ان المثقفين الشرفاء الأحرار بجميع شرائحهم وفئاتهم عبر العصور , كانوا وقود الأمم وقادتها ‏وملهميها , إنهم الشموع التي احترقت عبر النضال والكفاح لتضئ للآخرين دروبهم , أنهم الصوت ‏الحر في زمن الصمت والخيانة والعمالة والمداهنة والنفاق , والكلمة الجريئة الصادقة بين صراخ ‏السعادين , الكلمة ( التي تبلغ الى قلوب الآخرين فتحركها , وتجمعها , وتدفعها , إنها الكلمات التي ‏تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي , فكل كلمة عاشت قد اقتات قلب إنسان , أما الكلمات التي ‏ولدت في الأفواه , وقذفت بها الألسنة , ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي , فقد ولدت ميتة , ولم ‏تدفع بالبشرية شبرا واحدا الى الأمام , ان أحدا لن يتبناها , لأنها ولدت ميتة , والناس لا يتبنون ‏الأموات )0 ‏
‏ نعم 000 ان المثقفين الشرفاء , والكتاب الأحرار هم ضمائر الشعوب والأمم المثقلة بالجراح ‏والهموم والألم , وصناع الحياة والحضارة ومصلحيها , والكبريت الذي احرق عشش القش ‏والفساد التي حجبت الحقيقة عن الناس عبر التاريخ , إنهم الأجساد الطاهرة التي عبرت على ‏جماجمها الأمم الى سلم المجد والتقدم , والرئة التي طالما تنفست عبر منافذها الأرواح الهواء النقي ‏الصافي , إنهم الملح الذي لا يصلح الطعام الحضاري ولا يستساغ إلا به 0‏
‏ ولو رجعنا الى التاريخ قليلا لوجدنا ان تلك الشريحة من المثقفين الأحرار الشرفاء , قد ‏اختاروا الموت على الحياة لأنهم وجدوا في موتهم حياة لغيرهم , واحرقوا بالنار فاحترقوا فأناروا ‏للعالم طريق الحقيقة والحق والحرية , ضيقت عليهم الدنيا بما رحبت , فلم ييأسوا ولم تكل أقلامهم ‏ولم تبح أصواتهم ولم تخمد أنفاسهم , ظلموا في أوطانهم ونكل بهم ولكنهم في نهاية المطاف ‏انتصروا لأنهم امنوا بحقيقة واحدة , حقيقة ان الكلمة و الكتابة التي لا يدفعها الكفاح والنضال ‏والموت لأجلها , لا تزيد عن كونها أدب مستهلك رديء , وان الحق لابد ان يحق ويتحقق , وانه ‏مهما طال ليل الظلم وانتشر الفساد , فلابد ان تشرق شمس الحقيقة على رؤوس الخونة والعملاء ‏لقضايا أمتهم ولو بعد حين 0‏
‏ ولكن ماذا سيحدث للطعام إذا فسد الملح الذي يصلحه ؟ ماذا سيحل بالأمم والشعوب التي ‏يفسد ويخون زعماءها وعلماءها ومثقفوها ودعاتها ومصلحيها وكتابها وشعراءها 000الخ , ومن ‏تعول عليهم أمر رفعتها وتقدمها ورقي حضارتها ومدنيتها ؟ ماذا سيحل بها إذا ساد وتسيد الأمر ‏دعاة الانحلال والفساد وكتاب المداهنة والخونة لقضايا أمتهم وثوابتها وقيمها , وعلماء الطغاة ‏والشهوات والمجاملات ؟ وشعراء الفتنة والمجون ؟ ( فالديدان والحشرات التي عاشت طويلا في ‏المستنقع كفيلة بتدنيس كل مقدس , إذا نحن سمحنا لها بالحياة مرة أخرى في الأرض الطيبة , التي ‏يجب ان تخلوا من الديدان والحشرات ) والطفيليات 0 ‏
‏ فلقد ابتليت هذه الأمة العظيمة بمثل هؤلاء الخونة العملاء عبر سنوات عمرها " أطاله الله " , ‏فمنهم من نشاهده يسير خلف مواكب الانحلال والفساد والمجون , بهدف الترويج لأفكار الضياع ‏والتغريب والتحررية من الفضيلة والأخلاق والأديان , وآخرون من يتباكى على قضايا يهود ‏والصهاينة المجرمون , ويتبرك بهم لدى أعداءها , بل ويدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن أحلامهم ‏وقضاياهم وأمانيهم تحت دعوات المساواة والعدالة والرأي الآخر في المحافل والندوات والصحف ‏والمجلات والمنتديات , والبعض منهم يسعى جاهدا لتمييع النصوص وتحريف الكلم عن مواضعه ‏‏, وإزهاق الحق بهدف الحصول على الهبات والأموال او التقرب من ذوي السلطة 0 ‏
