الأديب والمجتمع... أية علاقة؟
السلام عليكم ورحمة الله
هذه اول مشاركة لي في الموقع وهي عبارة عن سلسة من الموضوعات التي تاخذ اللشعرالمغربي بالتحديد مجالا للدارسة. وهذه فاتحة الموضوع اتناول فيها علاقة الاديب عموما بالمجتمع.
إلهام الصنابي
تعتبر علاقة الأدب بالمجتمع علاقة جدلية تفرضها مقومات النشأة والتطور داخل هذا الوسط الذي ينتمي إليه الأديب، والأدب منذ نشأته هو ارتباط مباشر بالذات في اتجاه نفسها وارتباطها بالمجتمع، وقد فرضت ظروف التحولات المجتمعية ظهور نوع جديد من الالتزام المحدد بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تتحول وتتغير باعتبارها صيرورة وجودية إن سلبا وإن إيجابا، والمقصود هنا بالالتزام ذلك المفهوم المباشر الذي يستوجب انصهار الأديب في مجتمعه وانشغاله بقضاياه التي تعد جزءا من يومياته الطبيعية، فهذا المفهوم البسيط للالتزام هو مفهوم موجود منذ وجود الأدب، ومن هذا المنطلق فإن الشاعر بحكم موقعه مدعو إلى متابعة هذه الصيرورة وإلى معايشتها وتأريخها أدبيا-شعريا- فلا يمكن "أن تصور إنتاجا أدبيا ما دون أن يكون هذا الإنتاج متصلا اتصالا وثيقا بالمسألة الثقافية ودون أن يكون على ارتباط بالمجتمع في مختلف صوره وأشكاله"( )، لكن ليس معنى هذا أن يكون الأدب شعرا كان أم نثرا صورة فوتوغرافية ومرآة مسطحة عاكسة لهذا الواقع، وإنما وجب أن يتسلح بفنون الجماليات والرؤى الفنية التي تحيل الواقع الحقيقي إلى واقع لغوي فني جميل يحمل رسالة إنسانية عامة.
فالأديب يعيش دوما في حركية وصراع بين الواقع الكائن من جهة والواقع الممكن من جهة أخرى وهذا الصراع هو في حقيقته نتيجة حتمية لعدم رضاه وقناعته بالحالة التي يوجد عليها مجتمعه سواء على المستوى السياسي أم الاجتماعي أم الثقافي، فتراه دوما في حالة من التوتر الفكري باحثا عن تناغمية بين الحقيقة والواقع بطرح أسئلة الذات والوجود وأسئلة التحول والمستقبل، إنه يعيش وعيا شقيا كما قال سارتر "لأنه يكتب في مجتمع تسوده الفوارق من كل نوع وتنتصب داخله العراقيل أمام ممارسة الناس لحرياتهم"( )، وبالتالي يصبح دور العمل الأدبي دورا متميزا داخل المجتمع ووعي الأفراد به باعتباره وسيلة من وسائل بث الوعي الفكري والجمالي بالرسالة الأدبية والجمالية له.
وتظل العملية الإبداعية في حقيقتها عملية تأسيسية تأخذ منطلقها من الواقع –مهما كان نوعه-باعتباره مرجعية أساسية ومنطلقا بديهيا، كما تستمر في نسج بنياتها وشبكاتها في الآفاق التي يستشرفها المبدع باعتباره مالكا لملكة النبوة الشعرية، وباعتباره الناطق باسم الوعي الجماهيري في المجتمع الذي ينتمي إليه، وباعتباره ثالثا حاملا لرؤية أو رؤى ومستندا إلى مرجعية ثقافية ومخزون فكري، فهو ليس ذلك المتزهد الذي ينزوي إلى عمق ديره أو صومعته وينعزل عن المجتمع بكل تطوراته ليسلك مسلك الصوفي في نزعاته الوجدانية وشطحاته الفكرية بعيدا عن هموم الذات المنصهرة في بوتقة الجماعة الكلية، بل هو جزء لا يتجزأ من واقع متحول في تركيبته لا يهدأ بل يشارك في كل ما يمس وجدان الأمة سواء أكان على الصعيد الوطني أم العربي القومي أم العالمي بإنسانيته الشمولية "فالشعر إذن هو ما يقوله الشاعر في سياق تاريخي محدد ومن أجل غاية معينة قد تكون هي الإمتاع وكفى وقد تكون هي الإفادة وحسب وقد تكون جماع هذين الجانبين ولكنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك وإلا بطل أن يكون شعرا"( ).
وإذا كان العمل التغييري في المجتمع –مهما كان هذا العمل- يفترض نوعا من السلاح الفعال في أداء الدور المنوط به والغاية المرجوة منه، فإن الأديب يجعل من لغته السلاح الذي يمارس به ثورته على الكائن ويبدع بها واقعا جديدا يفترضه أكثر إنسانية وعدالة لهذا الإنسان الذي أصبح يعيش حربا قوية ومعلنة من جوانب شتى، حرب أتيحت فيها استعمال كل الأسلحة التي كانت ولا تزال في نظر الأمم والشعوب وفي نظر المواثيق المكتوبة محظورة وممنوعة بسبب ما تخلفه من أضرار على الإنسان ومس بقدسية السلام في العالم، وبناء على كل هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ ما مدى علاقة الشعر بالواقع اليومي الذي يعيشه المثقف وسط مجتمعه باعتباره أحد مكوناته، وهل استطاع الفن الشعري على وجه التحديد أن يعايش الواقع وأن يرصد تحولاته وثوراته، وهل أثرت الواقعية بمعنى النقل الصريح والواضح على القصيدة المغربية وأبعدتها عن فنيتها؟ هي أسئلة تقودنا الى مدى التزام المثقف/الشاعر بهموم مجتمعه.
تعتبر فترة الستينات وما بعدها مرحلة امتزجت فيها كل عناصر الدراما الحياتية، فقد عانت الشعوب العربية من ويلات الاستعمار الإمبريالي، فثارت ضده في ثورات حققت بموجبها استقلالا انتشت به كل الأوساط الجماهيرية التي كانت تعتقد أن جلاء المستعمر هو الكفيل بتحقيق ما تصبو إليه من حرية وعدالة وتنمية لمجتمعاتها، فلاحت في الأفق شعارات تحمل هتافات البناء والتشييد وتأسيس وطن جديد، إلا أنه سرعان ما تبين أن ما كانت ترجوه هذه الطبقات الشعبية كان مجرد حلم انكسر مع أول مواجهة حقيقية ضد قوة خفية خلفها الاستعمار العسكري في كل وطن عربي على حدة وعدو استنبت بالقوة في الوطن العربي، فلم تعد المواجهة الثورية بين المحتل الغازي والمستعمَر بل تأزمت لتكون بين الشعب والسلطة الحاكمة اتخذ فيه العصيان الجماهيري أشكالا متعددة تراوحت بين الإضرابات والمظاهرات وأعمال مناهضة للسلطة في مقابل الاعتقالات المجانية التي كانت تقوم بها السلطة البوليسية.
رد مع اقتباس
رد: الأديب والمجتمع... أية علاقة؟
المفضلات