هَلْ سَـمِعتُم بِحكايةِ شـاليط ؟ أَظُنُ أَنَّ بعضكُم سمعَ عنها ، وَكثيرٌ منكم لَم يسمع حتى بِهذا الاسم ، بالطبع ... فالفَريقُ الثاني لا عُذرَ لَهم بَعدمِ المعرفة؛ فَهمْ معَ احترامي لهُم مثل ُ الأَطرشِ في الزَّفة ، ولا يَعلمونَ أنَّ سببَ مشاكلنا ومشاكل العالم وخاصة النَّكَباتِ والأَعاصيرَ الماليةَ والاقتصادية كانتْ بسببِه ! مِنَ المُؤكدِ أَنَّ بعضكُم سيسألَني : وما هيَ حِكايةُ هذا الشاليط باشا ما دامَ الأَمرُ بهذِهِ الخُطورة ؟ أَرجوكُم أنْ تُسـامِحوا هؤلاءِ النَّفرِ لِجَهلِهِمْ ، والمُسامِحُ كريم ... والآن إليكُم الحِكاية ...
صَلوا على النبي يـا إِخوان ... شـاليط هذا هُوَ جُنديٌ شُجاعٌ في جيشِ العَدوِ الصُّهيوني ، وهوَ مُدرَّبٌ تدريباً مُمتازاً على أَعلى مُستَوى ، لَقد دَرَّبهُ قادتُهُ مُنذُ نُعومةِ أَظفارِهِ على الكراهيةِ لِكُل خلقِ الله ... لِلحق لِلصدقِ لِلجَمالِ للبَراءة وباختصارٍ لِلناسِ طُرّاً ، علّموه اللصوصية والرّبا والقتْلَ وكلَّ الشُّرورِ والدَّناءات التي تُنَفِّرُ الناسَ منه ، فَيَقتَنِعُ بِذلكَ أَنَّ الناسَ تكرهُهُ وتُعاديهِ بلا سَـببٍ واضح مِنْ لدُنه !!!
نمـا هذا الطفلُ اليهوديُ على هذه التعاليمِ التوراتية وهذهِ القِيَم التلمودية ، وعِندما بَلَغَ أَشُـدَّهُ أنتسبَ تِلقائِياً إلى جيشِ القَتَلَةِ اليهود ، فأدخلهُ قادةُ وحدَتِهِ بعضَ التجاربِ العمليةِ ليَفحصوا مدى نذالتهُ وقُدرتِهِ على مُمارسَةِ الإجرام ، ولأنَّ الجُبنَ وعشقَ الحياةِ هيَ غرائِزٌ محمودةٌ عندَ اليهود ، فكانَ يتحصًّنُ على الدوامِ بِلِباسهِ العَسكريِّ الواقي وداخلَ دبابتِهِ الثَّقيلةِ الحديدِ وكَثيرةِ الدُّروع ، وكانتْ حصيلَةُ قتلاهُ مِنَ الأطفالِ الفلسطينيين وأُمهاتِهم الغافلاتِ عَدَداً لا بأسَ به ، وعندما تأَكدَ قادتُهُ أَنَّهُ حَصَلَ على أَوسِـمةِ الجَدارةِ في النَّذالَةِ والحِـقدِ واللؤمِ والجُبن ، أرسـلوهُ لِيَخدِمَ في وحدةٍ مقـاتِلَةٍ مِنَ القُوات اليهوديةِ التي تحاصِرُ قطاعَ غَزّة الفَقيرَ المَريضَ الجائِع ، وقالَ لَهُ قادَتَهُ : هذا يومُكَ أيها البَطَلُ النَّـذلُ شاليط ، ورَبَّتوا على ظَهرِه وغادَروا .
اكتَشَفَ شاليطُ فوراً أنَّ أَفرادَ وِحدَتهِ العَسكَريةِ يُماثِلونهُ في الحقارةِ والحِقد ، اتصل بِأُمه ، وأخبرها أنه في غـايةِ الراحَةِ والسـرورِ بينَ أَشـباهِهِ مِنْ جُنودِ اليَهود ، وشاركتهُ أُمهُ فَرَحَهُ وَضَحِكاتَه ، وتمنتْ لهُ أَنْ يُصبِحَ قاتِلاً مُحتَرِفاً ، وأَنْ يَرعاهُ يَهوَه رَبُّ الانتقام اليَهودي مِنَ الفلسطينيين الأَعداء ، فأجابَها وهوَ يَضحك : آمين .
