أشبال الأمة هي سليلة أشبال الثورة التي أسسها الراحل هواري بومدين

قال المحامي محمد سعدي رئيس الجبهة الوطنية البومديينية ( المحلة) أن المصالحة الوطنية كانت جامعة لأغلب الجزائريين، من جميع التوجهات و التيارات، بحيث توقف الدم و الدموع مع بقاء بعض الأمور فيما يخص ما يعرف بقضية المفقودين مؤكدا أن المصالحة الوطنية هي مصالحة جزائرية تاريخا، و بخصوص مشروع أشبال الأمة بارك محمد سعدي هذا المشروع، مؤكدا أن أشبال الأمة هي لفتة تاريخية محترمة لتاريخ أشبال الثورة الذي أسسه العقيد هواري بومدين سنة 1959 في تونس أيام كان قائدا لهيئة الأركان، حيث بادر شخصيا لاختيار بعض الشباب من أبناء الشهداء و كوّن منهم أوّل نواة لأشبال الثورة، التقينا برئيس الجبهة الوطنية البومديينية الذي استقبلنا بمنزله و عائلته فكان لنا معه هذا الحوار القصير

س/ هل حققت المصالحة الوطنية ما كان يطمح له المواطن الجزائري؟
المصالحة الوطنية تتمثل نواتها الأولى في قانون الرحمة ثم تطورت الأوضاع بعد حوارات بين السلطة و الجماعات المسلحة سريًّا مع جناح الجيش الإسلامي للإنقاذ، إلى أن وضع هذا الأخير السلاح و بدأت أرضية التوافق و كانت جاهزة سنة 1997 ، و لكن لظروف معينة تم تأجيلها لأن هناك بعض القوى ضغطت على الرئيس اليامين زروال و هي من بين الأسباب التي عجلت بانسحابه من الساحة، و عندما وصل عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم تمكن من استخدام أوراق الهدنة الأمنية بين الجيش الإسلامي للإنقاذ و الدولة، و تمّ إصدار قانون الوئام المدني و المصالحة الوطنية، و رغم كل العراقيل إلا أن المصالحة الوطنية كفكرة عامة نجحت بكل المقاييس مع بعض النقائص التي ما زالت بحكم أن لكل عمل بشري سلبيات، و لكن على العموم فقد كانت المصالحة الوطنية جامعة لأغلب الجزائريين، من جميع التوجهات و التيارات، بحيث توقف الدم و الدموع مع بقاء بعض الأمور فيما يخص ما يعرف بقضية المفقودين و هي في الحقيقية قضية محرجة للجميع، و سيأتي يوم و تنكشف فيه الأوراق، و للعلم أن المصالحة الجزائرية هي أساسا فكرة جزائرية منذ أيام القدّيس أوغسطين، ذلكم أن الكنيسة الكاثوليكية في حربها ضد الكنيسة الدوناتية الثورية جرت مصالحة بينهما في ظل الاستعمار الروماني في قرطاج، و تم تثبيت هذه المصالحة في الدستور الروماني آنذاك، و بالتالي المصالحة الوطنية جزائرية تاريخا و ليس لها أي جذور خارجية.

س/ ماهي قراءتكم لمشروع أشباب الأمّة الذي استحدثته المؤسسة العسكرية؟ و كيف نقارنه بأشبال الثورة التنظيم الذي أسسه الرئيس هواري بومدين؟

أشبال الأمة هي لفتة تاريخية محترمة لتاريخ أشبال الثورة الذي تم تأسيسه من طرف العقيد هواري بومدين سنة 1959 في تونس أيام كان قائدا لهيئة الأركان، حيث بادر شخصيا لاختيار بعض الشباب من ابناء الشهداء و الذين كانوا موجودين في بعض مراكز اللاجئين في تونس و كوّن منهم أوّل نواة لأشبال الثورة، و استمر الوضع لاحقا بعد أن أصبح العقيد هواري بومدين وزيرا للدفاع ثم رئيسا للجمهورية الجزائرية، و كان يشرف بنفسه على مجالس أشبال الثورة، و على العموم فإن أشبال الأمة هم إطارات الجيش الوطني الشعبي مستقبلا ( غدًا)، و ستظل مرجعيتهم دائما جيش التحرير الوطني و الجيش الوطني الشعبي و هذا هو الأهم.


س/ نعود إلى حزبكم، الأغلبية من هذا الجيل لا يعرف شيئا عن الجبهة الوطنية البومديينية و كيف تم حظرها أو حلها إن صح التعبير؟
الجبهة الوطنية البومديينية تأسست بمبادرة شخصية سنة 1991 و كان الدافع الأساسي من هذا التأسيس هو أنني وقتها لاحظت أن كل الأحزاب و بدون استثناء تُحَمِّلُ الرئيس هواري بومدين مسؤولية تردّي الأوضاع في كل المجالات ، فجاء هذا المشروع السياسي للدفاع عن ذاكرة الرئيس بومدين و ذاكرة الأمة ، خاصة بعد أن لاحظتُ أن الذين عاشوا في ظله و تحت "برنوسه" التزموا الصمت و بدون استثناء حتى الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله الذي كان أحد المقربين من الرئيس بومدين غضَّ الطرف، لذلك حاولت جاهدا أن أعيد اسم و صورة الرئيس هواري بومدين إلى الشارع الجزائري، و الحمد لله تحققت الفكرة و تمكنت فعلا من تحريك " السِّواك"، و وصلت الفكرة إلى الجميع المحبين و غير المحبين، و أصبح بومدين و البومديينية من بين ما هو مطروح في الساحة الوطنية و السياسية، و بدون افتخار، فقد كان للبومديينية دورٌ ريّاديٌّ أيام الحوار الوطني الأول، ثم لاحقت الأمور إلى سنة 1997 ، لاحظت أن هناك عدم جدية في الطرح التعدُّدِي الديمقراطي فقررت التوقف عن النشاط الحزبي بعد استشارة هيئة الحزب المتكون من المجلس الوطني ( المكتب السياسي آنذاك) .

س/ أكيد هناك أسباب قوية دفعتك إلى الانسحاب من الساحة السياسية و التخلي عن مشروعك؟

طبعا، كانت وزارة الداخلية قد أصرّت على عقد مؤتمر تأسيسي رغم أن الحزب كان قد عقد مؤتمره التأسيسي، طبقا للقوانين و تم تغيير اسم الحزب من التجمع الجزائري البومديني الإسلامي إلى الجبهة الوطنية البومديينية، و كان ذلك أيام الحصار، و تم الترخيص لعقد المؤتمر من طرف المؤسسة العسكرية بعد أن اعتذر الوالي المنتدب آنذاك من تحمل المسؤولية و سلمني ترخيص مع ملاحظة "عدم تحمل المسؤولية الأمنية"، و لذاك عندما أصرت الداخلية على عقد المؤتمر التأسيسي، أوقفت النشاط و قامت برفع دعوى قضائية ضد الحزب و مجموعة كبيرة من الأحزاب الأخرى، و تم توقيف نشاط الحزب بحكم قضائي صادر عن الغرفة الإدارية بالجزائر.

س/ يقال أن انتخابات 1997 وراء توقيف المسار السياسي لحزبكم، ماذا تقولون في ذلك؟

أثناء انتخابات 1997 وقفت بنفسي على عمليات استبدال صناديق الاقتراع، خاصة في ولاية برج بوعريريج، حيث تم استبدال الصناديق التي فازت فيها الجبهة الوطنية البومديينية بحزب آخر و دون ذكر اسمه لأن الجميع يعرف هذه الحقيقة و من هو هذا الحزب الذي استولى على أصوات الجبهة، و بحكم الصداقة التي تربطنا اتصلت وقتها بقائد القطاع العسكري ، لكنه طلب مني عدم الاحتجاج لأن الأمور فيها أوامر لمصلحة الوطن، و كان منّي إلا أن أنسحب نهائيا لأنني تأكدت بأن الجبهة البومديينية كما يقال ( مذبوحة في العيد أو في عاشوراء) تحت شعار الوطنية الساذجة.

س/ كرجل قانون هل فكرتم في استئناف الحكم أو تأسيس حزبا جديدا مثلما فعلت أحزاب أخرى في ظل قانون الأحزاب الجديد؟

يمكنني اليوم من الناحية القانونية أن أستأنف الحكم و خلال هذه المرحلة يمكنني أيضا عقد المؤتمر و العودة للساحة السياسية، و هذا غير متوفر الآن، و إلى أن تتوفر الظروف للنشاط السياسي الذي أتمنّاه ، نعود إلى الساحة السياسية بنفس الاسم الأول أو باسم آخر و هذا ليس إشكال؟

س/ ما رأيكم في تصريحات المؤرخ محمد عباس بأن النظام البومديني ورّث التحفظ من كتابة تاريخ الثورة و تسجيل وقائعها، و هو ما دفع بهذا الجيل إلى عدم الاهتمام بالثورة؟
ما يقوله محمد عباس هو نوع من "السَّرْدَكَة" التاريخية، لأنه لا علاقة له بالتاريخ و ما قاله بعيد كل البعد عن الحقيقة، فمثلا آخر مؤتمر حضره الرئيس هواري بومدين للمجاهدين أكد فيه على وجوب تسجيل وقائع الثورة المادية و المعنوية، و طالب وقتها بوضع معالم تاريخية في كل مكان وقعت فيه معركة في الجزائر، و تدوين كذلك الأفلام و المسرحيات، فهل هذا يدل إلى ما دعا إليه محمد عباس؟، و من يُكَذِّبُ هذا الكلام يمكنه الرجوع إلى خطاب الرئيس بومدين في آخر مؤتمر حضره للمجاهدين، و للتذكير لو كان الرئيس ضد تسجيل وقائع الثورة لما طالب في السبعينات من العماد طالاس رحمه الله وزير الدفاع السوري كتابة بعض وقائع الثورة الجزائرية و سلمه بعض الأرشيف، و الكتاب الآن موجود و لكن مع الأسف غير موزع إلى حد الآن، و متواجد فقط في مراكز الجيش الوطني الشعبي، و نشير هنا، أنه بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، كانت كل الأوراق في يد حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة العقيد محمد الصالح يحياوي ، ذلكم أنه و لأول مرة و آخر مرة في التاريخ تجمعت الإطارات السياسية و العسكرية العروبية التي كانت في يد محمد الصالح يحياوي و بتشجيع و حماية الرئيس هواري بومدين شخصيا، و لكن العقيد بعد وفاة الرئيس بومدين لم يتمكن من استعمال هذه الأوراق الضاغطة و تغلب عليه التيار الفرانكفوني الذي كان لا يمثل إلا صفر فاصل صفر واحد ( 0/01 ) في المائة من قوة حزب جبهة التحرير الوطني و منهم قاصدي مرباح و المدعو شلوفي و غيرهم، حتى قادة وحدات الجيش كانت معربة.

س/ و ماذا عن اتهام بومدين بأنه وراء اغتيال عميروش و الحواس؟
بومدين لم يكن يعرف عميروش و لا الحواس و لا حتى علي كافي، و جثة الشهيدين عميروش و الحواس غير موجودة إلى اليوم، و الجثة التي يتحدث عنها البعض هي مفبركة و هي في الحقيقة كانت فكرة علي كافي و لا أحد غيره .

س/ تعيش الجزائر اليوم تحديات، في ظل المناخ الذي يهدد حدودها في رأيكم ماهي الآليات للخروج من الأزمة؟
أولا الوضع في الجزائر أشبّهه مع بعض التحفظات لما وقع أواخر سنة 1988، و الأمور الآن حبلى بكل المفاجآت، و التحدي الأول و الأخير حاليا يتمثل في هرم السلطة، فإذا ما كان هذا الأخير متماسكا، فالجزائر ستكون بخير مهما كانت التحديات اقتصادية و اجتماعية و حتى أمنية، لأن مؤسسة الرئاسة هي الضمان الدستوري الأول و الأخير للجزائر، أما إذا بقيت الأمور على مستوى الهرم السياسي و السلطة غامضا فلا نرى مخرجا قريبا للأزمات المطروحة في الشارع الجزائري.

س/ الجزائر الآن تبحث عن رئيس يكون خليفة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الذي ترونه الأمثل في نظركم؟ و هل الأمر يتطلب تنظيم حملة مثلما نشاهده في مصر الآن؟

الرئيس المستقبلي للجزائريين لن يكون إلا من الجيل الثاني، لأن جيل الثورة لم يعد له مكان بحكم السنّ، و أتمنى أن يكون الرئيس المستقبلي مطلعا على تجارب كل الرؤساء الجزائريين السابقين بداية من الرئيس أحمد بن بلة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أطال الله عمره ، حتى يتمكن من اقتباس الشخصية الكاريزماتية المرغوب فيها شعبيا و الفاهم يفهم.

كلمة أخيرة: نريد جزائر قوية برجالها و تحية تقدير و إجلال للجيش الشعبي الوطني سليل جيش التحرير الوطني و لكل الشعوب التي وقفت مع الجزائر في محنتها ايام الثورة و رحم الله الشهداء .

حاورته علجية عيش