بسم الله الرحمن الرحيم


أخوتي وأحبتي،

في يوم الثلاثاء الموافق 17/6/1930 وقف ثلاثةٌ من شبابِ ومجاهدي فلسطين شامخين أمام المشنقة في سجن عكا أيهما يفوز بالشهادة قبل صاحبة. كانت تلك "الثلاثاء الحمراء". كانت تلك صفحةٌ من صفحات جهادنا في فلسطين. وأهلنا الآن في غزة يكتبون صفحةً أخرى لا تقل ملحميةً وبطولة . . . وحزناً. وسنسمعُ الكثير والكثير عندما تنقشعُ الغمَّة وينتصرُ الحق.

لم ينسَ شعبُنا يوماً تلك الملحمة وخلَّدها في موروثِهِ وتراثهِ أراجيز وأشعار. ها هو شاعرنا إبراهيم طوقان وملحلمته الشعري التي حملت نفس الإسم. وها هو الشعب بأغنيته الحزينة التي ستجدون رابطها هنا. ستجدون هنا أيضاً نبذة عن أولئك الشهداء الثلاثة: محمد حمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير. ثلاثةٌ حُفِرَت أسماؤهم في ذاكرةِ ووجدان شعبنا الفلسطيني إلى أن تقوم الساعة ليبقوا نبراساً ومِشعلاً لنا في نضالنا من أجل تحريرِ فلسطين وكل فلسطين.


الرابط للأغنية: http://www.jame3a.com/audio/details.php?linkid=527

الشهداء الأبطال:

فؤاد حجازي (1904-1930)

أول الشهداء الثلاثة الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في سجن عكا عقب ثورة البراق وأصغرهم سنا.
ولد في مدينة صفد وتلقى فيها دراسته الابتدائية ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية، وأتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية ببيروت. عرف منذ صغره بشجاعته وجرأته وحبه لوطنه واندفاعه من أجل درء الخطر الصهيوني عنه. وشارك مشاركة فعالة في مدينته في الثورة التي أعقبت أحداث البراق سنة 1929 وقتل وجرح فيها مئات الأشخاص، أصدرت حكومة الانتداب حكما بإعدام 26 شخصا عربيا من المشاركين فيها ثم استبدلت به حكم السجن المؤبد على 23 شخصا وأكدت الحكم بإعدام الثلاثة الآخرين وهم فؤاد حسن حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم.
وحددت يوم 17/ 6/ 1930 موعداً لتنفيذ الأحكام على الرغم من الاستنكارات والاحتجاجات العربية. وقد خلد الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في قصيدته الشهداء الثلاثة (الثلاثاء الحمراء).


محمد خليل جمجوم (1902-1930)هو واحد من الشهداء الثلاثة الاوائل الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطانية سنة 1929 عقب ثورة البراق.
ولد في مدينة الخليل وتلقى دراسته الابتدائية فيها. وعندما خرج للحياة عرف بمقاومته للصهيونيون فكان يتقدم المظاهرات التي تقوم في أرجاء مدينة الخليل احتجاجا على شراء أراضي العرب أو اغتصابها.
وبعد أن شملت ثورة البراق (1929) عددا كبيرا من المدن والقرى في مقدمتها يافا وحيفا وصفد بالإضافة إلى القدس، كان لا بد من الصدام بين عرب مدينة الخليل والصهاينة، حيث قاد المظاهرات هناك.
قبضت السلطات البريطانية على عدد من العرب في مقدمتهم محمد خليل جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي وأصدرت أحكاما بإعدام 26عربيا ثم استبدلت بالإعدام السجن المؤبد لثلاثة وعشرين منهم وأبقت حكم الإعدام على هؤلاء الأبطال الثلاثة وحددت يوم الثلاثاء 1930/6/17موعدا لتنفيذه في سجن عكا، ولم تستجب هذه السلطات للمطالية بتخفيض حكم الإعدام عليهم إلى السجن المؤبد.
وعندما أبلغهم الجلاد موعد تنفيذ الحكم بدأ محمد جمجوم ورفيقاه بإنشاد نشيد: "يا ظلام السجن خيم"، ثم استقبلوا زائريهم قبل إعدامهم بساعة وأخذوا بتعزيتهم وتشجيعهم وهم وقوف بملابس السجن الحمراء. وفي الساعة التاسعة من يوم الثلاثاء 1930/6/17 نفذ حكم الإعدام شنقا بالشهيد محمد جمجوم، وكان ثاني القافلة الثلاثية رغم أنه كان مقررا أن يكون ثالثهما فقد حطم قيده وزاحم رفيقه عطا الزير على الدور الثاني حتى فاز ببغيته.


عطا الزير

واحد من الشهداء الثلاثة الأوائل الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في سجن عكا عقب ثورة البراق.
ولد في مدينة الخليل، وألم بالقراءة والكتابة إلماما قليلا، وكان يقرض الشعر أحيانا.
عمل في عدة مهن يدوية، واشتغل في الزراعة، وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية، واشترك في المظاهرات التي شهدتها مدينة الخليل احتجاجا على هجرة الصهيونيين إلى فلسطين، ولا سيما إلى مدينة الخليل. وفي ثورة البراق عام 1929 هب عطا الزير مع غيره من سكان الخليل مدافعا عن أهله ووطنه ، بكل ما لديه من قوة. وشهدت مدن فلسطين صداما داميا بين العرب والصهاينة وفي الخليل نفسها قتل ستون صهيونيا وجرح أكثر من خمسين.
ألقت سلطات الانتداب القبض على عدد كبير من العرب، وحكمت على 26 منهم بالإعدام، ثم أبدلت الإعدام سجنا مؤبدا لثلاثة وعشرين منهم، بينما أبقته على عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين نقلوا إلى سجن عكا.
وفي يوم الثلاثاء 17/ 6/ 1930 اليوم الذي حدد لتنفيذ حكم الإعدام استقبل الشهداء زائريهم بملابس الإعدام الحمراء قبل التنفيذ بساعة، ثم طلب عطا الزير حناء ليخضب بها يديه على عادة أهل الخليل في أعراسهم وأفراحهم، وقد طلب زميله ورفيقه محمد جمجوم أن يشنق قبله، وفاز بأمنيته. وعندما قاده جلاده إلى منصة الإعدام طلب أن تفك قيوده لأنه لا يخشى الموت، فرفض طلبه، وعندها حطم عطا الزير السلاسل بقوة عضلاته، وتقدم نحو المشنقة رافع رأسه مبتسم المحيا.


قصيدة إبراهيم طوقان "الثلاثاء الحمراء"

لما تعرَّض نجمـك المنحـوسُ
وترَّنحت بعرى الحبال كؤوس
ناح الاذان واعـول الناقـوس
فالليل اكدر والنهار عبوس
طفـقـت تـثـور عـواصـفُ وعـواطــفُ
والـمـوت حيـنـا طـائــفُ او خـائــفُ
والمعول الابدي يمعن في الثرى
ليردهم في قلبها المتحجرِِ

يوم اطل على العصور الخاليه
ودعا: امرِّ على الورى امثاليه؟
فاجابه يوم:اجـل انـا راويـه
لمحاكم التفتيش تلك الباغيه
ولـقـد شـهــدت عجـائـبـا وغـرائـبـا
لـكــن فـيــك مصـائـبـا ونـوائـبــا
لم الق اشباها لها في جورهـا
فاسال سواي وكم بها من منكرِ

واذا بيوم راسف فـي قيـوده
فاجاب والتاريخ بعض شهوده
انظر الى بيض الرقيق وسـوده
من شاء كان ملكه بنقوده
بـشـر يـبــاع ويـشـتـرى فـتـحـررا
ومـشـى الـزمـان القهـقـرى فيـمـا ارى
فسمعت من منع الرقيق وبيعـه
نادى على الاحرار من يشتري

واذا بيـوم حالـك الجلـبـاب
مترنح من نشوة الاوصاب
فاجاب كلا دون ما بك ما بـي
انا في ربى عاليه ضاع شبابي
وشـهـدت للسـفـاح مــا ابـكـى دمـــا
ويــل لـــه مـــا اظـلـمـا لكـنـمـا
فم الق مثلك طالعا في روعـة
فاذهب لعلك انت يوم المحشر

(اليوم) تنكره الليالـي الغابـره
وتظل ترمقه بعين حائره
عجبا لاحكام القضاء الجائـره
فاخفها امثال ظلم سائره
وطـن يسيـر الـى الفـنـاء بــلا رجــاء
والــداء لـيـس لـــه دواء الا الابـــاء
ان الابـاء مناعـة ان تشتمـل
نفس عليه تمت ولّما تقهر