خَرجَ شاليطُ في صباحِ اليومِ الخامسِ مِنْ خِدمتِهِ ليَتَفَحَّصَ جُزءاً مِنَ الشيكِ المُكَهربِ المُحيطِ بِغزة ، على بُعدِ مِئاتِ الأمتارِ مِنْ موقِعه ، كانَ أربعةٌ مِنَ الأَطفالِ العرَبِ يلعَبونَ بِلُعبَةٍ تُشـبِهُ الطَّبلَ تُصدِرُ صوتاً مُرتَفِعاً ، ولأنه كانَ وحيداً على بُعدِ عشَراتِ الأَمتارِ مِنْ مجموعَتِه ، شَعَرَ بالخوفِ وأصابَتهُ قَشعريرة ، أَحسَّ باقتِرابِ الموتِ الذي يرتَعِبُ مِنْ ذكرهِ منه ، أخرجَ سلاحَهُ الرشاش وأطلَقَ النارَ نحوَهُمْ ، أصابَ بَعضَهم ، خرجَ أَصدِقاءُه على صوتِ الرَّصاص ، شاركوه فوراً في عملِه ، قُتِلَ الأَطفالُ ... استُشهِدَ الفِتيةُ دون مَعرفةٍ لِمـاذا !!!
خَرَجَ أَهلُ المنطقةِ ليعرِفوا ما حَدث ، اتصلَ شاليطُ زاعِماً أَنَّ الإرهابيينَ يُحاصِرونَهُمْ وَأَنهُم مُعرَّضون لِلموت ، أَغارَت طائِراتُ اليَهودِ وقَصَفَتْ المكانُ حيثُ يَتَجَمَّعُ رجــالُ المنطِقةِ ونســاؤها وشيوخُها لِلَمـلَمَةِ لُحومِ أطفالِهِــمْ ... قُتلَ مَنْ قُتِلْ وجُرِحَ مَنْ جُرِحْ ، يَقولونَ أَنَ الأَشلاءَ والدِّماءَ غَـطَّـتِ المكان ، أَمّا الصِّياحُ فكانَ في كُلِّ مكانْ .
خَبَرُ هذهِ المَجزَرةِ مَرَّ مُرورَ الكِرامِ كَكَثيرٍ غيرها مِنَ المَجازرِ الصُهيونيةِ بحقِّ الأَبرياءِ المُعتَــدى عليهِمْ وعلى دِيارِهِمْ في غزة ، ذَكرَتها الفَضائِياتِ كَخَبَرٍ عابرٍ لِكَثـرَةِ التِّكرار ، لَمْ نسـمعْ شََجْباً واسـتِنكارا ، الأَمرُ أَقَلُّ مِنْ عادي .
التهمَ شاليطُ في ذلكَ المساءِ وَجبَةً دَسِمة ، أَفرطَ في الأَكلِ لأنهُ يَعتَقُدُ أَنَّ كَثرَةَ الطَّعامَ تُطيلُ العُمر ، راوَدَهُ شُعورٌ استَمتَعِ بهِ كثيراً ، فبَطنَهُ مُتخَمٌ بالطعامِ في اللحظَةِ التي يرقُدُ بِها مَنْ يُجاوِرُهُ مِنْ أَهلِ غَزَّةَ في الظلامِ والجوعِ والدّموع ، شُعورٌ مُنعِـشٌ اسـتَسـلَمَ بَعـدَهُ لِنَـومٍ لَذيـذ .
في صَباح اليَومِ التالي ، أَنهَضَهُ أَلَمٌ يَجوسُ أَحشاءَهُ وكأَنَّهُ يُقَطِّعُها ، بـَـدا أَنَّ مَعِدَتهُ لَمْ تَحتملَ هذا القَدرَ الكبيرِ مِنَ الطعام ، خرجَ قُربَ الشيكِ لِيقضي حاجَته ، كانَ يُغَنّي وهو يَتَلوى مِنْ وَجَعِ بطنه : آهِ يا أَمعائي اللئيمة ... سأملئك ثانِيةً رغماً عنكِ ... وبعدها سـأقتلُ طِفلاً مِنَ الفلسطينيين ... سَأَنالُ وِسامَ الحَقارَةِ يا أَمعائي الحقيرة .
