بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليكم مقالة محمد نور الدين في جريدة السفير اللبنانية
»الطيب« إردوغان »الأعرب« من العرب
محمد نور الدين
كما في إثر عدوان تموز ٢٠٠٦ على لبنان، اليوم أيضا كان رجب طيب إردوغان، في اثر العدوان الإسرائيلي على غزة، »الأكثر عروبة« من نظرائه في غالبية الدول العربية.
ففي حين تخلى معظم القادة العرب عن اتخاذ أدنى خطوة تشعر أهل غزة أن هناك من »العربان« من هو معهم، كان إردوغان يصف ما فعلته إسرائيل في غزة بأنه »جريمة ضد الإنسانية«، ويبادر إلى ما يشبه سحب مبادرة الوساطة، أو على الأقل التلويح القوي بالانسحاب منها، في حين كان الزعماء العرب يفشلون حتى في تحديد موعد لقمة عربية محتملة.
وفيما استمرت العلاقات الدبلوماسية كما المكاتب التجارية وما شابهها بين بعض العرب وإسرائيل، كان لدى العشرات من النواب الأتراك الجرأة والكرامة ليعلنوا استقالتهم من جمعية الصداقة البرلمانية مع إسرائيل ونعيها.
لقد بدأ العام ٢٠٠٨ فلسطينيا بتنديد قوي من إردوغان للمجازر التي نفذتها إسرائيل في غزة، وها هو ينتهي بتنديدات تركية أقوى ومبادرات عملية تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
لم يستطع إردوغان تحمل ضيم خديعة إيهود أولمرت له، الذي أراد أن يكون إردوغان شاهد زور على المجازر التي سيرتكبها، فكان له موقف قوي دفاعا عمن لم يحترم تركيا. أما في الجانب العربي فكان التواطؤ والتنسيق كاملا إلى درجة طمست الحدود، فلم يعد بالمقدور تمييز التصريحات الإسرائيلية من العربية.
خرجت مصر من القدرة على القيام بدور وسيط كان متاحا بحكم علاقتها بكل من إسرائيل و»حماس« وأبي مازن، بسبب اتخاذها موقفا معاديا لـ»حماس«، وبالتالي تحولها إلى طرف. ولأن النظام العربي الرسمي قد اسقط خيار المقاومة، ما عاد ممكنا المراهنة في الظروف الراهنة، سوى على وساطة من هنا أو هناك لتخفف من وطأة المذبحة الإسرائيلية ـ العربية ـ الدولية ضد أهل غزة.
تحرك رجب طيب إردوغان يأتي في هذا السياق. تحرك يستهدف رأب الشرخ بين العرب قبل أي شيء آخر. وفي هذا الإطار جاء بيان مجلس الأمن القومي التركي استثنائيا. إذ كان حريصا، فضلا عن الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية، على وحدة بين الفلسطينيين فرّط بها العرب خيفة من خطر وهمي اسمه إيران، اتهموها بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية فيما لم يبادر احد منهم إلى تقديم بديل.
يأتي إردوغان إلى المنطقة العربية فيما هو يائس من رغبة إسرائيل في السلام. وهكذا ما عاد أمامه سوى محاولة لملمة الخيمة العربية وشدّ أوتادها وتثبيت عمودها الأوسط.
جاء إردوغان ليتحدث بالتركية إلى شيوخ البوادي، لغة عربية أفصح من رطناتهم. زيارة نُصح وتحذير علّها تحسّن شروط الموقف العربي وتمنح أهل غزة إحساساً ولو ضئيلاً بأن هناك من يقف إلى جانبهم.
ليس من أفق لجولة إردوغان لا لدى العرب ولا لدى إسرائيل فيما لو قرر زيارتها. لكن يسجل لـ»الطيّب« (كما يطلق عليه في تركيا) رغبته وإخلاصه لتجسيد العمق الجغرافي والتاريخي لبلاده. فكان المعارض الأول لاحتلال العراق حين ساعد بعض العرب جورج بوش على احتلاله. وكان الوسيط الحيادي في لبنان حين جاءت جامعة الدول العربية نفسها تحرّض فريقا على آخر. وكان الأول الذي استقبل خالد مشعل بعد انتصار »حماس« في الانتخابات متحديا تحذيرات إسرائيل وأميركا.
سواء نجح »الطيّب« أم فشل في مهمته الحالية، فسيبقى، في موقفه الأخير، العروبي الأول حين انهارت الخيام وتدنست اللحى في بلاد العرب والغربان. فقل لهم يا إردوغان ما يذكّرهم بأنهم.. عرب.
http://www.assafir.com/Article.aspx?...hannelId=25831
المفضلات