إن استخدام الألقاب مسألة تندرج ضمن إتيكيت المخاطبات ولابد من الالتزام بها من حيث الشكل، فالناس مقامات ومجتمعات، فمخاطبة الأخ لأخيه، أو الصديق لصديقه، أو الزميل لزميله، أو الطالب لأستاذه أو العكس، أو الرئيس للمرؤوس أو العكس، ومخاطبة الأغراب لبعضهم بعضاً، تفترض تبايناً في طريقة المخاطبة. وأفضل ما يمايز بين هذه الحالات هو استخدام الألقاب للمحافظة على الحدود والفواصل والاحترام والجدية، وبالتالي فإن استخدام اللقب من عدمه يتوقف على الحالة والموقع. ولكن للأسف نشاهد في الحياة اليومية الكثير من الخلط في الألقاب وعدم الدقة في استعمالها.
يجب على كافة المؤسسات العلمية والفكرية والثقافية والتنويرية محاربة ظاهرة الخلط في الألقاب، لا بل أكثر من ذلك أقترح تنظيم حملة للحد من الاستخدام الخاطئ لمختلف الألقاب العلمية (دكتور، أستاذ، معلم،...). إن ما اقصده بالاستخدام الخاطئ لمثل هذه الألقاب هو مناداة من لا يحمل هذا اللقب أو ذاك به، حتى ولو كان بدون سوء نية، لا بل يجب الحد من الاستخدام العفوي لهذه الألقاب العلمية الرفيعة، وعدم ابتذالها بالشكل السائد في الشارع العام حالياً، وأسوق الأمثلة التالية:
1) دكتور: سأقسم حديثي عن هذا اللقب إلى نقطتين:
أ‌. الطبيب والدكتور: إن لقب دكتور يجب قصره حصراً على من يحمل شهادة الدكتوراه، ولذلك فإن المجاز الطبي لا يجوز مناداته بـ دكتور وإنما "طبيب" إذ لا يجوز مساواة من يحمل الإجازة الجامعية، مع من يحمل الدكتوراه حتى ولو كان طبيباً. أضف إلى ذلك أن هناك قسم من الأطباء يحملون شهادة الدكتوراه في الطب فكيف سنميزهم عن بقية الأطباء غير الحاصلين على شهادة الدكتوراه فيما لو ناديناهم جميعاً بلقب "دكتور"؟
ب‌. الدكتوراه الفخرية: أرفض هذه الدكتوراه رفضاً قاطعاً، جملة وتفصيلاً، تسمية ومضموناً، ولا أحترم مانحها ولا ممنوحها ولا "الرائش بينهما". للأسباب التالية:
– إن منحها يشوبه الكثير الفائق من التملق والتزحلق، والقليل الشحيح من العلم والثقافة.
- هي معبر للسياسيين لتقلد الألقاب العلمية، وفي هذا إهانة لرجال العلم. فمعظم رجال السياسة يهتمون -بالدرجة الأولى- بالحل الآني للمشاكل الطارئة حتى ولو على حساب الأجيال القادمة، أي مبدؤه "لأنجو وليأتي من بعدي الطوفان". أما رجل العلم فأفقه أوسع ولا يفكر بهكذا أنانية وإنما بإستراتيجية علمية ووطنية.
- إن الواثق من نفسه وعلمه وجهوده لا يرضَ بها، ولا يرضَ بديلاً عن الأصل طالما لديه ما يفتخر به ويحاجج فيه، فإذا كان بعضهم قد قدم مبتكرات أو أعمال جليلة في حياته المهنية فليؤطرها ضمن مخطط بحث ويسجله كمشروع أطروحة في إحدى الجامعات فإذا كان عمله فعلاً يرقى لمستوى الأطروحة واللقب فسيناله دون منة من أحد، والماء دائماً أفضل من التيمم.
2) بروفيسور: هذا اللقب لايجوز إطلاقه إلا في حالة واحدة تشترط تحقق ثلاثة أمور في الشخص الذي سيحمل هذا اللقب وهي: شهادة دكتوراه في اختصاص معين + التدريس في جامعة أو معهد عالي + انقضاء خمس أو عشر سنوات تدريس تخللها القيام بأبحاث علمية وتأليف كتب.
3) أستاذ: إن لقب أستاذ هو -باعتقادي- مقابل للقب بروفيسور. أي هو أعلى لقب ممكن أن يدعى به إنسان على وجه الأرض. ولكننا للأسف نسيء استخدام هذا اللقب أيما إساءة عندما نطلقه بعفوية يمنى ويسرى دون تدقيق أو استحقاق. فأستاذ لايجوز إطلاقها إلا على من يمارس التعليم، وأنا هنا عاجز عن تحديد ما إذا كانت تنطبق فقط على "الـبروفيسور" أم على أي مدرس أو معلم في أي مستوى تعليمي؟ وأترك تحديد ذلك لمن يمكن أن يفيد في ذلك. المهم
–بشكل عام- لا يجوز إطلاقها إلا على من يعمل في السلك التعليمي وليس على أي مجاز جامعي، فما بالك إذا كنا نطلقها أحياناً في الشارع على أناس قد يكونوا غير متعلمين؟!
4) معلم: لقب معلم يشابه اللقبين السابقين (أرجو من المختصين اللغويين توضيح الفروقات اللغوية بينها)، ولكنه –للأسف الشديد- من أكثر الألقاب تشويهاً وابتذالاً، فلايكاد يُستخدم في المدارس إلا في أضيق نطاق، بينما –وهذه مفارقة عجيبة- يُستخدم في الشارع –على الأقل لدينا في سوريا- بشكل كبير جداً فتصوروا أن ننادي أصحاب المهن اليدوية بالمعلم؟! بينما المدرِّسة "بالآنسة". والأدهى من ذلك نسمع في الشارع أحياناً مناداة بألقاب كبيرة ومبجلة (باشا، بيك، زعيم،...) والمضحك في الأمر أن ينادي بعضُهم أحياناً الزبَّال أو العامل بالباشا؟! أي إسباغ هذه الألقاب على أناس يعلمون أكثر من غيرهم أنهم ليسو أهلها، وإنما إطلاقها يعبر عن تملق ونفاق في بعض الأحيان، أو عفوية ابن الشارع وعدم تدقيقه في كلامه في أحيان أخرى.
5) الرتب العسكرية: من حسن الحظ أنها الألقاب الوحيدة التي لم يشوه استخدامها، فنقيب أو عميد أو غيرها.
6) .. لا يمكن استخدامها من قبل المدنيين، ولا يمكن الخلط فيها بين العسكريين. مع استثناء واحد وهو قلب لقب عقيد إلى عكيد ويطلق على الرجل المدني (كزعيم) ولا علاقة له بالصفة العسكرية.
لذلك أرجو من كل ذي عقل عدم توزيع الألقاب بعفوية ابن الشارع، وتوخي الدقة بتسمية كل مسمى باسمه ولقبه الحقيقي، وإذا كنا لا نعلم اللقب الحقيقي فلا ضير من استخدام عبارة "سيد".
دمشق 26/12/2008