جَلَسَ يُدَندِن ... وفَجأة ... ظَهَرَ لهُ بعضُ الرجال مِنَ المقاومين ، وَقَفَ يرتَجفُ وهوَ عارٍ مِنْ ملابِسه وَيَديهِ إلى الأعلى ، شالوم شـالوم تَخرجُ مِنْ فمهِ مُتجمِّدَةً مِنَ الرُّعب والارتعاش ، أَخذهُ أَحدُ الرجالِ بَعدَ أنْ سَمَحَ لهُ بِتَغطِيَةِ عورَتِهِ القّذِرة ، وساقَهُ خَلفَ الشيك مِنْ خلالِ فُتحَةٍ صَغيرةٍ فيه ، أَما بَقِيةُ المقاومين ، فاشتَبكوا بالنارِ مَعَ أَنذالِ جيـشِ اليَهودِ الذينَ قَتلـوا الأَطفالَ الأبرِياءَ أَمس ، قُتِلَ مَنْ قُتِلْ واسـتُشهِدَ مَنْ اسـتُشهِدْ ، وانتهتْ المعركةُ الصَّغيرةُ بِكُلِ المَقاييس .
تَسَرَّبَتْ أَخبارُ ما وَقَع ، لم تَتركِ الفَضائِياتُ خبيراً عسكَرياً إلا واستَقدَمتهُ لِتَحليلِ هذهِ المعركة الهائِلة ، عَناوينُ الصُحفِ شـاليط واختِطافُ شـاليط ، أحاديثُ الزُّعماءِ شـاليط ، قَصفُ أَهلِ غزة وبيوتِها من أَجلِ إنقاذِ شاليط . زَعيمٌ يصرِّح غاضِباً : الإفراجُ عَن شاليطٍ يُحدِّدُ مسار الحل السِّلمي في منطِقتِنا في المُستَقبل ، بوشٌ يَتَّصلُ بِقادةِ الأرضِ لِلبَحثِ عنْ شاليطٍ وإيجادِ حَلٍ لِقَضِيَّتِهِ ، في أحدِ تَصريحاتِ بوش قالَ وهوَ في حالةِ انفِعالٍ وحُزن : آخر اسمي شين وأولُ اسمه شين وما فيش شالوم بِدون شاليط !!!
مُراسِلونَ مِنْ جميعِ أَنحاءِ المَعمورَةِ يَتَدَفقونَ على مَنزِلِ ذوي شاليطَ في فلسطينَ المُحتلة ، بعدَ إهانتهم وَتَفتيـشِهِـم وإيقافِهِمْ عِدةَ ساعاتٍ تحتَ الشَّمسِ أمامَ المنزِل ، تَخرجُ أُمُ شاليطٍ عليهِمْ وَهيَ غارِقَةٌ في دُموعِها ... تصوير ... تصوير ... صراخُ الصَّحافيين ، يَتَصدى أحَدُ الكَذَبة سائِلاً أمَ شاليطٍ بِحُزنٍ بالغ : كَفكِفي دُموعَكِ أَيتها المرأةُ الفاضِلةُ العَظيمة ، رَجائي أن تُخبريني كيفَ حدثَ هذا الأمرُ الجَلَل والمُصابُ العَظيمُ عليكُـم وعلى كُلِّ مُحبي السَّلامِ في هذا العالَمْ ؟!
شَرِقَتْ أُم شاليطٍ بِدموعِها فَبكى الآلافُ مِنَ الحضورِ المُحيطينَ بالمَنزِل ، وَلَمْ يستبينوا مِنْ كلامِها المَمزوجِ بِالحُرقَةِ والدُّموعِ إلا : لقد اختَطَفوا شاليط ... اختَطَفَ الإرهابيونَ طِفلي البرئِ شاليط ، أينَ أنتَ يا شاليط ؟ أينَ صارتْ بِلادُكَ يا شاليط ؟ ماذا تأكلُ الآنَ عندَ هؤلاءِ الإرهابيينَ الجوعى ؟ وصرخت : لقد خَطَفوا طِفلي حبيبي أمامَ عيوني ، لقدْ رأيتُهُـمْ وهُمْ يُعذبونَ براءَته بِوسائِلِهِم الإرهابية ، شاليط ... شاليط ... أنقِذوا شاليطَ يا أحرارَ العالم ... إنَّ خَطِيّةَ شاليطٍ في عُنُقِ العالَمِ كُله وَفي عُنُقِ بوشٍ بالذات ... شاليط ... شاليط ... ثُمَّ سَقَطَتْ مَغشِيّاً علَيها .
