حكى الراوي ، قال : كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان شجرة ضخمة ذات طول مثير وشكل عجيب ، فسبحان خالقها ومبدعها ، كانت في غابة من الغابات الكبيرة .
وكـان يـعـيـش في نـفـس الـغـابـة حـطـاب عـجـوز ، هـو وزوجـتـه ، كـانـا يـسـكـنـان فـي كـوخ صـغـيـر ، لـم يـكـن لـهـمـا أولاد . وكـان كـل شيء في حـياتـهـمـا هـادئـا يـنـبـئ عـن سـعـادة غـامـرة .
يـمـر الـحـطاب كـل يـوم بـهـذه الـشـجـرة الـتي تـقـع في مـنـتـصف الـطـريـق ، يـسـتـريـح تـحـتـهـا قـبـل أن يـسـتـكـمـل مـشـواره داخـل الـغـابـة لـيـجـمـع الـحـطـب . كان قـد ورث عن أبـيـه كـوخـا وفـأسـا وحـبـلا وحـب هـذه الـشـجـرة واحـتـرامـهـا . فـحـيـنـمـا كان يـجـلـس فـي ظـلـهـا ، كـان يشـكـو إلـيـهـا هـمـومـه ويـخـبـرهـا عـن شـيـخـوخـتـه وعـن مـعـانـاتـه ووحـدتـه ، لا أبـنـاء يـعـيـنـونـه وقد شاخ وضـعـفـت قـوتـه ، لا أصـدقـاء يـسـألـون عـنـه وقـد مـل أن يـجـلـس إلى زوجـتـه الـتي كـانـت قـلـيـلا مـا تـتـحـدث . كـانـت زوجـه تـمـلأ عـلـيـه فـراغـه رغـم كـبـر سـنـهـا وضـعـفـهـا بـسـبـب الـمـرض .
وفـي يـوم مـن الأيام ، وبـيـنـمـا الـحـطـاب الـعـجـوز سـائـر فـي طـريـقـه إلـى الـغـابـة كـعـادتـه مـنـذ سـنـوات ، اعـتـرض طـريـقـه جـمـاعـة مـن قـطـاع الـطـرق ، فـفـتـشـوا كـل أغـراضـه ، فـلـم يـجـدوا شـيـئـا سـوى فـأس وحـبـل أكـل عـلـيـهـمـا الـدهـر وشـرب . أمام فـشـلـهـم في الـعـثـور عـلى شـيء وإحـسـاسهـم بـالإحـبـاط لـم يـجـدوا غـيـر أن يـشـدوا وثـاقـه ويـربـطـوه بـحـبـلـه . قـرروا أن يـحـمـلـوه مـعـهـم إلى حـيـث يـريـدون ، وكـانـوا يـنـوون أن يـأخـذوه إلـى مـنـزلـه لـعـلـهـم يـجـدون بـه شـيـئـا ذا قـيـمـة . وفي مـنـتـصـف الـطـريـق مـروا بـشـجـرة عـظـيـمـة ، أثـارت إعـجـابـهـم ودهـشـتـهـم واسـتـغـرابـهـم في نـفـس الـوقـت ، فـاتـفـقـوا عـلى أن يـسـتـريـحـوا تـحـت ظـلـهـا ويـربـطـوا الـعـجـوز إلـيـهـا قـبـل أن يـواصـلـوا مـسـيـرتـهـم نـحـو الـكـنـز الـمـنـتـظـر، أسـنـدوا الـعـجـوز إلـى الـشـجـرة وشـدوه شـدا وثـيـقـا .
قـال الـحـطـاب فـي نـفـسـه ، وقـد أيـقـن أنـه هـالك لا مـحـالـة ، لـم لا أخـبـر صـديـقـتـي الـشـجـرة ، فـلـعـلـي بـذلك أخـفـف عـن نـفـسـي بـعـض مـا تـعـانـيـه .
بـدأ يـشـكـو إلى الله ربـه وهـو يـسـمـع الـشـجـرة . كـان صـوتـه مـرتـفـعـا ، يـزعـج اللـصوص ، حـتـى أن أحـدهـم نـهـره وهـدده إن هـو لـم يـغـلـق فـمـه ، فـسـيـحـشـوه حـشـيـشـا . طـال الـوقـت بـالـعـجـوز ، وقـد كـل وتـعـب ، وبـلـغ مـنـه الـيـأس كـل مـبـلـغ . فـقـرر أن يـودع صـديـقـتـه الـشـجـرة قـبـل أن يـنـقـلـه اللـصـوص ، وقـد رأى اسـتـعـدادهـم لاسـتـكـمـال الـسـيـر ، وإذا بـرائـحـة غـريـبـة تـفـوح مـن الـشـجـرة الـعـجـيـبـة بـحـيـث مـلأت الـمـكـان كـلـه . أحـس الـحـطـاب ومـعـه قـطـاع الـطـريـق بـارتـخـاء فـي مـفـاصـلـهـم وانـسـدال فـي جـفـونـهـم شـيـئـا فـشـيـئـا حـتـى أنـهـم نامـوا نـومـا عـمـيـقـا وهـم عـلـى وضـعـيـتـهـم .
كـانـت الـشـجـرة قـد أصـدرت رائـحـة مـنـومـة ، ولـم تـكـن تـمـلك شـيـئـا آخـر غـيـر ذلك تـنـقـذ بـه الـعــجـوز الـطـيـب ، لـعـل الله يـجـعـل لـه فـيـه فـرجـا . مـر وقــت طـويـل وضـيـوف الـشـجـرة نـائـمـون ، فـإذا بـأصـوات تـسـمـع مـن بـعـيـد ، كـانـت فـي الـبـدايـة خـافـتـة ثـم بـدأت تـسـمـع عـلـى شـكـل جـلـبـة . إنـهـا جـمـاعـة قـادمـة ، كـانـوا من سـكـان الـدواويـر الـمـجـاورة الـتـي أغـار عـلـيـهـا اللـصـوص فـي تـلك اللـيـلـة وأخـذوا مـا اسـتـطـاعـوا مـن أمـوالـهـم وطـعـامـهـم . فـخـرج الأهالـي يـبـحـثـون عـسـى أن يـلـحـقـوا بـهـم أو يـجـدوا لـهـم أثـرا . فـلـمـا تـبـيـنـوهـم وجـدوا لـديـهـم بـعـض مـسـروقـاتـهـم فـعـلـمـوا أنـهـم اللـصـوص الـذيـن بـحـثـوا عـنـهـم مـنـذ أكـثـر مـن ثـلاث لـيـال . لـم يـكـونـوا قـد رأوهـم بـاللـيـل حـتـى يـعـرفـوا مـلامـحـهـم . ولـمـا رأوا الـحـبـل أدركـوا أن الـعـجـوز سـجـيـنـهـم وأنـه لـيـس واحدا منهم ، فـفـكـوا وثـاقـه وأوثـقـوا الآخـريـن وثـاقـا ، وانـتـظـروا حـتـى اسـتـيـقـظ اللـصـوص ، فـأشـبـعـوهـم ضـربـا ، وحـولـوهـم إلـى والـي الـمـديـنـة لـيـلـقـي بـهـم فـي حــفـرة تـحـت الأرض أعـدهـا سـجـنـا لأمـثـال هـؤلاء مـن الـمـجـرمـيـن . فـحـمـد الـعـجـوز الطـيـب الله تـعـالى حـمـدا كـثـيـرا ، وشـكـر الـشـجـرة الـزكـيـة ، وقـال فـي نـفـسـه :<< حـقـا ، مـا جـزاء الإحـسـان إلا الإحـسـان >> .