة الفلسطينية نحو التحول الديمقراطي الشعبي .

وأعطيكم مثالا على ذلك لقد أنتجت الديمقراطية الغربية، ديمقراطيات غربية في الدول الأوروبية الشرقية التي كانت ترتبط بالإتحاد السوفيتي المنهار و انتجت نخبا ديمقراطية صديقة للغرب و للولايات المتحدة الأمريكية وأطاحت هذه الديمقراطيات، بنخب معادية للغرب و انتزعت هذه الدول من حلف وارسو المحلول والقت بها بحضت الإتحاد الأوروبي و الذي استوعبها ، رغم ان ديمقراطيتها معوقة و رفضت قبول ديمقراطية تركيا العلمانية و المتغربة منذ اكثر من تسعين عاما كعضو كامل العضوية بالإتحاد الأوروبي الى اليوم ، فهل تقبل بديمقراطية هنية و حماس و حتى لو نهجت طريق عمر بن الخطاب.

ولكن في الوقت نفسه فإن تجارب الانتخابات المفتوحة على علاتها وعلى محدودية مصداقيتها بفلسطين 2006 أوضحت أن هناك شعبية كبيرة للحركات الإسلامية، غير أن الغرب وأمريكا ترى في تلك الحركات على سواء أعداء واضحين أو أعداء محتملين وبالتالي تخشى من التحول الديمقراطي الكامل للشعب الفلسطيني، ونحن نرى أن اسلم طريق لوحدة الشعب والتراب الفلسطيني هي الديمقراطية الخضراء اي البديلة و هي اختيار الكوادر الشعبية المنتجة والتي تحترق برضى نفس لتنير الدرب للآخرين والتي لا تطمع بدور انقلابي على الحاكم الذي فتح لها الباب على مصراعية لتخوض هذه التجربة الخضراء .

ما يجري بغزة اليوم على درجة عالية من الأهمية؛ وعلينا التمييز بين أمرين، بين الغرب الرسمي الحكومي و غير الحكومي المؤسساتي الذي اتفق على مقاطعة حكومة حماس ارضاء لمطالب اللوبيات الصهيونية المتواجدة بعمق القرار السياسي والإقتصادي بهذه الدول و فرض الوصاية الدولية من القطب الأوحد او قل إن شئت القوة العظمى التي تامر فتطاع . فالجانب الثاني على دمويته أسهل في التعامل معه، من الجانب الأول ، فالمؤسسات الحكومية الأوروبية والشعبية تحاول مساعدة مؤسسات المجتمع المدني للسلطة التي رفضت التسليم بنتائج الإنتخابات الديمقراطية و تركت كل مفاتيح القيادة بأيديها و تمارس علنا سياسة المقاطعة التامة لقطاع غزة الذي يدار من قبل الديمقراطيين او الإرهابيين الجدد.

واقع الأمر أن ما يحدث في الأراضي المحتلة لم يكن محاولة لجعلها واحة خضراء للديمقراطية ولكن ما يجرى في هذه البلاد هو تغليب فكر علماني على السلطة ترضى عنه اسرائيل و حكومات الغرب و فرضه واقعا امريكيا على الحكام العرب . ما يجري في اراضي السلطة من مكننة الديمقراطية هو في الحقيقية إطاحة في واقع الأمر بالدولة الشرعية و رموزها و قيمها و بكل مؤسساتها؛ بما فيها المؤسسات العامة والأمنية ومؤسسة الجيش و حتى مؤسسة الأسرة. وبانهيار العملية الديمقراطية بفلسطين تولت زمام الأمور مجموعات مغربة فكريا ترضى عنها حكومات الغرب تقترب مصالحها وصلاتها بالعالم الغربي، ما جعل الإحتقان الداخلي يوصل السلطة المجزأة الى حالة من الحرب الأهلية او الفتنة الطائفية المدمرة.

يرى جمهور عريض من ابناء الجالية العربية الفلسطينية أن أعمال القتل والعنف الطائفي والحصار الجائر على غزة بعد سقوط الشرعية السياسية و اعمال العنف التي رافقتها والإقتتال الفلسطيني الفلسطيني و كل المراحل التي مرت بها الدولة المعوقة تشير إلى أن اهل فلسطين الذين تخلو عن انتصارهم السياسي 2006 بعمومهم و بدون استثناء ، مقبلون على انتخابات غير نزيهة لتلافي النكسة الديمقراطية لعام 2006 و التي لا تصلح للفلسطيني المخضرم ، و ما يجري من مظاهر ديمقراطية معوقه بفلسطين المحتله هو احتكام القيادة السياسية للشارع المشحون والذي يعيش سكرة لم يفق منها نتيجة عمليات التخدير المستمرة.