‏ نعم – وللأسف الشديد - لقد تسبب القسم الأول من هؤلاء العصبة من الخونة لهذه الأمة ‏وقضاياها المصيرية بكثير من الخسائر في الموارد والأرواح , بل وكانوا السبب المباشر ‏والرئيسي لتراجع دورنا الحضاري والمدني أمام بقية الأمم والشعوب اليوم , فخسرنا قضايانا ‏العربية الكبرى في فلسطين والعراق وبقية الأقطار الإسلامية والعربية المستعمرة او المحتلة ‏عسكريا وثقافيا بسبب أقلامهم وأفكارهم المسمومة والمأجورة , أما القسم الآخر من حملة الدكتوراه ‏والماجستير وبقية المسميات فلم يزيدوا عن كونهم قد ساهموا في زيادة العبء على كاهل دولهم ‏بسبب مصاريف تدريسهم وتدريبهم الطويلة , فالوطن العربي يحوي المئات من مخرجات التعليم ‏من الجامعات والكليات التي تفقس كل عام ملايين الخريجين ( الذين يساهمون في أزمة الغذاء ‏العالمي , وأزمة المسكن وزيادة نسبة البطالة , وزيادة نسبة الحروب الخاسرة مع إسرائيل , ‏وزيادة نسبة الحروب العربية – العربية ) 0 ‏
‏ وبالطبع فإننا هنا لا يمكن ان نعمم ذلك مطلقا , فالتعميم هنا مدعاة لليأس والقنوط والمغالطة ‏للحق والحقيقة , فكما وجد أولئك العملاء والخونة عبر العصور, وفي كل أمم العالم القديم والحديث ‏‏, فقد قيض الله لهذه الأمة من الشرفاء الأوفياء المخلصين لها الكثير , فساهموا في بناء نهضتها ‏وحضارتها , وقامت على أكتافهم ولحومهم عزتها ومجدها , وارتوت بدمائهم الطاهرة الزكية ‏شرايين رفعتها وقوة أساساتها وقواعدها وأركانها الحضارية , فمن الشعراء من حول أبيات ‏قصيدته الى حديقة غناء بأروع وأنفس الكلمات , ساعيا من خلالها للترويج الى السلام لا ‏الاستسلام , والحب والتراحم وغيرها من صفات الخير والصلاح , ومن الكتاب والأدباء العرب ‏من كانت كتاباته رصاص حي في وجه الطغيان والظلم والفساد والانحلال , وغيرهم من الأقلام ‏الحرة الشريفة المناضلة في مختلف ميادين الفكر والثقافة والأدب في وطننا العربي الغالي 0 ‏
‏ فيا كتاب الأمة ومثقفيها , يا أصحاب الأقلام من الأدباء والشعراء والعلماء وغيرهم ممن ‏يحسبون على مجتمع الفكر الإسلامي والعربي , إنكم ملح طعامها , فمن يصلح الطعام إذا الملح ‏فسد , فاتقوا الله في هذه الأمة الكريمة , اتقوا الله في قضاياها وجراحها وهموم أبناءها وآلامهم , ‏تريثوا قبل ان تبثوا سمومكم الفكرية وكتاباتكم الثقافية والأدبية المنحلة الماجنة , او تنخروا في ‏أساساتها بأميع كلماتكم وأفسقها , وتذكروا – انه ما من كاتب إلا سيفنى , ويبقي الدهر ما كتبت ‏يداه , فلا تكتب بكفك غير شي , يسرك في القيامة ان تراه 0 ‏
‏ وجهوا أقلامكم لخدمة قضاياها وجراحها في فلسطين العربية المحتلة والعراق العربي ‏الجريح والسودان والصومال وغيرها من بلاد العرب والمسلمين , وجهوا كتاباتكم للتصدي ‏لأعدائها من الصهاينة المجرمين ويهود الإرهابيين المحتلين لأجزاء غالية من تراب هذه الأمة ‏والوطن العربي الغالي , وجهوا أقلامكم للوقوف في وجه مواكب الانحلال والسفور والفساد ‏الأخلاقي , حاربوا باطل الظلم والكراهية بحق العدل والمساواة والحب والسلام, ونحن على يقين ‏من العاقبة والعاقبة للصابرين 0‏