المعين في ذكر أهل فلسطين
لقد دأب المستشرقون على عدم إنتهاج المصداقية والموضوعية في كتابة تاريخ الإنسان العربي وإنتمائه لأرضه لغايات أرتضوها دوعاً أو كرهاً، وزورا التاريخ والحقائق من أجل مطامع أسيادهم في ذلك الزمان بل كانوا يدسون السم بالدسم، وزاد الطين بلة ثلة من الدخلاء الذين كتبوا ليقال إنهم كتبوا وكانوا يسعون للربح من وراء كتبهم متناسين الأمانة العلمية والعملية في كتبهم التي كشفها العقلاء ونبذوهم ونبذوا كتبهم التي تضمنت معلومات مغلوطة ومدفوعة الثمن، ونحن نريد إبراز هذه الحقيقة للأجيال العربية.
السكان
مما لاشك فيه ان فلسطين ومن ضمنها الصحراء الفلسطينية (بلاد بئر السبع ) كانت آهلة بالسكان منذ أزمنة موغلة في القدم، ولا يزال قسم كبير من تاريخها القديم مجهولاً، ولكن الاثار الكثيرة التي ما زالت موجودة لدليل قاطع على ان الإنسان قد عاش في هذه البلاد منذ الآف السنين قبل الميلاد.
الكنعانيين: هم أول من نزل هذه البلاد وهم أصحابها ألأصليين:
الكنعانيين الذين كان منهم جبابرة الشام من ولد كنعان بن حام بن نوح(1). كنعان بن حام بن نوح بن لمك( وكان تقياً صالحاً وفي زمنه كثر جبابرة الشام) وهو ابن متوشلخ بن أخنون( وهو أدريس عليه السلام) وهو ابن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن أدم(2) (ابو البشر عليه السلام).والكنعانيون هم أول شعب سامي أستوطن هذه البلاد بعد خروجهم مع الموجات القديمة من الجزيرة العربية والتي كان لها دورٌ كبيرٌ في التاريخ:
المستر جورج أدم سميث(3) يقول:
(( إن أول هجرة لأرض كنعان كانت حوالي عام 2500 قبل الميلاد)).
لكن علم الآثار الحديث أظهر ان المدن مثل أريحا وأصلها يرحو "yreho" أي بمعنى مدينة القمر، وبيت شان والتي تعني بيت الإله شان( إله كان يعبده الكنعانيون) والتي تسمى حالياً بيسان، ومجدو المشتقة من جدد أي قطع وتعرف حالياً بأسم ( تل المتسلم)، هذه كلها أسماء كنعانية واضحة وكما كتب فيليب حتي(( تعود إلى ما قبل 3000 قبل الميلاد))(4).
(( بئر سبع مدينة فلسطينية تقع على حدود النقب وتتحكم بالطرق المؤدية إلى البحر الميت. كانت مأهولة منذو الألف الرابع قبل الميلاد ( بئر سبع: تمثال معبودة3500ـ 3100 قبل الميلاد. عاج ـ إرتفاع12سم. بئر سبع: وعاء بأرجل 3500ـ3100 قبل الميلاد. بازلت إرتفاع 30,2سم متحف اللوفرـ باريس))(5). هذا بلإضافة إلى بحوث أثرية سنفردها في فصل آت .
أما البحاثة الأمريكي( مستر جون وايتنغ) يجزم بإن الكثير من أهل فلسطين منحدرون من أصل كنعاني.
](( أقدم هجرة إلى هذه الديار المعروفة ببلاد كنعان كانت عام 3500 قبل الميلاد. ويعتبر العرب الكنعانيين من أقدم الأقوام التي قدمت إلى فلسطين، وأنشأت فيها الكيانات المستقلة المنظمة( دويلات المدن الكنعانية). وأن أصل هذه الأقوام المحقق والثابت تاريخياً هو الأصل العربي السامي، وقد ثبت علمياً أنهم عرب قدموا من شبه جزيرة العرب أواسط نجد على وجه الخصوص. وأستوطنوا فلسطين وأسسوا فيها المدن المستقلة مثل يبوس أو أورسالم ( القدس) وحبرون أو أربع ( الخليل)، ويرحوا ( إريحا) مدينة القمر، وبيت شان ( بيسان)، وداجون ( غزة) ومجدون ( مجدو) وشكيم ( نابلس) وعكو (عكا).

إن هذه المدن هي مدن عربية كنعانية، وان اسماء هذه المدن من وضع العرب الكنعانيين سكان البلاد الأصليين. وقد دعيت فلسطين بأجمعها قديماً بارض كنعان، ولم تكن تعرف إلا بهذا إلاسم إذ ان اسمها الحالي ( فلسطين) جاء متأخراً فيما بعد))[(6).
كتب عارف العارف في كتابه ( تاريخ بئر السبع وقبائلها: صفحة 200):
((أميل إلى الإعتقاد بوجود صلة دم بين الكنعانيين القدماء وبين فريق من عرب الجبارات الحاليين المعروف عنهم أقدم من أستوطنوا هذه البلاد من الأقوام)).
وهنا لا بد من تثبيت أسماء المدن الكنعانية التي أسست في بلاد بئر السبع، منها مازال يحتفظ بأسمها(7) مثل:
1ـ بئر السبع: عاصمة المنطقة المعروفة بأسمها في جنوب فلسطين، تقع ضمن أراضي قبيلة العزازمة.
ومنها من تغير أسمها أو حرف تحريفاً ظاهراً منها:
2ـ بعلة: بمعنى ( السيدة )، و( بعل) إله كان يعبده الكنعانيون، تقوم على خربة أبو الطلول ويقال لها
خربة أبو التلول جنوب شرق مدينة بئر السبع وغرب خربة عرعره، تقع ضمن أراضي
قبيلة التياها.
3ـ بيت فالط: بمعنى ( بيت الهرب) جنوب شرق مدينة بئر السبع شمال تل عرعره، تقع ضمن
أراضي قبيلة التياها.
4ـ أم جرار: شمال غرب مدينة بئر السبع كانت مقامة على تل جمة على ضفة وادي الشلالة، تقع
ضمن أراضي قبيلة التياها.
5ـ حاصور: بمعنى ( الحصن أو المعسكر) يعرف اليوم موقعها بأسم خربة الجبارية وكان قديماً يقال لها
خربة الجبارات، جنوب غرب مدينة بئر السبع، تبعد عن العوجا أربع وعشرين كيلومتراً، تقع
ضمن أراضي قبيلة العزازمة.
6ـ حصر جده: بمعنى ( قرية السعد) كانت مقامة على خربة غزة، تقع جنوب شرق مدينة بئر السبع
على بعد تسعة أميال، وشمال خربة أم أرديم، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
7ـ حصر شوعال: بمعنى ( قرية الثعالب) أو بلد الثعالب، كانت مقامة على خربة الوطن شرق مدينة
بئر السبع وعلى بعد أثنتى عشرة كيلومتر، وشمال بير الحمام، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
8ـ حصون تامار: بمعنى ( رملة النخل) وهي عين جدي على بعد ميل من شاطئ البحر الميت الغربي،
تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
9ـ رحيبوت: بمعنى ( الأماكن الرحبة أو الفسيحة) كانت مقامة على خربة رحيبة جنوب غرب مدينة
بئر السبع وعلى بعد تسعة عشر ميلاً، وشمال شرق العوجاء، تقع ضمن أراضي قبيلة العزازمة.

10ـ سنسه: بمعنى ( سعف النخل) كانت مقامة على خربة الشمسانيات شمال شرق مدينة بئر السبع
وعلى بعد ستة عشر كيلومتر، وشرق خربة الراس، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
11ـ شكرون: كانت مقامة على خربة صقرير أو سكرير ثم حرفت إلى السكرية شمال غرب مدينة بئر
السبع وشمال أسدود وعلى بعد أربعة أميال، يملك الشيخ علي حسن المكحل اراضي فيها
اشتراها بملغ مئة وعشرون ليره إنكليزية ذهب كما هو مدون في وثيقة محفوظة لدى كاتب هذه
السطور عمر محمد المكحل حفيد الشيخ علي المكحل وهي مقيدة بقلم طابو بئر السبع وسند
التسجيل محفوظ لدى المؤلف أيضاً، تقع ضمن أراضي قبيلة الجبارات.
12ـ شماع: كانت مقامة على خربة الفار غرب مدينة بئر السبع وحنوب تل الفارعة، تقع ضمن
أراضي قبيلة الترابين.
13ـ صفاه: بمعنى ( برج المراقبة) كانت مقامة على تل وخربة المشاش جنوب شرق مدينة بئر
السبع وعلى بعد ثلاثة أميال، وجنوب تل سعوه، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
14ـ صقلاغ: كانت مقامة على تل وخربة خويلفة شمال شرق مدينة بئر السبع وعلى بعد خمسة
وعشرون ميلاً، وشرق تل الشريعة، تقع ضمن أراضي قبيلة الترابين.
15ـ حداشة: بمعنى ( الحديثة) كانت مقامة على خربة الجديدة شمال غرب مدينة بئر السبع وشمال
خربة عجلان، تقع ضمن أراضي قبيلة الجبارات.
16ـ زيف: يعرف موقعها اليوم بأسم الزيفة في الجنوب الغربي من كرنب من أعمال بلاد بئر السبع،
تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
17ـ عروعير: بمعنى ( الخرابات) كانت مقامة على خربة عرعره جنوب شرق مدينة بئر السبع
وعلى بعد تسع عشرة كيلومتر، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
18ـ عين رمون: ومعناها ( ينبوع الرمان) كانت مقامة على خربة أم الرمالي شمال شرق مدينة بئر
السبع وعلى بعد تسعة أميال، وشرق جنوب تل خويلفة، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.
19ـ قبصئيل: ومعناها ( مجموع من الله) كانت مقامة على خربة حوره، تقع ضمن أراضي قبيلة
التياها.
20ـ كلتش: يعرف موقعها اليوم بأسم خربة المكحز شمال مدينة بئر السبع وشمال شرق تل النجيلة،
تقع ضمن أراضي قبيلة الجبارات.


21ـ لباوات: بمعنى ( لبوات) ومفردها لبوة ولعل المقصود أنثى الأسد والله أعلم، كانت مقامة على
تل الفارعة شمال غرب مدينة بئر السبع وعلى بعد ثلاث كيلومترات، وجنوب شرق تل
جمة، تقع ضمن أراضي قبيلة الترابين.
22ـ شاروحين: بمعنى ( المسكن الجميل) كانت مقامة على تل الفارعة المار ذكره، تقع ضمن
أراضي قبيلة الترابين.
23ـ مولادة: بمعنى ( مولد) كانت مقامة على تل الملح شرق مدينة بئر السبع وعلى بعد خمسٍ
وعشرين كيلومتر، وشمال خربة المشاش، تقع ضمن أراضي قبيلة التياها.

نبذة عن إقتصاد الشعب الكنعاني
الزراعة:
(( أهتم الكنعانيون بترقية حالتهم الإقتصادية بإقامة زراعة راقية متطورة جداً فسمي وطنهم (( الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً )). وقد وصف المصريون خيراتهم الزراعية، في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بقولهم] كانت بساتينهم ملأى بفواكههم، ووجدنا أنبذتهم في دنانها، كالماء في كثرتها، وكانت حبوبهم في الأجران بعد درسها أكثر من رمال الشاطئ[. كانت الزراعة المهنة الرئيسية للسكان، وكثيراً ما كان الكنعانيون يصدرون القمح والشعير والزيتون والتمر والعنب وغيرها إلى الأقطار التي تطلبها))(8).
( وقد سعى سكان كنعان إلى انماء أنواع الاقتصاد الأخرى التي تجود أراضيهم بمواردها الطبيعية. وأقدم أعمالهم الرئيسية انحصرت في ميادين الزراعة وصيد الأسماك والتجارة، ولكن الأهتمام بالزراعة كان لنشاطهم الرئيسي لهم، وقد أثر على ديانتهم تأثيراً عميقاً. وكان البذار يتم باليد في أول الأمر ثم توسع أكثر عندما أدخل المحراث من بلاد بابل، وربما دخل المحراث إلى جنوبي البلاد من مصر، ووجدت بقايا الأعمال الزراعية الكنعانية بين 1500ـ 1300قبل الميلاد، في تل مرسيم ( قرية سفر القديمة). وأكتشف فأس من البرونز وكانو يحصدون بمنجل أسنانه من الصوان وتتصل بقبضة من العظم أو الخشب بواسطة الملاط،
وأستعملت هذه الآلة حوالي عام 1000قبل الميلاد وبعد ذلك حل المنجل الحديدي محلها. ومن التاريخ نفسه تقريباً أتت أقدم آلة حديدية يمكن تعيين تاريخها وهي طرف محراث أكتشف في فلسطين)(9).
ومن الحاصيل الزراعية القمح والشعير والعدس والفول والفاصوليا والحمص والثوم والجلبانة والشوفان والبصل والقثاء ( الفقوس) والرمان والزيتون والعنب والتين والجوز والجميز وغيرها من الأشجار المثمرة. ( وقد سميت الحبوب والكرمة والزيتون بحق ثالوث بلاد البحر المتوسط في الانتاج الزراعي، وعمد الفلاح في تكييف زراعته تحسباً لعدم كفاية الأمطار إلى أساليب الزراعة الجافة وتتضمن التناوب السنوي في زرع الأرض لسنة أو أكثر وزراعتها سنة، وكان المجتمع يضم طبقة من الفلاحين)(10).
( وأوقات الزراعة والحصاد كانت عند الكنعانيين كما هي في هذه الأيام، حيث يبدأ البذار بعد المطر المبكر وينتهي قبل المطر الجارف، وأما الحصاد فيختلف وقته حسب أرتفاع الأرض ففي الأراضي المنخفضة في وادي عربة وبلاد بئر السبع يبتدئ في آيار، وفي الجبال يتأخر إلى حزيران وتموز.



ومن الأمور التي أعتمدها الفلاح الكنعاني الزراعة البعلية والتناوب في الأرض وأراحتها سنة كل بضع سنوات، والفلاح الكنعاني كان إما مالكاً للأرض التي يزرعها أو عبداً يعمل لسيده ، وكانت أجرة العامل تدفع من محاصيل عمله. وأشتغل الكنعانيون بالرعي فكان لهم وخاصة ملوكهم وأغنيائهم قطعان كبيرة وموالشي كثيرة يستخدمونها في الحراثة والنقل والجر والدراسة والأكل. وأهم حيوانات الكنعانيين الداجنة الأبقار والحمير والخيول والجمال والأغنام والماعز والكلاب)(11).
الصناعة:
(كانت مكانة الصناع والتجار تأتي بعد طبقة الملاكين والإقطاعيين والمحاربين في سلاح المركبات.تعتبر صناعة الخزف من أقدم الصنائع وتعد بين الحرف الأولى التي أتقن الإنسان عملها وقد درت على عمالها أرباحاً كثيرة، وقد كان لاستعمال الدولاب أثر بعيد في تحسين هذه الصناعة التي بلغت ذروتها قبل عام 1500 قبل الميلاد. والكنعانيون يعدون من أقدم الشعوب التي عرفت المعادن والتعدين في سيناء وفلسطين، ففي نحو 2100ـ 1200 قبل الميلاد أستخرجوا النحاس والحديد من بلادهم ، ولم يكتفوا بإستعمالها في صناعاتهم بل مزجوها بمعادن اخرى لصنع الفولاذ والبرونز.) ( وقد صنع الكنعانيون الإبر والدبابيس والأزرار، كانت أزرار الفقراء منهم تصنع من الخزف أما الأغنياء فكانت تصنع من العظم أو العاج).أما المرايا فكانت تصنع من المعادن فقط، مثل النحاس أو البرونز وذلك بعد صقلها وتلميعها جيداً.
(وتدل بقايا آلات الغزل والنسيج والصباغة التي عثر عليها في بيت مرسيم ولخيش بأن هاتين المدينتين كانتا أشهر المدن الفلسطينية بصناعة المنسوجات.وكانت صناعة الغزل تقوم بها النساء في بيوت النبلاء، وكن يغزلن الصوف والكتان وشعر الإبل،ولا شك ان الصوف كان أول مادة أستعملت في الغزل والحياكة، ثم عرف الكنعانيون الكتان الذي زرعوه. ومن الصناعات التي تقترن باسم كنعاني الساحل ـ الفينقيين ـ صناعة صبغ الأرجوان التي أشتهرت به صيدا وصور وعكا التي عثر فيها على الأصداف الكثيرة التي تحمل الصباغ المذكور).
( والمعروف ان هذه الصبغة تستخرج من حيوان صغير يعرف بأسم (( موركس ترونكولوس )) يعيش في صدفة كالحلزون، وله تحت رأسه غدة تحتوي على مادة مائعة، فإذا استخرجت هذه المادة وعرضت للشمس فإنها تتلون تباعاً باللون الأخضر فالأزرق فالأحمر فالأرجوان. وكان الكنعانيون يصطادون الموركس بالشباك والسلال وستخرجون الغدد من الحيوان وهو حي لأن اللون يفسد بعد الموت)[(12).
)] كان أصحاب الحرف والتجار يحتلون مكانة متوسطة في المجتمع الكنعاني بين الارستقراطية الاقطاعية المؤلفة من النبلاء الملاكين والمحاربين في سلاح المركبات وبين الطبقة الدنيا. وكان الكنعانيون على الغالب لا يبارون في صنع المعادن في عصر البرونز المتوسط والأخير(نحو 2100ـ 1200 قبل الميلاد). فقد كانوا يصنعون النحاس والبرونز بكثرة، وأهتم الكنعانيون بالبحث عن المعادن لجعل الحديد قاسياً وعن القصدير لأجل مزجه مع النحاس لصنع البرونز وعن الذهب والفضة. وقد وجدت السكاكين ورؤوس الحراب والفؤوس الحربية والمخارز والملاقط في اريحا من العصر الذي سبق قدوم بني إسرائيل. وبعد 1500قبل الميلاد تظهر في فلسطين اشكال حثية وقبرصية وميكانية من الاسلحة. وأكتشفت أساور وخلاخل وأقراط ومشابك للصدر من البرونز والذهب والفضة في مختلف المواقع، وأستخرجت اصناج صغيرة من القرن الرابع عشر من تل أبو هوام قرب حيفا.



وكانت صناعة الزجاج من الصناعات الأخرى التي تفوق فيها الكنعانيون، والأخبار المتعلقة بالكنعانيين يمثلها ما رواه بليني من ان بعض التجار كانوا يعدون طعامهم على الشاطئ قرب عكا وقد أستخدموا بعض نترات البوتاس التي كان يحملها مركبهم لتركيز قدورهم على النار، فاكتشفوا على اثر ذلك سائلاً شفافاً عندما

تعرضت النترات للنار وأختلطت بالرمل. كانت صناعة الغزل والنسيج من الصناعات الاعتيادية ومكانها المنزل وقد وجدت اثار مغازل من الحجر والعظم وأثقال من الحجر والطين تستخدم في شد الأنوال وترجع إلى أوائل الألف الثالث، ولا شك ان الصوف كان أقدم المنسوجات، وقد ذكرت وثائق نوزي من حوالي 1500قبل الميلاد الصوف الكنعاني. وترينا الاشكال في الرسوم الجدارية جماعة من الكنعانيين يلبسون الاثواب الطويلة التي تصل من الكتف حتى الركبة. وهذه الاثواب مصنوعة من القماش المصبوغ ومزدانة بالشريط وأحياناً مزخرفة بعناية.
( وكان الابناء عادة يتوارثون مهنة آبائهم وظل هذا الأسلوب متبعاً حتى العصور الأخيرة. وهناك ما يحمل على الأعتقاد بإن أصحاب الحرف كانوا ينتظمون في نقابات تتألف من جماعات يرتبط بعضها ببعض بروابط المهنة والقربى تعيش في احياء خاصة، وقد وجدت مثل هذه النقابات في فلسطين قديماً منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد)[(13).
التجارة:
]( كانت البضائع في ذلك العهد وظلت لوقت قريب، تنقل من مكان الى آخر بواسطة القوافل في البر أو بالسفن بطريق البحر.كان التجار السوريون والفلسطينيون يهبطون مصر ومعهم خشب الارز وعطره والأقمشة المصبوغة والمطرزة والحجارة الكريمة والعبيد والزيتون وزيته والصموغ والزفت والعسل والعنب والخمور والبيلسان وغيرها وكان تجار مصر يحملون الى بر الشام الكتان والفخار والفراء وغيرها.
كانت المحاصيل المصرية ترد الى سهول فلسطين الجنوبية وسواحل يافا وعسقلان وغزة ويأخذون منها النبيذ وزيت الزيتون. ويرجح ان العمالقة من الكنعانيين سيطروا في وقت ما على طرق التجارة بين غزة والعقبة. وكانت المقايضة ( المبادلة) هي الوسيلة الغالبة في التجارة الا انهم استعملوا في بعض الصفقات التجارية حلقات من الفضة ثم الذهب ذات أوزان معلومة لتبادل السلع المختلفة. ومعظم تجارة الكنعانيين الداخلية كانت أيام المواسم والاعياد الدينية، فكانوا يبيعون سلعهم من زيت وخمر وصوف ومواشي للذبيحة وغيرها.وقد استعمل الكنعانيون في مخابراتهم ومعاملاتهم التجارية، الخواتم الأسطوانية التي أخذوها عن العراق، وكانت هذه الخواتم تصنع من الأحجار اللينة، وكانت عملية الختم تتم بإدارة الاسطوانة على الصلصال أو الطين اللين)[(14).
وأهم الطرق التجارية في العهد الكنعاني:
طريق من العقبة إلى الخلصة ومنها مفترق طرق واحد بإتجاه مصر عن طريق صحراء سيناء، والآخر بإتجاه مدينة بئر السبع ومنها إلى الخليل ـ نابلس ـ القدس ـ جنين ـ مجدو ومنها إلى شمال سوريا والعراق. وطريق ثالث إلى غزة على الساحل.
طريق الساحل يربط مصر مع غزة ثم عسقلان ـ يافا ـ عكا ـ صور ـ صيدا في الشمال ومنها طريق إلى شمال سوريا. وهناك طرق للتجارة الداخلية أيضاً.

اللغة الكنعانية:
كانت اللغة العربية القديمة هي لغة الكنعانيين، أخذت هذه اللغة تتطور بتطور الكنعانيينفطرأ عليه عبر الزمن تغير وتحريف فغدت تختلف عن لغة القرآن الكريم إختلافاً كلياً. فإن بين الإسلام وبين هذه القبائل ما ينوف عن ثلاثين قرناً والأمم تتغير تقاليدها ولغاتها بتغير الأقطار وتبدل الأقاليم وتوالي العصور،
] والكلمات الآتية تبين لك شيئاً عن المشابهة بين اللغتين: العربية الكنعانية، واللغة العربية الحديثة:
عربية كنعانية عربية حديثة
صيدون صيد
جشور جسر
دقق دقيق
قرت قرية أو مدينة
قدموس قديم، قدماء
طيابا طيب، طيبة
داب دابة
كتن كتان
يشمع إيل إسماعيل
لاهام لحم
أوتيك عتيق
دامور تمور
بصة بصة ( مستنقع)
باراق برق
حمور حمار
شمس شمس
لسن لسان
نحس نحاس
وغيرها كثير.
وهذه قائمة بمفردات كنعانية ما زلنا نستعملها كما هي في لغتنا العربية الحديثة:
جبل، لون، أم، أب، أخ، ثاني، ثلاث، أربع، سبع، ثمان، تسع، راس، يد، بيت، أرض، تين، تحت، كلب، قير، وغيرها.

وإذا كانت اللغة الكنعانية هذه لغة أهل فلسطين فإنها كانت كذلك لغة القبائل النازلة في سيناء وشرقي الأردن، بقيت اللغة الكنعانية هي اللغة المحكية في البلاد مدة طويلة إلى ان حلت محلها الآرامية التي لا تختلف كثيراً عن الكنعانية)[ (15).

1ـ أبي العباس أحمد بن علي: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب: صفحة (38).
2ـ الشيخ أبو الفوز البغدادي: سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: صفحة (10ـ13) بقليل من التصرف.
3ـ مؤلف جغرافية الكتاب المقدس.Atlas Of The Historical Geography Of Holy Land
4ـ فيليب حتي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: الجزء الأول: صفحة (87).
5ـ هنري س.عبودي: معجم الحضارات السامية: صفحة (250).
6ـ عبد الكريم ذو النون: تاريخ فلسطين القديم: صفحة ( 37ـ 38).
7ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين: الجزء الأول: القسم الأول: صفحة (428ـ 460) بقليل من التصرف.
8ـ نفس المصدر السابق: الجزء الأول: القسم الأول: صفحة (462)بقليل من التصرف.
9ـ فيليب حتيك تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: الجزء الأول:: صفحة (92ـ 93) بقليل من التصرف.
10ـ نفس المصدر السابق: صفحة (93) بقليل من التصرف.
11ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين: الجزء الأول : القسم الأول: صفحة (469ـ 472) بقليل من التصرف.
12ـ نفس المصدر السابق: صفحة(468ـ 469) بقليل من التصرف.
13ـ فيليب حتي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين: الجزء الأول: صفحة (94ـ 101) بقليل من التصرف.
14ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين: الجزء الأول: القسم الأول: صفحة (473ـ 478) بقليل من التصرف.
15ـ نفس المصدر السابق: صفحة (485ـ 487) بقليل من التصرف.
ولنا عودة في الكتابة عمن تلاهم، وأتقبل النقد البناء الصادق فيما ذكر من أجل الحقيقة التاريخية ولكم مني جزيل الشكر والتقدير.
عمر محمد المكحل
باحث في أنساب العشائر وتراث وعادات القبائل العربية