نعم اثر فلسطيني الشتات واضح على الساحة الفلسطينية ولكن القوة العظمى تتحرك ضمن ضوابط مصلحية و من خلال متقلبات عجيبة ، فهي تؤيد بقوة وصول الإسلاميين للحكم بتركيا و يؤيدون بقوة استقلال اقليم كوسفا عن جمهورية صربيا و يساندون قيام جمهورية البوسنة والهرسك و لكنهم على نقيض ذلك يعملون على تجفيف ينابيع الإسلام السياسي بغزة و يدفعون الى تشديد الحصار رغم الإنفجار القادم.



التناقض الديمقراطي الفلسطيني الإسرائيلي وحاجة واشنطن لعباس بالمنطقة يجعلها تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية و اسرائيل على ايدي رموز مخابراتية تتبجح علنا بدمويتها. لا ادري كيف يمكن معالجة هذا الملف داخليا بوجود كل هذه المتناقضات ، لذلك نقول ان الواجب يحتم على فلسطيني الشتات ان يخصصوا جزء من وقتهم لتعليم اهل الداخل معنى حرية الإختيار و كيف نحدد توجهاتنا و من يصلح من المرشحين لنوليه ثقتنا و من هنا نترك كل ما يتعلق بالنوايا و التصريحات الإعلانية و نعود لتحكيم التيكنولوجيا لتكون مساعدا لإختيار الأصلح من خلال ميثاق مكتوب يتعهد به المرشح ان ينفذه قدر الإستطاعة او يستقيل إن حيل بينه و بين تنفيذ برنامجه فهو لم يأتي لتحسين وضعه المالي او ليكون من الوجهاء ، بل جاء خادم للشعب و الناخب.

التصويت اليكتروني المباشر بعيدا عن الحزبيات هو الحل الأمثل لوصول المستقلين بشكل تام لتسير مصالح الدولة. و بوجود التقنيات الحديثة و القدرة على استحداث البصمة اليكترونية و البطاقة اليكترونية نستطيع ان نتواصل مع المرشح الذي يلبي طموحاتنا. و لو كنت ممن يستمع لهم لقلت لحماس و لفتح و لكل حزب ديني او وطني تراجع للخلف و اطلق خيرة ما عندكم من كفاءات علمية وفكرية و سياسية واقتصادية ودينية و طبية و اجتماعية لتكون هي التي تتعامل مع الناس و من تختاره الجماهير له الحق بممارسة مهامة و يجري ذلك حتى على انتخاب رئيس الدولة و رئيس الوزراء مباشرة بنفس الطريقة . و على رئيس الوزراء تعين اكثر المرشحين شعبية ليتولوا المناصب السيادية.



الولايات المتحدة الآن لا تملك أن تدفع نحو تحول ديمقراطي في فلسطين بصورة فاعلة إذا استبعدنا التدخلات العسكرية والأمنية و التقارير المخابراتية المغلوطه، فمثلا واشنطن حاليا لا تستطيع الذهاب إلى الأسرة الحاكمة في السعودية وتقول إن عليكم أن تجروا تحولا ديمقراطيا علمانيا في المجتمع السعودي لأن أمريكا لا تملك فعليا أدوات ضغط على تلك الأسرة الحاكمة ، رغم قناعات الفلسطينيين أن هذه الأسر محكومة بقرار امريكي و لكن اتفاق مكة الأخير يؤكد عكس ذلك تماما. هذه الأسرة السعودية الحاكمة و غيرها من الأسر الخليجية الحاكمة هي ظاهرة شعبية عروبية إسلامية عريقة تستحق الإحترام و ليس الذم ، فهم بالواقع من يدعم استمرار المقاومة السياسية للإحتلال على عكس كل ما يقال بالمجالس الشعبية .
هذه الأسر العروبية اكثر القيادات ارتباطا بالناس و الدواوين المفتوحة شاهدة على ذلك و مليارات الدولارات التي ضخت بغزة و الضفة شاهد على ذلك وابسط ما نذكر الناس به مدينة زايد بغزة .

بينما بالمقابل يحتاج الفرد منا الى صبر ايوب و جهاد يوسف عليه السلام ليكون له حضوه لدى حاكم علماني عربي او غربي. لا اقول ذلك مجاملة لأحد بل هو واقع يجب ان يذكر.

الحكومات الخليجية رغم التشديدات الأمنية الظاهرية التي يعاني منها العربي اثناء تحركاته بالمطارات ترفض بصورة أوضح دور الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتعزيز علمانية حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي، و أمريكا تصدر تقريرها عن حقوق الإنسان بالعالم وهو متوج بهذه الحكومات ، كون واشنطن تملك أوراق ضغط كبيرة مثل التواجد العسكري والتحالفات الإستراتيجية.