ورغبَةً عَنِ الإطالةِ خوفاً منْ أنْ تكونَ حِكايتي مُمِلة ، سأَختصِرُ ما وَردَ مِنْ أخبارٍ ومَعلومات : تَسرَّبتْ أقوالٌ أنَّ الإرهابييـنَ في حماسٍ ، نَقَلوا الطفلَ البرئ المَخطوفَ شـاليط إلى إيران ، وذلكَ عن طريقِ الأَنفـاقِ بين غزةَ ومصر ، وأنَّهُ وصَلَ إيرانَ سالِماً ، وقد استنكَرتْ مصرُ الرسميةُ هذهِ المَزاعِمَ المُغرِضة التي تُعرِّضُ السلامَ التاريخيَ لِلخَطر ، وقالتْ أَنَّ قواتَ أمنها في المَنطِقَةِ مُتَنَبِّهَةً لِكُلِّ حركة ، وأنها قادرةٌ على اكتِشاف الرجالِ السودِ الأفارقةِ الذينَ يُحاولونَ التَّسللِ إلى جاراتها إسرائيل لِلعَمَلِ فيها ، بلْ أنهمْ قادِرونَ على إطلاقِ النارِ عليهم في ظلامِ الليلِ رغمَ سوادِ جُلودِهــمْ وإرداءِهِـمْ قتلى ! فكيفَ يُمكِنُ للمخطوفِ شاليط أنْ يمرَّ مِنْ بينِنا وهو أبيضُ البّشّـرة أشـقَرُ الشّعر ؟! كَما أَنَّ قُواتَ أَمنِنـا بدأَتْ بالبحثِ عَنِ الأَنفـاقِ وهدمِهـا زِيادةً في الحِصار ، حتى لا يَتَمَكَّنوا مِنْ تَهريبِ شـاليط .
ولكنَّ السيدُ البَرادعي لَـمْ يُكَـذِّبَ خبراً ، فاسـتَقَلَّ أَولَ طائِرةٍ أمامـهُ وحَطَّ الرِّحالَ في طَهران ، ومنْ هناكَ اتجهَ فوراً إلى بيتِ أحمدي نجاد البَسيط ، وبعدَ التَّسليمِ والترحيبِ السريعين ، سألهُ مُباشَرةً ودونَ مُوارَبة : أينَ شاليطُ سيد نَجاد ؟ أجابَ نَجادُ بِعفوِيةٍ وهوَ يَتَحسسُ ذقنَهُ : واللهِ إِنني يا سيد برادعي لا أعرفُ شيئاً عن مادةِ الشاليطِ الخَطيرةِ هذه ، ولمْ يُحدثني عُلَمائُنـا عنها شيئاً ، ولكنني وللصراحةِ لَنْ أتباحثَ معكَ في موضوعِ حقِّ إيران في امتِلاكِ الطاقةُ النووية للاستخدامات السلمية . ردَّ البرادعي : يا سيد نجاد ، الموضوعُ أكبرُ مِنَ النووي وَمِنَ القَنابل وأسلِحةِ الدَّمار الشامل ، أنا أسألُكَ عنِ الطفلِ البرئِ المخطوفِ شاليط ، أجابَ نجادُ وابتسامةٌ خَبيثَةٌ على شفتيه : يُخطفُ في اليومِ الواحدِ خمسينَ ألفَ طفلٍ في هذا العالَم ، وَقد يموتُ أكثرُ مِنْ نِصفِهِمْ جوعاً وتعذيباً، ما رأيكَ يا سيد برادعي أنْ أعملَ على متابعةِ أمورِ هؤلاءِ ، وأَنْ أبحثَ عنهم بَدَلاً مِنْ عَمَلي رئيسـاً لإيران ؟ ردَّ البرادعي مُتَأَفِفاً : طُزْ في كلِّ هؤلاءِ الأطفالِ يا رجل ، العالَمُ يُريد شاليطَ فقط . ثُمَّ حاوَلَ اسـتمالَةَ نجاد قائِلاً : أخبرَني السيدُ بوش أنكَ إن تمَكنتَ مِنْ إعطائِهِ معلوماتٍ عن البرئِ شاليط ، فإنهُ سيُعطيكُمْ قُنبلةً ذريةً جاهِزة ، بلْ يُمكِنُكَ تَجريبها لِتَتأَكدَ مِنْ صلاحيَّتِها ، وقالَ لي أنهُ يُمكِنكَ استِعمالَها ضِـدَّ الصومال أو أيةِ دولَةٍ إفريقيةٍ فقيرةٍ جائِعة ، فتُريحُهُمْ مِنْ آلامِهِمْ وَعَذاباتِهِمْ وتُخَلِّص العالَمَ منهُمْ وَمِنْ أَعمالِ القَرصَنَةِ التي يقومونَ بِها ، فما رأيكمْ ؟! رأيي يا سيد برادعي أنْ تقولَ لبوش : كِفاية حَكي فاضي ! يكفي هؤلاءِ ما عندهُمْ مِنْ جوعٍ وَبعوضٍ وموت ، ويكفيهِمْ مَرضُ الإيدزِ الذي نشرَهُ الغربُ في دمائِهِمْ ، وأخبِرهُ أنَّ معلوماتي عن شاليطَ لا تَزيدُ عما سَـمعتُهُ منكَ الآن . ردَّ البرادعي بيأس : في هذا الردِّ قَطيعَةٌ لِرزقي يا سيد نجاد ، أنتَ تستَطيعَ التأثيرَ على مُنَظَّمةِ حماس ... أَلَيسَ كذلكْ ؟ أجابَ نجاد : والله لا أملِكُ منَ الوقتِ ما أحلِقُ فيهِ ذقني أو ألبـسُ ربطةَ عُنُقي ، سَـهَّلَ اللهُ لَكَ أمرك .
هناكَ خبرٌ يَزعمُ أنَّ عَدَدَ الوفودِ وعلى أعلى المُستوياتِ في العالَمِ والتي اتجهتْ إلى غزّةَ لمقابلةِ السيد هَنية ومسئولي حماس تزيدُ عنِ الأَلف ، وأَنَّ الموضوعَ الوحيدَ الذي يبحثونَ فيه هو الطفلُ البرئ شاليط ، ورغمَ أنَّ هنيةَ أخبرهُمْ أنَّ شاليطَ هوَ أحدُ الجنودِ اليهود القَتلة ، وأنَّ آلافَ الفِلسـطينيينَ الأبرياءِ يموتونَ كَمَداً وتعذيباً في سُـجونِ اليهود ، وأَنَّ غَزّةَ كُلُّها مُحاصَرةً سَجينة ، إلا أنهم حَذَّروهُ منْ تِكرارِ هذا الكلامِ المُعادي لِلسـامِيّة ! وَالمُنكِرِ لِلمَحرَقةِ النازِيَّةِ وَآلامِ اليهود ! وعليهِ أنْ يكونَ حكيماً وعلى قدرِ المَسـؤوليةِ في اختيارِ ألفاظِهِ أثناءَ حديثِه ، كانَ هنِيةُ يَفرُكَ عينيهِ ثُمَّ يُبحلِقُهُما مِنْ غرابةِ ما يَسـمع ، وبعدَها يقولُ عَجَبي !
مِنَ الأَخبارِ المُضحِكة في موضوع شاليط ، أنَّ بَعضاً منَ الوفودِ الغربيةِ ومِنْ مُنظماتِ حقوقِ الإنسانِ ، كانوا يُحضِرونَ معهُمْ الكثيرَ مِنَ الأَطعمةِ في ثلاجاتٍ ضخمةٍ مِنْ أجلِ بطنِ شاليط ، فقد وصَلتهُم حقيقةُ شـراهَتِهِ وحُبهِ اللحم ، وكانَ مَردودُ كَرَمِ المُنافِقيـنَ هــذا جيـداً على أعدادٍ لا بأسَ بِها مِنَ الفلسطينيينَ المُحاصَرينَ في غَزة ، فقد تَحَسَّـنتْ صِحةُ بَعضِهِمْ بِشـكلٍ واضِح ، ورُبَّ ضارةٍ نافِعة !
