منذ أواخر 2002، كان عامر العظم يجري يمنة ويسرة يخطب ويخاطب ويزبد كعادته، ساعياً لحشد الطاقات وتأسيس جمعية تجمع المترجمين العرب. كانت النيات صافية وكنا نعتبر ذلك من باب الجهاد الثقافي. ولعل الفكرة انبثقت عندما كنا نرى الأمريكان واليابانيين والألمان والفرنسيين والإيطاليين والإسبان ينشطون على الشبكة حيث ينفعون وينتفعون، بينما كانت مشاركات الناطقين بالعربية محتشمة ومصطفة وراء الناطقين بالانكليزية أو الفرنسية أو... ومع وجود جمعيات إقليمية، لم تكن هناك جمعية جامعة على النطاق الدولي للناطقين بالعربية...
كانت غيرة و'فروسية' وليال بيض. (حسناً، ولا زالت والحمد لله).
في شهر فبراير 2003، وبنية طلب بركة ومباركة الله تعالى لسعينا، كتبت خطبة نشرناها وقتئذ على موقع بروز. ويسرني اليوم أن أنشرها على الموقع الأم، لتبقى شاهداً على نوايانا وما كنا نسعى إليه منذ أول خطوة.
مع التحية الصادقة والسلام عليكم
عبدالودود
-------
Feb 19, 2003

بسم الله الرحمان الرحيم

على بركة الله والصلاة والسلام على رسول الله، ربّي اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحْلل عقدة من لساني يفقهوا قولي! آمين
أيّها الإخوان والأخوات، أيّها الزّملاء والزّميلات
الحمد لله الذي خلقنا من أنثى وذكر وجعلنا قبائل وأمم، وخاطبنا بلسان تفهمه عقولنا فيه النصح والعبر، ثم يسر لنا أن نتخاطب ونتحاور ونتفاهم في شتى اللغات رغم اختلاف الأديان والمِلل والنحل وهو القائل جلّ جلاله: \"إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم\". نحمده على ما تعلّمنا من لغات وما عرفنا من علوم وآداب وتاريخ وحاضر الحضارات وما أتقنّا من فنون التّعريب والتّرجمات. وأصلّي وأسلّم على سيّدنا محمد وآله، صاحب الأخلاق العليّة والسّجايا والمزايا الربّانيّة وعلى عيسى روح اللّه وموسى كليم اللّه وإبراهيم خليل اللّه وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين والصّحابيّين وعلى التابعين والأولياء والعلماء الصّالحين، أما بعد،

فهذه تذكرة لي و لكم ولكلّ من شاء أن يعتبر بهذه المناسبة المباركة وهي تأسيس الجمعيّة الدوليّة للمترجمين والمترجمات العرب.

يحلو لي، وهو واضح أنّي لست أفضلكم، أن أحدّثكم في نقطتين:

الأولى في إخلاص النية وفضل العالم المخلص

والثانية في فضل تعلم وتعليم اللغات وما يتبعها من لسانيات وتعريب وترجمة.

أما أوّلا فأذكركم ونفسي أن اللّه طيّب لا يقبل إلا الطيّب، فلا يجرؤنّ أحد على امتطاء نيّة العمل لوجه اللّه والحقّ أنّ باطِنه لا يُضْمِر إلاّ منفعته الخاصّة من مال يكتسبه أو صيت يستعمله أو جاه يتقرّب به لأولي الأمر. إنّ اللّه عزيز و \"للّه العزّة جميعا\" وهو سبحانه وتعالى كفيل بالمُكافئة وأهل للعطاء والسّخاء والجائزة والعطيّة، والشّرط الفصل الأوّل هو إخلاص النيّة. ولا بأس بتذكيركم ونفسي بالحديث الشّريف: \"إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى\".

ومع هذا فالدّين الإسلامي كما تعلمون ليس بدين حرمان ولا رهبانيّة، فلا بأس بالسّعي للرّزق الحلال المبارك، المبنيّ على النوايا الحسنة حيث يجد في هذه الجمعيّة كلّ عامل حسب اختصاصه ما يصون به ماء وجهه من المال الطيّب مقابل جهده وكدّه، إذ إنّ المترجمين والمترجمات يُشبهون في هذا الخيّاط والخطّاط الّذين امتدحهم رسولنا الحليم بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: \"الخيّاط والخطّاط يأكلان من نور أعينهم\".

وإخلاص النيّة يتجلّى كذلك في صدق التّرجمة والقيام بها مع كامل الاحترام للنصّ الأصلي وإن كان كاتبه من غير ديانتك أو حتّى عدوّ أو كافر، وما أكثرهم، أو ذو أخلاق منحطّة وغير ذلك ممّن يُخالفونك في العقيدة والعادات والأخلاق والأفكار والرُّؤى. فالمترجمون والمترجمات المسلمين والمسلمات حلماء واسعو الصّدر قابلو الإختلاف سمحين لا تزمُّت ولا عنصريّة ولا عصبيّة لديهم لقبيلة أو لشعب أو لمذهب وأذكّركم ونفسي بحديثه صلّى اللّه عليه وسلّم عن العصبيّة وهو ينهى: \"دَعوها فإنّها مُـنـتِـنة\"

فعندما نكون لوحدنا أمام أوراقنا وقواميسنا، نخطّ بالأقلام أو ننقر على لوحات المفاتيح، لا أحد يدري إن أخفينا معنى أو طمسنا فكرة أو تلاعبنا برأي أو قصّرنا في جهد، لا أحد يرى ذلك إلاّ اللّه سبحانه وتعالى إذ يعلم جميع اللّغات واللّهجات واللّكنات الحاليّة والسّابقة وحتّى القادمة، لايخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء وهو البصير بعباده.

