محمد خلف الرشدان
الحرب على غزة دخلت إسبوعها الثالث ، فقد بدأ الهجوم الإسرائيلي الجوي المباغت صباح يوم السبت 27-12-2008 وتم قصف جميع المقار الأمنية الفلسطينية وعددها 30مركزاً أمنياً منتشرة على طول القطاع ، كان هذا في الموجة الأولى للطائرات الصهيونية البالغ عددها 40 طائرة حربية ، ثم تلاها هجمات جوية على المواقع والمراكز ومنازل القادة لحركة حماس ، حيث إستمر الوضع لمدة 8 أيام متواصلة من القصف العشوائي الشديد ، وقد أسمت إسرائيل هذه ب المرحلة الأولى للهجوم ، وهذا يعني أن خطة الهجوم الصهيونية ستكون على عدة مراحل ولكل مرحلة خطة وتوقيت ومكان.
والحقيقة أن حماس فوجئت بالهجوم ،وهذا تقصير واضح وخطأ إستراتيجي كبيروقع به قادة حماس ،ماكان له أن يحدث أبدا، وهي تعلم علم اليقين بأن العدو مخادع وماكر خبيث ، حماس
لم تكن تتوقع الهجوم يوم السبت وذلك للأسباب التالية:
• لأنه عطلة لدى اليهود وممنوع عليهم حسب ديانتهم أن يفعلوا شيئاً خلاله
• أعلنت إسرائيل بأن رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت سيجتمع يوم الأحد مع مجلس الوزراء المصغر لبحث مشكلة صواريخ حماس التي تضرب المواقع الإسرائيلية .
• القيادة المصرية أبلغت حماس وطمأنتها بأن إسرائيل لن تشن عليها الحرب .
وعلى هذا قررت حماس أن تقوم بتخريج دورات الشرطة لديها صباح يوم السبت 27-12-2008 وقد أدى الهجوم الإسرائيلي المباغت لإستشهاد 150عنصراً من عناصر الشرطة كانوا في ميدان التخريج وفي المقرات الأمنية والتي تم تدميرها وإستشهاد من كانوا بها أو إصابتهم ،
كان على حماس أن تأخذ حذرها فهي أعرف الناس بوحشية إسرائيل ومخططاتها الإجرامية البشعة وأن العدو يتربص بها ، سيما وأن وزير الدفاع الصهيوني حذر حماس من أنه سيجتاح القطاع ، وكذلك التهديد القوي من وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي لفني والذي أعلنته من القاهرة قبل الحرب بيوم واحد و بحضور الرئيس المصري مبارك ووزير خارجيته أحمد أبو الغيط ، من أن حماس ستدفع الثمن لقاء ضربها المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ البدائية ، وقد تبين بعد الهجوم من أن القيادة المصرية كانت على علم بالهجوم وبتوقيته ، بل وأن القيادة المصرية قامت بحضّ إسرائيل على الفتك بحماس وُطلب من إسرائيل أن تقضي على حماس نهائياً وأن لا يسمح لحماس بتحقيق أي إنتصار، وكذلك صرح رئيس وزراء العدو أولمرت بأن بعض الزعماء العرب يحضونه على القضاء على حماس وتسليم القطاع لعباس .
وقد وجدها باراك فرصة سانحة لتحقيق نصر خاطف من خلال الضربة الأولى الترويعية ، وكان يتوقع من حماس أن تستسلم وترفع الرايات البيضاء بعد هذا القصف العنيف ، ليدخل بعدها قطاع غزة مزهواً بإنتصاره ، ليرهن للعالم على أنه الجيش الذي لا يقهر ، وأنه إستعاد هيبته التي مرّغها حزب الله في التراب في حرب تموز عام 2006 ،وأنه أيضاً إستعاد سياسة الردع على الأمة كلها . وكذلك توصيل رسالة للعالم العربي والإسلامي مفادها أن إسرائيل أصبحت واقعاً لا مفر منه ، وعليهم التعامل مع هذا الواقع كحقيقة مطلقة لا تقبل النقاش .
لم يدر في خلد جنرالي الحرب المجرمين باراك وأشكنازي أن حماس ستمتص الضربة الأولى رغم شدتها وقساوتها وأنها لن تستسلم ،وستبقى صامدة صمود جلمود الصخر ، وذلك لإقتناعهم بأن الضربة الصاعقة ستحقق لهم جميع أهدافهم ، وسيتم إنتزاع النصر سريعاً ، لتحقيق مبدأ الردع للجيش الإسرائيلي والذي يعد أهم واجب من واجبات الجيش الإسرائيلي .
المرحلة الأولى : ثمانية أيام من السبت إلى السبت كانت غزة تحت النار ، فقد صبت إسرائيل عليها مئات الأطنان من القنابل الشديدة الإنفجار والتي تستخدم لأول مرة ، جواً وبحراً وبراً ، وكل هذا لتتيح المجال للقوات البرية لتتقدم من خلال هذا القصف التمهيدي لتبدأ لديه المرحلة الثانية من الهجوم ، هذه الحرب الشعواء التي تدور رحاها اليوم في غزة وهي قطعة مباركة من أرض فلسطين ، وفي يومها السادس عشر بين جيش الإحتلال الصهيوني المدجج بكل أسلحة الدمار وبين عدة آلاف من المقاتلين الأشداء ، هذه المعركة تعتبر أول معركة حقيقية تواجهها إسرائيل من قبل مقاومة فلسطينية وعلى الأرض الفلسطينية بهذا الزخم وقوة الإرادة والعزم الذي لا يلين و منذ قيامها عام 1948م ، إذن هي معركة تاريخية وملحمة بين الحق والباطل سيسطرها التاريخ بكل جزئياتها وتفاصيلها .
بدأت إسرائيل هجومها البري بعد غروب شمس يوم السبت 3-1-2009 وقد تم التمهيد لهذا التقدم البري بقصف جوي وبحري وبري عنيف وإستخدمت إسرائيل به سياسة الأرض المحروقة من خلال تقاطع النيران وذلك لحماية جنودها أثناء التقدم ، وطال هذا القصف الوحشي جميع مدن ومخيمات القطاع والمراكز والمؤسسات والمنازل وحتى السيارات بل حتى الأفراد الراجلين والأطفال في الشوارع ، كان قصفاً همجياً بربرياً وحشياً شمل البشر والحجر والشجر، وصمد القطاع ، صمد المقاتلون المزروعين في الأرض صموداً اسطورياً ستتحدث عنه الأجيال لمئات من السنين ، صمدوا وهم ثلة مؤمنة بربهم ، أمام الماكنة الحربية الجبارة لإسرائيل ،
هؤلأء الحمساويون ومعهم الجهاديون المشايخ لا يشكلون دولة وليس لديهم جيش نظامي وليس لديهم دبابات وطائرات ولا مدفعية ، ولم يتخرجوا من المعاهد والكليات العسكرية ، غزة، التى لا تزيد عن محافظة من محافظات مصر ولا تتمتع بأى مقوم حقيقى من مقومات الدولة ومحصورة من جميع الاتجاهات وجاءت بحكومتها الأقدار إلى السلطة ، فى غزة ليس هناك سوى مجموعات من الفدائيين الذين لم يتخرج أى منهم من أكاديمية عسكرية، ولا توجد أية جيوش نظامية ولا أسلحة يعتد بها، اللهم إلا بعض المدافع الخفيفة وصواريخ محلية الصنع أنتجها جماعة من الهواة ليست أكثر من لعب أطفال قياسا بما فى يد الصهاينة من آلات الحرب والدمار .إنها البطولة والعظمة التى يتحلى بها رجال المقاومة في غزة، إذ بمثل تلك الإمكانات البدائية القليلة التي يملكونها يوقفون جيش صهيون المدجج حتى أسنانه بل حتى عينيه بالسلاح المتقدم الرهيب، والمدعوم من قِبَل الدول الغربية كلها على اختلاف لغاتها وقومياتها وأنظمتها السياسية .
الجيش الإسرائيلي يتقدم بحذر شديد وعلى نظام حركة السلحفاة هجومه البري من خمسة محاور ومن خلال حدوده مع القطاع والبالغة طولها 40كم حركته تحسب بالأمتار رغم أنه يتقدم في أرض مكشوفة جرى حرثها بكافة الأسلحة مرات ومرات ، يعمل على تقطيع القطاع لكنتونات صغيرة لفصل شماله عن وسطه ووسطه عن جنوبه ، ويحيط بمدينة غزة المعقل الرئيسي للمقاتلين ، ولكنه لا يجرؤ على دخولها او دخول أي مدينة أو مخيم في كل القطاع ، يقف منذ 9 أيام على الأطراف وعندما يدخل بهذه الأطراف يجابه بقتال شديد شرس من المقاومين ، ويتعرض للخسائر في الأفراد والمعدات ، ويعود إلى الوراء ليلملم جراحه وإصاباته ، ليعود مرة أخرى وهكذا ولعل العالم أدرك هذا الجبن الإسرائيلي فظهر على لسان الرئيس الفنزويلي شافيز واصفاً القيادة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي بالجبن والخوف ، وقام هذا الزعيم الحر بطرد السفير الإسرائيلي بعد أن حمّله رسالة شفوية مفادها ( قل لقادتك الجبناء في تل أبيب ان يكفوّا عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال في غزة ، وإن هذا الذي يحدث من قبلكم لهو وصمة عار على حكومتكم وجيشكم الجبان ، ووصمة عار على جبين الإنسانية والعالم الحر في القرن ال21 ) ،
إن هذا الذي فعله شافيز لم يفعله الزعماء العرب الذين لديهم سفارات إسرائيلية في عواصمهم وترفرف عليها الأعلام الصهيونية ، بعد هذا الذي يجري في غزة ، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع
وإنا على ما يجري لشعب غزة وأطفال ونساء غزة لمحزونون .
ومع ذلك فغزة لا تحارب من أجل فلسطين وحدها، بل من أجل الإسلام وأمة الإسلام كلها، تلك الأمة التى ابتلاها الله بكل أمراض المذلة والخنوع والهوان والتفاهة فهى لا تحاول التخلص مما هى فيه ولا تريد ولو مرة وأحدة أن تثبت أنها أمة من البشر لا من البقر.
ثم يا ليت فصول المسرحية الإجرامية قد توقفت عند هذا الحد، إذ هناك أيضا الحصار الرهيب الذى يخنق أبطال غزة من كل الاتجاهات، وهناك المؤامرات التى يشترك فيها القريب والبعيد من حكام العرب والمسلمين، وهناك صنوف الخذلان التى يلقاها أولئك المغاوير أبطال الإسلام الأشاوس من أمة المليار والثلثين، أمة الخزى والهوان، أمة الجهل والسفالة وقصر النظر، أمة الكسل والبلادة وطول اللسان، أمة العار والشنار، الأمة التى لا تخاف ولا تستحي ولا تختشى. ألا يكفى أن إسرائيل، ومعها كل أولئك المجرمين العالميين والمحليين، لم تستطع أن تهزم غزة؟ إن هذا لهو النصر المبين!
غزة صامدة صمود الأبطال في ساحة الوغى ساحة الجهاد ، وهي منتصرة بعون الله وفي المرحلة الثالثة والرابعة ستكون غزة مقبرة للصهاينة تعليقات كثيرة في وسائل الإعلام من مستسلمين عرب تلقي اللوم على حماس، وتتوعد حماس بأيام سوداء تصنعها لها إسرائيل. وهناك من الدايتونيين (أتباع دايتون) من حزم حقائبه ليذهب إلى غزة مع قواته في اليوم التالي
للهجوم ، وستفشل إسرائيل في حملتها لأننا لا نبني صروحاً في الخيال ، وإنما نستشف المستقبل من خلال الحاضر والماضي ،. إسرائيل تقصف الآن وتدمر البيوت على رؤوس ساكنيها وتقتل المدنيين الشيوخ والنساء والأطفال ، لكن هذا لا يعني أنها تحقق انتصارا. ومن يقول بأن هذا إنتصار فهو أمي من الناحية العسكرية ، انتصارها في هذه الحرب يعني القضاء على المقاومة، وإسقاط حماس وتغيير الوضع السياسي القائم في غزة. المعارك حقيقة لا تقاس بالخسائر وإنما بالنتائج. كل شعوب الأرض التي وقعت تحت الاستعمار أو الاحتلال وقعت بها خسائر كبيرة تفوق الخسائر التي تكبدتها قوة الاحتلال بمرات، والتاريخ أمامنا وحرب فيتنام وكوريا والجزائر وليبيا ، لكن الشعوب انتصرت في النهاية ، حماس لغاية هذه اللحظة منتصرة فما تزال قوتها في أوجها ،وما زالت إسرائيل لم تصل بعد لخندق واحد للمقاومة ، ما زالت تراوح مكانها على أطراف المدن والمخيمات جبناً وخوفاً وهلعاً من الصدام والتماس مع رجال قرروا أن يدافعوا عن كرامتهم وكرامة أمتهم حتى الرمق الأخير ، ولسوف تخرج إسرائيل ذليلة مدحورة مهزومة سياسياً وعسكرياً تجر أذيال الخيبة هي وعملائها من خونة الأمة ، وسنرى في الأيام القليلة القادمة مصير الجيش الذي لا يقهر ومصير عملاء العرب وخونتهم ، بعد أن يأتيهم الدليل الدامغ من أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت !!!!
المفضلات