بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين

لوحة رقم (01): القمة المحظوره – مقال لفهمي هويدي

مَنْ كان يتخيل يوما ما أن يكون هناك قرار عربي بمنع انعقاد قمة تتخذ موقفا من المذبحة الجارية في غزة؟
صحيح أن هذا القرار لم يعلن بهذا الوضوح، ولكن كل الدلائل تشير إليه.

ذلك أنه ما إن اقترحت قطر عقد القمة، حتى تلاحقت أصوات عدة استهدفت إفشالها، والحيلولة دون انعقادها. فكان الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، الذي شهد تباينا في المواقف، وانتهى بإيثار إلقاء الكرة أولا في ملعب مجلس الأمن، ثم النظر بعد ذلك في مسألة القمة. وسافر وفد وزاري عربي إلى نيويورك، وكل واحد منه يعرف جيدا أن مجلس الأمن لن يستجيب لما يريده العرب، بسبب الفيتو الأميركي التقليدي، أمضى الوفد أسبوعاً هناك، كان شلال الدم الفلسطيني خلاله يتدفق غزيرا والدبابات الإسرائيلية تعربد فوق أشلاء اللحم الفلسطيني. ثم عاد أعضاؤه بقرار هزيل، أعطى إسرائيل ضوءا أخضر لمواصلة المذبحة وتحقيق أهدافها، في حين أعطى العرب عبارات إنشائية فضفاضة وصفتها من قبل بأنها «شيك بدون رصيد».

وبعد فشل الدور الذي قام به وزراء الخارجية جددت قطر دعوتها لعقد القمة، وعندئذ توالت الاعتراضات وعمليات التسويف، وكانت مصر والسعودية أول الرافضين لها، حيث أعلنت الدولتان أنه مادامت هناك قمة اقتصادية أعد لها سلفا ستعقد في الكويت يوم 19 يناير، فستكون الفرصة مواتية، لعقد قمة تشاورية على هامشها لبحث موضوع غزة، وقال وزير الخارجية المصري السيد أبوالغيط إن المشاركة في القمة القطرية المقترحة (التي كان مقترحا عقدها اليوم) من شأنه أن يلغي القمة الاقتصادية التي ستعقد يوم الثلاثاء بالكويت. لم يكن الكلام مقنعا، لأن المذبحة مستمرة بكل قسوة، والظرف شديد الإلحاح، ولا يعقل أن يؤجل بحث الأمر لأكثر من ذلك. ولأنه لا يعقل أن يناقش هذا الموضوع الخطير في قمة «تشاورية» تعقد على «هامش» القمة الاقتصادية،

صحيح أن ثمة خلفيات ورواسب لتوتر حاصل بين السعودية وقطر، قيل لنا في العام الماضي انه تمت تسويته بما أعاد الصفاء بين البلدين، وصحيح أيضا أن مصر مستاءة من الدور الذي تقوم به قناة «الجزيرة»، وعبرت عن ذلك الاستياء خلال اتصالات مباشرة، كما هدد وزير الإعلام المصري غير مرة بإغلاق مكتب القناة في القاهرة، بل إن وفد حماس الذي قدم أخيرا إلى القاهرة لمناقشة موضوع «المبادرة» منع من مشاهدة قناة «الجزيرة»، وسمح لأعضائه فقط بمتابعة فضائية «العربية»، ولم تستجب إدارة الفندق الذي نزلوا فيه لرغبتهم في مشاهدة «الجزيرة»، كل هذا صحيح، لكن أحدا لم يتصور أن هذه الخلفيات يمكن أن تشكل سببا كافيا لمقاطعة قمة عربية لمواجهة التحدي الخطير الراهن.

بل حدث ما هو أغرب، حين توالت الضغوط لإثناء الدول العربية التي وافقت على حضور قمة الدوحة على سحب موافقاتها، وأُعلن ذلك على الملأ في حالة المغرب على الأقل، كما نشرت الصحف أن اتصالات هاتفية تمت بين بعض القادة العرب الرافضين وآخرين من الموافقين «للتشاور» حول الموقف الراهن، الأمر الذي فُهم منه أنها محاولات لإقناعهم بعدم الذهاب إلى الدوحة، بعد ذلك توالت مفاجآت أخرى، في مقدمتها دعوة السعودية إلى قمة خليجية عاجلة في الرياض أمس، لبحث موضوع مجزرة غزة، بالتالي فإن القادة الخليجيين الذين كان يتعين عليهم أن يسافروا إلى الدوحة للمشاركة في القمة العربية، وجدوا أنفسهم مدعوين للذهاب إلى الرياض في اليوم نفسه،

لم يخل الأمر من مفارقة لأن السيد أبوالغيط ذكر في تبرير رفض فكرة قمة الدوحة أن الاشتراك فيها من شأنه أن يلغي إمكان الحضور في القمة الاقتصادية بالكويت، لكن حجته هذه سقطت بعقد القمة الخليجية بالرياض التي لم يقل أحد إن المشاركة فيها تلغي إمكان حضور القادة الخليجيين القمة الاقتصادية.

المفارقة الأخرى أنه في حين تستمر محاولات اجهاض فكرة اجتماع القادة العرب للاتفاق على ما يمكن عمله في مواجهة المذبحة، فإن اثنين من زعماء أميركا اللاتينية (رئيسا فنزويلا وبوليفيا) بادرا إلى قطع علاقات بلديهما الديبلوماسية مع إسرائيل.

وهو ما يستدعي أسئلة عديدة.

صحيفة الدستور المصريه
الجمعة 19 المحرم 1430 – 16 يناير 2009


وبالله التوفيق،،،