ويكفي في ختام هذه التّوصية الأولى أن أُذكّركم ونفسي بأمر جليل بالنـسبة للسامع اللّبيب. ألم يُعلمنا الرّسول عليه السّلام أنّ حبر العلماء أثقل ميزانا من دم الشّهداء. نسأل اللّه القريب المجيب أن يجعلنا جميعا من العلماء المخلصين وأن يكتب لنا كلّ كلمة وكلّ حرف عرّبناه أو ترجمناه لأيّ لغة في سجلّ الحسنات الّتي نلقاها يوم اللّقاء وبعد الممات وأن ينفعنا بذلك في دنيانا ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

أمّا في ما يخصّ ميزات اللّغات واللّسانيّات فيكفي البشر فخرا أنّ الله تعالى علّم الإنسان ما لم يعلم وعلّم آدم أبونا الأسماء كلّها وهذا منّ من اللّه خصّ به البشر ولم يُعطه حتّى للملائكة المقرّبين. أمّا نحن كعرب ومستعربين فلنستفق من غفلتنا ولنتذكّر أنّ اللّه خاطبنا بلسان عربيّ مبين وبعث فينا رسوله العربيّ الهاشميّ السّاميّ الّذي أعلمنا، وما كنّا ندري من قبل أنّ أهل الجنّة يتكلّمون العربيّة.

إنّ تعلّم اللّغات أمر استراتيجي اليوم. نحن في عصر الاتصال والتواصل والمواصلات. وإنّ اللّغات تفتح على مصراعيها أبواب التّخاطب فالتّفاهم فالتّحابب أو على الأقلّ الاحترام المتبادل بين الشّعوب والحضارات. إنّ المترجمين والمترجمات العرب هم رأس حربة الأمّة في تطوير تناغم الحضارات لا تصادمها كما ينعق بذلك بعض الغربان. إنّكم أيها الإخوة وأيّتها الأخوات لستم سفراء المشرق أو المغرب العربي فحسب بل سفراء الأمّة بأكملها أينما كنتم وأينما حللتم. وإن كانت مكافئتكم دون الجهد فلا تنسوا أنّ اللّه يُكافيكم أضعاف أضعاف جهودكم.

هذا وفي الآخر لا تنسوا أن تمدّوا أيدي الضّراعة والخنوع إلى خير مسؤول وخير مقصود وخير معبود، ربّنا الـلّـه الّذي يسّر لنا أن نتعارف ونتعامل رغم آلاف الكيلومترات الّتي تفصل بعضنا عن البعض.

اللهمّ بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وعقولنا واجعلهم الوارث منّا، اللهمّ بارك لكلّ مترجم ومترجمة منّا في العلم والرّزق والولد، اللّهم اجعلنا ترجمان حقّ وإتقان وجمال وبراعة، اللهمّ اجعلنا نتنافس ونتحابب ولا تجعلنا نتزاحم ونتباغض، اللّهم اجعل صغيرنا يُوقّر كبيرنا واجعل عالمنا يُوقّر عليمنا واجعل كذلك كبيرنا يرحم صغيرنا وعليمنا يعلّم عالمنا. اللهمّ استرنا أبدا ما أحييْتنا من فتن العلم واسترنا من السّمعة والعجب والكبْر. اللهم إنا نعوذ بك من كساد العلم والفكر والعمل ونعوذ بك من كساد الرزق وبوار المجهود.

اللّهمّ بارك لنا في جمعيّة المترجمين العرب واجعلها دائمة ناجعة ناجحة مبروكة مبخوتة وفي خدمة الأمّة. اللهمّ أطل عمرها بعد أعمارنا وبوّبها بعلمك أن تكون أفضل وأشرف وأتقن وأبرع مرجع للتّرجمة من وإلى اللـّغة العـربيّة في العالم. اللهمّ سخّر لها خيرة المترجمين والمترجمات وأنت أعلم بأخيارنا. اللهمّ بارك وأجز من كان سببا في انبعاثها ومن يعمل لتأسيسها وتطويرها ولكلّ من نوى وينوي لها الخير. اللّهمّ يسّر وسخّر لها الأموال والخبرات والكفاءات، واجعل جمعيّتنا محبوبة، مقصودة، مسموعة وخفيفة الظلّ وصلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. آمين

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين. أعوذ بالله من الشّيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم: \"والعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوْا بالحقّ وتواصوْا بالصّبر\". صدق الله العظيم

أخوكم الفقير إلى رحمة ربّه الغنيّ

عبد الودود