الأخ الدكتور عبد الرؤوف عدوان،
السلام عليكم وبعد،
الإجابة عن السؤال الأول: أجل! هناك تحولات وتغيرات في الوعي والرأي العام العربي تشي بأحداث جسام في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة، فالتفاعلات نضجت إلى أبعد مستوى وخاصة أن العوامل الخارجية المثبطة (الولايات المتحدة) في تراجع.
أما السؤال الثاني، فإنه يمكن أن تقوم واتا بدور مهم جداً على الجانب الثقافي والمدني من التغيير وهو الجانب الذي يستغرق وقتاً أطول من غيره من جوانب التغيير. يجب أن يكون هناك "قوة" مدنية وثقافية تساند القوة العسكرية والسياسية وتحتضنها، لقد كانت بعض تجارب النهوض العربي مقيدة برأيي بمحدودية أو ضعف قيادة المجتمع المدني ومهنيته. ونحن شهدنا اختلاطاً هائلاً في المفاهيم يولد ارتباكاً وحيرة كبيرين أمام ما يحدث. أهم جوانب التغيير يتعلق بثقافة المجتمع وإعادة تعريف المفاهيم والمقاييس والعودة بقيمنا وأعرافنا ومقاييسنا إلى روح الدين والفطرة العربية الأصيلة واستقاء الدروس من التجارب السابقة. يمكن للجمعية أن تسهم في إعادة تعريف وتطوير وترسيخ المفاهيم التالية:
(1) مفهوم الآخر: في ثقافتنا الحالية، الآخر –بكل أسى وألم- هو المنافس على كل شيء والخصم والعدو الذي إن لم "تفطر عليه ... سيتغذى بك"، وتربيتنا تعزز من روح الخصومة تلك. فتكونت لدينا ذهنية إقصائية تتجلى في سلوكياتنا وحواراتنا.
ينبغي لنا أن نكتب كثيراً في هذا الموضوع، وينبغي أن تُجرى في واتا مناظرات بين أعضاء وأساتذة ودكاترة يتم اختيارهم على أساس أنهم متمكنون في موضوع المناظرة ويجيدون مهارات الحوار وآدابه، نتعلم منهم جميعاً كيف نأخذ ونرد. وأحب هنا أن أتقدم بهذا الاقتراح رسمياً بحيث تُجرى مثلاً مناظرة مكتوبة لمدة معينة من الزمن (10 أيام مثلاً) بين طرفين حول موضوع ما، ويدير هذه المناظرة ويوجهها كل مرة مشرف يتمتع بهذه القدرة، وأقترح الزملاء: عبد الرؤوف العدوان وعبد القادر بوميدونة وعبد الرشيد حاجب وغيرهم طبعاً لإدارة المناظرات.
(2) ترسيخ مفهوم إتقان العمل. لن تحدث الثورة والنهضة الكبرى برأيي ولن تستمر ووتتنامى إلا إذا أصبح كل فرد في المجتمع من أعلى المراتب وحتى أدناها يقوم بعمله على الوجه المطلوب أو يقرر السير على طريق الاكتمال التدريجي لمستوى أدائه. يمكننا جميعاً أن نكتب صفحات ومجلدات في إيجابيات الارتقاء بالمستوى المهني في وطننا، وكلنا يعرف المستوى المهني المحزن عند مختلف فئات الفنيين والعمال والموظفين وكبار الموظفين والمدراء والمسؤولين والأطباء والمهندسين. وتكمن المصيبة في موقف العربي من العمل على أنه وظيفة ومصدر عيش فقط وليس دور ومسؤولية وثغرة من ثُغر الأمة.
(3) مفهوم توزيع الأدوار وضرورة أن يقوم كل منا بدوره لا بدور غيره: حتى تستوي الأمور، هناك دائماً قائد واحد وعدة معاونين وأفراد كثيرون في أي مجتمع؛ ابتداءً من الأسرة الصغيرة وحتى الدول العظمى. العكس يحصل عندنا، هناك تداخل مريع في الأدوار وتعدي على مناطق الآخرين وتخبط سافر في مجالاتهم. خذ مثلاً قراراً يتخذه رئيس أو قائد أي مجتمع، وانظر ردود الفعل عليه ومدى الالتزام به. إن قراراته تتعرض للنقد والتقييم، وبالتالي التنصل من الالتزام، حتى من أدنى المستويات الوظيفية وأدنى المراتب في تراتبية ذلك المجتمع. تتسم المجتمعات القوية بأن الجميع يحترم دور الجميع ومنطقته. الجميع يطيع أوامر وقرارات القائد أو المدير أو صاحب الاختصاص حتى لو لم ترق له تلك القرارات.
أخي الكريم، حاولت أن أكون مختصراً قدر الإمكان، الموضوع عميق وطويل وعريض وزاخر بنقاط النقاش، قد اخترت ثلاثاً منها هي برأيي مركزية لإحداث روح- الفريق والعمل الجماعي التي نفتقر إليهما مجتمعاتنا بصورة حادة والتي يمكن للجمعية أن تؤثر فيها.
تحياتي وتقديري،
أحمد
المفضلات