ليتَ الأمرُ تَوَقَّفَ هُنا ، العالَمُ مَشغولٌ بشاليط ، الأُممُ المُتحدةُ تَجتَمِعُ منْ أجلِ عيونِ شاليط ، جامعةُ الدُّوَلِ العربيةُ تُناقِـشُ قَضِيَّةَ شـاليط ، وعلى حينِ غِرة ... هاجمتْ روسيا دولةَ جورجيا واحتلتْ مَنطِقةَ أَبخازيا فيها ، ولشدةِ لَهفةِ بوشٍ وارتباكِهِ ، اتصلَ برئيسِ روسيا يُبارِكُ لَهُ هُجومَهُ على (أبغازيا عاصِمةِ غَزّة) واحتِلالِهِ لَها ، ورجاهُ أنْ يبحثَ بصورَةٍ جدِّيةٍ عنِ البرئِ شاليط ، أجابهُ الرئيس الروسي مُستَغرِباً : أينَ نحنُ وأينَ غزة يا سيد بوش ؟! يَفصِلُنا عنها آلافُ الأَميال ! ردَّ بوش بِلَهفة : لا توجدُ مُشكِلَةٌ عندي حول هذا الاحتلال المشروع لِدولةِ غزة الإرهابية التي اختطفتِ المسكين شاليط ، أَرجو منكم الاستمرار في الحربِ حتى تحريرِ شاليط مِنْ أيدي المجرمين الإرهابيين ، وسِـلاحُنا وقواتُنا تحتَ تصرفِكُمْ ، كُلُّنـا جبهةٌ واحِدةٌ ضِدَّ الإرهاب الإسلامي الذي اختَطَفَ البرئَ شـاليط .
نحنُ في أَبخازيا يا بني آدم ، آه لقد تذكرت ، لقد أَسَرَتْ قواتُنا أَحدَ المُجرمينَ الدَّوليينَ واسـمُهُ شـيلَط ، وقبلَ أنْ يُكمِلَ الرئيسُ الروسي حديثَهُ قاطعَهُ بوشٌ والفَرَحُ واضِحٌ في نَبَراتِ صوتِه ، هذا هُـوَ الحملُ الوَديعُ البرئُ يا صَديقي الحبيب الطيَّب ، اعتني بهِ جيداً ، سأَحضرُ بنفسي لِتَهنِئَتِكُمْ واصطِحابِهِ على مَتنِ طائِرتي الرِّئاسية ، شُكراً جزيلاً يا صَديقي الرائِع ، دعني أبكي قليلاً مِنَ الفرح بهذا الخبرِ السار .
وقبلَ أنْ يُغلِقَ بوشُ الهاتِفَ قالَ لهُ الرئيسُ الروسي : إنَّ شيلَطَ يا سيد بوش مُجرِمٌ دَوْلي ، فهوَ قد باعَ جورجيا ثلاثينَ طائِرةً حربية ومائةٍ وخمسينَ دبابة حديثة وثلاثَ مائةِ صاروخٍ مَداها مِئاتِ الأَميال ، وكُلها صِناعةٌ إسرائيلية ، فكيفَ نُطلِقُ سراحهُ ببساطة ، يجبُ التحقيقَ معَ المُجرمِ الدَّوليِّ شيلط . تساءلَ بوشٌ بدهشة : أليستْ حَربكُمْ على غزة مِنْ أجلِ إنقاذِ شاليط ؟ وكانَ الردُّ لا ، وقبلَ أن يُكمِلَ الرئيسُ الروسي إجابتَهُ ، قال بوش : تذَكرتُ شَيئاً ... أرجو أن لا يكونَ شيلَطُ يهودياً ، فأجابهُ : بل هوَ يهوديٌ إسرائيلي الجِنسية ، فصرخَ بوشٌ بِذُعر : ماذا ؟! ... يهوديٌ برئٌ آخرُ فـي الأسـر ؟ خَرِبَ بيتـُـكَ يا بوش ، مينْ داعي عليكَ يا بوش ؟ هلْ غَضِبَ عَلـيكَ الـرَّبُ يسـوعٌ لأنَّكَ لـمْ تَقتلْ سِـوى مَليون عِراقي ؟ أنا مُتـأَكِدٌ أَنّ أوباما قد عَمــِلَ لي سِحراً لِتَحطيمِ مُستَقبَلي السياسي ، هل تَعلم ُ يا صديقي أَنَّ اعتِقالَ هذا البرئُ يُهَدِّدُ الأمنَ العالَمي ؟ يا ليتَني مُتُّ قبلَ سَــماعِ هذا الخَبرَ الكارِثة ، ما الذي سَـيَحصُلُ لي ؟ وأَغلَقَ خَطَّ الهاتِفِ بِشدة .
