آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: قراءة في "باب الحيرة" لـ يحيى القيسي

  1. #1
    أديبة الصورة الرمزية أماني العاقل
    تاريخ التسجيل
    09/10/2008
    المشاركات
    220
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي قراءة في "باب الحيرة" لـ يحيى القيسي

    لم يكن عالم "قيس حوران " عالماً يشبه عالمنا،أو حتى عالم الأبطال الروائيين، فتجده مسكونا بالثنائيات ومشوش اليقين تارةً وراسخاً رسوخ الجبال تارةً أخرى، فتمضي بين أبوابه مذهولاً باحثاً عن معلمٍ يمسك بيدك لترتاح في ظلّه، لكنك لن تجده أبداً، وتمضي إلى الباب الأخير، أنت أيها القارئ ، ولا أحد غيرك يقرر إلى أين تمضي حيرة "قيس حوران".
    تتكلم الرواية عن صفقة بيع الأحلام التي خلقت لأجل أن تحترق، مرحلة الانهزامات التي ولد فيها "قيس حوران"،انكسارات عام 1967م،وأحلام والده التي انتهت باستشهاد ابنه الكبير،وتخاذل ابنه الآخر وجنوحه للتجارة ومساهمته في التهام الثورة مع أصحابه .
    وتمضي الأيام بـ"قيس" إلى تونس لمتابعة دراسته، وهناك يقع على مخطوط للراوندي فيه من الزندقة والتهتّك ما تقشعر له الأبدان، وعالم المخطوط هذا شائك وقلق كعالم "قيس حوران "،تراه يضج بالحيرة والغربة، ليشعل في أعماق "قيس" حرباً شعواء ،تتركه ضحيّة للخواء والتيه،إلى أن يشرق يقين قيس فيحمله إلى إشراق الامتلاء.
    "المهم في أمري أنني خرجتُ شيئاً فشيئاً من إشراق الخواء إلى إشراق الامتلاء، بدأ العالم يتشكّل أمامي من جديد،وكأنني ولدتُ للتو طفلاً في جزيرة معزولة من حي بن يقظان ،تواطأ الكون من أجل أن يصب في أعماقي قطرات من المعرفة والنور، وأنا أقول: هل من مزيد؟"
    مع "باب الحيرة" يغرق القارئ في حكايا التيه والثنائيات تتلقاه في البداية "أزمة الهويّة"، التي تقدمها الرواية صورة واضحة للإنسان العربي الذي يدور في فلك الثقافات الوافدة ولا يدري أين النهاية ،نرى"سعيدة" تتأرجح بين الماركسية والوجودية،و"هاديا" متشرذمة بين الموروث الديني وبين نزع الحجاب استجابة للتيار الذي تتبناه الحكومة التونسية،و"قيس "ضائع بين أقوال خاله الشيخ
    وأستاذ الفلسفة. ليدخل "صراع المادي والمجرّد "، وثنائية العقل والروح،ما بين مثالية أفلاطون وعالمه المثالي،ومادية ماركس،وأفيون الشعوب الذي تجسّد بـ"الدين" حتى عالم الإشراق كان يحمل الثنائيات،فمرّة إشراق خواء ومرّة إشراق امتلاء.
    لكن "للمرأة"، في باب الحيرة جمال جديد، فهي طوباوية المنحى تشعر بها من سلالة"النظّام" التي أحبها "ابن عربي" وهي معراج الرجل إلى الكمال، فلم يتمكن "قيس"من دخول إشراق الامتلاء إلا بوجود "هاديا "،لتتجلّى ثقافة الروائي، فقد عرض قضية التصوف من وجهة نظر الثقافة العالمة ،ولم يدخل في تفاصيل الشطح ومجالس الذكر ،التي تنتمي إلى نسق الثقافة غير العالمة،وبذلك طهّر الفكر الصوفي مما لحق به من وضع وتزوير.
    تنكشف اللعبة الفنية في النهاية ليكون القارئ شخصية من شخصيات الرواية،ويبدأ البحث عن المفتاح، فالرواية ليست قصة تحكيها الجدات ،بل هي نص قابل للكتابة ،ترمي بالقارئ في بحر من التساؤلات ،تشعل أفكاره،وتدخله عالماً مفتوح الآفاق،ليبحث عن مفتاح الباب المئة،وينهل من فيض العرفان،وهنا تكتمل الدائرة،لنعود إلى البداية،"من عرف نفسه عرف ربه"،فلن تدخل الباب المئة ،إلا بالمعرفة،ومعرفة الذات ،هي أرقى أنواع المعرفة،ولكن أين هي هذه الذات ؟نراها ضائعة في ثقافة العرض بعيدة كل البعد عن معارف الجوهر،فالبحث عن الهوية، هو الخطوة الأولى لإعادة ترتيب الإنسان والارتقاء به إلى مصاف الكمال.
    لذلك كانت "باب الحيرة" دعوة للمعرف، ولمعرفة الذات أولاً، استطاع فيها الأستاذ "يحيى القيسي"،أن يثير فضاء المتلقي ويرمي به في تيه التساؤلات، معتمداً على لعبة فنيّة جديدة تصنع من القارئ بطلاً من أبطال الرواية، معتمداً على الموروث الثقافي الجمالي والروحاني الذي استطاع من خلاله "إحياء المعجم العربي القديم" ،فتتداخل أحيانا لغة المخطوط بلغة قيس حوران، بلغة فلاسفة المتصوفة الأوائل، رغم أنهم جميعا وجهان لعملة واحدة.

    التعديل الأخير تم بواسطة أماني العاقل ; 11/12/2008 الساعة 05:48 PM
    "إننا ندخل المعارض، ونستمع إلى الكونشرتات، ونشاهد التمثيليات، فلا نجد إلا الإسكافي المجيد، والغبي الصخّاب، وأضرابهما من الذين يبتهجون إذ ينتجون شيئاً ما للسوقه".

    ((شبينجلر))..

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •