بسم الله الرحمن الرحيم
ما دفعني لكتابةِ ما كتبت هو ما وصل إليه حالُ أجيالنا الفتِيَّة من "نفورٍ" من أدبنا العربي، شعرهُ ونثره. لا أقصِدُ بهذا أدبنا القديم بقدر ما أقصدُ بعض ما يكتَبُ الآن من شعرٍ ونثرٍ هو أقربُ للتعجيزِ ومدعاةٌ "للتطفيشِ". هذا وإن كان للأوائلِ عُذرٌ في صعوبةِ وغموضِ أشعارهم بالنسبةِ لنا الآن فهو أمرٌ يمكنُ فهمهُ، أما أن نصبحَ نحنُ شعراءُ وكتاب اليوم أكثرُ غموضاً ورمزيةً وصعوبةً في الفهم فهذا ما لا أراهُ مستساغاً. ألا يكفي أجيال اليوم كل مغرياتِ العصرِ وسلاسةِ ما يُطرَحُ عليهم حتى نزيدهم نفوراً وهروباً إلى أحضانِ التغريب؟
هل نحنُ شعراء أم عمالُ مناجم؟ وهل كل قرّائنا عمال مناجم أيضاً؟
أفيدوني أفادكم الله. أنا أحب الشعر وأعتقدُ بأنني أتذوق الشعر الجميل، غيير أنني أحياناً أقفُ عاجزاً عن فهم ما يكتبُ من شعر الطلاسم. فليُرحْني أحدكم هناك، هل نكتُبُ كعمالِ مناجم ننحتُ في ظلمةِ الصخرِ بحيث لا يَرى من حولنا إلا عرقنا وجبيننا المقطّب في آخر النهار من فَرْطِ المشقةِ وعتمةِ المناجم، أم كشعراء نريدُ الآخرين أن يشاركونا مشاعرنا وأحاسيسنا من خلال تجربتنا الشعرية؟
هل نكتُبُ لأنفسنا طلاسِمَ لا نريدُ للآخرين أن يطَّلعوا عليها أو يفكوا مغاليق رموزها؟
هل يدخلُ ما نكتب في باب التعجيز أو اختبارات الذكاء وقوة التحمل؟
هل كل القراء مثقفون ومتبحِّرون في تذوق الشعر كشاعرنا "الغويط" الذي "يُطَلسِمُ" الرمزُ شعرَهُ وتغتالُ التشبيهاتُ البعيدةُ المنالُ قرّاءَه؟
هل صحيحٌ أن تعليقاتنا تَنُمُّ دائماً عن تذوقٍ "عظيمٍ" لما كتبَهُ شاعرنا "اللغز"، أم أن في الأمر بعض مجاملةٍ وخروجٍ من موقفٍ غير مريح.
إن كان ما كُتِبَ من تعليقٍ ينمُّ عن تذوقٍٍ طاغٍ ومتعةٍ غامرة، فلم لا يُفصِحُ من قام بالتعليقِ "بالعبقريةِ" و"الإجادةِ" عن مواطنِ الجمالِ والمتعةِ فيما قرأَ لمساعدةِ بقية القراءِ على الاستمتاعِ بأوجهِ الجمالِ والعظمةِ فيما قرأَ؟
هل من الطبيعي أن يسوقَ القارئُ نفسهُ قسراً عبر منجمٍ لا يخرجُ منهُ إلا بسواد الوجهِ أو بسرابٍ يخالهُ فهماً وتذوقاً؟
أخيراً هل القصور في فهمِ وتذوقِ بعض ما يُكتَب عائدٌ فقط إلى ضعفِ خلفية القارئ أم أن للكاتبِ ضِلعٌ في الأمرِ حين يجعلُ قراءة ما كتب أشبهُ ما تكونُ بزيارةِ طبيبٍ للأسنانْ بدلاً من أن تكون فرصةً "لفسحةٍ" أو زيارة لبسان؟
جهاد الجيوسي
16/6/2009
المفضلات