ما أن وَضَعَ الرئيسُ الروسي سماعةَ الهاتفِ وهوَ يبتَسمُ تَعجُّباً ، حتى كانَ أولمرت على الخط ، رفعَ سماعةَ التليفون وقالَ بِغَضب : مرحباً سيد أولمرت ، هل لكَ عينٌ لِتتصلَ بي ، أظنها وقاحةً منكَ ولَيستْ جُرأة ! ولكنَّ أولمرت ردَّ بِلطف : لماذا أنتَ غاضِبٌ يا عزيزي ؟ أنا مُتأكِدٌ أنَّ المسكينَ الطيبَ شيلَط هـو السبب ، ولكني أُقسمُ لكَ أنكَ فهِمتَ ما فَعَلهُ بِشَكلٍ مُغاير . أجابهُ الرئيسُ الروسي : لقد فهِمناهُ جيداً وبطريقةٍ صحيحة ، إنه ملأَ أَيدي عدوتنا جورجيا بالأسلِحةِ الحديثةِ لِتُستَعملَ ضدنا وضدَّ روسيا ، على كلِّ حالٍ ، فأجهزتنا الأَمنية تتعاملُ معه . رد أولمرت بأسف : لا ... لا يا سيادةَ الرئيس ، شيلَطُ برئٌ تماماً منْ هذه التُّهـم ، لقد أرادَ أن يفتتحَ مدينةً لألعابِ الأطفالِ في جورجيا ، وأما هذهِ الصواريخ ، فما هي إلا مُفرقعاتٍ بريئةٌ لإطلاقِها يوم الافتتاح ، يبدو أنَّ هناكَ سـوءُ فهمٍ للموضوع ، وستعملُ حكومتي على حلّه ، هلْ أُرسِلُ لكَ السـيدَ أَبا مازنٍ ؟ إنهُ صديقٌ حميمٌ للبرئِ شيلَط ، وسوفَ يُحدِّثُكَ عنهُ وعن إنسـانِيَّتهُ وحبَّـهُ لِعَمَلِ الخير ، إِنَّهُ يُحبهُ كثيراً !
أصابَ الرئيسَ الروسي الغضبَ الشديدَ حتى كادَ يبصقُ على أولمرت منْ خلالِ الهاتف بسببِ كذِبهِ ووقاحته ، ولكنهُ تحاملَ على نفسهِ وسألهُ ساخراً ، منذُ متى نضعُ دباباتِ الميركفاه في ملاهي الأطفال ؟ وما الحِكمةُ منْ إطلاقِ صاروخٍ مداهُ مئةُ ميلٍ في احتفالٍ للأَبرياءِ الصغار ؟ خفِّـفْ منْ كذبكْ مستر أولمرت .
قال أولمرت بتذللٍ ومسكنة: رجائي لكَ سيدي المُبجلِ أن تتناسى ما قُلتهُ سابقاً ، هل سمعتَ يا سيدي بالبرئِ شاليط ؟ أجابهُ : نعم ، لقد جعلتموهُ قصةَ الدنيا ، ولكن ذلكَ لا يعنيني الآن . ردَّ اولمرت : بل يعنيكَ ويعني كُلَ عاشقي الحُريةِ في العالَمِ وأنتَ منهم ! شيلَطُ البرئُ هوَ شقيقُ الحملِ الوديعِ شاليط ، في الواقِعِ هوَ شقيقهُ منْ أبٍ صينيٍ مجهولٍ ، وقد حملتْ أمُّ شـاليطٍ بِشـيلطٍ هـذا في زيارةٍ تَجَسـسـيةٍ بريئةٍ إلى دولةِ الصينِ الصديقةِ لصالحِ المخابراتِ الأمريكيةِ ولِصالحِ الموساد ، وأخافُ أن يُحدثَ اعتِقالَكمْ لهُ مُشـكِلةً دبلوماسية معَ الصين ، فاستمعْ لهذا الحل الذي سينالُ إعجابكَ حسَـبَ تخميني ، أرجوكَ أنْ لا تُقاطِعني وأرجوكَ أن تُوافقَ فوراً ، فأمُّ شاليطٍ لا تحتملُ صدمةً أخرى بابنها البرئِ الثاني شيلَط ، هيَ في وضعٍ نفسيٍ وصِحيٍ حَرجٍ الآن بسبب المسكينِ شاليط ، فلا تكنْ السببَ في موتِها حُزناً على المسكين شيلط سيادةَ الرئيس العزيز .