الكل يرجـو ان يبكـر عفـوه
ندعو له الا يكدر صفوه
ان كان هـذا عطفـه وحنـوه
عاش جلالته وعاش سموه
حـمـل البـريـد مفـصـلا مــا اجـمـلا
هـــلا اكتـفـيـت تـوســلا وتـســولا
والموت في اخذ الكـلام ورده
فخذ الحياى من الطريق الاقصر

ضاق البريد وما تغيـر الحـال
والذل بين سطورنا اشكال
خسراننـا الارواح والامـوال
وكرامة يا حسرتا اسمال
او تبـصـرون وتسـالـون مــاذا يـكـون
ان الخـداع لــه فـنـون مـثـل الجـنـون
هيهات فالنفس الذليله لو غـدت
مخلوقة من اعين لم تبصر

انّى لشاك صوتـه ان يسمعـا
انّى لباك دمعه ان ينفعا
صخرا احس رجائنا فتصدعـا
واتي الرجاء قلوبهم فتقطعا
لا تعجبـوا فمـن الصـخـور نـبـع يـفـور
ولـهـم قـلـوب كالقـبـور بــلا شـعـور
لا تلتمس يوما رجاء عند مـن
جربته فوجدته لم يشعـر

الــســـاعـــة الاولـــــــــى

انا ساعة النفس الابيـه الفضـل لـي بالاسبقيـه
انا بكر ساعـات ثـلاث كلهـا رمـز الحميـه
بنت القضيه ان لـي اثـرا جليـا فـي القضيـه
اثـر السيـوف المشرفيـه والرمـاح الزاغبيـه
اودعت في مهج الشبيبة نفحـة الـروح الوفيـه
لا بد من يوم لهم يسقـي العـدا كـأس المنيـه
قسما بروح (فؤاد) تصعد مـن جوانحـه زكيـه
تاتـي السـواء حفيـه فتحـل جنتهـا العلـيـه
ما نال مرتبة الخلـود بغيـر تضحيـة رضيـه
عاشت نفوس في سبيل بلادهـا ذهبـت ضحيـه

الـــســـاعـــة الــثــانــيـــه

انا ساعة الرجل العتيد انا ساعة البـأس الشديـد
انا ساعة الموت المشرف كل ذي فعـل مجيـد
بطلـى يحطـم قيـده رمـزا لتحطيـم القيـود
زاحمت من قبلي لاسبقها الـى شـرف الخلـود
وقدحت في مهج الشباب شرارة العـزم الوطيـد
هيهـات يخـدع بالوعـود او يخـدر بالعهـود
قسما بروح (محمد) تلقى الردى حلـو الـورود
قسما بامك عند موتـك وهـي تهتـف بالنشيـد
وترى العزاء عن ابنها في صيته الحسن البعيـد
ما نال من خدم البلاد اجلّ مـن اجـر الشهيـد

الـــســـاعـــه الــثــالــثـــه

انا ساعة الرجل الصبّور انا ساعة القلب الكبيـر
رمز الثبات الى النهايه في الخطير من الامـور
بطلي اشد على لقاء الموت من صـم الصخـور
جذلان يرتقب الردى فاعجب لموت في سـرور
يلقى الالـه (مخضـب الكفيـن) يـوم النشـور
صبر الشباب على المصاب وديعتي ملء الصدور
انـذرت اعـداء البـلاد بشـر يـوم مستطيـر
قسما بروحك يا (عطاء) وجنـة الملـك القديـر
وصغارك الاشبال تبكي الليـث بالدمـع الغزيـر
ما انقذ الوطن المفـدى غيـر صبّـار جسـور

الـــــخـــــاتـــــمــــــه

اجسادهم في تربـه الاوطـان
ارواحهم في جنة الرضوان
وهناك لا شكـوي ولا طغيـان
وهناك فيض العفو والغفران
لا تـرج عفـوا مــن ســواه هــو الالاه
وهـو الـذي ملـكـت يــداه كــل جــاه
جبروته فـوق الذيـن يغرهـم
جبروتهم في برهم والابحر


رحم اللهُ شهداءنا ونصر اللهُ غزةَ وفرَّجَ كربها مهانةً على اليهودِ ومن تخاذلَ عن نصرةِ أهلهِ من قومنا في ساعةٍ هم في أحوجِ الحاجةِ إلى النُّصرةِ والمساعدة.