السياسة لا تصاغ بصورة قيمية، السياسة لا تصاغ إلا وفقا للمصالح الشعبية ، أحيانا توضع القيم بعد صياغة السياسة في سياق قيمي أو تسوق السياسة بصورة جذابة ولكن الأساس هو حماية المصالح أو إزالة التهديدات على المصالح الموجودة. فمثلا امتناع الحكومات العربية من منح العرب العاملين على اراضيها الجنسية يعود اصلا للموظف الذي يعتبرها اداة استقرار و ليس موالاة و مواطنة حقيقية ، فهي مجرد جوازسفر و اليوم الذي تتغير المفاهيم و يصبح التراب العربي كله واحد باعيننا لن تتردد حكومات الخليج في منح كل العرب جنسيات باختيارهم. لذلك علينا تغير مفاهيمنا في التعامل مع الجار العربي الخليجي فهو ليس صندوق إغاثة بل هو سند قومي و ديني يجب ان يحترم كا كل و ليس كمال ونفط .

و الحالة الأوروبية هنا شبيهة بالحالة الأمريكية بالتعامل مع قضايانا ويمكن إضافة عقبتين، الأولى تنوع الموقف الأوروبي؛ فهناك دول كثيرة (27 دوله) ومسألة التوافق صعبة حول قضية سياسية شديدة التعقيد، وثانيا أن إدارة السياسة الأوروبية الخارجية التي يديرها خفير سولانا تجاة الشرق الأوسط ارتبطت بعملية برشلونة والحوار الاورومتوسطي وهذه الأمور شديدة البيروقراطية وتفتقر إلى الفاعلية فلا تكاد تؤثر في الواقع العملي . بالإضافة إلى ما ذكرت هناك عامل إقليمي، فالأزمة الأمنية والسياسية في فلسطين وحاجة واشنطن إلى مساعدة الأطراف الإقليمية بالمنطقة يدفعها إلى أن تغمض عينها عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وخاصة حقوق البرلمانيين المحتجزين دون وجه حق بالسجون الإسرائيلية مع الآف الشباب الفلسطيني وتمرير القرارات الديكتاتورية فيها.

مشكلة الاتحاد الأوروبي الي يضم جاليات فلسطينية كبيرة، تكمن في أنه عبارة عن اتحاد يضم مجموعة متنوعة من الأعضاء لها مصالح متضاربة في الشرق الأوسط وهناك بيروقراطية قي صناعة القرار السياسي الأوروبي، هذا القرار يصنع ببطء شديد ويعدل ببطء شديد، لنضرب مثلا على ذلك بعملية السلام بالمنطقة، حيث لم تنتج الكثير، فبين أعوام 1993 – 2008 لم يتم التعامل بصورة صحيحة مع آليات عملية السلام وأطرها. لا يمكن أن نتصور تحول مجتمع عربي فلسطيني مسلم إلى مجتمع علماني ديمقراطي من خلال أدوار لقوى خارجية تناصب الشعب العداء، التحول نحو العالمية الديمقراطية هو مطلب جماهيري وأمر ينتج داخل المجتمع المعني بديناميكية داخلية تدفع بعد سنوات نحو مجتمع مدني رضع عالمية المفهوم، لكن هذا لا يعني أن العوامل الإقليمية والخارجية ليس لها أدوار مهمة؛ فالبيئة الإقليمية على سبيل المثال عطلت تجربة حماس بفلسطين و على حماس ان تعيد دراسة هذه التجربة.



نحن نرفض اختزال الشعب الفلسطيني في هوية دينية و الأسلام ليس دين كنسي بل هو اسلوب حياة عالمية تتسع للمسيحي واليهودي والمسلم، و أحد مستويات الهوية الفلسطينية هي الهوية الإسلامية العالمية الخضراء هذا الدين الذي اعطى اسرة مسلمة مفاتح كنيسة القيامة لحمايتها عبر العصور والأجيال ولكنها ليست الهوية الحزبية الدينية المتصارعة ؛ فالأمر هنا لا يتعلق بأقليات دينية فلسطينية ، جميع أبناء المذاهب المختلفة هم مواطنون فلسطينيون وينتمون إلى عالمنا العربي والمسلم وجزء مهم من تركيبة مجتمعاتنا و يجب ربطهم بنا وبإسلامنا كجزء اساس وهم من اوصى بهم رسولنا من اهل الذمة وجيراننا الذين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات و نرجو من المجتمعين بمؤتمر الشتات ان يهتم بهذه المسالة و عدم القاءهم بأحضان الغرب ليستخدموا كمسمار جحا، كاقليات دينية مضطهدة ، بل هم اهلنا و جيراننا ، الأمر لا يتعلق بشرق إسلامي وغرب مسيحي وإنما يتعلق الأمر بصراعات جوهرها سياسي ثقافي واقتصادي وهو معيشي؛ صراعات تأخذ ملامح هوياتية تتعامل مع الإسلام في اسلوب دعائي و عاطفي و تاريخي وليس تطبيقي عمري. يجب أن نأخذ الأمور بمنطلقاتها الحقيقية، و يمكن إدارة هذه الاختلافات بصورة سلمية تقوم على التعايش بين اطياف المجتمع بثقة نفس عالية و دون شك و ريبة. واخيرا نتمنى للمجتمعين بكوبنهاجن كل خير ونجاح وتوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المهندس محمود الدبعي
السويد