انتبه الرئيسُ الروسيُ إلى أصواتِ الهواتفِ التي تَرنُّ بِلا انقطاعٍ في مَكتَبِهِ الفَسيح ، هذهِ هواتِفُ رؤسـاءِ ومُلوكِ دولِ العالَمْ ، ماذا حصلْ ؟! يبدو أنَّ الحربَ العالَميةَ الثالِثةَ على وَشَكِ البِدء ، لَعنةُ الــرَّبِ على جورجيا ومشاكِلِها ... ثُمَّ تَذكَّرَ شـيلَط فجأةً بعدَ أن لَفتَ نَظرُهُ رَقَمَ هاتِفٍ غريبٍ لِدَولَةٍ لَمْ يَسـمَعْ بِها مِنْ قَبل ، كان اسمُها مَملَكَةُ واقِ الواقِ العُظمى ، فَسـأَلَ أولمَرت : الهَواتِفُ في مكتبي سَببتْ ليَ الصُّداع ، يبدو أَنَّ قِصةَ شيلَطٍ صارت الشُّغلَ الشاغِلَ لِزُعماءِ الأَرض ، ولكنْ وَقَبلَ أنْ أَبِتُّ لَكَ بأَمرِ شيلَط ، هَلا أعطَيتَني بعضَ المعلوماتِ عنْ دولَةِ واقٍ الواقِ العُظمى ؟!
أجابَ أولمرت ضاحِكاً : هذهِ مَملَكَةٌ جديدةٌ جِداً يا سِيادَةَ الرئيسِ العزيز ، إنها جزيرةٌ صغيرةٌ تّتّخّفّى بينَ أمواجِ المُحيطِ الهندي ، ومساحتُها لا تزيدُ عن ثلاثةِ كيلومترات مُربَّعة ، وعَدَدُ سُكانِها سبعةٌ وخمسونَ نسمة ، همْ بقايا الناجينَ مِنْ سفينَةٍ غارقةٍ قبلَ عِـدَّةِ أعوام ، لا يوجدُ عندهمْ إلا الهاتِفُ الخَلَويُ لِزعيمهم الذي يُلقِّبُ نفسهُ بالملِكِ العظيمِ قاهرِ البِحارِ السيد مُرجان الأَول ، أما باقي المَعلوماتِ فهيَ لدى السيدِ عمرو موسى أمينِ الجامعةِ العربية ، وذلكَ لأنهُ مُهتمٌ بِضمِّ هذهِ المَملَكةِ للجامعة العربية ، فخُـذْ باقي التَّفاصيلِ الهامّـةِ منه .
ضَحِكَ الرئيسُ الروسيُ وقال : مِنْ أَجلِ عُيونِ مُرجانِ العظيم ، سأُطلقُ سراحَ المُجرمِ شيلَط ، ولكنني سأُصادرُ الأسلحة الفتاكة التي باعَها لعدوتنا جورجيا ، وشَـرطي الثاني أنْ لا تبيعوا جورجيا أيةَ أسلحةٍ مَرّةً أُخرى ، ردَّ أولمرتُ وهوَ يكادُ يطيرُ فرحاً : شُكراً جزيلاً لكمْ سيادةَ الرئيس ، ولنْ أسمحَ لشيلَط ببيعِ ألعابِ الأطفالِ على الإطلاق .... فأجابهُ رئيس روسيا : خزاكَ الرَّبُ يا أولمرت الكَذّاب ، ثُمَّ عليكَ أنْ تطلُبَ منْ هؤلاءِ الزُّعماءِ الذينَ هُمْ في جيبِكَ أنْ يتوقفوا عنْ الاتصال والرنين ، لقد انتهى موضوعُ شيلَط الحقير .
تجرّأَ أولمرت وقالَ للرئيسِ الروسي : رجائي لكَ سِيادةَ الرئيسِ الصَّديقِ أنْ لا تنسى الطفلَ البرئَ شاليطَ المخطوفَ مِنَ الإرهابيين في دولةِ غزةَ الإرهابية . وهُنا أغلَقَ رئيسُ روسيا الخَطَّ ، وبعد فترةٍ وجيزةٍ هدأَتْ أصواتُ الهواتفِ المُزعِجَةِ في مكتَبه ، وَعَـمَّ الهُدوءُ المُريحُ المكتبَ ، وَتَنَفَّـسَ الرئيسُ الروسِيُ الصُّعَداء!!

الطالبة لينا اسماعيل مطاوع.